You are on page 1of 33

‫‪www.elsiyasa-online.

com‬‬
‫السداسي‪ :‬الثاني‬ ‫الطور‪ :‬ماستر‬ ‫السنة‪ :‬األولى‬
‫التخصص‪ :‬دراسات إستراتيجية وأمنية‬
‫اسم المقياس‪ :‬السياسة الدفاعية المقارنة‬
‫إسم األستاذ‪ :‬د‪.‬بوازدية جمال‬
‫أهمية وأهداف المقياس‪:‬‬
‫مع بداية معاهدة وستفاليا عام ‪ ،1648‬اصبحت العالقات الدولية عملية متغيرة ومتطورة تتسم بالحراك والمرونة‬
‫والديناميكية بين الدول القومية ذات السيادة‪ ،‬هذا الواقع يعتبر في أدبيات التحليل السياسي ذلك النمط أو حالة التي‬
‫تسعى القوى الفاعلة إلى الحفاظ على أوضاعها ومصالحها التي تعكس ما تحوزه من قدرات وامكانات‪ ،‬الن البيئة‬
‫الدولية ال يحكمها إال منطق التنافس والصراع والذي يتحول بدوره إلى سياسات مضادة وتتغير معه القدرات بشكل‬
‫حاسم لدى طرف من أطراف التفاعل‪ ،‬وامام إستحالة بناء قواعد تعاونية توافقية في العديد من التحديات التي باتت‬
‫تواجه العالم‪ ،‬تصبح المسلحة الوطنية والقومية هي الرهان الدافع المتالك القوة والسعي الدائم إلى زيادة هذه القوة‬
‫وتعظيمها إلى أبعد مدى ممكن‪ ،‬وعليه يسعى باقي األطراف‪ 1‬إلى إعادة التوازن من جديد عبر تفعيل سياسات‬
‫واستراتيجيات جديدة تتناسب مع مستجدات الواقع الدولي وتحوالته أو ما يسمى بالسياسة الدفاعية‪.‬‬
‫واذا سلمنا أن الواقع الدولي متغير وفق محددات ومرتكزات القوة التي تحوزها الفواعل المؤثرة وترتبط بالنسق الدولي‬
‫السائد في مرحلة زمنية معينة وما يتضمنه من عناصر ومحددات جديدة فهذا بدوره سوف يكون له إنعكاس إيجابي‬
‫أو سلبي على واقع الدول الذي سوف يتوجه من الثبات إلى التغير في سياساته واستراتيجياته وتفاعالته الدولية‪،‬‬
‫األمر الذي يطرح التساؤل حول أنماط ومحددات التغيير في السياسات التي تصيغها وتنتهجها الدول إزاء اآلخر‬
‫سواء الحليف أو المنافس أو التابع‪.‬‬
‫ومادامت االوضاع الراهنة تشهد حالة من السيولة في التفاعالت‪ ،2‬سواء التعاونية أو الصراعية‪ ،‬التي إنتهت نوعا‬
‫ما في العجز على إرساء قواعد فعلية لمواجهة العديد من االزمات المتفاقمة حول العالم‪ ،‬والتي باتت تهدد الوحدة‬
‫المقياس‬ ‫والسالمة اإلقليمية للعديد من الدول‪ ،‬بل وتتضمن في بعض الحاالت اعتداء علي السلم العالمي‪ ،‬فإن اهمية‬
‫تهدف إلى معرفة االليات المنتهجة لتحديث السياسات الدفاعية واإلستراتيجيات العسكرية‪ ،‬وذلك من خالل إدراك المفاهيم واألبعاد وتحديد المتغيرات‬
‫العالمية واإلقليمية والمحلية واإللمام بتأثيرها لمعرفة كيف توصلت الدول إلى أنسب أسلوب مالئم لتطوير سياستها الدفاعية (االستراتيجية العسكرية‬
‫المقترحة للقوات المسلحة) بالنظر إلى التطور الهائل في وسائل الصـراع المسلح الذي سمح بامتالك القوى اإلقليمية لمنظومة عسكرية متطورة‬
‫في جميع المجاالت من جهة وحدوث العديد من المتغيرات العالمية واإلقليمية التي كان لها تأثير على السياسة الدفاعية من جهة ثانية‪.‬‬

‫‪ 1‬حسب منظور المدرسة الواقعية‬


‫‪ 2‬حسب صمويل هنتقتون ‪ ،‬فإن المستوى الجيوسياسي للنظام الدولي أصبح مؤسس على نظام هجين ومركب بشكل غريب فاالنماط التقليدية للتفاعالت الدولية‬
‫(االحادية‪ ،‬الثنائية والتعددية القطبية)‪ ،‬لم تعد تجسد واقع السياسة الدولية حيث اصبحت البنية تتشكل من نظام احادي متعدد االقطاب (قوى عظمى تقابلها قوى‬
‫رئيسية)‪.‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬االطار المفاهيمي للسياسة الدفاعية‬

‫مقدمة‬
‫وصناع القرار‬
‫ّ‬ ‫لقد أصبحت القضايا األمنية في القرن الحادي والعشرين ذات أهمية قصوى لدى كل من الباحثين‬
‫في الدول‪ ،‬ولم يقتصر االهتمام بقضايا األمن المفهوم التقليدي له وهو أمن الدول من االعتداء الخارجي المسلّح‪،‬‬
‫بل تجاوزه إلى مفاهيم ومستويات متعددة كأمن المجتمع وأمن الفرد أو أمن البيئة وسالمتها‪.‬‬
‫إن منطق استخدام القوة العسكرية في العالقات الدولية ال يزال يلعب أدو ار أساسية في التأثير على مجرى التفاعالت‬
‫ّ‬
‫السياسية الدولية‪ ،‬ومقولة كالوزفيتز الشهيرة أن‪“ :‬الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى” ال يزال صداها قويا‬
‫لدى القوى النافذة في المسرح الدولي‪ ،‬األمر الذي يحتّم على األمم التي تروم البقاء واالستمرار والتنمية واالزدهار‬
‫أن تهتّم ببناء دفاعاتها الوطنية وقواتها العسكرية حتى تضمن حصولها على معادلة الوقاية والدفاع‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬إعتبر الكثير من المفكرين أن الدفاع أصحى قضية جماعية‪ ،‬وهو بذلك اكثر تعقيدا‪ ،‬الن قضية الدفاع‬
‫تهم االفراد ويريدونه مجتمعين‪ ،‬لذا يصعب تحديد ما ندافع عنه اذا أمكن‪ ،‬وعما يهمنا ان ننقذه في جميع االحوال‬
‫(اذا اردنا الدفاع عن هذا األمر‪ ،‬فأنه ينبغي لنا اوال ان ندافع عن ذاك الشيء) او (اذا كنا ال نستطيع الدفاع عن‬
‫ذلك االمر فلندافع على االقل عن هذا الشيء)‪ ،‬وبهذا‪ ،‬فانه ال يكفي ان نقوم بتعداد ما لهذه االشياء من مدخالت‬
‫ومخرجات‪ ،‬فال بوجد على صعيد التصورات والمفاهيم افكار بإستطاعتها أن تؤلف بين هذه االشياء‪ ،‬مثل مصطلح‬
‫(الثورة) او (الوطن)‪.‬‬
‫‪-‬تعريف السياسة الدفاعية‬
‫السياسة الدفاعية هي العملية التي تتم بواسطتها تحضير للقوات للدفاع عن البالد وفق روية أو منظور إستراتيجي‬
‫الذي يحمل تصو ار شامال حول مسرح المعركة والعمليات المحتملة لمواجهة قوات العدو من اجل تحضير القوات‬
‫الكافية لالنتشار في المواقع المناسبة‪ ،‬ولتحقيق ذلك يوظف اإلستراتيجي عددا من االعتبارات والعناصر التي‬
‫تستغل أو يتم تفاديها في العملية الدفاعية‪( ،‬الجغرافيا‪ ،‬الموارد‪ ،‬طبيعة العدو‪ ،‬مصادر التهديد التقليدية وغير‬
‫التقليدية‪ ،‬الفعلية والمحتملة‪ ،‬القدرات المتاحة‪ ،‬والمصالح الحيوية المراد حمايتها)‪.‬‬
‫في معناها االستراتيجي فإن السياسة الدفاعية تمثل الجزء األهم في سياسة الدولة العامة حول مسائل الدفاع أو‬
‫باألحرى هي التصورات اإلستراتيجية حول المحافظة على أمن واستقرار الدولة والمجتمع عبر المستويات المختلفة‬
‫التي تمتد من المستوى الوطني إلى أكثرها عمقا في الجوار اإلقليمي‪ ،‬على افتراض أن التطورات األمنية المتالحقة‬
‫مددت مسافات االستقرار من الداخل الوطني إلى دول الجوار‪ ،‬خاصة في تلك الدول التي تعاني من هشاشة أمنية‬
‫وبنائية‪ ،‬وتصدر مصادر التهديد نحو العمق اإلستراتيجي الوطني للدولة‪.‬‬
‫لإلشارة هناك العمق اإلستراتيجي الوطني والعمق اإلستراتيجي اإلقليمي‪ ،‬والسياسة الدفاعية للدولة معنية بالنوعين‪،‬‬
‫حتى ولو تعطى األولوية للنوع األول ويشكل قلب السياسة الدفاعية‪ ،‬إال أن ال معنى وفي بعض األحيان أن يكون‬
‫االستقرار األمني والوجود اآلمن للدولة مرهونا بالنوع الثاني الذي يضم الجوار القريب‪ ،3‬واذا كان أنصار نظرية‬
‫مركب األمن اإلقليمي حددوا جوهر األمن في العالقة الثنائية بين دولتين محوريتين في منطقة معينة‪ ،‬فإن المفهوم‬
‫الجديد لسياسة الدفاع يقتضي طرح مفهوم "األمن المتفاعل عبر اإلقليم"‪.‬‬
‫أما في المعنى العملياتي‪ ،‬فإن السياسة الدفاعية تتضمن أفكار التحضير القتالي المستمر وجاهزية القتال للحرب‬
‫في كل األوقات وتحت كل الظروف‪ ،‬ويختص بذلك الهياكل التابعة لقيادة األركان التي تتولى عمليات التدريب‪،‬‬
‫التجهيز والتخطيط الدفاعي من أجل كل قطاعات القوات للتفاعل القتالي المتزامن على عدد من مسارح العمليات‪،‬‬
‫التي هي عادة محددة في خمس مسارح قتالية‪ :‬المسرح الجوي‪ ،‬البري‪ ،‬البحري‪ ،‬الفضائي‪ ،‬والسيبراني‪ .‬لكن هذا‬
‫المعنى هو جد محدود في بيان المعنى الرئيسي لسياسة الدفاع‪ ،‬أو باألحرى ذو مضمون تقني يتلخص في قدرات‬
‫االشتباك زمن الحرب وطريقة إدارة القتال مع قوات العدو‪.‬‬
‫لقد لخصت نظرية إدارة الحرب جوهر السياسة الدفاعية في االنتظار وتفادي الهجوم‪ ،‬ويعني ذلك اتخاذ كل‬
‫اإلجراءات المطلوبة في التحضير لساعة قدوم المهاجم واالشتباك معه‪ ،‬ومن ثم إستراتيجية المدافع محددة في‬
‫الدفاع عن المنطقة أو الحدود التي يتموقع فيها‪ ،‬وليس هناك مهمة للمدافع إال "انتظار المهاجم ليأتيه داخل حدوده‪،‬‬
‫وحال بدء الهجوم‪ ،‬فأية أنشطة وأية تحركات تعرضية تقريبا يقوم بها المدافع وقتها لن تلغي مفهوم الدفاع‪ ،‬فقد تم‬
‫إرساء ميزته الهامة وفائدته األساسية في االنتظار"‪.‬‬
‫بهذا المعنى‪ ،‬يتألف مفهوم الدفاع من عنصرين أساسيين‪ :‬االنتظار واألعمال القتالية عند قدوم المهاجم‪ ،‬بالنسبة‬
‫لالنتظار اإلستراتيجي يجب توفر التخطيط الدفاعي‪ ،‬تحضير جاهزية القوات المسلحة ومعداتها‪ ،‬نظم االستخبارات‬
‫واالستطالع والمراقبة‪ ،‬وتحضير مسرح القتال‪ ،‬وهنا تظهر إستراتيجية المدافع صارمة أو جامدة بحيث يقبع في‬
‫موقع معين وينتظر قدوم المهاجم‪ ،‬وانما يمكنه البحث في الخيارات المثلى لهزيمة المعتدي دون أن يلغي ذلك‬
‫جوهر مفهوم الدفاع‪ ،‬أما األعمال القتالية فتتضمن كل األنشطة التي يتم مباشرتها أثناء المواجهة فيجب ان تتفاعل‬
‫المرونة والحركية بشكل متطور مع ظروف بيئة الدفاع‪.‬‬
‫في هذا السياق "االنتظار"‪ ،‬إقترح كالوزفيتز مجموعة خيارات تساعد المدافع للبحث وتقيّيم مخرجات كل واحدة‬
‫على حدة‪:‬‬

‫أ‪-‬يتحدد الخيار األول في إمكانية القيام بمهاجمة العدو لحظة اجتياحه لمسرح العمليات الدفاعية‪ ،‬ألن عادة تكون‬
‫قواته مكشوفة وغير مهيأة للدفاع عن نفسها‪ ،‬ضمن هذا الخيار يكون للمباغتة قيمة كبيرة في عطب قوات العدو‬
‫وخلخلة خط هجومها‪.‬‬
‫ب‪-‬الخيار الثاني هو قيام المدافع باالنتشار في منطقة قريبة من الحدود للتحصن فيها وانتظار عبور العدو للحدود‬
‫لمهاجمته‪ ،‬ولهذا الخيار ميزة منع توغل قوات العدو في العمق اإلستراتيجي للبالد وحرمانه من السيطرة على بعض‬
‫المدن الحيوية أو موارد حيوية يستعين بها في تعزيز إمداداته‪.‬‬

‫‪ 3‬في مفهوم "مركب األمن اإلقليمي" لخص باري بوزان وأوول ويفر أفكارهم األمنية بالقول "ان أمن إحدى الدول يكون مرتبطا بشكل أساسي بأمن دولة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ج‪-‬الخيار الثالث يتمثل في إمكانية االنتظار حتى يتأكد من نية العدو وبدئه للهجوم فعال وليس مجرد ظهوره أو‬
‫حشد قواته على الحدود‪ ،‬على اعتبار أنه ُيحتمل أن يكون استعرض العدو لقواته هو مجرد جزء من إستراتيجية‬
‫الردع وليس القيام فعال بالهجوم على خصمه‪.‬‬
‫د‪-‬الخيار الرابع يتحدد في اتخاذ قرار االنسحاب إلى مواضع داخل البالد واستدراج قوات العدو إلى العمق‬
‫اإلستراتيجي من أجل إنهاكها وتمديد خطوط إمداداته‪ ،‬حتى يوقف تقدمه أو تنهار معنويات جنوده نتيجة لنقص‬
‫اإلمدادات‪ ،‬ومن ثم يسهل االنقضاض عليها وتدميرها‪.‬‬

‫ضمن هذه الخيارات‪ ،‬تقوم القيادة بتقييم قدراتها الدفاعية وامكانياتها القتالية‪ ،‬وتبني خيار معين للدفاع‪ ،‬بالطبع‬
‫هناك خيارات أخرى مثل الهجوم على العدو قبل أن يستكمل استعداداته‪ ،‬إذا تم التأكد من نيته العدائية أو التعاون‬
‫مع الحلفاء لمحاصرته ومنع حصوله على الموارد الحيوية من الخارج‪.‬‬
‫أما في بعدها اإلستراتيجي فإن السياسة الدفاعية تعتبر المرأت للسياسة العامة للدولة حول تأمين نفسها ضد‬
‫المخاطر المتعددة الخواص ويحافظ على كيانها متحدة ومتفاعال وقاد ار على التأثير اإلستراتيجي في االتجاهات‬
‫المختلفة‪ ،‬إن تشمل العناصر السياسية‪ ،‬العسكرية‪ ،‬الدبلوماسية‪ ،‬الثقافية‪ ،‬األمنية‪ ،‬األخالقية والجيو‪-‬إقليمية‪ .‬بهذا‬
‫المعنى‪ ،‬تتخطى السياسة الدفاعية المعنى التقليدي للحدود الجغرافية وأدوات التأثير السياسي‪ ،‬لتتمدد بشكل طردي‬
‫مع تمدد الخريطة الجيو‪-‬إستراتيجية لمصادر التهديد وعوامل االستقرار‪ ،‬والتي ليس بالضرورة أن تكون منبثقة فقط‬
‫من الحدود الوطنية لإلقليم‪ ،‬وانما تشمل الفضاء اإلستراتيجي للجوار اإلقليمي‪ ،‬إذ ال يمكن للقيادة استيفاء شروط‬
‫السياسة الدفاعية بهذه المعاني بدون اخذ مجموعة من العناصر في الحسبان كسياسة عامة للدولة‬
‫من خالل ما تقدم يتضح أن السياسة الدفاعية هي السياسة التي تتعامل بها الدولة مع المسائل االمنية (االزمات‬
‫والتهديدات المفروضة من الجهات الخارجية المعادية العدوانية واالضطرابات الداخلية)‪ .‬من خالل المكونات‬
‫العملياتية وعلى رأسها مؤسسة الجيش‪ ،‬للحفاظ على السيادة الوطنية واستقرار وسالمة الحدود الوطنية‪ .‬ويتعلق االمر‬
‫في بدايته بصنع القرار المتضمن إستراتيجية الدفاع الوطني وكيفية تحقيقها‪ ،‬كما تضم مجمل التدابير واالجراءات‬
‫والخيارات المتاحة التي تأخذها الحكومة على عاتقها للتعامل مع تلك التهديدات‪ ،‬من أهم الق اررات السياسة الدفاعية‬
‫تفوض القوات المسلحة مهمة تحقيق السياسة الدفاعية"‪.‬‬
‫"كيف ومتى َّ‬
‫صانع القرار في السياسة الدفاعية في العديد من االنظمة السياسية هو رئيس الدولة الذي يشغل منصب القائد‬
‫االعلى للقوات المسلحة في حين أن هناك وحدات سياسية تقوم بتعيين وزير للدفاع الوطني وقد يجسد هذا المنصب‬
‫عسكري برتبة سامية أو مسؤول مدني من الكفاءات الوطنية‪.‬‬
‫أما العامل االساسي الذي تعتمد عليه السياسة الدفاعية في تحديدها للتهديدات المعادية والعدوانية هي المعلومات‬
‫االستخبارية‪ ،‬والتي بفضلها يمكن معرفة القدرات الواجب توفرها في المجال العسكري (االستعداد القتالي‪ ،‬التنظيم‬
‫العسكري للقوات المسلحة من التجهيزات‪ ،‬المعدات‪...‬إلخ)‪ ،‬كما يمكن من خاللها تحديد أولويات األمن القومي من‬
‫الناحية الداخلية في المجاالت السياسية‪ ،‬اإلقتصادية واالمنية ومن الناحية الخارجية في مجاالت التعاون والتحالفات‬
‫الدفاعية‪.‬‬
‫إذا تحدد السياسة الدفاعية بناء على تحليل المعلومات االستخبارية لمجموع االزمات لتقييم مدى خطورة التهديدات‪،‬‬
‫االمكانيات المتوفرة في المجال العسكري‪ ،‬األمن الوطني‪ ،‬التحالفات الدفاعية‪ ،‬االستعداد القتالي‪ ،‬التنظيم‬
‫العسكري للقوات‪ ،‬وبعد ذلك يتم إتخاذ مجموع التدابير الرامية الى صنع القرار وتحديد األهداف اإلستراتيجية‪.‬‬
‫صانع القرار الرئيسي لهذه السياسة بحسب طبيعة النظام يجسده شخص رئيس الدولة الذي يشغل في نفس الوقت‬
‫وظيفة وزير الدفاع أو من ينوب عنه‪.‬‬
‫‪-‬أسس السياسة الدفاعية للدولة‬
‫األساس الروحي‪ :‬ويتمثل في العقيدة القتالية التي يعتنقها االفراد المكلفون بالدفاع على مستوى كافة االجهزة االمنية‬
‫وفي الرسالة التي يحملها ويستعد للتضحية من أجلها لبلوغ االهداف المحددة في االستراتيجية االمنية الشاملة ‪.‬‬
‫األساس المعنوي‪ :‬وهو أحد األسس التي يتم غرسها لدى أفراد الدفاع من عسكريين ورجال االمن‪ ،‬بحيث تتوفر‬
‫لديهم القدرات التي تجعلهم قادرين على تحمل المواقف الصعبة التي تسود ساحة الصراع‪ ،‬ومن أبرز هذه السمات‬
‫(صفاء الذهن وحسن تقدير الموقف والتصرف بذكاء وشجاعة) وذلك عند مواجهة المخاطر‪.‬‬
‫لذلك تسعى القيادة في هذا المجال إلى المحا فظة على الروح المعنوية العالية لدى القادة والضباط وضباط الصف‬
‫والجنود‪ ،‬وذلك لتأمين متطلبات أساسية في مقصد وسلوك المقاتل وأبرزها االنضباط والطاعة والنظام مع التمسك‬
‫بروح الفريق واإلخالص للوطن واالستعداد للتضحية بالروح لتحقيق النصر‬
‫األساس المادي‪ :‬تعتمد السياسة الدفاعية التي تنتهجها دولة ما‪ ،‬على ثالث دعامات أساسية هي‪:‬‬
‫‪ -1‬بناء منظومة أمنية قوية إبتداء من المؤسسة العسكرية يعتمد على ما وصلت إليه التقنية الحديثة في تسليح‬
‫وبناء العسكري وتوسيع مداركه العملية بما يتفق وهذه التقنية المتقدمة‪.‬‬
‫‪-2‬التضامن والتعاون األمني مع دول الجوار والدول األصدقاء في إطار اتفاقيات الدفاع المشترك‬
‫‪3‬ـ االتفاقيات األمنية مع الدول الشقيقة والصديقة‪.‬‬
‫‪-‬خصائص السياسة الدفاعية للدولة‬
‫عامة يجب احترامها من اجل وضع سياسة عصرّية وفاعلة ومنها‪:‬‬
‫الدفاعية اليوم مبادئ ّ‬
‫ّ‬ ‫للسياسات‬
‫الفعلية بالق اررات المصيرّية هما‬
‫ّ‬ ‫ان القناعة باالنتماء الى الوطن الواحد والشعور بالمشاركة‬
‫–تعميم ثقافة المقاومة‪ّ :‬‬
‫معني‬
‫ّ‬ ‫طبيعيان لتعميم ثقافة المقاومة بين االفراد‪ ،‬لذا يجب ان يشعر الفرد المكلف بالدفاع كمواطن ّانه‬
‫ّ‬ ‫شرطان‬
‫إمكانياته بالمجهود العام لتأمين الدفاع عن الوطن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مباشرة باستقرار بلده وامنه‪ ،‬بحيث ّانه يساهم حسب‬
‫–التكامل ما بين الدفاع الخارجي واألمن الداخلي‪ :‬ال يمكن الفصل اليوم بين األمن الخارجي واألمن الداخلي‪ ،‬او‬
‫بين سياسة للدفاع الخارجي وسياسة لألمن الداخلي‪ .‬فالتهديدات ومراكز الضعف متشابكة بين الخارج والداخل‪.‬‬
‫ان مصادر الخطر والتهديدات والضعف متعددة وتأخذ اشكاال مختلفة؛ لذا‬
‫االمنية‪ّ :‬‬
‫الدفاعية و ّ‬
‫ّ‬ ‫شمولية السياسة‬
‫ّ‬ ‫–‬
‫متنوعة‪ .‬وعليه يجب على سياسة الدفاع واالمن الوطني‬
‫فمعالجتها تحتّم تصور اشكاال مختلفة من الدفاع وامكانات ّ‬
‫تهتم بمصادر التهديد العسكري واالمني وبضرورة تقوية المحيط االقتصادي بما يتوافق ومتطلبات العالم‬
‫أن ان ّ‬
‫السياسية في الداخل الخ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وبضرورة تدعيم النسيج االجتماعي والتركيبة‬
‫بإن االخطار هي اخطار مستدامة‪ ،‬فمن‬
‫–وضع سياسة مستدامة‪ :‬من البديهي‪ ،‬على القيادة أن يكون لها قناعة ّ‬
‫التام لردع اي اعتداء وضرب اي مشروع عدواني‬
‫الضروري محاربتها باستمرار واالبقاء على الجاهزية واالستعداد ّ‬
‫على مصالح الدولة‪.‬‬
‫‪-‬مراحل صياغة السياسة الفاعية‬
‫أ‪-‬تحديد المشكلة ‪ :‬حتى يسمح اصناع القرار التحرك بسرعة للتعامل معا ها والتصدي ألثارها المباشرة أو الغير‬
‫مباشرة وبالتالي االستجابة إلى مجموعة المطالب والحاجات والقيم االمنية الواجب االستجابة لها‪.‬‬
‫ومن اهم النقاط الواجب االلمام بها في هذا العنصر‪ ،‬قبل إعداد المقترحات إلتخاذ القرار‪:‬‬
‫‪-1‬تعريف المشكلة وتمييزها‬
‫‪-2‬تحليل المشكلة من خالل معرفة أسبابها‪ ،‬اهدافها ونتائجها مع إعداد قائمة من الحلول الممكنة‪.‬‬
‫‪-3‬تجديد الخيار االفضل‪.‬‬
‫‪-4‬وضع خطة للتنفيذ ‪.‬‬
‫ب‪-‬بلورة السباسة الشاملة‪ :‬بعدما يتم تحديد المشكلة‪ ،‬تعرض القضية على الحكومة أو رئاسة الجمهورية‪ ،‬ويتم‬
‫فتح نقاش فعال ومن هنا تتبلور االفكار الرئيسية وتبدأ مالمح السياسة الواجب إتباعها للتعامل مع التحديات مع‬
‫تغليب االولوية في المعالجة‪.‬‬
‫ما يالحظ في هذه المرحلة أن التحكيم إلى العقل بغض النظر عن طبيعة النظام يبقى المحدد االساسي لبسط‬
‫االجماع في إتخاذ االجراءات السليمة والفعالة للتعامل مع المشكلة المطروحة‪ ،‬بعيدا عن المساومة والمفاوضات‬
‫والضغوطات التي يتعرض لها االطراف الفاعلة في صنع القرار‪.‬‬
‫ج‪-‬إتخاذ القرار والبدء في التنفيذ‪ :‬ويتضمن القرار الصادر عن أعلى هيئة في الدولة في الحسم في إختيار بين‬
‫البدائل المقترحة‪ ،‬وهنا نكون أمام رسم السياسة العامة‪ ،‬ثم تحول من الحالة االعالنية (القرار) إلى الميدانية إلى‬
‫االجهزة التنفيذية (الحكومة) من أجل وضع الخطط التنفيذية‪ ،‬التنسيقة التعاون‪ ،‬على أن تكون عملية المتابعة‬
‫الميدانية للمخططات متواصلة بإستمرار من أجل تقييم وبالتالي إستخالص العبر سلبا أو إيجابا ‪.‬‬
‫المحور الرابع‪ :‬مرتكزات السياسة الدفاعية (االستعالم‪-‬الدفاع‪-‬االمن)‬
‫منذ نهاية الحرب الباردة وانتهاء موجة الصراع بين الكتلة الشرقية والغربية‪ ،‬حل مفهوم الدفاع واألمن محل مفهوم‬
‫الحرب وبدأ ذلك جليا في الخطابات السياسية‪ ،‬باعتبار أن الحرب لم تكن الحل االمثل للنزاعات لسببين إثنين‪،‬‬
‫أولهما ‪ :‬أنها حملت في ثناياها الكثير من المآسي والصدمات واألحزان باإلضافة إلى الخسائر البشرية والمادية‬
‫الهائلة التي أتت على تحطيم البني التحتية للدول وثانيهما‪ :‬أن الحرب بقدر ما تستهلك عند تصنيع معدات‬
‫السالح‪ ،‬اإلمكانات البشرية و االقتصادية و تجنيد القدرات االجتماعية بقدر ما تصل أثارها السلبية إلى ترسيخ‬
‫إزمة مستقبلية ممتدة وعميقة‪.‬‬

‫‪-‬أصل كلمة الدفاع‪:‬‬


‫منذ القدم كان مفهوم الدفاع مرتبط إرتباط وثيق بالمجال العسكري دون غيره (الدفاع امر عسكري محض)‪ ،‬لكن‬
‫مع التطورت والمتغيرات التي حدثت في الساحة في القرن الماضي (شساعة رقعة الحروب في أوروبا التي إنتهت‬
‫بالحرب العالمية االولى)‪ ،‬فتحت مجال للنقاش للبحث عن مخرج من االزمة االمنية واعطاء وظيفة أيجابية للدفاع‪،‬‬
‫وفعال كانت للنصوص التاسيسية لعصبة االمم الفضل في إدخال هذا المصطلح في ادبيات العالقات الدولية‬
‫نحت عنوان "الدفاع الوطني"‪ ،‬ومن هنا تناولته االبحاث العلمية واالكاديمية لوضعه في االخير كمعيار أو متغير‬
‫في وضع االستراتيجية االمنية العامة لدولة ما‪ ،‬ويشمل مجاله فضال عن آلة الحرب‪ ،‬االقتصاد والهوية الثقافية‬
‫والشخصية الحضارية‪ ،‬ومكانة االمة في العالم (فتوفر األمن من خالل المنظومة الدفاعية يسمح بالتطور العادي‬
‫والمنسجم للمجتمع إضافة إلى السماح بالتطور االقتصادي والصناعي لمختلف الدول) ‪.‬‬
‫ورغم أن المصطلح ال يحمل الكثير من الغموض و التناقض مقارنة مع مصطلح األمن إال أن بروزهما في آن واحد‬
‫في القاموس اللغوي السياسي واإلستراتيجي الحديث‪ ،‬أصبح له داللة‪ ،‬بعدما تأكد أن الحرب ال تؤدي حتما إلى حل‬
‫مشكالت الصراع بين الدول‪ ،‬لذا حل مفهوم الدفاع محل مفهوم الحرب في الخطابات السياسية‪ ،‬باعتبار أن الحرب‬
‫تحمل في ثناياها الكثير من المآسي والصدمات واألحزان إضافة إلى الخسائر البشرية والمادية الهائلة التي تؤدي‬
‫إلى تحطم البني التحتية للدول‪،‬‬
‫ويشير مفهوم الدفاع إلى توفير األدوات العسكرية المطلوبة لحماية أراضي الدولة وممتلكاتها وشعبها من الهجمات‬
‫المعادية بأي صورة كانت‪ ،‬مما يعني بطريقة أخرى التالزم بين استخدام القوة العسكرية ومفهوم الدفاع‪ ،‬بحيث ال‬
‫يمكن تصور وجود أي دفاع فعال خارج نطاق القوة العسكرية التي تبنيها وتتعهدها الدولة باستمرار‪ ،‬وعندما تضعف‬
‫أو تتساهل في تطويرها فإنه يكون عليها دفع ثمن االعتداء (كما يعتقد أنصار النظرية الواقعية‪/‬الواقعية الجديدة‪)i‬‬
‫عليها أو حتى إنهاء وجودها من الخريطة السياسية ككيان مستقل‪.‬‬
‫بالنسبة لكالوزفيتز‪ ،‬يعني الدفاع "تفادي الضربة" من قبل العدو‪ ،‬واحدى تجلياته الرئيسية القابلة للقياس "انتظار‬
‫الضربة" أو انتظار العدو واالستعداد لمواجهته‪ ،‬فالدفاع يجعل القوات المسلحة متحصنة في مواقعها تنتظر قدوم‬
‫العدو‪ ،‬على عكس الهجوم الذي هو عمل عسكري متحرك نحو منطقة المعركة‪ .‬جوهر مفهوم الدفاع محدد في‬
‫سمة االنتظار وتفادي ضربة العدو‪ ،‬وتبنى اإلستراتيجية الدفاعية على العالقة الوثيقة بين السمتين‪ ،‬سواء تعلق‬
‫األمر بالمعركة الدفاعية أو الحملة الدفاعية‪ .‬تعني "المعركة الدفاعية إن كنا نحن من ينتظر الهجوم‪ ،‬ونعني بذلك‪،‬‬
‫انتظار ظهور العدو أمام خطوطنا وضمن المدى‪ ،‬أما الحملة دفاعية هي إذا انتظرنا اجتياح العدو لمسرح عملياتنا"‪.‬‬
‫يمكن في بعض الحاالت المبادرة بالهجوم على مواقع تمركز قوات العدو‪ ،‬إذا كان ذلك يشكل تهديدا خطي ار لمفهوم‬
‫الدفاع عن الدولة أو أن العدو بصدد استكمال تحضيراته للقيام بهجوم على البالد أو تنفيذ عمليات تخريبية داخل‬
‫الحدود الوطنية‪.‬‬
‫ضمن هذا االستثناء لمفهوم الدفاع‪ ،‬تم تطوير بعض المفاهيم الجديدة في الفكر اإلستراتيجي مثل "الحرب الوقائية"‪،‬‬
‫"التدخل اإلنساني"‪" ،‬األمن الجماعي"‪" ،‬األمن المشترك" وتبقى القائمة مفتوحة‪ .‬في كل األحوال‪ ،‬وضع كالوزفيتز‬
‫اإلطار النظري العام لتطوير مثل هذه المفردات اإلستراتيجية عندما قال‪" :‬أما إن كنا ننوي خوض الحرب فعال‪،‬‬
‫فعلينا بالمقابل الرد على ضربات العدو‪ ،‬ويظل هذا العمل التعرضي في الحرب الدفاعية‪ ،‬تحت عنوان "الدفاع"‬
‫ضمن مواضعنا‪ ،‬أو مسرح عملياتنا‪ .‬وهكذا يمكن خوض حملة دفاعية ضمن معارك تعرضية‪ ،‬كذلك ففي معركة‬
‫دفاعية بوسعنا استخدام فرقنا تعرضيا‪ .‬حتى ونحن في موضع دفاعي بانتظار وصول العدو‪ ،‬تتولى اطالقاتنا‬
‫العمل التعرضي"‪ ،‬كل هذه المضامين المفاهيمية شكلت قاعدة لتأسيس منظور كنيث ولتز حول الدفاع واألمن في‬
‫‪4‬‬
‫العالقات الدولية‪ ،‬فيما سمي "بالواقعية الدفاعية"‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬للدفاع عدة مزايا في تعزيز قدرات الدولة واحتفاظها بأمنها ومواردها وحتى تفوقها اإلستراتيجي‪،‬‬
‫وذلك من خالل اعتقاد كالوزفيتز أن االحتفاظ باألرض أسهل من أخذها‪ ،‬والدفاع أيسر من الهجوم وأقل كلفة في‬
‫الموارد واألضرار المادية والبشرية‪ ،‬ويم ّكن الدولة من االحتفاظ بقواتها المسلحة آمنة ومعداتها الدفاعية سليمة؛ كما‬
‫أنها ال تستفز األعداء وال تصنع آخرين جدد‪ ،‬على عكس اإلستراتيجية الهجومية‪ .‬في مقابل له جانب سلبي قد‬
‫يطور قدرات كسب الثقل اإلستراتيجي‪ ،‬كما يمكن أن يبقي سياستها‬ ‫يفقد الدولة امتيازات التفوق اإلستراتيجي وال ّ‬
‫سلبية وتابعة لألطراف القوية التي تتبنى سياسة هجومية‪ .‬لكل هذه االعتبارات وأخرى‪ ،‬يعتقد كالوزفيتز أنه "ينبغي‬
‫اللجوء إلى الدفاع بالقدر الذي يحتّمه علينا الضعف‪ ،‬وأن نتخلى عنه حالما نغدو أقوياء بما يكفي لمتابعة هدف‬
‫إيجابي"‪ .‬لماذا القيام بذلك؟ اإلجابة بسيطة وهي أن هذا ما ينسجم مع جوهر ظاهرة الحرب في العالقات اإلستراتيجية‬
‫الدولية‪ ،‬واال "فالحرب التي تستخدم فيها االنتصارات دفاعيا فقط‪ ،‬دون التفكير بهجمات مقابلة ستكون حربا سخيفة"‪.‬‬
‫كما يتضمن مفهوم الدفاع اإلستراتيجي جانبين هامين‪ ،‬تتعلق األولى بتلك اإلجراءات العسكرية التي يتم تدبيرها‬
‫من أجل المراقبة والردع وشن الحرب عند التعرض العتداء‪ ،‬مثل نشر القوات العسكرية على الحدود‪ ،‬تشييد القواعد‬
‫العسكرية والحصون حول المدن المهمة‪ ،‬تطوير أو اقتناء المعدات القتالية‪ ،‬تصميم إستراتيجية دفاعية‪ ،‬تخصيص‬
‫حصة مهمة من ميزانية الدولة للنفقات العسكرية‪ ،‬باإلضافة إلى القيام بهجوم عسكري لغاية الدفاعية‪ .‬يتعلق الثاني‬
‫بتلك اإلجراءات المتخذة لمنع وقوع النزاعات ونشوب الحروب‪ ،‬كبناء الحصون أو المالجئ لالحتماء بها عند‬

‫‪4‬‬
‫‪Kenneth N.Waltz, “Structural realism after the Cold War,” in Perspectives on World Politics, 3rd ed., ed. Richard Little‬‬
‫‪and Michael Smith (London, New York: Routledge Taylor & Francis Group, 2006), pp. 101-11.‬‬
‫وقوع الهجوم من قبل قوات العدو‪ ،‬تفادي االشتباك مع قوات العدو‪ ،‬االمتناع عن إثارة غضب العدو‪ ،‬دفع الرسوم‬
‫من أجل تفادي التعرض للغزو‪ ،‬االنخراط في األحالف العسكرية الدفاعية وغيرها من اإلجراءات التي يمكن أن‬
‫تجنب الدولة الحرب‪ ،‬فالدفاع في وجهه هذا هو نزعة محافظة في المقام األول‪ ،‬أي المحافظة على القوات ومراكز‬
‫الثقل اإلستراتيجي آمنة وبعيدة عن ضربة العدو‪.‬‬
‫بصفة عامة‪ ،‬يمكن القول أن مفهوم الدفاع يتعارض مع مفهوم الحرب من حيث الجوهر كمقاربة الستخدام العنف‬
‫المسلح من أجل أغراض السياسة‪ ،‬إال في حاالت استثنائية عندما تشن الحرب من أجل الدفاع عن النفس أو‬
‫ألغراض إنسانية أو ما يسميه البعض "بالحرب العادلة"‪ 5،‬و"التدخل اإلنساني"‪.‬‬
‫‪-‬المبادئ األساسية للدفاع‬
‫‪ -‬حق القيام وتوجيه الدفاع يبقى من صالحيات الدولة سواء لصد عدو قائم بذاته (حالة الحرب) أو لمواجهة‬
‫تهديدات اللينة والهادئة لحماية حدودها ومصالحها‪.‬‬
‫‪-‬مفهوم الدفاع أصبح يشمل جميع الميادين الحياة (السياسية‪ ،‬االقتصادية‪ ،‬االجتماعية‪.)...‬‬
‫‪-‬الدفاع يعتبر معيار ثابت النه مرتبط بالسيادة (الهيكل التنظيمي للمنظومة الدفاعية)‪ ،‬عكس الوسائل االخرى‬
‫التي تتغير زيادة أو نقصان من ناحية الفعالية وفق المتغيرات والظروف التي تط أر على الساحة االمنية‪.‬‬
‫‪-‬المهام االساسية للدفاع‬
‫‪-1‬حماية المصالح العليا للدولة في زمن السلم والحرب في الداخل والخارج‪.‬‬
‫‪-2‬عدم اللجوء إلى عامل القوة للمساس بسيادة الشعوب (الحقوق المحمية بنصوص ميثاق هيئة االمم المتحدة)‪.‬‬
‫‪-3‬المساهمة في إحالل السلم واالمن العالمي (حل النزاعات) وفق الوسائل السلمية‪.6‬‬
‫‪-‬جدلية االمن والدفاع في القرار االستراتيجي‬
‫أنظر مذكرة التحديات االقليمية الراهنة لالمن االقليمي الجزائري دراسة في الجيو امني للحدود ملف السياسة‬
‫الدفاعية المقارنة صفحة ‪ 45‬وما يلي‪.....‬‬
‫‪-‬اهمية المكون العسكري والمعلوماتي في األزمات الدولية‬
‫السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو‪ :‬هل يمكن توظيف القوة إلى جانب الديبلوماسية في إدارة األزمات الدولية؟‬
‫أم أن من شأن ذلك تعميق األزمة واإلسراع بإشعال الحرب غير المرغوب فيها؟ على عتبار أن من الحقائق الثابتة‬
‫في العالقات الدولية أن القوة أداة للديبلوماسية وعليه فإن إدارة أية أزمة دولية بشكل فعال تتطلب إمكانيات بشرية‬
‫ومادية وعسكرية وسي اسية‪...‬مهمة‪ ,‬لذلك يعتبر الباحثين ان الجزء االكبر من إدارة أية أالزمة هو بلورة وسائل‬
‫وسياسات وضغوط أخرى أمنية تجعل الذي يفكر في االعتداء يتردد قبل المغامرة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪Paul R. Viotti and Mark V. Kauppi, International Relations and World Politics: Security, Economy, Identity (New‬‬
‫‪Jersey: Prentice Hall, Upper Saddle River, 1997), pp. 146 -51.‬‬
‫‪ 6‬د‪.‬خليل حسين‪ ،‬د‪.‬حسين عبيد‪ "،‬االستراتيجيا‪ ،‬التفكير والتخطيط االستراتيجي‪ ،‬إستراتيجيات االمن القومي‪ ،‬الحروب وإستراتيجيات االقتراب الغير‬
‫مباشر"‪ ،‬بيروت (لبنان)‪ ،‬منشورات الحلي الحقوقية ‪ ،2013‬الطبعة األولى‪ ،‬ص‪.241.‬‬
‫االجابة بالنسبة لمناصري مرتكز القوة كفاعل في السياسة الخارجية‪ ،‬أن الممارسة الدولية تؤكد على ضرورة‬
‫استعمال القوة العسكرية لردع‪ 7‬الخصم أثناء تصعيد األزمة مع تجنب العمليات التي يمكن أن يفسرها الخصم بأنها‬
‫استعداد ألعمال قتالية‪ ،‬إستنادا إلى ميثاق األمم المتحدة الذي جرم اللجوء إلى القوة أو التهديد باستخدامها في‬
‫العالقات الدولية (التدخل في شؤون الدولية الداخلية)‪ ,‬إال أنه في حالة تطور األزمات والمنازعات الدولية بشكل‬
‫يهدد السلم واألمن الدوليين‪ ،‬خصوصا بعد استنفاذ محاوالت إدارة األزمة سلميا‪ ,‬أو عبر الضغوطات غير العسكرية‪،‬‬
‫انظر المادة ‪ 42‬من الميثاق‪ ،‬خول لمجلس األمن التدخل عسكريا في إطار نظام األمن الجماعي وسمح للدول‬
‫ممارسة حقها في الدفاع الشرعي الفردي أو الجماعي عن النفس (المادة ‪.8)51‬‬
‫إلى جانب القوة‪ ،‬فإن للمعلومات دور جد هام في هذا المجال‪ ،‬فالحلول المقترحة الحتواء األزمة وتقييم مألتها‬
‫يتطلب توافر معلومات كافية ودقيقة حول مالبساتها وحول قدرة وامكانيات األطراف للمساهمة في تقديم الدعم‪،‬‬
‫الن سوء التصور والمغاالة المبني على األخبار واآلراء التي قد ال تتسم في غالب األحيان باالستقرار والمصداقية‬
‫وبالخصوص مع تطور وسائل اإلعالم ومبالغتها في تضخيم األمور قد يؤدي إلى ردود أفعال سلبية مع عامل‬
‫ضغط الوقت وهذا ما يعجل بوقف االتصال بين أطراف األزمة والذي قد يصل إلى تصعيد هذه األخيرة وعليه فإن‬
‫صناع القرار عادة ما يلجؤون نظم االتصال واالستخبارات الفعالة للحصول على المعلومات الكفيلة بطرح النزاع‬
‫في سياقه الحقيقي‪.9‬‬
‫من جهة ثانية‪ ،‬فإن غياب المعلومات‪ ،‬قد يؤدي إلى تصاعد حدة األزمة مما يتطلب من االطراف اتخاذ الحيطة‬
‫والحذر وتجنب المخاطرة واالرتجال‪ ،‬الن البعض يعتقد أن تصوراته ومالحظاته ومعلوماته مهما كانت دقيقة حول‬
‫أزمة معينة‪ ،‬فإن األزمة التي يتصور تفاصيلها ليضع لها إطا ار نظريا للتعامل معها تختلف عن تلك التي تجري‬
‫في الواقع‪ ،‬وعليه يجب القيام باستعدادات مسبقة وايجاد نسق تنظيمي فعال‪ ،‬حتى يتسنى له مواجهتها عند الوقـوع‪،‬‬
‫أما أثناء الوقوع‪ ،‬فإن المعلومة الصحيحة له دور التعريف باألسباب والمالبسات وتطوراتها وقدرات وامكانيات‬
‫الخصوم‪ ،‬ويمكن توظيفها الستخالص الدروس السابقة واالستشراف لمواجهة أزمات مماثلة قد تقع مستقبال‪.10‬‬
‫من هذا المنطلق‪ ،‬أصبح الدفاع واألمن يحتل مكانة مرموقة في مختلف المحافل السياسية والنظريات الفكرية‪،‬‬
‫وبالتالي أصبح توفر االمن من خالل المنظومة الدفاعية (االستعالم‪-‬بالدفاع‪-‬االمن)‪ 11‬حلقة إيجابية تسمح بالتطور‬
‫العادي والمنسجم للمجتمع إضافة إلى السماح بالتطور االقتصادي واالندماج المجتمعي لمختلف الدول‪.‬‬

‫‪ 7‬حسب أراء العديد من الباحثين‪ ،‬فإن الردع كوسيلة معهودة قد استخدمت على نطاق واسع في إدارة األزمات بين القوى الدولية الكبرى دون استعماله‬
‫فعليا في إطار "توازن الرعب"‪ ،‬فقد أسهم بشكل كبير وفعال في إدارة العديد من األزمات بين االتحاد السوفيتي والواليات المتحدة خالل فترة الحرب الباردة‪،‬‬
‫لكن هذا لم يمنع االستثمار في القوة في إدارة العديد من األزمات الدولية عبر سياسة الردع‪ ،‬وهو النهج الذي اصبح يميز السياسة الخارجية للواليات المتحدة‬
‫وحلفائها بعد اختفاء تحدي االتحاد السوفياتي‪.‬‬
‫‪ 8‬هذا األمر دفع بالعديد من الدول إلى المطالبة بتعديل ميثاق األمم المتحدة بالشكل الذي يسمح بتوسيع العضوية الدائمة بهذا الجهاز حتى يعبر بصدق عن‬
‫الخريطة السياسية واالقتصادية في العالم وعلى عالقات القوة السائدة فيه وال معنى الذي ينصرف إلى خدمة البشرية جمعاء‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار جميع‬
‫مكونات المجتمع الدولي بشماله وجنوبه‪ ،‬خصوصا وأن تشكيلته الحالية ما هي في واقع األمر إال تعبير عن موازين القوى في النظام الدولي الذي أعقب نهاية‬
‫الحرب العالمية الثانية منه عن موازين القوى في عالم اليوم‪ ،‬ولإلشارة فإن توسيع عضوية مجلس األمن تقتضي تعديل المادتين ‪ 23‬و‪ 27‬من الميثاق األممي‬
‫كما سبق تعديلهما في سنة ‪ 1963‬عندما توسع العضوية من ‪ 11‬عضوا إلى ‪ 15‬عضوا‪.‬‬
‫‪ 9‬يرى أحد الباحثين أن توقع المنازعات ال يعني التنبؤ بتوقيت واتجاه األحداث مستقبال بدقة متناهية‪ ،‬أي أنه ليس ما يطلق عليه تسمية التنبؤ "أحادي النقطة"‬
‫في دوائر المخابرات‪ ،‬فاإلدعاء بإمكانية التنبؤ بمثل هذه الدقة – في نظر هذا الباحث‪ -‬هو في الحقيقة أمر من األفضل أن يترك للعرافين‪.‬‬
‫‪ 10‬جيمس دورتي وروبرت بالستراف‪" ،‬النظريات المتضاربة في العالقات الدولية"‪ ،‬ترجمة وليد عبد الحي‪ ,‬كاظمة للنشر والترجمة والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ ،1985‬ص‪.232-231‬‬
‫‪11‬االستعالمات هي المعطيات الجد حساسة التي يتوقف عليها مصير القرار السيادي للدولة من أجل توجيه السياسة العامة للدفاع سواء داخليا أو خارجيا‪ ،‬أما‬
‫والجو والبحر والثروات المائيّة واالقتصاديّة‪ ،‬يجتمع المنتمون لوطن حول قيم مشتركة يدافعون عنها‪ .‬فان‬
‫ّ‬ ‫الدفاع فهو حماية القيم المشتركة لالمة‪ ،‬فقبل االرض‬
‫فالسياسة الدفاعية للدول من خالل الثالثية‪ ،‬تجتهد إلى المحافظة على السيادة وسالمة أراضيها وتأمين حدودها‬
‫ومصالحها الوطنية وممتلكاتها‪ ،‬مع االستثمار من أجواء االستقرار والهدوء التي يوفرها النظام الدولي من أجل‬
‫تطوير‪ ،‬بناء وتجهيز مختلف القوات العسكرية واالمنية على أسس قوية‪ ،‬تؤمن ردع أي تهديد ومنع العدو من‬
‫تحقيق أهدافه وذلك في إطار التعاون الدولي‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬فإن السياسة الدفاعية في الجبهة الداخلية من واجب توفير األمن للمواطنين داخليا قد يؤدي إلى‬
‫تبني سياسة دفاعية خارجية إستباقية‪ ،‬من خالل عقد اتفاقيات أمنية دفاعية مشتركة مع دول الجوار‪ ،‬من خالل‬
‫عقد تحالفات عسكرية أو عبر توسيع دائرة المراقبة بالوسائل التكنولوجية الحديثة خارج الحدود اإلقليمية‪.12‬‬

‫الدفاع‬ ‫االستعالمات‬ ‫االمن‬

‫وجدت تلك القيم واتّفق الجميع حولها فيكون من الطبيعي أن يتوصلوا لبلورة سياسة دفاعيّة وأمنيّة وطنيّة شاملة‪ ،‬أما األمن فهو أهم المتطلبات التي تسعى أي‬
‫دولة لتحقيقها والحفاظ عليه سواء في اإلطار المحلي‪ ،‬اإلقليمي أو الدولي‪ ،‬ويشمل هذا المفهوم (االمن الوطني‪ ،‬األمن القومي‪ ،‬األمن االقتصادي‪ ،‬األمن‬
‫اإلنساني‪..‬إلخ)‪.‬‬
‫‪12‬حسب المالحظين فإن ظهور تهديدات أمنية جديدة ت وإن إختلفت في طبيعتها ومصادرها‪ ،‬عسكرية‪ ،‬سياسية‪ ،‬اقتصادية‪ ،‬اجتماعية‪ ،‬ثقافية وبيئية‪ ،‬دفعت‬
‫بالدول للبحث عن ميكانيزمات جديدة تعالج بها هذه التهديدات ويتجلى ذلك في مبادرات التعاون والحوار‪ ،‬التمارين المشتركة الميدانية للقوات العسكرية وتبادل‬
‫الخبرات‪ ،‬النه لم يعد من الممكن معالجة هذه الظواهر في إطار المفهوم التقليدي لألمن (إستعمال القوة العسكرية)‪.‬‬
‫المحور الخامس‪ :‬العوامل المؤثرة في صناعة السياسة الدفاعية‬
‫في صناعة السياسة الدفاعية يعتمد االستراتيجيون على مجموعة من العوامل التي لها عالقة مباشرة بأهداف‬
‫الدفاع والتي عادة ما تنتج ردودا سواء سلبا أو إيجابا ضعفا أو قوة تطور أو تخلفا نموا أو اضمحالال ‪ ،‬فهي‬
‫كثيرة ومتنوعة تتطور وتتغير وتتبدل مع مرور األيام واألزمان فما كان مؤثر في الماضي ليس بالضرورة عامل‬
‫حيوي في الحاضر قد يتقلص دورها ويتراجع مركزها في التأثير من المقدمة إلى المؤخرة ومن أبرز العوامل نذكر‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬العوامل الداخلية‪ :‬ويقصد بها كل العوامل والعناصر المكونة للبيئة الداخلية والتي تؤثر بشكل مباشر أو غير‬
‫مباشر في عملية صناعة السياسة الدفاعية‪.‬‬
‫أ‪-‬العوامل الشخصية لصانع القرار‪ :‬ويمكن تلخيص ذلك في الميول واالتجاهات الشخصية لمعرفة رؤيته لمصالح‬
‫الدوله وطريقة تقييمه لألوضاع وادراكه للموقف الخارجي الذي سوف يحسب له أو عليه وكذلك إدراكه لمدى ما‬
‫يتضمنه من خطورة أو تهديد‪ .‬التركيبة الفكرية التي تؤثر عليه في عملية تحليله لبيئة الخطة االستراتيجية‪ ،‬كيفية‬
‫تقييمه للنتائج التي يحتمل أن تقود إليها مشاريع الق اررات البديلة‪ .‬كما يمكن دراسة الجوانب الموضوعية والذاتية‬
‫(ثقافته‪ ،‬انتماءاته المذهبية أو ميوله العقائدية)‪.13‬‬
‫لإلشارة أن موقف صانع القرار له عالقة مباشرة الظروف الخاصة بالبيئة الداخلية‪ ،‬الضغوط التي تمارس عليه‬
‫من جراء تقيده بارتباطات وتعهدات سابقة‪ ،‬التقاليد واألعراف‪ ،‬االتجاهات الشعبية في الدوله (والمقصود بها الرأي‬
‫العام لقياس االتجاهات وعوامل تكوينه‪ ،)14‬توقعاته عن السلوك الذي يحتمل أن يصدر عن األطراف أو القوى‬
‫ذوى العالقة بالموقف (أصحاب الضغط)‪.‬‬
‫ب‪-‬النظام السياسي ‪:‬االعتماد على تحليل النظام السياسي تنبع أهميته من خالل قراءة المتغيرات الرئيسة التي‬
‫تؤثر وتتأثر في عملية صنع السياسة الدفاعية‪ ،‬فالقرار في االنظمة الديمقراطية تخضع هذه العملية إلجراءات‬
‫ومشاو رات ومناقشات طويلة مع جهات عديدة‪ ،‬ويلزم لتنفيذها موافقة أكثر من جهة‪ ،‬الن صناع السياسة في هذا‬
‫النظام يعملون على مالئمة مصالح المجموعة أو الحزب الحاكم بالمصلحة العامة‪ ،‬وهذا ما يؤدي إلى تأخير‬
‫اإلجراءات في اتخاذ القرار وتنفيذه‪ ،‬وهذا ما يؤثر على الفعلية في الوصول إلى الغاية المرجوة في الوقت المحدد‬
‫كما تنجر عليه بعض النتائج الغير متوقعة‪.‬‬

‫‪ 13‬حسب جاك تيلور "فإن الخصائص الرئيسة للشخصية القيادية لصانع القرار المتمثلة في القدرة العقلية‪ ،‬االهتمام بالعمل‪ ،‬المهارة في االتصاالت‪ ،‬القدرة‬
‫على حفز المرؤوسين إلى انجاز العمل بدقة‪ ،‬المهارة السياسية التي تتطلب القدرة على التصور‪ ،‬المبادرة‪ ،‬التخطيط‪ ،‬التقرير "‪ ،‬تلعب دورا كبيرا للتأثير على‬
‫مجريات القرار‪.‬‬
‫‪ 14‬لقد عرف" فلويد أولبورت "الراي العام‪ ،‬بأنه تعبير عن حجم كبير من األفراد عن أرائهم في موقف معين‪ ،‬أما من تلقاء أنفسهم أو بناء على دعوة توجه‬
‫اليهم تعبيرا مؤيدا أو معارضا لمسألة أو شخص معين أو اقتراح ذي أهمية واسعة بحيث يكون العدد ذا نسبة كافية لممارسة التأثير على اتخاذ إجراء معين‬
‫سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‪ .‬لذلك يعد الراي العام إحدى العوامل المهمة للمشاركة في عملية صنع القرار‬
‫كما أن المشاركة المفتوحة في هذه االنظمة تؤدي إلى فقدان السرية‪ ،‬واحتمال وصول أطراف خارجية إلى معرفة‬
‫بعض التفاصيل خاصة ونحن في عالم أصبح بال حدود وأصبحت التكنولوجية قوة ناعمة من السهل أن تخترف‬
‫أنظمة المعلومات مهما مانت إجراءات الحماية (وصول أجهزة االستخبارات الروسية إلى معرفة جزئيات االنتخابات‬
‫الرئاسية االمريكية لسنة ‪ ،)2016‬يكفي للداللة على إحدى مساوئ هذه االنظمة‪(.‬‬
‫أما في األنظمة غير الديمقراطية‪ ،‬فان عملية صنع السياسة الدفاعية من باب المصلحة مرتبطة بشخص صانع‬
‫القرار الذي يقرر في الكيفية التي تم بها العملية في نطاق ضيق ال يتعدى المشاركون أصابع اليد‪ ،‬مما يضفي‬
‫عليها السرعة في التنفيذ لمواجهة االوضاع والتهديدات الخارجية‪ ،‬في حين ال تراجع المؤسسات االخرى في الدولة‬
‫إال لضرورات التنفيذ الميداني‪.‬‬
‫ت‪-‬الممارسة السياسية‪:‬‬
‫يعد الحزب السياسي من أبرز المؤسسات السياسية التي تسهم في صنع السياسة ويتوقف دور الحزب في العملية‬
‫على طبيعة النظام السياسي الذي يعتمد التعددية أو نظام الحزب الواحد‪ ،‬ففي هذا االخير فإن الحزب الحاكم‬
‫يقصي مشاركة أي طرف في العملية النه ينطلق من مبدأ ال معارضة‪ ،‬أما في األنظمة التعددية‪ ،‬فإن دور‬
‫األحزاب السياسية في العملية يكون بارز بغض النظر إن كان في الحكم أو في المعارضة‪ ،‬فتقنين العالقة يؤدي‬
‫إلى خلق التفاعل الطبيعي بين اهتمامات القاعدة والسلطة‪ ،‬األمر الذي يضمن الحفاظ على االستقرار السياسي‬
‫واالجتماعي من ناحية وأحداث التغيرات المجتمعية بطريقة سليمة‬
‫ج‪-‬النظام االقتصادي ويعتبر من أهم العناصر الفاعلة في العملية المصيرية ويمكن تحليل ذلك من جوانب عديدة‪،‬‬
‫فالنظام االقتصادي يحكم على قدراته التالية ( ثروات طبيعية‪ ،‬طاقات إنتاجية ‪ ،‬النسيج صناعي متنوع‪ ،‬معدالت‬
‫تضخم‪ ،‬معدالت البطالة‪ ،‬االستثمار ‪...‬إلخ)‪ .‬لمعرفة القدرة على اختيار البدائل المطروحة أمامه لمساعدته على‬
‫تحقيق أهدافه وبالتالي معرفة درجة التأثير عل السياسة الدفاعية‪.‬‬
‫د‪-‬جماعات الضغط‪:‬‬
‫هي منظمات تضم مجموعة من الناس ذات مصالح مشتركة‪ ،‬وهي على أنواع مختلفة‪ ،‬فمنها ما هو سياسي‪،‬‬
‫ومنها ما هو اقتصادي ومنها ما هو مهني ‪....‬الخ‪ .‬وتختلف هذه الجماعات عن األحزاب السياسية‪ ،‬في انها‬
‫تضغط على صانع القرار في السلطة من اجل تحقيق أهدافها‪ ،‬وليس الوصول إلى الحكم‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة‬
‫لألحزاب السياسية‪.15‬‬

‫‪ 15‬في الواليات المتحدة االمريكية أمريكا أفرزت هجرة الجنسيات المختلفة إليها نشأة العديد من الجماعات ومعا التطور االقتصادي أصبحت هذه االخيرة لها‬
‫مصالح خارجية مختلفة وأحيانا تكون متعارضة مما عقد عملية اختيار القرار في السياسة الخارجية األمريكية ‪ ،‬وحّد من القدرة على حشد الراي العام األمريكي‬
‫لمساندة أو رفض قرار قبل أو بعد اتخاذه‪.‬‬
‫ه‪-‬البيئة العسكرية ‪ :‬وتعتبر أهم النقاط التي يركز عليها صناع السياسة‪ ،‬فالقدرة القتالية والجاهزية والوسائل‬
‫اللوجيستية والمعدات الحربية والتجربة الميدانية تلعب دو ار كبي ار في توظيف البيانات االخرى قبل إتخاذ القرار‬
‫الفاصل لرسم الخطط العملية التي سوف تمتحن فيها قدرات البالد لمواجهة األزمة المفروضة‪.‬‬
‫فبناء القوة العسكرية ضروري جدا لكل دولة وذلك لكي تحافظ على أمنها القومي وتحمي مقدراتها وتحقق أهدافها‬
‫فامتالك السالح أمر ضروري لكل دولة وبه تقاس أهمية الدولة وقوتها وقدرتها على فرض نفسها على خريطة‬
‫العالقات الدولية كعنصر فاعل ومؤثر‪ .‬فالقوة العسكرية تعبر عن الحشد العلمي للعناصر البشرية والمقومات‬
‫التقنية واالعتبارات االقتصادية لما يخدم أهداف هذه المؤسسة التي من مظاهرها القوات المسلحة وذلك بما يخدم‬
‫أعمال الدفاع والهجوم‪.16‬‬
‫ويرتبط هذا العامل ارتباطا وثيقا بقدرة الدولة االقتصادية‪ ،‬فالدولة الغنية ذات االقتصاد القوي التي تتوفر فيها‬
‫اإلمكانات المادية والبشرية تستطيع أن تتفوق على غيرها بامتالك السالح وتطويره‬
‫و‪ -‬أجهزة االمن‪ :‬تعتبر عملية الحصول على المعلومة في الوقت الحاضر من أعقد وأصعب المهمات خاصة‬
‫وأن صانع القرار يعتمد على جزء كبير أن لم يكن االكبر في وضع سياسة الدفاعية الفعالة لمتغيرين إثنين (حجم‬
‫المعلومات وتنوعه‪ ،‬أهمية ونوعية المعلومات التي يريدها صانع القرار)‪ .‬فعصر العولمة جعل من المعلومة الحالية‬
‫أو ما أصطلح عليه بنمط االنتاج الخدماتي من أهم المصادر السياسية والعسكرية التي يتوقف عليها االستقرار‬
‫السياسي واالمني الي دولة‪.‬‬
‫فعملية جمع المعلومات وان كانت عملية ميكانيكية‪ ،‬فإن عملية التحليل لها من االهمية البالغة في تقدير قيمتها‬
‫‪17‬‬
‫لذلك‬ ‫خاصة وأن القرار السيادي سوف يتوقف على هذا التقدير وال مجال للبحث عن العواقب إذا ثبت العكس‬
‫يعتبر الكثير من الخبراء في الميدان أن المعلومات التي تزود بها أجهزة اتخاذ الق اررات تعد األساس األول لق اررات‬
‫السياسة‬
‫فثورة المعلومات قد أثرت في الواقع تأثي ار مباش ار في اإلعالم‪ ،‬وفاجأت العالم بإسقاط الثنائية القطبية‪ ،‬مما يجعل‬
‫الوصول إليها ليس باالمر الهين‪ ،‬الن السيادة المعرفية هي األساس في السيطرة سواء من حيث استرايجيات‬
‫الردع أو معرفة نيات الطرف اآلخر‪.‬‬
‫ليبقى الخالف مفتوح حول معرفة أو فك لغز طبيعة العالقة التي يجب أن تكون بين أجهزة جمع المعلومات وأجهزة‬
‫صنع الق اررات‪ ،‬هل العملية متوقفة على جمع المعلومات ورفعها إلى صانع القرار أو المشاركة في إبداء الرأي أو‬
‫المشاورة في صانع القرار‪.‬‬

‫‪ 16‬االستاذ هايل عبد المولى طشطوش "مقدمة في العالقات الدولية"‪ ،‬جامعة اليرموك‪ ،‬االردن‪ ،2010 ،‬ص‪34.‬‬
‫‪ 17‬أنظر في هذا الشأن ما قاله كولن بأول وزير خارجية الواليات المتحدة األسبق ‪ "،‬أن قرار الحرب على العراق كان مبني على معلومات غير مؤكدة‬
‫‪ ، %100‬وأنه ليس لدينا معلومات دقيقة عن أسلحة دمار شامل في هذا البلد"‬
‫‪-2‬البيئة الخارجية‪ :‬وهي تعني كل العوامل الخارجية المؤثرة في عملية صناعة السياسية ولتحديد الفرص‬
‫والتهديدات التي تواجه الدولة ضمن هذه البيئة يعتمد على جمع مجموعة العوامل والمتغيرات المحيطة والمؤثرة‬
‫بشكل أو بآخر بالدولة واستراتيجياتها‪ ،‬وهذه المتغيرات تخص البيئة اإلقليمية التي تضم دول الجوار الجغرافي‬
‫والدول القريب من االقليم والبيئة الدولية التي تضم بقية دول العالم‪ ،‬وتتباين فيها الدول المؤثرة في حسب قربها‬
‫الجغرافي والمصالح المشتركة وطبيعة القوة الفاعلة في النظام الدولي العام‪.‬‬
‫فالمتغيرات الخارجية السياسية التي تشمل مجمل الدول ذات العالقات السياسية‪ ،‬واألبعاد والعوامل السياسية المؤثرة‬
‫في العالقات وأشكال التحالفات السياسية وأنماط توزيع القوى السياسية إقليميا ودوليا والعالقات مع األمم المتحدة‬
‫والمنظمات الدولية األخرى‪ ،‬يصعب على الدولة التحكم بها والتأثير عليها بحكم شموليتها‪.‬‬
‫لكن المصلحة الوطنية ومقتضياتها تفرض على صانع القرار في دراسته لهذه البيئة إن يبتعد عن العواطف الخاصة‬
‫لترتيب سلم االولويات والتحالفات مع الدول الكبرى المحيطة (ويقصد بها الخصوم والحلفاء) وينبغي إن يكون هناك‬
‫تقييم وتحديد من هم الخصوم واالعداء ومن هم الحلفاء واالصدقاء أي كيف يمكن إن نزيد من حلفائنا وكيف يمكن‬
‫إن نقلل من خصومنا وما ذا يريدون منا وماذا نحتاج منهم وما هي قدر المساومة التي يمكن إن ندخل بها وكيف‬
‫يمكن لنا إن نكون بيئة خارجية مؤاتيه على اساس تقوية العالقة مع االصدقاء وتحيد االعداء‪.‬‬
‫لإلشارة فإن النظام العالمي لم يسلم ولو لفترة قصيرة من االزمات السياسية (الموقف سياسي المفاجئ الذي يشكل‬
‫تهديدا سياسيا لألهداف القومية لبلد ما) التي تتراوح بين التفاعل والصدام بحكم المصالح والمعتقدات والبرامج‬
‫وغير ذلك من الكيانات المتنازع عليها‪.18‬‬
‫اهمية البيئة الداخلية والخارجية في تحديد السياسة الدفاعية‬
‫مناقشة وتحليل البيئة الداخلية الخارجية بأبعادها يمثل بالنسبة للدولة خطوة مهمة في تحديد نقاط القوة والضعف‪،‬‬
‫والتي من خاللها تستطيع التحكم فيها والتأثير عليها وتغييرها (تصحيحها وتقويمها بسهولة) وفق ما تحتاجه لصياغة‬
‫استراتيجيتها والتي من خاللها تتمكن االستراتيجية من تسيير مؤسستها بفعالية اكبر وأدق‪ .‬وال يمكن للدولة صياغة‬
‫استراتيجية بدون تحليل كاف وجيد لبيئتها الداخلية وامكانياتها‪ ،‬وذلك في محاولة لتسخير بيئتها وتوظيفها في‬
‫أغراضها‪.‬‬
‫إذا فالتحليل وجمع البيانات حول البيئة أم ار ال مفر منه ما دام السياسة الدفاعية في صياغتها وتحديد سبل نجاحها‬
‫تتوقف على ما ستسفر عليه نتائج هذه القراءة خاصة إذا تعلق االمر بما يلي‪:‬‬
‫‪-‬تقييم القدرات واإلمكانيات المادية والبشرية‪.‬‬

‫‪ 18‬ما شهدته مرحلة الحرب الباردة من أزمات دولية خطيرة لدليل على أن تقاطع المصالح يستطيع أن يقضي على كل شيء وهي الوضعية التي كادت أن توقع‬
‫بين العمالقين "االتحاد السوفيتي والواليات المتحدة األمريكية " انذاك إلى مواجهات عسكرية مباشرة و كادت أن تعصف باالستقرار العالمي مثل " أزمة‬
‫كوريا‪ ،‬أزمة الصواريخ الكوبية‪ ،‬أزمة برلين‪ ،‬لما تميزت فيه تلك المرحلة بسهولة إدارة األزمات نظرا لكونها جاءت نتاجا للصراع بين الشرق والغرب‪ ،‬وتمكن‬
‫الطرفان من تطويقها في إطار سياسة الردع المتبادل والمفاوضات‪ ،‬وغياب قوى دولية منافسة وفعالة‪ ،‬ونتيجة الشلل الذي أصاب األمم المتحدة عامة ومجلس‬
‫األمن على وجه الخصوص بسبب كثرة استخدام حق االعتراض‪.‬‬
‫‪-‬معرفة نقاط القوة للسير بها قدما من القوي إلى األقوى للقضاء على العوائق‪.‬‬
‫‪-‬معرفة مدى كفاءة البناء التنظيمي الخاص بالدولة‪.‬‬
‫‪-‬معرفة مدى قوة العالقات بين األفراد وتماسك جماعات العمل والحرص على دولتهم‪.‬‬
‫هذا مجمل السياسة العامة التي تتعامل بها الدولة مع محيطها الداخلي والخارجي‪ ،‬للحفاظ على استقاللها وسيادتها‬
‫الوطنية والتخفيف من وطأة االزمات المفروضة من جهات خارجية معادية وعدوانية‪.‬‬
‫المحور السادس‪ :‬العقيدة العسكرية‬

‫‪-‬الدفاع والعقيدة العسكرية‪:‬‬


‫في الفكر المعرفي ال أحد ينفي الصفة الدفاعية على العقيدة العسكرية‪ ،‬وعليه فال يمكن تصور إستعددادات عسكرية‬
‫ما لم تكن هناك مؤشرات لوقوع إعتداء خارجي بمنطق القوة‪ ،‬ومتى حصل ذلك فستكون المرحلة االولى هي صد‬
‫غزو المعتدي ثم بعد ذلك يتم التحول الى المرحلة الحاسمة ومن هنا تبدأ زيادة االهتمام في إستغالل وتوظيف‬
‫القدرات للوصول إلى الهدف المنشود (االنتصار) وهذا ما يشكل مضمون فن النظرية العسكرية وكذلك في تمارين‬
‫استعداد الوحدات العسكرية من الناحية المادية والمعنوية للقتال‪.19‬‬
‫فهذا المصطلح وان كان معتاد استعماله من طرف العسكريين المحترفين في تاريخ الجيوش‪ ،‬فإنه يبقى مجهول‬
‫المعقّدة (اإلطار‪ ،‬المحيط والتركيبة)‪ ،‬ورغم الممارسة اليومية لمضامينها في‬
‫لدى الكثيرين منهم نظ ار لخصوصيته ُ‬
‫‪20‬‬
‫تبقى غائبة‪ ،‬ألنهم‬ ‫الحياة المهنية سواء في زمن السلم أو الحرب‪ ،‬إال أن المعرفة العميقة لهذا المصطلح المهم‬
‫يتعاملون مع الموضوع " إلنجاز مهمة" التي ستسمح في مرحلة اولى إلى المنظومة الدفاعية بصد هجوم العدو‬
‫بقوات متفوقة‪ ،‬وتحطيم قدراته الهجومية‪ ،‬ومن ثم االستعداد للتنقل إلى المرحلة الثانية وهي خلق الظروف المالئمة‬
‫للتحول من الدفاع إلى الهجوم لتحقيق النصر‪ ،‬هذه الغاية تعد من االمور االكثر اهمية بالنسبة للعسكريين‪ ،‬لدرجة‬
‫أن االستراتيجيين‪ ،‬يعتبرون مفهوم النصر كأنجاز للعمليات العسكرية ‪ 21‬وكهدف تسعى اليه القوات العسكرية وتبقى‬
‫تدافع عليه بكل قدراتها حتى في ظروف الحرب النووية‪.‬‬
‫‪-‬المبادئ االساسية للعقيدة العسكرية‬
‫حتى يتسنى للجميع الوصول إلى مفهوم موحد لهذا المصطلح ومعرفة مدلوله‪ ،‬يصر الباحثون االكاديميون‬
‫والمنظرون في الحقل االستراتيجي أنه يجب توضيح أهمية النقاط االتية‪:‬‬
‫‪-‬أن العقيدة العسكرية كموضوع للدراسة فإن إطاره كبير‪ ،‬يمتد عموديا من أعلى التنظيمات السياسية في الدولة‬
‫(صناع القرار)‪ ،‬ويتدرج أفقيا حتى أدنى المستويات العسكرية‪ ،‬إلى أن يصل إلى األفراد في ثالث مستويات‬
‫استراتيجي‪ ،‬عملياتي وتعبوي‪.22‬‬

‫‪ 19‬يقول نابليون بونابرت "الجيوش تمشي على بطونها "‪ ،‬فهي ليست في حاجة إلى اللوجيستيك بقدر ما هي إلى الدافع الفكري الذي بخاطب العقل لتعزيز‬
‫القدرة والمحافظة عليها لمواجهة العدو وتحقيق النصر‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫‪Pascal Vennesson, “Penser les guerres nouvelles, la doctrine militaire en questions », CAIRN-INFO N° 125, Paris,‬‬
‫‪2008, p.81 .‬‬
‫‪ 20‬تع تمد الواليات المتحدة االمريكية في عقيدتها العسكرية من اجل تحقيق النصر على مبدأ "من أرتبت فيه فأقتله"‪ ،‬وهذا ال نجده إال في ادبيات العصابات‬
‫االجرامية الكبرى (المافيا)‪ ،‬الن عقيدة الضربة االستباقية هي إصدار حكم مشمول بالنفاذ على تخمين النوايا للمحكوم عليه وبذلك فهي منافية لالعراف والقوانين‬
‫العسكرية ومبادئ القانون الدولي العام‪.‬‬

‫‪ 22‬بيرت تشايمن‪" ،‬العقيدة العسكرية‪ ،‬دليل مرجعي"‪ ،‬ترجمة طلعت الشايب‪ ،‬المركز القومي للترجمة العدد ‪ ،2503‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى ‪،2015‬‬
‫ص‪13.‬‬
‫‪ -‬للعقيدة العسكرية فواصل وحدود توضح االجزاء الرئيسية لهذا االمتداد العمودي الطويل‪ ،‬وتعطي كل جزء منها‬
‫طابعا مميزا‪ ،‬وتضعه وكل ما يحيط به ويترتب عليه في مستوى معين من النظرة العسكرية ‪.‬‬
‫‪ -‬للعقيدة العسكرية مداخالت جانبية تأتي من جميع االتجاهات تؤثر في مسار مستوياتها‪ ،‬وتستمر هذه المؤثرات‬
‫معها على طول امتدادها من أعالها إلى أدناها (البناء الهرمي)‪ .‬أنظر الشكل االول‬

‫ضمان االمن‬ ‫ضمان االمن على‬


‫القومي بمعادلة‬ ‫حساب الدول‬
‫الخطر وموازنة‬ ‫االخرى وتخفيض‬
‫االمن الجماعي‬ ‫االمن الجماعي‬

‫ضمان االمن بزيادة شعور‬


‫الدول االخرى باالمن‬
‫وبالتالي إضعاف مصادر‬
‫الخطر‬

‫‪-‬ماهي العقيدة العسكرية‬


‫‪23‬‬
‫تعني (ما عقد عليه القلب والضمير‪ ،‬ويدين به اإلنسان)) مع مالحظة أن هذا التعريف‬ ‫‪-‬لغويا كلمة "عقيدة "‬
‫ال يقتصر على العسكريين في المقام األول‪ ،‬وانما يشمل مختلف العقائد‪ ،‬وفي مقدمتها العقيدة الدينية‪.‬‬
‫‪-‬أما إصطالحا‪ ،‬فإن مصدرهذا المصطلح فهو إنجليزي ( ‪ ) Military Doctrine‬وهي داللة على المستوى‬
‫االستراتيجي‪ ،‬ويقابله في العربية "العقيدة العسكرية " أو "المذهب العسكري"‪ ،‬والبعض يحبذ استخدم مصطلح‬
‫"النهج العسكري"‪.‬‬
‫المطبقة في الدولة حول طبيعة الحرب الحديثة وأساليب إجرائها وتحضير‬
‫كما تعرف على أنها مجمل وجهات النظر ُ‬
‫القوات المسلحة والدولة لخوض الحرب المقبلة (موجهة إلى المستقبل وتعنى به من منطلق الماضي والحاضر)‪،‬‬
‫وتستمد قوتها من القواعد والمبادئ الموضوعية واإليديولوجية والجيوسياسية لمقومات الدولة‪.‬‬
‫كما تعرف في االوساط البريطانية على أنها االطار الذي يقدم البنية الفطرية لمن يقومون بالقتال وللقادة العسكريين‬
‫على كل المستويات ولجماعاتهم ومرؤوسيهم لكي يفكروا بتمعن في إستخدام القوة العسكرية مسترشدين بحسن‬
‫التفكير‪ ،‬وتعتبر هذه المقاربة االكثر قبوال في االوساط البحثية ودوائر التفكير االستراتيجي‪.24‬‬

‫‪ 23‬معجم اللغة العربية‬


‫‪ 24‬د‪.‬خليل حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪235.‬‬
‫من خالل ما تقدم يمكن طرح تعريف حسب الشكل الثاني‬

‫العقيدة العسكرية (توجيهات إعداد الدولة ألغراض الدفاع عن االمن العام )‬

‫تحديد المصالح ذات األولوية‬ ‫صياغة أهداف ومهام السياسة العسكرية للدولة‬

‫تشخيص طبيعة التهديدات العسكرية الفعلية والمحتملة ضد الدولة‬


‫صياغة المهام القتالية الموكلة إلى قوات الدولة في‬ ‫التعبير عن مواقفها في قضايا الحرب ومجاالت‬
‫زمن السلم والحرب‬ ‫استخدام القوة العسكرية‬

‫تحديد طبيعة الحرب المستقبلية التي يمكن أن تنخرط فيها‬


‫وضع المفاهيم الجديدة لالستراتيجيات العسكرية‬ ‫تحديد األساليب التي يمكن تسخيرها‬

‫رغم هذه التعاريف‪ ،‬إال أن هناك عدم اإللمام بمفهوم العقيدة العسكرية بالشكل الصحيح لوجود القصور في التمييز‬
‫بين مستويات العقيدة‪ ،‬التي صنفت في مضمونها إلى أنواع‪ ،‬لكل منها حدوده ومفهومه وخصائصه التي تميزه عن‬
‫غيره‪ ،‬ورغم ذلك يبقى هناك ارتباط وثيق بين هذه األنواع‪ ،‬فال يمكن فصلها عن بعضها‪ ،‬وال يمكن االستغناء عن‬
‫أحدها‪ ،‬ألن كل نوع مكمل لآلخر‪ ،‬وجميعها يشكل العقيدة العسكرية في صورتها الكاملة‪ ،‬وعلى الرغم من كونها‬
‫مميزة عن بعضها‪ ،‬إال أنها تؤثر في تركيبة وتطوير بعضها بعضا‪ ،‬وبمعنى آخر فإن العقيدة العسكرية في أدنى‬
‫مستوياتها قد تفرض تغيي ار رئيسيا على المستويات واألنواع األعلى من العقيدة العسكرية‪.‬‬
‫أما النقطة العامة في أنواع العقيدة العسكرية فهي وجود عقيدة على مستوى الدولة‪ ،‬وتسمى" العقيدة الشاملة‬
‫للدولة"‪ ،‬وغالبا ما يحدث خلط بين هذا المستوى وبين المستوى االستراتيجي للعقيدة العسكرية‪ ،‬وهذا الخلط يعد من‬
‫المواضيع الرئيسية التي تسبب الغموض حول مفاهيم العقيدة العسكرية‪ ،‬فالعقيدة الشاملة للدولة هي مجموعة التعاليم‬
‫والقيم السامية والمبادئ السياسية والعسكرية واالقتصادية واالجتماعية والمعنوية والعلمية التي نبعت من حضارة‬
‫الشعب ورسخت في وجدانه وضميره‪.‬‬
‫أنواع العقيدة العسكرية‬
‫‪-1‬العقيدة األساسية ‪ :‬وهي مبادئ تساعد على تحديد اإلطار العام للعقيدة العسكرية على المستوى االستراتيجي‪،‬‬
‫وتقوم بتوجيهها أيضا‪ ،‬ونطاق هذا النوع من العقيدة واسع جدا‪ ،‬وال تعلوه إال العقيدة الشاملة للدولة‪ ،‬وعدم تأثر هذا‬
‫النوع من العقيدة إلى درجة كبيرة بالسياسة والتقنية مقارنة بالمستوى العملياتي والتعبوي من العقيدة العسكرية‪.‬‬
‫‪-2‬العقيدة البيئية ‪ :‬وتكون على المستوى العملياتي‪ ،‬وهي عبارة عن المبادئ األساسية التي تنتهجها الوحدات‬
‫الرئيسية للقوات المسلحة‪ ،‬لتوجيه جميع نشاطاتها العسكرية المختلفة لتحقيق األهداف المرسومة لها‪ .‬وتعد العقيدة‬
‫البيئية مكملة للعقيدة األساسية التي توجه مستخدميها إلى األهداف العسكرية والوطنية التي ترسمها‪ ،‬وهي التي‬
‫تربط بين العقيدة في أعلى مستوياتها (االستراتيجي) وأدنى مستوياتها (التعبوي)‪.‬‬
‫وتتميز هذه العقيدة بأنها أضيق نطاقا من العقيدة األساسية‪ ،‬أي أنها تركز على مواضيع ضمن حدود معينة وتبرزها‬
‫بتفاصيل أكثر وضوحا‪ ،‬وتتأثر إلى درجة كبيرة بعوامل خارجية‪ ،‬مثل‪ :‬التغيرات التقنية والتغيرات السياسية‬
‫واإلستراتيجية‪ ،‬فهي في تغير مستمر‪ ،‬ومن أمثلة العقيدة البيئية ‪ :‬العقيدة القتالية للعمليات المشتركة‪ ،‬إضافة إلى‬
‫العقائد القتالية للقوات البرية والجوية والبحرية‪.‬‬
‫‪-3‬العقيدة التنظيمية‪ :‬هي المبادئ األساسية التي تتبعها مختلف القوات المسلحة لغرض القيام بواجباتها وانجاز‬
‫المهام المنوطة بها كجزء من القوات العسكرية‪ ،‬وتتجلى هذه العقيدة في المستوى التعبوي‪ ،‬وهي أكثرهم تفصيال‪،‬‬
‫فهي توضح المهام واألدوار ومبادئ االستخدام لكل نشاط عسكري‪ ،‬وتتدرج في تفاصيلها إلى الطرق واألساليب‬
‫واإلجراءات الخاصة باستخدام أي تشكيل معين‪ ،‬كما تتميز أيضا بخصائص تكسبها طابعا مختلفا على غيرها من‬
‫العقائد األخرى‪ ،‬ومن هذه الخصائص ضيق إطارها مقارنة بالمستويين اآلخرين‪ ،‬ومن جهة ثانية تتغير‪ ،‬نظ ار‬
‫لتأثرها الكبير والمباشر بالتطورات التقنية والخبرات والتجارب الفعلية والتدريبية المستمرة ‪.‬‬
‫‪-‬مصادر العقيدة‬
‫البد للعقيدة العسكرية من مرتكزات تقوم عليها‪ ،‬ومصدر تتغذى منه حتى تصل إلى مرحلة النضوج‪ ،‬ثم تستمر‬
‫لكي تفي بالغرض المطلوب‪ ،‬وتتلخص مصادر العقيدة العسكرية في مايلي‪:25‬‬
‫‪-1‬العقيدة الشاملة للدولة‪ :‬تعد المصدر األساسي لجميع مستويات العقيدة بشكل عام‪ ،‬والعقيدة العسكرية األساسية‬
‫بشكل خاص‪ ،‬ومن األمثلة على العقائد‪ :‬العقيدة الدينية واإليديولوجيات واألسس والمبادئ التي يضعها القادة‬
‫السياسيون‪ ،‬وبهذا " تختلف العقيدة العسكرية باختالف ظروف كل دولة‪ ،‬فال يمكن القول إن هناك عقيدة عسكرية‬
‫واحدة ودائمة لكل الدول"‬
‫‪-2‬الدروس المستفادة من الماضي‪ :‬وهي من األساسيات التي تبنى عليها العقيدة العسكرية على مختلف‬
‫مستوياتها‪ ،‬ويعد التاريخ العسكري مصد ار فعاال وناجحا لبناءها وتطويرها‪ ،‬ألنه حصيلة خبرة وتجارب تكررت‪ ،‬ومن‬
‫بين األمثلة نذكر "استخدام األسلحة المختلفة وفي مقدمتها السالح النووي في الحرب العالمية الثانية والذي اختتمت‬
‫به‪ ،‬أو المبادئ التي كانت تتحارب بها ومن أجلها األمم‪ ،‬ولهذا نجد أن العقيدة العسكرية تتأثر " بأصول تاريخية‪،‬‬
‫المرتبطة بالثوابت التي تمجدها الدولة أو األمة"‪.‬‬
‫‪-3‬التطور التقني‪ :‬ويلعب هذا العنصر دو ار كبي ار في تطوير العقيدة العسكرية وتحديثها على مختلف مستوياتها‪،‬‬
‫وخاصة على مستوى العقيدة البيئية والعقيدة التنظيمية‪ ،‬فعند دخول معدات أو أسلحة جديدة في أي من فروع‬
‫القوات المسلحة ينعكس أثره على جميع الفروع بدرجات متفاوتة‪ ،‬وبالتالي تحتاج إلى تحديث لمواكبة هذا التطور‪،‬‬

‫‪ 25‬بيرت تشايمن‪" ،‬العقيدة العسكرية‪ ،‬دليل مرجعي"‪ ،‬ترجمة طلعت الشايب‪ ،‬القاهرة (مصر)‪ ،‬دار الكتاب المصرية‪ ،2014 ،‬ص‪65.‬‬
‫ويؤكد العسكريون أن المظاهر التقنية للحرب ذات تأثير كبير على تطور النظريات العسكرية وممارستها‪ ،‬وخير‬
‫مثال على ذلك "التقنيات والنظريات العسكرية التي استخدمت خالل حرب العراق ‪."2003‬‬
‫‪-4‬مصادر التهديد والتغيرات المستمرة في النظام العالمي‪ :‬تنعكس أثرها بشكل جلي على العقيدة العسكرية على‬
‫مختلف مستوياتها‪ ،‬فإنهيار االتحاد السوفييتي في نهاية العام‪ 1991‬كان له تأثير على العقيدة العسكرية للواليات‬
‫المتحدة األ مريكية‪ ،‬مما دفع إلى تغير بعض مكوناتها وظهرت في العقيدة البيئية والتنظيمية‪ ،‬وخاصة ما يتعلق‬
‫بالقوات والعمليات المشتركة‪ ،‬فقد زالت العديد من العقائد التي كانت متبعة أثناء الحرب الباردة‪.‬‬
‫‪-5‬طبيعة الحرب القادمة‪ :‬الحرب المتوقع أن تخوضها الدولة‪ ،‬من حيث نوعها وشكلها ومستوياتها ومشروعيتها‬
‫ووسائلها‪ ،‬تحدد العقيدة العسكرية للدولة على مختلف مستوياتها‪.‬‬
‫‪-6‬اإلستراتيجية العسكرية للدولة‪ :‬تنعكس أثرها بشكل مباشر على وضع العقيدة العسكرية‪ ،‬والسيما البيئية‬
‫والتنظيمية اللتين يجب تطويرهما بشكل مستمر بما يالئم متطلبات اإلستراتيجية العسكرية للدولة‪.‬‬
‫‪ -7‬طبيعة الدولة الجغرافية‪ :‬تنعكس طبيعة الدولة الجغرافية على العقيدة العسكرية بشكل مباشر‪ ،‬فموقع الدولة‬
‫يحدد حجم تنظيماتها العسكرية ونوعيتها وطريقة استخدامها‪ ،‬كما أن موارد الدولة المختلفة تحدد مركزها عالميا‬
‫وسياساتها الداخلية والخارجية‪ ،‬ولهذا نجد أن العقيدة العسكرية ترتبط ارتباطا وثيقا بنظام الدولة‪ ،‬وباألعباء الملقاة‬
‫على عاتقها في قطاع السياسة الخارجية والداخلية‪ ،‬وبالحالة االقتصادية والسياسية والثقافية للبالد ‪.‬‬
‫‪-8‬المهام الحالية والمستقبلية‪ :‬تعد المهام العسكرية للدولة أداة قوة وطنية في الحاضر والمستقبل‪ ،‬وتلعب دو ار‬
‫رئيسيا في وضع وتطوير العقيدة العسكرية على مختلف مستوياتها وبمختلف أنواعها‪ ،‬وذلك بما يالئم طبيعة المهام‬
‫المختلفة المنوطة بالقوات المسلحة في الحاضر والمستقبل‪.‬‬
‫‪-‬أهمية العقيدة العسكرية‬
‫ال يمكن ألي دولة أن تستخدم قدراتها العسكرية‪ ،‬كقوة وطنية حاسمة لتحقيق أهدافها ورعاية مصالحها‪ ،‬دون‬
‫االستناد إلى عقيدة عسكرية واضحة وفعالة‪ ،‬وذلك لألدوار الهامة التي تقدمها العقيدة العسكرية لتوجيه النشاطات‬
‫واألعمال العسكرية على مختلف المستويات‪ ،‬والتي تتلخص في الشكل الثالث‪:‬‬
‫الدليل األساسي لتنظيم‬
‫وتدريب القوات المسلحة في‬
‫مختلف المستويات‬

‫القاعدة األساسية لتوحيد جميع‬


‫مفاهيم العسكريين تجاه استخدام‬
‫القوات المسلحة للدولة‪ ،‬هي الدليل‬
‫الموحد لجميع األعمال والنشاطات‬
‫العسكرية على جميع المستويات‬
‫في الدولة‬

‫المنطلق األساسي ألية‬


‫عملية عسكرية تقوم بها‬
‫القوات المسلحة مهما كان‬
‫نوعها أو حجمها‬

‫الدليل الرئيسي إلعداد‬


‫وبناء وتطوير القوات‬
‫المسلحة وتجهيزها‬
‫واستخدامها في‬
‫الحاضر والمستقبل‬

‫مكونات العقيدة العسكرية‬


‫أوالً‪ :‬مكونات ذات طابع سياسي‬
‫‪-‬العقيدة األساسية‪ :‬وهي مجموع المبادئ ذات الصبغة السياسية التي تعالج المسائل المتعلقة بالصراع المسلح‬
‫والتطور العسكري ككل‪ ،‬وهي تشكل األساس السياسي للعقيدة‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك‪ ،‬نظرة الدولة لطبيعة الصراع‬
‫المسلح‪ ،‬كيفية االستجا بة العسكرية للتهديد‪ ،‬التحالفات العالمية للدولة‪ ،‬التحالفات اإلقليمية للدولة‪ ،‬نظرة الدولة‬
‫الستخدام أسلحة الدمار الشامل‪ ،‬كيفية االستجابة لمصالح الدولة (الحيوية‪ ،‬الهامة‪ ،‬الثانوية )‪ ،‬ثم كيفية إعداد موارد‬
‫الدولة المختلفة للحرب‪.26‬‬
‫ثانياً‪ :‬مكونات ذات طابع عسكري‬
‫‪-‬العقيدة البيئية والتنظيمية‪ :‬وهي "مجموع المبادئ ذات الصفة العسكرية الخاصة التي تعالج المسائل المتعلقة‬
‫بإعداد واستخدام القوات المسلحة في الحرب" ومن األمثلة على ذلك‪ ،‬كيفية استخدام كل فرع من أفرع القوات‬
‫المسلحة‪ ،‬كيفية استخدام القوات في العمليات المشتركة‪ ،‬كيفية استخدام القوات المختلطة من عدة دول‪ ،‬إجراءات‬

‫‪ 26‬د‪.‬نزار إسماعيل الحيالي‪ ،‬األستاذ عمار حميد ياسين‪" ،‬قراءة في المذهب العسكري الروسي بين الماضي والحاضر"‪ ،‬دراسة جامعية‪ ،‬مجلة دراسات‬
‫دولية (جامعة بغداد)‪ ،‬العدد السادس والعشرون‪ ،‬ص‪12.‬‬
‫القيادة والسيطرة في مختلف المستويات‪ ،‬إجراءات صنع الق اررات العسكرية على مختلف المستويات والتدريب‬
‫والمحافظة على الكفاءة القتالية‪ ،‬ثم بناء وتطوير وتنظيم القوات‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬مكونات ذات طابع إقتصادي‬
‫تعبر عن إمكانات الدولة في تصنيع الوسائل الحربية الحديثة واقتناء السالح والقدرة على ذلك وحل مشكلة التفوق‬
‫التقني وهذا كله ال يمكن التطرق له مالم تكن للدولة مصادر مالية تفوق إحتياجات المي ازنية العامة‪ ،‬خاصة وأن‬
‫الجانب الكبير في المهام الدفاعية المادية سواء داخليا أو خارجيا (أستراد االسلحة) يحتاج إلى أنفاق مالي قد‬
‫يساوي في بعض االحيان ميزانية دولة بكاملها‪.‬‬
‫‪-‬العناصر األساسية للعقيدة العسكرية‬
‫تقوم العقيدة العسكرية على أفكار تتناول كيفية التفكير‪ ،‬وليس ما يجب أن يفكر فيه المرء‪.‬‬
‫‪-‬القيادة في المهام والسيطرة المفصلة‪:‬‬
‫إن الفلسفة الصحيحة للقيادة ترتكز على أربعة أسس هي اتخاذ القرار في الوقت المناسب‪ ،‬الفهم الجيد لنوايا القائد‬
‫األعلى‪ ،‬قدرة المرؤوسين على تفهم توجهات القيادة األعلى و إنجاز ما يوكل إليهم‪ ،‬وعزم القائد على أن ينهي‬
‫خطته بنجاح‬
‫ويمكن للقادة أن يستخدموا أسلوبا واحدا أو أسلوبين أو أساليب عدة لممارسة القيادة والسيطرة والطريقة األكثر‬
‫استخداما في القوات المسلحة هي السيطرة المفصلة‪ ،‬وفي هذا المفهوم تمارس القيادات العليا سلطاتها وتوجيهاتها‬
‫على معظم الق اررات‪.‬‬
‫أما األسلوب الثاني للقيادة والسيطرة‪ ،‬فيعرف بـمفهوم القيادة في المهام‪ ،‬وهو مستخدم بشكل واسع في حلف شمال‬
‫األطلسي‪ ،‬وهو يعزز القيادة غير المركزية وحرية وسرعة العمل وأخذ المبادرة‪ ،‬وكال المفهومين يمكن أن يعمال‬
‫سويا‪ ،‬وهذا يعتمد على التوازن بين تدفق المعلومات وصنع القرار‪.‬‬
‫‪-‬روح القتال‪:‬‬
‫إن طبيعة العقيدة العسكرية هي نتاج ضرورات وملحات عسكرية‪ ،‬تؤدي في النهاية إلى الحاجة للتحضير للحرب‪،‬‬
‫واذا اضطر األمر للقتال واالنتصار فيه‪ ،‬فعلى كل فرد في القوات المسلحة أن يكون على استعداد للقتال والموت‬
‫في سبيل أي قضية مشروعة يتم النضال من أجل تحقيقها من خالل الخيار العسكري‪ ،‬بالتالي فإن العقيدة العسكرية‬
‫تتضمن في جوهرها روح القتال ‪.‬‬
‫‪-‬التفكر بمفهوم المناورة‪:‬‬
‫إن التفكر بالمناورة في العمليات يقتضي بأن تُعطى األهمية لتحطيم تماسك العدو الكلي‪ ،‬وتحطيم إرادته للقتال‬
‫بدال من تدميره المادي‪ ،‬وحرب المناورة هي تطبيق التفكر بالمناورة في الحرب‪.‬‬
‫‪-‬مبادئ الحرب‪:‬‬
‫يتطلب التخطيط للحرب وتنفيذها من القادة واألركان بكافة المستويات‪ ،‬أن يأخذوا بعين االعتبار هذه المبادئ‪ ،‬التي‬
‫ترجمت إلى وظائف قتال ملموسة لتكون آلية عملية تنجز في العمليات العسكرية‪.‬‬
‫‪-‬العمليات المشتركة‪:‬‬
‫ليست العمليات المشتركة مجرد قوات من مختلف صنوف األسلحة تعمل في مسرح العمليات نفسه‪ ،‬وانما هي‬
‫ثم استثمار نقاط القوة الخاصة بكل منها لمساعدة األخرى‪.‬‬
‫معرفة نقاط الضعف والقوة لكل عنصر‪ ،‬ومن ّ‬
‫‪-‬المرونة والتطبيق العملي‪:‬‬
‫تنعكس المرونة والتطبيق العملي في العقيدة العسكرية لدولة ما‪ ،‬في تجنب القواعد اإللزامية المفروضة وتشجيع‬
‫التفكير اإلبداعي المميز في العمليات العسكرية‪.‬‬
‫وتعتبر العناصر التي تم توضيحها أفكا ار أساسية‪ ،‬وهي تشكل معا أسلوب االقتراب الذاتي للدول مع العمليات‬
‫العسكرية‪ ،‬ويجب أن تكون روح القتال دائما واضحة وجاهزة للتطبيق‪ ،‬والعمليات المشتركة هي وسائل يتم من‬
‫خاللها تطبيق القدرات والمميزات التي تمتاز بها دولة ما بشكل فعلى‪ ،‬والقوات المسلحة لدولة ما يجب أن تعمل‬
‫كمجموعة واحدة وبتماسك لزيادة قدرتها لتوليد أقصى تأثير عمليات‪ ،‬وهي بذلك تتبع مبادئ الحرب مالئمة للتطبيق‬
‫في جميع المستويات‪ ،‬واالستخدام الذكي لمبادئ الحرب هو عنصر أساسي للتفكير بالمناورة يشجع القادة على‬
‫تحقيق أهدافهم‪ ،‬وان ظروف القيادة المتأصلة في" السيطرة المفصلة" و"القيادة في المهام "‪ ،‬هي التي تؤدي إلى‬
‫‪27‬‬
‫مسك زمام المبادرة وتحقيق المفاجأة‪.‬‬

‫‪ 27‬بيرت تشايمن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪110.‬‬


‫المحور السابع‪ :‬السياسة الدفاعية للقوى العظمى‬
‫‪-‬الواليات المتحدة االمريكية‪:‬‬
‫السياسة الدفاعية للواليات المتحدة االمريكية حسب الوثيقة االستراتيجية لسنة ‪ 2002‬طبقت لغاية صدور وثيقة‬
‫الرئيس الحالي دونالد ترامب ‪ ،2018‬وفي تقدير االستراتيجيين االمريكيين فان تهديدات المستقبل االمنية قد تختلف‬
‫عن تلك التي سادت في فترة الحرب الباردة وانها تتطلب طريقة مختلفة من التفكير وتنظيم الدفاع‪ ،‬لذا توجهت‬
‫السياسة الدفاعية االمريكية في شقها الخارجي حسب الخطة الورقية التي رسمتها و ازرة الدفاع االمريكي تحت عنوان‬
‫"نداء السالم"‪ ،28‬االرتكاز على النقاط االتية‪:‬‬
‫‪-1‬تعزيز التحالف في الحرب ضد االرهاب وحماية حقوق االنسان واستتباب االمن في المناطق التي تعرف توتر‬
‫(الشرق االوسط وشمال إفريقيا)‪ ،‬وأعلنت في ذلك على طبيعة التحالفات سواء مع روسيا التي تحولت بعد الحرب‬
‫الباردة من مذهب "التدمير المؤكد المتبادل" إلى إعادة تشكيل القوى من أجل القضاء على هذه التوترات للحد من‬
‫التسلح‪ ،‬وهو نفس النهج المتبع مع حلف الناتو بعد التغييرات المفروضة (تغيير القيادة‪ ،‬زيادة القدرات) وتوجيهه‬
‫في مهمة الحفاظ على السلم واالمن العالميين (المصلحة العليا االمريكية) في جزء كبير من العالم (الشرق االوسط‬
‫وشرق أوروبا)‪ ،‬بالنسبة للتحالف االسيوي مع اليابان وكوريا الجنوبية فيهدف من خالله التموقع لمراقبة العدو الجديد‬
‫من الدول االسيوية وعلى راسهم (الصين‪ ،‬كوريا الشمالية وايران)‪.‬‬
‫‪-2‬منذ أن اصبحت الواليات المتحدة القوة العالمية الوحيدة‪ ،‬يجب اعادة نشر القوات في مواقع امامية تكون متحررة‬
‫من االفكار التقليدية القديمة والعمل على تنظيمه مع مراجعة شاملة واساسية للوضع الدفاعي العالمي الذي اصبح‬
‫ال يرتكز على قضايا الساعة الديبلوماسية‪ ،‬بقدر ما يتطلب تلبية المتطلبات والفرص االستراتيجية للعقود المقبلة‬
‫(االنتقال الديمقراطي والسلم العالمي)‪.‬‬
‫في هذا المجال‪ ،‬تقين القادة السياسيون والعسكريون في مختلف انحاء العالم وبدأوا يستوعبون دروس القتال االخيرة‪،‬‬
‫وبات التركيز على القدرات العسكرية بدل التركيز على اعداد القوات‪ ،‬لذا أعادت السياسة الدفاعية الوجود العسكري‬
‫في الخارج على أساس دوري لإلستفادة من قدراتها القتالية في فترة أقل (الثورة في الشؤون العسكرية)‪ ،‬فقد بينت‬
‫حروبنا في افغانستان والعراق للعالم كيف يمكن لقوة صغيرة نسبيا احداث تأثيرات استراتيجية كبيرة ويمكن لطلعة‬
‫واحدة تقوم بها مقاتلة قاذفة ضرب عدة اهداف بدال من عدد القوات المذهل خالل العقد الماضي والذي كان يمثل‬
‫ثقال ماليا للخزينة الفيديرالية ورصد اقليمي في مناطق ازمات عديدة‪ ،‬كما ستسمح هذه الخطوة بإعادة فهم أحادية‬
‫قضايا االمن السكات االتهامات الموجهة للواليات المتحدة بانها تحبذ (االحادية) في قضايا االمن القومي‪.‬‬
‫‪-3‬توسيع العالقات االمنية القائمة‪ ،‬وتطوير عالقات جديدة وبناء شراكة تعالج نواحي القلق وتضمن التنسيق بين‬
‫القوات وتسهل المشاركة في المعلومات االستخبارية في بعض الحاالت من خالل تقديم القوات االمريكية للدعم‬
‫اللوجستي للقوات في غرب إفريقيا لضمان تدخلتها في مناطق االزمات‪ ،‬والمشاركة تحت لواء حلف الناتو للمساعدة‬

‫‪28‬نحن نهدف الى زيادة قدرتنا على الوفاء بالتزاماتنا الدولية بشكل اكثر فاعلية‪ ،‬نحن نهدف الى تأكيد ان تحالفاتنا كفؤة‪ ،‬وغير مكلفة‪ ،‬ومستدامة ومهمة للمستقبل‪،‬‬
‫نحن ال نركز بشكل ضيق على مستويات القوة بل ننظر في قدرات القوة‪ ،‬نحن ال نتحدث عن خوض القتال في المكان الذي نحن فيه‪ ،‬بل التحرك الى حيث‬
‫القتال‪ ،‬نحن ال نتحدث فقط عن مواقع قواتنا‪ ،‬بل عن القدرة على تحريكها حيث نريد ومتى نريد‪.‬‬
‫االمنية الدولية في افغانستان والعراق وأوروبا الشرقية‪ .‬كما يهدف هذا الباب إلى مساعدة الحلفاء والدول الصديقة‬
‫على تحديث قواتهم المسلحة واستراتيجياتهم ومذاهبهم‪.‬‬
‫هذا الدعم يمثل إلى حد ما مشاورات مع كل الحلفاء لمواجهات التهديدات االمنية العالمية وهو بدوره إحدى عناصر‬
‫مكانتها العالمية (أمريكا) التي تساعد على تقوية عالقاتها عن طريق تنسيق طرق تفكيرنا وتقديرنا للتهديدات‬
‫وللمتطلبات العسكرية‪ .‬وتمنحنا فرصة ايضاح االساس المنطقي العادة تنظيم المنظومة الدولية‬
‫إستراتيجية التحول في االولويات‬
‫استراتيجية الدفاع الجديدة ("استراتيجية الدفاع الوطنية") أقرت تغييرات عاجلة على نطاق واسع ووضعت الجيش‬
‫األمريكي في مواجهة الصين وروسيا كأولوية بعد ما ركزت لعقد ونصف على التركيز على الحرب على االرهاب‪،‬‬
‫واهم االولويات ‪:‬‬
‫‪-1‬إصرار االدارة الجديدة لرئيس دونالد ترامب على مواجهة التحديات التي تمثلها كل من روسيا والصين‪ ،‬بحيث‬
‫إتضح بصورة متزايدة رغبة الصين وروسيا في تشكيل عالم يتسق مع نموذجهما السلطوي لكسب سلطة تتيح لهما‬
‫نقض ق اررات الدول االقتصادية والدبلوماسية واألمنية" فروسيا التي تعتبر أكثر جرأة من الصين في استخدامها للقوة‬
‫العسكرية‪ .‬عبر العالم‪ ،‬في حين تشهد الصين صعودا في المجاالت االقتصادية والعسكرية وذلك من خالل عملية‬
‫تحديث واسعة النطاق لجيشها والذي يتناقض مع مصالح امريكا‪.‬‬
‫‪-2‬االستراتيجية الجديدة تعبر عن تغيي ار أساسيا بالفعل وهو العودة إلى أساسيات احتمال نشوب حرب‪ ،‬مما يجعل‬
‫من كل الخطط واالستراتيجيات االمريكية تركز على إعطاء األولوية لالستعداد لخوض حرب خاصة مع قوة كبرى‬
‫‪-3‬الحاجة إلى ا لتركيز على الدفاعات الصاروخية األمريكية ضد التهديد الذي تمثله بيونغ يانغ التي كدست‪،‬‬
‫إضافة لألسلحة النووية‪ ،‬ترسانة من األسلحة البيولوجية والكيماوية والتقليدية ‪.‬‬
‫‪-4‬إلزام الدول الحليفة لتقاسم عبء الحفاظ على األمن في العالم لمواجهة تراجع التفوق العسكري االمريكي أمام‬
‫روسيا أو الصين في العديد من مناطق العالم‪ ،‬فال بد من "تعزيز" قوة الحلف األطلسي وعليه يجب الحصول على‬
‫تقاسم أكثر إنصافا للمسؤوليات وعلى الحلفاء األوروبيين أن يحترموا وعودهم بزيادة ميزانياتهم الدفاعية وتلك‬
‫الخاصة بالتحديث لتعزيز قوة الحلف بمواجهة التهديدات األمنية المشتركة‪.‬‬
‫‪-5‬مبيعات األسلحة والتجارة الدفاعية للواليات المتحدة إلتزام لتقوية الحلفاء والشركاء في سائر أنحاء العالم لكي‬
‫يلبوا احتياجاتهم المشروعة للدفاع عن النفس ويتمكنوا من تحسين قدراتهم على العمل إلى جانب القوات األمريكية‬
‫من أجل مواجهة التحديات األمنية المشتركة‪.‬‬
‫ف مبيعات األسلحة والتجارة الدفاعية هي أدوات رئيسية للسياسة الخارجية مع التداعيات المحتملة الطويلة األجل‬
‫على األمن اإلقليمي‪ ،‬لهذا تأخذ االدارة االمريكية بعين االعتبار الظروف السياسية والعسكرية واالقتصادية ومراقبة‬
‫التسلح وحقوق اإلنسان ضمن اتخاذ الق اررات المتعلقة بتوفير المعدات العسكرية والترخيص للمبيعات التجارية‬
‫المباشرة ألي بلد بشرط أن تثبت عملية التقييم أن المبيعات تعزز السياسة الخارجية األمريكية ومصالح األمن‬
‫القومي‪.‬‬
‫‪-6‬ميزانية الدفاع األمريكية لـسنة ‪ ،2020‬بلغت قيمتها ‪ 738‬مليار دوالر وبذلك تكون ميزانية الدفاع قد شهدت‬
‫خالل حكم دونالد ترامب زيادات سنوية وصلت إلى رقم قياسي‪ ،‬وتنص الميزانية التي تسمى "قانون إقرار الدفاع‬
‫الوطني" على تخصيص ‪ 635‬مليار دوالر للنفقات األساسية‪ ،‬و‪ 71.5‬مليا ار لصندوق العمليات المحتملة في‬
‫الخارج‪ ،‬و‪ 23.1‬مليا ار لإلنفاق الدفاعي‪ ،‬و‪ 8.1‬مليارات لنفقات دفاعية أخرى‪.‬‬
‫وحسب نفس القانون ستتزود الواليات المتحدة بمئة طائرة من طراز "أف ‪ "35‬و‪ 150‬مروحية عسكرية وأربع‬
‫غواصات من طراز فرجينيا وسفينة حربية‪ ،‬فضال عن زيادة رواتب الموظفين العسكريين بنسبة هي األكبر خالل‬
‫السنوات العشر األخيرة‪.‬‬
‫بالمقابل تضمنت ميزانية الدفاع األمريكية في إطار قانون "مكافحة أعداء أميركا" فرض عقوبات المعروفة إختصا ار‬
‫باسم "كاتسا" على أحد أبرز حلفاء واشنطن (تركيا)‪ ،‬حيث نص قانون الميزانية الدفاعية األمريكية على عدم تسليم‬
‫تركيا طائرات "أف ‪ "35‬المقاتلة بدعوى استمرار أنقرة في عمليات شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية "أس‬
‫‪."400‬‬
‫‪-‬روسيا الجديدة‬
‫حسب التحليل االستراتيجية فإن السياسة الدفاعية الروسية في عهد بوتين قدرت ميزانيتها العسكرية ب ‪2.77‬‬
‫تريليون روبل (ما يعادل ‪ 42.3‬مليار دوالر) لعام ‪ ،2018‬وهي مستمرة في منافستها العسكرية الرهيبة للواليات‬
‫‪29‬‬
‫المتحدة التي بلغت ميزانيتها الدفاعية الهائلة والمتزايدة ما يقرب من ‪ 692.1‬مليار دوالر في نفس السنة‬
‫فيما عدا التوازن التقريبي في إمكانات الردع النووي لدى الدولتين وان كان إحدى أهم االسباب الذي يفرض تجنب‬
‫أي مواجهة مباشرة‪ .‬فإنا الدوائر البحثية تعتبر القيادة العسكرية وعلى رأسها فالديمير بوتين لهم فهم عميق لطبيعة‬
‫التحديات العسكرية المعاصرة بشكل أفضل من القيادة االمريكية وعلى رأسها الرئيس دونالد ترامب‪ ،‬وهذا ما يفسر‬
‫إحدى اهم الركائز في تخصيص النفقات العسكرية‪.‬‬
‫كما يالحظ أن السياسة الدفاعية الروسية باتت اآلن مساوية تقريبا للواليات المتحدة في مراكز إتخاذ القرار والنفوذ‬
‫في العديد من المناطق (الشرق األوسط‪ ،‬شمال إفريقيا وأوروبا الشرقية)‪.‬‬
‫فالنتائج المحققة من طرف القوات الروسية في أوروبا الشرقية والشرق االوسط لم تستنزف ميزانيات عالية عكس‬
‫الواليات المتحدة االمريكية‪ ،‬الن الحروب اليوم ال تحتاج إلى أموال طائلة‪ ،‬فمسرح العمليات اليوم غالبا ما تمثله‬
‫قوات صغيرة‪ ،‬خفيفة الحركة‪ ،‬ال تتوافر لها موارد جيدة‪ ،‬مثل الدول القومية‪ ،‬وال يحتاج قتالها سوى إلى مزيج من‬
‫المعرفة بالظروف المحلية‪ ،‬لنقل المخاطر إلى صفوف المقاتلين غير النظاميين‪.30‬‬

‫‪ 29‬خالل المؤتمر الصحفي السنوي (‪ )2017‬سأل الرئيس الروسي فالديمير بوتين‪ ،‬عما إذا كان التوتر المتصاعد في العالقات مع الواليات المتحدة‪ ،‬وانهيار‬
‫معاهدات الحد من انتشار األسلحة‪ ،‬يمكن أن يجر روسيا إلى سباق تسلح غير قابل لالستدامة مع أميركا‪ ،‬فرد بالقول "سنعمل على ضمان أمننا من دون‬
‫االنخراط في سباق تسلح"‪.‬‬
‫‪ 30‬حسب حزب «يابلوكو» (الحزب الديمقراطي الروسي المتحد) المعارض‪ ،‬فإن القوات الروسية لم تكلفها العمليات العسكرية في سوريا إال ‪ 140.4‬مليار‬
‫روبل (‪ 2.4‬مليار دوالر بأسعار الصرف الحالية)‪ ،‬منذ سبتمبر ‪ ،2015‬أي حوالي ‪ 4‬في المئة فقط من ما خصصته الواليات المتحدة لعمليات الطوارئ في‬
‫الخارج في عام ‪ 2017‬في عمليات قتالية غير ذات كفاءة نسبيا‬
‫تحول انتقالية‪ ،‬كونها ما تزال في مرحلة الصيرورة‪ ،‬وتعاني تحديات‬‫فروسيا االتحادية التي ما زالت تمر بمرحلة ّ‬
‫جدية‪ ،‬داخليا وخارجيا إستطاعت بفضل استراتيجيتها الدفاعية الحالية إحدى الفعاليات الحيوية المصاحبة لنموها‬
‫واستم ارريتها والتي مكنت القيادة الروسية بعد عام ‪ 2000‬وحتى اليوم من إعادة بناء هياكل الدولة بشكل أعاد هيبة‬
‫ومكانة روسيا على الصعيد الدولي كواحدة من القوى الدولية األساسية على المسرح الدولي‪ ,‬ليس فقط ألنها تعتبر‬
‫الوارثة الرئيسية لالتحاد السوفياتي السابق‪ ,‬بل ألنها تتوفر على مجموعة من عوامل القدرة التي تؤهلها للقيام بهذا‬
‫الدور حاليا وفي المستقبل‪.‬‬
‫فمن الناحية الجيوسياسية‪ ,‬فروسيا االتحادية في حقيقة تمثل قلب أوراسيا وجناحاها‪ ,‬وتصدق عليها النظرية‬
‫األوراسية‪ ،‬التي تعتبر واحدة من النظريات الجيوسياسية ذات المصداقية العالية‪ ,‬إذ هي تشكل القلب وتقترب جدا‬
‫من قوس النفط وقوس األزمات في آن واحد‪ ،‬بإالظافة إلى اإلرث السياسي واإلستراتيجي المتحقق لروسيا االتحادية‬
‫بعد تفكك االتحاد السوفياتي السابق‪.‬‬
‫فمرحلة التحول التي مرت بها روسيا االتحادية في عقد التسعينات‪ ,‬ولدت تحوالت متوالية في الموقف السياسي في‬
‫البلد‪ ,‬بدءا من العام األول الذي نشأت فيه روسيا االتحادية بعد التفكك عام ‪ ,1992‬وصوال إلى بداية القرن الحادي‬
‫والعشرين وبدأ التفكير في إعادة ترتيب أال ولويات‪ ,‬وتمكنت الدولة‪ ،‬من إنهاء عملية التحول والوصول إلى مرحلة‬
‫االستقرار على الصعيدين الداخلي لتبدأ عملية التموقع على الساحة الدولية‪.31‬‬
‫أهم معالم السياسة الدفاعية الروسية‪:‬‬
‫‪-1‬الواقعية‪ :‬في بناء السياسية الروسية واالبتعاد عن القيم األيديولوجية والتخلي عن كافة ركائز الحرب الباردة‪ ,‬بما‬
‫فيها األيديولوجيا الماركسية اللينينية التي كانت تميز التحرك العسكري‪ ،‬الدبلوماسي والسياسي السوفياتي في‬
‫الماضي القريب‪ ،‬واحالل محلها مبررات سياسية واقتصادية أكثر براغماتية ووضوحا لتعبير عن تطلعات روسيا‬
‫المستقبلية‪.‬‬
‫‪-2‬الديناميكية‪ :‬وتظهر ديناميكية أو فاعلية اإلستراتيجية الروسية من خالل ما يضمن بصورة جدية بظهور القيادة‬
‫العسكرية من منظور غربي كحام للخط اإلستراتيجي الجديد الذي انتهجته روسيا في عصر العولمة مع اإلصرار‬
‫على وحدة تراب االتحاد الروسي وعدم التفريط بها‪ ,‬واتباع مختلف الوسائل‪ ,‬بما فيها القوة العسكرية‪ ,‬لتأكيد هذه‬
‫الوحدة‪.‬‬
‫‪-3‬إعادة هيبتها الدولية والحفاظ على أمنها وسيادتها من أي خطر يحيط بها‪ ,‬وهو أمر يدفعها إلى تعزيز وضعها‬
‫العسكري في المناطق الحدودية"‪ ،‬فروسيا تعتبر قضية انضمام جورجيا وأوكرانيا‪ ,‬وحتى أذربيجان‪ ,‬إلى حلف شمال‬
‫األطلسي خط ار كبي ار على أمنها القومي واستقرارها وامكانية حركتها وتوجهاتها‪ ,‬سواء على المحيط القريب منها‪,‬‬
‫دول االتحاد السوفياتي السابق‪ ,‬أو على المحيط األبعد‪ ,‬مثل الصين أو إيران أو غيرهما من الدول‪.32‬‬

‫‪ 31‬د‪.‬نزار إسماعيل الحيالي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪22.‬‬


‫‪ 32‬يقول المفكر ديمتري ترينين إحدى المحللين االساسيين للسياسة الخارجية في روسيا الجديدة "بعد تغلبها على أزمة هويتها تقدم روسيا نفسها كالعب دولي‬
‫مستقل‪ ،‬مبعدة نفسها عن الغرب‪ ،‬وأفضل ما يمكن أن تقول هو أنها تسعى للعب دور القوة العظمى تحت ظروف دولية جديدة‪".‬‬
‫كما أن مسألة نشر الدرع الصاروخية األميركية في بعض دول االتحاد السوفياتي (سابقا)‪ ,‬وتجاهل كل الدعوات‬
‫الروسية لحل هذه المسألة بطريقة تزيل الشكوك الروسية من أنها هي المستهدفة من هذا المشروع‪.‬‬
‫‪ -4‬المنافسة‪ :‬وهي هدف جديد على السياسة الروسية‪ ,‬وألجله أجاز الدستور الروسي الجديد هدف المنافسة على‬
‫األسواق العالمية‪ ،‬لكن تحقيق هذا الهدف ال يخلو من الصعوبات‪ ,‬التي سرعان ما انعكست على اإلستراتيجية‬
‫الروسية‪ ,‬من خالل إعادة ترتيب األولويات‪ ،‬الذي انعكس في خطط اإلصالحات البنيوية الجديدة‪ ,‬وحركة االنفتاح‬
‫المالي واالقتصادي على الخارج‪.‬‬
‫لذا تفضل روسيا االتحادية‪ ،‬وألسباب اقتصادية بالدرجة األولى‪ ،‬إرسال المزيد من األسلحة إلى الدول التي تستطيع‬
‫دفع ثمنها‪ .‬وتؤكد المؤلفة أن بلوغ هذه الغاية يتطلب المزيد من االستثمارات من جهة‪ ,‬واإلصالح البنيوي للقاعدة‬
‫الصناعية الروسية لرفع مستواها التنافسي من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪–5‬حرية الحركة‪ :‬الوضع الجديد لم يفرض او يجبر روسيا على االنصياع لموقف الدول الكبرى‪ ,‬سواء داخل‬
‫مجلس األمن ضمن منظمة األمم المتحدة‪ ,‬أو خارجه ضمن توجهات التطام الدولي الجديد‪ ،‬األمر الذي مكنها من‬
‫القدرة على التحرك والتحدي والمعارضة ألي نمط جديد في العالقات الدولية‪ ,‬وبما يتفق مع مصالحها‪.‬‬
‫‪-6‬المرونة‪ :‬وتظهر من مالحظة االختالف في المفاهيم بين الواليات المتحدة األميركية وروسيا االتحادية بخصوص‬
‫مسألة األمن العالمي وموقع المصالح الروسية منها‪ .‬ففي حين ترى الواليات المتحدة مناطق العالم الحساسة على‬
‫أنها جزء من النفوذ الغربي‪ ,‬وعلى الغرب تأمين الحماية الالزمة للمحافظة على الوضع السياسي القائم فيها‪ ,‬تؤيد‬
‫روسيا الجهود الجماعية‪ ,‬واالقتراح الداعي إلى إشراك جميع أعضاء مجلس األمن واألطراف المعنية لحل أي أزمة‬
‫تنشب في العالم‪.33‬‬
‫‪-7‬للحفاظ على مصالحه الوطنية تحاول روسيا تقديم نفسها بديال للغرب في المنطقة العربية الستمالة البلدان‬
‫العربية في قضايا ذات اهتمام مشترك‪ ،‬إال أن هذا المدخل ينبغي أن ال يجري في سياق المواجهة التي سادت إبان‬
‫فترة الحرب الباردة‪ ،‬الن وجود الغرب فيها يتمتع بالتأثير الكبير‪ ،‬فضال عن ضرورة أن يكون التحرك الروسي‬
‫والعالقات القائمة مع دول هذه المنطقة مرسومين وفقا لألهداف والمصالح الروسية‪ ،‬وانطالقا من المميزات التي‬
‫تتمتع بها هذه الدول‪.34‬‬
‫‪-‬جمهورية الصين الشعبية‬
‫يقول المثل الصيني "عندما يغرف الناس األرز من الوعاء نفسه‪ ،‬ستصطدم المغارف ببعضها البعض حتما"‪ ،‬وما‬
‫دامت الصين تعيش في قرية عالمية‪ ،‬فمن الحتمي أن تحدث خالفات واحتكاكات بمختلف أنواعها‪ ،‬وهذا ال يدعو‬
‫إلى القلق‪ ،‬بل يجب االحتكام إلى المبادئ التي بنيت عليها الجمهورية لمواجهة المشاكل واحدة بواحدة وان كانت‬
‫بسيطة بمبدأ العين بالعين والسن بالسن‪ ،‬أو نقوم بتضخيمها‪ ،‬أم نتبع نهجا مختلفا‪.‬‬

‫‪33‬عاطف معتهد عبد ال حميد‪" ،‬إستعادة روسيا مكانة القطب الدولي‪ ،‬إزمة الفترة االنتقالية"‪ ،‬الدوحة (قطر)‪،‬مركز الجزيرة للدراسات‪ ،2009 ،‬الطبعة‬
‫االولى‪ ،‬ص‪31.‬‬
‫‪34‬إستراتيجية روسيا في الشرق االوسط‪ ،‬دراسة منشورة من طرف مركز الراند (‪ )RAND‬سنة ‪2017‬‬
‫‪-‬أهم المبادئ األساسية التي تحكم العالقات الخارجية‬
‫أوال‪ :‬الصين تلتزم بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي‪ ،‬وال تتدخل في الشؤون الداخلية لآلخرين وال تستخدم أو تهدد‬
‫باستخدام القوة‪ ،‬وترفض التشرذم واالستقطاب في العالقات الدولية‪ ،‬فتمسكها بالتعايش السلمي دائما‪ ،‬واحترام‬
‫الشعوب األخرى واختيار مسار مستقل في مجال التنمية‪ ،‬من المؤكد سوف يلغي أي فكرة للهيمنة على العالم‪ ،‬كما‬
‫ال ترضى بان تهيمن أي دولة أخرى على منطقتها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تنتهج إستراتيجية االنفتاح القائمة على المنفعة المتبادلة‪ ،‬وتحرص على تحقيق وتطوير وحماية المصالح‬
‫المشتركة لجعل كعكة المصالح المشتركة أكبر وأفضل بدال من توتير العالقات مع الجيران وكسب المصالح على‬
‫حساب اآلخرين‪ ،‬هذا المسعى تريد الصين ان تجعل منه قاعدة لحسن الجوار واالنسجام واألمن واالزدهار لجيرانها‪،‬‬
‫واستراتيجيتها في آسيا والمحيط الهادئ تعتبر بمثابة المسار الهادف إلى خلق االستقرار والتنمية‪ ،‬بيئة محيطة‬
‫جيدة‪ ،‬والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك مع الدول المعنية‪ ،‬كما ترغب دائما في أن تكون صديقا جيدا لآلسيان‬
‫والدول اآلسيوية‪ ،‬حسنة الجوار وشرك جيد ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬دعوة الصين إلى تسوية المشاكل والنزاعات من خالل الحوار والتشاور بروح إيجاد أرضية مشتركة مع ترك‬
‫الخالفات جانبا‪ ،‬في هذا السياق وقعت الصين مع دول آسيا اتفاقيات متعددة األطراف‪ ،‬كما فتحت ابوابها للتعاون‬
‫اإلقليمي‪ ،‬بشفافية وحسن النوايا‪ .‬وتأمل أيضا أن اإلجراءات التي تتخذها بعض الدول المعنية في آسيا‪ ،‬ليس لمنع‬
‫أغراض االحتواء وتقويض الصين‪ ،‬كما تأمل من الدول األقوال واألفعال الجيدة والشفافة أيضا في تنمية الشعب‬
‫الصيني لهذه المنطقة منذ آالف السنين ‪.‬‬
‫الصين تشارك بشكل فعال أيضا في القضايا العالمية التي لها صلة بالبرامج النووية الكورية الشمالية واإليرانية‬
‫والصراع العربي اإلسرائيلي وقضية دارفور بالسودان‪ ،‬باالضافة الى دعوة الصين ومشاركتها في تعديل وتحسين‬
‫النظام الدولي الحالي ليصبح أكثر عدالة وعقالنية ‪.‬‬
‫‪-‬المصالح الجوهرية للصين‬
‫‪-1‬استقرار دولة الصين نظامها وحكمها السياسي‪ ،‬أي قيادة الحزب الشيوعي الصيني والنظام االشتراكي واالشتراكية‬
‫ذات الخصائص الصينية ‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫‪-2‬سيادة الصين وسالمة أراضيها والوحدة الوطنية وتجلى ذلك في قضية تايوان‬

‫‪ 35‬قضية تايوان ترتبط بوحدة الصين وسالمة أراض يها وتمثل المصالح الجوهرية للصين وتلمس وتر مشاعر الشعب الصيني المبدأ األساسي التي تلتزم به‬
‫الصين بشأن هذه القضية هو "إعادة التوحيد السلمي ودولة واحدة ذات نظامين"‪ ،‬ولن تسمح أبدا أن تنفصل عن الصين‪ ،‬ولن تتعهد بعدم استخدام القوة‪ ،‬ضد‬
‫حفنة العناصر االنفصالية‪ .‬في السنوات األخيرة‪ ،‬شهدت عملية التنمية السلمية للعالقات عبر المضيق تقدما إيجابيا وكبيرا‪ ،‬كما وقع الجانبان االتفاقية اإلطارية‬
‫للتعاون االقتصادي بين جانبي المضيق التي تفتح آفاقا أرحب للتنمية السلمية للعالقات عبر المضيق‪.‬‬
‫كما عارضت الصين سياسة الواليات المتحدة االمريكية التي أصرت على بيع األسلحة إلى تايوان انطالقا من عقلية الحرب الباردة واألهداف الجيوسياسية‪،‬‬
‫متجاهلة المعارضة القوية من الصين‪ .‬فيجب نبذ ممارسات النفاق هذه التي ال تساعد على التنمية السلمية للعالقات عبر المضيق‪ ،‬وتتعارض أيضا مع اتجاه‬
‫السالم والتعاون والتنمية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ‪.‬‬
‫‪-3‬توفير ضمانة أساسية لتحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية المستدامة للصين‪ .‬ال تحتمل هذه المصالح أي‬
‫انتهاك ‪.‬‬
‫تنتهج الصين سياسة عسكرية ألغراض دفاعية‪ ،‬وتهدف عملية بناء الدفاع الوطني في الصين إلى الدفاع عن‬
‫سيادة بالدنا وسالمة أراضيها‪ ،‬وحماية حدودنا البرية البالغ طولها أكثر من ‪ 22000‬كيلومت ار وحدودنا البحرية‬
‫البالغ طولها ‪ 18000‬كيلومت ار وضمان السالم والتنمية في الصين‪ ،‬بدال من المشاركة في سباق التسلح والتنافس‬
‫على الهيمنة والتوسع الخارجي‪ .‬يقلق البعض في العالم من أن الصين ستحول قوتها االقتصادية المتنامية إلى‬
‫القوة العسكرية‪.‬‬
‫ال ضرورة لمثل هذا القلق على اإلطالق‪ .‬مقارنة مع عدد كبير من دول العالم مثل الواليات المتحدة واليابان‪ ،‬تعتبر‬
‫النفقات العسكرية الصينية منخفضة سواء من حيث الرقم اإلجمالي أم نصيب الفرد‪ ،‬فال يمكن أن تشكل تهديدا‬
‫للدول األخرى‪.‬‬
‫أما بالنسبة للشفافية‪ ،‬فال يوجد بلد يكون شفافا تماما في المجال العسكري‪ .‬وتزداد الشفافية العسكرية الصينية خالل‬
‫العقود الماضية‪ ،‬وال سيما أن نيتها االستراتيجية أكثر شفافية من العديد من دول العالم وفي مقدمتها الدول الكبرى‬
‫الرئيسية‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬أعلنا صراحة للعالم أننا لن نسعى أبدا إلى الهيمنة ونلتزم بعدم البدء باستخدام األسلحة‬
‫النووية وعدم استخدام أو التهديد باستخدام األسلحة النووية ضد الدول غير الحائزة لألسلحة النووية‪ .‬إذا حذت‬
‫الدول األخرى حذو الصين‪ ،‬فمما ال شك فيه أن ذلك سيكون إسهاما كبي ار في تعزيز االستقرار والسالم والتنمية في‬
‫العالم ‪.‬‬
‫لقد بذلت جهود بشأن العالقات االمريكية الصينية خالل السنوات الماضية‪ .‬وقد أنشأت آليات الحوار والتشاور‬
‫االستراتيجي مع الواليات المتحدة وأوروبا واليابان وبعض الدول الناشئة لتبادل وجهات النظر بصورة معمقة حول‬
‫القضايا الهامة والكبرى والطويلة األجل بشأن الوضع العالمي والعالقات الثنائية‪ ،‬بما يعزز التفاهم والثقة المتبادلة‬
‫والتوافق االستراتيجي‪ ،‬ويوسع المصالح المشتركة ويقلص المتاعب والمشاكل ‪.‬‬
‫أما بالنسبة إلى المشاكل التي من الصعب حلها في المستقبل القريب‪ ،‬فتقترح الصين أن تترك جانبا حتى تنضج‬
‫الظروف‪ ،‬أو نترك بعضها ليحلها أجيالنا المقبلة ‪.‬‬
‫أما فكرة أن الصين تريد أن تحل محل الواليات المتحدة والهيمنة على العالم خرافة‪ .‬ويتعين على المجتمع الدولي‬
‫الترحيب وليس الخوف من النمو السلمي للصين ومساعدته بدال من العرقلة والدعم بدال من االحتواء‪ ،‬وينبغي على‬
‫العالم أن يفهم ويحترم المصالح واالهتمامات الصينية المناسبة والمعقولة في التنمية السلمية ‪.‬‬
‫ذلك أنه لم يكن هناك ث قافة الهيمنة في التقاليد الصينية عبر التاريخ‪ .‬حيث أن " الخير " والسالم" كانا جوهر‬
‫السياسة الصينية التقليدية منذ آالف السنين‪ ،‬فقد دعت الصين باستمرار إلى الحرص على السالم‪ ،‬الخير لألقارب‬
‫وحسن الجوار‪ .‬واذا نظرنا من ناحية الواقع‪ ،‬وفي عصر العولمة االقتصادية‪ ،‬يمكن للدول تحقيق المنافسة الدولية‬
‫المتبادلة المنفعة والتعاون من خالل المساواة‪ ،‬وال حاجة إلى االستمرار في طعن النظام الدولي وتحدي مسار‬
‫التنمية لبلدان أخرى‪ ،‬كما يمكن أن نفهم من سقوط القوى العظمى في العالم‪ ،‬أنه ال يمكن السير في طريق رئيسي‬
‫واسع‪،‬ال يمكن السير على طريق سباق التسلح‪،‬وأن طريق الهيمنة على العالم مسدود‪،‬بينما التنمية السلمية هو‬
‫الطريق الوحيد الصحيح ‪.‬‬
‫أن الصين كلما أصبحت أكثر تطو ار كلما زادت حاجتها إلى تعزيز التعاون مع البلدان األخرى‪ ،‬وبحاجة أكثر إلى‬
‫بيئة دولية سلمية ومستقرة‪ .‬كما أن التعاون من أجل المصلحة والتنمية المشتركة‪ ،‬هي أكبر وأعمق تجربة في‬
‫العالقات الخارجية الصينية منذ ثالث عقود من اإلصالح واالنفتاح‪ ،‬وهو أعظم سالح لنجاح الصين‪ .‬وينبغي‬
‫على الصين أن تتشبث بهذا السالح‪.‬‬
‫أما نفقات الدفاع الوطني أساس مادي هام للدفاع الوطني وبناء الجيش‪ ،‬وهي تتعلق ببقاء وأمن وتطور كل فرد‬
‫في الوطن‪ ،‬ويتم مناقشتها خالل الدورتين‪ ،‬دورة المجلس الوطني لنواب الشعب ودورة المؤتمر االستشاري السياسي‬
‫للشعب الصيني‪ ،‬وفق مبدأين "إنجاز العمل بكمية أكبر وبنفقة أقل" إذ يجب إنفاق المال في الشؤون الهامة من‬
‫أجل الحصول على فائدة أكبر‪".‬‬
‫ففي ‪ ،2017‬وصل معدل الزيادة في ميزانية الدفاع الصيني حوالي ‪ ،%7‬ما يعني أنها ستصل إلى تريليون يوان‬
‫(الدوالر األمريكي يساوي ‪9‬ر‪ 6‬يوانات)‪( ،‬الصين اليوم) توظف نفقات الدفاع الوطني في ضمان سالمة الوطن‬
‫وحماية سالم العالم‪ .‬بالمقابل يلغت نفقات الدفاع الوطني اإلجمالية ‪354‬ر‪ 954‬مليار يوان في عام ‪ 2016‬بزيادة‬
‫‪6‬ر‪ %7‬مقارنة مع عام ‪ ،"2015‬وهي تعادل من ‪3‬ر‪ %1‬إلى ‪5‬ر‪ %1‬من الناتج المحلي اإلجمالي للبالد‪.36‬‬
‫لكن ما يالحظ حسب العديد من الدراسات‪ ،‬أن القيادة السياسية في الصين إنتهجت في إطار السياسة العامة للبالد‬
‫استراتيجية دفاعية وامنية لدعم النهوض بالدولة والحد من اوجه الضعف ومواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية‪،‬‬
‫وقد تم االفصاح عنها خالل المؤتمر السنوي للحزب الشيوعي في (جانفي ‪ (2015‬وهو ال يعتبر وثيقة بعنوان‬
‫"استراتيجية الدفاع الوطني "أو" سياسات الدفاع الوطني "على غرار الواليات المتحدة التي تعتمد على مجموعة‬
‫جديدة من القضايا ذات األولويات المركزية لألمن القومي‪ ،‬وتشمل هذه القضايا االهتمامات بالتغيرات االقتصادية‬
‫واالجتماعية العميقة على الصعيد المحلي واإلصالحات المقترحة لمواجهتها‪ ،‬وهو أمر مهم بالنظر إلى األولوية‬
‫التي توليها القيادة للقضايا المحلية‪ ،‬اما بالنسبة للبيئة الدولية المتغيرة‪ ،‬فإن الصين تركز على إحترام مبادئ القانون‬
‫الدولي والمساعي الحسنة للتعايش السلمي وعدم التدخل االجنبي مه مواصلة العمل على تعزيز عالقات مستقرة‬
‫‪37‬‬
‫بالقوى العظمى والبيئة األمنية في دول الجوار اللصيقة بالصين والتعاون بين الدول النامية"‪.‬‬

‫‪36‬بالمقارنة مع ميزانية الدفاع الوطني األمريكية التي بلغت في عام ‪ 2016‬بلغت ‪ 597‬مليار دوالر أمريكي‪ ،‬وفي عام ‪ 2017‬وصلت إلى و‪7‬ر‪ 618‬مليار‬
‫دوالر أمريكي‪ ،‬وهي تمثل ‪4‬ر‪ %3‬من الناتج المحلي اإلجمالي األمريكي‪ .‬فإن الفارق كبير جدا خاصة إذا أظفنا حساب متوسط نصيب الفرد من ميزانية‬
‫الدفاع‪.‬‬
‫‪ 37‬دراسة حول إستراتيجية الدفاع واالمن القومي الصيني من طرف مؤسسة الراند (‪ )RAND‬للبحوث والدراسات االستراتيجية‪.2016 ،‬‬
‫فالمعلومات الواردة في الكتاب األبيض المنشور في عام ‪ 2015‬المعني بالدفاع يمكن إستخالصها في خطابات‬
‫كبار القادة العسكريون لفهم محتوى التوجهات الصينية في مجال الدفاع كما تساعد في توضيح الموقف‬
‫االستراتيجي العام للجيش الذي يبدوا أنه ملتزم شكليا بالدفاع الوقائي أي الدفاع عن االرض‪ ،‬لكن حسب الباحثين‬
‫تحول منذ عام ‪ 2010‬إلى ما يمكن وصفه بأنه" توسُّع سلمي" وهذا ما اكده الكتاب األبيض‬
‫فإن هذا التركيز قد َّ‬
‫بالقول في قفرة " الطبيعة الدفاعية "‪ ،‬ان سياسات الدفاع الوطنية للدولة لن تسعى أبدا لفرض الهيمنة أو التوسع‬
‫لكن وجود" متطلبات جديدة " يفرض على الجيش تهيئة تموقع استراتيجي مالئم لضمان التطور السلمي للبالد‬
‫وحماية المصالح االستراتيجية المتنامية للدولة على نحو أفضل‪ ،‬وذلك من خالل التوسيع الفعَّال للجيش في إطار‬
‫تعزيز التعاون العسكري واألمني خاصة إقليميا لتشكيل بيئة أمنية آسيوية سلمية ومستقرة تنهض فيها الصين‬
‫بدور رئيسي لحماية مصالحها الرئيسية عسكريا‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى العديد من سمات التحول في سياسات الدفاع أوالً‪ :‬الرؤية األمنية التي توسعت لتشمل جميع‬
‫ثانيا‪ :‬أدت متطلبات توثيق‬
‫اإللكتروني والمحيطات‪ً ،‬‬
‫ّ‬ ‫المجاالت السياسية بما في ذلك مجاالت الفضاء والفضاء‬
‫التنسيق بين الجهات الفاعلة العسكرية وغير العسكرية إلى زيادة الحاجة إلى صناعة ق اررات مركزية لسياسات‬
‫الدفاع واألمن‪ ،‬ثالثًا‪ :‬تضاعف التوتر مع الواليات المتحدة بسبب التحول في السياسة الخارجية للبلدين مما أعطى‬
‫أهمية إلدارة األزمات والتحكم في التصعيد والردع ‪.‬‬

‫‪i‬‬

You might also like