Professional Documents
Culture Documents
المقدمة:
تعد الرياضيات أولى العوم استقاللية عن الفكر الفلسفي حيث أسست لنفسها منهجا خاصا قائما على االستنباط و موضوعا
مستقال ينبني على دراسة الكم المجرد في األشياء والكون وقد فصلت الرياضيات الكالسيكية بين صنفين كم منفصل يدرس
الحساب وكم متصل موضوعه الهندسة وقد كان هذا موضع توافق بين كل الرياضيين والفالسفة لكن ما لم يتفقوا حوله هو
األصل البعيد واألول لتكون مفاهيم اللغة الرياضية حيث اعتقد البعض انه العقل الفطري المستقل تماما عن التجربة والعالم
الحسي في حين على عكس هذا خالفهم البعض فحكم باألصل الحسي التجريبي لكل المفاهيم الرياضية وهو ما خلق جدل
وتنافر بين الموقفين واإلشكال الذي يطرح نفسه :هل المفاهيم الرياضية مفاهيم عقلية فطرية أم انها حسية مكتسبة ؟أو بمعنى
آخر ما هو أصل المفاهيم الرياضية العقل أو التجربة؟.
الموقف األول :المذهب العقلي.
يرى كل فالسفة المذهب العقلي دون استثناء أن أصل المفاهيم الرياضية هو العقل الخالص المحض أي المستقل تماما عن
العالم الواقعي الحسي والمعارف النابعة منه بالحواس والعقل في ذلك يستند إلى أسس ومبادئ ذاتية وفطرية فيه ومن بين
أشهر ممثلي هذا الطرح نجد الفيلسوف اليوناني أفالطون والفرنسي ديكارت واأللماني كانط وغيرهم.
حيث نجد أن الفيلسوف اليوناني أفالطون يرى بأن المفاهيم الرياضية كالخط المستقيم والدائرة .والالنهائي واألكبر واألصغر
...الخ،هي مفاهيم أولية نابعة من العقل وموجودة فيه قبليا الن العقل بحسبه كان يحيا في عالم المثل وكان على علم بسائر
الحقائق .ومنها المعطيات الرياضية التي هي أزلية وثابتة ,لكنه لما فارق هذا العالم نسي أفكاره ,وكان عليه أن يتذكرها
.وان يدركها بالذهن وحده حيث يقول في كتابه الجمهورية << عالم المثل مبدأ كل موجود ومعقول وأن المعرفة تذكر >>
وعليه استند أفالطون في تأسيس رؤيته إلى نظريته في المعرفة والوجود حيث اعتقد مسبقا أن المفاهيم الرياضية في
خصائصها ثابتة وأزلية ومطلقة ومن هذا يحكم بانتفائها في العالم الحسي ألنه فاني ونسبي ومتغير على الدوام وبهذا فهي في
أصلها موجودة في عالم المثل منذ األزل وحقائق هذا العالم مطلقة وثابتة وأزلية ومثال ذلك أننا عندما نقول خمسة أقالم
،فنحن نرى األقالم فقط و لكن النرى العدد 05فهو مفهوم عقلي بحت.
والرأي نفسه نجد عند الفيلسوف الفرنسي وأب الفلسفة الحديثة رينيه ديكارت الذي يرى أن المعاني الرياضية من أشكال
وأعداد هي أفكار فطرية أودعها هللا فينا منذ البداية وما يلقيه هللا فينا من أفكار ال يعتريه الخطأ ولما كان العقل هو اعدل
قسمة بين الناس فإنهم يشتركون جميعا في العمليات العقلية حيث يقيمون عليه استنتاجاتهم حيث يقول في كتابه التأمالت "
المعاني الرياضية أفكار فطرية أودعها هللا فينا منذ البداية" .وينطلق ديكارت أيضا من أن البداهة صفة مميزة للمفاهيم
الرياضية الثابتة لكن الحواس تخطأ وتخدع كرؤية العصا منكسرة في الماء وحقيقتها غير ذلك ولما كانت متغيرة فال يمكنها
أن تدرك ما هو ثابت الن النسبي ال يدرك المطلق وبما أن أفكار اإلله صادقة صدقا مطلقا فإن تلك المفاهيم تكون صادقة
وبديهية وهما صفتان مالزمتان للحقائق والمفاهيم الرياضية لهذا فال يمكن أن تكون موجودة في عالم الحواس ألنه متغير
بينما تلك المفاهيم دقيقة ومنه فالعقل لم يفتقر في البداية إلى مشاهدة العالم الخارجي حتى يتمكن من تصور مفاهيم
الرياضيات بل هي موجودة فيه فطريا وقبليا.
وهذا مايذهب إليه زعيم الفلسفة النقدية إمنوال كانط حيث يرى أن الزمان والمكان مفهومان مجردان فطريان و قبليان وليس
مشتقين من اإلحساسات أو مستمدين من التجربة ,وعليه فالمفهايم الرياضية مفاهيم فطرية أصلها العقل و ليست مستمدة من
التجربة بل هي منزهة عن ذلك.
النقد :لقد بالغ أنصار المذهب العقلي في ردهم المفاهيم الرياضية الى العقل وحدهم ،ذلك أن للتجربة دور كبير في نشأتها و
خير دليل على ذلك التطور الكبير الذي عرفته الهندسة في مقابل الجبر ألنها تطبيق على أرض الواقع.
الموقف الثاني :المذهب التجريبي:
يرى كل فالسفة المذهب التجريبي على السواء بأن أصل المفاهيم الرياضية اصلها تجريبي حسي شأنها شأن كل المعارف
اإلنسانية ،وأن العقل مجرد صفحة بيضاء تكتب عليها التجربة ما تشاء من مبادئ و مفاهيم و أفكار و من بين هذه المفاهيم
نجد المفاهيم الرياضية ومن بين أشهر ممثلي هذا الطرح نجد الفالسفة اإلنجليز جون لوك و جون ستوارت مل و دفيد هيوم
حيث استند جون لوك إلى نقد نظرية األفكار الفطرية حيث أن الطفل الصغير ال يمتلك هذا النوع من األفكار وبالتالي فليست
موجودة أصال وعليه فالعقل يولد خالي من أي فكرة لهذا قال "وهذا يعني أن المعارف كلها بما فيها المبادئ الرياضية
مكتسبة وما هو مكتسب يؤخذ من العالم الحسي الواقعي الخارج عن الذات ووسيلة االتصال بهذا العالم هي الحواس الخمس
"من هنا يؤكد جون لوك على األصل التجريبي الحسي للمفاهيم الرياضية المحتواة في العقل ولهذا فإن كل مفهوم رياضي
تجريدي في الذهن له مقابل في عالم األشياء والظواهر الحسية فكل معرفة عقلية هي صدى الدراكاتنا الحسية عن هذا
الواقع.
وهذا مايذهب إليه أيضا جون ستوارت مل بأن المفاهيم الرياضية مفاهيم حسية لذلك نجد أن علم النفس يؤيد هذا التفسير
حيث ان الطفل في سنين تعلمه األولى ال يجيد الحساب إال إذا أقترن بأشياء حسية فإذا سئل 1+1كم يساوي ؟لن يعرف
المجموع لكن إذا أعطي تفاحة مثال ثم أضيفت له أخرى فإنه يدرك أنهما اثنان وهذه حقيقة علمية يستند عليها علم النفس
المعاصر في المنظومات التعليمية الخاصة بمادة الرياضيات خاصة في المرحلة اإلعدادية حيث يعتمد على وسائل حسية
لتعليم الحساب كالقريصات والخشيبات ومن الناحية التاريخية فقد ارتبطت الرياضيات عند المصرين والبابليين بالممارسات
التجارية ،حتى الهندسة عند المصرين ارتبطت بظاهرة طبيعية هي فيضان نهر النيل الذي كان يؤدي في كل مرة إلى إتالف
الحدود بين األراضي وإعادة تقسيمها استلزم على المصرين تعلم قواعد حساب المساحات ولهذا معنى عند فحص المدلول
اللغوي لكلمة هندسة باللفظ الالتيني(جيومتري) والتي تعني قياس األراضي وكذلك شأن رموز األعداد عند المصرين
القدامى التي كانت مستنبطة من حركات يدوية كوضع اليد على جبهة الرأس للتدليل على العدد مائة و العدد خمسة هو عدد
أصابع اليد الواحدة،ونجد أنه حتى مفهوم االحتماالت الذي يشكل مرحلة متقدمة من الفكر الرياضي ارتبط بلعبة النرد
الشعبية وبالتالي فإن ما يثبته تاريخ الرياضيات بصفة عامة هو أن الرياضيات المشخصة كممارسة واقعية سابقة عن
الرياضيات كعلم مجرد ومنه فقد ارتبطت بالحواس أوال قبل العقل ،إذ يقول جون ستوارت مل":أن النقاط والخطوط
والدوائر التي يحملها كل واحد منا في ذهنه هي مجرد نسخ من النقاط والخطوط والدوائر التي عرفت في التجربة".
والرأي نفسه نجد عند دفيد هيوم حيث يرى أن أصل المفاهيم الرياضية التجربة وأن من يولد وهو فاقد لحاسة ما ال يمكنه أن
يعرف ما كان يترتب من انطباعات على تلك الحاسة المفقودة من معاني ،حيث يقول دافيد هيوم ( كل ما اعرفه قد استمدته
من التجربة) ففكرة الدائرة جاءت من رؤية اإلنسان للشمس والقرص جاءت كنتيجة مشاهدة اإلنسان للقمر ،وفكرة المثلث
مستوحاة من القمة الحادة للجبل،وخير دليل يستند إليه أيضا أنصار المذهب التجريبي في تأكيدهم لألصل التجريبي للمفاهيم
الرياضية هو التطور الكبير الذي عرفته الهندسة في مقابل الجبر ألنها تطبيق على أرض الواقع "الهندسة اإلقليدية
"إقليدس"و الهندسة الالإقليدية "لوباتشوفيسكي و ريمان".
النقد :لقد بالغ أنصار المذهب التجريبي في ردهم المفاهيم الرياضية إلى التجربة فحسب ألن هذا إنكار لدور العقل على
اإلبداع و اإلبتكار و ليس لكلمفهوم رياضي مقابل حسي في العالم الطبيعي كما يدعي الحسيين فالواقع يثبت وجود الكثير من
المفاهيم مثل الالنهاية واألعداد السالبة والمركبة وغيرها ليس لها مقابل حسي وبالتالي فليست التجربة الحسية هي المصدر
الوحيد لمبادئ علم الرياضيات فالعدد صفر مثال ال يوجد مقابل مادي له في الواقع.
التركيب:توفيقي:
إن أصل المفاهيم الرياضية يعود إلى الترابط والتالزم الموجود بين التجربة والعقل فال وجود لعالم مثالي للمعاني الرياضية
في غياب العالم الخارجي وال وجود لألشياء المحسوسة في غياب الوعي اإلنساني .والحقيقة أن المعاني الرياضية لم تنشأ
دفعة واحدة ,وان فعل التجريد أوجدته عوامل حسية وأخرى ذهنية وهذا ما يؤكده العديد من الفالسفة و الرياضيين كالعالم
الرياضي السويسري غونزيث الذي يقول":في كل بناء تجريدي ,يوجد راسب حدسي يستحيل محوه وإزالته .وليست هناك
معرفة تجريبية خالصة ,وال معرفة عقلية خالصة.بل كل ما هناك أن أحد الجانبين العقلي والتجريبي قد يطغى على اآلخر
,دون أن يلغيه تماما" و الرأي نفسه نجده عند البلجيكي جورج سارطون الذي يقول ":لم يدرك العقل مفاهيم الرياضية في
األصل إال من جهة ما هي ملتبسة باللواحق المادية ولكن انتزعها بعد ذلك من مادتها وجردها من لواحقها حتى أصبحت
مفاهيم عقلية محضة بعيدة عن األمور الحسية".
وحسب رأيي الشخصي إن تعارض القولين العقلي و التجريبي ال يؤدي بالضرورة إلى رفضهما ألن كال منهما صحيح في
سياقه ،ويبقى أصل المفاهيم الرياضية هو ذلك التداخل والتكامل الموجود بين العقل والتجربة فال يمكن إنكار دور كال منهما
في نشأة المفاهيم الرياضية.
الخاتمة:
ومن كل التحليل المنهجي السالف نستنتج أن ال العقل لوحده يمكنه تفسير أصل نشأت المفاهيم الرياضية وال الحواس لوحدها
قادرة على ذلك لذلك وجب الجمع بينهما أي أن العقل والحواس معا متكامالن ومتمازجان يفسران نشأت مبادئ علم
الرياضيات لذلك يمتنع الفصل بينهما ليس في مسألة المعارف الرياضية فحسب بل في كل أصناف المعارف اإلنسانية
األخرى،حيث يقول الفيلسوف األلماني هيغل ":كل ما هو عقلي واقعي وكل ما هو واقعي عقلي" وأما بخصوص علم
الرياضيات فإنه يبقى أرقى العلوم دقة وتميزا وذلك ناتج من طبيعة موضوعاته ومناهجه المنسجمة معها والتي تنتج عنها
حقائق صارمة إنبهر الكثير من الفالسفة والعلماء بها.
تعد الرياضيات أولى العلوم استقاللية عن الفكر الفلسفي حيث أسست لنفسها منهجا خاصا قائما على االستنباط و موضوعا
مستقال ينبني على دراسة الكم المجرد في األشياء والكون وقد فصلت الرياضيات الكالسيكية بين صنفين كم منفصل يدرس
الحساب وكم متصل موضوعه الهندسة وقد كان هذا موضع توافق بين كل الرياضيين والفالسفة لكن ما لم يتفقوا حوله هو
أصل المفاهيم الرياضية حيث اعتقد البعض انه العقل الفطري المستقل تماما عن التجربة والعالم الحسيأما البعض اآلخر
فيعتقد باألصل الحسي التجريبي لكل المفاهيم الرياضية ولتهذيب هذا التعارض الموجود بين الموقفين نتساءل هل المفاهيم
الرياضية مفاهيم عقلية فطرية أم انها حسية مكتسبة؟
يرى أنصار الموقف األول وهم العقليون وخاصة أفالطون وديكارت وكانط بأن أصل المفاهيم والمعاني الرياضية هو العقل
فهي صادرة عنه كما أن هذه المفاهيم سابقة لكل معرفة تجريبية فهي قبلية فطرية .
وقد برروا موقفهم هذا بعدة بحجج أهمها :حيث استند أفالطون في تأسيس رؤيته إلى نظريته في المعرفة والوجود حيث
اعتقد مسبقا أن المفاهيم الرياضية في خصائصها ثابتة وأزلية ومطلقة ومن هذا يحكم بانتفائها في العالم الحسي ألنه فاني
ونسبية ومتغير على الدوام وبهذا فهي في أصلها موجودة في عالم المثل منذ األزل وحقائق هذا العالم مطلقة وثابتة وأزلية
ومن بينها المفاهيم الرياضية لكن كيف يعرفها اإلنسان؟ يجيب أفالطون بان النفس اإلنسانية كانت تحيى في عالم المثل
وتدرك كل أصناف الحقيقة لكن نزولها بسجن البدن أنساها كل ما كانت تعرفه وعلى هذا فالعملية المعرفية عنده عملية
تذكر<المعرفة تذكر والجهل نسيان> ولهذا فالمفاهيم المعرفية موجودة في النفس منذ األزل وما عليها سوى تذكرها ويكون
هذا بالعقل ألنه من نشاطه أما الحواس النسبية المرتبطة بالبدن فال يمكنها أن تدرك مثل هذه المفاهيم ألنها ال توجد أصال في
عالم الحس النسبي بل في عالم المثل المطلق ويؤكد أفالطون طرحه هذا بوضوح عندما يقول <ليست مهمة الرياضيات
خدمة التجارة في البيع والشراء كما يعتقد الجهال بل هي تيسير طريق النفس في انتقالها من دائرة األشياء الفانية إلى الحقيقة
الثابتة األزلية> لهذا كتب عند مدخل اكادميته<من ال يعرف الرياضيات فال يطرق بابنا> ومن هذا يصل أفالطون إلى
أن المفاهيم الرياضية كالخط المستقيم والدائرة والالنهائي واألكبر واألصغر ..هي مفاهيم أولية نابعة من العقل وموجودة فيه
قبليا ويؤيده في هذا الفيلسوف الفرنسي ديكارت ( )1650-1596الذي يرى أن المعاني الرياضية من أشكال وأعداد هي
أفكار أودعها هللا فينا منذ البداية وأن هذه األفكار تتمتع بالبداهة واليقين ولما كان العقل أعدل قسمة بين الناس فإنهم يشتركون
في العمليات العقلية حيث يقيمون عليها استنتجاتهم لذلك يقول ":إن المعاني والمفاهيم الرياضية فطرية أودعها هللا فينا " لهذا
فال يمكن أن تكون المفاهيم الرياضية موجودة في عالم الحواس ألنه متغير بينما تلك المفاهيم دقيقة ومنه فالعقل لم يفتقر في
البداية إلى مشاهدة العالم الخارجي حتى يتمكن من تصور مفاهيم الرياضيات بل هي موجودة فيه فطريا وقبليا
وهو ما يؤيده أيضا زعيم الفلسفة النقدية إيمانوال كانط الذي يعتبر أن المكان والزمان مفهومان سابقان لكل تجربة وال يمكن
للمعرفة أن تتم إذا لم تنتظم داخل إطار الزمان والمكان القبليان ونجده يقيم أفكار العقل إلى صنفين أفكار تحليلية قبلية أي قبل
التجربة تمتاز بأنها كلية وثابتة وواحدة لدى الجميع وأفكار تركيبية بعدية أي بعد التجربة فاألولى ذاتية في العقل أما الثانية
فهي مكتسبة يصنف كان المفاهيم الرياضية في القسم األول لهذا فهي عقلية خالصة مستقلة عن أي تجربة حسية
-كما أن الواقع ال يكشف لنا عن مجموعة من األعداد وإنما مجموعة من األشياء كما أن الشكل الهندسي مخالف للشكل
الموجود في الطبيعة فالمستقيم تمام االستقامة ال وجود له في الواقع الحسي فهو (منحن مقوس) كما أن له سمك ويشغل حيزا
في حين أن الخط الهندسي (ال سمك له)
باإلضافة إلى ذلك نجد أن هناك من المفاهيم الرياضية ال يوجد لها مقابل حسي مثال ذلك الجدر ،الالنهاية ،األعداد السالبة
والخيالية
لكن أنصار هذا الموقف قد بالغوا في قولهم إن المفاهيم الرياضية فطرية محضة ذلك لو أنها كانت كذلك لوجدنها عند
الطفل الصغير بطابعها العقلي المجرد لكن الواقع يثبت عكس ذلك ألن الطفل ال يفهم المعاني الرياضية إال إذا استعان بأشياء
محسوسة كاألصابع والخشيبات ....
يرى أنصار الموقف الثاني وهم التجريبيون وخاصة جون لوك ،جون ستيوارت ميل ،دافيد هيوم أن المفاهيم الرياضية
تجريبية
وقد برروا موقفهم هذا بعدة حجج أهمها :حيث استند جون لوك إلى نقد نظرية األفكار الفطرية حيث أن الطفل الصغير ال
يمتلك هذا النوع من األفكار وبتالي فليست موجودة أصال وعليه فالعقل يولد خالي من أي فكرة لهذا قال<إن العقل يولد
صفحة بيضاء> وهذا يعني أن المعارف كلها بما فيها المبادئ الرياضية مكتسبة وما هو مكتسب يؤخذ من العالم الحسي
الواقعي الخارج عن الذات ووسيلة االتصال بهذا العالم هي الحواس الخمس من هنا يؤكد جون لوك على األصل التجريبي
الحسي للمفاهيم الرياضية المحتواة في العقل ولهذا فإن كل مفهوم رياضي تجريدي في الذهن له مقابل في عالم األشياء
والظواهر الحسية فكل معرفة عقلية هي صدى الدراكاتنا الحسية عن هذا الواقع لهذا نجد التجريبيين يتفقون حول مبدأ
واحد هو "ال يوجد شيء في الذهن ما لم يوجد من قبل في التجربة"
فاألشكال هندسية مثل الدائرة والقرص والمثلث كلها متعلقة بظواهر طبيعية كرؤية الشمس والقمر والجبل حيث يقول جون
ستيوارت ميل":إن النقط والخطوط والدوائر التي يحملها كل واحد في ذهنه هي مجرد نسج من النقط والخطوط والدوائر
التي عرفها في التجربة" كما يقول بوانكاري ":لو لم يكن في الطبيعة أجسام صلبة لما وجد علم الهندسة "
ومن الناحية التاريخية فقد ارتبطت الرياضيات عند المصرين والبابليين بالممارسات التجارية والمسلمين ابتدعوا األعداد
الناطقة من خالل تقسيم تركة الميراث حتى الهندسة عند المصرين ارتبطت بظاهرة طبيعية هي فيضان نهر النيل الذي كان
يؤدي في كل مرة إلى إتالف الحدود بين األراضي وإعادة تقسيمها استلزم على المصرين تعلم قواعد حساب المساحات
ولهذا معنى عند فحص المدلول اللغوي لكلمة هندسة باللفظ الالتيني(جيومتري) والتي تعني قياس األراضي وكذلك شان
رموز األعداد عند المصرين القدامى التي كانت مستنبطة من حركات يدوية كوضع اليد عل جبهة الرأس للتدليل على العدد
مائة ونجد أن حتى مفهوم االحتماالت الذي يشكل مرحلة متقدمة من الفكر الرياضي ارتبط بلعبة النرد الشعبية وبتالي فإن
ما يثبته تاريخ الرياضيات بصفة عامة هو أن الرياضيات المشخصة كممارسة واقعية سابقة عن الرياضيات كعلم مجرد
ومنه فقد ارتبطت بالحواس أوال
-أن الدراسات العلمية الحديثة في ميدان علم النفس فقد أثبت أن الطفل الصغير يدرك العدد كصفة لألشياء فمثال لو أعطينا
طفال صغيرا لعبة واحدة وأعطينا أخاه األكبر منه ثالثة لعب ال حظنا أن الطفل الصغير سيشعر بضيق ألنه يعرف أن
نصيب أخاه أكثر منه وهذا دليل أن المفاهيم الرياضية ال تفارق مجال اإلدراك الحسي .لهذا استعان اإلنسان على مر
العصور بأشياء ملموسة مثل الحصى ،أصابع اليدين من أجل العد والحساب واستخدمها من أجل تسهيل شؤون العمل والحياة
.
لكن أنصار هذا الموقف قد بالغوا عندما أعتبروا أن المفاهيم الرياضية تجريبية ذلك أن ال قيمة للتجربة في غياب عقل
يهضمها كما أن لو كانت للحواس القوة على نشأة المفاهيم الرياضية لماذا لم يستطع الحيوان برغم قوة حواسه أن ينشأها كما
أن الحواس تبقى عاجزة عن بناء المعاني الرياضية فهي ال تمدنا سوى باالنطباعات والعقل هو الذي يعمل على االبتكار
واإلبداع فمثال العدد الصفر ال يوجد ما يقابله في الواقع
يمكن التركيب بين الموقفين السابقين وذلك بالقول بأن الرياضيات ليست قوالب عقلية جاهزة وال هي معطيات حسية
كاملة وهذا ما يمكننا من القول بأن المفاهيم الرياضية بدأت من المحسوس وصعدت إلى التجريد شيئا فشيئا فالجبر أصله
المباشر حسي ولكن ال معنى له إال إذا جرده عن الواقع المحسوس لهذا يقول جورج سارطون ":لم يدرك العقل المفاهيم
الرياضية في األصل من جهة ما هي ملتبسة باللواحق المادية ولكنه انتزعها بعد ذلك من مادتها وجردها من لواحقها حتى
أصبحت مفاهيم عقلية محضة بعيدة عن األمور المحسوسة "..
وفي اعتقادي الشخصي أن الرياضيات تعود في أصلها إلى الحواس والعقل معا فقدت بدأت حسية في أول أمرها ا
ا فالطفل في سنين تعلمه األولى ال يجيد الحساب إال إذا أقترن بأشياء حسية فإذا سئل 1+1كم يساوي لن يعرف المجموع
لكن إذا أعطي برتقالة مثال ثم أضيفت له أخرى فإنه يدرك أنهما اثنان لكنها تطورت و أصبحت مفاهيم استنتاجية مجردة ،
بل تعبر عن أعلى مراتب التجريد ،باستعمال الصفر ،األعداد الخيالية ،و المركبة ،و المنحنيات التي ال مماس لها لذلك
يقول جون بياجي " : ":إن المعرفة ليست معطى نهائيا جاهزا ،و أن التجربة ضرورية لعملية التشكيل والتجريد ".
في األخير نستنتج أن ال العقل لوحده يمكنه تفسير أصل نشأت المفاهيم الرياضية وال الحواس لوحدها قادرة على ذلك لذلك
وجب الجمع بينهما أي أن العقل والحواس معا متكامالن ومتمازجان يفسران نشأت مبادئ علم الرياضيات لهذا يقول العالم
السويسري فرديناد غونزيث ":ليس هناك معرفة تجريبية خالصة وال معرفة عقلية خالصة بل كل ما هنالك أن أحد الجانبين
العقلي والتجريبي قد يطغى على اآلخر دون أن يلغيه تماما ".
مقال جدلي حول أهمية الفلسفة خاص بالشعب العلمية و اللغات األجنبية
السؤال :هل يمكن اإلستغناء عن الفلسفة ؟
هل تقدم العلوم وانفصالها عن الفلسفة سوف يجعل منها مجرد بحث ال طائل منه؟ هل هناك ما يبرر وجود الفلسفة بعد أن
استحوذت العلوم الحديثة على مواضيعها؟ هل تقدم العلم يعد حجة ضد الفلسفة؟هل يمكن لإلنسان المعاصر التخلي عن
الخطاب الفلسفي؟ هي يمكن إعتبار أن عصر الفلسفة قد ولى؟
مقدمة (:طرح المشكلة)
تعد الفلسفة من أقدم البحوث التي وضعها اإلنسان و أولى محاوالته الفكرية و تعرف على أنها دراسة عقلية شاملة للوجود
اإلنساني و قد كانت في الماضي تضم في ثناياها كل العلوم لكن مع مطلع القرن 17حدثت ظاهرة فكرية مهمة تمثلت في
إنفصال العلوم عن الفلسفة و ذلك بعد إستخدامها للمنهج التجريبي اإلستقرائي الذي حققت بفضله تقدما و تطورا كبيرا و
نتائج جليلة عادت بالفائدة على البشرية األمر الذي أدى إلى تزعزع مكانة الفلسفة و تراجعها في األوساط الفكرية
وقد أثارت مشكلة مكانة الفلسفة في زمن التطور العلمي و التكنولوجي جدال واسعا بين الفالسفة و المفكرين فإنقسموا إلى
تيارين متعارضين تيار يرى بأنه يجب اٱلستغناء عن الفلسفة ألنها تعيق تقدم العلم و تيار يرى بأنها الزالت ضرورية و
اليمكن اإلستغناء عنها
و أمام هذا الجدل فإن اإلشكال الذي يمكن طرحه هو :هل يمكن اإلستغناء عن التفلسف أم ال؟ أو بمعنى آخر هل أصبح
اإلنسان في غنى عن الفلسفة في ظل التطور العلمي؟
العرض (:محاولة حل المشكلة)
عرض منطق األطروحة " :الفلسفة عديمة الفائدة و يجب التخلي عنها"
إن الفلسفة لم تعد لها أي ضرورة لوجودها ألن إنفصال العلوم عنها و ما صاحبه من تطور بفضل إستخدامها للمنهج
التجريبي لم يبقي لها أي دور تؤديه في حياة اإلنسان فاإلنسان المعاصر أصبح ينفر من الفلسفة ألنه وجد في العلم كل ما
يلبي مطالبه و يتبنى هذا الرأي كل من "غوبلو,باشالر،كونت" و قد برروا موقفهم بالحجج التالية:
إن الفلسفة مجرد كالم عديم الفائدة و ال طائل منه و بحث عبثي ال يصل إلى نتائج قطعية تتعدد فيها األراء المتناقضة و يكثر
فيها الجدال العقيم فهي تقدم تساؤالت الحلول لها وال تقدم لإلنسان أي فائدة في حياته العملية فالفلسفة تشبه البحث عن قبعة
سوداء في غرفة مظلمة الوجود لها في حين أن الواقع ال يعترف إال بالنتائج الملموسة وهذا ما إستطاعت أن تحققه مختلف
العلوم التي عادت بالفائدة على اإلنسان في مختلف جوانب حياته لذلك يقول بيرس " إن الفكر هو أوال و آخرا و دائما من
أجل العمل " فما عجزت الفلسفة عن تقديمه طيلة قرون إستطاع العلم أن يحققه في ظرف وجيز
كما يثبت الواقع أن الزمن الذي نعيش فيه اليوم هو زمن العلم و التكنولوجيا و تقدم األمم يقاس بمدى ما تقدمه من نتائج على
الصعيد العلمي و التكنولوجي ال بما تقدمه من أفكار و آراء فلسفية كاليابان التي تحتل صدارة الدول المتطورة لذلك يرى
أوجست كونت انه يجب التخلص منها و ترك المجال للعلم الذي أفاد اإلنسان في حل مشاكله و فهم واقعه و تغييره فالفكر
البشري حسب كونت مر بثالث مراحل هي المرحلة الالهوتية(الدينية)" التي تفسر الظواهر تفسيرا غيبيا الهوتيا" ثم
المرحلة الميتافيزيقية(الفلسفية) وهي التي تفسر الظواهر تفسيرا عقليا وتبحث في عللها األولى" ثم يتطور العلم لينتهي إلى
المرحلة الوضعية (العلمية)"و التي تهتم بالكشف عن القوانين العلمية و االسباب المباشرة للظواهر عن طريق المالحظة و
التجربة الحسية" فالمعرفة العلمية من خالل قانون األحوال الثالث تمثل آخر مرحلة من مراحل تطور الفكر البشري ،وأن
الفكر البشري في هذه المرحلة الوضعية –العلمية -قد تخلى عن كل االعتبارات الميتافيزيقية والفلسفية التي لم تكن سوى
محاوالت فاشلة لتفسير ظواهر الكون ،فوجه أنظاره نحو الظواهر الطبيعية واإلنسانية الكتشاف القوانين الثابتة التي تسيرها
وتربط بعضها ببعض في عالقات كمية دقيقة ،فهو أصبح يهتم باإلجابة عن سؤال"كيف" ولم يعد يهمه البحث عن اإلجابة
لسؤال" لماذا.".
فالفلسفة تبقى مجرد قوالب فارغة و مصطلحات مبهمة ال يفهمها إال أصحابها وكثيرا ما يلجأ الفالسفة إلى التعقيد و التعبير
عن آرائهم الفلسفية بلغة غامضة لذلك يقول النيو "التفلسف هو تفسير الوضح بالغامض" ويقال كذلك "لكي تكون فيلسوفا
يجب أن تكون لك القدرة على قول كالم غامض "
كما أن أكبر إنتاجات الفلسفة تمثلت في التفكير الميتافيزيقي و المنطق الصوري الذين لقيا إنتقادا الذعا و إعتبرهما الكثير من
المفكرين أنهما الحاجز الذي منع اإلنسان من التقدم لذلك يقول باشالر " الحقائق األولى أخطاء أولى "
إن الفلسفة ال تتوفر فيها معايير و شروط المعرفة العلمية فهي تصورات و أراء ذاتية مرتبطة بالحياة الخاصة لكل فيلسوف
و تعكس ظروفه وواقعه اإلجتماعي كما انها ال تنتهي إلى نتائج قطعية تعبر عنها باللغة العادية التي ال تمت للعلم بصلة
عكس ما نجده في العلوم االخر كالفيزياء و البيولوجيا و الفلك التي تتصف نتائجها بالدقة والموضوعية و تعبر عنها بصيغ
رياضية لذلك يقول غوبلو "المعرفة التي ليست معرفة علمية ليست معرفة بل جهل"
كما أن إنفصال العلوم عن الفلسفة جردها من مختلف مواضيعها خاصة التطور الذي حققته العلوم اإلنسانية من خالل
إعتمادها التجربة حيث أصبحت تتكفل بدراسة اإلنسان و معالجة مشاكله النفسية ،اإلجتماعية و التاريخية التي كانت تمثل
لب الفلسفة و هذا ما جعل بقاء الفلسفة ليس له ما يبرره
نقد و مناقشة :حقيقة أن الفلسفة تراجعت مكانتها في عصر التطور التكنولوجي إال أن هذا التيار بالغ في رفضه لها فالفلسفة
تأمل و تفكير عقلي و الدعوة إلى إلغائها هي دعوة إلى إلغاء العقل و للوجود اإلنساني كما ان رفضها يحتاج إلى تبريره
بحجج و أدلة و هذا في حد ذاته تفلسف فهذا اإلتجاه يرفض الفلسفة بالفلسفة و هذا تناقض لذلك يقول باسكال " كل تهجم على
الفلسفة هو تفلسف "
عرض نقيض األطروحة " :الفلسفة ضرورية وال يمكن اإلستغناء عنها "
إن الفلسفة ضرورة فكرية مالزمة لوجود اإلنسان ال يمكن اإلستغناء عنها و ليس بمقدور العلم أن يحل محلها فالعلم ال
يستطيع أن يجيب عن كل ما يشغل ذهن اإلنسان من تساؤالت خاصة تلك المرتبطة بصميم وجوده و التي هي من إختصاص
الفلسفة فالعلم ال يشكل أي تهديد لها ألنها نمط خاص من التفكير بعيد عن العلم ،فإذا كان العلم يهدف إلى تفسير الظواهر
والوصول إلى القانون الثابت الذي تنتظم فيه الظواهر ،فإن الفلسفة محاولة فهم تجربة اإلنسان مع ذاته وتجربته مع العالم و
يتبنى هذا الموقف كل من "ديكارت راسل أرسطو " و حججهم في ذلك مايلي:
إن التفلسف ظاهرة طبيعية في اإلنسان و ميزة من ميزاته فاإلنسان دائم التفكير في مستقبله و مصيره و في كل ما يثير
مخاوفه و قلقه كالموت و الضعف و الفشل فالفلسفة ضرورة فكرية تتعلق بوجوده و تعبر عنه و من خاللها إستطاع ديكارت
أن يثبت وجوده عن طريق الكوجيتو " أنا أفكر ٱذن أنا موجود " فاإلنسان ال يستطيع التوقف عن التفكير إال إذا فارق الحياة
و يري ديكارت أن تقدم األمم مرهون بما تقدمه من منتوج فكري فلسفي حيث يقول ديكارت " إن الفلسفة تميزنا عن األقوام
المتوحشين و الهمجيين و حضارة كل أمة تقاس بقدرة أناسها على التفلسف "
إن الفلسفة سلوك فطري يولد مع اإلنسان و ال ينعدم إال بإنعدامه فهي عبارة عن تساؤالت يطرحها اإلنسان بإستمرار منذ
صغره إلى آخر عمره فنحن نجد الطفل الصغير يتساءل عن مصير األموات و حقيقة الخلق و هي قضايا ميتافيزيقية تعبر
عن ميل اإلنسان الفطري إلى التفلسف لذلك يقول أرسطو " ال نستطيع التوقف عن التفلسف إال إذا توقفنا عن التنفس "
كما أن الفلسفة بإعتبار أنها تفكير و تساؤل مستمر فهي تساعدنا على تنمية قدراتنا العقلية فتوسع خياله و تنمي ذكاءه و تحثه
على اإلبداع و ترفع سقف آفاق و طموحات العقل البشري وتجعله في بحث مستمر عن الحقيقة يقول راسل " إن الفلسفة
توسع عقولنا و تحررها من عقال العرف و التقاليد " فهي بحكم طبيعتها التساؤلية و اإلشكالية تجعل العقل دائم البحث و
التفكير لذلك يقول كارل ياسبيرس" إن األسئلة في الفلسفة أهم من االجوبة"
كما تلعب الفلسفة دور كبير في تغيير الواقع اإلجتماعي السيء و تساهم في إصالح األوضاع السياسية و اإلقتصادية و
الدينية داخل المجتمع وذلك من خالل الطابع النقدي الذي تمتاز به فالتاريخ مليء بالشواهد التي تبرز معارضة الفالسفة
لمظاهر الجور والظلم في مجتمعاتهم مثل التسامح الديني في العصر الوسيط الذي حمل لواءه فالسفة أمثال فولتير و
مونتسكيو و كذا نظرية ماركس التي جاءت كردة فعل على الظلم و اإلستغالل الذي مارسته الرأسمالية .
و نجد الدين اإلسالمي بدوره يحث على ضرورة التأمل و التدبر و التفكير في قضايا و مسائل الوجود و الخلق حيث يرى
إبن رشد أن الدين يدعو إلى إستعمال العقل و أن الفلسفة ال تعارض الدين بل تعززه و تقويه فالحق حسبه ال يتعارض مع
الحق و نجد في القرآن الكريم مواضع كثيرة تدعو إلى إستعمال العقل منها قوله تعالى {{فإعتبروا يا أولي األبصار}} و قوله
تعالى كذلك {{أفال ينظرون إلى اإلبل كيف خلقت}}
كما أن الواقع يثبت أن الفلسفة في كثير من األحيان تغطي عجز العلم مثل الطب فهناك عدة حاالت التي فشل األطباء في
عالجها لكن الفلسفة عن طريق علم النفس تمكنت من ذلك إضافة إلى أن هناك قضايا كثيرة تهم اإلنسان ال يستطيع العلم أن
يدرسها مثل الحرية العدالة األخالق ...إلخ و التي تمثل اهم مواضيع الفلسفة لذلك يقول راسل " هناك قضايا خطيرة في
الحياة اليستطيع العلم أن يعالجها "
نقد ومناقشة :حقيقة أن الفلسفة لها بعض الجوانب اإليجابية و قدمت لإلنسان بعض اإلسهامات إال أن هذا التيار بالغ في
تمجيده لها فالواقع يثبت تراجع مكانتها و أن اإلنسان أصبح ينفر منها حيث أصبحت شعارا للتخلف و الرجعية فالحياة
المعاصرة لم تعد تولي إهتماما للتفكير الفلسفي و ال تعترف إال بالنتائج المادية التي تحقق المنفعة
تركيب :
يمكن القول أن الفلسفة والعلم يكمالن بعضهما و تجمعهما عالقة وظيفية فالفلسفة دائما ما تصحح مسار العلم و تنتقد سلبياته
وتكشف عيوبه وتعيد توجيهه نحو المسار الصحيح و هذا ما تمثل في مبحث اإلبستمولوجيا " يقول هيجل " الفلسفة تأتي في
المساء بعد أن يكون العلم قد ولد فجرا " و يقول ويل ديورانت " الفلسفة بدون علم عاجزة و العلم بدون فلسفة مدمر
كما أن عديد من األسئلة والقضايا الفلسفية التي كانت تؤرق كاهل اإلنسان إتخذها العلم مواضيعا له و أجاب عنها مثل قانون
الجاذبية لذلك يقول راسل " الفلسفة تسأل و العلم يجيب"
و عليه فرغم تراجع مكانة الفلسفة و رغم العيوب التي بقيت متأصلة فيها إال أنها تبقى ضرورية لإلنسان فمهما وصل إليه
من تطور علمي إال أنه يبقى بحاجة إلى التفكير الفلسفي ألن هناك قضايا ال يستطيع العلم الخوض فيها
خاتمة (:حل المشكلة)
و في األخير يمكن القول أن الفلسفة و العلم متكامالن و مترابطان وكالهما ضروري لحياة اإلنسان فالعلم ضروري لما
يحققه من منفعة و فائدة في الجانب المادي لحياة اإلنسان و ضرورة الفلسفة تتمثل في ما تحققه من فائدة في الجانب الروحي
لإلنسان فال أحد ينكر ما حققته الفلسفة من إصالحات على الصعيد اإلجتماعي و الديني و السياسي كما ال ننكر ما قدمه العلم
من إسهامات سهلت حياة اإلنسان و بالتالي فال يمكن تصور علم بدون فلسفة وال فلسفة بدون علم و هذا ما عبر عنه لوي
ألتوسير فكالهما يحتاج اآلخر و يساهم في تطوره لذلك يقول يقول وايتهد "هناك مشروعية للفلسفة و العلم معا و في وسع
كل منهما أن يعين اآلخر "