You are on page 1of 2

‫الثانية باكالوريا‬ ‫مادة‪ :‬الفلسفة‬

‫مجزوءة‪ :‬المعرفة‬ ‫مسلك‪ :‬اآلداب‪ /‬وع ان‬

‫مفهوم‪ :‬النظرية والتجربة‬


‫تقديم‪:‬‬
‫تطرح عالقة النظرية بالتجربة إشكاال ابستملوجيا يتمثل في تحديد المنطلق العلمي الذي ينبغي اعتماده‬
‫لفهم العالم ويتأرجح هدا المنطلق بين مذهبين يعتمدان منهجين مختلفين‪ :‬المنهج العقالني‪ ،‬والمنهج التجريبي‬
‫فادا كان األول يسلم بقدرة العقل الكاملة على فهم قوانين العالم و اكتشاف أسراره وذلك عن طريق التأمل‬
‫النظري ألن العقل يمتلك أفكارا فطرية ومبادئ قبلية تؤهله لفهم كل ما في الوجود‪ ،‬فان الثاني يعتبر أن‬
‫المعرفة ينبغي أن ت ُستمد من الواقع التجريبي‪ ،‬وذلك من خالل اعتماد المالحظة‪ ،‬و التجربة ‪ ،‬غير أن هذا‬
‫االختالف الموجود بين التصورين يفضي إلى نمطين من البحث يكون أحدهما بحث عقالني بينما يكون اآلخر‬
‫بحث تجريبي‪.‬‬

‫المحور األول‪:‬التجربة والتجريب‪.‬‬


‫❖ إشكال المحور‪ :‬ما هو دور التجريب في بناء النظرية؟ وهل يعتبر التجريب في معناه التقليدي المقوم‬
‫الوحيد في تفسير الظواهر الطبيعية أم أن لعنصر الخيال العقلي دور في ذلك؟‬

‫‪ -1‬تصور كلود برنار‪:‬‬


‫يرى كلود برنار أن إحاطة العالم بمبادئ المنهج التجريبي‪ ،‬التي من شأنها أن تجعله يصل إلى الحقيقة العلمية‪،‬‬
‫تتطلب منه االلتزام بشرطين أساسيين‪ :‬األول يتمثل في توفره على فكرة يعمل على فحصها انطالقا من وقائع صحيحة‬
‫ومنظمة‪ ،‬أما الثاني فيتمثل في ضرورة استخدام العالم كل األدوات التي من شأنها أن تمكنه من مالحظة الظاهرة‬
‫المدروسة مالحظة كاملة وشاملة‪ .‬هكذا يرى كلود برنار أنه على العالم المالحظ للظواهر أن ينقل بدقة ما هو‬
‫موجود في الطبيعة‪ ،‬إن عليه أن ينصت إلى الطبيعة‪ ،‬وأن يسجل ما تمليه عليه‪ .‬من هنا تأتي المالحظة في بداية المنهج‬
‫التجريبي‪ ،‬ثم تتلوها الفكرة العقلية التي تسعى إلى تفسير الظاهرة‪ ،‬وبعد ذلك يتم التأكد من الفرضية المفسرة عن طريق‬
‫انطالقا من كل هذا يحدد كلود برنار‬ ‫التجربة العلمية التي تعتبر معيارا للتحقق من صحة الفرضية أو عدم صحتها‪.‬‬
‫خطوات المنهج التجريبي التي تجمع بين الفكر النظري والممارسة التجريبية‪ ،‬حيث تأتي المالحظة في بداية هذا المنهج‬
‫لكي تتبعها فكرة عقلية منبثقة عنها‪ ،‬هذه الفكرة التي يتم االستدالل عليها انطالقا من التجربة‪ .‬فالتجربة إذن هي منطلق‬
‫بناء النظرية العلمية‪ ،‬وهي المعيار الوحيد لصالحيتها‪.‬‬

‫‪ -2‬تصور روني طوم‪:‬‬


‫إذا كان التجريب حسب التصور التقليدي هو معيار للتحقق من الفرضية‪ ،‬فإن روني طوم يرى أنه ال يمكن الحديث‬
‫عن فرضية علمية غير مؤسسة على نظرية سابقة‪ .‬فكل نظرية تتضمن في نظره كيانات خيالية يتم التسليم بوجودها‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫مما يعني أن لعنصر الخيال العقلي دور كبير في التجريب العلمي‪ .‬هكذا اعتبر روني طوم أنه من الوهم االعتقاد مع‬
‫أنصار النزعة التجريبية التقليدية بأن التجربة هي وحدها التي تمكننا من فهم العالقات السببية بين الظواهر الطبيعية‪.‬‬
‫فالتجريب ال يكفي وحده لفهم الظواهر الطبيعية وأسبابها‪ ،‬بل ال بد من إقحام عنصر الخيال العقلي الذي يعتبر تجربة‬
‫ذهنية مكملة للتجربة التي تتم بواسطة األدوات العلمية في المختبر‪ .‬هكذا يؤكد روني طوم على التكامل الحاصل بين‬
‫ما هو واقعي تجريبي من جهة‪ ،‬وما هو عقلي خيالي من جهة أخرى؛ إذ ال يمكن للتجريب العلمي االستغناء عن التفكير‬
‫العقلي الذي يعد عملية معقدة ومتشابكة يصعب ضبطها من خالل منهج محدد‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬العقالنية العلمية‪.‬‬


‫ما هي طبيعة المعرفة العلمية؟ وكيف تتحدد عالقة العقل والتجربة داخل هذه المعرفة؟‬ ‫إشكال المحور‪:‬‬ ‫❖‬

‫‪ -1‬تصور إنشتين‪:‬‬
‫يؤكد إنشتين على أن النسق النظري للعلم المعاصر يتكون من مفاهيم ومبادئ هي إبداعات حرة‬
‫للعقل البشري‪ .‬من هنا فالنظرية العلمية تبنى بناءا عقليا خالصا‪ ،‬أما المعطيات التجريبية فهي‬
‫مطالبة بأن تكون مطابقة للقضايا الناتجة عن النظرية وتابعة لها‪.‬‬

‫هكذا يعتبر إنشتين أن العقل العلمي األكسيومي بكل ما يتميز به من رمز وتجريد‪ ،‬كفيل بإنشاء النظرية العلمية‪ ،‬وما‬
‫التجربة إال المرشد في وضع بعض الفرضيات من جهة‪ ،‬وفي تطبيقها من جهة أخرى‪ .‬كما يؤكد على الدور الذي أصبح‬
‫يلعبه العقل الرياضي في الكشف عن النظريات العلمية دون أية تجارب سابقة‪ .‬فالبناء الرياضي الخالص يمكننا من‬
‫اكتشاف المفاهيم والقوانين التي تعتبر مفتاحا لفهم الظواهر الطبيعية‪ .‬وهذا ما يجعل العقل الرياضي هو المبدأ الخالق‬
‫في العلم‪ ،‬كما يجعل من العقالنية العلمية المعاصرة عقالنية مبدعة‪.‬‬

‫‪ -2‬تصور هانز رايشنباخ ‪:‬‬


‫إن المعرفة العلمية يتم التوصل إليها باستخدام مناهج معقولة ألنها تقتضي استخدام العقل مطبقا على مادة مالحظة ‪.‬‬
‫غير أنها ليست عقالنية ‪ ،‬إذ أن هذه الصفة ال تنطبق على المنهج العلمي ‪ ،‬و إنما على المنهج الفلسفي الذي يتخذ‬
‫من العقل مصدرا للمعرفة التركيبية المتعلقة بالعلم ‪ ،‬وال يشترط مالحظة لتحقيق هذه المعرفة ‪.‬إن العالم الرياضي حين‬
‫يدرك مدى نجاح االستنباط المنطقي في مجال ال يحتاج إلى التجربة‪ ...‬تكون النتيجة نظرية للمعرفة تحل فيها أفعال‬
‫االستبصار العقلي محل اإلدراك الحسي ‪ ،‬ويُعتقد فيها أن للعقل قوة خاصة به‪ ،‬يكتشف بواسطتها القوانين العامة للعالم‬
‫الفزيائي ‪.‬وعندما يتخلى الفيلسوف عن المالحظة التجريبية‪ ،‬بوصفها مصدرا للحقيقة ‪ ،‬ال تعود بينه وبين النزعة‬
‫الصوفية إال خطوة قصيرة‪ .‬فإذا كان في استطاعة العقل أن يخلق المعرفة ‪ ،‬فإن بقية النواتج التي يخلقها الذهن البشري‬
‫يمكن أن ت ُعد بدورها جديرة بأن ت ُس َّمى معرفة‪ .‬ومن هذا المفهوم ينشأ مزيج غريب من النزعة الصوفية والنزعة‬
‫الرياضية‪.‬‬

‫‪ -3‬تصور غاستون باشالر‪:‬‬


‫يؤكد باشالر على أهمية الحوار الجدلي بين العقل والتجربة في بناء المعرفة العلمية‪ .‬تتأسس‬
‫الفيزياء المعاصرة في نظره على يقين مزدوج‪ :‬األول يتمثل في أن الواقع العلمي ليس واقعا معطى‬
‫عن طريق الحواس‪ ،‬بل هو واقع مبني بناءا عقليا ورياضيا‪ ،‬وهو ما يعني أن الواقع يوجد في قبضة‬
‫العقل‪ .‬أما اليقين الثاني فيتمثل في القول بأن‬

‫‪2‬‬

You might also like