You are on page 1of 7

‫مقالة جدلية‪ :‬ماهو أصل المفاهيم الرياضية "العقل أم التجربة"‬

‫المقدمة‪:‬‬
‫تعد الرياضيات أولى العوم استقاللية عن الفكر الفلسفي حيث أسست لنفسها منهجا خاصا قائما على االستنباط و موضوعا‬
‫مستقال ينبني على دراسة الكم المجرد في األشياء والكون وقد فصلت الرياضيات الكالسيكية بين صنفين كم منفصل يدرس‬
‫الحساب وكم متصل موضوعه الهندسة وقد كان هذا موضع توافق بين كل الرياضيين والفالسفة لكن ما لم يتفقوا حوله هو‬
‫األصل البعيد واألول لتكون مفاهيم اللغة الرياضية حيث اعتقد البعض انه العقل الفطري المستقل تماما عن التجربة والعالم‬
‫الحسي في حين على عكس هذا خالفهم البعض فحكم باألصل الحسي التجريبي لكل المفاهيم الرياضية وهو ما خلق جدل‬
‫وتنافر بين الموقفين واإلشكال الذي يطرح نفسه‪ :‬هل المفاهيم الرياضية مفاهيم عقلية فطرية أم انها حسية مكتسبة ؟أو بمعنى‬
‫آخر ما هو أصل المفاهيم الرياضية العقل أو التجربة؟‪.‬‬
‫الموقف األول‪ :‬المذهب العقلي‪.‬‬
‫يرى كل فالسفة المذهب العقلي دون استثناء أن أصل المفاهيم الرياضية هو العقل الخالص المحض أي المستقل تماما عن‬
‫العالم الواقعي الحسي والمعارف النابعة منه بالحواس والعقل في ذلك يستند إلى أسس ومبادئ ذاتية وفطرية فيه ومن بين‬
‫أشهر ممثلي هذا الطرح نجد الفيلسوف اليوناني أفالطون والفرنسي ديكارت واأللماني كانط وغيرهم‪.‬‬
‫حيث نجد أن الفيلسوف اليوناني أفالطون يرى بأن المفاهيم الرياضية كالخط المستقيم والدائرة ‪.‬والالنهائي واألكبر واألصغر‬
‫‪...‬الخ‪،‬هي مفاهيم أولية نابعة من العقل وموجودة فيه قبليا الن العقل بحسبه كان يحيا في عالم المثل وكان على علم بسائر‬
‫الحقائق ‪.‬ومنها المعطيات الرياضية التي هي أزلية وثابتة ‪ ,‬لكنه لما فارق هذا العالم نسي أفكاره ‪,‬وكان عليه أن يتذكرها‬
‫‪.‬وان يدركها بالذهن وحده حيث يقول في كتابه الجمهورية << عالم المثل مبدأ كل موجود ومعقول وأن المعرفة تذكر >>‬
‫وعليه استند أفالطون في تأسيس رؤيته إلى نظريته في المعرفة والوجود حيث اعتقد مسبقا أن المفاهيم الرياضية في‬
‫خصائصها ثابتة وأزلية ومطلقة ومن هذا يحكم بانتفائها في العالم الحسي ألنه فاني ونسبي ومتغير على الدوام وبهذا فهي في‬
‫أصلها موجودة في عالم المثل منذ األزل وحقائق هذا العالم مطلقة وثابتة وأزلية ومثال ذلك أننا عندما نقول خمسة أقالم‬
‫‪،‬فنحن نرى األقالم فقط و لكن النرى العدد ‪ 05‬فهو مفهوم عقلي بحت‪.‬‬
‫والرأي نفسه نجد عند الفيلسوف الفرنسي وأب الفلسفة الحديثة رينيه ديكارت الذي يرى أن المعاني الرياضية من أشكال‬
‫وأعداد هي أفكار فطرية أودعها هللا فينا منذ البداية وما يلقيه هللا فينا من أفكار ال يعتريه الخطأ ولما كان العقل هو اعدل‬
‫قسمة بين الناس فإنهم يشتركون جميعا في العمليات العقلية حيث يقيمون عليه استنتاجاتهم حيث يقول في كتابه التأمالت "‬
‫المعاني الرياضية أفكار فطرية أودعها هللا فينا منذ البداية"‪ .‬وينطلق ديكارت أيضا من أن البداهة صفة مميزة للمفاهيم‬
‫الرياضية الثابتة لكن الحواس تخطأ وتخدع كرؤية العصا منكسرة في الماء وحقيقتها غير ذلك ولما كانت متغيرة فال يمكنها‬
‫أن تدرك ما هو ثابت الن النسبي ال يدرك المطلق وبما أن أفكار اإلله صادقة صدقا مطلقا فإن تلك المفاهيم تكون صادقة‬
‫وبديهية وهما صفتان مالزمتان للحقائق والمفاهيم الرياضية لهذا فال يمكن أن تكون موجودة في عالم الحواس ألنه متغير‬
‫بينما تلك المفاهيم دقيقة ومنه فالعقل لم يفتقر في البداية إلى مشاهدة العالم الخارجي حتى يتمكن من تصور مفاهيم‬
‫الرياضيات بل هي موجودة فيه فطريا وقبليا‪.‬‬
‫وهذا مايذهب إليه زعيم الفلسفة النقدية إمنوال كانط حيث يرى أن الزمان والمكان مفهومان مجردان فطريان و قبليان وليس‬
‫مشتقين من اإلحساسات أو مستمدين من التجربة ‪,‬وعليه فالمفهايم الرياضية مفاهيم فطرية أصلها العقل و ليست مستمدة من‬
‫التجربة بل هي منزهة عن ذلك‪.‬‬
‫النقد‪ :‬لقد بالغ أنصار المذهب العقلي في ردهم المفاهيم الرياضية الى العقل وحدهم ‪،‬ذلك أن للتجربة دور كبير في نشأتها و‬
‫خير دليل على ذلك التطور الكبير الذي عرفته الهندسة في مقابل الجبر ألنها تطبيق على أرض الواقع‪.‬‬
‫الموقف الثاني‪ :‬المذهب التجريبي‪:‬‬
‫يرى كل فالسفة المذهب التجريبي على السواء بأن أصل المفاهيم الرياضية اصلها تجريبي حسي شأنها شأن كل المعارف‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وأن العقل مجرد صفحة بيضاء تكتب عليها التجربة ما تشاء من مبادئ و مفاهيم و أفكار و من بين هذه المفاهيم‬
‫نجد المفاهيم الرياضية ومن بين أشهر ممثلي هذا الطرح نجد الفالسفة اإلنجليز جون لوك و جون ستوارت مل و دفيد هيوم‬
‫حيث استند جون لوك إلى نقد نظرية األفكار الفطرية حيث أن الطفل الصغير ال يمتلك هذا النوع من األفكار وبالتالي فليست‬
‫موجودة أصال وعليه فالعقل يولد خالي من أي فكرة لهذا قال "وهذا يعني أن المعارف كلها بما فيها المبادئ الرياضية‬
‫مكتسبة وما هو مكتسب يؤخذ من العالم الحسي الواقعي الخارج عن الذات ووسيلة االتصال بهذا العالم هي الحواس الخمس‬
‫"من هنا يؤكد جون لوك على األصل التجريبي الحسي للمفاهيم الرياضية المحتواة في العقل ولهذا فإن كل مفهوم رياضي‬
‫تجريدي في الذهن له مقابل في عالم األشياء والظواهر الحسية فكل معرفة عقلية هي صدى الدراكاتنا الحسية عن هذا‬
‫الواقع‪.‬‬
‫وهذا مايذهب إليه أيضا جون ستوارت مل بأن المفاهيم الرياضية مفاهيم حسية لذلك نجد أن علم النفس يؤيد هذا التفسير‬
‫حيث ان الطفل في سنين تعلمه األولى ال يجيد الحساب إال إذا أقترن بأشياء حسية فإذا سئل ‪1+1‬كم يساوي ؟لن يعرف‬
‫المجموع لكن إذا أعطي تفاحة مثال ثم أضيفت له أخرى فإنه يدرك أنهما اثنان وهذه حقيقة علمية يستند عليها علم النفس‬
‫المعاصر في المنظومات التعليمية الخاصة بمادة الرياضيات خاصة في المرحلة اإلعدادية حيث يعتمد على وسائل حسية‬
‫لتعليم الحساب كالقريصات والخشيبات ومن الناحية التاريخية فقد ارتبطت الرياضيات عند المصرين والبابليين بالممارسات‬
‫التجارية ‪،‬حتى الهندسة عند المصرين ارتبطت بظاهرة طبيعية هي فيضان نهر النيل الذي كان يؤدي في كل مرة إلى إتالف‬
‫الحدود بين األراضي وإعادة تقسيمها استلزم على المصرين تعلم قواعد حساب المساحات ولهذا معنى عند فحص المدلول‬
‫اللغوي لكلمة هندسة باللفظ الالتيني(جيومتري) والتي تعني قياس األراضي وكذلك شأن رموز األعداد عند المصرين‬
‫القدامى التي كانت مستنبطة من حركات يدوية كوضع اليد على جبهة الرأس للتدليل على العدد مائة و العدد خمسة هو عدد‬
‫أصابع اليد الواحدة‪،‬ونجد أنه حتى مفهوم االحتماالت الذي يشكل مرحلة متقدمة من الفكر الرياضي ارتبط بلعبة النرد‬
‫الشعبية وبالتالي فإن ما يثبته تاريخ الرياضيات بصفة عامة هو أن الرياضيات المشخصة كممارسة واقعية سابقة عن‬
‫الرياضيات كعلم مجرد ومنه فقد ارتبطت بالحواس أوال قبل العقل ‪ ،‬إذ يقول جون ستوارت مل‪":‬أن النقاط والخطوط‬
‫والدوائر التي يحملها كل واحد منا في ذهنه هي مجرد نسخ من النقاط والخطوط والدوائر التي عرفت في التجربة"‪.‬‬
‫والرأي نفسه نجد عند دفيد هيوم حيث يرى أن أصل المفاهيم الرياضية التجربة وأن من يولد وهو فاقد لحاسة ما ال يمكنه أن‬
‫يعرف ما كان يترتب من انطباعات على تلك الحاسة المفقودة من معاني‪ ،‬حيث يقول دافيد هيوم ( كل ما اعرفه قد استمدته‬
‫من التجربة) ففكرة الدائرة جاءت من رؤية اإلنسان للشمس والقرص جاءت كنتيجة مشاهدة اإلنسان للقمر‪ ،‬وفكرة المثلث‬
‫مستوحاة من القمة الحادة للجبل‪،‬وخير دليل يستند إليه أيضا أنصار المذهب التجريبي في تأكيدهم لألصل التجريبي للمفاهيم‬
‫الرياضية هو التطور الكبير الذي عرفته الهندسة في مقابل الجبر ألنها تطبيق على أرض الواقع "الهندسة اإلقليدية‬
‫"إقليدس"و الهندسة الالإقليدية "لوباتشوفيسكي و ريمان"‪.‬‬
‫النقد‪ :‬لقد بالغ أنصار المذهب التجريبي في ردهم المفاهيم الرياضية إلى التجربة فحسب ألن هذا إنكار لدور العقل على‬
‫اإلبداع و اإلبتكار و ليس لكلمفهوم رياضي مقابل حسي في العالم الطبيعي كما يدعي الحسيين فالواقع يثبت وجود الكثير من‬
‫المفاهيم مثل الالنهاية واألعداد السالبة والمركبة وغيرها ليس لها مقابل حسي وبالتالي فليست التجربة الحسية هي المصدر‬
‫الوحيد لمبادئ علم الرياضيات فالعدد صفر مثال ال يوجد مقابل مادي له في الواقع‪.‬‬
‫التركيب‪:‬توفيقي‪:‬‬
‫إن أصل المفاهيم الرياضية يعود إلى الترابط والتالزم الموجود بين التجربة والعقل فال وجود لعالم مثالي للمعاني الرياضية‬
‫في غياب العالم الخارجي وال وجود لألشياء المحسوسة في غياب الوعي اإلنساني ‪.‬والحقيقة أن المعاني الرياضية لم تنشأ‬
‫دفعة واحدة ‪,‬وان فعل التجريد أوجدته عوامل حسية وأخرى ذهنية وهذا ما يؤكده العديد من الفالسفة و الرياضيين كالعالم‬
‫الرياضي السويسري غونزيث الذي يقول‪":‬في كل بناء تجريدي ‪,‬يوجد راسب حدسي يستحيل محوه وإزالته ‪.‬وليست هناك‬
‫معرفة تجريبية خالصة ‪,‬وال معرفة عقلية خالصة‪.‬بل كل ما هناك أن أحد الجانبين العقلي والتجريبي قد يطغى على اآلخر‬
‫‪,‬دون أن يلغيه تماما" و الرأي نفسه نجده عند البلجيكي جورج سارطون الذي يقول‪ ":‬لم يدرك العقل مفاهيم الرياضية في‬
‫األصل إال من جهة ما هي ملتبسة باللواحق المادية ولكن انتزعها بعد ذلك من مادتها وجردها من لواحقها حتى أصبحت‬
‫مفاهيم عقلية محضة بعيدة عن األمور الحسية"‪.‬‬
‫وحسب رأيي الشخصي إن تعارض القولين العقلي و التجريبي ال يؤدي بالضرورة إلى رفضهما ألن كال منهما صحيح في‬
‫سياقه ‪،‬ويبقى أصل المفاهيم الرياضية هو ذلك التداخل والتكامل الموجود بين العقل والتجربة فال يمكن إنكار دور كال منهما‬
‫في نشأة المفاهيم الرياضية‪.‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫ومن كل التحليل المنهجي السالف نستنتج أن ال العقل لوحده يمكنه تفسير أصل نشأت المفاهيم الرياضية وال الحواس لوحدها‬
‫قادرة على ذلك لذلك وجب الجمع بينهما أي أن العقل والحواس معا متكامالن ومتمازجان يفسران نشأت مبادئ علم‬
‫الرياضيات لذلك يمتنع الفصل بينهما ليس في مسألة المعارف الرياضية فحسب بل في كل أصناف المعارف اإلنسانية‬
‫األخرى‪،‬حيث يقول الفيلسوف األلماني هيغل‪ ":‬كل ما هو عقلي واقعي وكل ما هو واقعي عقلي" وأما بخصوص علم‬
‫الرياضيات فإنه يبقى أرقى العلوم دقة وتميزا وذلك ناتج من طبيعة موضوعاته ومناهجه المنسجمة معها والتي تنتج عنها‬
‫حقائق صارمة إنبهر الكثير من الفالسفة والعلماء بها‪.‬‬

‫هل‪  ‬الرياضيات فطرية أو مكتسبة؟‬

‫تعد الرياضيات أولى العلوم استقاللية عن الفكر الفلسفي حيث أسست لنفسها منهجا خاصا قائما على االستنباط و موضوعا‬
‫مستقال ينبني على دراسة الكم المجرد في األشياء والكون وقد فصلت الرياضيات الكالسيكية بين صنفين كم منفصل يدرس‬
‫الحساب وكم متصل موضوعه الهندسة وقد كان هذا موضع توافق بين كل الرياضيين والفالسفة لكن ما لم يتفقوا حوله هو‬
‫أصل‪  ‬المفاهيم‪  ‬الرياضية حيث اعتقد البعض انه العقل الفطري المستقل تماما عن التجربة والعالم الحسيأما البعض اآلخر‬
‫فيعتقد باألصل الحسي التجريبي لكل المفاهيم الرياضية ولتهذيب هذا التعارض الموجود بين الموقفين نتساءل‪  ‬هل المفاهيم‬
‫الرياضية مفاهيم عقلية فطرية أم انها حسية مكتسبة؟‬

‫يرى أنصار الموقف األول وهم العقليون وخاصة أفالطون وديكارت وكانط بأن أصل المفاهيم والمعاني الرياضية هو العقل‬
‫فهي صادرة عنه كما أن هذه المفاهيم سابقة لكل معرفة تجريبية فهي قبلية فطرية ‪.‬‬

‫وقد برروا موقفهم هذا بعدة بحجج أهمها ‪:‬حيث استند أفالطون في تأسيس رؤيته إلى نظريته في المعرفة والوجود حيث‬
‫اعتقد مسبقا أن المفاهيم الرياضية في خصائصها ثابتة وأزلية ومطلقة ومن هذا يحكم بانتفائها في‪  ‬العالم الحسي ألنه فاني‬
‫ونسبية ومتغير على الدوام وبهذا فهي في أصلها موجودة في عالم المثل منذ األزل وحقائق هذا العالم مطلقة وثابتة وأزلية‬
‫ومن بينها المفاهيم الرياضية لكن كيف يعرفها اإلنسان؟ يجيب أفالطون بان النفس اإلنسانية كانت تحيى في عالم المثل‬
‫وتدرك كل أصناف الحقيقة لكن نزولها بسجن البدن أنساها كل ما كانت تعرفه وعلى هذا فالعملية المعرفية عنده عملية‬
‫تذكر<المعرفة تذكر والجهل نسيان> ولهذا فالمفاهيم المعرفية موجودة في النفس منذ األزل وما عليها سوى تذكرها ويكون‬
‫هذا بالعقل ألنه من نشاطه أما الحواس النسبية المرتبطة بالبدن فال يمكنها أن تدرك مثل هذه المفاهيم ألنها ال توجد أصال في‬
‫عالم الحس النسبي بل في عالم المثل المطلق ويؤكد أفالطون طرحه هذا بوضوح عندما يقول <ليست مهمة الرياضيات‬
‫خدمة التجارة في البيع والشراء كما يعتقد الجهال بل هي تيسير طريق النفس في انتقالها من دائرة األشياء الفانية إلى الحقيقة‬
‫الثابتة األزلية> لهذا كتب عند مدخل اكادميته<من ال يعرف الرياضيات فال يطرق بابنا> ومن هذا يصل أفالطون إلى‬
‫أن‪ ‬المفاهيم‪ ‬الرياضية كالخط المستقيم والدائرة والالنهائي واألكبر واألصغر ‪..‬هي مفاهيم أولية نابعة من العقل وموجودة فيه‬
‫قبليا ويؤيده في هذا‪ ‬الفيلسوف الفرنسي ديكارت (‪ )1650-1596‬الذي يرى أن المعاني الرياضية من أشكال وأعداد هي‬
‫أفكار أودعها هللا فينا منذ البداية وأن هذه األفكار تتمتع بالبداهة واليقين ولما كان العقل أعدل قسمة بين الناس فإنهم يشتركون‬
‫في العمليات العقلية حيث يقيمون عليها استنتجاتهم لذلك يقول ‪":‬إن المعاني والمفاهيم الرياضية فطرية أودعها هللا فينا "‪ ‬لهذا‬
‫فال يمكن أن تكون‪  ‬المفاهيم الرياضية موجودة في عالم الحواس ألنه متغير بينما تلك المفاهيم دقيقة ومنه فالعقل لم يفتقر في‬
‫البداية إلى مشاهدة العالم الخارجي حتى يتمكن من تصور مفاهيم الرياضيات بل هي موجودة فيه فطريا وقبليا‬

‫وهو ما يؤيده أيضا زعيم الفلسفة النقدية إيمانوال كانط الذي يعتبر أن المكان والزمان مفهومان سابقان لكل تجربة وال يمكن‬
‫للمعرفة أن تتم إذا لم تنتظم داخل إطار الزمان والمكان القبليان ونجده يقيم أفكار العقل إلى صنفين أفكار تحليلية قبلية أي قبل‬
‫التجربة تمتاز بأنها كلية وثابتة وواحدة لدى الجميع وأفكار تركيبية بعدية أي بعد التجربة فاألولى ذاتية في العقل أما الثانية‬
‫فهي مكتسبة يصنف كان المفاهيم الرياضية في القسم األول لهذا فهي عقلية خالصة مستقلة عن أي تجربة حسية‬
‫‪-‬كما أن الواقع ال يكشف لنا عن مجموعة من األعداد وإنما مجموعة من األشياء كما أن الشكل الهندسي مخالف للشكل‬
‫الموجود في الطبيعة فالمستقيم تمام االستقامة ال وجود له في الواقع الحسي فهو (منحن مقوس) كما أن له سمك ويشغل حيزا‬
‫في حين أن الخط الهندسي (ال سمك له)‬

‫باإلضافة إلى ذلك نجد أن هناك‪  ‬من المفاهيم الرياضية ال يوجد لها مقابل حسي مثال ذلك الجدر ‪،‬الالنهاية ‪،‬األعداد السالبة‬
‫والخيالية‬

‫‪   ‬لكن أنصار هذا الموقف قد بالغوا في قولهم إن المفاهيم الرياضية فطرية محضة ذلك لو أنها كانت كذلك لوجدنها عند‬
‫الطفل الصغير بطابعها العقلي المجرد لكن الواقع يثبت عكس ذلك ألن الطفل ال يفهم المعاني الرياضية إال إذا استعان بأشياء‬
‫محسوسة كاألصابع والخشيبات ‪....‬‬

‫‪   ‬يرى أنصار الموقف الثاني وهم التجريبيون وخاصة جون لوك ‪،‬جون ستيوارت ميل ‪،‬دافيد هيوم‪  ‬أن المفاهيم الرياضية‬
‫تجريبية‬

‫وقد برروا موقفهم هذا بعدة حجج أهمها ‪:‬حيث استند جون لوك إلى نقد نظرية األفكار الفطرية حيث أن الطفل الصغير ال‬
‫يمتلك هذا النوع من األفكار وبتالي فليست موجودة أصال وعليه فالعقل يولد خالي من أي فكرة لهذا قال<إن العقل يولد‬
‫صفحة بيضاء> وهذا يعني أن المعارف كلها بما فيها المبادئ الرياضية مكتسبة وما هو مكتسب يؤخذ من العالم الحسي‬
‫الواقعي الخارج عن الذات ووسيلة االتصال بهذا العالم هي الحواس الخمس من هنا يؤكد جون لوك على األصل التجريبي‬
‫الحسي للمفاهيم الرياضية المحتواة في العقل ولهذا فإن كل مفهوم رياضي تجريدي في الذهن له مقابل في عالم األشياء‬
‫والظواهر الحسية‪  ‬فكل معرفة عقلية هي صدى الدراكاتنا الحسية عن هذا الواقع لهذا نجد التجريبيين‪  ‬يتفقون حول مبدأ‬
‫واحد هو "ال يوجد شيء في الذهن ما لم يوجد من قبل في التجربة"‬

‫فاألشكال هندسية مثل الدائرة والقرص والمثلث كلها متعلقة بظواهر طبيعية كرؤية الشمس والقمر‪  ‬والجبل‪  ‬حيث يقول جون‬
‫ستيوارت ميل‪":‬إن النقط والخطوط والدوائر التي يحملها كل واحد في ذهنه هي مجرد نسج من النقط والخطوط والدوائر‬
‫التي عرفها في التجربة" كما يقول‪ ‬بوانكاري ‪":‬لو لم يكن في الطبيعة أجسام صلبة لما وجد علم الهندسة "‬

‫ومن الناحية التاريخية فقد ارتبطت الرياضيات عند المصرين والبابليين بالممارسات التجارية والمسلمين ابتدعوا األعداد‬
‫الناطقة من خالل تقسيم تركة الميراث حتى الهندسة عند المصرين ارتبطت بظاهرة طبيعية هي فيضان نهر النيل الذي كان‬
‫يؤدي في كل مرة إلى إتالف الحدود بين األراضي وإعادة تقسيمها استلزم على المصرين تعلم قواعد حساب المساحات‬
‫ولهذا معنى عند فحص المدلول‪  ‬اللغوي لكلمة هندسة باللفظ الالتيني(جيومتري) والتي تعني قياس األراضي‪  ‬وكذلك شان‬
‫رموز األعداد عند المصرين القدامى التي كانت مستنبطة من حركات يدوية كوضع اليد عل جبهة الرأس للتدليل على العدد‬
‫مائة ونجد أن حتى مفهوم االحتماالت الذي يشكل مرحلة متقدمة من الفكر الرياضي ارتبط بلعبة النرد الشعبية وبتالي فإن‬
‫ما‪   ‬يثبته تاريخ الرياضيات بصفة‪  ‬عامة هو أن الرياضيات المشخصة كممارسة واقعية سابقة عن الرياضيات كعلم مجرد‬
‫ومنه فقد ارتبطت بالحواس أوال‬

‫‪-‬أن الدراسات العلمية الحديثة في ميدان علم النفس فقد أثبت أن الطفل الصغير يدرك العدد كصفة لألشياء فمثال لو أعطينا‬
‫طفال صغيرا لعبة واحدة وأعطينا أخاه األكبر منه ثالثة لعب ال حظنا أن الطفل الصغير سيشعر بضيق ألنه يعرف أن‬
‫نصيب أخاه أكثر منه وهذا دليل أن المفاهيم الرياضية ال تفارق مجال اإلدراك الحسي ‪.‬لهذا استعان اإلنسان على مر‬
‫العصور بأشياء ملموسة مثل الحصى ‪،‬أصابع اليدين من أجل العد والحساب واستخدمها من أجل تسهيل شؤون العمل والحياة‬
‫‪.‬‬

‫لكن أنصار هذا الموقف قد بالغوا عندما أعتبروا أن المفاهيم الرياضية تجريبية ذلك أن ال قيمة للتجربة في غياب عقل‬
‫يهضمها كما أن لو كانت للحواس القوة على نشأة المفاهيم الرياضية لماذا لم يستطع الحيوان برغم قوة حواسه أن ينشأها كما‬
‫أن الحواس تبقى عاجزة عن بناء المعاني الرياضية فهي ال تمدنا سوى باالنطباعات والعقل هو الذي يعمل على االبتكار‬
‫واإلبداع فمثال العدد الصفر ال يوجد ما يقابله في الواقع‬
‫‪  ‬يمكن التركيب بين الموقفين السابقين‪ ‬وذلك بالقول بأن الرياضيات ليست قوالب عقلية جاهزة وال هي معطيات حسية‬
‫كاملة وهذا ما يمكننا من القول بأن المفاهيم الرياضية بدأت من المحسوس وصعدت إلى التجريد شيئا فشيئا فالجبر أصله‬
‫المباشر حسي ولكن ال معنى له إال إذا جرده عن الواقع المحسوس‪  ‬لهذا يقول جورج سارطون ‪":‬لم يدرك العقل المفاهيم‬
‫الرياضية في األصل من جهة ما هي ملتبسة باللواحق المادية ولكنه انتزعها بعد ذلك من مادتها وجردها من لواحقها حتى‬
‫أصبحت مفاهيم عقلية محضة بعيدة عن األمور المحسوسة ‪"..‬‬

‫وفي اعتقادي‪  ‬الشخصي‪ ‬أن الرياضيات‪  ‬تعود في أصلها إلى الحواس والعقل معا فقدت بدأت‪  ‬حسية في أول أمرها ا‬
‫ا‪ ‬فالطفل في سنين تعلمه األولى ال يجيد الحساب إال إذا أقترن بأشياء حسية فإذا سئل ‪1+1‬كم يساوي لن يعرف المجموع‬
‫لكن إذا أعطي برتقالة مثال ثم أضيفت له أخرى فإنه يدرك أنهما اثنان لكنها‪  ‬تطورت و أصبحت مفاهيم استنتاجية مجردة ‪،‬‬
‫بل تعبر عن أعلى مراتب التجريد ‪ ،‬باستعمال الصفر ‪ ،‬األعداد الخيالية ‪ ،‬و المركبة ‪ ،‬و المنحنيات التي ال مماس لها لذلك‬
‫يقول جون بياجي ‪ " :  ":‬إن المعرفة ليست معطى نهائيا جاهزا ‪ ،‬و أن التجربة ضرورية لعملية التشكيل والتجريد "‪.‬‬

‫في األخير‪ ‬نستنتج أن ال العقل لوحده يمكنه تفسير أصل نشأت المفاهيم الرياضية وال الحواس لوحدها قادرة على ذلك لذلك‬
‫وجب الجمع بينهما أي أن العقل والحواس معا متكامالن ومتمازجان يفسران نشأت مبادئ علم الرياضيات‪ ‬لهذا يقول العالم‬
‫السويسري فرديناد غونزيث ‪":‬ليس هناك معرفة تجريبية خالصة وال معرفة عقلية خالصة بل كل ما هنالك أن أحد الجانبين‬
‫العقلي والتجريبي قد يطغى على اآلخر دون أن‪  ‬يلغيه تماما "‪.‬‬

‫مقال جدلي حول أهمية الفلسفة خاص بالشعب العلمية و اللغات األجنبية‬
‫السؤال‪ :‬هل يمكن اإلستغناء عن الفلسفة ؟‬
‫هل تقدم العلوم وانفصالها عن الفلسفة سوف يجعل منها مجرد بحث ال طائل منه؟ هل هناك ما يبرر وجود الفلسفة بعد أن‬
‫استحوذت العلوم الحديثة على مواضيعها؟ هل تقدم العلم يعد حجة ضد الفلسفة؟هل يمكن لإلنسان المعاصر التخلي عن‬
‫الخطاب الفلسفي؟ هي يمكن إعتبار أن عصر الفلسفة قد ولى؟‬
‫مقدمة ‪(:‬طرح المشكلة)‬
‫تعد الفلسفة من أقدم البحوث التي وضعها اإلنسان و أولى محاوالته الفكرية و تعرف على أنها دراسة عقلية شاملة للوجود‬
‫اإلنساني و قد كانت في الماضي تضم في ثناياها كل العلوم لكن مع مطلع القرن‪ 17‬حدثت ظاهرة فكرية مهمة تمثلت في‬
‫إنفصال العلوم عن الفلسفة و ذلك بعد إستخدامها للمنهج التجريبي اإلستقرائي الذي حققت بفضله تقدما و تطورا كبيرا و‬
‫نتائج جليلة عادت بالفائدة على البشرية األمر الذي أدى إلى تزعزع مكانة الفلسفة و تراجعها في األوساط الفكرية‬
‫وقد أثارت مشكلة مكانة الفلسفة في زمن التطور العلمي و التكنولوجي جدال واسعا بين الفالسفة و المفكرين فإنقسموا إلى‬
‫تيارين متعارضين تيار يرى بأنه يجب اٱلستغناء عن الفلسفة ألنها تعيق تقدم العلم و تيار يرى بأنها الزالت ضرورية و‬
‫اليمكن اإلستغناء عنها‬
‫و أمام هذا الجدل فإن اإلشكال الذي يمكن طرحه هو‪ :‬هل يمكن اإلستغناء عن التفلسف أم ال؟ أو بمعنى آخر هل أصبح‬
‫اإلنسان في غنى عن الفلسفة في ظل التطور العلمي؟‬
‫العرض ‪(:‬محاولة حل المشكلة)‬
‫عرض منطق األطروحة ‪" :‬الفلسفة عديمة الفائدة و يجب التخلي عنها"‬
‫إن الفلسفة لم تعد لها أي ضرورة لوجودها ألن إنفصال العلوم عنها و ما صاحبه من تطور بفضل إستخدامها للمنهج‬
‫التجريبي لم يبقي لها أي دور تؤديه في حياة اإلنسان فاإلنسان المعاصر أصبح ينفر من الفلسفة ألنه وجد في العلم كل ما‬
‫يلبي مطالبه و يتبنى هذا الرأي كل من "غوبلو‪,‬باشالر‪،‬كونت" و قد برروا موقفهم بالحجج التالية‪:‬‬
‫إن الفلسفة مجرد كالم عديم الفائدة و ال طائل منه و بحث عبثي ال يصل إلى نتائج قطعية تتعدد فيها األراء المتناقضة و يكثر‬
‫فيها الجدال العقيم فهي تقدم تساؤالت الحلول لها وال تقدم لإلنسان أي فائدة في حياته العملية فالفلسفة تشبه البحث عن قبعة‬
‫سوداء في غرفة مظلمة الوجود لها في حين أن الواقع ال يعترف إال بالنتائج الملموسة وهذا ما إستطاعت أن تحققه مختلف‬
‫العلوم التي عادت بالفائدة على اإلنسان في مختلف جوانب حياته لذلك يقول بيرس " إن الفكر هو أوال و آخرا و دائما من‬
‫أجل العمل " فما عجزت الفلسفة عن تقديمه طيلة قرون إستطاع العلم أن يحققه في ظرف وجيز‬
‫كما يثبت الواقع أن الزمن الذي نعيش فيه اليوم هو زمن العلم و التكنولوجيا و تقدم األمم يقاس بمدى ما تقدمه من نتائج على‬
‫الصعيد العلمي و التكنولوجي ال بما تقدمه من أفكار و آراء فلسفية كاليابان التي تحتل صدارة الدول المتطورة لذلك يرى‬
‫أوجست كونت انه يجب التخلص منها و ترك المجال للعلم الذي أفاد اإلنسان في حل مشاكله و فهم واقعه و تغييره فالفكر‬
‫البشري حسب كونت مر بثالث مراحل هي المرحلة الالهوتية(الدينية)" التي تفسر الظواهر تفسيرا غيبيا الهوتيا" ثم‬
‫المرحلة الميتافيزيقية(الفلسفية) وهي التي تفسر الظواهر تفسيرا عقليا وتبحث في عللها األولى" ثم يتطور العلم لينتهي إلى‬
‫المرحلة الوضعية (العلمية)"و التي تهتم بالكشف عن القوانين العلمية و االسباب المباشرة للظواهر عن طريق المالحظة و‬
‫التجربة الحسية" فالمعرفة العلمية من خالل قانون األحوال الثالث تمثل آخر مرحلة من مراحل تطور الفكر البشري‪ ،‬وأن‬
‫الفكر البشري في هذه المرحلة الوضعية –العلمية‪ -‬قد تخلى عن كل االعتبارات الميتافيزيقية والفلسفية التي لم تكن سوى‬
‫محاوالت فاشلة لتفسير ظواهر الكون‪ ،‬فوجه أنظاره نحو الظواهر الطبيعية واإلنسانية الكتشاف القوانين الثابتة التي تسيرها‬
‫وتربط بعضها ببعض في عالقات كمية دقيقة‪ ،‬فهو أصبح يهتم باإلجابة عن سؤال"كيف" ولم يعد يهمه البحث عن اإلجابة‬
‫لسؤال" لماذا‪.".‬‬
‫فالفلسفة تبقى مجرد قوالب فارغة و مصطلحات مبهمة ال يفهمها إال أصحابها وكثيرا ما يلجأ الفالسفة إلى التعقيد و التعبير‬
‫عن آرائهم الفلسفية بلغة غامضة لذلك يقول النيو "التفلسف هو تفسير الوضح بالغامض" ويقال كذلك "لكي تكون فيلسوفا‬
‫يجب أن تكون لك القدرة على قول كالم غامض "‬
‫كما أن أكبر إنتاجات الفلسفة تمثلت في التفكير الميتافيزيقي و المنطق الصوري الذين لقيا إنتقادا الذعا و إعتبرهما الكثير من‬
‫المفكرين أنهما الحاجز الذي منع اإلنسان من التقدم لذلك يقول باشالر " الحقائق األولى أخطاء أولى "‬
‫إن الفلسفة ال تتوفر فيها معايير و شروط المعرفة العلمية فهي تصورات و أراء ذاتية مرتبطة بالحياة الخاصة لكل فيلسوف‬
‫و تعكس ظروفه وواقعه اإلجتماعي كما انها ال تنتهي إلى نتائج قطعية تعبر عنها باللغة العادية التي ال تمت للعلم بصلة‬
‫عكس ما نجده في العلوم االخر كالفيزياء و البيولوجيا و الفلك التي تتصف نتائجها بالدقة والموضوعية و تعبر عنها بصيغ‬
‫رياضية لذلك يقول غوبلو "المعرفة التي ليست معرفة علمية ليست معرفة بل جهل"‬
‫كما أن إنفصال العلوم عن الفلسفة جردها من مختلف مواضيعها خاصة التطور الذي حققته العلوم اإلنسانية من خالل‬
‫إعتمادها التجربة حيث أصبحت تتكفل بدراسة اإلنسان و معالجة مشاكله النفسية‪ ،‬اإلجتماعية و التاريخية التي كانت تمثل‬
‫لب الفلسفة و هذا ما جعل بقاء الفلسفة ليس له ما يبرره‬
‫نقد و مناقشة‪ :‬حقيقة أن الفلسفة تراجعت مكانتها في عصر التطور التكنولوجي إال أن هذا التيار بالغ في رفضه لها فالفلسفة‬
‫تأمل و تفكير عقلي و الدعوة إلى إلغائها هي دعوة إلى إلغاء العقل و للوجود اإلنساني كما ان رفضها يحتاج إلى تبريره‬
‫بحجج و أدلة و هذا في حد ذاته تفلسف فهذا اإلتجاه يرفض الفلسفة بالفلسفة و هذا تناقض لذلك يقول باسكال " كل تهجم على‬
‫الفلسفة هو تفلسف "‬
‫عرض نقيض األطروحة ‪" :‬الفلسفة ضرورية وال يمكن اإلستغناء عنها "‬
‫إن الفلسفة ضرورة فكرية مالزمة لوجود اإلنسان ال يمكن اإلستغناء عنها و ليس بمقدور العلم أن يحل محلها فالعلم ال‬
‫يستطيع أن يجيب عن كل ما يشغل ذهن اإلنسان من تساؤالت خاصة تلك المرتبطة بصميم وجوده و التي هي من إختصاص‬
‫الفلسفة فالعلم ال يشكل أي تهديد لها ألنها نمط خاص من التفكير بعيد عن العلم‪ ،‬فإذا كان العلم يهدف إلى تفسير الظواهر‬
‫والوصول إلى القانون الثابت الذي تنتظم فيه الظواهر‪ ،‬فإن الفلسفة محاولة فهم تجربة اإلنسان مع ذاته وتجربته مع العالم و‬
‫يتبنى هذا الموقف كل من "ديكارت راسل أرسطو " و حججهم في ذلك مايلي‪:‬‬
‫إن التفلسف ظاهرة طبيعية في اإلنسان و ميزة من ميزاته فاإلنسان دائم التفكير في مستقبله و مصيره و في كل ما يثير‬
‫مخاوفه و قلقه كالموت و الضعف و الفشل فالفلسفة ضرورة فكرية تتعلق بوجوده و تعبر عنه و من خاللها إستطاع ديكارت‬
‫أن يثبت وجوده عن طريق الكوجيتو " أنا أفكر ٱذن أنا موجود " فاإلنسان ال يستطيع التوقف عن التفكير إال إذا فارق الحياة‬
‫و يري ديكارت أن تقدم األمم مرهون بما تقدمه من منتوج فكري فلسفي حيث يقول ديكارت " إن الفلسفة تميزنا عن األقوام‬
‫المتوحشين و الهمجيين و حضارة كل أمة تقاس بقدرة أناسها على التفلسف "‬
‫إن الفلسفة سلوك فطري يولد مع اإلنسان و ال ينعدم إال بإنعدامه فهي عبارة عن تساؤالت يطرحها اإلنسان بإستمرار منذ‬
‫صغره إلى آخر عمره فنحن نجد الطفل الصغير يتساءل عن مصير األموات و حقيقة الخلق و هي قضايا ميتافيزيقية تعبر‬
‫عن ميل اإلنسان الفطري إلى التفلسف لذلك يقول أرسطو " ال نستطيع التوقف عن التفلسف إال إذا توقفنا عن التنفس "‬
‫كما أن الفلسفة بإعتبار أنها تفكير و تساؤل مستمر فهي تساعدنا على تنمية قدراتنا العقلية فتوسع خياله و تنمي ذكاءه و تحثه‬
‫على اإلبداع و ترفع سقف آفاق و طموحات العقل البشري وتجعله في بحث مستمر عن الحقيقة يقول راسل " إن الفلسفة‬
‫توسع عقولنا و تحررها من عقال العرف و التقاليد " فهي بحكم طبيعتها التساؤلية و اإلشكالية تجعل العقل دائم البحث و‬
‫التفكير لذلك يقول كارل ياسبيرس" إن األسئلة في الفلسفة أهم من االجوبة"‬
‫كما تلعب الفلسفة دور كبير في تغيير الواقع اإلجتماعي السيء و تساهم في إصالح األوضاع السياسية و اإلقتصادية و‬
‫الدينية داخل المجتمع وذلك من خالل الطابع النقدي الذي تمتاز به فالتاريخ مليء بالشواهد التي تبرز معارضة الفالسفة‬
‫لمظاهر الجور والظلم في مجتمعاتهم مثل التسامح الديني في العصر الوسيط الذي حمل لواءه فالسفة أمثال فولتير و‬
‫مونتسكيو و كذا نظرية ماركس التي جاءت كردة فعل على الظلم و اإلستغالل الذي مارسته الرأسمالية ‪.‬‬
‫و نجد الدين اإلسالمي بدوره يحث على ضرورة التأمل و التدبر و التفكير في قضايا و مسائل الوجود و الخلق حيث يرى‬
‫إبن رشد أن الدين يدعو إلى إستعمال العقل و أن الفلسفة ال تعارض الدين بل تعززه و تقويه فالحق حسبه ال يتعارض مع‬
‫الحق و نجد في القرآن الكريم مواضع كثيرة تدعو إلى إستعمال العقل منها قوله تعالى {{فإعتبروا يا أولي األبصار}} و قوله‬
‫تعالى كذلك {{أفال ينظرون إلى اإلبل كيف خلقت}}‬
‫كما أن الواقع يثبت أن الفلسفة في كثير من األحيان تغطي عجز العلم مثل الطب فهناك عدة حاالت التي فشل األطباء في‬
‫عالجها لكن الفلسفة عن طريق علم النفس تمكنت من ذلك إضافة إلى أن هناك قضايا كثيرة تهم اإلنسان ال يستطيع العلم أن‬
‫يدرسها مثل الحرية العدالة األخالق ‪ ...‬إلخ و التي تمثل اهم مواضيع الفلسفة لذلك يقول راسل " هناك قضايا خطيرة في‬
‫الحياة اليستطيع العلم أن يعالجها "‬
‫نقد ومناقشة‪ :‬حقيقة أن الفلسفة لها بعض الجوانب اإليجابية و قدمت لإلنسان بعض اإلسهامات إال أن هذا التيار بالغ في‬
‫تمجيده لها فالواقع يثبت تراجع مكانتها و أن اإلنسان أصبح ينفر منها حيث أصبحت شعارا للتخلف و الرجعية فالحياة‬
‫المعاصرة لم تعد تولي إهتماما للتفكير الفلسفي و ال تعترف إال بالنتائج المادية التي تحقق المنفعة‬
‫تركيب ‪:‬‬
‫يمكن القول أن الفلسفة والعلم يكمالن بعضهما و تجمعهما عالقة وظيفية فالفلسفة دائما ما تصحح مسار العلم و تنتقد سلبياته‬
‫وتكشف عيوبه وتعيد توجيهه نحو المسار الصحيح و هذا ما تمثل في مبحث اإلبستمولوجيا " يقول هيجل " الفلسفة تأتي في‬
‫المساء بعد أن يكون العلم قد ولد فجرا " و يقول ويل ديورانت " الفلسفة بدون علم عاجزة و العلم بدون فلسفة مدمر‬
‫كما أن عديد من األسئلة والقضايا الفلسفية التي كانت تؤرق كاهل اإلنسان إتخذها العلم مواضيعا له و أجاب عنها مثل قانون‬
‫الجاذبية لذلك يقول راسل " الفلسفة تسأل و العلم يجيب"‬
‫و عليه فرغم تراجع مكانة الفلسفة و رغم العيوب التي بقيت متأصلة فيها إال أنها تبقى ضرورية لإلنسان فمهما وصل إليه‬
‫من تطور علمي إال أنه يبقى بحاجة إلى التفكير الفلسفي ألن هناك قضايا ال يستطيع العلم الخوض فيها‬
‫خاتمة ‪(:‬حل المشكلة)‬
‫و في األخير يمكن القول أن الفلسفة و العلم متكامالن و مترابطان وكالهما ضروري لحياة اإلنسان فالعلم ضروري لما‬
‫يحققه من منفعة و فائدة في الجانب المادي لحياة اإلنسان و ضرورة الفلسفة تتمثل في ما تحققه من فائدة في الجانب الروحي‬
‫لإلنسان فال أحد ينكر ما حققته الفلسفة من إصالحات على الصعيد اإلجتماعي و الديني و السياسي كما ال ننكر ما قدمه العلم‬
‫من إسهامات سهلت حياة اإلنسان و بالتالي فال يمكن تصور علم بدون فلسفة وال فلسفة بدون علم و هذا ما عبر عنه لوي‬
‫ألتوسير فكالهما يحتاج اآلخر و يساهم في تطوره لذلك يقول يقول وايتهد "هناك مشروعية للفلسفة و العلم معا و في وسع‬
‫كل منهما أن يعين اآلخر "‬

You might also like