‫دور القوات المسلحة االردنية في ادارة ازمة كورونا‬

‫مثلت األوبئة عبر التاريخ تهديداً كبيراً لمئات ماليين البشر‪ ،‬إذ تسببت األمراض الوبائية‬
‫كاإلنفلونزا اإلسبانية والكوليرا والطاعون في وفاة الماليين من الناس في مدة زمنية قصيرة‬
‫نسبياً‪ ،‬وفشلت األنظمة الصحية التي كانت سائدة آنذاك في إيقاف زيادة أعداد المصابين‬
‫والمتوفين‪ ،‬والتزال هذه األمراض تشكل تحديا ً كبيراً لألمن القومي للدول‪ ،‬فعلى الرغم من‬
‫تطور قطاع الرعاية الصحية فإن بعض األمراض الوبائية المستحدثة لم يتم اكتشاف لقاح أو‬
‫عالج لها‪ ،‬ولعل هذا ما دفع بالعديد من األشخاص والمؤسسات على اختالف خلفياتهم‬
‫السياسية‪ ،‬أو األمنية‪ ،‬أو العلمية‪ ،‬إلى التنبؤ بتهديد قادم أشد فتكا ً من نظرائه السابقين‪ .‬ومع‬
‫ذلك‪ ،‬لم تتمكن القطاعات الصحية المدنية في أي دولة من الدول من تطوير إجراءات أو تدابير‬
‫مضادة لمواجهة األمراض الوبائية التي تندرج ضمن التهديدات "المعروفة المجهولة‬
‫المصدر"‪ ،‬أو الحد من آثارها‪ ،‬األمر الذي دفع بالعديد من الدول إلى اإلستعانة بالقوات‬
‫المسلحة وأجهزتها المختلفة بكل إمكانياتها الصحية واللوجستية لمواجهة التهديد المفاجئ‪،‬‬
‫‪.‬والذي ال تزال الدول تسعى لمعرفة أبعاده وآثاره وطرق عالجه‬
‫لقد أظهرت أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد في العالم التي انتشرت في العالم منذ‬
‫نهاية العام ‪ ،2019‬وما ترتب عليها من تبعات وقرارات ‪ ،‬خاصة على المستوى االقتصادي‬
‫أهمية القوات المسلحة ومؤسساتها في معاونة قطاعات الدولة المختلفة في الحفاظ على تماسك‬
‫الدولة وتنمية مواردها وديمومتها‪ ،‬بالتزامن مع ضمان االستمرار في تلبية االحتياجات‬
‫األساسية للمواطنين‪ ،‬دون التأثير على حرية السوق ذلك ألن الجيوش هي مؤسسات منظمة‬
‫ومؤهلة لتحمل المسؤوليات الكبيرة فهي جزء من المجتمع بحكم تكوينها البشري وجزء من‬
‫كيان الدولة كونها أداة مهمة من أدوات تحقيقها لوظائفها العامة‪ ،‬وأنها خاضعة للقيادة السياسية‬
‫‪.‬فيها‬
‫وفي المملكة األردنية الهاشمية كان للقوات المسلحة األردنية واألجهزة األمنية األخرى‬
‫دور أساسي وكبير جدا في مواجهة تفشي جائحة فيروس كوفيد‪ 19-‬خصوصا بعد إصدار‬
‫الحكومة قانون الدفاع ومنع التجول‪ ،‬فقد قامت القوات المسلحة األردنية واألجهزة األمنية وما‬
‫تزال تقوم بدور رائد في التصدي لجائحة فيروس كورونا تنفيذاً لتوجيهات جاللة القائد األعلى‬
‫الملك عبدهللا الثاني ابن الحسين المعظم وتطبيقا لتعليمات القيادة العامة للقوات المسلحة‬
‫والحكومة األردنية‪ ،‬ولقد كان لكلمات جاللة القائد األعلى دور عظيم في شحذ الهمم ورفع‬
‫المعنويات إذ خاطب جاللته شعبه األردني الوفي قائالً " ودعوني أقول لكم‪ ،‬أنتم كبار ألنكم‬
‫تحققون اإلنجازات العظيمة في أصعب الظروف‪ ،‬وال تعرفون المستحيل‪ %،‬كبار ألنكم تقدمون‬
 ‫أروع صور التضحية واإليثار‪ ،‬وكبار ألنكم في وطن كرامة اإلنسان فيه فوق كل االعتبارات‪.‬‬
‫‪".‬نعم‪ ،‬هذا هو األردني الذي أعرفه وأباهي به العالم‬
‫وأثنى جاللته على القوات المسلحة األردنية مبديا إعتزازه بها قائال‪ ":‬لقد علمتني مدرسة‬
‫الجندية أهمية أن تكون خططنا استباقية‪ ،‬ولهذا ومنذ اللحظة األولى إلطالق اإلنذار العالمي‬
‫وجهت الحكومة وقواتنا المسلحة وأجهزتنا األمنية‪ ،‬للتعامل مع‬ ‫ُ‬ ‫ضد وباء فيروس كورونا‪،‬‬
‫هذا الخطر بأعلى درجات الجاهزية‪ ،‬ولتشكيل خلية أزمة قبل تفشي الوباء أو فقدان السيطرة‬
‫عليه‪ ،‬ال سمح‪ %‬هللا‪ .‬شدة وبتزول" وقد أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة األردنية ‪ -‬الجيش‬
‫العربي أنها ستتواجد على مداخل ومخارج المدن في جميع أرجاء الوطن فانتشر أفراد القوات‬
‫المسلحة في العديد من الشوارع في المحافظات من أجل تقديم الدعم واإلسناد لبقية أجهزة‬
‫الدولة ومنها األمن العام والدفاع المدني والدرك وكوادر وزارة الصحة ممثلة في فرق التقصي‬
‫الوبائي عبر مرافقتها من أجل تسهيل مهامها في الوصول‪ U‬إلى األماكن والبؤر المصابة‬
‫بالفيروس من أجل غلقها لفحص المصابين والمخالطين وأخذ العينات حفاظا على سكانها وبقية‬
‫المواطنيين وساهمت القوات المسلحة األردنية في تطبيق امر الدفاع رقم ‪ 2/‬لعام ‪،2020‬‬
‫والقاضي بحظر التجول في العديد من األماكن مع المحافظة على القدر الذي يضمن تطبيقه‬
‫بدون تعطيل الحياة اليومية الضرورية وتنظيم دخول المواطنين إلى األماكن العامة من‬
‫الوزارات والمؤسسات الحكومية والبنوك وشركات الكهرباء وغيرها من األماكن العامة‪ .‬كما‬
‫ناشدت القيادة العامة للقوات المسلحة في العديد من البيانات التي أصدرتها المواطنين بضرورة‬
‫اتباع جميع التعليمات الصادرة من الوحدات المنتشرة على مداخل ومخارج المدن‬
‫والمحافظات‪ ،‬وكان لغرفة عمليات إدارة أزمة فيروس كورونا المستجد في المركز الوطني‬
‫لألمن وإدارة األزمات جهد هائل في تلقي االتصاالت من المواطنين والتعامل معها جميعها‬
‫وإنهاءها بنجاح بالتنسيق مع مختلف األجهزة المعنية لتذليل جميع الصعوبات التي تواجه‬
‫المواطنين وبما ينسجم مع التوجيهات الملكية السامية والخطط الحكومية للحد من آثار انتشار‬
‫جائحة فيروس كورونا‪ .‬وقامت مديرية التموين والنقل الملكي بتوجيهات من القيادة العامة‬
‫للقوات المسلحة االردنية ‪ -‬الجيش العربي ‪ -‬بتزويد جميع مستشفيات وزارة الصحة باحتياجاتها‬
‫من مادة الخبز والمستلزمات األخرى وكذلك تزويد المواطنيين‪ U‬بحاجاتهم المعيشية في مختلف‬
‫المحافظات وتنظيم وصولها بسهولة ويسر‪ .‬وعملت فرق التطهير التابعة لمديرية سالح‬
‫الهندسة الملكي على إنجاز المهام الموكلة لها على أكمل وجه وحسب الطلب‪ ،‬حيث قامت‬
‫بتطهير العديد من المواقع باستخدام أحدث األجهزة والتقنيات ‪ ،‬كما قامت فرق التطهير بتعقيم‬
‫‪.‬غرفة العزل في طوارئ الخدمات الطبية الملكية‬
‫وكان لغرفة عمليات إدارة أزمة فيروس كورونا في المركز الوطني لألمن وإدارة األزمات‬
‫الدور الرئيس في عملية تنظيم عودة المواطنين‪ U‬والطلبة األردنيين الذين تقطعت بهم السبل في‬
 ‫العديد من دول العالم‪ .‬كما ساهمت الخدمات الطبية الملكية في مكافحة جائحة كورونا من‬
‫خالل دخول األطقم الطبية العسكرية إلى مراكز انتشار الوباء‪ ،‬وقيام إدارات الحرب الكيميائية‬
‫والبيولوجية بتطهير المطار والمؤسسات والمنشآت الحكومية التي يتردد عليها المواطنون‪،‬‬
‫وعملت القوات المسلحة األردنية ‪-‬الجيش العربي‪ -‬على مراقبة تنفيذ إجراءات حظر التجوال‬
‫وإغالق القرى والمدن‪ ،‬ومنع السفر من محافظة ألخرى والتمركز عند مداخل المدن‬
‫ومخارجها‪ ،‬واستخدام االحتياطات االستراتيجية للقوات المسلحة من مستلزمات الوقاية والعالج‬
‫وأجهزة التنفس الصناعي وتوزيعها على المستشفيات العامة‪ ،‬وتوجيه مركز الملك عبدهللا‬
‫للتطوير والتصنيع (كادبي) على إنتاج الكمامات والقفازات والمالبس ومواد التطهير لألفراد‬
‫وبناء المستشفيات الميدانية إلجراء الفحوصات والعزل للمصابين وكرافانات الحجر الصحي‬
‫عند المعابر وفي منطقة البحر الميت‪ .‬كما ساهمت القوات المسلحة األردنية واألجهزة األمنية‬
‫األخرى في مواكبة وحراسة الحافالت التي قامت بنقل المواطنين الخاضعين للحجر الصحي‬
‫من مطار الملكة علياء الدولي إلى أماكن الحجر الصحي في الفنادق المخصصة لذلك في‬
‫‪.‬العاصمة عمان ومنطقة البحر الميت‬
‫وعملت أيضا على تأمين الحماية لهذه األماكن ووضع نقاط الغلق لمنع الوصول لغير المعنيين‬
‫إلى هذه األماكن وكذلك منع المواطنيين من التنقل بين المحافظات واأللوية في أثناء تنفيذ‬
‫الحظر الشامل إلى جانب ضبط المركبات المخالفة ألوامر الحظر وحجزها في أماكن محددة‬
‫وإصدار تصاريح التنقل للمركبات‪ .‬ومن الناحية اإلعالمية فقد كان للقوات المسلحة األردنية‬
‫السبق في ذلك من خالل الناطق اإلعالمي للقوات المسلحة األردنية‪ -‬الجيش العربي‪ -‬في‬
‫‪.‬إصدار البيانات اليومية واإليجازات الصحفية والتعليمات‬
‫وساهمت طائرات سالح الجو ممثلة في طائرات النقل العسكري واإلخالء واإلسعاف‬
‫الطبي والمروحيات في نقل المساعدات والمعدات الطبية والمواطنيين‪ U‬من داخل المملكة‬
‫وخارجها حيث شارك سمو ولي العهد األمير الحسين بن عبدهللا المعظم في عمليات نقل‬
‫المساعدات للمواطنيين بواسطة مروحيات سالح الجو الملكي وكذلك كان لمديرية النقل‬
‫العسكري دور بارز في نقل المواطنيين الخاضعين للحجر الصحي من مطار الملكة علياء‬
‫الدولي إلى الفنادق المخصصة للحجر الصحي في العاصمة عمان ومنطقة البحر الميت‬
‫بواسطه حافالت النقل العسكري وذلك بتوجيهات مباشرة من جاللة القائد األعلى للقوات‬
‫المسلحة وبمتابعة من القيادة العامة للقوات المسلحة األردنية ممثلة في عطوفة رئيس هيئة‬
‫األركان اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي‪ .‬كما قامت القوات المسلحة األردنية بإعادة العديد‬
‫من مواطني الدول العربية والصديقة بطائراتها من المناطق الموبوئة بفيروس الكورونا وبذلك‬
‫يكون دورها قد وصل إلى دول صديقة وعربية ليؤكد رؤى جاللة القائد األعلى في بيان الدور‬
‫‪.‬اإلنساني للقوات المسلحة األردنية‬
 ‫أما قوات حرس الحدود فكان لها دور كبير في ضبط الحدود والمعابر من خالل مراقبة‬
‫البضائع الداخلة لألردن وفحصها وضمان سالمتها وخلوها من فيروس كورونا وعملت قوات‬
‫حرس الحدود أيضا على فرض الحجر الصحي على السائقين فور وصولهم للحدود األردنية‬
‫وإجراء الفحص الطبي لهم وفي حال اصابتهم العمل على حجرهم إضافة إلى دورها األساسي‬
‫المتمثل بحماية حدود الوطن ومنع عمليات التسلل والتهريب‪U.‬‬
‫لقد كان للتوجيهات الملكية السامية ولإلجراءات الحكومية وللتنظيم المحكم القائم على‬
‫االنضباط واإلنجاز وااللتزام بالتعليمات والتوجيهات‪ ،‬والقدرة على التخطيط والحسابات الدقيقة‬
‫لكل كبيرة وصغيرة‪ U‬عند التنفيذ‪ ،‬وامتالك الموارد البشرية المدربة والمؤهلة وتوافر إدارات‬
‫هندسية وطبية واقتصادية وكافة أنواع المعدات واألجهزة عند القوات المسلحة األردنية –‬
‫الجيش العربي‪ -‬دور كبير في نجاح القوات المسلحة األردنية وأجهزة الدولة كافة في مواجهة‬
‫جائحة فيروس كورونا‪ ،‬إلى جانب المكانة العالية واإلحترام والتقدير الكبيرين التي تتمتع بهما‬
‫القوات المسلحة األردنية واألجهزة األمنية األخرى عند المواطنيين مما ساهم في تسهيل القيام‬
‫‪.‬بمهماتها التي أوكلت لها‬
‫وداللة على الرعاية السامية التي يوليها جاللة القائد األعلى للقوات المسلحة األردنية‬
‫واألجهزة األمنية األخرى فقد أنعم جاللة الملك على القوات المسلحة األردنية – الجيش‬
‫العربي‪ ،‬بوسام الملك عبدهللا الثاني ابن الحسين للتميز من الدرجة األولى‪ ،‬تقديراً لجهودها‬
‫المتواصلة في حماية الوطن‪ ،‬وقيادة خلية األزمة الرئيسية للتعامل مع جائحة كورونا‪ ،‬ودور‬
‫كوادر الخدمات الطبية الملكية الكبير في مكافحة الفيروس‪ ،‬وتسلمه رئيس هيئة األركان‬
‫‪.‬المشتركة اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي‬
‫وفي الختام نؤكد إعتزازنا وفخرنا بقواتنا المسلحة وأجهزتنا األمنية بقيادة جاللة الملك عبدهللا‬
‫الثاني ابن الحسين حفظه هللا ورعاه ونسأل هللا سبحانه وتعالى أن يحفظ األردن ملكا وشعبا‬
‫وأن تبقى قواتنا المسلحة األردنية درعا منيعا للوطن وأن يزول هذا البالء عن بلدنا وعن‬
‫‪.‬اإلنسانية جمعاء‬