You are on page 1of 3

‫شرح اآليات من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬من سورة الحجرات‬

‫الحديبية‪،‬وقد تردد المسلمون في‬


‫ّ‬ ‫سورة الحجرات جاءت عقب سورة الفتح الّتي نزلت في شأن حادثة صلح‬
‫النبي‬
‫ّ‬ ‫رأيهم‪ ،‬وال ما يبدو لهم في الظّاهر ّأنه صواب على أمر‬
‫يقدموا َ‬
‫السورة تدعو المؤمنين أالّ ّ‬
‫الصلح‪،‬فجاءت هذه ّ‬ ‫ّ‬
‫صلّى اهلل عليه وسلّم‪.‬تسمى< سورة األخالق ألنها تحمل أسس المدينة الفاضلة ‪ (.‬وهي سورة مدنية عند جميع العلماء‪،‬‬
‫إال قوالً شاذاً ال يعتد به)‬

‫سولِ ِه َواتَّقُوا هَّللا َ إِنَّ هَّللا َ َ‬


‫س ِمي ٌع َعلِي ٌم‬ ‫ي هَّللا ِ َو َر ُ‬ ‫‪ -1‬يا أَيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُوا اَل تُقَ ِّد ُموا بَ ْي َن يَ َد ِ‬
‫تصدير الخطاب بالنداء للتنبيه على أمر خطير ‪،‬تقدموا ‪ -‬بفتح التاء كما في بعض القراءات فهو الزم‬
‫أما بضم التاء في ( تقدموا فالفعل متعد ) ‪ ،‬أي ال تق ّدموا أمرا أو حكما أو رأيا دونهما‪،‬‬
‫سبب النزول ‪:‬أخرج البخاري والترمذي وغيرهما عن ابن أبي مليكة أنعبد هَّللا بن الزبير رضي هَّللا‬
‫عنه أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على رسول هَّللا صلّى هَّللا عليه وسلّم‪ O،‬فقال أبو بكر‪:‬أمـِر‬
‫القعقاع بن معبد‪ ،‬وقال عمر‪ :‬أ ِم ّر األقرع بن حابس‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬ما أردت إال خالفي‪ ،‬وقال عمر‪:‬‬
‫ما أردت خالفك‪ ،‬فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما‪،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ : O‬هلك‬
‫الخيران‪ .‬فنزلت اآلية في ذلك ‪.....‬‬
‫ال تقدموا ‪..‬استعارة تمثيلية‪ ،‬شبّه حال الذين يبدون آراءهم أمام النبي صلّى هَّللا عليه وسلّم بحال من‬
‫تقدم للسير أمام ملكأ و حاكم عظيم‪ ،‬وكان عليه أدبا أن يسير خلفه‪.‬والغرض من التشبيه تقبيح قطع‬
‫الحكم بغير إذن هللا‪.‬و حذف المفعول به لقصد التعميم‪.‬‬
‫اإلعراب ‪ -‬أي ‪ :‬منادى مبني على الضم في محل نصب ‪ ،‬والذين ‪ :‬اسم موصول مبني في محل‬
‫نصب بدل‬

‫ْض تشبيه مرسل مجمل‪ ،.‬لوجود أداة‬ ‫َوال تَجْ هَرُوا لَهُ بِ ْالقَ ْو ِل(أيإذا ناجيتموه‪َ )،‬ك َجه ِْر ب ْع ِ‬
‫ض ُك ْم لِبَع ٍ‬
‫التشبيه وحذف وجه الشبه‬
‫ين آ َمنُوا لمزيد االستبصار وضبط النفس‪ ،‬وزيادة االهتمام به‬ ‫وتكرير النداء بقوله‪ :‬يا أَيُّهَا الَّ ِذ َ‬
‫والتعظيم له والتوكيد‪..‬‬
‫أن تحبط ‪ :‬استعارة تصريحية ‪ ،‬شبه فساد العمل وزيفه بانتفاخ بطن الدابة ‪(.‬قال الجوهري ال َحبَطُ‬
‫ت الشاة بالكسر َحبَطا ً‬ ‫أَن تأْكل الماشية فتُ ْكثِ َر حتى تَ ْنتَفِ َخ لذلك بطونُها وال يخرج عنها ما فيها و َحبِط ِ‬
‫ق)‪ (.‬ان تحبط ) مفعول لجله أوفي محل جر‪.‬‬ ‫ق وهو ال َح ْن َدقُو ُ‬ ‫انتفخ بطنها عن أَكل ال ُّذ َر ِ‬

‫ت النَّبِ ِّي َواَل ت َْج َه ُروا لَهُ بِا ْلقَ ْو ِل َك َج ْه ِر بَ ْع ِ‬


‫ض ُك ْم‬ ‫ص ْو ِ‬
‫ق َ‬ ‫ين آ َمنُوا اَل ت َْرفَ ُعوا أَ ْ‬
‫ص َواتَ ُك ْم فَ ْو َ‬ ‫‪ -2‬يَا أَيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫ون‬‫ش ُع ُر َ‬ ‫ض أَنْ ت َْحبَطَ أَ ْع َمالُ ُك ْم َوأَ ْنتُ ْم اَل تَ ْ‬ ‫لِبَ ْع ٍ‬
‫ت النَّبِ ِّي‪ ،‬قعد ثابت بن قيس في الطريق‬
‫ص ْو ِ‬ ‫سبب النزول قيل‪ :‬لمانزلت ‪:‬ال تَرْ فَعُوا‪ O‬أَصْ واتَ ُكم فَ ْو َ‬
‫ق َ‬
‫يبكي‪ ،‬فم ّر به عاصم بنعدي بن العجالن‪ ،‬فقال‪ :‬ما يبكيك؟ قال‪ :‬هذه اآلية أتخوف أن تكون نزلت ف ّي‪،‬‬
‫وأنا صيّت رفيع الصوت‪ ،‬فرفع ذلك إلى رسول هَّللا صلّى هَّللا عليه وسلّم‪ ،‬فدعا به‪ ،‬فقال‪ :‬أما ترضى‬
‫أن تعيش حميدا‪ ،‬وتقتل شهيدا‪ ،‬وتدخل الجنة؟ قال‪ :‬رضيت‪ ،‬وال أرفع صوتي أبدا على صوت رسول‬
‫هَّللا صلّى هَّللا عليه وسلّم‪ ،‬فأنزل هللا اآلية‪.‬وقتل في معركة اليمامة في حرب مسيلمة الكذاب‪ ،‬قال‬
‫أنس بن مالك‪ :‬لما تراجع الناس يوم اليمامة ‪ ،‬قلت لثابت بن قيس ابن شماس ‪ :‬أال ترى يا عم ‪،‬‬
‫ووجدته قد حسر عن فخذيه وهو يتحنط ‪:‬يضع طيبا مع األكفان ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هكذا كنا نقاتل مع‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬بئس ما عودتم أقرانكم ‪ ،‬وبئس ما عودتم أنفسكم ‪ ،‬اللهم إني أبرأ‬
‫إليك مما يصنع هؤالء ‪ ،‬ثم قاتل حتى قتل‪ (.‬وقيل حفر حفرة ودفن جزءا منه ليثبت في القتال)‬

‫ول هَّللا ِ أُولَئِ َك الَّ ِذ َ‬


‫ين ا ْمت ََح َن هَّللا ُ قُلُوبَ ُه ْم لِلتَّ ْق َوى لَ ُه ْم َم ْغفِ َرةٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ص َواتَ ُه ْم ِع ْن َد َر ُ‬ ‫ون أَ ْ‬
‫ض َ‬ ‫‪ -3‬إِنَّ الَّ ِذ َ‬
‫ين يَ ُغ ُّ‬
‫َوأَ ْج ٌر َع ِظي ٌم‬
‫اللغة– امتحنها ‪ :‬طهرها ونقّاها كما يمتحن الصائغ الذهب باإلذابة لِلتَّ ْقوى‪ ،‬جعلها خالصة من كل شيء‬
‫سوى الخشية والطاعة ‪،‬ثواب عظيم لغضهم الصوت وسائر طاعاتهم‪ ،‬وتنكير أجرللتعظيم‪.‬فتن ‪ :‬أذاب‬
‫الذهب والفضة بالنار ليميز الجيد من الرديء‪ ،‬وامتحن كذلك‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬نزلت في أبي بكر عندما قال للرسول ‪ :‬وهللا ال أكلمك إال كأخي السرار‪.‬‬
‫ت أَ ْكثَ ُر ُه ْم اَل يَ ْعقِلُ َ‬
‫ون‬ ‫ين يُنَادُونَكَ ِمنْ َو َرا ِء ا ْل ُح ُج َرا ِ‬ ‫‪ -4‬إِنَّ الَّ ِذ َ‬
‫ِمنْ َورا ِء ا ْل ُح ُجراتِأيمن خلف غرف نسائه صلّى هَّللا عليه وسلّموخارجها‪ ،‬والحجرة‪ :‬قطعة من‬
‫ون} إذ العقل يقتضي حسن‬ ‫تحجربحائط ونحوه مثل الغرفات جمع غرفة‪{ ،‬أَ ْكثَ ُر ُه ْم ال يَ ْعقِلُ َ‬ ‫األرض ّ‬
‫األدب ومراعاةالحشمة أمام منصب النبي صلّى هَّللا عليه وسلّم‪.‬‬
‫وراء من األضداد ‪ ،‬من المواراة –خلف أو قدام‪O‬‬
‫من وراء الحجرات ‪ :‬كناية عن خلوة الرسول‪ O‬عليه السالم‪ O،‬أكثرهم ‪ :‬داللة على أن قلة منهم لم‬
‫تشارك في الخروج عن حدود‪ O‬اللياقة واألدب‪O‬‬
‫سبب النزول ( ‪4‬و‪:)5‬وأخرج أحمد عن األقرع بن حابس أنه نادى رسول هَّللا صلّى هَّللا عليه وسلّم‬
‫من وراء الحجرات‪ ،‬فلم يجبه‪ ،‬فقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬إن حمدي‪ ،‬لزين‪ ،‬وإنذمي لشين‪ ،‬فقال ‪ :‬ذلكم هَّللا ‪.‬فنزلت‬
‫اآليةفيهم‪ .‬وكان فيهم األقرع‪ O‬بن حابس‪ ،‬وعيينة بن حصن‪ ،‬وال ّزبرقان بن بدر‪ ،‬وقيس بن عاصم‪.‬‬
‫ان َخ ْي ًرا لَ ُه ْم َوهَّللا ُ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم‬ ‫‪ -5‬و لَ ْو أَنَّ ُه ْم َ‬
‫صبَ ُروا َحتَّى ت َْخ ُر َج إِلَ ْي ِه ْم لَ َك َ‬
‫أي ثبت أنهم صبروا ‪ ،‬المصدر في محل رفع فاعل‪ ،‬والمصدر حتى تخرج إليهم في محل جر‬

‫هنا انتقال من األدب الخاص إلى أدب العام‬


‫صبِ ُحوا َعلَى َما فَ َع ْلتُ ْم‬ ‫ق بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُ ِ‬
‫صيبُوا قَ ْو ًما بِ َج َهالَ ٍة فَتُ ْ‬ ‫‪ -6‬يَا أَيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُوا إِنْ َجا َء ُك ْم فَ ِ‬
‫اس ٌ‬
‫نَا ِد ِم َ‬
‫ين‬
‫ق‪:‬خارج عن حدودالدين‪ O‬أو الشرع‪ O،‬مأخوذ من قولهم‪ :‬فسق الرطب‪ :‬إذا خرج من قشره‪،‬‬ ‫فا ِس ٌ‬
‫والفسوق‪ O:‬الخروج من الشيء واالنسالخ منه‪ ،‬نبأ‪ :‬خبر‪،‬فَتَبَيَّنُوا‪:‬أي اطلبوا بيان الحقيقة ومعرفة‬
‫صيبُوا قَ ْوما ً أي خشية ذلك أو كراهة‪.‬‬‫الصدق من الكذب‪ ،‬وقرئ‪ :‬فتثبتوا من الثبات أَ ْن تُ ِ‬
‫ين آ َمنُوالمزيد االستبصار وضبط النفس‪ ،‬وزيادةاالهتمام به‬ ‫وتكرير النداء بقوله‪:‬يا أَيُّهَا الَّ ِذ َ‬
‫والتعظيم له‪( .‬التوكيد)وتنكير فاسق ونبأ للتعميم‪،‬للتثبت من أي فاسق وأي نبأالمخبروالفرق بين النبأ‬
‫والخبر ‪ :‬النبأ‪ :‬الخبر الذي له شأن عظيم ‪ ،‬ومنه اشتقاق النبوة‪ ،‬الن النبي مخبر عن اهلل تعالىوالنبأ يختلف عن‬
‫الخبر كذلك بأن الخبر عما يتناقله الناس ويحتمل التصديق والتكذيب أما النبأ فهو لما سيأتي وما ال‬
‫(إن) الشرطية بالمشكوك فيه (الذي يتساوى فيه تَ َوقُّع الحصول وعدم‪O‬‬ ‫يعلمه‪.‬إن للتشكيك وتختص ْ‬
‫إن تدرسْ تنجحْ ‪( .‬الدراسة‬ ‫التوقّع) أو بالمستحيل‪ ،‬أو‪– ‬أحياناً‪ -‬بالمحقَّق (لنكتة بالغية)‪ ،‬نحو‪ْ :‬‬
‫كنت ابني فَا ْفعلْ كذا) فالشرط‬
‫إن َ‬ ‫مشكوك فيها‪ :‬قد تحصل وقد ال تحصل!)‪ , ‬إذا قال األب البنه‪ْ ( :‬‬
‫ُمحقَّق! والغرض استنهاض الهمة!وعلى هذا تختص (إذا) الشرطية بمتيقَّن الوجود‪ ‬بحكم معنى‬
‫(إن)‪ ‬بالمستحيل‪ .‬وتشتركان في المشكوك فيه والمحتَ َمل‪ ‬بحكم‬ ‫الظرف‪ ،‬كما تختص أداة الشرط ْ‬
‫معنى الشرط‪.‬أن تصيبوا " أي لئال تصيبوا‪ ،‬ف " أن " في محل نصب بإسقاط الخافض‪-‬‬

‫سبب النزول نزلت في الوليد بن عقب‪OO‬ة بن أبي معيط‪ ،‬بعث‪OO‬ه رس‪OO‬والهَّلل ص‪OO‬لّى هَّللا علي‪OO‬ه وس‪OO‬لّم إلى ب‪OO‬ني‬
‫المصطلق مص ّدقا‪ ،‬وكان بينهما إحنة‪ ،‬فلماسمعوا‪ O‬به ركبوا إليه‪ ،‬فلما سمع بهم خافهم‪ ،‬فرجع فق‪OO‬ال‪ :‬إن‬
‫القوم ه ّموا بقتلي‪ ،‬ومنعواصدقاتهم‪ O،‬فه ّم النبي صلّى هَّللا عليه وس‪OO‬لّم بغ‪OO‬زوهم‪ ،‬فبين‪OO‬اهم في ذل‪OO‬ك إذ ق‪OO‬دم‬
‫وفدهم‪،‬وقالوا‪ :‬يا رسول هَّللا ‪ ،‬سمعنا برسولك‪ ،‬فخرجنا نكرمه‪ ،‬ونؤدي إليه ما قبلنا منالصدقة‪ ،‬ف‪O‬اتهمهم‬
‫ألبعثن إليكم رجال ه‪OO‬و عن‪OO‬دي كنفس‪OO‬ي‪ ،‬يقات‪OO‬ل مق‪OO‬اتلتكم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫«لتنتهن أو‬ ‫النبي صلّى هَّللا عليه وسلّم وق‪OO‬ال‪:‬‬
‫ويسبي ذراريكم» ثمضرب بيده على كتف علي رضي هَّللا عنه‪ ،‬فقالوا‪ O:‬نعوذ باهّلل من غضبه وغضب‬
‫رسوله صلّى هَّللا عليه وسلّم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬بعث إليهم خالد بن الوليد‪ ،‬فوجدهم منادين بالصالة‪،‬متهجدين‪ ،‬فسلموا إليه الصدقات‪ ،‬فرجع‪.‬‬

You might also like