Professional Documents
Culture Documents
المحاضة السادسة مشكلة اللانهاية ماستر
المحاضة السادسة مشكلة اللانهاية ماستر
-1مفهوم الالنهاية
في الحقيقة ان الالنهاية قد تعني لغويا ما ال نهاية له وهذا يصدق على المقادير الالمتناهية كما
قلنا سابقا مثل االعداد الطبيعية الصحيحة غالبا ما نصادف الالنهاية في علم الرياضيات
بالرمز المعقوف – ثمانية مقلوب -وهو ما يطلق عليه عادة "بعقدة الحب" والحقيقة وراء هذا
الرمز هو الدوران المستمر حول المنحى .وهذا مما دفع علماء الرياضيات منذ قرون عديدة
في محاولة فهم سحر الالنهاية وغموض ماهيتها جاهدين للتوصل الى قياسها ومعرفة قوانبنها
الرياضية المفاهيم صف في تقف كي تحكمها التي والقواعد
األخرى.
لقد كانت فكرة الالنهاية مصدر قلق وارباك أكثر من الفي عام ،فاليونانيون القدماء مثال أبدو
محاوالتهم للتعرف عليها والوصول الى ماهيتها ولكنهم لم يتوصلوا الى نتائج مرضية بسبب
التناقضات التي تفرزها تلك الفكرة وتداخلها في المجاالت الدينية والفلسفية .وعلى الرغم ما
أحرزه االغريق من تقدم يثنى عليه ،فان الفكرة لم تتبلور تماما اال في القرن التاسع عشر
وبالذات في اعمال "بلزانو" و" فيرشتراوس" و "جورج كانتور" وهذا األخير سنركز عليه
في بحثنا.
ولقد عبر األستاذ "علي مصطفى مشرفة" عن الالنهاية عندما كتب في مقال نشر في المجمع
المصري للثقافة العلمية عام 1933بقوله الالنهاية كلمة تعبر عن معناها تعبيرا حرفيا دون
حاجة من جانبي او جانب أي شخص اخر الى تفسير .ف :ال النافية أي نهاية حد او طرف،
فيقال لشيء انه ألنهائي إذا لم يوجد له حد او نهاية وعكسه الشيء المنتهي او المحدد .اذن
الالنهاية تعني الشيء الذي ال يحده شيء ،أي بال حدود وهي ليست بعدد صحيح وانما هي
كمية او مقدار عن حالة غير منتهية .ويبقى هذا التعريف في حيز المفاهيم التقليدية الذي
يعب ر عن الالنهاية بصورتها الممكنة او الجهدية ،بينما يبقى االمر في صورتها الحقيقية او
الفعلية وهي اإلضافة التي تقدم بها "كانتور" .والسؤال المطروح هنا هو ما حجم الالنهاية؟
لقد كان هذا السؤال مطروحا على "كانتور" قبل ان يخوض مسالة الالنهاية من كال طرفيها
ان تلك المسالة التي حيرت عقول سلفه ومعاصريه دفعت الرياضي الكبير "جوزيف الكرانج"
في عام 1784ان يعلن عن منح جائزة لمن يجد حال لهذه المعضلة -بناء على اقتراح اكاديمية
برلين للعلوم -وأخيرا جاءت حلول كثيرة في غاية التعقيد الرياضي ولكن من بين تلك الحلول
هناك حل بسيط جدا تقدم به الرياضي السويسري "سيمون لوهلير" الذي فاز بالجائزة والحل
هو" الالنهاية هي الهاوية التي تتداخل فيها افكارنا" .والحل الجذري هو الذي نحن بصدده
وما ترمي اليه هذه الصفحات وهو الذي اتى به "كانتور" الذي هذب فكرة الالنهاية تهذيبا
رائعا مقدما الحل النهائي بعدما كانت الالنهاية عائمة في محيط المطلق والال محدود ،وأعاد
اعتبار فكرة الالنهاية الحقيقية التي نبذها سلفه ،و هي الالنهاية الكاملة او التامة و ليست
الممكنة او الجهدية كما كان يتصورها األوائل .لقد برهن كانتور على وجود مستويات مختلفة
من الالنهائيات ،بمعنى اخر ،هناك رتب ودرجات من الالنهائيات ،كل مستوى يكون أكبر
من سابقه وهكذا نحصل على رتب النهائية من الالنهائيات و ان جميع المجموعات الالنهائية
ليس لها نفس المقدار ،و انه يمكن مقارنة الواحدة مع األخرى .فمثال مجموعة نقط الخط
المستقيم ومجموعة الكسور كلتاهما ال نهائيتان .كما برهن أيضا على ان المجموعة األولى
أكبر حجما ومقدارا من األخرى .ومن هذا المنطلق شن معاصرو"كانتور" حربا ضده ،فمنهم
من اتهمه بالجنون واخر بالشعوذة ،...فالرياضي الفرنسي الشهير "هنري بوانكاريه" شجب
نظرية االعداد الالنهائية بعنف حينما وصفها بانها مرض خطير جاء به "كانتور" وتأزمت
به الرياضيات ن لذا يجب التخلص منه تماما .ووصفه اخر بانه يبني قصرا من الرمل ،اما
استاذه "ليبولد كرونيكر" وهو أحد مشاهير الرياضيات آنذاك فقد شن هجوما عنيفا وقاسيا جدا
على تلميذه "كانتور" متهما إياه بالدجل والشعوذة وان اعماله الرياضية ليست اال فلسفة فارغة
وجوفاء وليس العلم الرياضي بحاجة اليها اطالقا .ومن نتائج هذا الهجوم األخير والذي وراءه
الغيرة والحقد والحسد الدفين ،ان أصيب "كانتور" بانهيار عصبي حاد قاده الى مستشفى
االمراض العقلية الذي مكث فيه أكثر من تمانية اعام حتى وفاته .بينما يقول الريا ضي الشهير
"دفيد هلبرت" ان "كانتور" خلق لنا فردوسا وليس باستطاعة أحد ان يخرجنا
منه.
ان "جورج كانتور" هو مؤسس نظرية الالنهائيات في الرياضيات ويمكن ان يقال بحق انه
مؤسس الرياضيات الحديثة حيث كان شغله الشاغل هو انجاز مفهوم المجموعة باعتبارها
احدى ركائز الرياضيات األساسية وجعل نظرية االعداد الموغلة (ما وراء المنتهي) وبالذات
مفهوم االعداد الترتيبية لب اعماله.
هو "جورج فردينا رد فيليب كانتور" االبن األكبر الب تاجر ناجح هو "جورج فالدمار
كانتور" .ولد "كانتور" عام 1845بمدينة "سانت بستراسبورغ"(روسيا لينين غراد سابقا-
عصر اإلمبراطورية السوفيتية) التي هاجر اليها ابوه لكنه عاد مع والده الى "فرانكفورت"
سنة 1856وحينها كان "كانتور" يبلغ من العمر 11سنة .اما امه "ماريا بوهم" فتنحدر من
اسرة موسيقية عريقة .ومنه فطاقات "كانتور" الفنية وحسه الذي ورثه عن امه ،ظلت حبيسة
ولم تجد مخرجا لها اال في الفلسفة والرياضيات ،وربما قد تكون أحد األسباب التي جعلته في
حالة عدم استقرار دائم.
ومن الناحية الدينية ،كان والده معتنقا للبروتستنتية وأمه كالوثيكية اال ان "كانتور" اختار
المذهب البروتستانتي ومن خالله اكتسب ذوقا متميزا في مجادالته وخاصة في األمور اللفظية
الصغيرة في الهوت العصور الوسطى ،فاذا لم يكن "كانتور" رياضيا لكان قدره حتما اما
الفلسفة او الالهوت .ويمكن ان يقال في هذا الصدد ان نظرية "كانتور" حول الالنهاية باتت
حجر الزاوية عند اليسوعيين الذين كانت نزعاتهم المنطقية عن طريق الخيال الرياضي
الصرف الذي يكمن وراء تصوراتهم الالهوتية حول اثبات وجود الخالق الذي ال مجال للشك
فيه وما التماسك او االنسجام الذاتي للثالثي المقدس اال اندماج الثالثة في الواحد او الوحدة
وما تفرع الواحد الى ثالثة اال تعبيرا عن المساواة والخلود المشتركين .لقد بدات موهبة
"كانتور" الرياضية في الظهور منذ سن الخامسة عشر .بدا "كانتور" دراسته الجامعية في
"زيورخ" عام 1862وبعد عام انتقل الى جامعة "برلين" غداة وفاة والده وهناك درس
الرياضيات والفلسفة والفيزياء ولكن ميوله اندفعت الى الحقلين االولين بالتساوي وتاركا
الفيزياء دون مباالة ،ففي الرياضيات تتلمذ على يد األساتذة " كومر" و "فيرشتراس" و "
كرونكر" .وبناء على العرف السائد في الجامعات األلمانية آنذاك فانه يحق للطالب ان يقيم
في مدينة ما ويلتحق بالدراسة في جامعة أخرى خارج تلك المدينة وكان االمر كذلك حيث
كان يقيم "كانتور" عام 1866في "كوتنجن" ويدرس في "برلين".
لقد كان المناخ الرياضي آنذاك مفعما بالحساب وبالذات عند استاذيه "كومر" و "كرونكر"
ولكن "كانتور" ولع بأعمال "جاوس" ونظرياته وهام بها حتى غاص فيها بعمق وبالذات في
عمل "جاوس" ونظرياته الخالدة وهي «التحقيقات الحسابية" حيث تطرق الى مسالة صعبة
تركها "جاوس" دون حل.
لقد كان "كانتور" مولعا باعمال"جاوس" المتعلقة بالنظرية الرقمية التي فتن بها وسحر
بمحتواها ال لوضوح وكمال براهينها ولكن تاثير استاذه "فيرشتراس" جعله يتجه الى التحليل
الرياضي وبالذات المتسلسالت المثلثية (متسلسالت فورييه) .ولكن الصعوبات االحاسمة في
هذه النظرية والمتعلقة بتقارب المتسلسالت الالنهاية كانت اقل عمقا وقريبة المنال إذا ما
قورنت بنظرية قوى المتسلسالت وهي التي جذبت اهتمام "كانتور" ودفعته الى أسس التحليل
الرياضي أكثر من معاصريه الذين لم يولوا اعتبارا لها وقادته أخيرا الى احتضان رياضيات
وفلسفة الالنهاية .هذه الفلسفة التي تترعرع في قاع جميع القضايا المتعلقة بمفاهيم االستمرارية
والنهايات والتقاربية .تحصل على الدكتوراه عام 1868من جامعة "برلين" بأطروحته حول
نظرية االعداد واشتغل أستاذ بجامعة "هال" حيث كان يتقاضى راتبه من الطلبة مباشرة (هذا
االجراء كان معموال به آنذاك بجامعات المانيا).و لقد نشر بحثه حول الحلول العامة لهذه
المسالة و التي تعد بمثابة البذرة األولى لنظرية المجموعات الالنهائية .ان المسالة التي اقترحها
زميله "هاينه" برزت من خالل اعمال الرياضي الفرنسي الشهير "جون فورييه" حيث برهن
"فورييه" في عام 1822ان الرسم البياني لمنحنى "دقيق جدا"(املس-هو المنحنى الذي يوضح
اعدادا من النقط المتناهية غير المتصلة) يمكن تمثيله على مدى الفترة كمجموع لمتوالية مثلثية
النهائية .وبتعبير اخر تتطابق اعداد النهائية من موجات الجيب والجيب تمام ،فأية نقطة على
المنحنى الدقيق جدا (االملس) عدا نقاط التقاطع يمكن تقريبها الى درجة من الدقة حسبما نشاء
ويقال عندئذ بان المتواليات متقاربة الى المنحني او الى دالة عدا اعداد متناهية من النقط
أينما تكون.
و على الرغم من ان نظرية "كانتور" القت العديد من المعارضين و لكنه توصل فعال الى ان
يجعل المنطق الرياضي يتجدد و يصبح اكثر قوة و صالبة ،كان "برتراندراسل" احد مؤيديه
و قال مادحا و مبجال إنجازات "كانتور" بانها اعظم اإلنجازات التي يفتخر بها العصر
(راسل،مبادئ الرياضيات،ص.)153
التقى"كانتور" عام 1874عالم الرياضيات "ديدكن" على جبال "هارتز" حيث كان يقضي
شهر العسل مع زوجته "فالي كوتمان" ،و كان اللقاء مثمرا حيث ناقشا معا المسائل الرياضية
التي كانت تشغله ،فقبل ذلك اللقاء بعام كتب "كانتور" رسالة الى "ديدكن" يساله فيها "هل
باإلمكان تطابق نقط سطح ما (مربع و من ضمنه نقط حدوده) مع نقط الخط المستقيم (من
ضمنها نقطتي البداية و النهاية) أي ان نقطة على السطح تناظرها أخرى على الخط المستقيم
و بالعكس ؟ " (الصديقي ،مسالة الالنهاية في الرياضيات ،ص .)26و بالتعاون مع "ديدكن"
اعطى "كانتور" الشكل النهائي لنظرية االعداد الحقيقية بغية تحويل التحليل الرياضي الى
حساب ،أي الستخراج تعريف االعداد الحقيقية من مفهوم النهاية ،فانطلق من مبدا التقابل و
منه توصل الى نظرية الرتب المتصاعدة.
لقد كان "كانتور" يعلم بان نظريته الجديدة حول المجموعات الالنهائية و االعداد الموغلة
ستالقي حتما معارضة شديدة و هذا بالتأكيد لما تمثله نظريته من إزاحة االعتقاد التقليدي
السائد -و هذا مصير اية فكرة جديدة -لذا كان احد اهداف "األسس" هو اثبات انه ليس ثمة
سبب لقبول االعتراضات القديمة حول اكتمال الالنهاية الحقيقية و من الممكن أيضا اإلجابة
على هؤالء الرياضيين امثال "جاوس" و الفالسفة أمثال "ارسطو" و الالهوتيين مثل "توماس
االكويني" ،سيجدون انفسهم في وضع معين و في يوم ما غير قادرين ان يرفضوا تلك الفكرة
الن "كانتور" نفسه لم يتطرق الى القضايا المعرفية لألعداد الموغلة فحسب بل الى التصورات
الميتافيزيقية المصحوبة بها الن هذه التصورات بمثابة الروح النابضة في اية فلسفة.
لقد كان "كانتور" وهو يدافع عن مشروعه العلمي الرياضي الجديد ،مستعدا لمواجهة
االحتجاجات الفلسفية والدينية التي ربما تبرز من تناول مفهوم الالنهاية الحقيقية .ان تفاصيل
برنامج "ليبولد كرونيكر" حول "التحسيب" الهادف الى ان الرياضيات برمتها ما هي اال اعداد
نهائية تتضمن فقط االعداد الصحيحة ،و تم تلخيص هذا البرنامج في مقاله الموسوم ب
"حول مفهوم العدد" و كما تمت اإلشارة اليه سابقا ان "كانتور" كتب اطروحته تحت اشراف
استاذه "كرونيكر" ،كما ان اعمال "كانتور" و التي نشرت عام 1878حققت له نصرا عظيما
و جعلته يقف في مقدمة رياضيي عصره لكن هذا النصر سرعان ما تحول الى جحيم حيث
بدا خصومه يشنون عليه حربا ال هوادة فيها و بدأت القطيعة مع استاذه بجامعة برلين و
محرر مجلة "كريله" ،الرياضي المذكور انفا "ليبولد كرونكر" .ومما القاه هو تأخر نشر
مقاله بمجلة"كريله" والسبب كان راجعا الى عوامل شخصية حيث لم يرد "كرونكر" ان تنشر
اعمال "كانتور" ألنه كان يرفض مفهوم الالنهاية الحقيقية او المكتملة وكذلك االعداد الموغلة.
لقد كانت الحملة التي شنها "كونكر" مشحونة بالغيرة على حد تعبير "إسحاق
اسيموف".
لقد كان "كرونكر" دوما معارضا ل "كانتور" ،بل كان يبذل جل اهتمامه في عرقلة تقدم
"كانتور" وابعاده عن سلك التعليم بجامعة "برلين" حتى دفعه الى ترك "برلين" وااللتحاق
بجامعة "هال" وهناك بدأت تظهر عليه نوبات االنهيار العصبي وعلى إثرها ادخل مستشفى
االمراض العقلية ومكث فيه ثمانية أعوام حتى وفاته.
تعتبر نظرية المجموعات واالعداد الموغلة أحد االبداعات واإلنجازات الرئيسة بل
والمتميزة في اعمال "كانتور" تحديدا وفي تاريخ الرياضيات وفلسفتها بصورة اعم.
وتعتبر أبحاث "كانتور" األولى والتي هي سلسلة من الدراسات ،بدا مسارها منذ
عام 1870وكان محورها يدور حول المتسلسالت المثلثية .ولقد كان تحليل الدوال
هو الحافز الذي دفع"كانتور" الى فكرة "مجموعة النقط" ومن ثم الى اكتشافه الخالد
"االعداد الموغلة" أي اعداد ما وراء المنتهي .لقد كانت اعمال "كانتور" المبكرة
منصبة حول متسلسالت "فورببه" وهي المتسلسلة المثلثية التي يمكن التعبير عنها
بالصورة التالية:
F=1/2a0cos(nx)+bnsin(nx)=1/2a0+a1cosx+b1sinx+a2cos2x+b2
…sin2x+
وتستخدم هذه المتسلسلة لتمثيل او تقريب اية دالة دورية (دورتها 2بي) وحيدة القيمة
وذلك عن طريق تحديد قيم مناسبة للمعامالت.
في عام 1870انجز "كانتور" أولى نتائجه المتعلقة بوحدانية الدالة ،وهي ،إذا كانت
الدالة متصلة في فترة ما ،فان تمثيلها بوساطة المتسلسالت المثلثية يكون وحدانيا.
اما اعماله األخرى فكانت تدور حول متطلبات الدالة التي يجب ان تكون متصلة
على مدى الفترة .لقد بحث "كانتور" عام 1872قضايا أكثر تعميما لنتائجه حول
نظرية الوحدانية قادته الى اكتشاف نتائج مهمة وهكذا تركزت اعماله في العام
المذكور حول اقتراب () الى دالة صفرية عند اية نقطة في الفترة () اما تشخيصه
الدقيق لهذه المسالة فدفعته الى صياغة نظرية محكمة وصارمة حول االعداد النسبية
(المنطقية) وبالذات عندما واجهته مسالة المجموعة التي تحتوي على عناصر
النهاءية (أي اعداد النهاءية من النقط) .وهكذا استطاع "كانتور" ان يتوصل الى
هذه الممتاليات الرتبية او رتب للمتواليات ،فالمجموعة () للمتتالية األساسية
المتالية تقترب طبعا من معيار "كوشي" الذي ينص على ان اية قيمة صغيرة محددة
مهما كانت قيمتها شرط ان تكون أكبر من الصفر فان القيمة المطلقة للفرق بينهما
سيكون أصغر من تلك القيمة.
لقد أعطت دراسات "كانتور" حول المتسلسالت المثلثية بعدا اخر في مسار عمله
بل تحوال أيضا في أفكاره ،حيث شرع في التركيز على العالقات الموجودة بين
االتصال ناهيك عن المتسلسالت نفسها .وكانت هذه خطوة رائعة في تقدم عمله
وخاصة وصفه الدقيق لمجموعة النقط الالنهائية والذي كان التحليل الرياضي معوله
األساسي في مسالة اتصال نقط االحداثي السيني .لذا اعتبرها "كانتور"
بديهيات(موضوعة) ،فأية نقطة على الخط المتصل يناظرها عدد ،هذا العدد حقيقي
–كي يمكن تميزه عن االعداد التخيلية -وبالمثل أي عدد حقيقي تناظره نقطة على
الخط المستقيم .ان الوصف الدقيق لمفهوم اتصال الخط ر المستقيم وارتباطه بنسق
االعداد الحقيقية الخاضع لمبدأ "التكافؤ" او المطابقة واحد الى واحد يعتبر أحد
إنجازات "كانتور" المهمة في بحوثه المنشورة عام .1872
ولكن العائق الرئيس حول نظرية االعداد الحقيقية هي وجود اعداد مثل االعداد
الصماء .وبناء على اقتراح "كارل فيرشتراس" استاذه بجامعة "برلين" توصل
"كانتور" الى ان االعداد الصماء يمكن تمثيلها بمتوالية /متسلسلة النهائية من
االعداد الصماء ،كما يمكن اعتبار جميع االعداد الصماء نقاط هندسية على خط
االعداد الحقيقية مثل االعداد الناطقة.
على الرغم من المنحى الكنتوري المفعم بالمنطق المجرد اال انه يبدو شاقا على
بعض الرياضيين الذين رفضوا االستسالم الى هذا المنطق الجديد ألنه يفترض
مسبقا وجود مجموعات او متواليات من االعداد تحوي على عناصر النهائية.
لم يكن "كانتور" آنذاك هو الوحيد الذي انكب على دراسة مسالة االتصال بل هناك
الكثير ومن بينهم زميله الرياضي األلماني "ريتشارد ديدكن" .ففي عام 1872نشر
"ديدكن" تحليال حول هذه المسالة التي اعتمدت أساسا على المجموعات الالنهائية
ومن خاللها صرح "ديدكن" بالفكرة التي ساهم "كانتور" فيها مساهمة جبارة وأشاد
بها .فالخط المستقيم يحتوي على نقط النهائية فهو أكثر عددا من مجال االعداد
الناطقة (النسبية) ،فاذا اخذنا مثال توزيع النقط على جزء صغير من الخط المستقيم
تناظره(تكافؤه) نقط االعداد المذكورة او النقط الصحيحة بغض النظر عن طول
هذا الخط او ذاك ،فهناك في الواقع اعداد النهائية من النقط .وخالصة مالحظة
"ديدكن" هو انه بالرغم من كثافة النقط الصحيحة على الخط نفسه فهناك مجال
لحصر اعداد النهائية من النقط الصحيحة والنقط غير الصحيحة مثل 2الذي يقع
بين االعداد الصحيحة (الناطقة) .وهذا بالطبع يترك فراغا والذي سيعرقل عملية
االتصال وعندئذ لن نحصل على االستمرارية.
إذا طرحنا هذا السؤال :كيف تكون المجموعة الالنهائية من النقط في المنحنى
المتصل أكثر من مجموعة االعداد الالنهائية الناطقة؟ فان "ديدكن" لن يجيبنا بل
سيلتزم الصمت .لقد كانت مساهمة "كانتور" تدور حول هذه المسالة التي نشرت
في عام 1874في المجلة الرياضية (كريلز جورنال) وهي احدى الدوريات