You are on page 1of 3

‫ظاهرة التسول‬

‫كبير في اآلونة األخيرة‪ ،‬وال شك بأن هذه الظاهرة‬


‫ٍ‬ ‫انتشرت ظاهرة التسول في مجتمعاتنا العربية واإلسالمية بشك ٍل‬
‫السلبية تؤشر على وجود‪ 8‬عد ٍد من المشاكل االجتماعية واألخالقية في مجتمعاتنا‪ ،‬والتي سببت وجود مثل هذه‬
‫الظاهرة‪ ،‬فما هي أسباب التسول؟ وما هي نظرة الشريعة اإلسالمية إلى هذه الظاهرة؟ وما السبل الكفيلة بالقضاء‬
‫عليها؟‪.‬‬

‫تعريفُ التس ّول‬

‫تُع ّد ظاهرة التسوّل ظَاهرةً عالميّةً ال تختصُّ بوط ٍن بعينه‪ ،‬بل هي ُمنتشرةٌ في ك ّل بُلدان العالم الفقيرة والغنيّة‪ ،‬ويُعر ُ‪8‬‬
‫َّف‬
‫اإلنسان الما َل من األشخاص في ُّ‬
‫الطرق العامة‪ ،‬عبر استِخدام ع ّدة َوسائل‪ 8‬الستثارة َشفَقة الناس‬ ‫ِ‬ ‫التّسول بأنّه طَلبُ‬
‫َوعطفهم‪ .‬ويُع ّد أح َد أبرز األمراض االجتماعية ال ُمنتشرة الذي ال يخلو منها ُمجتمع حول العالم‪ .‬يُعرّفُ ال ّشخصُ‬
‫المتس ِّول بأنّه الشخص الذي يطلبُ من النّاس اإلحسان‪ ،‬عبر َم ّد يده لهم وطلب الرزق سوا ًء أكان في المحالت أو‬
‫الطّرق العامة‪.‬‬

‫التسول‬
‫ُّ‬ ‫أنواع‬

‫يُم ِكن تقسيم أنواع التسوّل إلى ع ّدة أنواع‪ ،‬هي‪:‬‬

‫تس ّو ٌل مباشر‪ :‬يُس ّمى أيضا ً بالتسوّل الظّاهر وهو التسوّل الصّريح الذي يطلبُ فيه المتسوّل المال ويتم عن طريق‪8‬‬
‫ت ُمعيّنة كعبارات ال ّدعاء‬
‫إظهار عاه ٍة ُمعيّنة لديه‪ ،‬أو ترديد عبارا ٍ‬
‫ِ‬ ‫ارتداء مالبس ممزقّة ومتّسخة أو م ّد يده للمارة أو‬
‫التي تستثير‪ 8‬عاطفة الناس أو الجمع بين أكثر من وسيلة منها ‪.‬‬

‫تس ّول غير مباشر‪ :‬يُس ّمى أيضا ً بالتسوّل غير الظّاهر أو ال ُمقنّع‪ ،‬وهو أن يستتر‪ 8‬ال ُمتسوّل خلفَ خدمات رمزيّة يق ّدمها‬
‫لشراء بعض السِّلع الخفيفة كالمناديل الورقية أو ُممارسة عمل خفيف كمسح زجاج السيّارات أو‬
‫للناس ؛كدَعوتهم ِ‬
‫األحذية وغيرها‪.‬‬

‫ي‪ :‬هو التسوّل الذي يُجبر فيه المتس ّول على ممارسة هذا الفعل كحاالت إجبار األطفال على ذلك‪.‬‬
‫تس ّول إجبار ّ‬

‫ي‪ :‬هو التسوّل الذي ال يَكون فيه المتس ّول‪ 8‬مضط ّراً لشيء سوى‪ 8‬رغبته في كسب المال‪ .‬تسوّل موسم ّي‪:‬‬
‫تس ّول اختيار ّ‬
‫هو التسوّل الذي يكونُ في ال ُمناسبات والمواسم‪ 8‬فقط كمواسم األعياد وشهر‪ 8‬رمضان‪.‬‬

‫تس ّول عارض‪ :‬هو التسوّل الذي يكونُ طارئا ً وعابِراً لحاجة ماسّة حلّت للشخص؛ كال ّشخص الذي ض ّل طريقه أو‬
‫ُ‬
‫حيث ينتهي هذا النّوع من التسوّل بانتهاء حاجة الشخص ال ُمتسوّل‪8.‬‬ ‫أضاع أمواله في الغربة‪،‬‬

‫تسول الشخص القادر‪ :‬هو التسوّل الذي يُمارسه ال ّشخص ال ُمقتدر على العمل والكسب‪ ،‬لكنّه يُحبّذ التسول‪.‬‬
‫ُ‬
‫حيث يوض ُع في دور‬ ‫تس ّول غير القادر‪ :‬هو التسّول الذي يُمارسه ال ّشخص العاجز أو المريض والمتخلّف عقلياً؛‬
‫الرعاية ال ُمخصّصة له حين القبض عليه‪.‬‬

‫ُ‬
‫حيث يُسهّل غطاء التسوّل على المتسوّل ُممارسة‬ ‫تس ّول الجانح‪ :‬هو التسّول الذي تُصاحبه أفعا ٌل إجرامية كالسّرقة؛‬
‫هذه األفعال اإلجرامية‪.‬‬

‫التسول‬
‫ُّ‬ ‫أشكال‬

‫يَستخد ُم ال ُمتسوّلون أشكاالً ُمختلفةً للقيام بالتسوّل‪ ،‬ويتّخذون كثيراً من الطرق‪ 8‬والحيل للحصو ِل على المال‬ ‫‪‬‬
‫ويتفنّنون في ذلك‪ ،‬ومن هذه األشكال‪:‬‬
‫إظها ُر الحاجة الماسّة للناس عبر البكاء‪ ،‬كأن يَ ّدعي المتس ِّول أنّه عاب ُر سبيل ضاع ماله أو نفد‪ ،‬فيطلب من‬ ‫‪‬‬
‫الناس المساعدة‪.‬‬
‫بعض األمراض والعاهات غير الحقيقية عبر الخداع والتّمويه؛ كاستخدام المستحضرات التجميلية‬
‫ِ‬ ‫انتحا ُل‬ ‫‪‬‬
‫مثالً الستثارة عواطف الناس‪.‬‬
‫مشروع‪ 8‬خيري كبنا ِء المساجد أو المدارس ونحوها‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫طلبُ التّبرعات؛ ألج ِل‬ ‫‪‬‬
‫ت ُمبهمة؛ لكسب‬ ‫ا ّدعاء الشخص إصابته بالخلل العقل ّي عبر التلفّظ بعبارا ٍ‬
‫ت غير مفهومة أو التلويح بإشارا ٍ‬ ‫‪‬‬
‫َشفقة النّاس وأموالهم‪.‬‬
‫صةً األطفال الذين يُعانون من خل ٍل أو إعاقة ُمعيّنة إلى أماكن ُمعيّنة يرتادها الناس‬
‫اصطحاب األطفال خا ّ‬ ‫‪‬‬
‫بكثرة كالمساجد‪ 8‬واألسواق؛ لكسب عواطف الرّحمة والعطف لدى الناس‪.‬‬
‫ُ‬
‫حيث يقومون بعمل عاهات‬ ‫استئجار أطفا ٍل واستخدامهم‪ 8‬كوسيلة للتسول مع دفع مقاب ٍل ألسرة الطفل؛‬ ‫‪‬‬
‫ُمصطنعة لألطفال غالبا ً ما تكون باستخدام أطراف‪ 8‬صناعية مشوّهة‪.‬‬
‫استغالل مشاعر النّاس وعطفهم عبر إظهار‪ 8‬وثائق رسميّة وصكوك غير حقيقيّة لحوادث وهميّة يَلزم دفعها‬ ‫‪‬‬
‫كفواتير الماء والكهرباء‪ ،‬أو وصفات األدوية‪.‬‬

‫أسباب التسول‬

‫الحاجة والضرورة‪ ،‬فعلى الرغم من أن الحاجة والفقر الشديد قد يكون سببا ً للمتسولين النتهاج هذا المسلك لطلب‬
‫الرزق والمال في حياتهم‪ ،‬إال أنه ال يعد بالتأكيد عذراً مشروعا ً للتسول‪.‬‬

‫سهولة سلك التسول في تحصيل المال‪ ،‬فكثير‪ 8‬من المتسولين يرون أن هذا المسلك والطريق‪ 8‬في تحصيل المال يعتبر‬
‫ميسراً وسهالً‪ ،‬وال يحتاج إلى إعداد أو جهد بدني‪ ،‬وأغرى هذا األمر كثيراً من المتسولين النتهاج مسلك التسول‪،‬‬
‫وأدى إلى شيوع هذه الظاهرة االجتماعية الخطيرة‪ .‬نظرة الناس إلى المتسولين‪ ،‬فعلى الرغم من تحذير الدعاة‬
‫والعلماء من ظاهرة التسول والمتسولين‪ ،‬والنهي المتكرر عن دفع األموال لهم‪ ،‬إال أن كثيراً من الناس تجده يدفع‬
‫األموال إلى هؤالء المتسولين‪ ،‬مما يشجعهم‪ 8‬على انتهاج هذا المسلك في الحياة‪ ،‬وترك اتباع السبل األخرى الصحيحة‬
‫في تحصيل الرزق والمال الحالل‪ .‬تهاون السلطات في الحد من هذه الظاهرة‪ ،‬حيث أغرى تقاعس السلطات عن تنفيذ‬
‫مسؤولياتها في الرقابة على هذه الظاهرة‪ ،‬ومحاسبة من يقف وراءها إلى انتشارها وشيوعها‪ 8‬في مجتمعاتنا‪8.‬‬

‫عدم وجود مظلة أمان اجتماعي تحمي الفقراء والمحتاجين‪ 8‬وتسد احتياجاتهم‪.‬‬

‫نظرة الشريعة اإلسالمية لظاهرة التسول‬

‫ألن الشريعة اإلسالمية شريعة شاملة‪ ،‬ولم تغفل معالجة أي قضية من قضايا المجتمع المسلم‪ ،‬ومن بينها ظاهرة‬
‫التسول وسؤال الناس‪ ،‬فقد وضع النبي عليه الصالة والسالم‪ 8‬منهجا ً واضحا ً يقضي على هذه الظاهرة حينما حث على‬
‫طلب الرزق بالسعي والكد والعمل بعيداً عن التعطل والتواكل على الغير‪ ،‬وفي‪ 8‬الحديث النبوي الشريف‪( :‬ألن‬
‫سأل أَ َحدًا‪ ،‬فيُعطيَه أو يمن َعه) [صحيح البخاري]‪ ،‬كما تحدث عن‬
‫ظهره‪ ،‬خي ٌر من أن يَ َ‬
‫ِ‬ ‫حتطب أحدُكم حُز َمةً على‬
‫َ‬ ‫يَ‬
‫صورة من يسأل الناس كثيراً في الدنيا حين قال‪( :‬ال تزا ُل المسألةُ بأحدكم حتى يَ ْلقى هللاَ‪ ،‬وليس في وج ِهه ُم ْز َعةُ ٍ‬
‫لحم)‬
‫[صحيح مسلم]‪.‬‬

‫سبل القضاء على ظاهرة التسول‬

‫القضاء على ظاهرة التسول يستدعي تضافر‪ 8‬جميع فئات المجتمع من أفراد‪ 8‬ومؤسسات وسلطات‪ ،‬كل على حسب‬
‫مسؤولياته‪ ،‬فالفرد عليه مسؤولية ذاتية في أن يسعى للعمل حتى لو كان هذا العمل متعبا ً أو ال يناسب مؤهالته‪ ،‬وعلى‬
‫المؤسسات المختلفة؛ ومنها‪ :‬المؤسسات الدينية‪ ،‬والعلماء‪ ،‬والدعاة مسؤولية توعية المجتمع بخطورة هذه الظاهرة‬
‫وسلبياتها‪ ،‬وعلى السلطات أن تقوم بمسؤولياتها أيضا في القضاء على هذه الظاهرة من خالل تفعيل صندوق الزكاة‬
‫الذي يسد حاجات الفقراء والمساكين‪ ،‬والقبض على العصابات التي تقف وراء المتسولين الصغار‪.‬‬

You might also like