You are on page 1of 4

‫الخـــــــــــاتمة‬

‫الخاتمة‬
‫ختاما لهذه الدراسة المتواضــعة يمكن أن نقــول أن الوقف نظــام قــانوني‪ ,‬تعد الشــريعة صــدرا‬
‫تاريخيا لــه‪ .‬ظهر أول ما ظهر في الجزائر بــدخول اإلســالم إليهــا‪ ,‬و تــأثر اتســاعا و انكماشا‬
‫بالنظم السياسية واالستعمارية المتعاقبة على البالد‪ ,‬و بتشريعاتها في هذا المجال‪.‬‬
‫ـ كما أنه يعد نظاما قانونيا قائما بذاتـــه‪ ,‬يختلف عن غـــيره من األنظمة و التصـــرفات‬
‫القانونية القريبة منه‪ ,‬من حيث تعريفه‪ ,‬خصائصه‪ ,‬أنواعه‪ ,‬أركانه وشــروطه‪ ,‬من حيث إدارته‬
‫ومنازعاته‪.‬‬
‫ـ فالوقف هو حبس العين عن التملك على وجه التأبيد والتصدق بالمنفعة على الفقراء أو‬
‫على وجه من وجــوه الــبر و الخــير‪ ,‬من أهم خصائصه أنه عقد تــبرعي‪ ,‬له شخصــية معنوية‬
‫معــترف بها قانونا تســمح له باكتســاب الحقــوق و تحمل االلتزامــات‪ ,‬و تمنح له حماية مدنية و‬
‫جزائية متميزة‪ ,‬وهما نوعان‪ :‬وقف عــام و هو ما حبس على جهــات خيرية من وقت إنشــائه و‬
‫يخصص ريعه للمســاهمة في ســبل الخــيرات‪ ,‬و وقف خــاص و هو ما حبس على العقب من‬
‫الذكور و اإلناث‪ ,‬أو على أشخاص معينين ثم يؤول إلى الجهة التي يحددها الواقف بعد انقطــاع‬
‫(الموقوف عليهم )‬
‫كما أن للوقف أركان أربعة و هي‪ :‬الواقف و الموقوف عليه ومحل الوقــف‪ ,‬و صــيغة الوقــف‪,‬‬
‫فالواقف هو الشخص المالك الذي أنشأ بإرادته المنفــردة الوقــف‪ ,‬و جعل ملكيته من بعــده غــير‬
‫مملوكة ألحد من العبــاد قاصــدا نقل منفعة ما وقف إلى الفقــراء و المحتــاجين أو إلى جهة من‬
‫جهات البر‪ ,‬أما الموقوف عليه فهو الجهة التي ترصد لها األموال الموقوفة لالنتفاع بهــا‪ ,‬و أما‬
‫بالنسبة لمحل الوقف فهو المال الذي أسقط عنه الواقف حق ملكيته و رفع بذلك يد التصرف فيه‬
‫ليجعل االنتفاع منه حقا للفقراء أو لجهة من جهات البر‪ ,‬و قد يكون عقارا أو منقــوال أو منفعــة‪,‬‬
‫أما عن صيغة الوقف فتنصرف إلى التعبير الصادر عن الواقف للداللة على ما أراده‪.‬‬
‫أما عن إدارة الوقف فميزنا بين الوالية عليه و بين تســـــييره و اســـــتثماره‪ ,‬حيث منح‬
‫الشرع جهة الوالية عليه لشخص الناظر مع اختالف في كيفية تعيين بين الوقف العام و الوقف‬
‫الخاص‪ ,‬أما عن تسييره و استثماره فتكون أساسا طبقا إلرادة الواقف و شروطه‪ ,‬و كذلك طبقا‬

‫‪62‬‬
‫الخـــــــــــاتمة‬

‫للقانون رقم ‪ 91/10‬المعدل بالقانون رقم ‪ 01/07‬مع مراعاة طبيعة الشــيء الموقــوف إن كــان‬
‫منقوال أو عقــارا أو منفعـة‪ ,‬كما حــدد القـانون رقم ‪ 91/10‬اإلطــار العـام الـذي تنفق فيه ريــوع‬
‫الوقف مع ترك تفصيل ذلك للمرسوم ‪.98/381‬‬
‫كما تطرقنا من خالل دراستنا لمنازعات الوقف إلى المحـاور الكـبرى لهـذه األخـيرة و موقف‬
‫القضــاء عنــدنا من أهم القضــايا‪ ,‬و رأي الفقه في ذلك كلما تطلب األمر ذلك كما هو الشــأن في‬
‫قضية حرمان اإلناث من االنتفاع بالوقف‪ ,‬و إخــراجهن من عقــود الوقف اســتنادا إلى المــذهب‬
‫الحنفي‪ ,‬كما طرحنا بعض النزاعات المحتملة و قدمنا بشأنها رأي النصوص القانونيــة‪ ,‬و أراء‬
‫الفقهـــاء‪ ,‬كما تطرقنا لتحديد الجهـــات القضـــائية المختصة للفصل في منازعـــات الوقف وفقا‬
‫للتشريع الجزائري‪.‬‬
‫إال أننــا‪ ,‬و لــدى إنجــاز دراســتنا ســجلنا مجموعة من المالحظــات ال يفوتنا المقــام دون‬
‫ذكرها حيث سجلنا‪:‬‬
‫‪-1‬غموض بعض النصوص القانونية و تعارض البعض اآلخر منها‪:‬‬
‫‪ -‬حيث نجد أن المشــرع الجزائــري قد وضع أحكاما تفتقر إلى التأصــيل أحيانا و أحيانا كثــيرة‬
‫إلى التفصــيل‪ ,‬كما هو الشــأن في العقــود المســتحدثة بمــوجب تعــديل ‪ ,2001‬أين نص على‬
‫مجموعة من العقود واقتصر على تعريفها تاركا مسـألة تفصــيل ذلك إلى البحث في أصـولها و‬
‫مذاهبها و ما ينتج عن ذلك من خالف و عدم ثبات في مواقف المذاهب الفقهية‪.‬‬
‫‪ -‬كذلك‪ ,‬وفي إطار الغموض الــذي يطبع بعض النصــوص نجد التعــديل اآلخر لقــانون الوقف‬
‫لســنة ‪ 2002‬أين تم إخــراج الوقف الخــاص من مجــال تطــبيق القــانون رقم‪ ,91/10‬و إحالة‬
‫تنظيمه إلى األحكام التشريعية المعمول بها‪ ,‬و هي اإلحالة التي تطــرح الكثــير من الصــعوبات‬
‫في إيجـــاد األحكـــام المتعلقة بـــالوقف الخـــاص خصوصا إذا تعلق األمر يبحث مســـائل فقهية‬
‫مختلف فيها من طرف القاضي كما هو الشأن في طــرق االســتثمار الــتي جـاء بها القــانون رقم‬
‫‪ - .01/07‬أما عن تعــارض بعض النصــوص‪ :‬فيمكننا مالحظة التنــاقض الموجــود في نص‬
‫المــادة ‪ 04‬من قــانون ‪ ,91/10‬و تعارضــها مع بعض المــواد كالمــادة ‪ 13‬و المــادة ‪ ,15‬حيث‬

‫تصرح المادة ‪ 04‬منه بأن الوقف هو« عقد إلتزام تبرع صادر عن إرادة منفرد»‪ ,‬و هذا القــول‬
‫" العقد" يقتضي بالضرورة وجود إيجاب من الواقف‪ ,‬و قبول من الموقوف عليــه‪ ,‬و هو بــذلك‬
‫‪62‬‬
‫الخـــــــــــاتمة‬

‫يتعارض مع الشطر الثاني من المادة" صادر عن إرادة منفــردة" فكيف يمكن أن يكــون الوقف‬
‫عقدا و في نفس الوقت تصرفا بإرادة منفردة بالنظر إلى المادة ‪ 13‬الــتي ال تشــترط القبــول في‬
‫الوقف العام‪ ,‬و إلى المادة ‪ 15‬التي تصرح بعبارة" عقد الوقف"‪! ‬؟‪. ‬‬
‫‪ -‬أيضا من باب التناقض بين النصوص‪ :‬نجد ما تضمنته المادة العاشرة من قانون الوقف التي‬
‫تشترط في الواقف أال يكون محجورا عليه لسفه أو دين"فمانع الدين مانع لم يتضمنه ال القانون‬
‫المدني و ال قــانون األســرة‪ ,‬إذ منح قــانون األوقــاف للــدائنين حق طلب إبطــال الوقف في حالة‬
‫صــدوره في مــرض المــوت و كــانت ديــونهم تســتغرق جميع أمالك المــريض طبقا للمــادة ‪32‬‬
‫منه‪ ,‬مقابل ذلك خــول القــانون المــدني لهــؤالء الــدائنين في حالة قيــام المــدين بتصــرفات تضر‬
‫بالضمان العام سواء كانت تصرفات بطريق التبرع أو المعاوضات حول وكفل لهم حق الطعن‬
‫فيها بصور مختلفة من الدعاوى‪.‬‬
‫‪ -‬تناقض بين نصوص الوقف أحيانا‪ ,‬و بين التطبيق القضائي‪:‬‬
‫‪ -‬و لعل أهم ما يلفت االنتباه بهــذا الصــدد هو مــدى تطــبيق المــادة ‪ 05‬من قــانون الوقف الــتي‬
‫تعترف للوقف بالشخصية المعنوية المســتقلة‪ ,‬ويمنح المرســوم التنفيــذي رقم ‪ 98/381‬للنــاظر‬
‫ســـلطة تمثيلية أمـــام القضـــاء في حين أننا نجد أن الواقع العملي ترفع الـــدعاوى باسم مديرية‬
‫الشؤون الدينية أحيانا و أحيانا أخرى باسم نظارة الشؤون الدينية للمطالبة بحقوق الوقف‪.‬‬
‫وبــالرغم من ذلك تقبل الــدعاوى‪ ,‬وهــذا تنــاقض بين المــادتين ‪ 05‬من قــانون الوقف و‪ 49‬من‬
‫القانون المدني اللتان تعترفان للوقف بالشخصية المعنوية ‪ ,‬و المادة ‪ 50‬منه الــتي تمنح للوقف‬
‫أهلية التقاضي و بحقه في نائب يعــبر عن إرادته (النــاظر)أمــام القضــاء‪ ,‬و بين الواقع العملي‪,‬‬
‫فاألصح إذن أن ترفع الدعوى باسم مؤسسة الوقف ممثلة في شخص الناظر‪.‬‬
‫‪ -‬أيضا ما ســار عليه القضــاء من إجــازة حرمــان اإلنــاث من االنتفــاع من العين الموقوفة و‬
‫إخراجهن من عقد الوقف استنادا إلى إجازة ذلك في مذهب أبي حنيفة‪ ,‬و هو القول الــذي قــدمنا‬
‫بشأنه فتوى للشيخ المرحوم أحمد حماني الذي أنكر نسبة القول إلى أبي يوسف من مــذهب أبي‬
‫حنيفة ‪ ,‬و قدم بشأنه الشيخ أبو زهرة محمد نصائح للقضاة بالبحث في مقاصد الواقفين و ألفــاظ‬
‫عقــودهم حــتى يتــبينوا من نية الواقف في إخــراج البنــات الوارثــات من اإلرث بحرمــانهن من‬
‫االنتفاع من الوقف‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫الخـــــــــــاتمة‬

‫‪ -‬فمن خالل هذه المالحظات التي عرضناها‪ ,‬نحاول اآلن تقديم بعض االقتراحات لعل أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬ضرورة إصدار قــانون خــاص بــاألمالك الوقفية العامة يتضــمن جميع المســائل األساســية‬
‫منها والتفصـــيلية‪ ,‬لتجنب التضـــارب و االختالف الفقهي و لتســـهيل مهمة القاضي في هـــذا‬
‫المجال‪.‬‬
‫‪ -2‬على المشرع أن يبين األحكام التشريعية و التنظيمية التي أحال إليها تنظيم الوقف الخــاص‬
‫بموجب تعديل ‪.2002‬‬
‫‪ -‬إلغاء المادة ‪ 04‬من قانون األوقاف بما يتماشى و المواد األخرى من نفس القانون مع تعــديل‬
‫المـــادة ‪ 03‬منه على الشـــكل التـــالي ‪:‬الوقف عقد يتم بموجبه حبس العين عن التملك على وجه‬
‫التأبيد والتصدق بالمنفعة حينما نصت على السلطة المكلفة باألوقاف هي الجهة المؤهلة لقبــول‬
‫األوقاف ومع المادتين ‪ 15‬و ‪ 16‬اللتان صرحتا بعبارة" عقد الوقف"‪.‬‬
‫‪ -4‬إلغاء المادة ‪ 06‬من المرسوم ‪ ,98/381‬و نقل محتواها إلى المادة ‪ 08‬من قــانون ‪91/10‬‬
‫بعد تعديلها‪ :‬حيث أن المادة ‪ 06‬من المرسوم السالف الذكر تعدد أصــناف أخــرى من األمالك‬
‫الوقفية العامة المصونة المنصوص عليها في المادة ‪ 08‬من قانون ‪ ,91/10‬واألجدر أن ينص‬
‫عليها هذا األخير‪ ,‬و من جانبنا يمكننا إرجاع هذا األمر إلى النقل العشوائي لنص المادتين ‪02‬‬
‫و‪ 03‬من المرســوم التنفيــذي ‪ 283-64‬المتضــمن نظــام األمالك الحبســية العامــة‪ ,‬حيث نقل‬
‫المشرع المادة ‪ 02‬ليضع مضــمونها في المــادة ‪ 08‬من القــانون ‪ 91/10‬و نقل المــادة ‪ 03‬منه‬
‫ليضع محتواها في المادة ‪ 06‬من المرسوم ‪ 98/381‬بالرغم من أن كلتا المادتين ‪02‬‬
‫و‪ 03‬تتعلقان بالنظام العام ‪.‬‬
‫وفي األخــير نرجو أن نكــون قد ألمينا بجــوانب الموضــوع‪ ,‬أو على األقل بجملة من قواعــده‬
‫وأحكامه‪ ,‬وذلك ما حاولنا جاهدين الوصول إليه بــالرغم من شســاعة هــذا الموضــوع وتجــدده‬
‫نظرا الرتباطه بمجاالت الحياة السياسية واالجتماعية واالقتصــادية في البالد‪ ,‬وحاجته الدائمة‬
‫للبحث في جوانبه وعليه نسأل هللا ســبحانه وتعــالى أن نكــون قد وفقنا في إنجــاز بحثنا هــذا إن‬
‫شاء هللا‪.‬‬

‫‪62‬‬

You might also like