You are on page 1of 5

‫السنة الدراسية‪2014-2013 :‬‬ ‫إصالح فرض تأليفي‬ ‫الجمهورية التونسية‬

‫األستاذ‪ :‬أحمد اللطيف‬ ‫وزارة التربية و التعليم‬


‫الثالثة آداب‬
‫عد ‪ 1‬د في التحليل‬ ‫معهد أبو الطيب المتنبي‬
‫األدبي‬ ‫رأس الجبل‬

‫القصيدة البن زيدون‬

‫ب ُلقيانا تجافينا‬
‫وناب عن طي ِ‬
‫َ‬ ‫أضحى التنائي بديالً من َتدانينا ***;‬

‫اعي َنا‬
‫ْن َن ِ‬ ‫صب َّحنا***; َحيْنٌ ‪َ ،‬ف َقا َم ِب َنا َ‬
‫للحي ِ‬ ‫ين‪َ ،‬‬ ‫أالّ َو َقد َ‬
‫حان صُب ُح ال َب ِ‬
‫الدهر ال يبلى و ُيبْلي َنا;‬
‫ِ‬ ‫َمنْ مبل ُغ الملبسِ ينا‪ ،‬بانتزاحِه ُم***; ح ُْزنـاً‪َ ،‬‬
‫مع‬
‫أن الزمان الذي ما زال يضحكنا***; أنــسا بقربهـم قـد عـاد يبكينا‬

‫غيظ العدا من تساقينا; الهوى ** فدعوا بأن نغص فقال الدهر آمينا‬

‫كان َم ْوصُوالً بأ ْيدِي َنا‬ ‫كان َمعقُوداً بأ َ ْنفُسِ َنا***; َوا ْن َب ّ‬


‫ت ما َ‬ ‫َف َ‬
‫انح ّل ما َ‬

‫َو َق ْد َن ُكونُ ‪َ ،‬و َما يُخ َشى َت َف ّرقُنا*** فاليو َ;م نحنُ ‪ ،‬و َما يُرْ جى َتالقي َنا‬

‫من العُت َبى أعادي َنا‬ ‫شعري‪ ،‬ولم ُنعتِبْ أعاد َيكم* َهـ ْ;ل َنـا َل َح ّ‬
‫ظا ً َ‬ ‫يـا َ‬
‫ليت‬
‫ِ‬

‫يـــرهُ دِي َنا‬ ‫*رأيـــاً‪ ،‬ولَـــ ْم َنـ َتـقـلّ ْ‬


‫ـــد َغ َ‬ ‫نعتقـــد بعدكـــ ْ;م إالّ الوفـاء ل ُكـ ْم َ‬
‫ْ‬ ‫لـم‬

‫ٍ***بـنـا;‪ ‬وال‪ ‬أن‪َ  ‬ت ُسرّوا‪ ‬كاشِ حا فِي َنا‬ ‫مـا‪ ‬حـ ّقنا‪ ‬أن‪ُ  ‬تقِرّوا‪َ  ‬‬


‫عين‪ ‬ذي‪َ  ‬ح َسد ِ‬

‫الشرح والتحليل‬
‫‪:‬الفكرة األولى‬

‫وصف للحاضر األليم‪ ،‬وتألم على الماضي الجميل‪ ،‬ويعبر عن كل ذلك من خالل أبيات تقطر‬
‫‪.‬وفاء وح ًبا وتجلدًا‬

‫يستهل الشاعر قصيدته بالتوجع والتحسر على ما صارت إليه حاله فقد تغيرت من قرب بينه وبين‬
‫محبوبته إلى بعد ونأي يتزايد مع األيام‪ .‬لقد تحول القرب‪ 8‬بعدا وصار اللقاء‪ 8‬جفاء وهو أمر يشقيه‬

‫األستاذ ‪ :‬أحمد‬
‫اللطيف‬
‫ويعذبه كما نجد الشاعر قد استخدم ألفاظا‪ 8‬جزلة في التعبير عن مدى وطول البعد وقوة الشوق‬
‫حيث استخدم ألفاظا ذات حروف ممدودة يمتد فيها ال َن َف ُ‬
‫س ليعبر عن ألمه ونجد ذلك في جميع‬
‫ألفاظ‪ 8‬البيت‪ 8‬األول‪ .‬فهو يقول إن التباعد المؤلم بينه وبين محبوبه أضحى هو السائد بعد القرب‪8‬‬
‫‪.‬الذي كان وحل مكان اللقاء والوصل الجفاء‪ 8‬والهجر‬

‫الصورة البيانية‪ 8:‬الطباق بين(التنائي والتداني"تدانينا") وبين(لقيانا‪ 8‬وتجافينا)‬

‫متابعة للفكرة التي تسيطر على هذه المجموعة من األبيات‪ 8،‬والتي يتحدث الشاعر من خاللها عن‬
‫مدى الحرقة‪ ،‬واأللم اللذين‪ 8‬أصاباه في مقتل‪ ،‬حتى أوشك على الهالك‪ .‬ولعل الشاعر قد وفق في‬
‫ً‬
‫ألفاظا‪ 8‬تعضد تلك التجربة‪8‬‬ ‫توظبف األلفاظ‪ 8‬الدالة والمعبرة عن تجربته الحزينة‪ ،‬حينما‪ 8‬استخدم‬
‫الصادقة مثل‪ :‬البين‪ ،‬والحين‪ 8،‬ولعل مما ساعد على تأجيج تلك العاطفة‪ ،‬توظيفه للغة توظيفا غير‬
‫مباشر‪ 8،‬وغير حقيقي‪ ،‬عندما أضاف الصبح للبين‪ 8،‬مع ما بين المفردتين‪ 8‬من مفارقات‪ 8،‬فالصبح‬
‫‪.‬رمز التفاؤل‪ ،‬واألمل‪ ،‬تحول عند شاعرنا‪ 8‬إلى معادل للفناء‪ ،‬والموت‬

‫الصور البيانية‪ 8:‬الجناس‪ 8‬المستوفي بين (اسم وفعل)‪ ،‬صبح‪ :‬صبحنا‪ 8،‬والجناس‪ 8‬الالحق(يكون فيه‬
‫الحين‬
‫حرفان مختلفان) بين‪ 8،‬ال َب ْين‪َ 8:‬‬

‫ال شك أن التعبير غير المباشر عن التجربة‪ 8‬الشعرية يزيدها بري ًقا‪ 8،‬وال ًقا‪ ،‬لذا نرى الشاعر في‬
‫البيت السابق يوظف االستفهام لغير ما وضع له في الحقيقة‪ 8،‬وذلك إظهار بغرض التوجع‬
‫والتحسر واأللم الذي حل به‪ ،‬ومما يدل على شدة معاناته انه راح يطلب من أي أحد أن يبلغ‬
‫أولئك الذين ألبسوه هذا الثوب؛ ثوب الحزن الدائم‪ ،‬المتجدد وابتعدوا عنه(ويقصد هنا الواشين‬
‫الذين فرقوا بينه وبين محبوبته) أن هذا الحزن مالزم له ال يفارقه حتى يهلك‪ ،‬وأن ضحكه قد‬
‫وسرورا‪ ..‬قد‬
‫ً‬ ‫تحول إلى بكاء دائم‪ ،‬و أن الزمان الجميل السابق والذي مأل حياتنا أنسا‪ 8،‬وحبورا‪،‬‬
‫تحول‪ ،‬وتبدل‪ ..‬فهو اليوم يبكينا‪ ،‬ويحزننا‪ ،‬وكأننا به وقد وصل به الضعف درجة يستعطف أولئك‬
‫‪.‬الشانئين‪ 8‬أن يرقوا لحاله‪ 8،‬وحال محبوبته وأن يتركوهما وشأنهما‬

‫تشبيه الشاعر سيطرة الحزن على نفسه باللباس‪ 8،‬أو بثوب يلبسه ويكسو جسمه‪ ،‬ال يق َد ُم وال‬
‫َي ْبلَى‪ 8،‬بل هو ُي ْبلِي ِهم ُه ْم‪ ،‬ويكون سببا في فنائهم‪ ،‬وموتهم‪ .‬أما الغرض من االستفهام في البيت‪8‬‬
‫‪.‬فهو إظهار الحزن والتوجع‬

‫كما شبه الشاعر‪ 8‬الزمان‪ 8‬بإنسان‪ 8‬مرح يضحك‪ 8،‬ويسلي‪ ،‬وهو على سبيل االستعارة المكنية‪ ،‬كما‬
‫‪.‬يوجد بين (يضحكنا‪ 8‬ويبكينا) مقابلة‬

‫ويستمر الشاعر‪ 8‬في إرسال رسائله‪ 8‬إلى محبوبته وإلى مستمعيه‪ ..‬فيقول‪ :‬بأن عذاله قد حنقوا‬
‫عليه وعلى محبوبته لما بينهما من صفاء‪ 8،‬وود‪ ،‬ومحبة‪ ،‬وأن الدهر قد استجاب لدعائهم وحقق‬
‫‪.‬لهم ما أرادوا من وقيعة بينهما فأصابهما الحزن‪ 8‬واأللم‬

‫تشخيص الدهر‪ ،‬وتشبي َه ُه باإلنسان‬


‫َ‬ ‫البعض‬
‫ُ‬ ‫تساقينا‪ 8‬الهوى‪ :‬كناية عن الود‪ ،‬وصفاء العيش‪َ ،‬‬
‫وذ َك َر‬
‫‪.‬على سبيل االستعارة المكنية‪ ،‬وهذا تشخيص في غير محله‪ ،‬ألن الدهر هو هللا‬
‫ً‬
‫ترابطا‪ 8‬بين البيت السادس‪ ،‬وبين البيت الخامس‪ 8،‬بحيث صار البيت السادس‬ ‫من الواضح أن هناك‬
‫نتيجة طبيعية لكيد العدا‪ ،‬والعذال الذين ساءهم ما كان عليه الحبيبان من وفاق‪ ،‬وصفاء‪،‬‬

‫األستاذ ‪ :‬أحمد‬
‫اللطيف‬
‫ومودة‪ ،..‬فكان نتيجة ذلك كله أن (تفرقنا‪ ،‬وتباعدنا‪ ،‬وانفرط عقد محبتنا‪ ،‬وما كان بيننا‪ 8‬من وئام‪،‬‬
‫واتفاق‪ ،‬حيث لم يكن يخطر ببال أحد منا أن يأتي هذا اليوم الحزين‪ 8،‬الذي نفترق فيه فرا ًقا ال‬
‫‪.‬يرجى من ورائه لقاء‪ ،‬أو وصال)‬

‫‪َ .‬معقُوداً بأ َ ْنفُسِ َنا‪ :‬كناية عما كان من حميمية االرتباط‪ 8‬بينهما‪ .‬معقود‪ :‬موصول‪ .‬ترادف‬

‫‪.‬طباق بين (تفرقنا وتالقينا‪) 8‬‬

‫وفي لهجة المحب المنكسر‪ ..‬والعاشق الواله‪ ،‬الذي يكتم الحسرات غصصا‪ 8‬في قلبه يخاطب‪8‬‬
‫الشاعر‪ 8،‬بل يعاتب‪ 8،‬مستخد ًما أسلوب النداء وحذف المنادى للداللة على بعده من جهة‪ ،‬وألنه علم‬
‫ومعروف‪ ،‬وليس بحاجة إلى تعريف‪( ..‬فهل نال العدا من الرضا‪ ،‬مثلما نلنا من الهجران؟!‪ 8،‬وكيف‬
‫يتم ذلك؟!! ونحن األوفياء‪ 8،‬ونحن المخلصون‪ 8‬على الرغم من هذا النأي‪ 8،‬فليس ألحد أن يمأل هذا‬
‫‪.‬الفراغ‪ 8‬الحاصل في قلبي سواكم)‬

‫استخدم الشاعر أسلوب النداء‪ ،‬المقرون بالتمني للداللة على مدى إخالصه‪ ،‬وحبه‪ ،‬كما وظف‬
‫الشاعر لغته توظيفا مجازيا‪ ،‬وغير حقيقي للتعبير‪ 8‬عما يعتلج داخل قلبه‪ ،‬حين استخدم أسلوب‬
‫االستفهام بهل إلفادة النفي‪ ،‬كما شبه الشاعر‪ 8‬الوفاء بالحبل (المعقود) على سبيل االستعارة‬
‫‪.‬المكنية‪ 8،‬و شبه الوفاء بالسيف وحذف السيف وأبقى على صفة من صفاته (التقلد)‪8‬‬

‫واليزال شاعرنا‪ 8‬يعيش تحت تأثير‪ 8‬العتاب‪ 8‬العفيف‪ ،‬الخفيف‪ ،‬فأنى لشاعر مثل ابن زيدون أن يكون‬
‫قاس ًيا على محبوبه‪ ،‬فعلى الرغم من الصد ومن الهجران‪ 8..‬فلم يشعر يو ًما بأنه ارتكب جر ًما‬
‫ب الحسو ُد وتقر عينه‪ 8،‬ويسر الشانئ‪ 8‬المبغض‪،‬‬ ‫يستحق كل هذا العذاب‪ ،‬وهذا النأي‪ ،‬حيث ُي َق َّر ُ‪8‬‬
‫ويشمت بهما!! وقد وصل به األمر حدا صار اليأس سلواه الذي يسري به عن نفسه‪ ،‬حتى‬
‫‪.‬استحكم اليأس من قلبه‪ ،‬فقد كان يظن أن اليأس ينسي الحبيب‪ 8،‬وإذا به يزيده تعلقا به‬

‫‪.‬أول مظاهر البيان‪ 8‬التي تطل علينا هو ذلك المجاز‪ 8‬المرسل‪(:‬عين‪ 8‬ذي حسد) وعالقته الجزئية‬

‫التشبيه‪ :‬حيث شبه الشاعر‬


‫اليأس‪ 8‬بالشيء الجميل‪،‬‬
‫فحذفه وأبقى صفته وهي‬
‫‪.‬اإلغراء‬

‫وهنا يفصح الشاعر عما يكنه من وفاء‪ ،‬وإخالص لوالدة ويبثها آآلمه ولوعته فقد ابتعدتم عنا‬
‫وابتعدنا عنكم‪ ،‬ونتيجة هذا البعد فقد جفت ضلوعنا‪ 8‬وما تحوى من قلب وغيره‪ ،‬واحترقت قلوبنا‬
‫بنار‪ 8‬البعد في الوقت الذي ظلت فيه (مآقينا‪ 8:‬جمع مؤق وهو مجرى العين من الدمع‪ ،‬وجانبها‪ 8‬من‬
‫جهة األنف) عيوننا تذرف الدمع من تواصل البكاء ألنه مشتاق محروم فال أقل من أن يخفف همه‬
‫‪.‬بالبكاء ويسلي نفسه بالدموع‬

‫‪،‬طباق‪( :‬ابتلت‪ 8‬وجفت)‬

‫ايضا‪ ،‬عالقته‬
‫والكناية‪ 8‬في قوله‪ :‬فما ابتلت جوانحنا‪ 8،‬كناية عن شوق الشاعر‪ ،‬وهو مجاز مرسل ً‬
‫‪.‬المحليه‪ 8‬أراد به القلب‬

‫األستاذ ‪ :‬أحمد‬
‫اللطيف‬
‫كناية عن حزن الشاعر‪( 8:‬وال جفت مآقينا)‪ 8‬واستمرار بكائه المتواصل‪ ،‬وفيه تشبيه حيث شبه‬
‫‪.‬المآقي بالنبع‪ 8،‬على سبيل االستعارة المكنية‬

‫‪.‬ومثل ذلك في (ابتلت جوانحنا)‪8‬‬

‫ويستمر الشاعر‪ 8‬في وصف الصورة الحزينة القاتمة فيقول‪ :‬يكاد الشوق إليكم يودي بحياتنا‪ 8‬لوال‬
‫التصبر والتسلي‪ 8،‬واألمل في اللقاء‪ 8،‬حينما تعود به الذكرى على األيام الخوالي‪ 8،‬فيتصور الجمال‬
‫والفتنة والحب والبهجة واألمل والسعادة‪ ،‬ويهتف ضميره باسمها‪ ،‬ويناجيها على البعد‪ ،‬ألنها‬
‫قرينة روحه‪ ،‬وصنو نفسه‪ ،‬حينما يعيش أبعاد التجربة العذبة‪ ،‬ويوازن بين ما كان عليه وما صار‬
‫إليه وتقرب روحه من مفارقة جسده بسبب‪ 8‬الحزن المفرط الذي يمأل جوانحه‪ ،‬لوال أنه يمني نفسه‬
‫‪.‬باألمل‪ ،‬ويعزي روحه عن المحنة بالتصبر‪8‬‬

‫ويشخص الضمائر‪ 8‬واألسى ويجعل للضمائر لسا ًنا يناجي‪ ،‬ولألسى قدرة على القضاء‪8،‬‬
‫َّ‬ ‫يجسد‬
‫‪.‬والقتل‪ ،‬وذلك عن طريق (االستعارة المكنية)‪ .‬التي تصور الضمائر بالناس الذين يتناجون‪8‬‬

‫ومما يزيد الصورة جماال‪،‬‬


‫وبهاء‪ ،‬استخدامه للنجوى‬
‫فيما يتعلق بالضمائر‪،‬‬
‫(تناجيكم ضمائرنا) وما‬
‫بينهما من همس‪ ،‬ورحمة‪،‬‬
‫‪.‬ومودة‬

‫وإمعانا في تجسيد معاناة الشاعر يقول‪ :‬لقد تبدلت الحياة الوادعة الهانئة الجميلة‪ 8،‬وأظلمت الدنيا‬
‫‪.‬المشرقة الباسمة المضيئة‪ ،‬فجللها السواد وعمها الظالم ببعد والدة‬

‫الصور البيانية‪ 8:‬المقابلة من خالل الكلمات ( أيامنا‪ 8‬فغدت سوادا ‪ -‬وكانت بكم بيضا‪ 8‬ليالينا)‪،‬‬
‫بيضا‪8‬‬
‫‪.‬والطباق بين سودا‪ً :‬‬

‫واضحا‪ ،‬وما ذاك إال ألن بعضها قد ترتب على بعض‪ ،‬وصار بعضها‬ ‫ً‬ ‫ويبدو الترابط‪ 8‬بين األبيات‪8‬‬
‫يكمل بعضها اآلخر ويترتب عليه في المعنى‪ ،‬ففي هذا البيت‪ 8‬يتذكر أيامه الهانئة‪ 8‬مع محبوبته حيث‬
‫كانت الحياة صافية متفتحة‪ 8،‬وحيث كانا يجنيان ثمار الحب ما يشاءان‪ ،‬ومتى يشاءان‪ ،‬فهو يقول‬
‫أن عيشنا الماضي كان طل ًقا (مشر ًقا) من شدة األلفة بيننا‪ ،‬وقوة الترابط‪ 8،‬حيث اللهو‪ ،‬والسمر‬
‫فيما بينهما‪ ،‬ال يعكر هذه األجواء الوادعة حزن‪ ،‬وال هم‪ ،‬وال شقاق‪ ،‬وال خالف‪ ،‬ولهذا فهو صاف‬
‫‪.‬مثل المورد العذب الجميل‪ ،‬من شدة التصافي‪ 8،‬وخلو المودة مما يكدرها‬

‫العيش طلق) كناية عن الهناء ورغد العيش‪ 8،‬كما شبه اللهو بالمورد العذب من باب االستعارة‬
‫‪.‬المكنية‬

‫‪(.‬الجناس بين‪( 8:‬صاف ‪ -‬وتصافينا‬

‫واستكماال للوحة الذكريات الجميلة الفاتنة‪ ،‬يستحضر‪ 8‬الشاعر‪ 8‬تلك المشاهد الرائعة التي عاشها مع‬
‫‪.‬والدة‪ :‬فقد كنا نستميل أصناف الوداد‪ ،‬والحب‪ ،‬والوصال المتنوعة‪ ،‬فنقطف منها ما نشاء‬

‫األستاذ ‪ :‬أحمد‬
‫اللطيف‬
‫ولعل هذا البيت‪ 8‬قد اشتمل على صورة من أجمل صور الوداد حين شبه لنا الشاعر‪ 8‬أصناف‬
‫الوصل‪ ،‬والحب‪ ،‬والوداد باألعناب‪ 8‬الدانية القطاف‪ ،‬أو الثمار‪ 8‬الدانية القطاف والتي في متناول‬
‫اليد‪ ،‬والتي يتناول منها المرء ما يشاء‪ ،‬ومتى شاء‪ ،‬وال إخالها‪ 8‬إال صورة جميلة مستوحاة من‬
‫جمال الطبيعة األندلسية الفاتنة‬

‫ويحلق الشاعر في عالم من الخيال‪ ،‬ويطوف به طائف من الذكرى الحلوة‪ ،‬فيدعو لعهد الوفاء‬
‫بينهما بالحياة‪ 8،‬والتجدد‪ ،‬والنماء‪ ...‬ألنه عاش فيه وصفت روحه به‪ ،‬وتلقى من محبوبته مشاعل‬
‫األمل وحب الحياة‪ ..‬وهو دعاء يكشف عن الحنين إلى العهد الماضي‪ 8،‬وعن جمال الذكرى‪ ،‬وإذا‬
‫كان الفراق يغير المحبين‪ 8،‬ويجعلهم ينسون حبات قلوبهم فلن يستطيع أن ينسى الشاعر‪ 8‬هواه‪ ،‬بل‬
‫يزيده البعد وفاء وإخالصا‪ ،‬فما زالت‪ 8‬أمانيه متعلقة بوالدة وهواه مقصورا عليها فقد كانت‬
‫‪.‬الرياحين‪ 8‬لروحه وما زالت كذلك‬

‫ومن جماليات‪ 8‬البيت السابق‪ ،‬خروج الخبر‪ 8‬عن مقتضى ظاهره وهو جملة فعلية (يسقى عهدكم)‬
‫إلى اإلنشاء‪ 8،‬أو الدعاء‪ ،‬حيث استخدام الفعل المضارع‪ 8‬الذي تحول مع الم األمر (ليسق) وقصد به‬
‫الدعاء‪ 8،‬والغرض منه الحنين‪ 8،‬وشبه محبوبته والدة بالرياحين وهذا من باب التشبيه‪ 8‬البليغ‪ 8‬الذي‬
‫حذف طرفاه‪ ،‬ويوجد بين أرواحنا ورياحينا‪ :‬جناس ناقص‪ ،‬كما يوجد إستعارة مكنية في قوله‪:‬‬
‫‪(.‬ليسق عهدكم)‪ :‬حيث صور العهد‪ ،‬والزمان‪ 8‬بالبستان‪ 8‬الذي يسقى‬

‫وفي محاولة من الشاعر السترضاء محبوبته‪ ،‬واستدرار عطفها‪ ،‬يرسم لنفسه صورة مثالية‪8،‬‬
‫ووضيئة‪ ،‬فهو من طينة ليست كطينة باقي المحبين‪ 8،‬الذين يغيرهم البعد‪ ،‬فعلى الرغم مما حصل‬
‫ً‬
‫نحافظا‪ 8‬على حبال الود‪ ،‬والوصل‬ ‫‪.‬بينهما إال أنه ما يزال‬

‫سا‪ 8‬لها‪ ،‬إال أن‬


‫وعلى الرغم من عدم وجود المحسنات‪ 8،‬أو الصور البيانية التي تعتمد التشبيه أسا َ‬
‫الشاعر استطاع‪ 8‬ومن خالل توظيفه اللغوي‪ ،‬أو عملية النظم‪ 8،‬والتأليف‪ 8،‬استطاع أن يرسم لنفسه‬
‫‪.‬تلك الصورة المثالية‪ 8،‬والمغايرة لباقي العشاق‪ ،‬والمحبين‬

‫وزيادة في حب الوصال‪ ،‬راح الشاعر يرسل رسائل الطمأنة لمحبوبته‪ 8،‬فهو يقسم لها باهلل بأن‬
‫قلبه لن يتعلق بغيرها ولم تتحول أمانيه عن حبها‪ ،‬ولقد كان اختيار الشاعر لكلمة (أرواحنا)‪8‬‬
‫موفقا إلى حد كبير‪ ،‬حيث ذكرت إحدى الروايات‪ 8‬كلمة (أهواؤنا) بدل (أرواحنا)‪ 8،‬على ما بينهما‪ 8‬من‬
‫‪.‬فوارق بين األرواح‪ ،‬واألهواء‬

‫االستعارة المكنية في قوله‪( :‬انصرفت عنكم أمانينا)‪ 8:‬حيث صور األماني بإنسان ينصرف فحذف‬
‫‪.‬المشبه به وأبقى شيء من لوازمه‬

‫األستاذ ‪ :‬أحمد‬
‫اللطيف‬

You might also like