You are on page 1of 16

‫المدونة‬ ‫إشكالية األدب الرقمي‬

‫إشكالية األدب الرقمي – قراءة في الوسائط التواصلية –‬


‫د‪ /‬طارق زيناي‬
‫املركز الجامعي *ميلة *‬
‫امللخص‪:‬‬
‫إن التكنولوجيا والتقنية‪ ،‬قد ضمنت لها مكانة مرموقة في‬ ‫أصبح من نافلة القول َّ‬
‫الواقع العلمي املعاصر‪ ،‬حيث امتد تأثير وسائلهما إلى كل مجاالت الحياة اليومية‪ ،‬فأصبح‬
‫إنسان القرن الواحد والعشرين كائنا رقميا ال يستطيع أن يتنفس خارج هذا الفضاء‬
‫االفتراض ي‪ ،‬ولعل أبرز تجلياتهما في املعطى اإلبداعي؛ هو ظهور ما يسمى باألدب الرقمي في‬
‫مختلف أجناسه وتمظهراته‪ ،‬الذي أضحى بديال تقنيا مفروضا‪ ،‬تم استيعابه وبناء تصورات‬
‫ومفاهيم عديدة‪ ،‬تتقاطع مع مجاالت علمية ومعرفية ال حصر لها‪ ،‬كانت فيما مض ى‬
‫تنحصر في الفضاء الواقعي ( امللموس )‪ ،‬فأصبحنا نسمع عن النقد الرقمي والثقافة‬
‫الرقمية واملوجهات ( املؤثرات ) الرقمية وغيرها‪...‬من هذا املنطلق جاءت رغبتنا في محاولة‬
‫مقاربة األدب الرقمي باعتباره قضية إشكالية مفروضة‪ ،‬عندما يتم تناولها في مقابل األدب‬
‫التقليدي ( الورقي )‪ ،‬وستركز الدراسة على الوسائط التواصلية املختلفة التي تدخل في‬
‫عملية إنتاج األدب الرقمي؛ كالوسيط اللغوي‪ ،‬والطباعي‪ ،‬والصوتي‪ ،‬واإلعالمي‪ ،‬ودور كل‬
‫واحد منها في التشكيل امليديولوجي لألدب الرقمي‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية ‪ :‬األدب الرقمي؛ الوسائط؛ التواصل؛ التفاعل؛ الطباعي؛‬
‫السمعي؛ البصري؛ الصوتي؛ اإلعالمي‪.‬‬
‫‪Abstract :‬‬
‫‪It has become necessary to say that technology and technology have‬‬
‫‪secured a prominent place in the contemporary scientific reality, where the‬‬
‫‪influence of its means extended to all areas of daily life, the human being of‬‬
‫‪the twenty-first century a digital entity can not breathe outside this virtual‬‬
‫‪space, and perhaps the most prominent manifestations in the creative Is the‬‬
‫‪emergence of so-called digital literature in its various aspects and‬‬
‫‪manifestations, which has become a parallel technical alternative, has been‬‬
‫‪absorbed and the construction of many perceptions and concepts, intersect with‬‬
‫‪countless scientific and cognitive fields, which were once confined to the real‬‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪489‬‬ ‫مجلة " المدوّنة"‬


‫د‪ /‬طارق زيناي‬ ‫المدونة‬
‫‪space (concrete), we hear about digital criticism And slavery culture And‬‬
‫‪digital orientations ... In this sense, we wanted to try to approach digital‬‬
‫‪literature as a problematic issue imposed when compared to traditional‬‬
‫‪litterature. The study will focus on the different communicative media‬‬
‫‪involved in the production of digital literature; Linguistic, typographical,‬‬
‫‪audio, and media medium, and the role of each in the mediological formation‬‬
‫‪of digital litterature.‬‬
‫‪Keywords:‬‬
‫;‪digital litterature; media; communication; interaction; typography‬‬
‫‪audio; visual; audio‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫مر – في تطوره ‪ -‬بمراحل تواصلية متعددة‬ ‫إن املتأمل للعقل اإلنساني يجده قد َّ‬ ‫َّ‬
‫على حسب مساره التاريخي والحضاري‪ ،‬بدءا بالعصر األسطوري؛ الذي كان يتواصل أو‬
‫يتعامل مع األشياء ومع مظاهر الكون تواصال خرافيا ساذجا‪ ،‬ال يتكئ على أي خلفية علمية‬
‫أو دينية‪ ،‬ثم العصر الالهوتي أو الديني؛ حيث أصبح اإلنسان محكوما بمنظومة غيبية‪ ،‬هي‬
‫من توجه تصوراته وسلوكاته املختلفة‪ ،‬مرورا بعصر التطورات العلمية؛ يقينية كانت أم‬
‫نسبية‪ ،‬والتي تطغى فيها النزعة العقلية ( التعليلية والتجريبية والوضعية )‪ ،‬وانتهاء بالعصر‬
‫الذي نعيشه؛ عصر الثورة املعلوماتية أو الرقمية أو التقنية‪ ،‬والتي تغيرت فيها معادلة‬
‫العملية التواصلية بين اإلنسان واإلنسان أو الكون إلى التواصل بين اإلنسان واآللة‪ ،‬وأصبح‬
‫الحاسوب هو البديل للثقافة الورقية ووسائلها التقليدية‪ ،‬منذ خمسينات القرن املاض ي‪،‬‬
‫وقد ظهر األدب الرقمي نتيجة لهذا الزخم التقني الرهيب‪.‬‬
‫وقبل التطرق لبعض املفاهيم واملصطلحات املفصلية املرتبطة رأسا بقضية‬
‫األدب الرقمي‪ ،‬البد من تحديد إشكالية واضحة تحاول هذه الدراسة اإلجابة عنها‪ ،‬تتمثل‬
‫مفهوم‬
‫ٍ‬ ‫في التساؤل عن طبيعة التحوالت التي أحدثتها التطورات التكنولوجية الحديثة على‬
‫َ‬
‫تواصلية موازية‪ ،‬تخرج بثالثية العملية اإلبداعية‬
‫ٍ‬ ‫متعلق بوسائط‬
‫ٍ‬ ‫جديد لألدب‪،‬‬
‫ٍ‬
‫الكالسيكية ( املؤلف‪ ،‬النص‪ ،‬القارئ) إلى ثالثية إبداعية أخرى مرتبطة كلها بوصف‬
‫الطبيعة الرقمية املوجهة للعملية اإلبداعية ابتداء وانتهاء‪ ،‬أو بمعنى آخر كيف استطاعت‬
‫وسائل التواصل التقنية والرقمية الحديثة التعامل مع األدب‪ ،‬وتطويعه حتى يتماش ى مع‬
‫خصائص الكتابة الرقمية والتلقي الرقمي‪ ،‬وفق الوسائط التواصلية؟ ولإلجابة عن هذه‬

‫ربيع األول ‪١٤٣٩‬هـ الموافق لـ‪:‬ديسمبر ‪2017‬م‬ ‫‪490‬‬ ‫مجلة المدونة‬


‫المدونة‬ ‫إشكالية األدب الرقمي‬

‫اإلشكالية اعتمدت الدراسة على منهجية بحثية وصفية‪ ،‬تستهدف مقاربة الخصائص‬
‫املكونة لألدب الرقمي في عالقته بالوسائط التواصلية‪ ،‬وكشف ارتباطاتها البنيوية‪ ،‬ولفت‬
‫النظر إلى أبعادها املختلفة‪.‬‬
‫‪/‬تحديد املفاهيم األولية ‪:‬‬
‫‪/‬مفهوم األدب الرقمي ‪ :‬البد أن نشير بداية إلى أن هذا املصطلح قد طاله ما‬
‫ُ ْ ََ‬
‫طال غيره من املصطلحات املعربة‪ ،‬أو املشكل ِة‪ ،‬من تعدد املصطلحات‪ ،‬وبالتالي تعدد‬
‫املفاهيم‪ ،‬وإن كانت‪ -‬في مجموعها ‪ -‬لها وشائج متينة بعضها ببعض‪ ،‬فاملطلع على الدراسات‬
‫التي تناولت األدب الرقمي يجدها تستعمل للداللة على املصطلح السابق تسميات من مثل‬
‫‪ :‬األدب التفاعلي‪ ،‬األدب السمعي والبصري‪ ،‬األدب الديجيتالي‪ ،‬األدب اإللكتروني‪ ،‬األدب‬
‫الحاسوبي‪ ،‬األدب اللوغاريتمي‪ ،‬األدب املترابط واملتشعب والفائق واملفرع وغيرها‪ ...‬وهذا‬
‫ما حدا بالناقدة فاطمة البريكي أن تقدم توصيفا عاما ألهم املصطلحات املستخدمة في‬
‫الساحة الثقافية العلمية‪ ،‬حيث تناولتها تناوال مفاهيميا‪ ،‬لتظهر أوجه االختالف والتباين‬
‫بينها‪ ،‬وإن كانت تدور جميعها في فلك افتراض ي واحد ‪:‬‬
‫أ‪ /‬األدب الرقمي‪ :‬وهو األدب الذي يقدم على شاشة الحاسوب‪ ،‬التي تعتمد‬
‫الصيغة الرقمية الثنائية (‪ )1/0‬في التعامل مع النصوص أيا كانت طبيعتها‪ ،‬أي أنه ذو طابع‬
‫لوغاريتمي منطقي يتعامل بنسق عددي ثنائي فقط‪ ،‬فلو غيرنا ‪ -‬ببرنامج معين ‪ -‬تراتبية‬
‫األعداد لنص معين‪ ،‬لتغير كليا من حيث انتظام الحروف والكلمات والجمل‪.‬‬
‫ب‪ /‬األدب السمعي والبصري‪ :‬هو الذي يدعمه مؤلفه بالصوت والصورة‬
‫والرسوم والحركات؛ التي تمثل الكلمات‪ ،‬بحيث ال ُيقرأ النص فقط‪ ،‬وإنما ُيسمع ُويشاهد‬
‫أيضا‪ ،‬أي أنه يجمع بين ما هو سمعي وما هو بصري في إطار رقمي واحد‪ ،‬يندمجان معا‬
‫لتحقيق الوظيفة الرقمية‪.‬‬
‫ج‪/‬األدب التفاعلي ‪:‬‬
‫وهو األدب الذي يوظف معطيات التكنولوجيا الحديثة‪ ،‬ما يتيح تقديم جنس أدبي‬
‫جديد يجمع بين التقنية واألدب‪ ،‬وال يمكن لهذا النوع من الكتابة األدبية أن يتأتى ملتلقيه‬
‫إال عبر الوسيط اإللكتروني‪ ،‬وتتحدد صفه التفاعلية فيه على حسب مساحات التلقي‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪491‬‬ ‫المجلد الرابع (العدد الثاني)‬


‫د‪ /‬طارق زيناي‬ ‫المدونة‬
‫ولعل اختيار تسمية األدب الرقمي هي األقرب للصواب‪ ،‬بحكم‬ ‫وصوره ومستوياته (‪َّ ) 1‬‬
‫طبيعته ذات املنزع الرياض ي واللوغاريتمي املرتبط باألرقام الثنائية‪ ،‬وهي بهذا لها ارتباط‬
‫واضح بالوسيط اإلعالمي‪ ،‬وإن كانت تسمية التفاعلي ال تقل مقبولية عن تسمية األدب‬
‫الرقمي‪ ،‬بحكم التفاعل الداخلي ( العالقة بين الروابط النصية والوسائط التواصلية‬
‫املختلفة )‪ ،‬والتفاعل الخارجي ( أطراف العملية اإلبداعية)‪.‬‬
‫تعد من بين أهم الوظائف األدبية‪ ،‬بحيث هي‬ ‫من املعلوم أن الوظيفة التواصلية ُّ‬
‫عال ال يخرج عن‬ ‫كتجل تقني ٍ‬
‫ٍ‬ ‫املوكل إليها مهمة اإلعالم واإلخبار والتبليغ‪ ،‬واألدب الرقمي‬
‫هذه الدائرة بوصفه يتشكل كوسيط تواصلي بين املرسل واملرسل إليه من جهة‪ ،‬بل ويدخل‬
‫هو في حد ذاته في العملية الحاسوبية كمعطى متحول من عالم الورق إلى عالم الشاشة‬
‫اإللكترونية اآللية الحسابية‪ ،‬ويرجع هذا ملا توفره « تكنولوجيا املعلومات من وسائل عدة‬
‫الستظهار شبكة العالقات التي يموج بها النص من عالقات لغوية ‪ :‬نحوية ومنطقية‪،‬‬
‫وإيقاعية وتركيبية‪ ،‬ومعجمية وموضوعية‪ ،‬ومفاهيمية‪ ،‬ومقامية‪ ،‬وزمنية ومكانية » (‪)2‬‬

‫أي أن األدب الرقمي هو شكل أدبي مستحدث جاء نتيجة التطورات التكنولوجية املعاصرة‪،‬‬
‫يستهدف توظيف اإلمكانات املتاحة للحاسوب من خالل فضائه االفتراض ي‪ ،‬فهو بهذا املعنى‬
‫امتداد طبيعي لألدب الكالسيكي؛ القائم على الشفوية والكتابية‪ ،‬وممكن بعض املؤثرات‬
‫الصوتية في اإلنشاد خاصة‪ ،‬وهو ينتقل عبر الوسائط اإلعالمية التقليدية ( الكتب‪،‬‬
‫الجرائد‪ ،‬املجالت‪ ،‬مطبوعات‪)...‬‬
‫وبعد هذه اإلشارت املتعلقة بالجانب املصطلحي‪ ،‬نحاول تقديم تعريف لألدب‬
‫الرقمي‪ ،‬من خالل املعطيات املفهومية السابقة‪ ،‬ترى فاطمة البريكي أنه « جنس أدبي جديد‬
‫ظهر على الساحة األدبية‪ ،‬يقدم أدبا جديدا يجمع بين األدبية والتكنولوجية‪ ،‬وال يمكن‬
‫ّ‬
‫لهذا النوع من الكتابة األدبية أن يتأتى ملتلقيه إال عبر الوسيط اإللكتروني‪ ،‬من خالل‬
‫الشاشة الزرقاء املتصلة بشبكة اإلنترنيت العاملية‪ ،‬ويكتسب هذا النوع من الكتابة األدبية‬
‫صفة التفاعلية بناء على املساحة التي يمنحها للمتلقي‪ ،‬والتي يجب أن تعادل أو تزيد عن‬
‫مساحة املبدع األصلي للنص » (‪ )3‬في حين يعرفه سعيد يقطين بأنه « مجموع اإلبداعات‬
‫واألدب من أبرزها التي تولدت مع توظيف الحاسوب‪ ،‬ولم تكن موجودة قبل ذلك‪ ،‬أو‬
‫تطورت من أشكال قديمة ولكنها اتخذت مع الحاسوب صورا جديدة في اإلنتاج والتلقي »‬

‫ربيع األول ‪١٤٣٩‬هـ الموافق لـ‪:‬ديسمبر ‪2017‬م‬ ‫‪492‬‬ ‫مجلة المدونة‬


‫المدونة‬ ‫إشكالية األدب الرقمي‬

‫بأنه « ذلك األدب السردي أو الشعري أو الدرامي‪ ،‬الذي يستخدم‬ ‫(‪ )4‬ويعرفه جميل حمداوي َّ‬
‫اإلعالميات في الكتابة واإلبداع‪ ،‬أي يستعين بالحاسوب أو الجهاز اإلعالمي من أجل كتابة‬
‫َّ‬
‫نص أو مؤلف إبداعي » (‪ ،)5‬من التوصيفات السابقة يتبين لنا أن األدب الرقمي هو شكل‬
‫من الكتابة األدبية ‪ /‬الشعرية ال يتجلى إال في الوسيط االلكتروني معتمدا في ذلك على‬
‫التقنيات التي توفرها التكنولوجيا الحديثة بوسائطها املتعددة‪ ،‬والتي تسهم في ابتكار أنواع‬
‫يعد آخر ما وصلت إليه العالقة بين اإلبداع األدبي والوسيط‬ ‫مختلفة من النصوص‪ ،‬وهو ُّ‬
‫التكنولوجي‪ ،‬هذا من جهة ومن جهة ثانية‪ ،‬أن الوسيط التقني ( التكنولوجي ) فرض العديد‬
‫من السبل املتاحة لصياغة جديدة لألفكار ( مزيج بين الكلمة والعناصر األخرى ) (‪ ، )6‬التي‬
‫تمثل للكاتب والقارئ كيانات افتراضية؛ تظهر وتختفي في ملح البصر‪ ،‬قابلة للتخزين‬
‫واالستعادة‪ ،‬فهي بهذا املعنى – ال كاألدب الطباعي املكتوب يدويا – تفتقر لعنصر الثبات‬
‫واالستقرارـ فبمجرد انقطاع التيار الكهربائي‪ ،‬يستبدل اليقين النسخي الطباعي بالشك‬
‫اإللكتروني الرقمي‪ ،‬فهي « بنية غير ثابتة‪ ،‬بل متحركة متموجة أبدا‪ ،‬دون بداية أو نهاية »‬
‫(‪)7‬‬

‫تجمل فاطمة البريكي الصفات التي ّ‬


‫تميز األدب الرقمي ( أو التفاعلي كما يحلو لها‬
‫تسميته ) عن نظيرها التقليدي في ما يلي‪:‬‬
‫يقدم نصا مفتوحا‪ ،‬نصا بال حدود‪ ،‬إذ يمكن أن ينش ئ املبدع‪ ،‬أيا‬‫‪ /1‬أن (األدب التفاعلي) ّ‬
‫كان نوع إبداعه‪ ،‬نصا‪ ،‬ويلقي به في أحد املواقع على الشبكة‪ ،‬ويترك ّ‬
‫للقراء واملستخدمين‬
‫حرية إكمال النص كما يشاءون‪..‬‬
‫‪ /2‬أن (األدب التفاعلي) يمنح املتلقي أو املستخدم فرصة اإلحساس بأنه مالك لكل‬
‫ُ‬
‫ما يقدم على الشبكة‪ ،‬أي أنه ُيعلي من شأن املتلقي الذي أهمل لسنين طويلة من قبل‬
‫النقاد واملهتمين بالنص األدبي‪ ،‬والذين اهتموا أوال باملبدع‪ ،‬ثم بالنص‪ ،‬والتفتوا مؤخرا إلى‬
‫املتلقي‪..‬‬
‫‪ /3‬ال يعترف (األدب التفاعلي) باملبدع الوحيد للنص‪ ،‬وهذا مترتب على جعله‬
‫جميع املتلقين واملستخدمين للنص التفاعلي مشاركين فيه‪ ،‬ومالكين لحق اإلضافة‬
‫والتعديل في النص األصلي‪.‬‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪493‬‬ ‫المجلد الرابع (العدد الثاني)‬


‫د‪ /‬طارق زيناي‬ ‫المدونة‬
‫‪ /4‬البدايات غير محددة في بعض نصوص (األدب التفاعلي)‪ ،‬إذ يمكن للمتلقي أن‬
‫يختار نقطة البدء التي يرغب بأن يبدأ دخول عالم النص من خاللها‪ ،‬ويكون هذا باختيار‬
‫املبدع الذي ينش ئ النص أوال‪ ،‬إذ يبني نصه على أساس أال تكون له بداية واحدة‪،‬‬
‫متلق آلخر يجب أن يؤدي إلى اختالف سيرورة األحداث‬
‫واالختالف في اختيار البدايات من ٍ‬
‫متلق آلخر أيضا‪ ،‬وكذلك فيما يمكن‬
‫(في النص الروائي‪ ،‬أو املسرحي‪ ،‬على سبيل املثال) من ٍ‬
‫متلق من نتائج‪..‬‬
‫أن يصل إليه كل ٍ‬
‫موحدة في معظم نصوص (األدب التفاعلي)‪ ،‬فتعدد املسارات‬ ‫‪ /5‬النهايات غير ّ‬
‫يعني تعدد الخيارات املتاحة أمام املتلقي‪ /‬املستخدم‪ ،‬وهذا يؤدي إلى أن يسير كل منهم في‬
‫اتجاه يختلف عن االتجاه الذي يسير فيه اآلخر‪ ،‬ويترتب على ذلك اختالف املراحل التي‬
‫سيمر بها كل منهم‪ ،‬مما يعني اختالف النهايات‪ ،‬أو على األقل‪ ،‬الظروف املؤدية إلى تلك‬
‫النهايات وإن تشابهت أو توحدت‪.‬‬
‫‪ /6‬يتيح (األدب التفاعلي) للمتلقين‪ /‬املستخدمين فرصة الحوار الحي واملباشر‪،‬‬
‫وذلك من خالل املواقع ذاتها التي تقدم النص التفاعلي‪ ،‬رواية كان‪ ،‬أو قصيدة‪ ،‬أو‬
‫مسرحية‪ ،‬إذ بإمكان هؤالء املتلقين‪ /‬املستخدمين أن يتناقشوا حول النص‪ ،‬وحول‬
‫التطورات التي حدثت في قراءة كل منهم له‪ ،‬والتي تختلف غالبا عن قراءة اآلخرين‪.‬‬
‫‪ /7‬أن جميع املزايا تتضافر لتتيح هذه امليزة وهي أن درجة التفاعلية في األدب التفاعلي‪،‬‬
‫تزيد كثيرا عنها في األدب التقليدي املقدم على الوسيط الورقي‪.‬‬
‫‪ /8‬في (األدب التفاعلي) تتعدد صور التفاعل‪ ،‬بسبب تعدد الصور التي ّ‬
‫يقدم بها النص‬
‫األدبي نفسه إلى املتلقي‪ /‬املستخدم (‪)8‬‬

‫وفي هذا السياق البد من التمييز بين األدب الرقمي واإللكتروني‪ ،‬وإن كانا من‬
‫الناحية اللغوية واإلعالمية متقاربين؛ فاألدب الرقمي هو منتج رياض ي لوغاريتمي‪ ،‬فهو‬
‫خاضع ‪ -‬بهذا املعنى – للحوسبة والبرمجة اإلعالمية‪ ،‬ذات الهندسة الداخلية للحاسوب أو‬
‫الهواتف الذكية‪ ،‬في حين أن األدب اإللكتروني ( هي تسمية انتشرت بصفة كبيرة وعلى‬
‫نطاق واسع في الساحة اإلعالمية الفرنسية ما بين ‪ 1980‬و‪ )1990‬هو كتابة خارجية مرتبطة‬
‫باإلنسان كفاعل مباشر‪ ،‬وضابطها أنها يمكن أن تكتب ورقيا كما تكتب رقميا‪ ،‬فهي بهذا‬
‫املعنى إنتاج إعالمي خارجي‪ ،‬وفي هذا سياق نستطيع أن « نميز بين القصيدة الرقمية‬

‫ربيع األول ‪١٤٣٩‬هـ الموافق لـ‪:‬ديسمبر ‪2017‬م‬ ‫‪494‬‬ ‫مجلة المدونة‬


‫المدونة‬ ‫إشكالية األدب الرقمي‬

‫والقصيدة اإللكترونية‪ ،‬فاألولى خاضعة لبرمجة حاسوبية دقيقة‪ ،‬وهندسة برمجية معقدة‬
‫وصعبة‪ ،‬في حين ترتبط الثانية بالنشر اإللكتروني السطحي املباشر» (‪)9‬‬

‫وال يتم الكالم عن األدب الرقمي إال باإلشارة إلى خصائص الوسيط اإلعالمي‪،‬‬
‫ولو باختصار‪ ،‬وهي كالتالي ‪:‬‬
‫‪ /1‬اللوغاريتمية ‪ :‬يقوم األدب الرقمي على نسق رياض ي منطقي‪ ،‬أي أن املحتوى‬
‫الرياض ي هو املتحكم في إنتاج نصوص األدب الرقمي‪ ،‬في مختلف تجلياته السطحية‬
‫والعميقة‪ ،‬وهذه اللوغاريتيمة هي املوكل إليها نقل املنجز األدبي من العالم البياني الواقعي‬
‫إلى العالم االفتراض ي اإللكتروني ( البصري‪ ،‬السمعي )‪ ،‬فهي حضور معطيات وبيانات الداتا‬
‫(‪ ،)data‬القائمة على االزدواج الرقمي (‪ ،)1/0‬ولهذا ال يمكننا فهم األدب الرقمي إال في ظل‬
‫املعطيات الرياضية املتأرجحة بين (‪ )0‬و(‪ ،)1‬ذات الطبيعة الحاسوبية والسننية‪ ،‬بحيث‬
‫تصبح األعداد هي من تصنع األحداث والنصوص واملواقف‪ ،‬فهي على حد تعبير أحدهم‬
‫معادلة بها « األصفار تصبح أبطاال‪ ،‬واألبطال تصبح أصفارا » (‪)10‬‬

‫‪ /2‬التوليدية ‪ :‬ونعني به وقوع األدب الرقمي في بوتقة الوسائط التواصلية؛ التي‬


‫يتم بها توليد النصوص أو قل إنتاجها‪ ،‬وهي النص والصوت والصورة‪ ،‬والتي كما كان‬
‫إنتاجها افتراضيا بحكم الطبيعة الرقمية‪ ،‬فإن تلقيها ال يقل افتراضية عن إنشائها أو‬
‫توليدها‪ ،‬فاألدب بهذا املعنى « عمل غير مغلق‪ ،‬بل نسيج مفتوح من اآلثار والتداعيات غير‬
‫املتجانسة؛ التي تعيد باستمرار عملية صيرورتها وتكاملها » (‪ )11‬األمر الذي ُّ‬
‫ينجر عنه تواصل‬
‫تفاعلي‪ ،‬يظهر في أشكال عدة من ردود األفعال اإليجابية أو السلبية تجاهه‪.‬‬
‫‪ /3‬التفاعلية ‪ :‬ونقصد به النشاط الرقمي املوازي‪ ،‬املنظم للعالقة بين املؤلف‬
‫والقارئ عبر وسيط النص اإلعالمي‪ ،‬واملالحظ أن للوسائط املختلفة في تفاعلها هي تشكل‬
‫كون فيه هذه الوسائط تداخال منضبطا بين عدة نصوص مكتوبة ومرئية‬ ‫ُ ّ‬
‫انتظاما بنيويا‪ ،‬ت ِ‬
‫ومسموعة‪ ،‬يسهم في تشكيل نسق من العالقات الترابطية‪ ،‬هذا من ومن جهة ثانية قابلية‬
‫النص اإللكتروني لتفاعل آخر يسمح بموجبه للقارئ أو أي وسيط إبداعي أن يشارك في‬
‫كتابة النص األمر الذي يطرح مفهوما حداثيا جديدا هو املؤلف املتعدد أو املتشظي‪ ،‬بحيث‬
‫تغدو ملكية القصيدة أو النص األدبي غير مسجل للشاعر فقط وإنما يشاركه فيه فنانو‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪495‬‬ ‫المجلد الرابع (العدد الثاني)‬


‫د‪ /‬طارق زيناي‬ ‫المدونة‬
‫اللوحات التشكيلية املرافقة للنص وأصحاب القطع املوسيقية واملبرمج االلكتروني وغيرهم‬
‫ممن له ٌيد في إنتاج النصوص الرقمية‪.‬‬
‫‪ /4‬االنتشارية والتغذية الراجعة ( ‪: )feedback‬‬
‫النص الرقمي هو نص يتسم بالتشابك واالنتشار‪ ،‬بحكم ارتباطه بالشبكة‬
‫العنكبوتية‪ ،‬فهو بهذا املعنى حاضر في اآلن نفسه في أكثر من جهاز استقبال سواء أكان‬
‫حاسوبا أو هاتفا أو غيره‪ ،‬أيضا قابلية النص الرقمي للفيدباك‪ ،‬حيث إنه يستطيع متصفح‬
‫النصوص الرقمية أن يرسلها وأن يستقبلها‪ ،‬أو يعود إليها عدة مرات‪ ،‬مضيفا إليها‪ ،‬أو‬
‫مصححا لها‪...‬‬
‫قراءة في الوسائط التواصلية ‪:‬‬
‫مع ما تطرقنا إليه من تحديدات ملفهوم األدب الرقمي ( ‪lettérature‬‬
‫‪ )numérique‬ال يمكن إقامة تصورات واضحة عنه إال إذا أشرنا إلى معطياته الوسائطية‬
‫املتعلقة بمراحل تطور األدب‪ ،‬وهي كاآلتي ‪:‬‬
‫‪- 1‬الوسيط اللغوي‪:‬‬
‫من املعلوم أن األدب في صورته األولى كان يستند إلى الوسيط البياني ( اللغوي)‪،‬‬
‫إذ ال يمكن أن نتصور‪ -‬منذ أن عرف اإلنسان حقيقة وقيمة ووظيفة الكلمة – أدبا ال ُيبنى‬
‫على مقومات اللغة والبيان‪ ،‬فهو متيسر لكل مالك للغة قادر على توظيفها توظيفا خاصا‪،‬‬
‫وهو من الناحية الزمنية قديم بقدم املوهبة اإلنسانية‪ ،‬التي تستطيع تطويع اللغة حتى‬
‫تستوعب نوازع النفس وتقلبات الواقع‪ ،‬ولهذا يعد الوسيط اللغوي هو أول الوسائط‬
‫وأهمها في تشكيل العمل األدبي‪ ،‬ومنه األدب الرقمي‪.‬‬
‫‪-‬الوسيط الطباعي ‪:‬‬
‫الشك أن الطباعة قد ساعدت في االنتقال من الوسيط اللغوي( اليدوي )إلى‬
‫الوسيط اآللي املنتظم‪ ،‬املحكوم بنسق حروفي‪ ،‬بداية في اآلالت الراقنة‪ ،‬ثم تطورت إلى‬
‫الحواسيب والهواتف الذكية‪ ...‬التي ساعدت في االنتقال من الوظيفة الخطية لألدب‪ ،‬التي‬
‫تخاطب العين‪ ،‬والتي ال تمتاز بنمطية ال تفاجئ القارئ‪ ،‬من خاللها بما يمكن أن يخرق أفق‬

‫ربيع األول ‪١٤٣٩‬هـ الموافق لـ‪:‬ديسمبر ‪2017‬م‬ ‫‪496‬‬ ‫مجلة المدونة‬


‫المدونة‬ ‫إشكالية األدب الرقمي‬

‫توقعه‪ ،‬فالقصيدة العمودية تأتي بنظام واحد يعتمد على الشطرين وعلى القافية املوحدة‬
‫وعلى اإليقاع املتجانس واملتوالي‪ ،‬بحيث يتم إنتاجها « في ترتيب محدد‪ ،‬فيكون للنص بداية‬
‫ووسط ونهاية‪ ،‬وال يمكن للقارئ تعديل هذا الترتيب‪ ،‬فعليه أن يبدأ النص من بدايته‪،‬‬
‫وينتهي في النهاية املرسومة له‪ ،‬ويرتبط هذا النص املطبوع بالنصوص األخرى من خالل‬
‫الهوامش السفلية‪ ،‬أو الفهارس التي تحيله إلى نص آخر يقرؤه بالطريقة نفسها‪ ،‬فالنص‬
‫املطبوع إذن تتم كتابته وقراءته على السواء‪ ،‬بطريقة متتابعة أو خطية » (‪ )12‬إلى نوع آخر‬
‫من األدب‪ ،‬الذي يخاطب العين‪ ،‬لكن بنظام أيقوني مفارق‪ ،‬معتمد على تقنية تبئير الفضاء‬
‫الطباعي‪ ،‬وتجسيم الكيان اللغوي لألدب كما في القصيدة الكونكريتية ( ‪poésie‬‬
‫‪ ،)concréte‬فهي تكاد تكون ملموسة‪ ،‬ألنها تتعامل مع الخط والرسم والكرافيك والتشكيل‬
‫والتلوين‪ ،‬بحيث يتقابل فيها عاملان « العالم اللغوي ذو الطابع اإلنشادي واإليقاعي‪ ،‬والعالم‬
‫الكاليغرافي املشكل بالحروف املخطوطة واألشكال البصرية املتنوعة ضمن ألوان مختلفة‬
‫تتجاوز ثنائية البياض والسواد » (‪ ،)13‬وهذا النوع من الشعر كان له ما يشبهه في التراث‬
‫يخص النصوص الدينية والصوفية‪ ،‬وبخاصة الرمزية الحرفية‬ ‫ُّ‬ ‫املغاربي واألندلس ي‪ ،‬فيما‬
‫والعددية‪ ،‬وإن كانت هناك محاوالت مبكرة في املشرق ممثلة في رسائل إخوان الصفا‪،‬‬
‫ورسائل ابن مقلة‪ ،‬وفي بعض الكتب األدبية كأدب الكاتب للصولي وصبح األعش ى‬
‫للقلقشندي واالقتضاب في شرح أدب الكتاب للسيد البطليوس ي‪ ،‬وإن كانت تطرقهم لها‬
‫هو من باب التزيين والتحبير في الخط والكتابة‪ ،‬أما في العصر الحديث فلعل الساحة‬
‫اإلبداعية الغربية قد ساهمت إسهاما كبيرا في تخريج نماذج مميزة من القصائد‬
‫الكونكريتية‪ ،‬والتي ألفها أصحابها على شكل عناوين قصائدهم‪ ،‬من مثل ‪ :‬قصيدة الحمام‬
‫وقصيدة النسر وقصيدة برج إيفل ألبولينير‪.‬‬
‫أما في الساحة اإلبداعية العربية فيظهر أن التجربة املغربية رائدة في هذا املجال‪،‬‬
‫وإن كان هناك من سبقها من املشارقة كأدونيس وصادق الصائغ وغيرهما‪ ،‬وفيما يلي‬
‫قصيدة ‪ (( :‬هذا قبر املرحوم )) للشاعر العراقي صادق الصائغ‪ ،‬التي جسدت قبرا يعلوه‬
‫الصليب (‪: )14‬‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪497‬‬ ‫المجلد الرابع (العدد الثاني)‬


‫د‪ /‬طارق زيناي‬ ‫المدونة‬

‫ربيع األول ‪١٤٣٩‬هـ الموافق لـ‪:‬ديسمبر ‪2017‬م‬ ‫‪498‬‬ ‫مجلة المدونة‬


‫المدونة‬ ‫إشكالية األدب الرقمي‬

‫الوسيط الصوتي ‪:‬‬


‫مع تطور وسائل االتصال الحديثة‪ ،‬أصبح الجانب الصوتي له أهمية كبيرة‪ ،‬وزادت‬
‫أهميته بوصفه وعاء للموسيقى واألغاني‪ ،‬ما جعل اإلبداع اإللكتروني يستثمره كوسيط‬
‫مهم يرافق النص اللغوي املقروء‪ ،‬بحيث يجمع بين املستوى املرئي واملستوى املسموع‪،‬‬
‫ولعل بدايات استغالل الوسيط الصوتي في الغرب كان عن طريق تسجيل اإلبداع األدبي‬
‫دون الكتابة‪ ،‬كما فعل الشاعر إيسيدور إيسو ( ‪ )Isidore Isou‬سنة ‪1953‬م‪ ،‬ثم توالت‬
‫بعد ذلك التسجيالت الصوتية‪ ،‬وأصبحت تسمى القصائد املسموعة‪ ،‬والتي كانت مرتبطة‬
‫بأجهزة الفيديو واألقراص املدمجة وأجهزة التسجيل الصوتي‪ ،‬وهذه الخطوة هي من فتح‬
‫الباب أمام النصوص اإللكترونية كي توظف الوسيط الصوتي بالتزامن مع عرض النص‬
‫املكتوب ( األدب الرقمي)‪.‬‬
‫‪-‬الوسيط اإلعالمي أو الرقمي ‪:‬‬
‫من املعلوم أن األدب الرقمي قد تدرج من االستعمال السطحي املباشر‪ ،‬الذي هو‬
‫في األساس الصيغة اإللكترونية الرقمية للنصوص الورقية‪ ،‬إلى استخدام تقنيات أو‬
‫وسائط تواصلية أخرى مرافقة للنص املكتوب كالصوت والصورة‪ ،‬أو هما معا‪ ،‬وفي الوقت‬
‫نفسه استثمر التقنيات الفنية غير األدبية كاملونتاج وامليكساج واملوسيقى التصويرية‪،‬‬
‫باإلضافة إلى استغالل التقنيات الحاسوبية نفسها‪ ،‬املرتبطة بالذكاء االصطناعي‪ ،‬وبالعموم‬
‫أصبح النص األدبي الرقمي يطرح آليات متعددة إليصال الرسائل األدبية املختلفة‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل ‪:‬‬
‫‪ /1‬اللغة (املقروءة على الشاشة)‪.‬‬
‫‪ / 2‬املوسيقى املسموعة‪.‬‬
‫‪ /3‬الصورة املرئ ية‪.‬‬
‫‪ / 4‬تقنيات الكترونية متنوعة‪.‬‬
‫‪ /5‬ألوان وخلفيات النصوص‪.‬‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪499‬‬ ‫المجلد الرابع (العدد الثاني)‬


‫د‪ /‬طارق زيناي‬ ‫المدونة‬
‫ليصبح بذلك النص الرقمي ليس هو السالسل ُ‬
‫الج َملية املكونة من كلمات وأحرف‬
‫كل مركب من عالمات‬ ‫مرصوصة‪ ،‬بل أصبح في االستعمال اإللكتروني « ما يتمرأى في صورة ّ‬
‫ٍ‬
‫بصرية عرفية مرصوصة‪ ،‬أو مرتبة فوق سطح ذي بعدين؛ صفحة في كتاب‪ ،‬أو ملصق على‬
‫حائط‪ ،‬أو شاشة حاسوب آلي» (‪ )15‬فأصبحنا نرى منذ أول نص رقمي عربي – على رأي كثير‬
‫من الدارسين – (( تباريح رقمية لسيرة بعضها أزرق )) لصاحبه الشاعر العراقي مشتاق‬
‫عباس معن اختالفات واضحة بين النص الورقي والنص الرقمي‪ ،‬من خالل اعتماد هذا‬
‫األخير على الروابط والوصالت وتقنية التفريع كنصوص موازية‪ ،‬التي تظهر على الشاشة‪،‬‬
‫(أيقنت أن الحنظل موت يتخمر) حين يتحرك املؤشر على‬‫ُ‬ ‫فمثال نرى في جملته الشعرية‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫(أيقنت) يظهر نص متفرع تكون بدايته كلمة (أيقنت) التي هي في الوقت ذاته جزء‬ ‫كلمة‬
‫من الجملة الشعرية في أعاله وكذلك األمر مع (أن) و(الحنظل) و(موت) و(يتخمر)‪.‬‬
‫إن األدب الرقمي في اعتماده الوسائط التواصلية املتعددة هو نهاية التطور التقني‬
‫لألدب الرقمي – على األقل في الراهن املعيش – ويرجع هذا التوصيف ألنه استطاع أن‬
‫يركب بين الوسائط التواصلية املختلفة في بوتقة رقمية واحدة‪ ،‬مستلهما هذا التركيب‬
‫الوسائطي – في الطرح الواقعي غير االفتراض ي – من مقولة امتزاج الفنون؛ حيث كثيرا ما‬
‫نسمع عن موسيقى الشعر‪ ،‬وتلوين األنغام‪ ،‬وتناغم األلوان‪ ،‬وشعرية الرسم‪ ...‬وغيرها من‬
‫املصطلحات ذات البعد املجازي ‪ /‬الجمالي‪ ،‬أي أنه فتح املجال ملا يسمى بتراسل الفنون‬
‫عبر« الوسائط املتعددة التي تسعى إلى مزج أجناس الفنون‪ ،‬وهو األمر الذي يبرز الحاجة‬
‫إلى إزاحة النقاب عن معرفة العلوم املتخصصة‪ ،‬حتى يتسنى القيام بعملية املزج هذه على‬
‫أسس منهجية واضحة » (‪ )16‬فالرسم على سبيل املثال بطابعه التشكيلي واأليقوني في‬
‫حضوره مع النص الرقمي يعزز من الوظيفة اإلدهاشية والتأثيرية والجمالية للنص‪ ،‬بل إن‬
‫تأمال بسيطا للتآزر بين الرسم والشعر ‪-‬على سبيل املثال – تاريخيا يبرز الحميمية بينهما‪،‬‬
‫كيف يستطيع الرسام أن يبدع لوحة من قراءة لقصيدة أو مطالعة لرواية أو ملحمة‪ ،‬كما‬
‫صنع الفنان اإليطالي (دينو كافاليري) عندما رسم لوحات عديدة من وحي قراءته مللحمة‬
‫كلكامش وبخاصة في تشخيص صورة البطل األسطوري‪ ،‬وهو يقاتل أسدا وجاموسا‪،‬‬
‫وأخرى في معركة بمعية أنكيدو ضد الثور الوحش ي‪ ،‬وأخرى يرفع أسدا على كتفه إعالنا‬

‫ربيع األول ‪١٤٣٩‬هـ الموافق لـ‪:‬ديسمبر ‪2017‬م‬ ‫‪500‬‬ ‫مجلة المدونة‬


‫المدونة‬ ‫إشكالية األدب الرقمي‬

‫لالنتصار‪ ،‬وكيف يستطيع الشاعر أن يبدع قصيدة من وحي لوحة لرسام يقرأ فيها ألف‬
‫رسالة وألف معنى‪ ،‬ولعل أشهر ما نمثل به هو تلقي الشعراء للوحة املوناليزا‪ ،‬واختالفهم في‬
‫تصوير مالمح الجوكندا الحزينة وابتسامتها الغامضة وجلستها بين الصخور‪ ،‬نذكر منهم‬
‫(إدوارد دوامردن) و(والتر هوراشيو باتر) و(مايكل فيلد) و(فرشليكي) و(مانويل ماتشادو)‬
‫و(هيرمان كالوديوس)‪ ،‬واألمر نفسه مع املوسيقى؛ حيث ظهر تجسيد شعري بديع لكثير من‬
‫املقطوعات والسمفونيات الخالدة لبيتهوفن‪ ،‬كسمفونية القدر‪ ،‬التي تبدأ بضربات طبل‬
‫متسارعة قوية‪ ،‬تذكرنا بحتمية القدر ووجوب وقوعه وعجز اإلنسان عن الوقوف أمامه أو‬
‫تغيير مساره‪ ،‬كما فعل الشاعر األملاني ( شيلر)‪.‬‬
‫إن حضور هذه األجناس والفنون الجميلة في آن معا يجمع بين النص والرسم‬
‫تلق من نوع خاص‪ ،‬لهذا الكون النص ي‬
‫واملوسيقى واأللوان والحركة يضع املتلقي إزاء عملية ٍ‬
‫املتعدد املتشابك‪ ،‬الذي ال يفتقد غير صوت اإلنسان‪..‬‬
‫ولعل عالقة الفنون بعضها ببعض يمكن أن يرجع إلى االعتبارات التالية ‪:‬‬
‫ـ استضافة عمل فني لعمل فني آخر‪.‬‬
‫ـ استلهام عمل فني لعمل فني آخر‪.‬‬
‫ـ استيعاب عمل فني لعمل فني آخر‪.‬‬
‫ـ االنصهار الكامل‪ ،‬املتمثل في تكنولوجيا الوسائط املتعددة‪.‬‬
‫هذا االعتبار األخير هو أعقد هذه األنظمة من حيث استناده على البعد التقني‬
‫التكنولوجي‪ ،‬القائم على تحويل أنساق الفنون كاملسموعات واملبصرات إلى سالسل‬
‫محكومة بقيمتي الصفر والواحد (‪ ،)1/0‬بحيث أضحى التماهي كليا بين هذه الوسائط‪ ،‬ال‬
‫تفك إحداها عن األخرى‪ ،‬في خضم سيولة رمزية متشابكة‪ ،‬تتضافر جميعها‬ ‫تستطيع أن َّ‬
‫في إعطاء هوية جديدة لطبيعة األدب في سياقه الرقمي‪ ،‬ما يستدعي ضرورة مواكبة هذا‬
‫األدب بتصورات جديدة تأخذ على عاتقها مقاربات نقدية رقمية أيضا‪ ،‬تأخذ بعين االعتبار‬
‫ما تفعله التكنولوجيا الحالية واملستقبلية في النصوص األدبية الرقمية‪ ،‬من التشعب‬
‫والتشظي والتشيؤ‪.‬‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪501‬‬ ‫المجلد الرابع (العدد الثاني)‬


‫د‪ /‬طارق زيناي‬ ‫المدونة‬
‫وفي نهاية هذا الطرح النظري البد من التنويه إلى أن هذا الحقل املعرفي الجديد‪،‬‬
‫ما يزال غضا طريا‪ ،‬لم تكتمل بعد مالمحه‪ ،‬فما زال في محيطه الرقمي االفتراض ي يحبو‬
‫ويتجدد‪ ،‬وهو في هذا يتطور تبعا للتطورات التقنية املتسارعة‪ ،‬ولهذا نجد أن – من‬
‫الطبيعي – أن ينشأ في املستقبل أدب يخرج من وحي العوالم التكنولوجية‪ ،‬ال نستطيع في‬
‫الراهن التقني أن نتنبأ بمالمحه وخصائصه‪.‬‬
‫النتائج ‪:‬‬
‫‪ /1‬األدب الرقمي ُّ‬
‫يعد نقلة تكنولوجية جاءت استجابة لحاجة اجتماعية تريد‬
‫الجديد واملبتكر والسريع‪.‬‬
‫‪ /2‬األدب الرقمي بديل طبيعي لألدب الورقي ( التقليدي )‪ ،‬جاء نتيجة الثورة التقنية‬
‫وتطور وسائل االتصال الحديثة‪.‬‬
‫‪ /3‬األدب الرقمي ذو طابع لوغاريتمي منطقي يتعامل بنسق عددي ثنائي فقط (‬
‫‪.)1/0‬‬
‫‪ /4‬األدب الرقمي يحتكم للوسائط التواصلية املختلفة‪ ،‬أي أنه خرج من نسقية‬
‫التلقي الكالسيكي‪ ،‬إلى التلقي الرقمي؛ بحيث يصبح املؤلف والنص والقارئ كلهم يشتركون‬
‫في الفضاء اإللكتروني‪.‬‬
‫توصيات ومقترحات ‪:‬‬
‫وفي نهاية هذه الورقة السريعة يقدم الباحث بعض التساؤالت امللحة‪ ،‬التي ال‬
‫تستهدف الدراسة اإلجابة عنها بقدر التحسيس بأهميتها – كأهداف بحثية مستقبلية أو‬
‫توصيات مقترحة ينظر القائمون على املجلة في جدواها وما يمكن أن تقدمه لألدب الرقمي‬
‫في ظل وسائل اإلعالم الحديثة ‪ -‬منها ‪:‬‬
‫ما القيمة الجمالية لألدب الرقمي‪ ،‬وهل بإمكانه استقطاب مقروئية تضارع مقروئية األدب‬
‫ـ‬ ‫التقليدي؟‬
‫أن املنجزات األدبية التقليدية ( املطبوعة ) ستختفي أم أنها ستشهد تعديالت أم أنَّ‬
‫و هل َّ‬

‫ربيع األول ‪١٤٣٩‬هـ الموافق لـ‪:‬ديسمبر ‪2017‬م‬ ‫‪502‬‬ ‫مجلة المدونة‬


‫المدونة‬ ‫إشكالية األدب الرقمي‬
‫َ‬
‫لها من امل َن َعة ( السلطة ) ما تحفظها من الذوبان في الحداثة التقنية املستقبلية ؟‬
‫ـ أين تكمن وظيفة األدب الرقمي في عصر الثورة املعلوماتية؟‬
‫ـ ما تأثير املنشورات األدبية الرقمية على تغيير أنظمة الوعي لدى املتلقي في ظل الصراعات‬
‫الحضارية واملذهبية التي يعيشها العالم العربي؟‬
‫ـ ما القضايا التي تثيرها مسألة حقوق املؤلف في عالم الرقمنة األدبية وما األطراف املعنية‬
‫ـ‬ ‫بهذه القضايا؟‬
‫ما محل إعراب الدرس اللغوي والحركة النقدية من األدب الرقمي؟ هل بمقدوره أن يواكب‬
‫األدب الرقمي مواكبته لألدب الورقي‪ ،‬بمعنى آخر هل نحن بصدد الحديث عن نقد رقمي‬
‫له أسسه ونظرياته ومصطلحاته ومدارسه في مقابل النقد التقليدي؟‬
‫الهوامش‪:‬‬

‫‪ُ - 1‬ينظر ‪ :‬فاطمة البريكي‪ ،‬مدخل إلى األدب التفاعلي‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪،‬‬
‫‪ ،2007‬ص‪.11‬‬
‫ي‬
‫‪ - 2‬جميل حمداو ‪ ،‬األدب الرقمي بين النظرية والتطبيق ( نحو املقاربة الوسائطية )‪ ،‬مؤسسة املثقف العربي‬
‫‪ ،almothaqaf.com‬ط‪ ،2016 ،01‬ص‪.13‬‬
‫‪ - 3‬نبيل علي‪ ،‬الثقافة العربية وعصر املعلومات‪ ،‬عالم املعرفة‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬يناير ‪ ،2001‬ص ‪.523‬‬
‫‪ - 4‬فاطمة البريكي‪ ،‬مدخل إلى األدب التفاعلي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪ - 5‬من النص إلى النص املترابط( مدخل إلى جماليات اإلبداع التفاعلي)‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫‪ ،2005‬ص‪.10‬‬
‫‪ - 6‬جميل حمداوي‪ ،‬األدب الرقمي بين النظرية والتطبيق ( نحو املقاربة الوسائطية )‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫‪VOIR : pierre levy, littérature et cybe culture, paris, allimard, 2008,p06 - 7‬‬
‫‪ُ - 8‬ينظر‪ :‬مدخل إلى األدب التفاعلي‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪54 ،53‬‬
‫‪ - 9‬جميل حمداوي‪ ،‬األدب الرقمي بين النظرية والتطبيق‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪13‬‬
‫‪ - 10‬الطيب بودربالة ‪ " :‬سيميائية وسائل اإلعالم مارشال ماكلوهان – أنموذجا – "‪ ،‬محاضرات امللتقى الوطني‬
‫الثالث ‪ :‬السيمياء والنص األدبي‪ ،‬منشورات جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،2004 ،‬ص ‪.02‬‬
‫‪ - 11‬ميجان الرويلي وسعد البازعي‪ ،‬دليل الناقد األدبي ( إضاءة الكثر من سبعين تيارا ومصطلحا نقديا معاصرا‬
‫)‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪ ،2002 ،03‬ص‪.270‬‬
‫‪ - 12‬حنا جريس‪ " :‬الهيبرتكست عصر الكلمة اإللكترونية"‪ ،‬مجلة العربي‪ ،‬وزارة اإلعالم دولة الكويت‪ ،‬ع‪،544‬‬
‫مارس ‪ ،2004‬ص ‪.148 ،147‬‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪503‬‬ ‫المجلد الرابع (العدد الثاني)‬


‫د‪ /‬طارق زيناي‬ ‫المدونة‬

‫‪ - 13‬جميل حمداوي‪ ،‬القصيدة الكونكريتية في الشعر العربي املعاصر ( القصيدة املغربية أنموذجا)‪ ،‬مؤسسة‬
‫املثقف العربي ‪ ،almothaqaf.com‬ط‪ ،2016 ،02‬ص ‪07‬‬
‫‪ - 14‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ - 15‬بابيس ديرميتراكيس‪ " :‬النص التشعبي ‪ :‬ما وراء حدود النص "‪ ،‬النقد األدبي على مشارف القرن الواحد‬
‫والعشرين‪ :‬العوملة والنظرية األدبية‪ ،‬أعمال املؤتمر الدولي الثاني للنقد األدبي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬نوفمبر‪،2000 ،‬‬
‫ص ‪.353‬‬
‫‪ - 16‬نبيل علي‪ ،‬الثقافة العربية وعصر املعلومات‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.501 ،500‬‬

‫*** *** ***‬

‫ربيع األول ‪١٤٣٩‬هـ الموافق لـ‪:‬ديسمبر ‪2017‬م‬ ‫‪504‬‬ ‫مجلة المدونة‬

You might also like