Professional Documents
Culture Documents
• غياب ر�ؤية ا�ست�رشافية يف التعاطي مع �أنظمة الرتبية والتكوين ،من حيث كونها �أنظمة حيوية
ودينامية لها ارتباط وثيق بتحوالت املحيط الوطني والعاملي .وهو ما يف�رس ،يف جانب
منه ،امل�ستوى ال�ضعيف الذي بلغته مالءمة نظامنا الرتبوي والتكويني ،يف جانبه التدبريي
والتنظيمي ،مع جتدد حاجات الأفراد واملجتمع ،يف جماالت عدة ،من بينها الآليات الكفيلة
بتدبري وقيادة ال�ش�أن الرتبوي يف �أفق ت�أهيله ملواجهة حتديات امل�ستقبل؛
• نزوع النظام الرتبوي والتكويني �إىل اال�شتغال وفق دوائر مغلقة ،مما يرتتب عنه انف�صال
بني العنا�رص امل�شاركة يف العملية الرتبوية والإدارية ،ويكر�س �ضعف فر�ص التكامل والتعاون
والتن�سيق والتوا�صل فيما بينها ،وينعك�س بالتايل �سلبا على جودة �أداء املنظومة الرتبوية
والتكوينية ،وعلى التح�صيل الدرا�سي ب�شكل عام؛
• �ضعف تقاطع امل�صالح وتالقي الإرادات بني الفاعلني الإداريني والرتبويني واالجتماعيني
واالقت�صاديني� ،ضمن �إطار للربح املتبادل ،ي�ستند �إىل ن�سق ت�شاركي حقيقي بني امل�ؤ�س�سة
وحميطها االجتماعي العام ،مما ُي َ�ضيق م�ساحات التكامل والت�شارك بني خمتلف �رشكاء
املنظومة.
والواقع �أن هذه الق�ضايا التي تتعلق �أ�سا�سا باجلوانب التنظيمية والتدبريية يف املنظومة
الوطنية للرتبية والتكوين والبحث العلمي ،تتطلب فح�صا �شموليا لآليات ا�شتغال املدر�سة يف
�ضمن هذا ال�سياقُ ،يطرح الدور املحوري للإدارة الرتبوية يف بلورة ا�سرتاتيجية توا�صلية
وتعاونية �سواء داخل املدر�سة �أو خارجها ،وذلك ال�ستقطاب ال�رشكاء وفعاليات املجتمع املدين ق�صد
حتقيق التعبئة االجتماعية حول املدر�سة ،وتفعيل امل�شاركة املجتمعية لتمكني الن�سق املدر�سي من
مواجهة امل�شاكل ومعاجلة االختالالت التي حتول دون قيامه بوظائفه كاملة �سواء على امل�ستوى
ال�سو�سيو ــ تربوي �أو الثقايف �أو االقت�صادي.
ينتمي مفهوم التعبئة االجتماعية جليل الرباديغمات التنموية ،التي ي�صعب تعريفها ب�شكل
�إجرائي ودقيق ،الختالف ال�سياقات االجتماعية واملدار�س الفكرية ،وزوايا النظر ،والأطر املرجعية
للمهتمني والباحثني .ومع ذلك ،ميكن الإ�شارة �إىل �أنه يحيل على خمتلف الأ�ساليب والتدابري
والر�ؤى املوجهة لتغيري الربامج واملخططات املتبناة يف املجال الرتبوي ،و�آليات توجيه املمار�سة الرتبوية
امليدانية ب�شكل متب�رص ومن�سجم مع هدف حتقيق التفاعل والتكامل بني املدر�سة وحميطها
االجتماعي العام.
لقد مت توظيف مفهوم التعبئة على نطاق وا�سع يف �سياق تنزيل توجهات امليثاق الوطني
للرتبية والتكوين ،واعترب �آنذاك هدفا من الأهداف الأ�سا�سية التي كان ي�سعى �إليها امليثاق؛ كما
�شكل مو�ضوعا مل�رشوع �ضمن م�شاريع الربنامج اال�ستعجايل ،2012 - 2009ومت �إدراجه يف
تدابري املخطط اال�سرتاتيجي لوزارة الرتبية الوطنية .2016 – 2013
من جهة ثانية� ،أكد اخلطاب امللكي الأخري مبنا�سبة ذكرى ثورة امللك وال�شعب على �رضورة
و�ضع قطاع الرتبية يف �إطاره االجتماعي واالقت�صادي والثقايف من �أجل تكوين وت�أهيل املوارد الب�رشية
لالندماج يف دينامية التنمية ،وتلبية التطلعات امل�رشوعة لل�شباب املغربي .لكن ،وبالرغم من ذلك ،ظل
هذا املفهوم يكتنفه الكثري من الغمو�ض وااللتبا�س يف �أذهان الفاعلني الإداريني والرتبويني ،وخا�صة يف
من يفرت�ض فيهم االنخراط يف �أجر�أة �آلياته وجت�سيد مقت�ضياته ميدانيا ،ونخ�ص بالذكر هنا ،الإدارة
الرتبوية بكل مكوناتها وم�ستوياتها .ونقرتح يف ما يلي جملة من الآليات امل�ؤ�س�ساتية التي ميكنها
الإ�سهام ب�شكل فعال وكبري يف تطوير عمل الإدارة الرتبوية على م�ستوى التعبئة.
36
ميكن احلديث عن ثالث �آليات م�ؤ�س�ساتية متكاملة ،لربح رهان التعبئة االجتماعية حول املدر�سة:
�آلية ال�رشاكة امل�ؤ�س�ساتية؛ �آلية م�رشوع امل�ؤ�س�سة؛ �آلية املخطط ال�سنوي.
• الأ�سرة وجمعيات �آباء و�أولياء التالميذ :تتدخل الأ�رسة يف احلياة املدر�سية ب�صفتها معنية بتتبع
امل�سار الدرا�سي لأبنائها ،ويتم ذلك بكيفية مبا�رشة ويف تكامل وان�سجام مع املدر�سة ،ويكون
هذا التتبع مفيدا يف ت�شخي�ص التعرثات يف حينها واتخاذ التدابري املنا�سبة لتجاوزها .ومن جهة
�أخرى ،ت�ساهم الأ�رسة يف تو�ضيح اختيارات التلميذ وتوجهاته الدرا�سية وامل�ساهمة يف بلورتها
انطالقا من ميوله وم�ؤهالته لإعداد م�رشوعه ال�شخ�صي� .أما جمعية الآباء و�أولياء التالميذ،
فتعترب هيئة م�ساهمة يف تنظيم وتن�شيط احلياة املدر�سية وطرفا م�ساهما يف تدبريها .كما �أن
دورها �أ�سا�سي يف ت�سهيل ربط الأ�رسة باملدر�سة وامل�شاركة يف �أن�شطتها وم�شاريعها.
• اجلماعة املحلية :تعترب اجلماعة املحلية من ال�رشكاء املعنيني ب�أمر امل�ؤ�س�سة التعليمية بحكم
�أنها متثل ال�سكان ،وبحكم �أن امل�ؤ�س�سة تقع �ضمن نفوذها الرتابي .وعلى هذا الأ�سا�س ،فهي
حا�رضة يف جمل�س تدبري امل�ؤ�س�سة ،ومطالبة بامل�ساهمة يف خدمة هذه الأخرية عن طريق دعم
م�شاريعها و�أن�شطتها املختلفة وتوفري الظروف املنا�سبة لإ�شعاعها.
بناء على ما �سبق ،يت�ضح �أن ال�رشاكة �آلية من �آليات التدبري الإداري والرتبوي احلديث املنظم
لي�س فقط بني امل�ؤ�س�سات والتنظيمات االجتماعية ولكن �أي�ضا بني الأفراد واجلماعات ،تقوم �أ�سا�سا
على التقاء �إرادة �أو �إرادات يف جماالت معينة ق�صد تنفيذ �أن�شطة �أو خدمات.
• داخل امل�ؤ�س�سة التعليمية :بني خمتلف الفاعلني وفق م�سعى ت�شاركي ،يتيح لهم فر�ص العمل
اجلماعي بهدف �إجناز �أن�شطة وتدخالت متمحورة حول خدمة التلميذ؛
• �أو بني امل�ؤ�س�سة التعليمية وحميطها ،من خالل �إتاحة الفر�صة ملختلف ال�رشكاء من �آباء ومنتخبني
حمليني وفعاليات اقت�صادية ومهنية للم�ساهمة يف �سيا�سة امل�ؤ�س�سة؛
• �أو بني امل�ستويات املحلية والإقليمية واجلهوية والوطنية ،من خالل االتفاق على �أهداف م�شرتكة،
مع ترك هام�ش من اال�ستقاللية لكل م�ؤ�س�سة ت�ستثمره انطالقا من واقعها و�إمكاناتها املادية
والب�رشية؛
بهذا ال�شكل ،ي�صبح م�رشوع امل�ؤ�س�سة �آلية لتقريب امل�ؤ�س�سة التعليمية من املجتمع الذي
تتواجد فيه ،ويتم جت�سيده من خالل جمموعة من الربامج الإرادية ،بهدف احل�صول على �أف�ضل
النتائج يف امل�ؤ�س�سات التعليمية والرفع من م�ستوى جودة التعليم بها .ويتعاون على تنفيذه فريق
تربوي داخل امل�ؤ�س�سة من خالل الإقدام على جملة من الأن�شطة ،وتكييفها مبا يتالءم ومتطلبات
البيئة وحاجيات اجلماعات املحلية ومطالبها ،ويف ان�سجام مع الغايات واملبادئ العامة املتفق عليها
على ال�صعيد الوطني والعاملي.
ويكفل م�رشوع امل�ؤ�س�سة للمدر�سة حتقيق جمموعة من املزايا لها ارتباط وثيق بالتعبئة
االجتماعية ،ن�شري لأهمها فيما يلي:
• ي�سمح امل�رشوع مببا�رشة بحث جماعي عن الو�سائل املالئمة لتح�سني نوعية التعليم وتطوير
مردوديته؛
• يحدد امل�رشوع �سبل العمل واخل�صائ�ص الواجب مراعاتها ،والنتائج املراد حتقيقها ،والطرائق
التي يتوجب اعتمادها؛
• يعتمد امل�رشوع التدبري الت�شاركي بكيفية واعية م�ضبوطة ،وي�سمح ذلك ملختلف ال�رشكاء
بتحديد م�س�ؤولياتهم وجماالت مبادراتهم يف حياة امل�ؤ�س�سة؛
• يوفر امل�رشوع �إمكانية متابعة تقوميية للنتائج بكيفية م�ستمرة ،والتدخل لت�صحيح الفوارق؛
38
• يقت�ضي م�رشوع امل�ؤ�س�سة تفعيل مبد�أ التوافق والتوا�صل املتعدد االجتاهات �سواء داخل امل�ؤ�س�سة
�أو خارجها ،مما يفيد يف م�شاركة و�إعداد امل�رشوع واتخاذ القرارات بارتباط بالعمل الذي �سيقوم
به كل فرد ،والذي �سيكون م�س�ؤوال عنه �أمام الآخرين.
يت�ضح ،من خالل ما �سبق� ،أن حتقيق م�رشوع امل�ؤ�س�سة ال ميكن �أن يتم �إال داخل �إطار �أو�سع
ت�شكله عالقات امل�ؤ�س�سة التعليمية باملحيط ال�سو�سيوثقايف واالقت�صادي ،و�رشوط احلياة داخل
امل�ؤ�س�سة ونوعية العالقات بني الفاعلني الرتبويني واالجتماعيني ،واالرتباطات مع �رشكاء امل�ؤ�س�سة
والفاعلني االقت�صاديني واجلماعات املحلية وم�ؤ�س�سات املجتمع املدين…الخ.
وتكمن �أهمية برنامج العمل ال�سنوي من الناحية املنهجية والعملية يف تفعيل الأهداف
الرتبوية والرفع من مردودية امل�ؤ�س�سة وذلك من خالل:
• تخطيط املهام املراد �إجنازها من خالل الإجابة عن الت�سا�ؤالت التالية« :من �سيفعل ماذا؟ متى؟
�أين؟ وب�أية و�سيلة؟»؛
• حتقيق مبد�أ التكامل يف التدخالت والتفاو�ض بني خمتلف الأطراف امل�ساهمة يف الربنامج،
فكل م�ساهم يتحرك يف �إطار خطة العمل ال�سنوي ،وهو مدرك ملختلف مهام الأطراف امل�شاركة
يف جت�سيد برنامج العمل ال�سنوي للم�ؤ�س�سة.
وبناء على هذه الآليات ،يت�ضح �أن م�س�ألة التعبئة االجتماعية ،تعتمل وفق ُبعدين �أ�سا�سني:
• الأول ،داخلي :يتج�سد من خالل التوا�صل والتعاون بني الفاعلني املنتمني للم�ؤ�س�سة التعليمية؛
• الثاين ،خارجي :يتجلى من خالل م�ساعي التعاون والت�شارك بني الفاعلني الرتبويني واالجتماعيني
واملهنيني�...إلخ.
وت�صب هذه الأبعاد ،يف نهاية املطاف ،يف هدف عام يتجه نحو خدمة التلميذ ،ويتج�سد من
خالل م�ساعدة هذا التلميذ على التموقع داخل حميط متحول ،والتكيف امل�ستمر مع الو�ضعيات
املختلفة ،وامتالك الآليات والأ�ساليب املنا�سبة للتنب�ؤ بالتغريات والتحوالت امل�ستقبلية وا�ستيعابها
وفق خطط ا�ستباقية تراهن على متكني التلميذ من ا�ستثمار ذاته وحميطه العام ب�شكل ناجع.
40
• ال يجوز �أن تتم العملية الت�شاركية على ح�ساب الوظيفة التعليمية ،بل يجب �أن ت�صبح م�صدرا
�إ�ضافيا للتعلم والت�أهيل ،وربحا حقيقيا للمجهودات امل�ستثمرة واملبذولة؛
• كل �أ�شكال و�أمناط التعاون يجب �أن حترتم ا�ستقاللية امل�ؤ�س�سة التعليمية والهوية املهنية
ملختلف الفاعلني بداخلها وال يجوز ب�أي حال من الأحوال �أن تدخل هذه التعبئة االجتماعية
امل�ؤ�س�سة التعليمية يف حركية �سو�سيو ــ تربوية وثقافية و�سيا�سية زائدة تفقدها هويتها الرتبوية
واالجتماعية.
ت�أ�سي�سا على ما �سبق ،يت�ضح �أن �إر�ساء ا�سرتاتيجية متكاملة للتعبئة االجتماعية ،م�ؤطرة
بر�ؤية وطنية ،ومقاربة ت�شاركية ،مطلب ملح وحيوي ملنظومتنا الرتبوية ،وخا�صة يف ظل تراجع
الثقة يف �أدوار ووظائف املدر�سة ،ويف خ�ضم التحول التدريجي نحو اجلهوية يف تدبري الق�ضايا
الرتبوية ،حيث �ستمكن هذه اال�سرتاتيجية خمتلف املتدخلني والفاعلني ،الإداريني خا�صة والرتبويني
عامة ،من التوفر على �إطار مرجعي ومنهجي للتخطيط والتعاون يف �إر�ساء الآليات وانتقاء الأن�شطة
واخلدمات املمكنة من ذلك ،يف �أفق حتقيق الأمل يف �إحداث الت�صالح بني املدر�سة واملجتمع،
و�إعادة االعتبار للم�ؤ�س�سة التعليمية من خالل ربطها مبحيطها املحلي والإقليمي واجلهوي والوطني
والعاملي ،وا�ستح�ضار �ضمن ذلك كل الإمكانات املادية واملعنوية والب�رشية ل�صالح خدمة التلميذ،
وم�ساعدته على االنخراط يف �سريورة تعلمية منفتحة على احلياة ومتفاعلة مع الذات واجلماعة.
42