You are on page 1of 27

‫الصفحة ‪42 - 16 :‬‬ ‫املجلد ‪ / 02 :‬الع ــدد ‪ / 02 :‬السنة ‪2022 :‬‬ ‫أفانين الخطاب‬

‫) ‪( Afanin el-khitab‬‬

‫حتليل خطاب كتاب "النقد الثقايف قراءة يف األنساق الثقافية العربية" لعبد هللا الغذامي‪،‬‬
‫الوظيفتني املرجعية والشعرية أمنوذجا‪.‬‬
‫‪Analysis of the discourse of the book "Cultural Criticism, reading in‬‬
‫‪the Arab Cultural Forms" by Abdullah Al-Ghadami, the reference and‬‬
‫‪poetic functions as a model.‬‬
‫‪‬‬
‫بـوزيـ ان بغلول‬
‫كلية اللغة العربية وآداهبا واللغات الشرقية‪ ،‬اجلزائر‪bouziane.01.loul@gmail.com .‬‬
‫اتريخ االستالم‪ 2022 /10/31 :‬ـ ـ ـ اتريخ القبول‪ 2022/12/04 :‬ـ ـ ـ اتريخ النشر‪2022/12/31 :‬‬

‫ملخص‪:‬‬
‫حنن أمام فرضية أ ّن تنميط الثقافة وجتاوز حرية اإلبداع مسة من مسات اخلطاب النقدي الثقايف العريب‬
‫املعاصر‪ ،‬ومها فيه أعمق إحكاما يف توليد اإلشكاليات ورعايتها من خطاب النقد األديب املعاصر؛ حيث‬
‫التحول املت ناغم مع أحدث النظرايت يف‬
‫من املفروض أن مسة اخلطاب النقدي األديب العريب املعاصر هي ّ‬
‫العلوم ذات الصلة‪ ،‬وأسوة بنظريه الغريب‪ ،‬كومجاهرين أن نظرية النقد الثقايف ال تبحث عن الثقايف داخل‬
‫األديب فحسب كما يزعم الكثريون‪ ،‬بل حتاول اإلحاطة ابلظاهرة األدبية من مجيع جوانبها ملتمسة حىت‬
‫آلية النقد األديب الذي أعرض عنها الغذامي كم ا قال به آيزر برجر‪ ،‬ألنه ما نشأ هذا النشاط إال كي‬
‫يتجاوز البنيوية إىل ما بعدها‪ ،‬أي العودة إىل إيالء املؤلف والتاريخ االعتبار‪ ،‬إذن لن نكتفي ابلنظر إىل‬
‫نظرية النقد الثقايف من زاوية بنيوية‪ ،‬نتيجة الوصم ابلغموض عند وضع ما يعاكس تنميط الثقافة (االنفتاح)‬
‫يف االع تبار‪ ،‬بل سنتوسع إىل رصد النقد احلضاري كذلك‪ ،‬كما مورس عربيا يف فرتة النقد احلديث‪.‬‬
‫الوصم من نتائج إشكالية جدل التحديث (االزدواجية الثقافية) أو إشكالية‬
‫وابلنتيجة سنجد أن هذا ْ‬
‫ض َح جبدل‬
‫جدل استيعاب وفهم احلداثة؟ ابعتبار أن دراسة األدب ونقده وفق منهج علم اللغة احلديث ن َ‬

‫‪ . ‬املؤلف املرسل‪ :‬بوزاين بغلول‬


‫‪16‬‬
.‫ الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‬،"‫تحليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية‬
‫بوزيان بغلول‬

‫ وهو يف احلقيقة جدل ينم عن كشف‬،‫ثقايف قبل أن تنضح الثقافة جبدال النقد التقليدي مع النقد اجلديد‬
.‫مضمرات وقبحيات تنقد الثقافة؛ إذ ليست هي ِمن النقد الثقايف يف شيء ملا انطوت منغلقة على نفسها‬
ّ
.‫ الرسالة‬،‫ الوظيفة املرجعية‬،‫ النمطية‬،‫ األنساق الثقافية‬،‫ اخلطاب‬:‫الكلمات املفتاحية‬
Abstract:
We are in front of the hypothesis that the stereotyping of culture and
the transgression of freedom of creativity is a feature of the contemporary
Arab cultural critical discourse, in which they are more precise in
generating and nurturing problems than the discourse of contemporary
literary criticism; It is assumed that the characteristic of contemporary Arab
literary critical discourse is the harmonious transformation with the latest
theories in the relevant sciences, and similar to its Western counterpart,
since the theory of cultural criticism does not search for the cultural within
the literary only, as many claim, but tries to encompass the literary
phenomenon in all its aspects, seeking Even the mechanism of literary
criticism that Al-Ghadami presented about, as Iserberger said, because this
activity only arose in order to transcend structuralism to its aftermath, that
is, to return to giving consideration to the author and history. When we t ake
into account what contradicts the stereotyping of culture (openness), we
will expand to monitoring cultural criticism as well, as was practiced in the
Arab world during the period of modern criticism.
As a result, we will find that this stigmatization is a result of the
problematic of the modernization debate (biculturalism) or the problem of
the controversy of assimilation and understanding of modernity?
Considering that the study and criticism of literature according to the
approach of modern linguistics has exuded a cultural controversy before
culture exuded the controversy of traditional criticism with the new
criticism. It is not a cultural criticism in anything when it closed in on itself .
Keywords: the discourse; cultural formats; stereotyping; Reference
function; the message.

17
‫ت حليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫‪ .1‬املقدمة‪:‬‬
‫تقوم إشكالية دراستنا وفرضيتها على أن خطاب النقد الثقايف ضمن حيز ثقايف‪ ‬منطي متهيب من‬
‫ثقافة اآلخر (كالذي دعا إليه الغذامي يف كتابه املعروف‪ ،‬وقام بينه وبني أنصار الفحولة الشعرية العربية‬
‫أنفسهم؛ أدونيس ودرويش جدل وخصومة خطاب غري منتهية) هو نقدٌ للثقافة ال ميكن أبي حال اعتباره‬
‫نقد ثقايف‪ ،‬كالذي دعا إليه مؤسسوه‪ :‬ليتش وكهامير وأدورنو‪ ،‬والذين ركزوا عكس ما فعل الغذامي على‬
‫الفعل الال شعوري لثقافة اجلمهور االستهالكي‪ ،‬كثقافة مجهور املؤسسات اليت تسللت إليها وعرب التاريخ‬
‫ثقافة احلومة فبصمتها ببصمتها (فأصبحت مؤسسة رمسية وهامشية يف آن) وأمهلوا الثقافة األنثروبولوجية‪،‬‬
‫كوهنا تبقى ـ ـ ليس يف عصر العوملة وإمنا منذ التنوير ـ حالة فردية وخاصة بل ومقبولة لطبيعة األدب والشعر‬
‫ضيع معها ذلك‬ ‫الذاتية ابخلصوص املصيب جلوانح النفس وخلجاهتا الشعورية إىل درجة مفرطة قد ي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫تكرست الثقافة العليا آليا كثقافة عليا‪ ،‬ليس ألهنا جلبت احلداثة للبشرية‬ ‫ّ‬ ‫املنظور‬ ‫الشعور‪ ،‬ومن هذا‬
‫فحسب‪ ،‬لكنها وإىل اآلن أتباعها يش ّكلون أغل بية املعمورة‪ ،‬وحىت العلم نفسه بُين على صوت األغلبية اليت‬
‫بنيت عليها‪.‬‬
‫وعندما تدعو الثقافة الغربية "العاملية" ثقافات العامل للتفاعل‪ ،‬فيها َمن قبلت وفيها َمن رفضت منتكسة‬
‫متقوقعة‪ ،‬ألن مبادئها تقوم على أيديولوجية مناوئة لقيم العلم والدميقراطية‪ ،‬فهي ثقافة دنيا‪ ،‬والنسق الثقايف‬
‫املضمر (اجلمايل اخلاص والفردي ابملتنيب وأدونيس وغريمها ) يف القراءة املا بعد حداثية للمتخيَّل والذي‬‫َ‬
‫استقصته نظرية النقد الثقايف العريب (الغذامي أمنوذجا‪ ،‬يف الشعر) جوهره الطبيعة اجلدلية لألدب الذي‬
‫يتحقق عرب مرسل ورسالة ومرسل إليه‪ ،‬ولدى املرسل نوع من التعبري اجلمايل وامللح يف خواجل صاحبه عن‬
‫رفض األيديولوجيا مهما كان مصدرها‪ ،‬أي رفض النسق الثقايف الذي حيمل قيم الثقافة الدنيا املضطهدة‬
‫حلرية االختيار واإلرادة ‪ ،‬وما ينتج عنهما من علم ودميقراطية ‪ ،‬وهو ذلك النسق ضمن سياق ي ِ‬
‫ضمر الذود‬ ‫ُ‬
‫كحجة له‪ /‬ذريعة الالوعي ابحلداثة واملتبدية‬
‫عن القيم األنثروبولوجية واألخالقية غري احلداثية‪ ،‬واملُظهرا بدهلا ّ‬
‫يف شكل إفراط يف التعبري اخلصوصي عن اجلماليات الشعرية (الفحولة)!‬

‫‪ .‬احليز الثقايف‪ ،‬والسياق‪ ،‬والبنية الذهنية كلها تشري يف حبثنا إىل الوظيفة املرجعية للخطاب ِ‬
‫املعين ابلتحليل‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫تحليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫لعل من اإلشكالية املتفرعة عن إشكالية نقد الغذامي للثقافة مرتكزا على خطاب وظيفته احلفاظية‪،‬‬ ‫و ّ‬
‫عكس خطاب النقد املا بعد احلداثي الغريب‪ ،‬هي إشكالية عدم حتدد كيان ومفهوم خاص بنظرية األدب ‪،‬‬
‫ضمر البد أن ينفتح على سياق مادي‬ ‫وابلتحديد أدبية األدب (رسالته اخلطابية) كنسق معنوي جمرد ُم َ‬
‫ضمر‪ ‬لوظيفة مرجعية‪ ،‬وهنا متحض ِخلطاب النقد‬ ‫ثقايف ذايت ‪ ،‬أي املرسل وهو يف حالة دراستنا مرسل م ِ‬
‫ُ‬
‫الثقايف العريب املعاصر جدله املعاصر‪ :‬من يومئ إىل الطرف املقابل النسق املضمر أم السياق امل ِ‬
‫ضمر؟ ومها‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫ال يغدوان كوهنا طرفا معادلة جدلية متيّز األدب شعرا ونثرا‪ .‬فإشكاليات النقد األديب العريب املعاصر منجرة‬
‫عن مفارقة وظيفة اللغة لوظيفة األدب لوظيفة للغة اليت يف اللغة أي اخلطاب‪ ،‬أي إشكالية استحالة‬
‫الدراسة العلمية للمعىن الذي هو جوهر وظيفي لكل واحد منهم‪ ،‬وهذا اإلشكال يبقى قائم جراء عدم‬
‫جتدد خطاب النقد الثقايف العريب املعاصر‪.‬‬
‫أما منهج حبثنا ف تحليل اخلطاب‪ ،‬ذلك اجلسر الذي من املفروض أن يربط بني املناهج البنيوية واملناهج‬
‫ما بعد البنيوية؛ ال ميكن للتحليل جتاوز نسق اللغة املتشكلة عند احلديث عن األنساق الثقافية؛ وحنن‬
‫بصدد موضوعي اللغة والثقافة‪ ،‬والتواصل بني الناس حوهلما يتطلب إقناع أي خطاب (وعدم االقناع يف‬
‫اخلطاب يُصطلح عليه ابجلدل)‪ ،‬لذلك لن نلم لوظائف جا ُكبسون املتعلقة ابخلطاب (املرسل‪ :‬وانفعاليته‪،‬‬
‫الرسالة وشعريتها وحفاظيتها ومرجعيتها ووصفيتها‪ ،‬املرسل إليه وأتثريته) كلها ابلتحليل لكن نركز عن‬

‫‪ " .‬املبادئ الوضعية اليت يرتكز عليها املنهج البنيوي واليت تصاغ النظرايت العلمية على أساسها عبارة عن مرتكزات أنطولوجية‬
‫وأنثروبولوجية وإبستمولوجية‪ ،‬وكما هو معلوم فاملباحث األنطولوجية تتمحور حول جمموعة من األسئلة اليت تستفسر عن قضااي من‬
‫اليت من مجلتها‪ :‬هل العلم ب وجود شيء يوصف بكونه حقيقيا؟ ما هو التفسري العلمي الصحيح لألمر احلقيقي؟‬
‫وأما املباحث األنثروبولوجية فتطرح يف رحاهبا أسئلة حول دور اإلنسان يف الوجود وكل ما ميت بصلة بكيانه‪ ،‬يف حني أن املباحث‬
‫اإل بستمولوجية‪ ،‬يتم فيها تسليط الضوء على حقيقة العلم واملعرفة وشىت ا لسبل الكفيلة الستكشاف احلقائق‪ .‬من املؤكد أن معرفة‬
‫االستنتاجات الفلسفية الصائبة لكل نظرية تستوجب إملام الباحث ابألطر العامة ملختلف التيارات الفكرية اليت هلا أتثري يف صياغتها‪،‬‬
‫فالتنظري العلمي ال يقتصر على اخللفيات اإلبستمولوجية فقط‪ ،‬وإمنا هناك خلفيات أنطولوج ية مؤثرة على مضمونه‪ ،‬وهذه اخللفيات‬
‫عادة ما تغرس يف نفس املنظر دوافع خاصة لطرح ما جيول يف خاطره من مبادئ اجتماعية وثقافية يف رحاب نظرايت؛ لذا يقال أن‬
‫منهجية العلوم اإلنسانية تتجاوز نطاق ارتباط النظرية ابملبادئ الفلسفية وتدور يف فلك حتليل دور العناصر غري اإلبستمولوجية ذات‬
‫التأثري يف ظهور إحدى النظرايت‪ ،‬ومن مجلة هذه العناصر ما يعتربه املفكرون خلفيات اجتماعية وفكرية التيارات واالجتاهات املؤثرة‬
‫على املنظومة الفكرية للمنظر‪ ،‬وهذه األمور تندرج يف واقع احلال ضمن اخللفيات األنطولوجية" ينظر حسني حاج حممدي‪ ،‬مدرسة‬
‫برمنغ هام ماهيتها ورؤاها يف بوتقة النقد والتحليل‪ ،‬ترمجة أسعد الكعيب‪ ،‬العتبة العباسية املقدسة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،2019 ،1‬ص ‪ 11‬ـ‬
‫‪19‬‬
‫ت حليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫عرب عن اخلطاب‬‫الوظيفة الشعرية يف خطاب الغذامي‪/‬الرسالة‪ ،‬اليت مل تفقد ألقها الشعري املفروض أنه يُ ّ‬
‫الشعري العريب فحسب بل انزاحت عنه كليةً إىل خطاب منطية ثقافية‪ ،‬وابلنتيجة قل تركيزان الصايف على‬
‫مصطلحات اخلطاب ووظائفه الست لدى جا ُكبسون ألننا جيب أن نستشهد ومنثّل بتنميط الثقافة‪ ،‬وهي‬
‫من صميم السياق اجملتمعي؛ ما حتم إيالئنا األمهية لوظيفة اخلطاب املرجعية وعالقتها ابلوظيفة الشعرية‪.‬‬
‫ووقع حبثنا رغما عنه خمالطا لشذرات من التأرخيانية اجلديدة‪ ،‬ذلك أن حتليل موضوع جت ُدد اخلطاب‬
‫السوسيو ـ ثقايف (ديين‪ ،‬سياسي‪ ،‬اجتماعي) من عدمه موضوع فلسفي له عالقة ابلدراسات الثقافية‪ ،‬وكل‬
‫من النقد الثقايف والفلسفة وحتليل اخلطاب يشرتكون يف تداول املصطلحات‪ :‬األنثروبولوجيا‪ ،‬األخالق‪،‬‬
‫املرجعية‪ ،‬البىن الذهنية‪" ..‬فالباحث يف علم االجتماع يتطرق مثالً إىل حتليل واقع الثقافة‪ ،‬بينما الباحث‬
‫املعين ابلدراسات الثقافيّة يتبىن ضرابً من البحوث اليت تتمحور حول حتليل اخلطاب‪ ،‬حيث يسلّط الضوء‬
‫شىت أمناط العلوم‬
‫على جمموعة من الرؤى واألفكار والرموز واملسائل الوظيفية املرتبطة أبساليب احلوار يف ّ‬
‫ومسائلها األساسية‪ ،‬كما يبادر إىل بيان بعض املواضيع اخلاصة والنشاطات االجتماعية واألطر املؤسساتية‬
‫رسلني (عدة ابحثني على املستوى‬ ‫يف اجملتمع"( ‪ )1‬وقد َعرف تداول هذا اخلطاب ومصطلحاته عدد من امل ِ‬
‫ُ‬
‫الفلسفي كأدونيس وحسن حنفي وحممد أركون وفؤاد زكراي واجلابري‪)..‬‬
‫أما على املستوى النقدي فتعمق فيه عبد هللا الغذامي بعد كل ِمن علي الوردي وإدوارد سعيد‪ ،‬وهو‬
‫يهمش األنساق األيديولوجية‪ ،‬ويف كتابه هذا نسعى إىل الكشف عن متركز‬ ‫برتكيزه على األنساق الذاتية ّ‬
‫خطابه النقدي الثقايف (متركزا ابإلضمار يف الثقافة كنمط أيديولوجي ) ووظيفته املؤسسة للمعاين والرموز‪،‬‬
‫كسلطة متركز أيديولوجي ديين وسياسي‪" ،‬وأتويل هذه األنساق املضمرة من حيث هي مكوانت ثقافية‬
‫( ‪)2‬‬
‫للمجتمع حتتاج إىل أتويل ثقايف عميق يبني طبيعة هذه املوضوعات اليت ميكن أن تنتجها هذه األنساق"‬
‫‪ .2‬اخلطاب ووظائفه‪:‬‬
‫‪ 1.2‬مفهوم اخلطاب وحتليل اخلطاب‪:‬‬
‫اخلطاب حسب "بنفنيست" هو كل مقول يفرتض متكلما ومستمعا تكون لدى األول نية التأثري يف‬
‫الثاين بصورة ما( ‪ .)3‬بيد أن غرمياس جيعل من "النص" مرادفا للمقول أو للخطاب مستندا إىل اشرتاك‬
‫اللفظتني يف أداء املعىن‪ . ‬ويكون مصطلح اخلطاب عرب مراحل تبلوره يف النقد األديب املعاصر قد اختذ‬
‫مفاهيم متعددة أمهها‪:‬‬
‫‪20‬‬
‫تحليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫أ ‪ -‬خطاب مرادف للمفهوم السوسريي "كالم" وهو معناه املعروف به يف اللسانيات البنيوية‪.‬‬
‫ب ‪ -‬اخلطاب منسوب إىل فاعل‪ ،‬وحدة لغوية تتجاوز أبعادها اجلملة أو منقول‪.‬‬
‫ج ‪ -‬مقول منظورا إليه من زاوية امليكانزمات اخلطابية املتحكمة فيه أو املكيفة له‪ ،‬وهكذا فإن نظرة النص‬
‫من حيث كونه بناء لغواي جتعل منه مقوال‪ ،‬أما البحث يف ظروف وشروط إنتاجه فتجعل منه خطااب( ‪.)4‬‬
‫وأما مصطلح حتليل اخلطاب أو حتليل التلفظ فظهر ألول مرة مع زيليغ هاريس ‪ 1950‬الذي عين يف‬
‫حبوثه لفه م اإلجراءات وتبادالت الوحدات اجلملية‪ ،‬مستفيدا من التضمينات اليت وضعها فرديناند دي‬
‫سوسري بني اللغة والكالم ‪ ،‬لكن التأسيس الفعلي هلذا احلقل كان يف سنوات الستينيات مع انبالج التداولية‬
‫ونظرايت التلفظ‪ ،‬واللسانيات النصية والبعد احلواري للعملية اخلطابية‪ ،‬وحتليل اخلطاب يهتم ابجلانب‬
‫االستعمايل للغة‪ ،‬وحملل اخلطاب ملزم ابلبحث فيما تستعمل تلك اللغة ألجله‪ ،‬ويرى ابتريك شاردو‬
‫ودومينيك مانغنو‪ " :‬أنه من الصعب وضع تصور دقيق لتاريخ حتليل اخلطاب أو تعيني حدث ما ميكن‬
‫االنطالق منه يف وضع تصور حتديدي ملعىن هذا الرتكيب (حتليل اخلطاب ‪Analyse du‬‬
‫‪ )Discours‬مع ما جيب أن نشري إليه من املمارسات التطبيقية على النصوص من خالل التخصصات‬
‫القدمية‪ ،‬البالغة والفيلولوجيا واهلرمنيوطيقا‪ . .‬واعترب كالمها أن دراسة حتليل اخلطاب تقتصر على القضااي‬
‫التالية‪ :‬ـ ـ حتليل اخلطاب ابعتباره دراسة للخطاب أي دراسة االستعمال احلقيقي للغة من قبل متكلمني‬
‫حقيقيني يف وضعيات حقيقية‪ .‬ولعل من أمثلة ذلك استعمال لفظة اذهب يف عامية الغرب اجلزائري‪،‬‬
‫اكتسبت وضعية التداول املنصوص عليه يف القرآن‪ ،‬واحلامل ملعىن مقارب لإلهانة والتحقري (قال اذهب‬
‫فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا ) لذا جتد الواحد منهم يستعملها للشتم (اذهب اي وحد‬
‫احلمار) بينما يف الفصحى بقي معناها األمر ابملغادرة وترك املكان‪.‬‬
‫ـ ـ حتليل اخلطاب ابعتباره دراسة للتحادث اللغوي كظاهرة اجتماعية تفتقر إىل وجهة نظر احمللل‪.‬‬
‫ـ ـ حتليل اخلطاب ابعتباره وجهة نظر خصوصية‪/‬ذاتية وأدبية للخطاب‪ ،‬وال بد أن يصاغ حينئذ اخلطاب‬
‫( ‪)5‬‬
‫مبنيا للمجهول (خطاب‪ ،‬وحتليل خطاب) سواء كان األديب حمكيا أو مكتواب‬
‫‪ 2.2‬وظائف اخلطاب‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫ت حليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫يستهدف حتليل اخلطاب إعطاء وصف كيفي للنصوص اللغوية حتت الدراسة‪ ،‬وذلك من خالل الرتكيز‬
‫على بعدين أساسني مها‪ :‬أوال‪ :‬النص ‪ Text‬ويعين بنية اخلطاب الداخلية اليت تتألف منها املفردات‪،‬‬
‫والرتاكيب النحوية والصرفية‪ ،‬واجلمل‪ .‬واثنيا السياق ‪ Context‬ويعىن دراسة اخلطاب يف ضوء الظروف‬
‫اخلارجية واملؤثرات املباشرة عليه وظروف إنتاجه‪ ،‬فاخلطاب يرتبط ابجملتمع الذي ينتجه ويوجه إليه وحيمل‬
‫قيّمه‪ .‬يعين ذلك أن اخلطاب يستند إىل التواصل اللساين حسب رومان جاكبسون ‪Roman Jackobson‬‬
‫إىل ستة عناصر أساسية وهي‪ :‬املرسل‪ ،‬واملرسل إليه‪ ،‬والرسالة‪ ،‬والقناة‪ ،‬واملرجع‪ ،‬واللغة‪ ،‬حيث‪ :‬يرسل‬
‫املرسل رسالة إىل املرسل إليه‪ ،‬حيث تتضمن هذه الرسالة موضوعا أو مرجعا معينا‪ ،‬وتكتب هذه الرسالة‬
‫بلغة يفهمها كل من املرسل واملتلقي‪ .‬ولكل رسالة قناة حافظة‪ ،‬كالظرف ابلنسبة للرسالة الورقية‪ ،‬واألسالك‬
‫املوصلة ابلنسبة للهاتف والكهرابء‪ ، .. ،‬واللغة ابلنسبة ملعاين النص اإلبداعي‪ ..‬ويعين هذا أن اللغة ذات‬
‫بعد لساين وظيفي‪ ،‬وأن هلا ستة عناصر‪ ،‬وست وظائف‪ :‬املرسل ووظيفته انفعالية‪ ،‬واملرسل إليه ووظيفته‬
‫أتثريية‪ ،‬والرسالة ووظيفتها مجالية‪ ،‬واملرجع ووظيفته مرجعية‪ ،‬والقناة ووظيفتها حفاظية‪ ،‬واللغة ووظيفتها‬
‫وصفية وتفسريية‪ ،‬وارأتى جاكبسون أن للغة ستة عناصر أساسية‪ ،‬ولكل عنصر وظيفة‪:‬‬
‫‪ .1‬مرسل الرسالة؛ وظيفة انفعالية‪.‬‬
‫‪ .2‬رسالة الرسالة؛ وظيفة شعرية‪.‬‬
‫‪ .3‬مرسل إليه الرسالة؛ وظيفة أتثريية‪.‬‬
‫‪ .4‬قناة الرسالة؛ وظيفة حفاظيه‪.‬‬
‫‪َ .5‬مرجع الرسالة؛ وظيفة مرجعية‪.‬‬
‫‪ .6‬لغة الرسالة؛ وظيفة وصفية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فكثري من النصوص واخلطاابت والصور عبارة عن رسائل يرسلها املرسل إىل مرسل إليه‪ ،‬حيث‬
‫حيول املتكلم رسالته إىل نسيج من االنفعاالت واملشاعر واألحاسيس الذاتية‪ ،‬ويستخدم يف ذلك ضمري‬
‫املتكلم‪ .‬ومن مث‪ ،‬يتخذ املرسل بعدا ذاتيا قوامه التعبريية االنفعالية‪ .‬مبعىن أن الوظيفة االنفعالية التعبريية هي‬
‫اليت حتدد العالئق املوجودة بني املرسل والرسالة‪ ،‬وحتمل هذه الوظيفة يف طياهتا انفعاالت ذاتية‪ ،‬وتتضمن‬
‫قيما ومواقف عاطفية ومشاعر وإحساسات‪ ،‬يسقطها املتكلم على موضوع الرسالة املرجعي‪ .‬أما املرسل‬
‫إليه‪ ،‬فهو املخاطب الذي توجه إليه رسائل املتكلم بضمري املخاطب‪ ،‬بغية إقناعه أو التأثري عليه‪ ،‬أو إاثرة‬
‫‪22‬‬
‫تحليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫انتباهه سلبا أو إجيااب‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فإن الوظيفة التأثريية هي اليت تقوم على حتديد العالقات املوجودة بني‬
‫امل رسل واملتلقي‪ ،‬حيث يتم حتريض املتلقي‪ ،‬وإاثرة انتباهه‪ ،‬وإيقاظه عرب الرتغيب والرتهيب‪ ،‬وهذه الوظيفة‬
‫ذاتية ابمتياز‪ ،‬ما دمت قائمة على اإلقناع والتأثري‪ .‬إذاً‪ ،‬يتحول اخلطاب اللفظي أو غري اللفظي إىل رسالة‪،‬‬
‫وهذه الرسالة يتبادهلا املرسل واملرسل إليه‪ ،‬فيسامهان يف حتقيق التواصل املعريف واجلمايل‪ ،‬وهذه الرسالة‬
‫مسننة بشفرة لغوية‪ ،‬يفككها املستقبل‪ ،‬ويؤوهلا بلغته الواصفة‪ .‬وتتجسد هذه الرسالة ذات الوظيفة الشاعرية‬
‫أو اجلمالية عن طريق إسقاط احملور االستبدايل على احملور التأليفي‪ ،‬أو إسقاط حمور الداللة واملعجم على‬
‫حمور الرتكيب والنح و انزايحا أو معيارا‪ .‬ويعين هذا أن الوظيفة اجلمالية أو الشعرية هي اليت حتدد العالئق‬
‫املوجودة بني الرسالة وذاهتا‪ ،‬وتتحقق هذه الوظيفة أثناء إسقاط احملور االختياري على احملور الرتكييب‪،‬‬
‫وكذلك عندما يتحقق االنتهاك واالنزايح املقصود بشكل من األشكال (‪ )..‬ومن هنا‪ ،‬هتيمن الوظيفة‬
‫اجلمالية الشعرية على الشعر الغنائي‪ .‬يف حني‪ ،‬هتيمن الوظيفة التأثريية على اخلطبة‪ ،‬وهتيمن الوظيفة‬
‫امليتالغوية على النقد األديب‪ ،‬وتغلب الوظيفة املرجعية على النصوص التارخيية‪ ،‬وهتيمن الوظيفة االنفعالية‬
‫( ‪)6‬‬
‫على النصوص الشعرية الرومانسية‪ ،‬وتغلب الوظيفة ا حلفاظية على املكاملات اهلاتفية"‬
‫وحتول وظيفتها الشعرية‬
‫‪ .3‬الرسالة يف خطاب كتاب "النقد الثقايف قراءة يف األنساق الثقافية العربية" ُّ‬
‫إىل وظيفة مرجعية حفاظيه للثقافة النمطية‪:‬‬
‫برغم أن مفهوم الثقافة خيتلف عند الغريب عن الشرقي إال أن كليهما يقسماهنا إىل شقني‪ :‬الشق‬
‫املادي والتقين‪ ،‬ويسمى ابحلضارة وابلتكنولوجيا‪ ،‬والشق املعنوي واألخالقي واإلبداعي‪ ،‬ويسمى ابلثقافة‪،‬‬
‫واإلبداعي (كثقافة مجالية) عندما ينضح ابجلدل‪ ،‬كاجلدل املتعلق مبفهوم األدب يف نظرية األدب املعاصرة‬
‫يُضيّع كثريا من بريق اجلمال فيه أي يضي ع الوظيفة الشعرية‪ .‬غري أن النقاشات اليت أعقبت ميالد النقد‬
‫الثقايف العريب كان األوىل هبا إاثرة التساؤل ااثرة ثقافية ال منهجية مغلقة فقط‪ ،‬كالسؤال‪ :‬نقد أديب أم نقد‬
‫ثقايف؟ الذي طرحه عبد النيب اصطيف على الغذامي للمناقشة عام ‪ 2004‬املنطوي على وجاهة منهجية‬
‫ختضع ملتطلبات منطق البحث العلمي النظري والتطبيقي‪ ،‬غري أنه يطرح متاهيه ‪identification‬‬
‫(وليس متثُّال) مع النقد الذي وجهه رميوند بيكار عام ‪ 1965‬ساخرا من كتاب روالن ابرت "نقد جديد‬
‫أم خدعة جديدﺓ؟" ـ ـ ألن التماهي تقليد كلي عكس التمثّل‪ :‬من "اقتص األثر" أو سار على مثل أو‬
‫طريق فالن منهجا وليس ثقافة انسخة للخصوصية ـ ـ مل يضع يف االعتبار اخلصوصيات الثقافية‪/‬املنظومة‬
‫‪23‬‬
‫ت حليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫الثقافية يف استيعاب الفكر النقدي احلديث مث احلداثي وما بعد احلداثي وهذا ما نسعى للكشف عنه يف‬
‫مؤلف الغذامي املوسوم "النقد الثقايف قراءة يف األنساق الثقافية العربية" الصادرة طبعته األوىل عام ‪.2000‬‬
‫لكن ُجييبه الغذامي حبواب عن السؤال‪َ :‬أوال يكون النقد الثقايف جمرد تسمية حديثة لوظيفة قدمية؟‬
‫يقول‪ :‬بلى‪ ،‬هو كذلك‪ ،‬كون استحسان أو استهجان العادة املتعلقة ابملرء أو املتضمنة يف خطابه وعن‬
‫ذوق هي أصل النقد األديب‪ .‬ومبناقشة وجهة النظر الذاتيتني يف خطايب الغذامي وأصطيف هاتني نكون ق د‬
‫انتقلنا إىل حتليل اخلطاب كما عرفه دومينيك منغونو‪" :‬اخلطاب نظام إكراهات تتحكم يف إنتاج جمموع‬
‫الهنائي من امللفوظات انطالقا من موقع معني اجتماعي أو أيديولوجي مثل اخلطاب النسوي"( ‪ )7‬وخطاب‬
‫التجديد أو جتديد اخلطاابت منها الدينية خاضع إلكراهات ألنساق خطابية مند رجة ضمن تفاعالت‬
‫العوملة واهلوية‪ /‬احمللية‪ ،‬وهو ما أرهص أو حدس به فوكو حني انقض دريدا (ال هنائية املعىن) بقوله بتشكيل‬
‫اخلطاب ابلتجدد‪ " :‬إن اخلطاب يشكل وحيدد وينتج موضوعات املعرفة بطريقة معقولة‪ ،‬ابملقابل يستبعد‬
‫( ‪)8‬‬
‫أشكاالً أخرى من املعقويل ‪ reasoning‬ابعتبارها غري معقولة"‬
‫وعبد هللا حممد الغذامي (‪ ) 1946‬الناقد العريب السعودي املعاصر وأستاذ النقد والنظرية قد حدث له‬
‫ما حدث لروالن ابرت من حتول من حال إىل حال كلّما اكتشف نقصا يف النظرية الفالنية إال واستبدهلا‬
‫أبخرى ولسان حاله يكاد أن يقر أن اخلطاب النقدي الثقايف يف حتول ودوران مثله مثل اخلطاب النقدي‬
‫األديب‪ ،‬وهذا ما نستشفه أوال يف خطاب كتابه األول الذي قد يظهر ملتخصص غريب يف النقد الثقايف أنه‬
‫مؤلف جد بدائي واثنيا ملؤلفاته يف العشرية األخرية‪ ..‬اليت انتقل فيها من التنظري النقدي الثقايف للتنظري يف‬
‫فلسفة الفن واجلم ال أو أبستمولوجيا املعرفة بصفة عامة كمؤلفات‪ :‬الليربالية اجلديدة أسئلة يف احلرية‬
‫والتفاوضية الثقافية (‪ ،) 2013‬ما بعد الصحوة حتوالت اخلطاب من التفرد اىل التعدد (‪ ،)2015‬اجلنوسة‬
‫النسقية أسئلة يف الثقافة والنظرية (‪ ،)2017‬السردية احلرجة العقالنية اجلديدة أم الشعبوية (‪،)2019‬‬
‫العقل املؤمن والعقل امللحد (‪ ،) 2020‬مآالت فلسفية من الفلسفة إىل النظرية (‪.)2021‬‬
‫‪ 1.3‬ذهنيات راسخة وأزلية ابالستمداد من الرصيد السوسيو ـ ثقايف‪:‬‬
‫‪ 1. 1 .3‬مقارنة بني نظرية النقد الثقايف الغربية ونظرية النقد الثقايف العربية‪:‬‬
‫إن نظرية النقد الثقايف العربية مل َتر النور بعد‪ ،‬واألجدر هبا الدرس واملناقشة العربيني بدل نظرية عبد‬
‫هللا الغذامي احلداثوية { اليت حرفت مبادئ مناهج احلداثة وما بعد احلداثة‪ ،‬البنيوية وما بعد البنيوية‪ ،‬خلدمة‬
‫‪24‬‬
‫تحليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫منط ثقايف يعيش فيه الغذامي‪ ،‬وقد حال له االنتقال فيه شرقا وغراب لتوفُّر الظروف احلداثوية تلك لنظريته؛‬
‫فقد اغتنم فرصة ولع املغاربة ابملناهج البنيوية من أجل املقايضة‪ :‬مقابل أن يعرتف مبا أقدم بعض نقاده‬
‫أخرج هلم نظريته تلك املشيّدة على أرضية بنيوية كي يعرتفوا هبا دون جدال كمقابل مبقابل (وهذا الصنيع‬
‫ليس بغريب عن ثقافتنا إذ بعد النكسة صعد التيار اإلسالمي مهددا أنظمة احلكم الوطنية‪ ،‬مما جعل هذه‬
‫األخرية تقيم حتالفا اسرتاتيجيا معها على حساب قيم احلداثة احلقة)}‬
‫إن نظرية النقد الثقايف تقوم على كشف نسق مجهرة استهالكية مضادة للوعي احلداثي‪ ،‬ال التقليدي‬
‫أو ما يبدو أن ه حداثي شكال فقط أي منتقي للحداثة مبا حيفظ منطية ثقافية حملية‪ ،‬إذن جيب أن تقوم‬
‫على نشاط يكشف مضمرات اجلماليات اليت ليس مصدرها بنية أخالقية ذهنية‪ ،‬ألن اليت مصدرها‬
‫أخالقي ذهين (الفحولة الشعرية) هي ظاهرة بنيوية مرتبطة بوجود ما يعارضها‪ ،‬وهو االلتزام األيديولوجي‬
‫‪ /‬بل األكثر من ذلك االلتزام الردعي االجتماعي بكل أنواعه‪ ،‬وليس حمللل بنيوي أو ثقايف أن يقف يف نظام‬
‫البنية‪ ،‬كل ما مصدره تفاعل عناصر البنية‪ ،‬ليقف او مييل اىل جانب احداها على حساب األخرى فهذا‬
‫يعارض مبدأ من مبادئ البنيوية وهو الكلية والتنظيم الذايت للبنية من دون تدخل خارجي‪ ،‬ويف هذه احلالة‬
‫ما املضمر الال شعوري أو القبح اجلمايل إال إحدى جتليات‪ /‬معاين انتظام البنية الذهنيةـ وخري ما فعلوا‬
‫حتليال اجتماعيا من سبقوا الغذامي‪ ،‬لوسيان جولدمان وم‪ .‬ابختني يف حتليل هذه املخرجات االجتماعية‬
‫اخلارج نصية يف إطارها البنيوي أبهنا إضافة مجالية ذهنية بنيوية وليست قبحا مجاليا وهي أبعد ما تكون عن‬
‫املضمرات‪ ،‬ألن الثقافة األوروبية منفتحة ال تغلقها منطية معينة‪.‬‬
‫ومشوه كذلك‬
‫أما كشف نفس املضمر من قبل الغذامي ضمن مبادئ ما بعد البنيوية فغري منهجي ّ‬
‫ألنه سيصطدم حبرية املتلقي يف تلقي ما يشاء من اجلماليات‪ ،‬حىت تلك اليت تتعارض مع االخالق العامة‪.‬‬
‫لعل ما يقع حبق ضمن أخالق املعاملة أو السلوك االجتماعي هي القبحيات احلقة اخلاصة ابلنمط‬ ‫و ّ‬
‫الثقايف العريب املنغلق وهي مضمرة فيه ألنه ال يشعر هبا وهي ابلذات اليت هلا عالقة وطيدة بثقافة‬
‫خطاب النص أي ببنية خط اب النص ووظائفه اجلمالية ال بثقافة ما هو خارج النص أي وجود عالقة‬
‫تربط كل العناصر اليت هلا عالئق بنية مادية نفسية ؛ يف إنتاج وتلقي النص‪ ،‬وهي سلوكيات منحطة يهاهبا‬
‫الغريب وينفر منها‪ ،‬بعكس العريب الذي أيتيها بكل حيثياهتا ألهنا ليست من كبائر احملرمات وهي السرقة‬
‫األدبية يف النقد‪ ،‬الغش األديب يف النقد‪ ،‬ضياع الضمري املهين واألخالقي‪ ،‬بيع ال ّذمة أو شرائها إبزاء النص‪،‬‬
‫‪25‬‬
‫ت حليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫االنغماس يف التزلف والتملق لصاحب نص (أو انقد النص) يتمتع ابجلاه والنفوذ أي هناك احتياال ألن‬
‫نصه ال حيظى جبماليات تستحق التنويه واإلشادة‪ ..‬وهذا ال يدعى قي َمنَة ال ّشعرية كما ي ّدعون‪ ،‬بل هو من‬
‫صميم شعرنة القيم‪ ..، ‬وذيوع "اإلمعة" ذات العالقة ابلنص‪ ،‬يعين انتشار الضعف األديب والنقدي‪،‬‬
‫واألسلوب اجلمايل‪ ،‬وهذه جتليات معاين القبح النسقي الثقايف الذي ما بعده قبح‪ ،‬اليت تستأثر أبصحاهبا‬
‫ال شعوراي وهم إبزاء النص‪ ،‬كي يعلوا منازل ومراتب اآلخرين ويسطون بذلك على أرزاقهم‪.‬‬
‫فالنقد الثقايف يف حقيقته ليس حاٍم للنمط‪ ،‬وإمنا حمطّم له برتكيزه على اهلامشي والشعيب املفارق الذي‬
‫وعيه وعي استهالكي ليس مجايل فحسب‪ ،‬ولكن أيضا ثقايف استهالكي للثقافة اجلماهريية املتمركزة؛ يف‬
‫الفيلم‪ ،‬واملوسيقى‪ ،‬والوجبات‪ ،‬والديكور واهلندسة‪ ..‬بكشفها وتقدميها مض مرا ثقافيا حداثيا‪ .‬أما التقليد‬
‫كمصطلح فال يقابله مصطلح احلداثة يف النظرية ما بعد البنيوية‪ ،‬ولكن يقابله مصطلح النسق ألن كل‬
‫نظرايته سياقية‪ ،‬وكذلكم نظرية النقد الثقايف الغذامية‪ ،‬فهي مل تبحث يف النسق صافيا‪ ،‬بل داخل نظريته‬
‫اضطهاد قسري تدخل فيه سياق الناقد من بيئة وزمن وعصر‪.‬‬
‫‪ 2.1.3‬مفارقات أنساق اهلوية (دينية وسياسية) يف ا لثقافة العربية املعاصرة‪ :‬جدليات خطاب‬
‫التمركز‪/‬اهلامش والذايت‪/‬األيديولوجي‪:‬‬
‫يبدأ الغذامي كتابه "النقد الثقايف قراءة يف األنساق الثقافية العربية" بطرح أربع أسئلة حيث اإلجابة‬
‫عن السؤال الرابع تقود أو متكّن من اإلجابة عن السؤال الثالث ‪ ،‬وهذه األخرية متكن من اإلجابة عن‬
‫السؤال الثاين‪ ،‬وهذه اإلجابة بدورها تقود إىل اإلجابة عن السؤال األول‪ :‬هل احلداثة العربية حداثة‬
‫تسربت من الشعر وابلشعر لتؤسس لسلوك‬ ‫رجعية‪...‬؟ بيد أن السؤال اخلامس «هل هناك أنساق ثقافية ّ‬
‫غري إنساين وغري دميوقراطي‪ ،‬وكانت فكرة (الفحل) وفكرة (النسق الشعري) وراء ترسيخها‪ ،‬ومن مث كانت‬
‫الثقافة ـ ـ مبا أ ن أهم ما فيها هو الشعر ـ ـ وراء شعرنة الذات وشعرنة القيم‪...‬؟» لِما فيه من شرح وتبسيط‬
‫مصوبة (من اإلصابة وليس من التصحيح) لسؤاله األول‬‫ابلتمثيل ستغدو اإلجابة عنه إعطاء إجابة مباشرة ّ‬

‫‪ .‬وهنا يتضح أن نظرية الغذامي هاته نتيجة من نتائج وعي مضاد لشعرنة القيم يف الثقافة الغربية‪ ،‬تلك الشعرنة هي مطلب حداثي‬
‫وما بعد حداثي‪ ،‬حيث الكون بقيمه املادية والروحية بدون اجلماليات كأنه خطأ‪ ،‬يعين أن نشاطه كباحث يف الدراسات الثقافية‬
‫ومثقف عضوي حماولة منه لقيمنة الشعرية‪ ،‬ابختالق مصطلح الفحولة الشعرية‪ ،‬وهذا له عالقة ابلسياق؛ ومبا اعرتى اخلطاب الديين‬
‫العريب املعاصر من ثبات ولكن من نكوص أحياان ح ني وقوعه بني فكي األصوليات املذهبية والفردانية‪ ،‬ألن نيب اإلسالم نفسه أمر‬
‫ابلرتفيه عن القلوب ألن القلوب إذا ملّت كلّت‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫تحليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫حمملة ابلرصيد السوسيو ـ ـ ثقايف للمجتمع‪ ،‬إذن األنساق الثقافية‬ ‫ومع التمثيل؛ لكن ما الشعر غري لغة ّ‬
‫تتسرب من اجملتمع إىل الذوات وليس العكس‪ ،‬ويف احلالة العامة للشعر العريب (مبعزل عن شعر التمرد‬ ‫ّ‬
‫والصعلكة) تراثه الثقايف تراث جمتمعه الذي ولد وتطور فيه‪ ،‬والذي يقال عن شعرنة الذات أداب يقال على‬
‫شعرنتها قيما سياسية وجتارية وعلمية حىت‪ ،‬أي حني تشعر الذات بكياهنا بنيواي وهي إزاء جمت معها فيعرتيها‬
‫سلوك نرجسي اجتاه اآلخرين من انحية الشعور ابلتميز واالصطفائية‪.‬‬
‫إذن العيوب النسقية القبحية املختبئة حت ت عباءة اجلمايل ما هي غري عيوب األيديولوجيا اليت تقبع يف‬
‫اجملرد انعكاس للوعاء االجتماعي من‬‫خميال اجملتمع‪ ،‬وهي األعمق جتذرا من األنساق الثقافية الفردية املعزولة ّ‬
‫عادة وتقليد متاهيا أو رفضا‪ ،‬على الرغم أننا إبزاء "أمناط السلطة الشخصية إال أن هذه السلطة الفردية أقل‬
‫ارتباطا بتفسريان املنهجي لدور السلطة يف اخلطاب بوصفه تفاعال اجتماعيا"( ‪ ،)9‬وذلك أن الغذامي نفسه‬
‫حيدد االطار العام واجلوهري للنقد الثقايف بقوله‪" :‬إنه نظرية ومنهج يف األنساق املضمرة أو املعتقدات‬
‫الذهنية العميقة ابعتبارها مناذج راسخة ومنظومة فكرية اثبتة "‪ ،‬إذن ملاذا متيز اتريخ الشعر العريب بغنائية‬
‫بينما متيز الشعر الغريب ابلسرد القصصي لوال اختالف جذري يف القاعدة اللسانية يف كال احلضارتني‪ .‬وهذا‬
‫معناه ثبات على الفهم القاصر اجلديل واإلشكايل للحداثة‪ ،‬ومنه ثبات على استمرار خطاب اجلدل الثقايف‬
‫( ‪)10‬‬
‫وهذا ظاهر يف قوله‪" :‬احلداثة هي مبثابة املوقف اخلاص أكثر مما هي تصور معريف مشرتك"‬
‫فهناك مناهج ما بعد بنيوية أعادت تنظري نظرية األدب وفق مبادئها‪ ،‬وتفسري ذلك أن املوضوعات‬
‫الغري األدبية أو غري الفنية هي عقلية ال يلعب فيها احلس أي دور‪ ،‬فهي خارجة عن طوع الذائقة اخلطابية‪،‬‬
‫استقر اختيار احلداثة الغربية‬
‫ابلضرورة سيكون منطقها اللغوي إقناعي برهاين وليس بالغي عاطفي‪ ،‬وملا ّ‬
‫قصد النهوض من سباهتا للخطاب العقلي اإلقناعي األرسطي على غريه ـ نقصد اخلطاب العريب اإلسالمي‬
‫آنذاك مع ما بلغه من رقي ـ ـ واخلطاب اليوانين متيز ابملنطق اللغوي إحيايل ملوضوعاته غري األدبية دينيا‬
‫وسياسيا واجتماعيا ع ِوض املنطق البالغي الشعري اإلحيائي العريب‪ ،‬يف خطاب ال حيفل ابحلجج العقلية‬
‫حىت وإن مل يكن الشخص يؤمن‬ ‫لكن ابلتأثري البالغي العاطفي املستم َد ْد من الرتاث األنثروبولوجي‪ ،‬و ّ‬
‫ابلدين (يؤمن به إمياان ذاتيا خاصا ك احلب وليس كاأليديولوجيا أما أيديولوجيته فهي العلم والعقالنية) فإن‬
‫منطق اجملتمع اللغوي البالغي لذي ترعرع الفرد ضمن سننه االجتماعية اللسانية جيعله عقالين ابحلس‬
‫والتجربة العاطفية‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫ت حليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫إذن العادة اللغوية الشعرية ال تلغي العادة العقلية وإمنا تثريها وتصفِيها أخالقيا ابحلس‪ ،‬فال جتعلها‬
‫فاسدة ابإلطالقية أو األداتية أو اإلجرائية‪ ،‬إذن للفن دور يف العملية العقلية‪ ،‬وال ميكن القول أبن سردية أو‬
‫إخبارية الفكرة أو عِ لمية الفكرة تسبق ما تنطوي عليه من مجال معىن يف خطاب اللغة؛ سواء كان منطقه‬
‫برهاين داليل يف شعرية النقد البنيوي أو براغمايت إيصايل ال يسرد الفكرة إال من خالل التجريب؛ وال يتم‬
‫ذلك إال إبرجاع اخلطاب النقدي إ ىل حقله العملي اجملتمعي املختلف السياق‪ ،‬هلذا ال ميكن ابلقول أن‬
‫الناقد اجلزائري الفالين سيقبض حتما (علميا) على دالالت قصيدة السياب يف حتليله ُحمال‪" ،‬فالنص‬
‫الشعري عامل جمهول غوره‪ ،‬صعب مرتقاه؛ ألنه يتش ّك ل من مواضعات لغوية قلما تبتغي اإلفصاح عن‬
‫املكنوانت املكونة هلا إفصاحا مباشرا‪ .‬إهنا ـ ـ يف واقع حاهلا ـ حباجة إىل فك رموزها من خالل العبور داخل‬
‫أبعادها اخللفية اليت ختفيها تشكيالهتا‪ ،‬أو عالقاهتا اجلوانية بكل ما يرتبط هبذه العالقات من خطوط عامة‬
‫وخاصة (‪ )..‬وما تبنيه من مواد بعضها يرتد إىل ظواهر مادية‪ ،‬وبعضها اآلخر يشتمل على جوانب روحية‪،‬‬
‫كل ذلك حباجة إىل فكر قادر على الغوص إىل أعماق تلك اللغة املنشأة وفك خيوطها ملعرفة سرها‪ ،‬مث‬
‫إعادة بنائها على قاعدة من التفكري الن قدي العليم الذي استوعب‪ ،‬وأدرك األبعاد اجلمالية واملعنوية اليت‬
‫( ‪)11‬‬
‫استطاع النص إاثرهتا أمام بصرية ذلك التفكري"‬
‫وهنا تكمن أمهية التجريب يف احلداثة الغربية (األجنلو سكسونية)‪ ،‬ففلسفة لوك وهيوم وبيكون‬
‫ومنطقهم التجرييب ضمن مدرسة لندن اللسانية متثل مقوم حداثي ذا شأن ملدرسة ديكارت ـ يف نظران ـ‬
‫وهي املعتمدة يف أقطار املشرق العريب بدل املذهب العقلي الالتيين اخلالص املعتمد يف أقطار املغرب‬
‫العريب‪ ،‬واملتجاوز للتجريب وللعملي على حساب املنطق النظري‪ ،‬وهذا هو مطب إشكالية االرتياح مبالزمة‬
‫اخلطاب النقدي األديب البنيوي يف هذه األقطار‪ ،‬واليت تستقطب أمثال الغذامي‪ ،‬ألهنا تشكّل هلم سياقا‬
‫املنمط الثقافة! يف حني أن أي تنظري من هذا القبيل البد وأن يتفق مع النظرية‬
‫مالئما يف التنظري للنسق َّ‬
‫األدبية يف تطبيقاهتا العملية االجتماعية الثقافية املنفتحة‪.‬‬
‫ط الرحال ابجلامعات املغربية مدرسا لسنوات عدة ‪،‬‬ ‫وعبد هللا الغذامي قبل أتليفه كتابه هذا كان قد ح ّ‬
‫مكتسبا عاداهتم املذهبية والنظرية (مقتنعا بنظرية األدب ذات االجتاه العقالين احملض) صااب إايها يف‬
‫النشاط الذي خُيل له أنه قد قرأ شيء منه يف األنساق الثقافية العربية العملية‪ ،‬بيد أهنا أنساق ذاتية جمردة‬
‫ونظرية‪ ،‬ممثلة رمزاي بسلوك خطايب نفسي عند كمشة من الشعراء املميزين؛ فنظريته‪/‬نشاطه الثقايف بقي رهني‬
‫بُعده النظري وبعد جهد جهيد كما يقول عبد هللا إبراهيم‪" :‬لعل أكثر األمور املثرية لالختالف يف صلة‬
‫‪28‬‬
‫تحليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫الغذامي ابلنقد الثقايف منطلقه النظري‪ ،‬ذلك املنطلق الذي قال أبن النسق اخلطايب الذي مثله الشعر هو‬
‫الذي طبع الشخصية العربية بطابعه‪ .‬إننا هنا أمام قضية متصلة بنظرية األدب أكثر مما هي متصلة أبي‬
‫شيء آخر‪ .‬فهل يصاغ العامل ال واقعي‪ ،‬مبا فيه العالقات االجتماعية واملزااي النفسية والتطلعات والرغبات يف‬
‫ضوء املنظومة اخلطابية السائدة أم أن تلك املنظومة اخلطابية هي اليت تقوم بعملية متثيل‬
‫( ‪)12‬‬
‫‪Representation‬رمزي لذلك العامل؟"‬
‫ومبقابل املغرب العريب‪ ،‬هناك يف اإلطار العريب املشرقي يوجد معا متركز وانتخاب ثقايف معا (من النقاد‬
‫املرسلني خلطاابهتم النقدية على مدار العشريتني األخريتني‪ ،‬مدركني أن اختبار نظرية الغذامي مرتوك لعامل‬
‫ُ‬
‫السياق قصد اثبات الفعالية) يف إطار جيمع بني نسق معاب آبخر غري معاب منهم بنشاط النقد الثقايف‪،‬‬
‫أما النسق التمركزي فهو الذي ي نزع عيبه األزيل الراسخ منه ويسقطه على الذوات الشاعرة‪ ،‬وهو ما‬
‫نستشفه من قول الغذامي‪ " :‬أوقع النقد األديب نفسه وأوقعنا يف حالة من العمى الثقايف التام عن العيوب‬
‫النسقية املختبئة من حتت عباءة اجلمايل‪ ،‬وظلت العيوب النسقية تتنامى متوسلة ابجلمايل‪ ،‬الشعري‬
‫والبالغي‪ ،‬حىت صارت منوذج سلوكية يتحكم فينا ذهنيا وعملية‪ ،‬وحىت صارت مناذجنا الراقية ـ بالغية ـ‬
‫هي مصادر اخللل النسقي‪ ،‬ولنأخذ أمثلة من أيب متام واملتنيب وأدونيس‪ )13 ("..‬مث من ّفوض الغذامي اختيار‬
‫النسق املعاب الذايت (الفحولة الشعري ة) وجتاوز النسق األيديولوجي جتاوزا إضماراي؟ أليس هذه أيديولوجيا‬
‫ورجعية واليت ا ّهتم هبا أدونيس؟!‬
‫ضمر األيديولوجيا اجلماعية‬‫إنه قلب للخطاب النقدي األدونيسي رأسا على عقب‪ ،‬خبطاب ي ِ‬
‫ضمر؟ إنه نسق اإلفراط اخلطايب! وهو ابلكاد يشكّل مثل الكالم‬ ‫مضمر‪ ،‬وأي نسق ُم َ‬‫املختبئة خلف نسق َ‬
‫نسقا ذاتيا خاصا ابملتنيب وأدونيس دون غريمها من الشعراء‪ ،‬أي أتثريه العييب ثقافيا نسيب وحمدود جدا‬
‫مقارنةً بثقافة إقصاء الشعر وتكفري أصحابه‪ ،‬وهذا من أجل تلفيق الوصف ابلرجعية‪ ،‬أي أن خطاب‬
‫أدونيس الشعري لفظ ي حداثي رجعي ألنه ال يتسرت على أنساق م ِ‬
‫ضمرة أيديولوجيا دينية أو سلطوية مثله ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫بل يكشفها خبطاب مجيل مجاال حداثيا كليا لكونه منساب أوال وأخريا كالنسيم من ذات حرة اإلرادة‪،‬‬
‫وليس جزئيا كما الغذامي الذي َو َج د يف النقد الثقايف التكفري عن مشاعر أتنيب الضمري اليت حلقته جراء‬
‫أتليفه اخلطيئة والتكفري‪ ،‬وبعبارة أخرى "ميارس النقد الثقايف عمله وكأنه خطاب متخصص مثل اخلطاب‬
‫الفلسفي أو السياسي أ و االقتصادي‪ ...‬إخل‪ ،‬الذي يتناول الواقع القائم مبنظور ذلك اخلطاب وأدواته‪ ،‬فال‬
‫‪29‬‬
‫ت حليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫ميكن التسليم بوجود واقع خارج املمارسات املولدة للمعين‪ ،‬وهي مجيعا وسائط ثقافية( ‪ .)14‬مث ملاذا اخللط‬
‫بني اخلطاب البالغي والنسقية والشعرنة؟ فاخلطاابت الثالثة سياقات زمنية خمتلفة‪ .‬إذن أنساقها الثقافية‬
‫حتما تكون خمتلفة‪ ،‬أم من أجل التمويه على األمنوذج املختار من عصور خمتلفة‪ :‬املتنيب وأدونيس والقباين؟‬
‫وا لنتيجة أن الغذامي خباصة يف سنواته األخرية أوال يناقض نفسه عندما يقع يف نوع من النمطية‬
‫الثقافية وهي ازدواجية اخلطاب الثقايف حني يهاجم احلداثة وما بعدها‪ ،‬وهو يف نفس الوقت سا ٍع إىل‬
‫االستفادة من منجزاهتما! واثنيا لَبِس لِبا س فيلسوف مستغرب يهاجم خطاب احلداثة عوض لباس الفنان‬
‫( ملا كانت الفلسفة تتقاطع مع النقد يف الفن واجلمال) بل يف كتابه األخري "مآالت الفلسفة‪ :‬من الفلسفة‬
‫إىل النظرية" ولعلمه اليقني أهنا مفتاح العامل ـ ـ ـ بتقدمي الصورة الذهنية للغة عن صورهتا املادية يف بنية اللغة‬
‫وضمن بنية منطقية الواقع وحده‪ ،‬لذلك أصبحت مجيع مشاكل الفلسفة هي حماولة قول ما ال ميكن قوله‬
‫حسب فتِغنشتاين ـ ـ راح ُمم ِّوها حقيقتها إىل النظري وحده‪ ،‬وهي من تنبأت مبآالت العامل منذ قرن ونيف‪،‬‬
‫قائال أن العامل لن ينقذه إالّ الشعر‪ ،‬ألنه سبق له وأن أعاب وقبّح نسقه الفحويل (النظري) بينما مل جيد‬
‫للفلسفة مدخال ـ ـ علميا وعمليا ـ ـ لتقبيحها هي أيضا‪ ،‬وخنشى أن ل و مل يبتعد كثريا عن الفنان فيه العترب‬
‫مصطلح الفحولة ثقافة فنية ذاتية خاصة؛ إنه داخل القصيدة توجد إمكانية ال ميكن ال للثقافة وال للنجاعة‬
‫التارخيية وال املت عة اللغة اجلميلة أن تربزها‪" ،‬والفن حيتضن إمكانية االنفعال اإلبداعي ابحتضانه للعمليات‬
‫االختالفية يف متظهراهتا القصوى واملشيدة يف أتثريها املستمر‪ ..‬فالفنان خالفا للفيلسوف‪ ،‬ال يبحث عن‬
‫تفسري العامل وال عن حتويله‪ ،‬إنه خيط يف سيادة ابتعاده اخنراط العامل فيه‪ ،‬أي فرادات احلضور املتعددة‪،‬‬
‫واالنفتاح لألشياء بدون مفاهيم وبدون بعد نفعي‪ ،‬وخيترب كل أثر‪ ،‬يف هذا االبتعاد اجلوهري‪ ،‬صريورته‬
‫( ‪)15‬‬
‫اخلاصة اليت تشارك يف اخللق‪ ،‬مقياسه الوحيد‪"..‬‬
‫إذن هناك ذهنيات راسخة وأزلية ابالستمداد من الرصيد السوسيو ـ ثقايف وهي أصل نسق الفحولة‬
‫الشعرية الذي غدا خطااب منطيا ثقافيا غ ّذاميا وعربيا ‪ ،‬فاملتنيب ضحية نسق "عدم تولية الدبر" ال شعوراي يف‬
‫الثقافة العربية وأدونيس ضحية "متجيد األان العادل" فيها‪ ،‬حىت أنه خييّل هلا أهنا ذات خمرية مصطفاة للدفاع‬
‫جتمل صورة الفحولة إبطار من ذهب كما ُجت ّمله بطولة البطل‬ ‫عن حقوق املظلومني شعرا‪ ،‬ورمزية االسم ّ‬
‫تعرب ابلضرورة عن خصائص "الفحل‬ ‫لدى أرمدة من الروائيني العرب املعاصرين‪ .‬إن "ثقافة الفحل" ال ّ‬
‫الثقافة"؛ حني تسبّق يف العبارة األوىل التقاليد واألعراف واألخالقيات الدينية واألنثروبولوجية‪ ،‬أي وعي ال‬
‫شعوري فنتازي ابأل ان أو ابلشخصية الكامنة ـ ـ القابعة بتعبري النفسانيني ـ وخترج إىل عادات تتحكم يف‬
‫‪30‬‬
‫تحليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫السلوك املغاير الذي يبقى مهمشا ابلنسبة هلا حىت وإ ن استوىف شروطا عقلية‪ ،‬وهي التقاليد والعادات اليت‬
‫تُشعر ابلفحولة وصقل شخصية العريب ابلرجولة‪ .‬بينما يف العبارة الثانية يسيطر نسق العقل (األداتية) على‬
‫نسق العادة (االنفعالية) اخلارجة عن طوعه بلجمها وجعلها تساير متطلبات عصر العلم متجاوزة لعصر‬
‫يكمن يف‬
‫اخلرافة وامليتافيزيقا‪ ،‬بيد أن إضمار الواحدة وهامشيتها يف مقابل سيادة وعلنية األنساق املقابلة ُ‬
‫معيار الوضع احلضاري املادي‪ ،‬من تقدم وختلف‪ ،‬وأل َش َّد ما كانت القيم اإلنسانية من شجاعة وكرم‬
‫وفروسية وبطولة غري متعلقني بسياق أنثروبولوجي معني‪ ،‬فهي عامة ليست حكرا على البيئة العربية‪ ،‬فال‬
‫ميكن أبي أحوال استثمارها للرتسيخ لثقافة الفحل بل لرتسيخ القيم املضادة للنمطية‪.‬‬
‫ماال‪ ،‬يعلم كل من‬ ‫فعندما يوصل شخص شخصا آخر بسيارته إىل مكان ما يف إجنلرتا وال يطلب منه ً‬
‫املوصل أن هذا العمل حيمل قيمة إنسانية وثقافية ال ميكن أن تذهب سدى‪ ،‬ألهنا أركستهم إىل‬ ‫ِ‬
‫املوصل و َ‬
‫فكرة وبنية ذهنية إنسانية شاملة متجاوزة للفكرة النمطية ـ ـ وهي ليست بنية اعتباطية ـ ـ بل من وراء كل‬
‫قيمة غاية متجاوزة للطبيعة‪ ،‬وإىل ذهنيات راسخة‪ ،‬ويُعتقد يف ثقافة الغرب الديين املسيحي أو الالديين‬
‫العلماين أنه يثاب عليها آليا‪ ،‬وتبقى خاصة‪ ،‬ال تستدعي أن يقول للشخص الذي أوصله أدعوا يل ربك‬
‫كي يـَثُبين على عملي؛ لذلكم "فإن صياغة فكر سياسي واجتماعي ج ديد هو التكملة اليت ال غىن عنها‬
‫للفكرة الكالسيكية عن احلداثة يف ارتباطها ابلعلمنة؛ حيل اجملتمع حمل هللا كأساس للحكم األخالقي‬
‫ويصبح مبدأ للتفسري وتقييم السلوك أكثر من كونه موضوعا للدراسة‪ .‬ويولد العلم االجتماعي علم‬
‫سياسی‪ .‬أوال يف غضون الصراعات بني آابء الكنيسة واألابطرة الذين دافع العلماء عن مصاحلهم (‪ )..‬يف‬
‫أن يتم احلكم على التصرفات واملؤسسات السياسية دون اللجوء إىل حكم أخالقي‪ ،‬أي ديين‪ ..‬أبن النظام‬
‫االجتماعي قد أنشيء بناء على قرار من األفراد الذين خيضعون لسلطة الدولة أو لإلرادة العامة اليت تعرب‬
‫عن نفسها يف العقد االجتماعي ‪ .‬وال ينبغي للنظام االجتماعي أن يستند على أي شيء آخر سوى القرار‬
‫( ‪)16‬‬
‫اإلنساين‪ ،‬الذي جيعل من هذا النظام مبدأ اخلري والشر)‪" (..‬‬
‫لعل إعطاء قيمة الكرم قيمة إنسانية بدل ثقافية‪/‬دينية‪ ،‬سنجدها حماولة من حماوالت التحول يف‬ ‫و ّ‬
‫خطاب الرواية العربية املعاصرة‪ ،‬و "قيمة إبداعية" أفضت إليها شخصيات أبطال الرواية العربية اجلديدة‬
‫كشخصية سعيد مصطفى يف رواية موسم اهلجرة إىل الشمال حني يقول‪ :‬أان إنسان بسيط املتدينون‬
‫يعتربونين ماجناً واملعربدون حيسبونين متدينا‪ .‬لكن هل انتبه الغذامي هل ذه القيمة وتناوهلا ابلشرح يف كتابه؛‬
‫‪31‬‬
‫ت حليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫رسخ ألح ّق ية ذهنية الفحل الشعري ِمن تشكيل البنية الذهنية‬ ‫مبقابلتها بقيمة الكرم يف الثقافة العربية؟ وهل ّ‬
‫العربية ملا أعرض عن ثقافة الفحل املرتسبة كثقافة سوسيو ـ ثقافية واملتبدية يف السلوك االجتماعي لغواي أو‬
‫ّ‬
‫غري لغواي عربيا‪ ،‬واليت حياهتا انعكاس للقرآن‪ ،‬واأليديولوجيا اجلماعية املتمركزة حوهلا‪ ،‬ال كخاصية إبداعية‬
‫عرب عن الوعي فردي‬ ‫لدى األفراد‪ ،‬ألن للفحولة الشعرية منعكس نفسي إبداعي ذايت وفردي مثل احلب‪ُ ،‬م ّ‬
‫إذا ما هو عَ َّرب‪ ،‬بينما الفحولة حبد ذاهتا كقيمة؛ ف هي عادة عربية مستمدة من القيم الدينية املرتسخة كعدم‬
‫ين َك َف ُروا لَ َولَّ ُوا ْاألَ ْد َاب َر ُمثَّ َال َِجي ُدو َن َولِيًّا َوَال نَص ًريا"‬
‫ِ ‪17‬‬ ‫ِ‬
‫تولية الدبر مثال الواردة يف األية‪َ " :‬ولَ ْو قَاتَـلَكُ ُم الَّذ َ‬
‫أل ّن العادة والتقليد العربيني يراين أب ن الرجولة قيمة مادية وليست معنوية‪ ،‬حيث كان هناك رجل حيمل‬
‫مواصفات اخل نثى يف العصر اجلاهلي وصدر اإلسالم‪ ،‬وهو ما يدعى "ابلفىت الغُالم" وليُّه هو مالِكُه‪ ،‬وهو‬
‫وىل له الدبر‬
‫رجال مثله ّ‬ ‫حيمل صفات ديوثة (ذكورة وأنوثة يف نفس الوقت) جتعله رعديد جبان إذا ما واجه ُ‬
‫مبعىن أن تولية الدبر مستمدة من عادة جنسية ضمن طبقية اجملتمع العريب‪ ،‬وليس من عادة حربية‪ ،‬وما كان‬
‫خطاب احلرب واملواجهة إىل أن استعاره مصطلحا له‪ ،‬احتقارا للديوث املويل الدبر كنسق ضيق مقابل‬
‫نسق املسلمني العام‪ ،‬ومل يستطع اإلسالم يف القرون الوسطى قطعها ألهنا نسق متجذر راسخ وأزيل ومضمر‬
‫جاري على لسان اخلطاب القرآين نفسه‪ ،‬كعادة مشينة عارضت نسق أخالق املسلمني‪" ،‬والنسق عنده ال‬
‫يتحدد عرب وجوده اجملرد بل من خالل وظيفته اليت ال تتحقق إال يف وضع حمدد ومقيّد‪ ،‬وذلك حني‬
‫يتعارض نسقان أو نظامان من أنظمة اخلطاب أحدمها ظاهر واآلخر مضمر ومناقض لألول وانسخ له يف‬
‫نص واحد أو يف ما هو يف حكم النص"( ‪ )18‬وبغض الطرف عن هكذا نسق ثقايف واالكتفاء بنسق فردي‬
‫خاص هو فحولة املتنيب الشعرية يكون الغذامي قد أابن عن ذهنية راسخة يف كتابه وهي تشده شخصيا‬
‫فسره نويل جون بيلمان بقوله‪ " :‬النص األديب ال‬ ‫إىل عدم االنعتاق منها نتيجة إضمارها احملكم‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫( ‪)19‬‬
‫حييا إالّ إذا انطوى يف نفسه على جزء من انعدام الوعي‪ ،‬أو من الالوعي نفسه"‬
‫قام الغذامي يف كتابه بتحليل ث قافة الفحل ال "الفحل الثقافة" الذي إطاره إنساين عام وليس ضيقا‬
‫حترر خطاب الغرب الثقايف منها منذ قرون‪ ،‬ولعل‬ ‫ضيق قيم العادة الال شعورية اليت تفرض النمطية‪ ،‬واليت ّ‬
‫الغذامي نفسه يعلم جيدا أن هكذا خطاب منغرس يف الثقافة إنغراسا أنثروبولوجيا وراسخ ذهنيا ال يستطيع‬
‫جماوزته إال ما كان مبربرا وابجلزئية ‪ ،‬حىت ال يوصف ابملروق والكفر على غرار كثري من النقاد واملفكرين‬
‫العرب ـ ـ ولعل شاهدان هو تسبيقه يف تعريفه للنقد الثقايف ومضمراته "املؤسسات غري الرمسية" بينما أشار‬
‫إىل املؤسسات الرمسية بقوله "وما هو كذلك" يف قوله‪ " :‬نقد األنساق املضمرة اليت ينطوي عليها اخلطاب‬
‫‪32‬‬
‫تحليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫الثقايف بكل جتلياته وأمناطه وصوره‪ ،‬ما هو غري رمسي وغري مؤسسايت‪ ،‬وما هو كذلك ‪ ..‬مهه كشف املخبوء‬
‫( ‪)20‬‬
‫من حتت أقنعة البالغي‪ /‬اجلمايل‪ ..‬وكشف حركة األنساق وفعلها املضاد للوعي وللحس النقدي"‬
‫عرفها الغذامي بقوله‪" :‬أنساق اترخيية أزلية وراسخة‬ ‫هذه األنساق الثقافية (االعتقادية) املؤثرة هي اليت َّ‬
‫وهلا الغلبة دائماً" وتص ُدق على خطابه الذي ظهر منذ حوايل عشرين سنة ومازال مصوغا له من خالل‬
‫تقدميه ملا هو هامشي على ما هو رمسي حىت ال يالم على ذلك‪ ،‬وهي أنساق وإ ّن حصرها يف دراسته‬
‫وقسر وحتمية تُـ َع ُد بداية اخليط يف‬
‫ابلشعر ـ ـ بوصفه حمور اهتمامه ـ إال أ ّن اآللية مبا فيها من تعميمية ْ‬
‫اإلشكالية‪ .‬برد أصلها إىل حقول شاملة يُستمد حقل اللغة واألدب والشعر منها وهي‪ :‬التاريخ االجتماعي‬
‫والديين‪ ،‬والطقوس والعادات اخلرافية وغري اخلرافية (علوم)‪ ،‬مكتوبة لغوية أو شفاهية متوارثة وغريها ملمارسة‬
‫النقد الثقايف الشامل‪ ،‬ال سيما إذا أخذان يف االعتبار أ ّن معشر احلداثيني ضد الثوابت االعتقادية‬
‫واألخالقية والتشريعية واللغوية‪ ،‬موقعهم موقع قوة طبقا لقانون الثقافة العليا أو البقاء لألصلح‪.." :‬ويف‬
‫مضمر النص سنجد نسقا كامنا وفاعال ليس يف وعي صاحب النص‪ ،‬ولكنه نسق له وجود حقيقي‪ ،‬وإن‬
‫كان مضمرا‪ ،‬إننا نقول مبشاركة الثقافة كمؤلف فاعل ومؤثر‪ ،‬واملبدع يبدع نصا مجيال فيما الثقافة تبدع‬
‫‪21‬‬
‫نسقا مضمرا‪ ،‬وال يكشف ذلك غري النقد الثقايف أبدواته املقرتحة هنا"‬
‫لعل من تلكم الذهنيات العالقة يف ذهن الغذامي التعامل مع منجزات احلداثة تعامال فيه غموض‬ ‫و ّ‬
‫وازدواجية خطاب مفسرة لنمطية ثقافته‪ ،‬فعندما يقول‪ :‬هل يف األدب شيء آخر غري األدبية‪...‬؟ وغري‬
‫بعيد كان ينعي حداثة أدونيس الشعرية مدعيا أهنا نسق فحولة شعرية غري واعية خبطاهبا الرجعي (على أن‬
‫يف معىن اخلطاب مجاليات القصيدة احلداثية طبعا) ويُثري تفريقه للشق املادي التقين للحداثة‪ ،‬أي قبول‬
‫املناهج البنيوية وعدم قبول ابلثقافة اليت جاءت به وهي ثقافة غربية حرة اإلرادة مفارقة (هوية ـ ـ حداثة)‬
‫وهي دينية ابألساس‪ ،‬يف حني أوال أن احلداثة كل متكامل ال تقبل التجزيء ‪ ،‬واثنيا "النمط الثقايف‬
‫الواصف حلقبة اترخيية ما هو ّإال متظهرات اخلطاب الذي تبنته الطبقة احلاكمة يف ذلك العصر‪ ،‬وأن هناك‬
‫خطاابت أخرى مضادة غري رمس ية مت قمعها وإسكاهتا وهتميشها‪ ، )22 ("..‬متظهرات َّأو َهلا النقد اجلديد يف‬
‫شقه األجنلو ـ ـ سكسوين‪ ،‬مل ا مل يستبعد التجربة الذاتية من مبادئه العقلية مبصطلح املعادل املوضوعي‪ ،‬ومل‬
‫ّ‬
‫خيلو منها أي فحل من فحول الشعر الغريب احلديث كإليوت‪ ،‬كيتس‪ ،‬رامبو‪ ،‬وهولدرلن على سبيل املثال‪،‬‬
‫و" يوفر مصطلح املعادل املوضوعي عنواان للطريقة اليت يقدم هبا الفن جمموعة من التمثيالت اليت قد ال‬
‫‪33‬‬
‫ت حليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫صرح ابلعاطفة فيها‪ ،‬لكنها ـ ـ التمثيالت ـ ـ تعرب عن هذه العواطف‪" .‬ك معادل خارجي حلالة ذهنية‬ ‫يُ ُ‬
‫غريت مسارها من كوهنا تعبريا إىل‬
‫داخلية" يتمثّلها الشاعر خاصة‪ ،‬انطالقا من نظرة إليوت للقصيدة اليت ّ‬
‫كوهنا خلقا انجتا عن التجربة الشعرية يف تفاصيلها الدقيق ة وامتزاجها بواقع الشاعر مع املتخيل املخضب‬
‫( ‪)23‬‬
‫ضل ابحملموالت الفلسفية واحلضارية"‬
‫ابخللفيات النفسية واالجتماعية واملخ ّ‬
‫وكذلكم هي ما بعد حداثة ميشال فوكو مؤسسة على وعي حرية اإلرادة واألنساق‪ ،‬ويذكره الغذامي‬
‫يف كتابه على أنه شاهد له بينما هو شاهد ضده‪ ،‬بقوله‪" :‬وكذا كان إسهام فوكو يف نقل النظر من (النص)‬
‫إىل (اخلطاب)‪ ،‬وأتسيس وعي نظري يف نقد اخلطاابت الثقافية واألنساق الذهنية‪ .‬وجرى الوقوف على‬
‫(فعل) اخلطاب وعلى حتوالته النسقية‪ ،‬بدال من الوقوف على جمرد حقيقته اجلوهرية‪ ،‬التارخيية أو‬
‫اجلمالية"( ‪ )24‬ألن فوكو يقصد ابلتحوالت النسقية حتول خطاب احلداثة إىل ما بعدها (التأويل الذايت‬
‫ابألساس) إذن ال ميكن أبدا جتاوز الذات والشعور على أنه نتاج سليب حلركة أو تيار فلسفي يُ ِّ‬
‫توه الذوات‬
‫يف ومهه الالشعوري كما يرى الغذامي‪ ،‬ففوكو هنا أدرك ابلفراغ الذي سقطت فيه احلداثة فأراد تصحيحه؛‬
‫" اإلحالة املتبادلة بني الذات واملوضوع‪ ،‬بني صورة الشعور ومضمونه (‪ )..‬من أجل رفع العامل من مستوى‬
‫املادة إىل مستوى الشعور‪ ،‬وإنزال الذات من مستوى القوالب الفارغة إىل عامل احلياة والتحول من السكون‬
‫إىل احلركة ومن السلب إىل اإلجياب ومن االستقبال إىل اإلرسال ومن األخذ إىل العطاء") ‪.(25‬‬
‫ويُقصد ابألنساق الذهنية امليتافيزيقيات املضادة لوعي اجملتمع وليس لوعي األفراد‪ ،‬ورمبا أكثر من‬
‫وعاها مرتمجا إايها قصائد شعرية هم أفراد نوابغ شعراء احلداثة (هم من يقصدهم فوكو ِمنهم أدونيس)‬
‫والذين يصف الغذامي نسقهم أنه نسق مضمر فحويل ومتشعرن! أما اذا سلمنا ابملعط ى العلمي القائل أن‬
‫الذات مقصات يف مبادئ احلداثة‪ ،‬وال تغدو يف نظرايت األدب املعاصرة سوى عالمة اختالفية بنيوية يف‬
‫نسقها الثقايف‪ ،‬فإنه " ع ندما بدأ فردينان دي سوسري بتقدير قيمة اللغة ورفع منزلتها مبعزل عن أي مرسی‬
‫مفرتض هلا يف األشياء أو األفكار‪ ،‬اتضح أن تفسري العامل الذي اختذته املعاين اليت تعلمناها قد ال يكون‬
‫أكثر من نتاج للثقافة‪ ،‬وكانت الكياانت املستقلة اليت ميزهتا اللغة عن بعضها بعضا مدينة لنظام‬
‫االختالفات الذي سلمنا به أكثر من كوهنا مدينة ألي وجود مستقل ومضمونه إذا كان األمر على هذا‬
‫النحو‪ ،‬وإذا كانت الثقافة ‪ ،‬بعبارة أخرى‪ ،‬تستمر كاملعاين املتداولة يف حلظة معينة‪ ،‬فيمكن للعالقات بني‬
‫األجناس املستقلة أو األشكال الثقافية أن تنري عقولنا مثلما تفعل االختالفات أو الفروقات بينها‪ ،‬ونتيجة‬
‫( ‪)26‬‬
‫لذلك فإن معظم املناقشات اليت تتناول الثقافة تتجه بصورة ملحوظة حنو النقد الثقايف"‬
‫‪34‬‬
‫تحليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫وحىت إدوارد سعيد ملا وعى هذا النسق الرجعي مل يلق ترحيبا من مجيع األنساق الثقافية العربية‪ ،‬ألن‬
‫متكؤه سياسي وليس دينيا مثل الغذامي ـ كونه مسيحي ـ ـ ومناضل يف‬ ‫خطابه الثقايف يف نقد االستعمار ُ‬
‫سبيل احلقوق املدنية والسياسية للضعفاء واملظلومني مبا فيهم املسلمني‪ .." ،‬ولكن من الناحية األخرى فإن‬
‫دفاعه عن اإلسالم يف الغرب قد طاله يف الغالب النقد من قبل املثقفني الليرباليني يف العامل العريب‪ ،‬الذين‬
‫ينتقدون التحفظ العميق واألصولية اإلسالمية نفسها‪ .‬سواء ابملصادفة أو ابلتخطيط فإنه جيد نفسه مبعدة‬
‫من قبل معسكرات مضادة وموالية يف الوقت نفسه على الرغم من أنه انشط فلسطيين يف الوالايت املتحدة‬
‫فقد جتنب االنضمام إىل أي تيار حزيب يف السياسة الفلسطينية‪ ،‬وعلى حنو مفارق‪ ،‬فإن أعماله قد منعت‬
‫يف فلسطني نفسها"( ‪،)27‬‬
‫فالنسق الذهين املدرك من قبل األفراد وهم يف غمرته مسجونني سجن حتمي ة عقلية مع ذلك شعروا‬
‫به وعربوا عن ذلك من خالل خطاب مضاد خلطابه‪ ،‬ال ميكن أن يكونوا غري شعراء بعينهم ـ والذين‬
‫يُعيبهم الغذامي ـ أي الفحول الذين تع ّدهم نظرايت االجتماع التواصلي والعوملة الثقافية املعاصرين كياانت‬
‫متميزة‪" ،‬ماذا لو كانت إحدى النتائج اآلنية ل لتواصل العاملي والثقافة املتجانسة بصورة مقابلة هي أن نبدأ‬
‫مجيعا يف االستجابة والتصرف أبسلوب أكثر جتانسا‪ ،‬وهو ما يطمس يف هناية املطاف التنوع الثقايف‬
‫واهلوية؟ من الواضح أنه يف حني توجد مزااي هائلة لفهم أمناط احلياة واملخططات اليت كانت تبدو غريبة‬
‫سابقا‪ ،‬فهناك فرق كبري بني عامل تثريه طرق املعيشة األخرى واملتناقضة وعامل آخر يتشارك يف وجود واحد‬
‫موحد مثل قطع الكعك املتماثلة‪ .‬ويف حني أن التنوع يف اجملتمعات جيلب تبصُّرات رائعة إىل احلالة البشرية‬
‫(‪ )..‬وعلى املدى الطويل جمرد التجانس العاملي على طرق التفكري قد تکون له عواقب وخيمة على‬
‫( ‪)28‬‬
‫الكيفية اليت ننظر هبا إىل أنفسنا"‬
‫ومن هنا إىل غدٍ مدرك ال حمال يف مسار تطور نظرايت النقد‪ ،‬ال بد لتحليل اخلطاب ّأال يقف‬
‫مكتوفا األيدي يف سياقه العريب (العامل الثالث) بل البد من اإلسهام بدعمه إلقامة احلدود واحلواجز بني‬
‫النقد الب نيوي (السردايت‪ ،‬األسلوبيات‪ ،‬السيميائيات) عن طريق إضفاء روح الكون والقيمة املضافة إىل‬
‫عناصر الشكل‪ ،‬وهل كان اإلنسان يف عامله املغلق اإلحكام إال عنصرا جاراي فيه جمرى األشكال حبثا عن‬
‫حتوال يف العامل‪ ،‬مبا حوته من علمية‬
‫معىن يضيفه إىل قيمته الشكلية! نظرية النقد األديب هي يف جماراة ً‬
‫وموضوعية‪ ،‬وحبثا عن املعىن إبمكاننا عدُّه نسقا مضمرا يف هيكل النقد البنيوي‪ ،‬الذي مازالت تتشبث به‬
‫‪35‬‬
‫ت حليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫مراكز البحث األكادميية ابجلزائر واملغرب‪ ،‬معىن سيتجلى يف لَْب س النظرية السردية املعروفة اثنيةً لِباس التاريخ‬
‫واجملتمع ابلتأكيد؛ فتتناول عالئق عناصر السرد املختلفة تناوال لغواي بالغيا وإبداعيا؛ حيث ال تغطي‬
‫الشخصية املنحرفة عن ثوابت نسق ضيق ديين أو سياسي كوهنا شخصية منحرفة‪ ،‬من مثة ال جيد الغذامي‬
‫عن أي نسق شعري مضمر يتحدث‪ ،‬فرؤية الرواة أبنواعهم إىل الشخص ية وإىل العامل كون أن هؤالء الرواة‬
‫أبنواعهم لن ولن حيركوا ساكنني إال بعد أن يبث الكاتب واجملتمع السوسيو ـ ثقايف من روحيهما شيئا‬
‫ليسري فيهم وتتحد هبم من خالل رابطة جدلية بني املادة‪/‬اهليكل الشكلي (‪ ) la forme‬والروح ( العامل‬
‫اخلارجي الذي يكمل عامل املادة) وه و مقاربة قيمية للطبيعة والكون ال بد وأن تكون مهما اعرتاها من‬
‫استعصاء زئبقي؛ " على أن اختالف ثقافة ما ليس أمرا بسيطا أو ساكنا على اإلطالق وإمنا أمر تناقضي‬
‫‪ ambivalent‬ومتغري ومفتوح دائما لتأويل حمتمل إضايف"( ‪.)29‬‬
‫مفهوم البنية على املستوى املادي اجملرد يق ابلها أيضا مفهوم البنية الذهنية اجملردة على املستوى الثقايف‪،‬‬
‫غري أن الثقافات ختتلف وتتعدد لكن تفرز بنية عليا أو جماوزة للبنيات األخرى وهي اليت أصحاهبا يف قمة‬
‫التطور والقوة‪ ،‬وألنه من أدوات سعادة البشر التطور احلضاري وامتالك القوة‪ ،‬وبنية السرد أو شعرية السرد‬
‫نفسها هي بنية ثقافية ملا انطوت على فهم مجالية األدب‪ /‬نظرية األدب فهما بنيواي (اجلمال املتبلور عن‬
‫حتليل البنيوي للنصوص تفكيكا وتركيبا) غري أنه ال ينجر عن حتليل بنية السرد هاته (رؤية السارد‬
‫والشخصية والزمن والفضاء والبولوفينية‪ )..‬إال مجاال وإبداعا فنيني حمدودين حمصورين زمنيا ابلنسبة للبنية‬
‫الذهنية العربية ألن هناك مجاليات البالغة‪.‬‬
‫لكن ما هدف حتليل اخلطاب األديب أليس الوقوف على أدبية األدب؟ وهو تشكل بنية ذهنية غري‬
‫مستقلة عن العامل اجلمايل اللغوي البالغي لدى العرب‪ ،‬وليست تقنيات السرد من تفرض بنية ذهنية‬
‫وحتدد خصائصا لألدب خمتلفة عما تطرحه الثقافات العربية‪ ،‬ويف هذا الشأن يقول عبد القادر الرابعي‪:‬‬
‫"بدأت هذا الكتاب حماوال تبيان أن األدب ليس موجودا فكيف للنظرية األدبية أن توجد؟"( ‪ .)30‬وملا كان‬
‫حتول اخلطاب األديب رهن حتول اخلطاب الثقايف كونه يتشاكل معه يف بنية ذهنية‪ ،‬واللغة العربية الفصحى‬
‫تعيش يف واقع حقيقي سوسيو ـ ـ ثقايف منتج هلذا اخلطاب‪ ،‬وهي فيه جزء من هوية ثقافية تزاوج بني األصالة‬
‫واملعاصرة ‪ ،‬بني احلداثة والرتاث ‪ ،‬فكيف للخطاب أ ن يتحول ابستثمار يف حتول اللغة؟ خنشى أنه مهما تغري‬
‫الواقع الذي حتدث عنه ابرت وفق الشروط االجتماعية والثقافية( ‪ )31‬لن تتغري هذه الفصحى‪ ،‬وهي مستقرة‬
‫نتيجة هذه االزدواجية عكس اللغات اليت عناها ابرت‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫تحليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫لعل حتليل البنيويني للخطاب األديب متوسلني خطااب نقداي علميا دون إقناع بالغي ‪Rhetorical‬‬ ‫و ّ‬
‫‪ Argument‬هو خروج جزئي أو كلي عن طبيعة النقد‪ ،‬ويرجع ابألساس إىل عدم فعالية أو منطية‬
‫اخلطاب النقدي الثقايف وعلى إقامته أُلْفة مع البنية الذهنية اليت ال تتمثّل اخلطاب النقدي وال هتضمه‪ ،‬وإمنا‬
‫التحول من حوله‪ ،‬متمعنا يف املفهوم املعريف املؤسس لألدب‪ ،‬أال‬
‫متاهيه وتبلعه‪ ،‬فما ابله لو نظر إىل سنة ُّ‬
‫وهو نظرية األدب‪ ،‬فاملنهج النقدي هو الذي خيترب توافق هذه النظرية‪ ،‬والنظرية واملنهج مبنظومته‬
‫االصطالحية متثل األدوات املنهجية والتحوالت اليت حتدث يف أية نظرية تؤدي إىل تعديل يف املنهج‬
‫واملصطلح وامليتا نقد مع مبادئها‪" ،‬كما فعل نقاد ما بعد احلداثة (ابرت‪ ،‬دريدا‪ ،‬بالنشو‪ )..‬بثورهتم‬
‫‪32‬‬
‫وسخريتهم من قانون النوع"‬
‫رسلون الذين ذكران أعاله ولو بتعديل‬ ‫وميارس النقد الثقايف فاعليته بنشاطه الذي توخاه له بعض امل ِ‬
‫ُ‬
‫مصطلحاته ابالستعارة من احلقول املعرفية املختلفة‪ ،‬فالفلسفة ـ ـ مثالـ ـ كانت متثل القوام األساسي لنظرية‬
‫األدب األرسطية‪ ،‬وهي نظرية جتريدية عقالنية‪ ،‬ولكن هذه النظرية عرفت حتوال كبريا يف القرنني السابع‬
‫عشر والثامن عشر وصوال إ ىل القرن العشرين‪ ،‬من انطباعية الكالسيكية والرومانسية إىل اترخيية الواقعية إىل‬
‫علمية النص األديب مع علم اللغة احلديث مث املعاصر؛ "فالعودة إ ىل املعيارية مع النقاد املتأخرين ارتبطت‬
‫مبيل إىل التحليل النقدي الذي ينهض على جمموعة من التصورات الثابتة للفن واإلنسان على السواء‪ .‬كما‬
‫أهنا أرهفت وعي النقد ابجلانبني املقارن واملرجعي يف العمل األديب‪ ،‬وخاصة يف جتليها االجتماعي الذي‬
‫اهتم النقد فيه مبرجعية ال عمل أكثر من اهتمامه ببنيته النسقية أو التوصيفية‪ .‬لكن هذه االستقصاءات‬
‫املتعددة على اختالف مناهجها وتباين منطلقاهتا مل تقرتب من منطقة القضااي اإلنسانية املسكوت عنها‬
‫واملضمرة يف تصور هذه االستقصاءات الثابت عن اإلنسان‪ ،‬ومل تتناول األدب ونظرايته ابعتبارها مستود عا‬
‫للكثري من التحيزات اجلمعية ضد قطاعات عريضة من اجملتمع اإلنساين‪ ،‬وخاصة املرأة‪ ،‬والطبقات‬
‫( ‪)33‬‬
‫املضطهدة‪ ،‬واألقليات املختلفة"‬
‫‪ .4‬اخلامتة‪:‬‬
‫ميضي اخلطاب النقدي األديب يف منطيت ه وحتوالته يف بنية مرجعية لصيقة ابملنظومة الفكرية ـ الثقافية‬
‫السائدة‪ ،‬أي مع حركية اخلطاب النقدي الثقايف؛ والغ ّذامي كنسق ثقايف حمافظ يف كتابه جارى صراع‬
‫األنساق يف الثقافة العربية املعاصرة‪ ،‬كخطاابت خمتفية وراء خطاابت أخرى نتيجة أتثريات غربية تبناها‬
‫‪37‬‬
‫ت حليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫أنصار نسق خطاب عقالنية احلداثة مث العوملة هناية القرن العشرين عربيا‪ ،‬منهم شعراء وفالسفة ومثقفني‪،‬‬
‫فلوال هذه الضغوطات اليت طرحتها العوملة على اهلوايت الثقافية من أجل التّحدي ابلتفاعل ملا شهدان‬
‫أصال كتابه ذاك‪ ،‬وإذا كان هذا األخري بتحوالت ه الناجتة عن ال جتانس مرجعية ذات منط ال شعوري هو‬
‫الزمة من لوازم اخلطاب النقدي األديب‪ ،‬وضرورة من ضرورات حتوله وعدم منطيت ه‪ ،‬وخطاب العلم متحول‬
‫نظراي ملا يسنده الواقع العملي ُمؤمن بتحوالت الثقافة (حيث الوعي ابللغة وابلعادة مكون عقلي)‪،‬‬
‫ّ‬
‫وتعددها واختالفها‪ ،‬ومؤمن ابختالف درجة الفصاحة والتثقف على الثقافة الدينية من ذات إىل أخرى‬
‫(حرية إرادة االختيار جوهر املطلب ا حلداثي) وهذا ما جيعل خطاابت العلوم املختلفة منها النقد األديب‬
‫تتطور‪ ،‬من وراء سعيها للجديد من املعارف‪ ،‬عكس القطيعة املعرفية اليت حيدثها خطاب الدين اإلطالقي‬
‫أو بعض أنساقه اليت ترفض احلداثة برفضها البحث والعلم‪ :‬منهج التأويل أو النقد الثقايف أمنوذجا‪.‬‬
‫وإمنا خروج نسق هذه املسلمة (وهو النقد الثقايف العريب الذي أمنوذجه الغذامي) عن التفاعل مع‬
‫األنساق الثقافية منها اجلمالية اليت يقصيها ابلفحولة الالواعية بفحوليتها؛ يعين خروجا إىل "نسق النمط أو‬
‫السياق" الغري عملي‪/‬حداثي ابملرة وهو ميثل إشكالية من إشكاليات عدم اجلدوى أو عدم القابلية للتطبيق‬
‫لذلك اإلرث النقدي املستوعب من عند الغرب الذي يتمتع بثقافة متايز وحتول مقابل للثبات والرسوخية‪،‬‬
‫كما يعين تشوش يف الرسالة اليت يبثها ذلك اخلطاب النقدي الثقايف العريب املعاصر على شاكلة الغذامي‬
‫أمنوذجا قبل أن تصل سليمة إىل املرسل إليهم‪ ،‬كون أن عطبا يف وظيفة من وظائفها‪ ،‬واليت هي الوظيفة‬
‫املرجعية الغري منسجمة مع خطاب احلداثة وما بعد احلداثة‪.‬‬
‫‪ .5‬اهلوامش‪:‬‬

‫(‪ .)1‬حسني حاج حممدي‪ ،‬مدرسة برمنغهام ماهيتها ورؤاها يف بوتقة النقد والتحليل‪ ،‬ص ‪،21‬‬

‫(‪ .)2‬يوسف عليمات‪ ،‬مجاليات التحليل الثقايف‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،2004 ،1‬ص ‪.15‬‬
‫(‪ . )3‬إبراهيم صحراوي‪ ،‬حتليل اخلطاب االديب‪ ،‬دار اآلفاق للنشر‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪ ،1999 ،1‬ص‪.9‬‬
‫‪" .‬مع الشكالنية الروسية مت النظر إىل النص يف عينيته‪ ،‬ابعتباره خطااب مكتواب‪ ،‬وغالبا ما ختتلط الداللة بني النص واخلطاب‪ ،‬لذلك‬
‫عملت مدرسة ابريس على حلحلة اخلالف ابستخدامها النص ابملعىن نفسه الذي تستعمله للخطاب أو جتعل اخلطاب مرادفا ملعىن‬
‫النص‪ :‬كلمة نص ال حتيل رغم تعريف جار جي عل منه كل خطاب مقيد ابلكتابة ابلدرجة األوىل على املكتوب‪ ،‬واملقابلة بني نص‬
‫مكتوب وخطاب شفوي هو حصر للفرق يف احلامل وحجب‪ ،‬لكون النص يف أغلب الوقت متعدد السمات ومن املستحسن أن منيز‬

‫‪38‬‬
‫تحليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫بني النص واخلطاب ابعتبارمها الوجهني املتكاملني لشيء مشرتك تتكفل به اللسانيات النصية‪ ،‬اليت تفضل تنظيم السياق الداخلي‬
‫واالتساق ابعتبارمها انسجاما لغواي‪ ،‬وحتليل اخلطاب الذي يوىل سياق التفاعل اللغوي واالنسجام عناية أكثر ابعتبارمها نفسه" ينظر‬
‫ابتريك شادورو ودومينيك منغنو‪ ،‬معجم حتليل اخلطاب‪ ،‬ترمجة عبد القادر ملهريي ومحادي الصمود‪ ،‬املركز الوطين للرتمجة‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪ ،2008‬ص‪.553‬‬
‫"ومع الشكالنية الروسية مت االنتقال إىل مركز مغاير وهو اخلطاب األديب‪ ،‬أي داخل النص‪ .‬هنا فقط ميكننا أن نتكلم عن الطبيعة اليت‬
‫ابت ميتلكها النص ابعتباره خطاب مكتواب له مسات وخصائص حمدد متيزه عن غري ما هو أديب‪ ،‬مع أن هذه األدبية خمتلف يف‬
‫حقيقتها‪ ،‬هل هي مسة نصية خالصة؟ أم أهنا رؤية منظورية من اجلماعة القارئة اليت تستعمل نصا ما بوصفه أداب؟ وابلتايل ال ميكننا‬
‫اجلزم ابلصفة األدبية ألهنا متعددة كما يقول تريي إيغلتون‪" :‬صحيح أن كثريا من االعمال األدبية اليت تدرس يف املؤسسات األكادميية‬
‫بوصفها أداب كانت قد بُنيت لتُقرأ على هذا النحو‪ ،‬لكن من الصحيح أيضا أن كثريا منها ليست كذلك‪ ،‬وميكن لقطعة من الكتابة‬
‫أن تبدأ حياهتا ابعتبارها اترخيا أو فلسفة‪ ،‬ومن مث ميكن تصنيفها كأدب؛ أو ميكن هلا أن تبدأ حياهتا كأدب‪ ،‬ومن مث يتم اعتبارها قيمة‬
‫بسبب من داللتها األركيولوجية وبعض النصوص تولد أدبية‪ ،‬وبعضها حيقق األدبية‪ ،‬وبعضها تضفي عليه األدبية إضفاءً‪ ،‬وقد يبلغ‬
‫االستيالد يف هذا الصدد قدرا أكرب بكثري من الوالدة‪ ،‬وقد ال يكون مهما من أين أتيت؟ وإمنا كيف يعاملك الناس؟ فإذا ما قرروا‬
‫أنك أدب فسيبدو عندها أنك كذلك‪ ،‬بصرف النظر عما حتسب أنك عليه" وعليه نكون أمام شكلني من األدبية‪ :‬ـ ـ أدبية نصية‬
‫تعمل على استجالء السمات األدبية يف النص‪.‬‬
‫ـ ـ أدبية القراءة تكون انطالقا من استعمال النص من طرف جمموعة من القراءة على اعتبار أنه كذلك‪ ،‬وهنا نكون قد انتقلنا إىل حمور‬
‫آخر وهو نظرية القراءة‪ .‬وهنا جند أن األحباث اليت جرها حتديد اخلطاب األديب تفرعت عرب مدارس مهمة أثرت النقاش والبحوث فيما‬
‫بعد؛ ـ مدرسة ابريس واهتمت ابلبنيوايت والسيميائيات‪.‬‬

‫ـ املدرسة األنكلوسكسونية واهتمت بتطوير التداوليات‪.‬‬


‫ـ ـ املدرسة األملانية اهتمت بتط وير جبمالية التلقي" ينظر تريي انغلتون‪ ،‬نظرية األدب‪ ،‬ترمجة اثئر ديب دار املدى‪ ،‬دمشق‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫(‪ .)4‬إبراهيم صحراوي‪ ،‬حتليل اخلطاب األديب‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫)‪(5‬‬
‫‪.Patrik Charaudeau, Dominique Maingueneau, dictionnaire D'analyse du‬‬
‫‪Discourse, edition seuil, Paris, 2002, p: 41.‬‬

‫(‪ . )6‬رومان جاكبسون‪ ،‬قضااي الِّ َّ‬


‫شعرية‪ ،‬ترمجة حمَّمد الويل ومازن حنون‪ ،‬دار توبقال‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،1988 1‬ص‪.26‬‬
‫( ‪ . )7‬ابتريك شارودو ودومينيك منغونو‪ ،‬معجم حتليل اخلطاب‪ ،‬ترمجة عبد القادر ملهيدي ومحادي الصمود‪ ،‬دار سيناترا‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪ ،2008‬ص ‪.181‬‬
‫‪Chris Barker, Cultural Studies:Theory and Practice, SAGE, Publication.London-‬‬
‫‪)8(.‬‬

‫‪Thousand Oaks-New Dilhi, 2003, pp101- 104.‬‬


‫‪39‬‬
‫ت حليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫(‪ .)9‬فان ديك‪ ،‬السلطة واخلطاب‪ ،‬ترمجة غيداء العلي‪ ،‬املركز القومي للرتمجة‪ ،‬القاهرة‪ ،2006 ،‬ص ‪.80‬‬
‫(‪ .)10‬عبد هللا الغ ّذامي‪ ،‬تشريح النص مقاربة تشرحيية لنصوص شعرية معاصرة‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪،2006 ،2‬‬
‫ص ‪.10‬‬
‫(‪ . )11‬عبد القادر الرابعي‪ ،‬يف تشكّل اخلطاب النقدي مقارابت منهجية معاصرة‪ ،‬اهللية للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،1998 ،‬ص ‪.7‬‬
‫(‪ .)12‬عبد هللا إبراهيم‪ ،‬الثقافة العربية واملرجعيات املستعارة‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪ ،2010 ،1‬ص ‪.112‬‬

‫( ‪ . )13‬عبد هللا الغذامي‪ ،‬النقد الثقايف قراءة يف األنساق الثقافية العربية‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،2004 ،2‬ص ‪.8‬‬
‫(‪ .)14‬صالح قنصوة‪ ،‬متارين يف النقد الثقايف‪ ،‬دار مرييت‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،2007 ،1‬ص ‪.5‬‬
‫( ‪ .)15‬رشيدة الرتيكي‪ ،‬اجلماليات وسؤال املعىن‪ ،‬ترمجة إبراهيم العمريي‪ ،‬الدار املتوسطية للنشر‪ ،‬تونس‪ ،2009 ،‬ص ‪.17‬‬
‫(‪ . )16‬أالن تورين‪ ،‬نقد احلداثة‪ ،‬ترمجة أنور مغيث‪ ،‬اجمللس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،1992 ،‬ص‪.37‬‬
‫( ‪ .)17‬اآلية ‪ ،22‬سورة الفتح‪.‬‬
‫( ‪ .)18‬عبد هللا الغذامي‪ ،‬النقد الثقايف قراءة يف األنساق الثقافية العربية‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫( ‪ .)19‬نويل جان بيلمان‪ ،‬التحليل النفسي واألدب‪ ،‬ترمجة حسن املودن‪ ،‬اجمللس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1997 ،1‬ص ‪.10‬‬
‫( ‪ . )20‬عبد هللا الغذامي‪ ،‬النقد الثقايف قراءة يف األنساق الثقافية العربية‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫(‪ . )21‬عبد هللا الغذامي وعبد النيب اصطيف‪ ،‬نقد أديب أم نقد ثقايف‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪ ،2004 ،1‬ص ‪ 33‬ـ ـ ‪.34‬‬
‫(‪ . )22‬ستيفن غرينبالت وآخرون‪ ،‬التارخيانية اجلديدة واألدب‪ ،‬ترمجة حلسن أمحامة‪ ،‬املركز الثقايف للكتاب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،2018‬ص ‪.8‬‬
‫(‪ . )23‬أحسن دواس‪ ،‬املعادل املوضوعي يف النقد األجنلو ‪-‬أمريكي اجلديد دراسة يف املصطلح واملفهوم واملرجعيات‪ ،‬األثر‪ ،‬العدد ‪،26‬‬
‫سبتمرب ‪ ،2016‬ص ‪.48‬‬
‫( ‪ .)24‬عبد هللا الغذامي‪ ،‬النقد الثقايف قراءة يف األنساق الثقافية العربية‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫(‪ .)25‬آمنة بلعلي‪ ،‬حنو بديل أتويلي لنقد الشعر‪ ،‬اخلطاب‪ ،‬اجمللد ‪ ،2‬العدد ‪ ،2007 ،2‬ص ‪19‬ـ ـ‪.46‬‬
‫(‪ . )26‬كاثرين بلسي‪ ،‬الثقافة والواقع حنو نظرية للنقد الثقايف‪ ،‬ترمجة ابسل املساملة‪ ،‬منشورات اهليئة العامة السورية للكتاب‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫‪ ،2018‬ص‪.20‬‬
‫( ‪ .)27‬بيل أشكروفت وابل أهلواليا‪ ،‬إدوارد سعيد مفارقة اهلوية‪ ،‬ترمجة سعيد جنم‪ ،‬ن ينوى للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪،2000 ،‬‬
‫ص ‪.16‬‬

‫‪40‬‬
‫تحليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫(‪ .)28‬سوزان غرينفيلد‪ُّ ،‬‬


‫تغري العقل كيف ترتك التقنيات الرقمية بصماهتا على أدمغتنا‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،445‬فرباير ‪ ،2017‬ص‬
‫‪.24‬‬
‫( ‪ .)29‬مسري اخلليل‪ ،‬دليل مصطلحات الدراسات الثقافية والنقد الثقايف‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،1971 ،‬ص ‪.23‬‬
‫( ‪)30‬‬
‫عمان‪ ،2007 ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ .‬عبد القادر الرابعي‪ ،‬حتوالت النقد الثقايف‪ ،‬دار جرير للنشر والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫(‪ . )31‬عمر عيالن‪ ،‬يف مناهج حتليل اخلطاب السردي‪ ،‬دار الكتاب احلديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،2012 ،1‬ص ‪.36‬‬
‫(‪ . )32‬فتحية عبد هللا‪ ،‬إشكالية تصنيف األجناس األدبية يف النقد األديب‪ ،‬عامل الفكر‪ ،‬اجمللد ‪ ،33‬العدد ‪ ،1‬يوليو وسبتمرب ‪،2004‬‬
‫ص ‪.174‬‬
‫( ‪ .)33‬صربي حافظ‪ ،‬أفق اخلطاب النقدي‪ ،‬دار شرقيات للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1996 ،1‬ص ‪.19‬‬

‫‪ .6‬قائمة املصادر واملراجع‪:‬‬


‫‪ 1.6‬املراجع العربية‪:‬‬
‫‪ .1‬إبراهيم صحراوي‪ ،‬حتليل اخلطاب االديب‪ ،‬دار اآلفاق للنشر‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪.1999 ،1‬‬
‫‪ .2‬أالن تورين‪ ،‬نقد احلداثة‪ ،‬ترمجة أنور مغيث‪ ،‬اجمللس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪.1992 ،‬‬
‫‪3‬ـ‪ .‬اب تريك شارودو ودومينيك منغونو‪ ،‬معجم حتليل اخلطاب‪ ،‬ترمجة عبد القادر ملهيدي ومحادي الصمود‪ ،‬دار سيناترا‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪.2008‬‬
‫‪ .4‬بيل أشكروفت وابل أهلواليا‪ ،‬إدوارد سعيد مفارقة اهلوية‪ ،‬ترمجة سعيد جنم‪ ،‬نينوى للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪2000 ،‬‬
‫‪ .5‬رشيدة الرتيكي‪ ،‬اجلماليات وسؤال املعىن‪ ،‬ترمجة إبراهيم العمريي‪ ،‬الدار املتوسطية للنشر‪ ،‬تونس‪.2009 ،‬‬

‫‪ .6‬رومان جاكبسون‪ ،‬قضااي الِّ َّ‬


‫شعرية‪ ،‬ترمجة حمَّمد الويل ومازن حنون‪ ،‬دار توبقال‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪.1988 ،1‬‬
‫‪ .7‬ستيفن غرينبالت وآخرون‪ ،‬التارخيانية اجلديدة واألدب‪ ،‬ترمجة حلسن أمحامة‪ ،‬املركز الثقايف للكتاب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.2018‬‬
‫‪ .8‬مسري اخلليل‪ ،‬دليل مصطلحات الدراسات الثقافية والنقد الثقايف‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.1971 ،‬‬
‫‪ .9‬صربي حافظ‪ ،‬أفق اخلطاب النقدي‪ ،‬دار شرقيات للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1996 ،1‬‬
‫‪ .10‬صالح قنصوة‪ ،‬متارين يف النقد الثقايف‪ ،‬دار مرييت‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.2007 ،1‬‬
‫‪ .11‬عبد هللا إبراهيم‪ ،‬الثقافة العربية واملرجعيات املستعارة‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪.2010 ،1‬‬

‫‪41‬‬
‫ت حليل خطاب كتاب "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية"‪ ،‬الوظيفتين املرجعية والشعرية أنموذجا‪.‬‬
‫بوزيان بغلول‬

‫عمان‪.2007 ،‬‬
‫‪ .12‬عبد القادر الرابعي‪ ،‬حتوالت النقد الثقايف‪ ،‬دار جرير للنشر والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫عمان‪.1998 ،‬‬
‫‪ .13‬عبد القادر الرابعي‪ ،‬يف تشكّل اخلطاب النقدي مقارابت منهجية معاصرة‪ ،‬اهللية للنشر والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫‪ .14‬عبد هللا الغ ّذامي‪ ،‬تشريح النص مقاربة تشرحيية لنصوص شعرية معاصرة‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪.2006 ،2‬‬
‫‪ .15‬عبد هللا الغذامي وعبد النيب اصطيف‪ ،‬نقد أديب أم نقد ثقايف‪ ،‬دار الفكر دمشق‪ ،‬ط‪2004 ،1‬‬
‫‪16‬ـ عبد هللا الغذامي‪ ،‬النقد الثقايف قراءة يف األنساق الثقافية العربية‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.2004 ،2‬‬
‫‪ .17‬فان ديك‪ ،‬السلطة واخلطاب‪ ،‬ترمجة غيداء العلي‪ ،‬املركز القومي للرتمجة‪ ،‬القاهرة‪.2006 ،‬‬
‫‪ .18‬ميجان الرويلي وسعد البازعي‪ ،‬الناقد األديب‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‪.2002 ،‬‬
‫‪ .19‬نويل جان بيلمان‪ ،‬التحليل النفسي واألدب‪ ،‬ترمجة حسن املودن‪ ،‬اجمللس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1997 ،1‬‬
‫‪ .20‬يوسف عليمات‪ ،‬مجاليات التحليل الثقايف‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.2004 ،1‬‬
‫‪ 21‬ـ أحسن دواس‪ ،‬املعادل املوضوعي يف النقد األجنلو ‪-‬أمريكي اجلديد دراسة يف املصطلح واملفهوم واملرجعيات‪ ،‬األثر‪ ،‬العدد ‪،26‬‬
‫سبتمرب ‪.2016‬‬
‫‪ .22‬آمنة بلعلي‪ ،‬حنو بديل أتويلي لنقد الشعر‪ ،‬اخلطاب‪ ،‬اجمللد ‪ ،2‬العدد ‪.2007 ،2‬‬
‫تغري العقل كيف ترتك التقنيات الرقمية بصماهتا على أدمغتنا‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،445‬فرباير ‪.2017‬‬
‫‪ .23‬سوزان غرينفيلد‪ُّ ،‬‬
‫‪ .24‬فتحية عبد هللا‪ ،‬إشكالية تصنيف األجناس األدبية يف النقد األديب‪ ،‬عامل الفكر‪ ،‬اجمللد ‪ ،33‬العدد ‪ ،1‬يوليو وسبتمرب ‪.2004‬‬

‫‪ 2.6‬املراجع األجنبية‪:‬‬
‫‪1. Patrik Charaudeau, Dominique Maingueneau, dictionnaire D'analyse du‬‬
‫‪Discourse, edition seuil, Paris, 2002.‬‬
‫‪2.Chris Barker, Cultural Studies: Theory and Practice, SAGE, Publication.‬‬
‫‪London-Thousand Oaks-New Dilhi, 2003.‬‬

‫‪42‬‬

You might also like