You are on page 1of 8

‫دور الإدارة الرتبوية يف التعبئة‬

‫االجتماعية حول املدر�سة‬


‫عبد العزيز �سنهجــي‬
‫مفت�ش من�سق جهوي ملجال التوجيه الرتبوي‪ ،‬الرباط‬

‫�أوال‪ :‬التعبئة االجتماعية‪ :‬الأهمية وال�سياق والإ�شكاالت‬


‫متثل املدر�سة مبفهومها العام مدخال ا�سرتاتيجيا يف �إجناز كل �إ�صالح تربوي م�أمول‪ ،‬ومكانا‬
‫لتتبع هذا الإ�صالح ومراقبته ور�صد �أثره على البناء االجتماعي العام ب�أبعاده االقت�صادية والثقافية‬
‫وال�سيا�سية واحل�ضارية‪ .‬غري �أنه‪ ،‬وحلدود اليوم‪ ،‬ال تزال املدر�سة املغربية �سواء يف وظائفها �أو يف‬
‫�أمناط تدبريها و�آليات ا�شتغالها‪� ،‬أو يف عالقاتها مع حميطها االجتماعي العام تتعر�ض ملجموعة من‬
‫االنتقادات احلادة‪ ،‬من طرف املهتمني والباحثني‪ ،‬لعل �أبرزها تلك التي تتعلق مبهام و�أدوار الإدارة‬
‫الرتبوية‪ ،‬يف عالقتها ب�ضعف التعبئة حول املدر�سة‪.‬‬

‫ميكن �إيجاز �أهم االنتقادات يف هذا ال�ش�أن يف ما يلي‪:‬‬

‫• غياب ر�ؤية ا�ست�رشافية يف التعاطي مع �أنظمة الرتبية والتكوين‪ ،‬من حيث كونها �أنظمة حيوية‬
‫ودينامية لها ارتباط وثيق بتحوالت املحيط الوطني والعاملي‪ .‬وهو ما يف�رس‪ ،‬يف جانب‬
‫منه‪ ،‬امل�ستوى ال�ضعيف الذي بلغته مالءمة نظامنا الرتبوي والتكويني‪ ،‬يف جانبه التدبريي‬
‫والتنظيمي‪ ،‬مع جتدد حاجات الأفراد واملجتمع‪ ،‬يف جماالت عدة‪ ،‬من بينها الآليات الكفيلة‬
‫بتدبري وقيادة ال�ش�أن الرتبوي يف �أفق ت�أهيله ملواجهة حتديات امل�ستقبل؛‬

‫• نزوع النظام الرتبوي والتكويني �إىل اال�شتغال وفق دوائر مغلقة‪ ،‬مما يرتتب عنه انف�صال‬
‫بني العنا�رص امل�شاركة يف العملية الرتبوية والإدارية‪ ،‬ويكر�س �ضعف فر�ص التكامل والتعاون‬
‫والتن�سيق والتوا�صل فيما بينها‪ ،‬وينعك�س بالتايل �سلبا على جودة �أداء املنظومة الرتبوية‬
‫والتكوينية‪ ،‬وعلى التح�صيل الدرا�سي ب�شكل عام؛‬

‫• �ضعف تقاطع امل�صالح وتالقي الإرادات بني الفاعلني الإداريني والرتبويني واالجتماعيني‬
‫واالقت�صاديني‪� ،‬ضمن �إطار للربح املتبادل‪ ،‬ي�ستند �إىل ن�سق ت�شاركي حقيقي بني امل�ؤ�س�سة‬
‫وحميطها االجتماعي العام‪ ،‬مما ُي َ�ضيق م�ساحات التكامل والت�شارك بني خمتلف �رشكاء‬
‫املنظومة‪.‬‬

‫والواقع �أن هذه الق�ضايا التي تتعلق �أ�سا�سا باجلوانب التنظيمية والتدبريية يف املنظومة‬
‫الوطنية للرتبية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬تتطلب فح�صا �شموليا لآليات ا�شتغال املدر�سة يف‬

‫‪35‬‬ ‫‪2014‬‬ ‫• يوليوز‬ ‫‪11‬‬ ‫العدد‬


‫عالقتها مبحيطها‪ ،‬على �أ�سا�س التفاعل البنيوي واملتكامل وظيفيا مع خمتلف الأن�ساق ال�سو�سيو ــ‬
‫اقت�صادية واملهنية والثقافية للمجتمع‪ ،‬وما يتطلبه من ا�ستنها�ض متوا�صل للطاقات والإمكانات‬
‫وتعبئة للموارد املادية والب�رشية ق�صد مواجهة التحديات وك�سب الرهانات‪ ،‬يف زمن تطورت فيه‬
‫�أمناط العمل و�أنواع املهن و�صيغ التكوين والتعلم ب�رسعة كبرية‪.‬‬

‫�ضمن هذا ال�سياق‪ُ ،‬يطرح الدور املحوري للإدارة الرتبوية يف بلورة ا�سرتاتيجية توا�صلية‬
‫وتعاونية �سواء داخل املدر�سة �أو خارجها‪ ،‬وذلك ال�ستقطاب ال�رشكاء وفعاليات املجتمع املدين ق�صد‬
‫حتقيق التعبئة االجتماعية حول املدر�سة‪ ،‬وتفعيل امل�شاركة املجتمعية لتمكني الن�سق املدر�سي من‬
‫مواجهة امل�شاكل ومعاجلة االختالالت التي حتول دون قيامه بوظائفه كاملة �سواء على امل�ستوى‬
‫ال�سو�سيو ــ تربوي �أو الثقايف �أو االقت�صادي‪.‬‬

‫ينتمي مفهوم التعبئة االجتماعية جليل الرباديغمات التنموية‪ ،‬التي ي�صعب تعريفها ب�شكل‬
‫�إجرائي ودقيق‪ ،‬الختالف ال�سياقات االجتماعية واملدار�س الفكرية‪ ،‬وزوايا النظر‪ ،‬والأطر املرجعية‬
‫للمهتمني والباحثني‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ميكن الإ�شارة �إىل �أنه يحيل على خمتلف الأ�ساليب والتدابري‬
‫والر�ؤى املوجهة لتغيري الربامج واملخططات املتبناة يف املجال الرتبوي‪ ،‬و�آليات توجيه املمار�سة الرتبوية‬
‫امليدانية ب�شكل متب�رص ومن�سجم مع هدف حتقيق التفاعل والتكامل بني املدر�سة وحميطها‬
‫االجتماعي العام‪.‬‬

‫لقد مت توظيف مفهوم التعبئة على نطاق وا�سع يف �سياق تنزيل توجهات امليثاق الوطني‬
‫للرتبية والتكوين‪ ،‬واعترب �آنذاك هدفا من الأهداف الأ�سا�سية التي كان ي�سعى �إليها امليثاق؛ كما‬
‫�شكل مو�ضوعا مل�رشوع �ضمن م�شاريع الربنامج اال�ستعجايل ‪ ،2012 - 2009‬ومت �إدراجه يف‬
‫تدابري املخطط اال�سرتاتيجي لوزارة الرتبية الوطنية ‪.2016 – 2013‬‬

‫من جهة ثانية‪� ،‬أكد اخلطاب امللكي الأخري مبنا�سبة ذكرى ثورة امللك وال�شعب على �رضورة‬
‫و�ضع قطاع الرتبية يف �إطاره االجتماعي واالقت�صادي والثقايف من �أجل تكوين وت�أهيل املوارد الب�رشية‬
‫لالندماج يف دينامية التنمية‪ ،‬وتلبية التطلعات امل�رشوعة لل�شباب املغربي‪ .‬لكن‪ ،‬وبالرغم من ذلك‪ ،‬ظل‬
‫هذا املفهوم يكتنفه الكثري من الغمو�ض وااللتبا�س يف �أذهان الفاعلني الإداريني والرتبويني‪ ،‬وخا�صة يف‬
‫من يفرت�ض فيهم االنخراط يف �أجر�أة �آلياته وجت�سيد مقت�ضياته ميدانيا‪ ،‬ونخ�ص بالذكر هنا‪ ،‬الإدارة‬
‫الرتبوية بكل مكوناتها وم�ستوياتها‪ .‬ونقرتح يف ما يلي جملة من الآليات امل�ؤ�س�ساتية التي ميكنها‬
‫الإ�سهام ب�شكل فعال وكبري يف تطوير عمل الإدارة الرتبوية على م�ستوى التعبئة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الآليات امل�ؤ�س�ساتية املتاحة �أمام الإدارة الرتبوية لربح‬


‫رهان التعبئة االجتماعية حول املدر�سة‬
‫ا�ستح�ضارا للت�رشيعات والقوانني امل�ؤطرة ملهام واخت�صا�صات الإدارة الرتبوية‪ ،‬وانطالقا من‬
‫الوظائف الريادية والقيادية اجلماعية لهذه الإدارة‪ ،‬التي يجب �أن تت�سم بروح التجديد واالبتكار‪،‬‬

‫‪36‬‬
‫ميكن احلديث عن ثالث �آليات م�ؤ�س�ساتية متكاملة‪ ،‬لربح رهان التعبئة االجتماعية حول املدر�سة‪:‬‬
‫�آلية ال�رشاكة امل�ؤ�س�ساتية؛ �آلية م�رشوع امل�ؤ�س�سة؛ �آلية املخطط ال�سنوي‪.‬‬

‫‪� .1‬آلية ال�شراكة الرتبوية‬


‫يندرج مفهوم ال�رشاكة يف �إطار التحوالت التي عرفتها كل من �أدوار املدر�سة وخمتلف‬
‫الفعاليات املتواجدة يف حميطها‪ .‬وتهدف ال�رشاكة �إىل خلق دينامية جديدة يف التعاطي مع ال�ش�أن‬
‫الرتبوي‪ ،‬لكونه �ش�أنا جماعيا يهم خمتلف الفاعلني الإداريني والرتبويني واالجتماعيني واملهنيني‬
‫واملنتخبني‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فهي دعوة �رصيحة ملختلف ال�رشكاء والتنظيمات االجتماعية واملدنية‪ ،‬للعب‬
‫�أدوار طالئعية وحيوية يف وظائف املرافق العمومية للنظام الرتبوي‪ ،‬عرب التبادل املنظم للموارد‬
‫والأ�شخا�ص والأفكار‪ ،‬جت�سرياً للهوة بني املدر�سة وحميطها العام‪ .‬و�أهم ما �أتى به نظام ال�رشاكة‬
‫هو العمل على حتقيق مدر�سة من�سجمة ومتفاعلة مع حميطها‪ .‬ومن �أهم �رشكاء املدر�سة ميكن‬
‫الإ�شارة �إىل‪:‬‬

‫• الأ�سرة وجمعيات �آباء و�أولياء التالميذ‪ :‬تتدخل الأ�رسة يف احلياة املدر�سية ب�صفتها معنية بتتبع‬
‫امل�سار الدرا�سي لأبنائها‪ ،‬ويتم ذلك بكيفية مبا�رشة ويف تكامل وان�سجام مع املدر�سة‪ ،‬ويكون‬
‫هذا التتبع مفيدا يف ت�شخي�ص التعرثات يف حينها واتخاذ التدابري املنا�سبة لتجاوزها‪ .‬ومن جهة‬
‫�أخرى‪ ،‬ت�ساهم الأ�رسة يف تو�ضيح اختيارات التلميذ وتوجهاته الدرا�سية وامل�ساهمة يف بلورتها‬
‫انطالقا من ميوله وم�ؤهالته لإعداد م�رشوعه ال�شخ�صي‪� .‬أما جمعية الآباء و�أولياء التالميذ‪،‬‬
‫فتعترب هيئة م�ساهمة يف تنظيم وتن�شيط احلياة املدر�سية وطرفا م�ساهما يف تدبريها‪ .‬كما �أن‬
‫دورها �أ�سا�سي يف ت�سهيل ربط الأ�رسة باملدر�سة وامل�شاركة يف �أن�شطتها وم�شاريعها‪.‬‬

‫• اجلماعة املحلية‪ :‬تعترب اجلماعة املحلية من ال�رشكاء املعنيني ب�أمر امل�ؤ�س�سة التعليمية بحكم‬
‫�أنها متثل ال�سكان‪ ،‬وبحكم �أن امل�ؤ�س�سة تقع �ضمن نفوذها الرتابي‪ .‬وعلى هذا الأ�سا�س‪ ،‬فهي‬
‫حا�رضة يف جمل�س تدبري امل�ؤ�س�سة‪ ،‬ومطالبة بامل�ساهمة يف خدمة هذه الأخرية عن طريق دعم‬
‫م�شاريعها و�أن�شطتها املختلفة وتوفري الظروف املنا�سبة لإ�شعاعها‪.‬‬

‫• الفاعلون االقت�صاديون واالجتماعيون‪ :‬يعترب دور الفاعلني االقت�صاديني واالجتماعيني �أ�سا�سيا‬


‫يف حتقيق التنمية االجتماعية وربط امل�ؤ�س�سة التعليمية مبحيطها‪ .‬لذا ف�إن امل�ؤ�س�سة التعليمية‬
‫مدعوة لإقامة �رشاكات مع اجلمعيات وامل�ؤ�س�سات االجتماعية واالقت�صادية‪ ،‬يف �أفق توفري‬
‫ال�رشوط الداعمة النفتاحها على حميطها‪ ،‬ومتكني املتعلم من التعرف على بيئته واال�ستفادة‬
‫من مواردها وم�صادرها واالندماج فيها‪.‬‬

‫بناء على ما �سبق‪ ،‬يت�ضح �أن ال�رشاكة �آلية من �آليات التدبري الإداري والرتبوي احلديث املنظم‬
‫لي�س فقط بني امل�ؤ�س�سات والتنظيمات االجتماعية ولكن �أي�ضا بني الأفراد واجلماعات‪ ،‬تقوم �أ�سا�سا‬
‫على التقاء �إرادة �أو �إرادات يف جماالت معينة ق�صد تنفيذ �أن�شطة �أو خدمات‪.‬‬

‫‪37‬‬ ‫‪2014‬‬ ‫• يوليوز‬ ‫‪11‬‬ ‫العدد‬


‫‪� .2‬آلية م�شروع امل�ؤ�س�سة‬
‫�إذا كانت املقاربة امل�ؤ�س�ساتية ترى يف م�رشوع امل�ؤ�س�سة خطة عمل‪ ،‬ت�سهم جميع الأطراف‬
‫يف بلورتها وجت�سيدها على م�ستوى امل�ؤ�س�سة التعليمية‪ ،‬م�ستح�رضة خ�صو�صيات وحميط هذه‬
‫الأخرية‪ ،‬ف�إن املقاربة الرتبوية مل�رشوع امل�ؤ�س�سة تركز على حتقيق التفاعل الإيجابي مع خ�صائ�ص‬
‫امل�ؤ�س�سة التعليمية ق�صد م�ساعدتها على �إيجاد احللول املمكنة واملالئمة لتجاوز ال�صعوبات‬
‫والإكراهات التي حتول دون حتقيق الأهداف الرتبوية‪ .‬ومهما يكن من تعدد املقاربات‪ ،‬ف�إن م�رشوع‬
‫امل�ؤ�س�سة يظل تلك الآلية القيادية التي تراهن على حتقيق املزيد من التعبئة واالن�سجام �سواء‪:‬‬

‫• داخل امل�ؤ�س�سة التعليمية‪ :‬بني خمتلف الفاعلني وفق م�سعى ت�شاركي‪ ،‬يتيح لهم فر�ص العمل‬
‫اجلماعي بهدف �إجناز �أن�شطة وتدخالت متمحورة حول خدمة التلميذ؛‬

‫• �أو بني امل�ؤ�س�سة التعليمية وحميطها‪ ،‬من خالل �إتاحة الفر�صة ملختلف ال�رشكاء من �آباء ومنتخبني‬
‫حمليني وفعاليات اقت�صادية ومهنية للم�ساهمة يف �سيا�سة امل�ؤ�س�سة؛‬

‫• �أو بني امل�ستويات املحلية والإقليمية واجلهوية والوطنية‪ ،‬من خالل االتفاق على �أهداف م�شرتكة‪،‬‬
‫مع ترك هام�ش من اال�ستقاللية لكل م�ؤ�س�سة ت�ستثمره انطالقا من واقعها و�إمكاناتها املادية‬
‫والب�رشية؛‬

‫بهذا ال�شكل‪ ،‬ي�صبح م�رشوع امل�ؤ�س�سة �آلية لتقريب امل�ؤ�س�سة التعليمية من املجتمع الذي‬
‫تتواجد فيه‪ ،‬ويتم جت�سيده من خالل جمموعة من الربامج الإرادية‪ ،‬بهدف احل�صول على �أف�ضل‬
‫النتائج يف امل�ؤ�س�سات التعليمية والرفع من م�ستوى جودة التعليم بها‪ .‬ويتعاون على تنفيذه فريق‬
‫تربوي داخل امل�ؤ�س�سة من خالل الإقدام على جملة من الأن�شطة‪ ،‬وتكييفها مبا يتالءم ومتطلبات‬
‫البيئة وحاجيات اجلماعات املحلية ومطالبها‪ ،‬ويف ان�سجام مع الغايات واملبادئ العامة املتفق عليها‬
‫على ال�صعيد الوطني والعاملي‪.‬‬

‫ويكفل م�رشوع امل�ؤ�س�سة للمدر�سة حتقيق جمموعة من املزايا لها ارتباط وثيق بالتعبئة‬
‫االجتماعية‪ ،‬ن�شري لأهمها فيما يلي‪:‬‬

‫• ي�سمح امل�رشوع مببا�رشة بحث جماعي عن الو�سائل املالئمة لتح�سني نوعية التعليم وتطوير‬
‫مردوديته؛‬

‫• يحدد امل�رشوع �سبل العمل واخل�صائ�ص الواجب مراعاتها‪ ،‬والنتائج املراد حتقيقها‪ ،‬والطرائق‬
‫التي يتوجب اعتمادها؛‬

‫• يعتمد امل�رشوع التدبري الت�شاركي بكيفية واعية م�ضبوطة‪ ،‬وي�سمح ذلك ملختلف ال�رشكاء‬
‫بتحديد م�س�ؤولياتهم وجماالت مبادراتهم يف حياة امل�ؤ�س�سة؛‬

‫• يوفر امل�رشوع �إمكانية متابعة تقوميية للنتائج بكيفية م�ستمرة‪ ،‬والتدخل لت�صحيح الفوارق؛‬

‫‪38‬‬
‫• يقت�ضي م�رشوع امل�ؤ�س�سة تفعيل مبد�أ التوافق والتوا�صل املتعدد االجتاهات �سواء داخل امل�ؤ�س�سة‬
‫�أو خارجها‪ ،‬مما يفيد يف م�شاركة و�إعداد امل�رشوع واتخاذ القرارات بارتباط بالعمل الذي �سيقوم‬
‫به كل فرد‪ ،‬والذي �سيكون م�س�ؤوال عنه �أمام الآخرين‪.‬‬

‫يت�ضح‪ ،‬من خالل ما �سبق‪� ،‬أن حتقيق م�رشوع امل�ؤ�س�سة ال ميكن �أن يتم �إال داخل �إطار �أو�سع‬
‫ت�شكله عالقات امل�ؤ�س�سة التعليمية باملحيط ال�سو�سيوثقايف واالقت�صادي‪ ،‬و�رشوط احلياة داخل‬
‫امل�ؤ�س�سة ونوعية العالقات بني الفاعلني الرتبويني واالجتماعيني‪ ،‬واالرتباطات مع �رشكاء امل�ؤ�س�سة‬
‫والفاعلني االقت�صاديني واجلماعات املحلية وم�ؤ�س�سات املجتمع املدين…الخ‪.‬‬

‫‪� .3‬آلية املخطط ال�سنوي‬


‫يعترب املخطط �أو برنامج العمل ال�سنوي للم�ؤ�س�سة التعليمية �آلية جديدة للعمل اجلماعي‬
‫الت�شاركي بني خمتلف الفاعلني الإداريني والرتبويني واالجتماعيني‪ .‬وي�ساهم كل من املجل�س‬
‫الرتبوي واملجال�س التعليمية وجمال�س الأق�سام يف �إعداد وتنفيذ خمتلف الأن�شطة الداعمة واملوازية‬
‫والرتبوية واالجتماعية داخل امل�ؤ�س�سة‪ .‬ويتوىل جمل�س التدبري �إعداد ودرا�سة هذا الربنامج وتتبع‬
‫مراحل �إجنازه‪ .‬ويت�شكل هذا الربنامج من جمموعة من الأن�شطة ت�صب يف املجاالت التالية‪:‬‬

‫ـ ـ اخلدمات الرتبوية والتثقيفية والفنية والريا�ضية؛‬

‫ـ ـ اخلدمات االجتماعية وال�سيكولوجية وال�صحية؛‬

‫ـ ـ التكوين امل�ستمر وتدبري املوارد الب�رشية؛‬

‫ـ ـ الإعالم وامل�ساعدة على التوجيه؛‬

‫ـ ـ ا�ستخدام املوارد الرقمية وتوظيف التكنولوجيا احلديثة يف املجال الرتبوي؛‬

‫ـ ـ ت�شخي�ص حاجيات امل�ؤ�س�سة وحتديد انتظاراتها ور�سالتها املجتمعية‪.‬‬

‫وتكمن �أهمية برنامج العمل ال�سنوي من الناحية املنهجية والعملية يف تفعيل الأهداف‬
‫الرتبوية والرفع من مردودية امل�ؤ�س�سة وذلك من خالل‪:‬‬

‫• جت�سيد مبد�أ القيادة اجلماعية وامل�س�ؤولية الفردية؛‬

‫• تخطيط املهام املراد �إجنازها من خالل الإجابة عن الت�سا�ؤالت التالية‪« :‬من �سيفعل ماذا؟ متى؟‬
‫�أين؟ وب�أية و�سيلة؟»؛‬

‫• حتقيق مبد�أ التكامل يف التدخالت والتفاو�ض بني خمتلف الأطراف امل�ساهمة يف الربنامج‪،‬‬
‫فكل م�ساهم يتحرك يف �إطار خطة العمل ال�سنوي‪ ،‬وهو مدرك ملختلف مهام الأطراف امل�شاركة‬
‫يف جت�سيد برنامج العمل ال�سنوي للم�ؤ�س�سة‪.‬‬

‫‪39‬‬ ‫‪2014‬‬ ‫• يوليوز‬ ‫‪11‬‬ ‫العدد‬


‫تلك‪ ،‬كانت �أهم الآليات امل�ؤ�س�ساتية املتاحة �أمام الإدارة الرتبوية‪ ،‬التي ميكن توظيفها‬
‫وا�ستثمارها يف �إطار التعبئة االجتماعية حول امل�ؤ�س�سة التعليمية‪ .‬وبالرغم من التمييز املنهجي‬
‫بني هذه الآليات‪ ،‬فيبقى التكامل والتداخل قائما بينها‪ .‬و�إذا كان م�رشوع امل�ؤ�س�سة له منظور‬
‫ا�سرتاتيجي‪ ،‬يرتبط بالغايات‪ ،‬ويراهن على تنمية جمال �أو قطاع معني‪ ،‬وميتد على فرتة زمنية‬
‫يفعل‬
‫طويلة ن�سبيا‪ ،‬ف�إن املخطط ال�سنوي للم�ؤ�س�سة التعليمية ينح�رص يف �سنة درا�سية‪ ،‬وميكن �أن ّ‬
‫من خالله جزء من م�رشوع امل�ؤ�س�سة؛ يف حني تظل ال�رشاكة غنية ب�صيغها و�أ�شكالها وجماالتها‪،‬‬
‫وميكن اللجوء لها �سواء داخل م�رشوع امل�ؤ�س�سة �أو من �أجل تفعيل جزء من برنامج عمل امل�ؤ�س�سة‪.‬‬

‫وبناء على هذه الآليات‪ ،‬يت�ضح �أن م�س�ألة التعبئة االجتماعية‪ ،‬تعتمل وفق ُبعدين �أ�سا�سني‪:‬‬
‫• الأول‪ ،‬داخلي‪ :‬يتج�سد من خالل التوا�صل والتعاون بني الفاعلني املنتمني للم�ؤ�س�سة التعليمية؛‬
‫• الثاين‪ ،‬خارجي‪ :‬يتجلى من خالل م�ساعي التعاون والت�شارك بني الفاعلني الرتبويني واالجتماعيني‬
‫واملهنيني‪�...‬إلخ‪.‬‬

‫وت�صب هذه الأبعاد‪ ،‬يف نهاية املطاف‪ ،‬يف هدف عام يتجه نحو خدمة التلميذ‪ ،‬ويتج�سد من‬
‫خالل م�ساعدة هذا التلميذ على التموقع داخل حميط متحول‪ ،‬والتكيف امل�ستمر مع الو�ضعيات‬
‫املختلفة‪ ،‬وامتالك الآليات والأ�ساليب املنا�سبة للتنب�ؤ بالتغريات والتحوالت امل�ستقبلية وا�ستيعابها‬
‫وفق خطط ا�ستباقية تراهن على متكني التلميذ من ا�ستثمار ذاته وحميطه العام ب�شكل ناجع‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬بع�ض القواعد الأخالقية امل�ؤطرة لدور الإدارة الرتبوية‬


‫يف التعبئة من �أجل املدر�سة‬
‫�إن التعبئة االجتماعية الناجحة‪ ،‬هي تلك التي تقوم على جمموعة من القواعد الأخالقية‪،‬‬
‫وحتر�ص من خاللها الإدارة الرتبوية على حماية الهوية الرتبوية للم�ؤ�س�سة‪ ،‬وحتافظ على ر�سالتها‬
‫وا�ستقالليتها‪ ،‬وذلك من خالل‪:‬‬
‫• احلر�ص على جعل الأهداف الرتبوية حا�رضة يف خمتلف العمليات وامل�شاريع املتعلقة بالتعبئة‬
‫االجتماعية �سواء ب�شكل �ضمني �أو ب�شكل �رصيح؛‬
‫• �أثناء االنخراط يف تعبئة املحيط‪ ،‬ال يجوز �إعطاء الأولوية لطرف على ح�ساب الآخر‪ ،‬فتنوع‬
‫ال�رشكاء وتعددهم يجعل اجلهود تتكامل والطاقات تت�ساند؛‬
‫• يجب دعم التجارب التعبوية الناجحة‪ ،‬والبحث عن �أخرى من خالل بناء عالقات مع �رشكاء‬
‫خارجيني وتنظيم لقاءات للتفكري والت�شاور والنقا�ش املفتوح حول هذه امل�س�ألة داخل امل�ؤ�س�سة‬
‫التعليمية؛‬
‫• حتديد املعايري امل�ؤ�س�سية من �أجل ت�أطري �أح�سن لعمليات التعبئة والوقوف على الإيجابيات‬
‫وال�سلبيات‪ ،‬وت�صويب العملية الت�شاركية للبحث عن حلول لبع�ض امل�شاكل الرتبوية واالجتماعية‪،‬‬
‫خا�صة امل�شاكل املتعلقة بالهدر والتعرث والدعم الدرا�سي بكل �أ�شكاله؛‬

‫‪40‬‬
‫• ال يجوز �أن تتم العملية الت�شاركية على ح�ساب الوظيفة التعليمية‪ ،‬بل يجب �أن ت�صبح م�صدرا‬
‫�إ�ضافيا للتعلم والت�أهيل‪ ،‬وربحا حقيقيا للمجهودات امل�ستثمرة واملبذولة؛‬

‫• كل �أ�شكال و�أمناط التعاون يجب �أن حترتم ا�ستقاللية امل�ؤ�س�سة التعليمية والهوية املهنية‬
‫ملختلف الفاعلني بداخلها وال يجوز ب�أي حال من الأحوال �أن تدخل هذه التعبئة االجتماعية‬
‫امل�ؤ�س�سة التعليمية يف حركية �سو�سيو ــ تربوية وثقافية و�سيا�سية زائدة تفقدها هويتها الرتبوية‬
‫واالجتماعية‪.‬‬

‫ت�أ�سي�سا على ما �سبق‪ ،‬يت�ضح �أن �إر�ساء ا�سرتاتيجية متكاملة للتعبئة االجتماعية‪ ،‬م�ؤطرة‬
‫بر�ؤية وطنية‪ ،‬ومقاربة ت�شاركية‪ ،‬مطلب ملح وحيوي ملنظومتنا الرتبوية‪ ،‬وخا�صة يف ظل تراجع‬
‫الثقة يف �أدوار ووظائف املدر�سة‪ ،‬ويف خ�ضم التحول التدريجي نحو اجلهوية يف تدبري الق�ضايا‬
‫الرتبوية‪ ،‬حيث �ستمكن هذه اال�سرتاتيجية خمتلف املتدخلني والفاعلني‪ ،‬الإداريني خا�صة والرتبويني‬
‫عامة‪ ،‬من التوفر على �إطار مرجعي ومنهجي للتخطيط والتعاون يف �إر�ساء الآليات وانتقاء الأن�شطة‬
‫واخلدمات املمكنة من ذلك‪ ،‬يف �أفق حتقيق الأمل يف �إحداث الت�صالح بني املدر�سة واملجتمع‪،‬‬
‫و�إعادة االعتبار للم�ؤ�س�سة التعليمية من خالل ربطها مبحيطها املحلي والإقليمي واجلهوي والوطني‬
‫والعاملي‪ ،‬وا�ستح�ضار �ضمن ذلك كل الإمكانات املادية واملعنوية والب�رشية ل�صالح خدمة التلميذ‪،‬‬
‫وم�ساعدته على االنخراط يف �سريورة تعلمية منفتحة على احلياة ومتفاعلة مع الذات واجلماعة‪.‬‬

‫‪41‬‬ ‫‪2014‬‬ ‫• يوليوز‬ ‫‪11‬‬ ‫العدد‬


‫املراجع وامل�صادر‬
‫‪ . 1‬اململكة املغربية‪ ،‬اللجنة اخلا�صة بالرتبية والتكوين‪« :‬امليثاق الوطني للرتبية والتكوين»‪ ،‬الرباط‪ ،‬يناير ‪.2000‬‬
‫‪ . 2‬اململكة املغربية‪ ،‬وزارة الرتبية الوطنية وتكوين الأطر والبحث العلمي‪« :‬من �أجل نف�س جديد لإ�صالح منظومة الرتبية‬
‫والتكوين‪ ،‬م�رشوع الربنامج اال�ستعجايل ‪ ،2012 – 2009‬التقرير الرتكيبي»‪ ،‬يونيو ‪ ،2008‬الرباط‪.‬‬
‫‪ . 3‬عبدالعزيز‪� ،‬سنهجي‪« :‬انفتاح امل�ؤ�س�سة التعليمية على حميطها العام‪ ،‬خدمات الإعالم والتوجيه منوذجا»‪ ،‬مطبعة النيل‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪ ،2008 ،‬الرباط‪.‬‬
‫‪ . 4‬عبد العزيز �سنهجي‪« ،‬املدر�سة املوجهة‪ ،‬مقاربة منهجية لربح رهان مدر�سة النجاح»‪ ،‬جملة احلياة املدر�سية‪ ،‬العدد ‪،16‬‬
‫‪.2009‬‬
‫‪5. B. CHARLOT : «l’école en mutation, crise de l’école et mutations sociales»,‬‬
‫‪payot, Paris, 1987.‬‬
‫‪6. J. P. OBIN, F .CROS : «projet d’établissement», édition hachette, Paris, 1991.‬‬
‫‪7. J. BONNET : «l’enseignement au cœur du projet de l’établissement», Ed‬‬
‫‪organisation, Paris , 1994.‬‬

‫‪42‬‬

You might also like