Professional Documents
Culture Documents
إشكالية الأدب الرقمي - قراءة في الوسائط التواصلية PDF
إشكالية الأدب الرقمي - قراءة في الوسائط التواصلية PDF
اإلشكالية اعتمدت الدراسة على منهجية بحثية وصفية ،تستهدف مقاربة الخصائص
املكونة لألدب الرقمي في عالقته بالوسائط التواصلية ،وكشف ارتباطاتها البنيوية ،ولفت
النظر إلى أبعادها املختلفة.
/تحديد املفاهيم األولية :
/مفهوم األدب الرقمي :البد أن نشير بداية إلى أن هذا املصطلح قد طاله ما
ُ ْ ََ
طال غيره من املصطلحات املعربة ،أو املشكل ِة ،من تعدد املصطلحات ،وبالتالي تعدد
املفاهيم ،وإن كانت -في مجموعها -لها وشائج متينة بعضها ببعض ،فاملطلع على الدراسات
التي تناولت األدب الرقمي يجدها تستعمل للداللة على املصطلح السابق تسميات من مثل
:األدب التفاعلي ،األدب السمعي والبصري ،األدب الديجيتالي ،األدب اإللكتروني ،األدب
الحاسوبي ،األدب اللوغاريتمي ،األدب املترابط واملتشعب والفائق واملفرع وغيرها ...وهذا
ما حدا بالناقدة فاطمة البريكي أن تقدم توصيفا عاما ألهم املصطلحات املستخدمة في
الساحة الثقافية العلمية ،حيث تناولتها تناوال مفاهيميا ،لتظهر أوجه االختالف والتباين
بينها ،وإن كانت تدور جميعها في فلك افتراض ي واحد :
أ /األدب الرقمي :وهو األدب الذي يقدم على شاشة الحاسوب ،التي تعتمد
الصيغة الرقمية الثنائية ( )1/0في التعامل مع النصوص أيا كانت طبيعتها ،أي أنه ذو طابع
لوغاريتمي منطقي يتعامل بنسق عددي ثنائي فقط ،فلو غيرنا -ببرنامج معين -تراتبية
األعداد لنص معين ،لتغير كليا من حيث انتظام الحروف والكلمات والجمل.
ب /األدب السمعي والبصري :هو الذي يدعمه مؤلفه بالصوت والصورة
والرسوم والحركات؛ التي تمثل الكلمات ،بحيث ال ُيقرأ النص فقط ،وإنما ُيسمع ُويشاهد
أيضا ،أي أنه يجمع بين ما هو سمعي وما هو بصري في إطار رقمي واحد ،يندمجان معا
لتحقيق الوظيفة الرقمية.
ج/األدب التفاعلي :
وهو األدب الذي يوظف معطيات التكنولوجيا الحديثة ،ما يتيح تقديم جنس أدبي
جديد يجمع بين التقنية واألدب ،وال يمكن لهذا النوع من الكتابة األدبية أن يتأتى ملتلقيه
إال عبر الوسيط اإللكتروني ،وتتحدد صفه التفاعلية فيه على حسب مساحات التلقي
أي أن األدب الرقمي هو شكل أدبي مستحدث جاء نتيجة التطورات التكنولوجية املعاصرة،
يستهدف توظيف اإلمكانات املتاحة للحاسوب من خالل فضائه االفتراض ي ،فهو بهذا املعنى
امتداد طبيعي لألدب الكالسيكي؛ القائم على الشفوية والكتابية ،وممكن بعض املؤثرات
الصوتية في اإلنشاد خاصة ،وهو ينتقل عبر الوسائط اإلعالمية التقليدية ( الكتب،
الجرائد ،املجالت ،مطبوعات)...
وبعد هذه اإلشارت املتعلقة بالجانب املصطلحي ،نحاول تقديم تعريف لألدب
الرقمي ،من خالل املعطيات املفهومية السابقة ،ترى فاطمة البريكي أنه « جنس أدبي جديد
ظهر على الساحة األدبية ،يقدم أدبا جديدا يجمع بين األدبية والتكنولوجية ،وال يمكن
ّ
لهذا النوع من الكتابة األدبية أن يتأتى ملتلقيه إال عبر الوسيط اإللكتروني ،من خالل
الشاشة الزرقاء املتصلة بشبكة اإلنترنيت العاملية ،ويكتسب هذا النوع من الكتابة األدبية
صفة التفاعلية بناء على املساحة التي يمنحها للمتلقي ،والتي يجب أن تعادل أو تزيد عن
مساحة املبدع األصلي للنص » ( )3في حين يعرفه سعيد يقطين بأنه « مجموع اإلبداعات
واألدب من أبرزها التي تولدت مع توظيف الحاسوب ،ولم تكن موجودة قبل ذلك ،أو
تطورت من أشكال قديمة ولكنها اتخذت مع الحاسوب صورا جديدة في اإلنتاج والتلقي »
بأنه « ذلك األدب السردي أو الشعري أو الدرامي ،الذي يستخدم ( )4ويعرفه جميل حمداوي َّ
اإلعالميات في الكتابة واإلبداع ،أي يستعين بالحاسوب أو الجهاز اإلعالمي من أجل كتابة
َّ
نص أو مؤلف إبداعي » ( ،)5من التوصيفات السابقة يتبين لنا أن األدب الرقمي هو شكل
من الكتابة األدبية /الشعرية ال يتجلى إال في الوسيط االلكتروني معتمدا في ذلك على
التقنيات التي توفرها التكنولوجيا الحديثة بوسائطها املتعددة ،والتي تسهم في ابتكار أنواع
يعد آخر ما وصلت إليه العالقة بين اإلبداع األدبي والوسيط مختلفة من النصوص ،وهو ُّ
التكنولوجي ،هذا من جهة ومن جهة ثانية ،أن الوسيط التقني ( التكنولوجي ) فرض العديد
من السبل املتاحة لصياغة جديدة لألفكار ( مزيج بين الكلمة والعناصر األخرى ) ( ، )6التي
تمثل للكاتب والقارئ كيانات افتراضية؛ تظهر وتختفي في ملح البصر ،قابلة للتخزين
واالستعادة ،فهي بهذا املعنى – ال كاألدب الطباعي املكتوب يدويا – تفتقر لعنصر الثبات
واالستقرارـ فبمجرد انقطاع التيار الكهربائي ،يستبدل اليقين النسخي الطباعي بالشك
اإللكتروني الرقمي ،فهي « بنية غير ثابتة ،بل متحركة متموجة أبدا ،دون بداية أو نهاية »
()7
وفي هذا السياق البد من التمييز بين األدب الرقمي واإللكتروني ،وإن كانا من
الناحية اللغوية واإلعالمية متقاربين؛ فاألدب الرقمي هو منتج رياض ي لوغاريتمي ،فهو
خاضع -بهذا املعنى – للحوسبة والبرمجة اإلعالمية ،ذات الهندسة الداخلية للحاسوب أو
الهواتف الذكية ،في حين أن األدب اإللكتروني ( هي تسمية انتشرت بصفة كبيرة وعلى
نطاق واسع في الساحة اإلعالمية الفرنسية ما بين 1980و )1990هو كتابة خارجية مرتبطة
باإلنسان كفاعل مباشر ،وضابطها أنها يمكن أن تكتب ورقيا كما تكتب رقميا ،فهي بهذا
املعنى إنتاج إعالمي خارجي ،وفي هذا سياق نستطيع أن « نميز بين القصيدة الرقمية
والقصيدة اإللكترونية ،فاألولى خاضعة لبرمجة حاسوبية دقيقة ،وهندسة برمجية معقدة
وصعبة ،في حين ترتبط الثانية بالنشر اإللكتروني السطحي املباشر» ()9
وال يتم الكالم عن األدب الرقمي إال باإلشارة إلى خصائص الوسيط اإلعالمي،
ولو باختصار ،وهي كالتالي :
/1اللوغاريتمية :يقوم األدب الرقمي على نسق رياض ي منطقي ،أي أن املحتوى
الرياض ي هو املتحكم في إنتاج نصوص األدب الرقمي ،في مختلف تجلياته السطحية
والعميقة ،وهذه اللوغاريتيمة هي املوكل إليها نقل املنجز األدبي من العالم البياني الواقعي
إلى العالم االفتراض ي اإللكتروني ( البصري ،السمعي ) ،فهي حضور معطيات وبيانات الداتا
( ،)dataالقائمة على االزدواج الرقمي ( ،)1/0ولهذا ال يمكننا فهم األدب الرقمي إال في ظل
املعطيات الرياضية املتأرجحة بين ( )0و( ،)1ذات الطبيعة الحاسوبية والسننية ،بحيث
تصبح األعداد هي من تصنع األحداث والنصوص واملواقف ،فهي على حد تعبير أحدهم
معادلة بها « األصفار تصبح أبطاال ،واألبطال تصبح أصفارا » ()10
توقعه ،فالقصيدة العمودية تأتي بنظام واحد يعتمد على الشطرين وعلى القافية املوحدة
وعلى اإليقاع املتجانس واملتوالي ،بحيث يتم إنتاجها « في ترتيب محدد ،فيكون للنص بداية
ووسط ونهاية ،وال يمكن للقارئ تعديل هذا الترتيب ،فعليه أن يبدأ النص من بدايته،
وينتهي في النهاية املرسومة له ،ويرتبط هذا النص املطبوع بالنصوص األخرى من خالل
الهوامش السفلية ،أو الفهارس التي تحيله إلى نص آخر يقرؤه بالطريقة نفسها ،فالنص
املطبوع إذن تتم كتابته وقراءته على السواء ،بطريقة متتابعة أو خطية » ( )12إلى نوع آخر
من األدب ،الذي يخاطب العين ،لكن بنظام أيقوني مفارق ،معتمد على تقنية تبئير الفضاء
الطباعي ،وتجسيم الكيان اللغوي لألدب كما في القصيدة الكونكريتية ( poésie
،)concréteفهي تكاد تكون ملموسة ،ألنها تتعامل مع الخط والرسم والكرافيك والتشكيل
والتلوين ،بحيث يتقابل فيها عاملان « العالم اللغوي ذو الطابع اإلنشادي واإليقاعي ،والعالم
الكاليغرافي املشكل بالحروف املخطوطة واألشكال البصرية املتنوعة ضمن ألوان مختلفة
تتجاوز ثنائية البياض والسواد » ( ،)13وهذا النوع من الشعر كان له ما يشبهه في التراث
يخص النصوص الدينية والصوفية ،وبخاصة الرمزية الحرفية ُّ املغاربي واألندلس ي ،فيما
والعددية ،وإن كانت هناك محاوالت مبكرة في املشرق ممثلة في رسائل إخوان الصفا،
ورسائل ابن مقلة ،وفي بعض الكتب األدبية كأدب الكاتب للصولي وصبح األعش ى
للقلقشندي واالقتضاب في شرح أدب الكتاب للسيد البطليوس ي ،وإن كانت تطرقهم لها
هو من باب التزيين والتحبير في الخط والكتابة ،أما في العصر الحديث فلعل الساحة
اإلبداعية الغربية قد ساهمت إسهاما كبيرا في تخريج نماذج مميزة من القصائد
الكونكريتية ،والتي ألفها أصحابها على شكل عناوين قصائدهم ،من مثل :قصيدة الحمام
وقصيدة النسر وقصيدة برج إيفل ألبولينير.
أما في الساحة اإلبداعية العربية فيظهر أن التجربة املغربية رائدة في هذا املجال،
وإن كان هناك من سبقها من املشارقة كأدونيس وصادق الصائغ وغيرهما ،وفيما يلي
قصيدة (( :هذا قبر املرحوم )) للشاعر العراقي صادق الصائغ ،التي جسدت قبرا يعلوه
الصليب (: )14
لالنتصار ،وكيف يستطيع الشاعر أن يبدع قصيدة من وحي لوحة لرسام يقرأ فيها ألف
رسالة وألف معنى ،ولعل أشهر ما نمثل به هو تلقي الشعراء للوحة املوناليزا ،واختالفهم في
تصوير مالمح الجوكندا الحزينة وابتسامتها الغامضة وجلستها بين الصخور ،نذكر منهم
(إدوارد دوامردن) و(والتر هوراشيو باتر) و(مايكل فيلد) و(فرشليكي) و(مانويل ماتشادو)
و(هيرمان كالوديوس) ،واألمر نفسه مع املوسيقى؛ حيث ظهر تجسيد شعري بديع لكثير من
املقطوعات والسمفونيات الخالدة لبيتهوفن ،كسمفونية القدر ،التي تبدأ بضربات طبل
متسارعة قوية ،تذكرنا بحتمية القدر ووجوب وقوعه وعجز اإلنسان عن الوقوف أمامه أو
تغيير مساره ،كما فعل الشاعر األملاني ( شيلر).
إن حضور هذه األجناس والفنون الجميلة في آن معا يجمع بين النص والرسم
تلق من نوع خاص ،لهذا الكون النص ي
واملوسيقى واأللوان والحركة يضع املتلقي إزاء عملية ٍ
املتعدد املتشابك ،الذي ال يفتقد غير صوت اإلنسان..
ولعل عالقة الفنون بعضها ببعض يمكن أن يرجع إلى االعتبارات التالية :
ـ استضافة عمل فني لعمل فني آخر.
ـ استلهام عمل فني لعمل فني آخر.
ـ استيعاب عمل فني لعمل فني آخر.
ـ االنصهار الكامل ،املتمثل في تكنولوجيا الوسائط املتعددة.
هذا االعتبار األخير هو أعقد هذه األنظمة من حيث استناده على البعد التقني
التكنولوجي ،القائم على تحويل أنساق الفنون كاملسموعات واملبصرات إلى سالسل
محكومة بقيمتي الصفر والواحد ( ،)1/0بحيث أضحى التماهي كليا بين هذه الوسائط ،ال
تفك إحداها عن األخرى ،في خضم سيولة رمزية متشابكة ،تتضافر جميعها تستطيع أن َّ
في إعطاء هوية جديدة لطبيعة األدب في سياقه الرقمي ،ما يستدعي ضرورة مواكبة هذا
األدب بتصورات جديدة تأخذ على عاتقها مقاربات نقدية رقمية أيضا ،تأخذ بعين االعتبار
ما تفعله التكنولوجيا الحالية واملستقبلية في النصوص األدبية الرقمية ،من التشعب
والتشظي والتشيؤ.
ُ - 1ينظر :فاطمة البريكي ،مدخل إلى األدب التفاعلي ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،الدار البيضاء ،املغرب،
،2007ص.11
ي
- 2جميل حمداو ،األدب الرقمي بين النظرية والتطبيق ( نحو املقاربة الوسائطية ) ،مؤسسة املثقف العربي
،almothaqaf.comط ،2016 ،01ص.13
- 3نبيل علي ،الثقافة العربية وعصر املعلومات ،عالم املعرفة ،املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب،
الكويت ،يناير ،2001ص .523
- 4فاطمة البريكي ،مدخل إلى األدب التفاعلي ،مرجع سبق ذكره ،ص .49
- 5من النص إلى النص املترابط( مدخل إلى جماليات اإلبداع التفاعلي) ،املركز الثقافي العربي ،بيروت ،لبنان،
،2005ص.10
- 6جميل حمداوي ،األدب الرقمي بين النظرية والتطبيق ( نحو املقاربة الوسائطية ) ،مرجع سبق ذكره ،ص.18
VOIR : pierre levy, littérature et cybe culture, paris, allimard, 2008,p06 - 7
ُ - 8ينظر :مدخل إلى األدب التفاعلي ،مرجع سبق ذكره ،ص54 ،53
- 9جميل حمداوي ،األدب الرقمي بين النظرية والتطبيق ،مرجع سبق ذكره ،ص13
- 10الطيب بودربالة " :سيميائية وسائل اإلعالم مارشال ماكلوهان – أنموذجا – " ،محاضرات امللتقى الوطني
الثالث :السيمياء والنص األدبي ،منشورات جامعة محمد خيضر ،بسكرة ،2004 ،ص .02
- 11ميجان الرويلي وسعد البازعي ،دليل الناقد األدبي ( إضاءة الكثر من سبعين تيارا ومصطلحا نقديا معاصرا
) ،املركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء ،املغرب ،ط ،2002 ،03ص.270
- 12حنا جريس " :الهيبرتكست عصر الكلمة اإللكترونية" ،مجلة العربي ،وزارة اإلعالم دولة الكويت ،ع،544
مارس ،2004ص .148 ،147
- 13جميل حمداوي ،القصيدة الكونكريتية في الشعر العربي املعاصر ( القصيدة املغربية أنموذجا) ،مؤسسة
املثقف العربي ،almothaqaf.comط ،2016 ،02ص 07
- 14املرجع نفسه ،ص .26
- 15بابيس ديرميتراكيس " :النص التشعبي :ما وراء حدود النص " ،النقد األدبي على مشارف القرن الواحد
والعشرين :العوملة والنظرية األدبية ،أعمال املؤتمر الدولي الثاني للنقد األدبي ،القاهرة ،مصر ،نوفمبر،2000 ،
ص .353
- 16نبيل علي ،الثقافة العربية وعصر املعلومات ،مرجع سبق ذكره ،ص .501 ،500