You are on page 1of 12

‫جامعة الجاللي بونعامة خميس مليانة‬

‫كلية العلوم االقتصادية وعلوم التسيير وعلوم التجارة والمحاسبة‬

‫قسم ‪ :‬ادارة االعمال‬

‫المجموعة ‪A :‬‬ ‫رقم الفوج ‪2 :‬‬

‫مقياس ‪ :‬نظرية المنظمات‬

‫عنوان البحث ‪:‬‬

‫نظرية البيروقراطية‬

‫تحت اشراف ‪:‬‬ ‫من اعداد الطالب ‪:‬‬

‫‪ -‬د ‪ .‬ماتن‬ ‫ولد مسعود عبد القادر‬ ‫‪-‬‬

‫السنة الجامعية ‪) 2021/ 2020 ( :‬‬


‫خطة البحث ‪:‬‬

‫المقدمة‪:‬‬

‫المبحث االول ‪ :‬مفهوم وخصائص النظرية البيروقراطية‬


‫المطلب االول ‪ :‬مفهوم النظرية البيروقراطية أو النموذج البيروقراطي‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬الخصائص األساسية للنموذج البيروقراطي‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬االنتقادات التي وجهت للنموذج البيروقراطي‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬أسباب فاعلية النموذج البيروقراطي في المؤسسات‬


‫الحكومية في بعض الدول وعدم فاعليته في دول أخرى‬

‫الخاتمة ‪:‬‬

‫قائمة المراجع ‪:‬‬


‫المقدمة‪:‬‬

‫يقوم هذا البحث باستعراض مفهوم النموذج البيروقراطي " لماكس فيبر" وخصائصه في إطار اعتباره أسلوب قيادي وإداري فريد من‬
‫نوعه وأحدث صيحة مدوية في حقل اإلدارة حال ظهوره على مستوى العالم ‪ ،‬كما أن هذا النموذج موجود نسبيا ً في جميع المنظمات‪ 6‬حول العالم‬
‫مهما كان قطاعها‪ 6‬أو حجمها‪ .‬كما تناول البحث الخصائص األساسية للنموذج في ضوء االنتقادات التي وجهت له ‪ ،‬وأسباب نجاحه في‬
‫المؤسسات‪ 6‬الحكومية لبعض دول العالم وعدم نجاحه في أخرى‪ .‬واستعمل الباحث مصطلح نموذج بسبب استعمال ماكس فيبر مؤسس هذا‬
‫المفهوم لهذا المصطلح " النموذج البيروقراطي " كما ألن هذا المصطلح يشمل األسلوب والسلوك القيادي المتبع في المنظمة اللذي يؤثر على‬
‫سلوك العاملين فيها ‪ ،‬والذي اشتق منه الباحثين الحقا ً العديد من النظريات اإلدارية والقيادية المؤثرة على إنتاجية وسلوك الموظفين وثقافة العمل‬
‫في المنظمات‪.‬‬
‫المبحث االول ‪ :‬مفهوم وخصائص النظرية البيروقراطية‬

‫المطلب االول ‪ :‬مفهوم النظرية البيروقراطية أو النموذج البيروقراطي‬

‫ماكس‪ 6‬فيبر (‪1864‬م – ‪1920‬م) الذي قدم النموذج البيروقراطي كان ضابطا ً في الجيش األلماني ‪ ،‬كما كان عالما ً في علم االجتماع وكان‬
‫آلرائه تأثير على علماء االجتماع والسياسة‪ .‬وقد كان مهتما ً بدراسة هيكل المجتمع االقتصادي والسياسي وأثر التصنيع على تنظيم المنظمات‬
‫الكبيرة والمعقدة ‪ ،‬ولم تكن أفكاره عن النموذج المثالي للبيروقراطية سوى جزءاً من نظرية اجتماعية عامة كان يعمل عليها‬

‫(‪.)Kast, 1970, p. 69‬‬

‫البي ُرقراطية‪ ‬أو‪ ‬الدواوينية‪ ‬هي مفهوم يستخدم‪ ‬يشير إلى تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات‪ 6‬المنظمة‪ .‬وتعتمد هذه األنظمة على اإلجراءات‬
‫الموحدة وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية‪ .‬وهنالك العديد من األمثلة على البيرقراطية المستخدمة يومياً‪ :‬األجهزة الحكومات‪ ،‬والقوات‬
‫المسلحة‪ ،‬والشركات الضخمة‪ ،‬والمستشفيات‪ ،‬والمحاكم‪ ،‬والمدارس‪ .‬يعود أصل كلمة البيرقراطية إلى‪ ‬بيرو‪ ،‬وهي كلمه المانيه ومعناها مكتب‪،‬‬
‫المستخدمة‪ 6‬في بداية القرن الثامن عشر ليس للتعبير عن كلمة مكتب للكتابة فقط بل للتعبيرعن الشركة‪ ،‬وأماكن العمل‪ .‬وكلمة قراطية وهي كلمة‬
‫مشتقه من األصل اإلغريقي‪ ‬كراتُس‪  ‬ومعناها القوة أو السلطة والكلمة في مجموعها تعني قوة المكتب أو سلطة المكتب‪.‬‬

‫النموذج البيروقراطي الذي قدمه عالم االجتماع األلماني ماكس‪ 6‬فيبر هو تصور للواقع يقصد به تسهيل فهم ظاهرة التنظيم بشكل مبسط‬
‫وبأسلوب معين‪ .‬ويتضح ذلك في الخصائص األساسية للنموذج‪ .‬ويعتبر النموذج البيروقراطي أول نموذج متكامل للمنظمات‪ ،‬ويمثل اللبنة‬
‫األساسية‪ 6‬لنظرية التنظيم اإلداري‪ ،‬وأحد النظريات الثالثة للمدرسة الكالسيكية في اإلدارة والتي هي النموذج البيروقراطي‪ ،‬واإلدارة العلمية‬
‫لتايلور‪ ،‬ونظرية التنظيم اإلداري أو المبادئ اإلدارية لفايول‬

‫(المنيف‪ ،2017 ،‬ص ‪.)101‬‬

‫وشهدت فترة فيبر قيام بارونات الصناعة‪ ،‬واستغالل اختراعات الثورة الصناعية‪ ،‬واالعتراف ألول مرة بنظام األجور‪ ،‬وتغير هائل في‬
‫اشكال المنظمات‪ 6،‬إذ بدأت منظمات المجتمع الزراعي األوروبي في االختفاء وأخذت تحل محلها منظمات صناعية كبيرة الحجم تستخدم أعداداً‬
‫كبيرة من العمال‪ ،‬وظهرت ظاهرة اإلنتاج الكبير‪ .‬ومن هنا أتت نظرية فيبر للبيروقراطية والتي أسمت هذه المنظمات "بيروقراطيات"‪ ،‬وهدف‬
‫فيبر من نموذجه عن البيروقراطية إلى وصف الجهاز اإلداري للمؤسسات‪ 6‬وأهمية تأثيره على األداء والسلوك (المنيف‪ ،2017 ،‬ص ‪ .)101‬ما‬
‫يعني أنه تم إطالق مصطلح بيروقراطيات من قبل مؤسس المفهوم‪ ،‬فيبر‪ ،‬في بادئ األمر على المنظمات الصناعية في القطاع الخاص‪ ،‬وليس‬
‫الحكومية كما يعتقد البعض‪ .‬أي أن البيروقراطيات تشمل جميع القطاعات (الخاص‪ ،‬وشبه الحكومي‪ ،‬والحكومي‪ ،‬وغير الربحي) ألنه أسلوب‬
‫إداري وقيادي في المنظمات مهما‪ 6‬كان عمل المنظمة والقطاع الذي تنتمي إليه‪ ،‬وليس حصراً على قطاع بحد ذاته كما قد يعتقد البعض أنه‬
‫خاص بمؤسسات‪ 6‬القطاع الحكومي‪.‬‬

‫حيث يشير فيبر في نموذجه بأن الرئيس (أي رئيس المنظمة) يحتاج إلى جهاز إداري لتنفيذ األنظمة والقواعد واإلجراءات والتعليمات وفق‬
‫هيكل تنظيمي ذو سلطة هرمية تتجه من األعلى إلى األسفل‪ ،‬وهذا الجهاز في تعريف فيبر هو البيروقراطية (المنيف‪ .)102 ،2017 ،‬وهذا‬
‫التعريف ينطبق على المؤسسات في جميع القطاعات في جميع البلدان ومهما كان حجم المؤسسة‪.‬‬

‫وأود اإلشارة هنا بأنه على الرغم من وجود البيروقراطية في القطاع الخاص والعام على ح ٍد سواء ‪ ،‬ولكن تميز القطاع الخاص في معظم‬
‫األحيان على القطاع العام في بعض الدول قد يعود إلى اعتماد القطاع الخاص بشكل تام على الربح للبقاء و االستمرار بالوجود ما يجعله‬
‫حريص على تطبيق هذا النموذج اإلداري بفاعلية وانسيابية ومرونة‪ .‬علما ً أن تطبيق النموذج المثالي للبيروقراطية وفق نظرية فيبر أمر في‬
‫غاية الصعوبة ‪ ،‬أو ُمحال ‪ ،‬كما سنرى الحقا ً في االنتقادات التي وجهت لنموذج فيبر للبيروقراطية في هذا البحث‪.‬‬

‫وقد أوضح فيبر بأن لنموذجه للبيروقراطية مزايا عديدة منها ‪ :‬الدقة ‪ ،‬والسرعة ‪ ،‬والمعرفة‪ ، 6‬واالستمرارية ‪ ،‬والوضوح ‪ ،‬والخضوع الكامل‬
‫للرؤساء ذوي القوى والسيطرة القانونية بحكم المنصب أو المركز‬

‫(المنيف‪ ،2017 ،‬ص ‪.)102‬‬

‫وركز فيبر في نموذجه على شرعية السلطة ‪ ،‬وقسمها‪ 6‬إلى ثالثة سلطات‪ .‬وهي السلطة البطولية ‪ ،‬والسلطة التقليدية ‪ ،‬والسلطة الرشيدة‬
‫(العقالنية) ‪ .‬فالسلطة البطولية أو الكارزماتية تعتمد على الصفات الشخصية ‪ ،‬واشتق المنظرين منها الحقا ً العديد من الدراسات في القيادة ومنها‬
‫نظرية الرجل العظيم‪ .‬والسلطة الثانية ‪ ،‬السلطة التقليدية ‪ ،‬يقصد بها السلطات المفوضة بالتنظيم (أي سلطة المركز أو المنصب) ‪ .‬وتجدر‬
‫المالحظة هنا أن هذه السلطة كانت المهيمنة في زمن اإلقطاع األوروبي ‪ ،‬ومنها أيضا ً انتقال المركز أو المنصب باإلرث‪ .‬وبالنسبة للسلطة‬
‫الثالثة والمسماة بالرشيدة أو العقالنية ‪ ،‬هي موضوع نظريته وأساسها‪ .‬حيث ركز في هذه السلطة على السلطة المعطاة إلى القواعد واألنظمة‬
‫والتعليمات واإلجراءات التي يكتسب الموظف شرعية منصبه منها‪ .‬أي أن الشرعية ليست بالكريزما أو الصفة الشخصية وليست باإلرث ‪ ،‬إنما‬
‫يكتسبها الفرد من القواعد واألنظمة والتعليمات واإلجراءات الخاصة بمنصبه‪ .‬ومن هنا أتت كلمة بيروقراطية ‪ ،‬والتي تعني "حكم المكتب"‬
‫باللغة الفرنسية وهو ما دعاه إلى الخروج بنظريته عن النموذج المثالي للبيروقراطية باحثا ً فيه عن الموضوعية والدقة واالنضباط والرشد من‬
‫خالل توفر الخصائص التالية في المؤسسة‪:‬‬

‫‪    -1‬االلتزام التام بالقواعد والتعليمات واألنظمة واإلجراءات هو ما يحدد تخصص الموظفين‪.‬‬

‫‪   -2‬أنشطة العمل هي واجبات رسمية منظمة وموزعة على األفراد في تسلسل هرمي‪.‬‬

‫‪    -3‬توزيع السلطة الرشيدة ‪ ،‬المشار إليها أعاله ‪ ،‬على الموظفين حسب واجباتهم ومسؤولياتهم‪.‬‬

‫‪    -4‬إعداد وحفظ المستندات وأساليب العمل الرشيدة يجب أن يقوم بها ذوو خبرة‪.‬‬

‫‪ -5‬السلطة تتطلب هرمية التنظيم من أعلى إلى أسفل‪.‬‬

‫‪   -6‬تحقيق الرشد والعقالنية في المؤسسة بالمعرفة والمهارة ضرورة حتمية‬

‫(المنيف‪ ،2017 ،‬ص ‪.)103 – 102‬‬

‫ومن مفاهيم البيروقراطية في المعاجم ما يلي‪:‬‬

‫‪   .1‬عرفها قاموس األكاديمية الفرنسية‪"( :‬القوة والنفوذ اللذان يمارسهما‪ 6‬رؤساء الحكومة وموظفو الهيئات الحكومية")‬

‫(فرغلي‪ ،1980 ،‬ص ‪.)173‬‬

‫‪    .2‬عرفها القاموس األلماني‪"( :‬القوم والسلطة التي تمنح لألقسام الحكومية وفروعها وتمارسها‪ 6‬على المواطنين")علي محمد‪ ،1977 ،‬ص‬
‫‪)248‬‬

‫‪    .3‬عرفتها الموسوعة البريطانية‪"( :‬تركيز السلطة اإلدارية في المكاتب واإلدارات ") محمد ‪ ، 1970 ،‬ص ‪)4‬‬

‫‪    .4‬عرفها معجم وبستر‪"( :‬مجموعة من الموظفين الرسميين" وأنها "اإلجراءات الحكومية الرسمية أو الروتين غير المرن")‬

‫(درويش‪ ،1968 ،‬ص ‪.)186‬‬

‫ويرى بعض المختصين مفهوم البيروقراطية بأنه "نمط إداري يتمسك بالشكل دون الموضوع ويتسم بالتخلف اإلداري وكثرة التعقيدات‬
‫واإلهمال والتحيز"‬

‫(محمود‪ ،1976 ،‬ص ‪.)86‬‬

‫وعرف فريتز ماركس البيروقراطية بأنها "الشكل أو النمط التنظيمي الذي تستخدمه الحكومة الحديثة ألداء وظائفها العديدة المتخصصة‬
‫والمتضمنة في النظام اإلداري والتي تتجسد في نظام الخدمة المدنية بوضوح" وأنها "اتجاه رسمي إلى تنفيذ الوظائف السابق ذكرها مع التزام‬
‫التخلي عن اإلنسانية والتمسك بالشكليات دون أدنى اعتبار لما قد ينجم عن هذا االتجاه من أثار ونتائج"‬

‫(‪.)Marx, 1969, p. 20‬‬


‫المطلب الثاني ‪ :‬الخصائص األساسية للنموذج البيروقراطي‬

‫تعبير البيروقراطية كما استخدمه فيبر ال يحمل أي معان غير مرغوبة ‪ ،‬إنما استخدمه ليصف به نموذجا ً مثاليا ً للتنظيم يقوم على أساس فكرة‬
‫التخصص وتقسيم العمل وتوزيع السلطة بين الموظفين ‪ ،‬أضف إلى ذلك الخصائص التالية الهامة جداً‪:‬‬

‫تقسيم التنظيم إلى عدة مستويات وبشكل هرمي‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫االعتماد على المستندات والكتابات في كل شيء‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫االلتزام التام باألنظمة والقواعد والتعليمات المؤسسية ‪ ،‬وان تتصف بالشمولية والعمومية والثبات النسبي لتحقيق المصلحة العامة‬ ‫‪-3‬‬

‫(المنيف ‪ 2017 ،‬ص ‪)101‬‬

‫وأوضح فيبر في مقاالته في علم االجتماع بأن خواص البيروقراطية هي أن تعمل طبقة الموظفين بالطريقة التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬هناك مبدأ مناطق الصالحيات الثابتة والرسمية التي يتم عادةً تحديدها عن طريق القواعد‪ ،‬أي القوانين أو األنظمة اإلدارية‪".‬‬

‫‪ .2‬مبادئ الهرم اإلداري ومستويات السلطة المتدرجة تعني نظاما ً مرتبا ً بصورة راسخة من الترؤس والمرؤسية‪ ،‬ويتولى فيها موظفو المناصب‬
‫العليا اإلشراف على موظفي المستويات الدنيا‪ .‬ويوفر مثل هذا النظام للفئة المحكومة إمكانيات إستئناف القرار المتخذ في المستويات الدنيا أمام‬
‫السلطة العليا بشكل منظم ومحدد‪".‬‬

‫‪ . 3‬تقوم إدارة المكتب الحديث على مستندات مكتوبة يتم حفظها في هيئتها األصلية أو على شكل مسودات‪ .‬لذلك فهناك طبقة من الموظفين‬
‫الثانويين والكتبة من جميع األنواع‪ ،‬ومجموع هؤالء الموظفين الناشطين في مناصب القطاع العام‪ ،‬باإلضافة إلى الجهاز التابع لهم من األشياء‬
‫المادية والملفات‪ ،‬يشكل ما يسمى بـ "الدائرة الرسمية" وفي أحيان كثيرة يطلق على "الدائرة" أسم "المكتب""‪.‬‬

‫‪ .4‬إدارة المكاتب‪ ،‬على األقل إدارة جميع المكاتب‪ 6‬المتخصصة – وهذه اإلدارة حديثة بصورة بارزة – عادة ما تفترض مسبقا ً تدريبا ً دقيقا ً‬
‫وقائما ً على الخبرات‪ .‬وهذا قد ينطبق بصورة متزايدة على المسؤول التنفيذي والموظف في المنشآت الخاصة بالقدر نفسه الذي ينطبق أيضا ً‬
‫على مسؤول الدولة"‪.‬‬

‫‪ .5‬عندما يتطور المكتب تماما ً‪ ،‬فإن النشاطات الرسمية تتطلب كل طاقة العمل لدى المسؤول بغض النظر عن حقيقة كون ساعات دوامه‬
‫اإلجباري في الدائرة قد تكون محددة بشكل صارم‪ .‬في الحاالت العادية يكون ذلك نتيجة لتطورات طويلة األجل خاضتها الدائرة الخاصة‬
‫والعامة‪ .‬سابقاً‪ ،‬كانت األوضاع معكوسة‪ 6،‬حيث كانت األعمال الرسمية تؤدى على أنها نشاطات ثانوية"‪.‬‬

‫‪ . 6‬تخضع عملية إدارة المكتب لقواعد عامة ‪ ،‬تكون ثابتة إلى حد ما وشاملة إلى حد ما ويمكن تعلمها ‪ ،‬ومعرفة هذه القواعد تمثل تعليما ً فنيا ً‬
‫خاصا ً يمتلكه المسؤولون ‪ ،‬وتشمل هذه المعرفة مجموعة القوانين أو تصريف األمور اإلدارية أو التجارية"‬

‫(شافريتز و آخرون ‪ ،2010 ،‬ص ‪)80 – 79‬‬

‫ويتضح لنا من خصائص البيروقراطية في نموذج فيبر‪ ،‬أنه ال يوجد أي اعتبارات شخصية في العمل أو انسانية‪ .‬حيث تصور فيبر انفصال‬
‫حياة ومشاعر الموظف الخاصة عن حياته العامة في العمل‪ ،‬أي بين مصالحه الشخصية وواجباته الرسمية وهو لهذا ال يرى أي تحيز شخصي‬
‫في العمل وانعدام أي اثر لالعتبارات الشخصية في التعامل مع الجماهير‬

‫(السلمى‪ ،1970 ،‬ص‪)28‬‬

‫ومن سمات البيروقراطية اجتماع العاملين لتنفيذ سياسات المؤسسة‪ ،‬مما يجعلها ضرورة من ضرورات الحكومات الحديثة‬

‫(رمزي‪ ،1959 ،‬ص ‪)1‬‬


‫المبحث الثاني ‪ :‬االنتقادات التي وجهت للنموذج البيروقراطي‬

‫أدت االنتقادات والنظرة السلبية إلى نموذج فيبر للبيروقراطية إلى ظهور نظريات بيروقراطية جزئية حديثة تغطي ثغرات نموذج فيبر‬
‫المثالي للبيروقراطية أو تنقضه بشكل كامل‪ .‬حيث برزت بعض االتجاهات الفكرية وفق دراسات باحثين كبار ترى أن نموذج فيبر غير عملي‬
‫وغير صالح لوصف ما يحدث في التنظيمات القائمة بالفعل‪ .‬حيث اعتمدت هذه النظريات على خصائص نموذج فيبر – والتي اشرنا أعاله –‬
‫مع ادخال التعديالت التي رأتها هذه االتجاهات الفكرية ضرورية‪ .‬ومن بين هذه االتجاهات الفكرية هي ما قدمها‪ 6‬ميرتون‪ ،‬وجولدنر‪ ،‬وكروزير‪،‬‬
‫ودونز‪ ،‬وباركنسون‪ ،‬ولورانس‪ ،‬وجامون‪ ،‬وسنناقشها كلها بالترتيب‬

‫(المنيف‪ ،2017 ،‬ص ‪)103‬‬

‫نبدأ مع روبرت ميرتون ‪ ،‬حيث أنه كان من أوائل من تنبهوا لنقاط ضعف في نموذج فيبر المثالي وعمل على تطويره من خالل ادخال‬
‫العنصر البشري (المشاعر والقدرة البشرية) والذي يغطي ثغرات السلوك البيروقراطي في نموذج فيبر‪ ،‬ومن االنتقادات التي وجهها ميرتون‬
‫الى نموذج فيبر كانت ما يلي‪:‬‬

‫‪    .1‬استقرار السلوك البيروقراطي للفرد سيؤدي إلى جمود التنظيم‪ ،‬حيث يأتي الجمود بسبب االلتزام التام للعاملين في المؤسسة باألنظمة‬
‫والتعليمات وكثرة الروتين وزيادة الرقابة والتفتيش وضياع المال العام على هذه الرقابة بدالً من أن يصبو باتجاه تحقيق أهداف المنظمة التي‬
‫أنشئت ألجلها‪.‬‬

‫‪    .2‬التركيز على األنظمة والتعليمات والقواعد قد يؤدي إلى تغلب الوسائل على الغايات‪ 6،‬أي أن إلتزام الموظف بهذه األنظمة والتعليمات‬
‫والقواعد سيصبح تدريجيا ً هو الهدف لهذا الموظف مع مرور الوقت وسينسى الموظف الهدف األساسي للمنظمة والداعي لوجودها من األساس‪.‬‬

‫‪    .3‬تعميم المواقف التي يتم التصرف فيها بشكل مناسب والسلوكيات الجيدة إلى المواقف والسلوكيات التي ال تقبل استعمال نفس التعميم‪ ،‬وهذا‬
‫غير منطقي في نموذج فيبر‪ ،‬حيث أنه يوجد العديد من المتغيرات البيئية والمكانية التي ال يأخذها نموذج فيبر باالعتبار عند تعميم تلك المواقف‬
‫او السلوكيات‪.‬‬

‫‪    .5‬أدى نموذج فيبر إلى التقليل من وجود العالقات الشخصية بين أعضاء الفريق الواحد في نفس المؤسسة أو حتى انعدامه‪ ،‬وذلك بسبب أن‬
‫كل فرد له تعليمات خاصة والعمل مقسم بنا ًء على التخصص وبشكل هرمي ومركزي‬

‫(المنيف‪ ،2017 ،‬ص ‪)104 – 103‬‬

‫ويرى جولدنر أن التنظيم المشار إليه في نموذج فيبر يضع نظاما ً للرقابة للمحافظة على توازن واستقرار التنظيم‪ ،‬ولكنه يؤدي في النهاية إلى‬
‫خلل بتوازنه واستقراره بحد ذاته‪ .‬وذلك بسبب أن المستويات العليا في التنظيم البيروقراطي حسب نموذج فيبر ترغب في الرقابة على أعمال‬
‫وسلوك العاملين من خالل وضع قواعد وتعليمات وإجراءات عمل‪ .‬وتكون محصلة هذه الرقابة في نموذج فيبر للبيروقراطية ازدياد التوتر‬
‫والصراع الداخلي في المؤسسة وبالتالي اختالل التوازن التنظيمي والبعد عن أهداف المؤسسة الحقيقية‪ ،‬وذلك يرجع لألسباب التالية‪:‬‬

‫‪   .1‬تقليص العالقات‪ 6‬الشخصية بين العاملين في المنظمة إلى الحد األدنى‪ ،‬بسبب تقسيم العمل‪.‬‬

‫‪   .2‬قلة وضوح الفروق بين اإلدارات واألقسام‪ 6،‬بسبب أن الجميع يخضع لنفس القواعد‪.‬‬

‫‪    .3‬قبول السلطة الرسمية للمشرفين بإيجابياتها وسلبياتها بحكم مراكزهم‪ ،‬وذلك يؤدي الحقا ً إلى ظهور نتائج وسلوكيات غير متوقعة وغير‬
‫مرغوبة‪ .‬ومن تلك النتائج والسلوكيات غير المتوقعة وغير المرغوبة تقوقع سلوك األفراد وجموده‪ ،‬مما ينتج عنه الحد من العمل دون محاولة‬
‫بذل جهد أعلى ما يؤدي إلى انخفاض في اإلنجازات الفعلية واإلنتاجية واالبتعاد عن تحقيق األهداف المنشودة للمنظمة‪.‬‬

‫‪    .4‬اعتقاد اإلدارة العليا للمنظمة بأن فشل المنظمة في تحقيق أهدافها يعود إلى العاملين‪ ،‬مما يؤدي إلى انعدام شعور هؤالء العاملين باألمان‬
‫الوظيفي أو بالوالء ويسعى كل عامل لتحقيق أهدافه الشخصية‬

‫(المنيف‪ ،2017 ،‬ص ‪)106 – 105‬‬


‫كما انتقد الفرنسي كروزير نموذج فيبر بدراسة حديثة لظاهرة نموذج البيروقراطية في فرنسا‪ ،‬اعتمد فيها على بيانات قام بتحصيلها ميدانيا ً‬
‫وحللها احصائيا ً لمشروعين من المشاريع العامة في فرنسا‪ .‬وخلص كرويز إلى أن نموذج فيبر للبيروقراطية هو ظاهرة للروتين والتعقيد‬
‫والجمود في المنظمات الفرنسية‪ .‬وعرف كروزير الروتين بالحلقة الجهنمية وأوضح أن ذلك يعود لألسباب التالية‪:‬‬

‫‪     .1‬عدم شعور الموظفين باالنتماء للمؤسسة وعدم اكتراثهم بالمحافظة على ممتلكات المؤسسة‪ ،‬مما يقود إلى ضياع أموال أو مستندات عامة‪.‬‬

‫‪   .2‬عدم ادراك العاملين ألهداف المؤسسة التي وجدت ألجلها‪.‬‬

‫‪    .3‬عدم وحدة العاملين‪ ،‬وانعزالهم عن بعضهم البعض بسبب الحد من العالقات الشخصية بينهم‪ .‬مما يؤدي إلى منافسة‪ 6‬شرسة بينهم ينعدم معهم‬
‫العمل الجماعي ويسود شعور األنانية والسعي لتحقيق األهداف الشخصية‪.‬‬

‫‪    .4‬تركيز المسؤوليات وسلطة اتخاذ القرار في المؤسسة في أيدي فئة قليلة توجد في مستويات اإلدارة العليا فقط‪ ،‬وذلك يؤدي لزيادة أثار‬
‫الروتين السلبية التي تتجلى بتعامل الموظفين في المستويات الدنيا مع المراجيعن والمستفيدين يوميا ً وتنفيذهم لألعمال الرسمية وتحصيلهم‬
‫لمعلومات‪ 6‬هامة من المستفيدين ال يستفيدون منها بتحسين المؤسسة‪ .‬وذلك بسبب أنهم ال يملكون السلطة للتعامل مع هذه المعلومات الهامة او‬
‫اتخاذ القرار بشأنها وتصبح معلومات متراكمة مهملة‪.‬‬

‫‪    .5‬قيام المسؤولين الذين لديهم صالحية اتخاذ القرار بإتخاذ قرارات غير مناسبة بسبب عدم احاطتهم بالمعلومات الهامة الموجودة لدى‬
‫الموظفين العاملين في المستويات الدنيا والتي كانت من الممكن ان تفهمهم الموقف جيداً التخاذ القرار األنسب‪.‬‬

‫وبالنسبة لمظاهر التعقيد والجمود في المؤسسة‪ ،‬أوضح كروزير عناصر الضعف التالية في نموذج فيبر للبيروقراطية‪:‬‬

‫‪    .1‬عدم رغبة الموظف في تحمل المسؤولية او اتخاذ قرار بسبب أن ذلك سيؤدي إلى اهتزاز استقرار الموظف وعدم شعوره باألمان الوظيفي‬
‫لشعوره أنه حين يفعل ذلك يخالف القواعد والتعليمات‪ .‬ولذلك يترك هذه المخاطر لمن هم في المستويات القيادية العليا‪.‬‬

‫‪   .2‬انخفاض إنتاجية العاملين وتدهور روحهم المعنوية بسبب التمسك حرفيا ً بالقواعد والتعليمات‪.‬‬

‫‪    .3‬صعوبة التكيف مع المشاكل والظروف المتغيرة مما يزيد الفجوة بين المؤسسة والمستفيدين منها‪.‬‬

‫‪    .4‬زيادة الرقابة على االلتزام بالقواعد والتعليمات المؤسسية مما يزيد الجمود‪ ،‬وبدوره يزيد المشاكل والفجوة مع جمهور المستفيدين‬

‫(المنيف‪ ،2017 ،‬ص ‪)107 – 106‬‬

‫وبالنسبة لألمريكي داونز‪ ،‬قام بإجراء دراسة لنموج البيروقراطية األمريكية والحظ فيها ميالً طبيعيا ً نحو النمو واالتساع والمحافظة‪6‬‬
‫المستميتة على البقاء وضمان االتساع والنمو واالستقالل‪ .‬ولكن يرى داونز أن األنظمة البيروقراطية قد انحرفت عن النظرية األساسية‪ 6‬لنموذج‬
‫فيبر المثالي وأخذت تستوعب وتدخل الجانب اإلنساني في النموذج وأصبحت تهتم بالعالقات‪ 6‬الشخصية‪ .‬وعرف داونز ذلك بأنه االتجاه الحديث‬
‫للبيروقراطية‪ ،‬حيث أن هذا الميل يمثل انحرافا ً اساسيا ً عن النظرية األساسية لنموذج فيبر للبيروقراطية الذي ينكر وجود تحيزات شخصية في‬
‫العمل‪ ،‬ويفصل بشكل تام بين الواجبات الرسمية والمصالح والعالقات الشخصية‪ .‬وبنا ًء على ذلك‪ ،‬وأوضح داونز عناصر الضعف التالية فيما‬
‫يخص الرقابة حسب نموذج فيبر البيروقراطي ووضعها كأساس‪ 6‬لتطوير نموذجه الذي أسماه البيروقراطية الحديثة‪:‬‬

‫‪   .1‬جانب كبير من الموارد والنشاط في المؤسسة‪ 6‬ال يتم استغالله لصالح تحقيق األهداف المنشودة‪ ،‬حيث يتم استعماله في الرقابة والتي ممكن‬
‫القيام بها من خالل نظريات أخرى كالنظرية اإلدارية العلمية والعملية‪.‬‬

‫‪   .2‬وجود صعوبة بالغة في مراقبة سلوك العاملين مراقبة مثالية‪.‬‬

‫‪   .3‬كلما كبرت المؤسسة قلت فاعلية رقابتها‪.‬‬

‫‪   .4‬كلما كبر حجم المؤسسة أصبح التنسيق الداخلي أقل‪ ،‬نظراً لظهور طبقات وإدارات جديدة‪.‬‬

‫‪   .5‬كلما زادت جهود الرقابة زادت معها‪ 6‬جهود الموظفين في إيجاد فجوة لإلفالت‪.‬‬

‫‪   .6‬ازدواجية الرقابة وتعدد أجهزتها‪ ،‬مما يقلل فعالية الرقابة وتداخل أنشطتها ويصرف المال العام بعيداً عن تحقيق أهداف المصالح الحكومية‪.‬‬

‫كما بين داونز في كتابه "في داخل البيروقراطية" أن السلوك اإلنساني والنفس البشرية أعلى من أن تشمل في سلوك بيروقراطي مثالي‪ ،‬وأن‬
‫السلوك اإلنساني ال يمكن تحديده أو قياسه أو وضع افتراضات يقينية عليه‪ ،‬وال يمكن أيضا ً وضعه في إطار محدد‪ .‬وخلص داونز في كتابه إلى‬
‫أن االنحرافات التي ظهرت في السلوك اإلنساني عن السلوك البيروقراطي تمثل أدلة يقينية على فشل نظرية فيبر للنموذج البيروقراطي‪.‬‬
‫وأوضح ذلك في ثالث فرضيات‪ ،‬وهي كما يلي‪:‬‬

‫‪   .1‬يتجه جميع الموظفين إلى تحقيق أهدافهم منطقياً‪ ،‬أي أن هدفهم الحصول على أعلى حد ممكن لمنفعتهم الشخصية‪.‬‬

‫‪    .2‬كل موظف لديه دافع كبير لتحقيق مصلحته الشخصية‪ ،‬مما يؤدي إلى ظهور أهداف عديدة معقدة لدى أفردا المنظمة الواحدة‪.‬‬

‫‪    .3‬تؤثر الوظائف والعالقات االجتماعية في أي منظمة على هيكلها التنظيمي‪ ،‬مما يؤدي إلى ظهور هيكل تنظيمي غير رسمي "الشللية"‪،‬‬
‫والعكس صحيح‪ .‬أي التنظيم غير الرسمي الذي ظهر بسبب العالقات‪ 6‬الشخصية "الشللية" يؤدي الحقا ً إلى وجود تنظيم رسمي هيكلي في‬
‫المؤسسة‪ ،‬وكذلك دواليك‪.‬‬

‫وقال داونز‪" :‬إن الوظيفة التي يؤديها موظف البيروقراطية تحتوي على خدمات لها قيمة معينة بواسطة األخرين‪ ،‬أو الزبائن لتلك المصلحة‬
‫الحكومية‪ ،‬ألن هذه الخدمات‪ 6‬تحقق مصالحهم الذاتية ونتيجة ذلك فإن موظف البيروقراطية يقوم بتقييم هذه األعمال أو الخدمات عن طريق ما‬
‫تقدمه تلك األعمال لتحقيق مصلحته الذاتية"‪.‬‬

‫(المنيف‪ ،2017 ،‬ص ‪)114 – 107‬‬

‫وخلص باركنسون إلى أن العمل حسب النموذج البيروقراطي لفيبر يتوسع ويطغى على الوقت المتوفر إلنجازه‪ ،‬وهو ما عرف الحقا ً بقانون‬
‫باركنسون‪ .‬وخلص لورانس خلص إلى أنه في منظمة هرمية تتبع نموذج فيبر المثالي للبيروقراطية يميل الموظف إلى االرتقاء إلى مستواه في‬
‫عدم الكفاءة‪ ،‬أي أن ذلك يحدث من خالل ارتقائه في المؤسسة بسبب انقضاء مدة قانونية محددة في التعليمات واألنظمة دون اهتمام المؤسسة‬
‫بمستوى كفاءته وفاعليته لتحقيق أهدافها واالرتقاء بنا ًء على ذلك‪ ،‬ولذلك أسمها االرتقاء إلى مستوى عدة الكفاءة ألن الموظف يجابه الحقا ً بعد‬
‫ارتقائه مسؤوليات وأنشطة ال تتواءم مع مؤهالته وقدراته‪ .‬ونجد أيضا ً أن غامون خلص إلى أن زيادة النفقات في النظام البيروقراطي على‬
‫الرقابة تؤدي إلى انخفاض في اإلنتاجية لعدم تركيز المؤسسة على أهدافها الرئيسية‪ ،‬ومن هنا أتي بمقولة‪" :‬أن العمل غير المجدي يؤدي إلى‬
‫القضاء على العمل المجدي"‪ ،‬أي اهتمام المؤسسة في االلتزام التام باألنظمة والتعليمات بدالً من السعي نحو تحقيق األهداف‪ .‬ونجد في‬
‫الدراسات الثالثة لباركنسون ولورانس وغامون المذكورة ترابطا ً كبيراً بين بعضها البعض‪ ،‬حيث أنها جميعا ً تُشير إلى أنه كلما زاد تمسك‬
‫المؤسسة باألنظمة والقوانين والتعليمات‪ 6‬ازدادت عدم كفاءة موظفيها وقلت انتاجيتها وازدادت مصاريفها‬

‫(المنيف‪ ،2017 ،‬ص ‪)118 – 115‬‬

‫وبنا ًء على بحوث هذه المجموعة من البحاثين المشار إليها أعاله‪ ،‬يظهر جليا ً وجود ثغرات كبيرة في نظرية فيبر للنموذج البيروقراطي أو‬
‫حتى تنقضها تماماً‪ ،‬مما أدى لظهور نظريات جديدة اخذت في الحسبان ما يلي‪:‬‬

‫‪   .1‬االعتراف بوجود التنظيمات‪ 6‬غير الرسمية في المؤسسات "الشللية" وأن لها أثراً على التنظيمات الرسمية ومحاولة دمجها في التنظيمات‬
‫الرسمية للمؤسسة لإلستفادة من تأثيرها إيجابيا ً على السلوك والثقافة المؤسسية‪.‬‬

‫‪    .2‬مراعاة القدرة البشرية‪ ،‬العنصر اإلنساني‪ ،‬في النظريات الجديدة‪ .‬وذلك ألن االنسان ليس بآلة وله مشاعر يهمها وجود عالقات شخصية‬
‫وله قدرة معينة على تحمل العمل ووسعة معرفة محددة وأنه ال يمكن تواجده فيزيائيا ً في أكثر من مكان في نفس الزمان‪.‬‬

‫‪    .3‬أهمية تفويض الصالحيات‪ ،‬أي الالمركزية‪ ،‬في اتخاذ القرارات على أساس يخدم الجميع‪.‬‬

‫‪    .4‬االلتزام التام في القواعد والتعليمات قد يؤدي إلى عدم معرفة التصرف في مواقف معينة تفرضها الطبيعة‪ ،‬مما أدى الحقا ً إلى ظهور‬
‫نظرية الموقف‬

‫(المنيف‪ ،2017 ،‬ص ‪)118‬‬


‫المبحث الثالث ‪ :‬أسباب فاعلية النموذج البيروقراطي في المؤسسات الحكومية في بعض الدول وعدم فاعليته في دول أخرى‪:‬‬

‫بال شك أن خصائص البيروقراطية تدعم بعضها البعض‪ ،‬وتداخل مع بعضها البعض‪ ،‬ولذلك فإن البيروقراطية تلعب دور الشريك المتكافئ‬
‫والمهم في الدول وسلطاتها السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية‪ ،‬بل وتؤدي أيضا ً إلى تعزيز دور الديموقراطية فيها‪ .‬كما أن هذا التداخل في‬
‫خصائص النموذج يُمكنه من التكيف والتغير والمرونة حسب طبيعة عمل المؤسسة‪ ،‬حيث أن من أهم سماته التخصصية والرشدانية (العقالنية)‪.‬‬

‫(‪)Dyer, 1965, P.20‬‬

‫ولذلك ‪ ،‬فإن من أسباب نجاح النموذج البيروقراطي في ألمانيا هو كما ذكر موقع "الموجة األلمانية" على موقعهم االلكتروني ما يلي‪" :‬ال‬
‫يقتصر أمر الحكومة اإللكترونية في ألمانيا على مجرد توفير بعض النماذج الحكومية من خالل مواقع اإلدارات المختلفة على اإلنترنت‪ ،‬مثل‬
‫بعض تجارب الحكومة اإللكترونية في الدول العربية‪ ،‬بل في بعض مكاتب‪ 6‬الضرائب‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬تم ربط برامج المحاسبة‪ 6‬التي‬
‫يستخدمها المواطنين بالحاسب المركزي لمكتب الضرائب بحيث يستطيع المواطن تقديم إقراراته الضريبية إلكترونيا باالتصال من جهازه‬
‫الشخصي إلى جهاز المكتب الضريبي التابع له‪ .‬ويعتمد نجاح وفاعلية الحكومة اإللكترونية على تعميق الوعي بمفهوم "الحكومة اإللكترونية"‬
‫وأهميتها‪ ،‬والفوائد التي يمكن أن تحققها للمواطنين وللمؤسسات وللحكومة‪ ،‬ويتطلب ذلك بناء قواعد بيانات دقيقة وقنوات اتصال مؤمنة بين‬
‫اإلدارات الحكومية بعضها البعض من أجل التنسيق وبين اإلدارات الحكومية والشركات والمواطنين من أجل تقديم خدمات آمنة بشكل أسرع‬
‫وأدق‪( ".‬الموجة األلمانية‪ .)2016 ،‬ويتضح لنا جليا ً من هذا الكالم بأن التكنولوجيا تم استغاللها بشكل ريادي في المؤسسات‪ 6‬الحكومية األلمانية‬
‫بما ينسجم مع الخصائص المميزة للنموذج البيروقراطي‪ ،‬ما يدل على قابلية هذا النموذج على التكيف والتالؤم مع البيئات الحاضنة له إن تم‬
‫استغالله بإيجابية وعدم جعله معوقا ً للعمل أو مصدراً للجمود وكثرة الروتين أو خلق أنظمة ال تحقق أهداف المؤسسة‪.‬‬

‫ومن أسباب عدم نجاح نموذج البيروقراطية في المؤسسات الحكومية في الدول العربية هو كما ذكر الدكتور طامشة في دراسته ‪ -‬بعنوان‪:‬‬
‫"التوسع البيروقراطي الحلقة المنسية في عملية التنمية في الوطن العربي" ‪ -‬بأن البحوث العلمية تكاد تجمع على قصور األداء الفعلي للقطاع‬
‫العام في معظـم الـدول العربيـة والتي بكل تأكيد تتبع نموذج البيروقراطي متهالك وقديم حصلت عليه من دول االستعمار‪ ،‬بعد انتهاء االستعمار‪،‬‬
‫وأبقت عليه كما هو دون أي تحسين يذكر خوفا ً من التغيير ومن المسؤول حسب ثقافة هذه المجتمعات‪ .‬ومن األمثلة على ذلك عيوب تنفيذ خطط‬
‫التنميـة‪ ،‬بمعنـى أن الخطـط كانـت جيـدة‪ ،‬ولكـن التنفيـذ ـ أي إدارة التنميـة ـ كـانت رديئـا لجمود اإلدارة وعدم مرونتها‪ ،‬وعدم قدرتها لتتالئم‬
‫وتتكيف مع التغيير المطروح في خطط التنمية‪ ،‬وعـدم موائمـة الثقافة المؤسسية وبالتالي االتجاهـات السـلوكية للعـاملين فـي الدولة مـع التغيير‪.‬‬
‫ولذلك‪ ،‬فإن خطـط التنميـة في كثير من األحيان تحـول الجهـاز اإلداري إلـى قوة معوقة‪( .‬طامشة‪.)2012 .‬‬

‫ووفقا ً لدراسة نشرها معهد التنمية الخارجية البريطاني في العام ‪ 2003‬م بعنوان البيروقراطية والحوكمة في ‪ 16‬دولة نامية ‪ ،‬يشير إلى فشل‬
‫النموذج البيروقراطي في ‪ 16‬دولة نامية يعود في الكثير من الحاالت إلى سبب عدم المساواة االجتماعية أو االقتصادية في المجتمع النامي ‪،‬‬
‫كما يظهر في التعليقات المقدمة من المشاركين من الهند وباكستان على وجه الخصوص حيث انهم لم يستفيدوا من مزايا النموذج البيروقراطي‬
‫المطبق في المصالح الحكومية في تلك البلدان‪ .‬وذلك يعود على سبيل المثال إلى انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات العامة‪ 6‬بين الفقراء‬
‫في هذه البلدان‪ .‬ومن األمثلة على ذلك عدم قدرة الطبقة الفقيرة على تقديم الرشاوي وعدم وجود تأثير دعم سياسي لهذه الطبقة على أرض‬
‫الواقع‪ .‬بينما نجد في نفس هذه البلدان بأن طبقة األغنياء في المجتمع نفسه غالبا ً ما يتمتعون بامتيازات الوصول إلى الخدمات نتيجة لكونهم‬
‫قادرين على دفع الرشاوى ووجود دعم سياسي لهم على أرض الواقع‪.‬‬

‫(‪ .)Hyden. And others. 2003‬‬

‫وبنا ًء على ذلك‪ ،‬فإن أحد أهم أسباب فاعلية ونجاح البيروقراطية في بعض المؤسسات‪ 6‬أو المصالح الحكومية في بعض الدول وعدم فاعليته‬
‫في دول أخرى يعود إلى فاعلية تلك المؤسسة في االنتباه الى المزايا التي طرحها فيبر في نموذجه المثالي للبيروقراطية‪ ،‬وهي السرعة‪ ،‬والدقة‪،‬‬
‫والوضوح‪ ،‬واالستمرارية وغيرها مما ذكرنا آنفا ً‪ .‬فالدول التي طبقت العدالة والمساواة االجتماعية وادخلت التكنولوجيا في خدمة مؤسساتها‪6‬‬
‫العامة وأرعت االنتباه لمزايا النموذج البيروقراطي وتعاملت معه بإيجابية‪ ،‬بالتأكيد نجح فيها النموذج مثل ألمانيا‪ .‬والدول التي لم تطبق العدالة‬
‫والمساواة االجتماعية وألقت باالً للتكنولوجيا والتقنية فقط‪ ،‬فشلت بها البيروقراطية مثل في الهند وباكستان وبعض الدول العربية‪ ،‬بل في بعض‬
‫األحيان أصبحت البيروقراطية في الدول النامية قوة معوقة للمنظمات والمصالح الحكومية‪.‬‬
‫الخاتمة ‪:‬‬

‫تم خالل هذا البحث استعراض مفهوم النموذج المثالي للبيروقراطية وأهم خصائصه األساسية‪ 6‬حسب مؤسس نظريته ماكس فيبر‪ .‬كما تم‬
‫التطرق في هذا البحث إلى االنتقادات التي وجهت لنموذج فيبر للبيروقراطية من مجموعة من كبار الباحثين والدارسين في اإلدارة‪ .‬كما‬
‫ويوضح البحث أسباب نجاح وفاعلية النموذج البيروقراطي في بعض المصالح الحكومية في بعض الدول وعدم نجاحه في أخرى ‪ ،‬مع التركيز‬
‫على المزايا أو الخصائص التي ذكرها فيبر في نموذجه المثالي للبيروقراطية‪.‬‬
‫قائمة المراجع ‪:‬‬

‫المراجع العربية‪:‬‬

‫‪   -1‬السلمى‪ ،‬علي‪ .)1970( .‬البيروقراطية في النظرية والتطبيق ‪ .‬المنظمة العربية للعلوم اإلدارية‪ .‬القاهرة‪ .‬جمهورية مصر العربية‪.‬‬

‫‪   -2‬المنيف‪ ،‬إبراهيم‪ .)2017( .‬تطور الفكر اإلداري المعاصر‪ .‬ط ‪ .3‬مجلة المدير‪ .‬الرياض‪ .‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬

‫‪   -3‬الموجة األلمانية‪" )2016( .‬البيروقراطية األلمانية والنموذج العربي"‪. https://p.dw.com/p/6ivW ‬‬

‫‪   -4‬درويش‪ ،‬عبدالكريم‪ .)1968( .‬أصول اإلدارة العامة ‪ .‬مكتبة األنجلو‪ .‬القاهرة‪ .‬الجمهورية العربية المصرية‪.‬‬

‫‪   -5‬رمزي‪ ،‬محمد توفيق‪ .)1959( .‬البيروقراطية والمجتمع في مصر الحديثة ‪ .‬مكتبة النهضة المصرية‪ .‬القاهرة‪ .‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬

‫‪   -6‬شافريتز‪ ،‬جي م‪ ..‬هايد‪ ،‬ألبرت ك‪ ..‬باركس‪ ،‬ساندرا ج‪ .)2010( .‬مؤلفات كالسيكية في اإلدارة العامة‪ .‬ط ‪ .2‬معهد اإلدارة العامة‪.‬‬
‫الرياض‪ .‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬

‫‪   -7‬طاشمة‪ ،‬بومدين‪" ) 2012( .‬التوسع البيروقراطي الحلقة المنسية في عملية التنمية في الوطن‬
‫العربي"‪. http://search.mandumah.com/Record/455627 .‬‬

‫‪   -8‬علي محمد‪ ،‬محمد‪ .)1977( .‬دراسات في علم االجتماع السياسي‪ .‬دار الجامعات‪ 6‬المصرية‪ .‬اإلسكندرية‪ .‬جمهورية مصر العربية‪.‬‬

‫‪   -9‬فرغلي‪ ،‬محمد‪ .)1980( .‬البيروقراطية‪ .‬ع ‪ .10‬مجلة االقتصاد واإلدارة‪ .‬الرياض‪ .‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬

‫‪                   -10‬محمد‪ ،‬ناشد‪ .)1970( .‬البيروقراطية مفهومها ومقوماتها ومظاهرها‪ .‬ع ‪ .51‬المنظمة العربية للعلوم اإلدارية‪ .‬القاهرة‪.‬‬
‫الجمهورية العربية المصرية‪.‬‬

‫‪                   -11‬محمود‪ ،‬عساف‪ .)1976( .‬أصول اإلدارة ‪ .‬دار النشر العربي‪ .‬القاهرة‪ .‬الجمهورية العربية المصرية‪.‬‬

‫المراجع اإلنجليزية‪:‬‬

‫‪Dyer, Fredrick. (1965). Bureaucracy vs. Creativity. The University of Miami Press. Florida. The United   -1‬‬
‫‪.States of America‬‬

‫‪Hyden, Goran. And others. (2003) "The Bureaucracy and Governance in 16 Developing   -2‬‬
‫‪.Countries". https://www.odi.org‬‬

‫‪Marx, Fritz Morstein. (1969). The Administrative State: An Introduction to Bureaucracy. The University   -3‬‬
‫‪.of Chicago Press. Chicago. The United States of America‬‬

‫‪Rosenzweig, Kast. (1970). Organization & Management, A. System Approach. The University of‬‬
‫‪ Washington. Seattle. The United States of‬‬

You might also like