Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
إنَّ منهج الرسول الكريم في تبليغ أصحابه الَ َي َت َعدَّ ى منهج القرآن العظيمْ ،إذ
ض ًحا آياته ،وقد نزل كان الرسول ُم َب ِّل ًغا لكتاب هللا تعالىُ ،م َب ِّي ًنا أحكامهُ ،م َو ِّ
القرآن الكريم ُم َن َّج ًما َع َلى ُم َح َّم ٍد صلى هللا عليه وسلم خالل ثالث وعشرين َ
س َنةٍ،
والرسول الكريم يبلغ قومه ،ومن حوله ،ويفصل تعاليم اإلسالم ،ويطبق أحكام
الصالَةُ
القرآن ،فكان معل ًما وحاك ًما وقاض ًيا ومفت ًيا وقائ ًدا طيلة حياته َ -ع َل ْي ِه َ
السالَ ُم ،-فكل ما يتعلق ِباأل ُ َّم ِة اإلِ ْسالَ ِم َّي ِة في جميع شؤونها ،دقيقها وعظيمها، َو َّ
وكل ما يتناول Gالفرد والجماعة في مختلف نواحي حياتهم ،مما لم يرد في القرآن
س َّنةِ ،العملية أو القولية أو التقريرية ،ومن َث َّم نجد بين يدينا أحكا ًما فهو من ال ُ
س َّن ْت خالل ربع قرنشرع ْت َو ُط ِّب َق ْت َو ُ
َ .وآدا ًبا وعبادات وقربات
يوجد خصائص كانت تحبذ النبي صلى
.هللا عليه وسلم العمل بها ومنها
.أن تكون منتمية لألهداف التربوية النابعة من ثقافة األمة وحضارتها
.أن تكون محققة للهدف المباشر الذي تستخدم من أجله
.أن تراعي خصائص الطالب الجسدية والنفسية والعقلية
أن تكون الفائدة التي تقدمها للمعلم والمتعلم تفوق الجهد الذي يبذل إلعدادها
.والتكاليف التي تصرف إلنتاجها
.أن تتسم بالبساطة والوضوح وسهولة االستعمال
.أن يراعى في تصميمها وإعدادها صحة المعلومات وفي إخراجها جودة اإلتقان
.أن تستعمل في الوقت المناسب والمكان المناسب والشكل المناسب
لقد كان الرسول الكريم يخاطب حضوره بما يدركونه ،فيفهم البدوي الجافي بما
يناسب جفاءه وقسوته ،ويفهم الحضري بما يالئم حياته وبيئته G،وكما أنه كان
يراعي تفاوت المدارك ،وانتباه أصحابه وقدرهم الفطرية والمكتسبة ،فتكفي منه
اإلشارة إلى األلمعي الذكي ،واللمحة العابرة إلى الحافظ المجيد .من ذلكَ :ما
ار َة إِ َلى ال َّن ِب ِّي صلى هللا عليه اء َر ُجل ٌ مِنْ َبنِي َف َز َ َر َواهُ أَ ُبو ه َُر ْي َر َة[َ ]5قالََ :
((ج َ
ام َرأَتِي َو َلدَ ْت ُغالَ ًما أَ ْس َودَ وإ ِّني Gأَ ْن َك ْر ُت ُهَ ،ف َقال َ َل ُه ال َّن ِب ُّي صلى هللا
وسلم َف َقالَ :إِنَّ ْ
عليه وسلمَ :هلْ َل َك مِنْ إِ ِب ٍلَ .قالََ :ن َع ْمَ .قالََ :ف َما أَ ْل َوا ُن َها؟َ .قالَُ :ح ْم ٌرَ .قالََ :هلْ
سى أَنْفِي َها مِنْ أَ ْو َر َق؟ .قال :إنَّ فِي َها َل ِو ْر ًقا .قالَ " :فأ َ َّنى أَ َتاهَا َذلِ َك؟"َ .قالََ :ع َ
سى أَنْ َن َز َع ُه عِ ْر ٌق))[]6 َ .ي ُكونَ َن َز َع ُه عِ ْر ٌقَ .قالََ" :ه ََذا َع َ
سول َ ومن ذلك أَنَّ فتى من قريش أتى النبي صلى هللا عليه وسلم فقالَ (( :يا َر ُ
الز َنا ،فأقبل القوم عليه وزجروه فقالوا :مه مه!! فقال" :ادْ ُن ْه، هللاِ ،ا ْئ َذنْ لِي فِي ِّ
"والَ َفدَ َنا ِم ْن ُه َق ِري ًبا" .فقال" :أَ ُت ِح ُّب ُه أل ُ ِّم َك"َ .قالَ :الَ َوهَّللا ِ َج َع َلنِى هَّللا ُ فِدَا َكَ .قال َ َ
سول َ هَّللا ِاس ُي ِح ُّبو َن ُه أل ُ َّم َها ِت ِه ْم"َ .قالَ" :أَ َف ُت ِح ُّب ُه الِ ْب َن ِت َك؟"َ .قالَ :الَ َوهَّللا ِ َيا َر ُ
ال َّن ُ
اس ُي ِح ُّبو َن ُه لِ َب َنا ِت ِه ْم" -ثم ذكر له رسول هللا أخته "والَ ال َّن ُ َج َع َلنِى هَّللا ُ فِدَا َكَ .قالََ :
وع َّمته وخالته ،وفي ذلك يقول الفتى مقالته" :الَ َوهَّللا ِ يا رسول هللا َج َع َلنِى هَّللا ُ
صنْ اغف ِْر َذ ْن َب ُهَ ،و َط ِّه ْر َق ْل َب ُه َو َح ِّ
ض َع َيدَ هُ َع َل ْي ِه َو َقالَ" :ال َّل ُه َّم ْ فِدَا َك" َ -قالََ :ف َو َ
ش ْي ٍء))[]7 ِت إِ َلى َ اوي)َ :ف َل ْم َي ُكنْ َب ْعدَ َذلِ َك ال َف َتى َي ْل َتف ُ َ .ف ْر َج ُه"َ .قال َ َّ
(الر ِ
لقد اتبع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أسلو ًبا جعل الفتى يدرك أثر الزنا في
المجتمع ،وكيف أَنَّ الناس َجمِي ًعا ال يرضونه ألنفسهم وأهليهم كما أنه ال يرضاه
هو لذويه ،مما حمله على االقتناع باإلقالع عنه ،وخير األمور ما كان الدافع إليه
.من قرارة النفس
.
غير تعليم الرسول التشبيه وضرب األمثال هناك ايضا التعليم بالرسم على
األرض والتراب
كان -صلى هللا عليه وسلم -يستعين على توضيح بعض المعاني بالرسم على
األرض والتراب ،من ذلك :ما رواه اإلمام أحمد عن جابر وابن Gعباس رضي هللا
س َّل َمَ ،ف َخ َّط َخ ًّطا
ص َّلى هَّللا ُ َع َل ْي ِه َو َ سا عِ ْندَ ال َّن ِب ِّي َعنهماَ :عنْ َج ِاب ٍرَ ،قالَُ « :ك َّنا ُجلُو ً
س ِبيل ُ هَّللا ِ»َ ،و َخ َّط ْي ِن َعنْ َيمِي ِنهَِ ،و َخ َّط ْي ِن َعنْ شِ َمالِهِ، َه َك َذا أَ َما َم ُهَ ،ف َقالَ« :ه ََذا َ
سطِ ُث َّم َتال َه ِذ ِه اآل َي َة: ض َع َيدَ هُ فِي ا ْل َخ ِّط األَ ْو َ ان»ُ ،ث َّم َو َ ش ْي َط ِ َف َقالََ « :ه ِذ ِه ُ
س ُبل ُ ال َّ
س ِبيلِهِ»، س ُبل َ َف َت َف َّر َق ِب ُك ْم َعنْ َ «وأَنَّ ه ََذا صِ َراطِ ي ُم ْس َتقِي ًما َفا َّت ِب ُعوهُ َوال َت َّت ِب ُعوا Gال ُّ َ
.سورة األنعام اآلية 153
روى البخاري عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا تعالى عنه قالَ :عنْ َع ْب ِد هَّللا ِ ْب ِن
س َّل َم َخ ًّطا ُم َر َّب ًعاَ ،و َخ َّط
ص َّلى هَّللا ُ َع َل ْي ِه َو َ َم ْس ُعو ٍد َرضِ َي هَّللا ُ َع ْن ُه َقالََ :
«خ َّط ال َّن ِب ُّي َ
سطِ مِنْ ارا إِ َلى ه ََذا ا َّلذِي فِي ا ْل َو َ ار ًجا ِم ْن ُهَ ،و َخ َّط ُخ َط ًطا صِ َغ ً سطِ َخ ِ َخ ًّطا فِي ا ْل َو َ
اط ِبهِ، سانُ َ ،وه ََذا أَ َجلُ ُه ُمحِي ٌط ِبهِ ،أَ ْو َقدْ أَ َح َ سطِ َ ،و َقالَ :ه ََذا اإْل ِ ْن َ
َجان ِِب ِه ا َّلذِي فِي ا ْل َو َ
الص َغا ُر اأْل َ ْع َر ُ
اضَ ،فإِنْ أَ ْخ َطأَهُ ه ََذا ج أَ َملُ ُهَ ،و َه ِذ ِه ا ْل ُخ َط ُط ِّ َوه ََذا ا َّلذِي ه َُو َخ ِ
ار ٌ
ش ُه ه ََذاَ ،وإِنْ أَ ْخ َطأَهُ ه ََذا َن َه َ
ش ُه ه ََذا َ ».ن َه َ
فبين لهم النبي بما رسمه أمامهم على األرض ،كيف يحال بين اإلنسان وآماله
الواسعة ،باألجل المباغت أو العلل واألمراض المقعدة ،أو الهرم المفند ،وحضهم
على قصر األمل واالستعداد لبغتة األجل ،وكانت وسيلة اإليضاح Gفي ذلك األرض
.والتراب
ضا من الطرائق Gوالوسائل الغنية والثرية خاصة في زمننا حيث
وهذه الطريقة أي ً
أصبحت ثقافة الصورة طاغية كالكمبيوتر والصور واللوحات
هناك المزيد والمزيد من النماذج العظيمة الي علمنا اياها النبي صلى هللا وعليه
وسلم كامتحانه -صلى هللا عليه وسلم -أصحابه بشيء من العلم ليقابله بالثناء
عليه إذا أصاب
و جوابه بأكثر مما سئل عنه
و إثارته -صلى هللا عليه وسلم -انتباه السامع بتكرار النداء مع تأخير الجواب
و غضبه وتعنيفه -صلى هللا عليه وسلم -في التعليم إذا اقتضت الحال ذلك
و أمره -صلى هللا عليه وسلم -بعض الصحابة بتعلم اللغة السريانية
و تعليمه -صلى هللا عليه وسلم -بإبراز المخبر عنه أمام أصحابه
من أهم الفوائد التي يجنيها المعلم من استخدام الوسائل التعليمية تتجلى فيما
:يلي
إمكانية دراسة أشياء مدفونة في باطن األرض مثل الطبقات الجيولوجية أو
.أشياء مغمورة تحت سطح الماء أو أشياء موجودة في داخل جسم اإلنسان
إمكانية دراسة أشياء ال يمكن رؤيتها بالعين المجردة لبعدها الشديد :مثل دراسة
.األجرام السماوية والنجوم والمجرات
إمكانية دراسة أشياء ال يمكن رؤيتها بالعين المجدرة لصغر حجمها الشديد :مثل
.دراسة الجراثيم والفيروسات والخاليا والذرات
إمكانية إزالة الحواجز المكانية لعدم ضرورة حصول التعلم في مكان حصول
األحداث إذ يستطيع المعلم عرض فيلم أو نموذج مجسم للفيل مثاًل بداًل من أخذ
.الطلبة إلى حديقة الحيوانات لرؤية الفيل
يمكن توجيه الطلبة إلى مالحظة أشياء معينة وتركيز انتباههم عليها حتى تتم
االستفادة من الموضوع على الشكل األكمل وحتى ال يحدث سوء فهم والتباس
.عند بعض الطلبة
إمكانية إلغاء بعض األحداث غير المهمة أو التفاصيل الثانوية غير الضرورية
توفير ا للوقت كما يلزم إلغاء بعض األشياء المخالفة للعقيدة اإلسالمية والعادات
ً
واألعراف االجتماعية
في النهاية هذه بعض وسائل نبوية Gفي تعليمه ـ صلى هللا عليه وسلم ـ لألمة
دينها ،وما يستقيم به أمرها في الدنيا واآلخرة ،وقد ترك لنا رسول هللا ـ صلى
هللا عليه وسلم ـ ثروة هائلة ومنهجا عظيما من وسائل التربية والتعليم ،التي
تعين على سهولة الحفظ وحسن التعلم وسمو التربية ،ولنا في رسول هللا ـ
صلى هللا عليه وسلم ـ أسوة وقدوة حسنة
https://www.alukah.net/spotlight/0/109971/
http://montdatarbawy.com/show/122465