You are on page 1of 11

‫جامعة باتنة ‪ -1‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية – قسم الفلسفة‬

‫المحاضرة الثانية‪-‬ماستر ‪ 1‬تخصص فلسفة تطبيقية وفلسفة غربية حديثة معاصرة‬

‫‪ -‬مقياس فلسفة العلوم‪ -‬السداسي الثاني – السنة الجامعية ‪2021- 2020‬‬

‫األستاذ بركان حسان‪-‬أستاذ محاضر ‪-‬‬

‫‪Email : hassane.berkane@univ-batna.dz‬‬

‫عنوان المحاضرة‪ :‬نماذج تطبيقية من فلسفة العلوم اإلنسانية واالجتماعية –‬

‫األهداف‪ :‬تمكين الطالب من معرفة قضايا في فلسفة العلوم اإلنسانية واالجتماعية وممارسة‬
‫الفعل األبستمولوجي في المعرفة‪.‬‬

‫تاريخ اإلرسال‪2021-04-19 :‬‬


‫السنة الجامعية‪2021/ 2020‬‬

‫األسس الفلسفية لعلم النفس وخصوصياته‪:‬‬

‫جان بياجيه نموذجا ‪:Jean Piaget‬‬

‫لقد ساد اعتقاد فلسفي سابق على أن هناك قدرة للفلسفة والنظرية المعرفة خاصة على إنتاج معرفة أو معرف‬
‫تتجاوز أو تفوق المعرفة العلمية سميت أحيانا معرفة ميتافيزيقية أو معرفة فوق –علمية ‪supra- Scientifique‬‬
‫‪ ....‬الخ مما أدى إلى إشباع الهوة بين الفلسفة والعلوم واتضح اختالفهما في الموضوع والمنهج معا‪.‬‬

‫كان لجون بياجي في بداية حياته رغبة ملحة في التفلسف لكن تكوينه العلمي كبيولوجي ثم كعالم نفس تجريبي أمن‬
‫بالمنهج التجريبي لمنهج لبناء المعرفة العلمية جعله يتساءل‪ :‬كيف يمكن إنتاج معرفة براد لها أن تتجاوز المعرفة العلمية‬
‫بمجرد االعتماد على التأمل المحض دون الركون إلى محك الواقع؟؟‬

‫مما أدى بياجي إلى نقد نظرية المعرفة الفلسفية من ناحية الموضوع والمنهج بغرض الوصول إلى فصل موضوع المعرفة‬
‫عامة عن الفلسفة وتأسيسها كعلم جديد مستقل سماه االبستيمولوجيا التكوينية‪. Epistémologie Génétique‬‬

‫وضع بياجيه ثالث طرق لكل معرفة علمية هي‪:‬‬

‫‪ -1‬الحسر (البداهة)‪.‬‬
‫‪ -2‬المعايشة الواقعية أو الخبرة أو التجربة‪.‬‬
‫‪ -3‬االستنتاج‬

‫ومنه فالفالسفة عنده ال يأخذون إال بالمنهج األول (الحس أو البداهة) وهذه المعارف هي ذاتية شخصية ال تلزم إال‬
‫‪Sagesse‬أو ليمان بيرهن‬ ‫صاحبها ومنه فالفلسفة حسب بياجيه ال توصلنا إلى معرفة جديرة بل توصلنا إلى حكمة‬
‫‪Foi raisonnée‬‬

‫إن اإلشكالية في االبستيمولوجيا التكوينية هي فلسفية أوال‪ ،‬يقول بياجيه‪ " :‬سأشرح بوضوح بأني مدين جدا للفلسفة‪،‬‬
‫مدين لها بطرح المشكالت التي درستها وأعتقد أن التأمل الفلسفي ضروري لكل بحث لكن التأمل ال يعد سوى وسيلة‬
‫لطرح المشكالت وليس وسيلة ألجل حلها‪ ..‬وأنا أخذ على الفلسفة اعتقادها بلوغ معارف‪ ،‬في حين المعرفة‪ -‬حسب رأيي‪-‬‬
‫تقتضي التحقيق"‬

‫لقد اشتغل بياجي في مشروعه البستيمولوجي على األسئلة الكانطية خاصة المتعلقة منها بإمكانية تأسيس فيزيقا خالصة‬
‫وميتافيزيقا خالصة‪.‬‬
‫السؤال االبستيمولوجي عند بياجيه هو‪ :‬كيف؟ فهو سؤال وضعي يسأل عما هو كائن معين عن واقع محدد على عكس‬
‫األسئلة التقليدية لنظرية المعرفة التي تخوض في الطبيعة األشياء ومسائل ميتافيزيقية تتجاوز الواقع‪ .‬إذن يريد بياجي‬
‫االستغناء عن السؤال‪ :‬لماذا؟‬

‫مثال‪ :‬نبحث في النمو المعرفي‪ :‬معناه أن مشكلة المعرفة ال يمكن أن تطرح في صورتها النهائية الثابتة والمكتملة ألن‬
‫كل معرفة مهما كانت مرت سياقات تطورية انتقلت فيها من حالة دنيا إلى أخرى عليا وستتواصل على نفس المنوال‪.‬‬

‫إذن‪ :‬يجب البحث في المعرفة من خالل سيرورتها وعبر مراحل تكونها وتشكلها‪ ،‬فالمعرفة ليست حالة سكونية ‪statique‬‬
‫مثلما تنظر نظرية المعرفة الفلسفية ( الالتكوينية ) ‪ Non génetique‬يقول بياجيه‪ " :‬أعتقد أنه لممارسة االبستيمولوجيا‬
‫بطريقة علمية وموضوعية‪ ،‬ال يجب أخذ المعرفة بل باعتبارها هي المنطلق بوصفها تتجلى تحت صورها العليا‪ ،‬لكن عن‬
‫طريق اتحاد سياقات التكوين‪ ،‬كيف ننتقل من مجرد معرفة إلى معرفة عليا‪ ،‬وهذا بالنسبة لمستوى ووجهة نظر الذات‬
‫الدارسة‪.‬‬

‫ودراسة هذه التحوالت المعرفية هي التصحيح التطوري للمعرفة‪ .‬هذا ما أطلق عليه "االستيمولوجيا التكوينية"‪.‬‬

‫إذن‪ :‬البحث العلمي في مشكلة المعرفة ال يمكن أن يقوم إال على تعقب وتتبع المستويات المعرفية الدنيا لتفسير المعرفة‬
‫في حاالتها المراهنة ومن هنا يكتسب‪.‬‬

‫السؤال‪ :‬كيف تنمو المعارف مشروعيته ووجاهته؟‬

‫س‪ :‬ما هي الطرق المناسبة والتي تتوفر فيها الشروط العملية لدراسة المعرفة في أطوارها الدنيا حسب بياجي؟‬

‫*مناهج االبستيمولوجيا التكوينية‪:‬‬

‫يميز بياجيه بين طبيعة المسائل العلمية والمسائل الفلسفية ومنه قام بضبط الطرائق المنهجية التي سيوظفها في دراسة‬
‫طرق اإلشكالية األساسية في االبستيمولوجيا التكوينية وهي‪ :‬كيف تنمو المعارف؟‬

‫ومنه يرى بياجيه أن البحث في كيفية نمو المعارف وتطورها يقتضي بالضرورة البحث عن ماضيها أي العودة التراجعية‬
‫إلى الوراء حيث األصول والمصادر األولى وذلك على مستويين متوازيين هما‪:‬‬

‫‪ -1‬مستوى النمو المعرفي للمجتمعات البشرية خصوصا لمعرفة لدى اإلنسان البدائي أو اإلنسان ما قبل التاريخ‪...‬‬
‫‪ -2‬مستوى النمو المعرفي للفرد وخصوصا مراحل تكون وتطور المعرفة عند الطفل اإلنساني‪ ،‬يقول‪ " :‬تحديد الكيفية‬
‫التي تنمو بها المعارف تستلزم أن تعتبر بمنهجية كل معرف تحت زاوية نموها في الزمن‪ ،‬يعني كسياق متصل‬
‫حيث ال يمكننا بلوغ االنطالقة األول‪ ،‬وال النهاية‪ .‬بعبارة أخرى‪:‬‬
‫كل معرفة يمكن دائما تصورها منهجيا وذلك في عالقتها بحالة سابقة لها بالنسبة إلى معرفة أكثر تقديما منها"‬

‫إذن عمل االبستيمولوجي التكوين هو عمل مزدوج‪:‬‬

‫فهو من ناحية يتتبع نمو وتطور علم من علوم أو مفهوم من المفاهيم عبر التاريخ‪.‬‬

‫‪-‬ومن ناحية أخرى هو تناول ذلك العلم أو ذلك المفهوم خالل نموه واكتساب من طرف الطفل ومنه ارتكزت االبستيمولوجيا‬
‫التكوينية عند بياجيه على منهجين أساسين هما‪ :‬المنهج التاريخي – النقدي والمنهج السيكو تكويني‪.‬‬

‫‪ )1‬المنهج التاريخي – النقدي‪:‬‬

‫حسب بياجيه هو منهج وصفي – نقدي يقف على الوقائع الماضية وتفسيرها والتعليق عليها للكشف عن القوانين‬
‫والسياقات الثابتة نسبيا والتي تسلكها المعارف في مساراتها التطورية عبر الزمن والتاريخ‪.‬‬

‫إ ن هذا المنهج يدرس بروز ونمو ثم تطور مفهوم علمي ما أو مشكلة علمية ما في تاريخ العلوم من أجل البحث عن‬
‫المراحل والسياقات األولى مرو ار بمختلف األطوار التي مر بها هذا المفهوم أو تلك المشكلة وصوال إلى الحالة الراهنة‪.‬‬

‫خطواته‪:‬‬

‫‪ -1‬مالحظة الوقائع والحوادث التاريخية المتعلقة بمختلف المعارف وهي مرحلة جمع المعطيات وتكديس المالحظات‪.‬‬
‫‪ -2‬تأمل تلك الوقائع وتدقيقها للكشف عن الروابط المنطقية بين مختلف الكشوف والنتائج العلمية عبر مختلف‬
‫مراحل التاريخ‪.‬‬
‫‪ -3‬االعتماد على المقارنات والموازنات بين الكشوف العلمية واألنساق المعرفية من عصر ألخر‪ ،‬من حضارة ألخرى‪،‬‬
‫ألن ذلك يكشف دوما عن الثابت والمتغير بمعنى القوانين والسياقات التي يسلكها مفهوم ما عبر الزمن‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫"‪ ...‬هذه المقارنات المتعددة التي يمكن تنتقل إلى مستويات مختلفة تميز طريقة أولى خاصة باالبستيمولوجيا‬
‫التكوينية‪ ...‬إنها الطريقة التاريخية النقدية"‬

‫من العوائق االستيمولوجية لهذا المنهج‪ :‬أن العودة للماضي تتوقف دائما عند نقطة افتراضية ال يمكن للمؤرخ أو الباحث‬
‫أن يتعداها لنقص المعلومات أو فقدانها ألن مداه التراجعي محدود‪ ،‬يقول" إال أن المنهج التاريخي‪ -‬النقدي غير كاف‬
‫إنه محدود في حقل تاريخ العلوم ذاتها وهو متعلق بالمفاهيم المجهزة والمستعملة من طرف فكرجاهن مسبق‪ :‬فكر العلماء‬
‫أنفسهم‪"...‬‬

‫إن المنهج التاريخي – النقدي ال يكتمل إال إذا دعم بمنهج جديد وفعال وهو المنهج السيكو‪-‬تكويني ‪Psycho-‬‬
‫‪génetique‬‬
‫‪-2‬المنهج السيكو تكويني ‪méthode psychogénétique‬‬

‫لجأ " بياجيه" إلى علم النفس التكويني أو علم النفس الطفل وهو أحد مؤسسيه وأراد لعلم النفس أن يكون منهجيا وأداة‬
‫تحقيق االبستيمولوجية بهدف الكشف عن القوانين واآلليات األساسية للعمليات العقلية العليا عند اإلنسان‪.‬‬

‫يقول بياجي‪ " :‬الشيء المثير لدى الطفل هو بالضبط إيجاد دوما أمامك فرد ينطلق من الصفر‪ ،‬ورؤية كيف يحدث"‬

‫يدرس هذا المنهج النمو الذهني عند الطفل في جميع مراحله بدء من الرضاعة إلى بواكير مرحلة المراهقة ووسيلة‬
‫الدراسة هي استعمال الطريقة العيادية" ‪ " Clinique‬التي استعملها من قبل فرويد ‪ Freud‬في التحليل النفسي وذلك‬
‫بإدخال عليها تعديالت موضوعية حيث استغنى عن األسئلة والروائز ‪ tests‬الموجهة والمعدة سلفا من طرف الباحث‬
‫حتى تكون ‪....‬وتلقائية غير موجهة وال معدة مسبقا بغرض الكشف عن الفكر العميق والحقيقي للطفل معنى ذلك‪ ،‬الذي‬
‫لم نكن نتوقعه أو ننتظره وهو ما يسمح باالبتعاد عن التكلف واستباق النتائج كما هو الغالب على بعض البحوث النفسية‬
‫باإلضافة إلى أن الطفل قد يتصنع االستجابات والسلوكيات خصوصا إذا شعر أن محل دراسة واختبار أو أنه موجه ومن‬
‫ثمة فالتلقائية والحوار الحر يوصالن الباحث إلى دخيلة الطفل وسريرته‪.‬‬

‫إن المنهج السيكو تكويني عند بياجيه ينطلق من فرضية تتلخص في أن األطفال يختلفون اختالف جذريا عن الكبار‬
‫وذلك من عدة أوجه‪:‬‬

‫‪ -1‬يفكر األطفال بطريقة تختلف عن الطريقة التي يفكر بها الكبار‪.‬‬


‫‪ -2‬ينظر األطفال للعالم بطريقة تختلف عن طريقة الكبار‪.‬‬
‫‪ -3‬ألطفال فلسفة تختلف عن فلسفة الكبار‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬اصطنع " بياجي" طريقة إخبارية ترتكز على مراحل المنهج العلمي االستقرائي وهي المالحظة‪ ،‬الفرضية والتجريبية‪.‬‬

‫بعد التجارب التي أجراها بياجيه على األطفال توصل إلى‪:‬‬

‫نظرية تتلخص في أن بالنسبة لطفل في عمر متوسط أقل من ستة (‪ )06‬سنوات تكون الكمية مرتبطة باألبعاد المكانية‬
‫من طول‪ ،‬عرض وارتفاع ثم يبدأ الطفل بعد ذلك في تمييز الكمية العددية عن أبعاد المكان وبالتالي تحقق االفتراض‬
‫وبهذه الطريقة يتناول " بياجيه" مبادئ العقل األرسطية والمقوالت الكانطية فيخضعها الختبارات تجريبية مع األطفال قصد‬
‫اإلجابة عن سؤال يتعلق بها وهو‪:‬‬

‫هل الطفل يملك منذ البداية مبدأ الهوية وال يتناقض في أحكامه؟‬
‫افترض "بياجيه" ان فكر الصغار يختلف عن فكر الراشدين‪ ،‬فاالطفال يحتاجون الى وقت وتدريب كي تتطور لديهم مفاهيم‬
‫الكمية والوزن واالحتفاظ‪...‬الخ‪.‬‬

‫استنتج "بياجيه" ان األطفال ال يملكون منذ البداية مبدا الهوية وعدم التناقض بل يكتسبهما وينموان لديه بالممارسة‬
‫والنشاط المستمرين والتعامل مع موضوعات العالم الخارجي‪ ،‬لكن وجود قابلية مسبقة للقيام بهذا المشروع‪.‬‬

‫في الحقيقة‪ ،‬يعتبر المنهج السيكو‪-‬تكويني عماد االبستمولوجيا التكوينية لكنه يبقى في حاجة الى المنهج التاريخي –‬
‫النقدي لكي يكمله خصوصا وان الباحث بحاجة أحيانا الى دراسة إثر العوامل االجتماعية على المراحل المختلفة للنمو‬
‫العقلي لدى الطفل وعندئذ يكيف المنهج التاريخي النقدي ليصبح منهجا سوسيولوجيا – نقديا حتى يتمكن الباحث من‬
‫دراسة الموروث الضخم من المعارف والمفاهيم والمعلومات التي ينقلها المجتمع الى الطفل عبر التنشئة االجتماعية التي‬
‫تتدخل هي بدورها تدخال حاسما في تكوينه العام‪.‬‬

‫ويبقى الطفل عند تلقيه الموروث االجتماعي الثقافي يعمل على استيعابه برده الى بنياته العقلية والمعرفية السابقة ومنه‬
‫يتفاعل مع ما يقدم له بطريقة ال يشاركه فيها أحد وهنا يتدخل المنهج السيكو – تكويني مرة أخرى ليحدد كيف يحدث‬
‫ذلك‪.‬‬

‫وهنا يلح "بياجيه" على ضرورة تكامل المنهجين‪ ،‬فالمنهج المتكامل لالبستمولوجيا التكوينية مؤسس على التعاون الوثيق‬
‫بين المنهجين‪ .‬يقول في هذا الصدد‪ ":‬بصفة عامة‪ ،‬المنهج المتكامل لالبستمولوجيا التكوينية مؤسس على التعاون‬
‫الوثيق بين المنهجين‪ :‬التاريخي – النقدي والسيكو‪ -‬تكويني‪ ،‬وهذا طبقا للمبدا التالي ‪...‬فحقيقة حية بطبيعتها ال تدرك‬
‫عن طريق اطوارها المبدئية و ال عن طريق اطوارها النهائية‪ ،‬لكن عن طريق سياق تحوالتها ذاتها"‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬األسس الفلسفية لعلم االجتماع‪:‬‬


‫" ماكس فيبر" (‪ )1920- 1864‬الماني من عائلة كانت تهتم بالعمل السياسي وبالقانون‪ ،‬انتمى ابوه الى‬
‫الحزب الوطني المتحرر مما يسمح لماكس فيبر من التقاء بعض الشخصيات السياسية البارزة من أمثال "دلتي"‬
‫و "مومسن"‪ .‬عمل كاستاذ لالقتصاد بجامعة "فرايبورغ" عام (‪.)1893‬‬

‫كانت رسالته للدكتوراه بعنوان‪ :‬الشركات التجارية في العصور الوسطى حيث يوضح فيها تحوله من التاريخ القانوني إلى‬
‫التاريخ االقتصادي ثم انتقل إلى جامعة هيدبلرج ‪ Heidelberg‬لكنه أصيب عام ‪ 1900‬بنوبة عصبية حادة إضطر معها‬
‫إلى ترك منصب العلمي‪ ،‬ثم عاد للتدريس عام ‪ 1918‬وتوفى عام ‪ 1920‬حينما بلغت أفكاره كامل نضوجها‪.‬‬

‫‪-‬علم االجتماع عند فيبر يلم تيارات عديدة تجمعت وانصهرت فأثمرت نسقا فكريا متكامال‪ ،‬فلقد أدخل فيه العنصر‬
‫السيكولوجي حيث يعتقد أن علم االجتماع ينبغي أن يبحث عن تفسير سببي للفعل اإلنساني قادر على معرفة غايات‬
‫ومقاصده‪ ،‬والتفسير السببي يحقق لعلم االجتماع صفة " العلم" التي أكدها كل من" أوغيست كونت" ‪Aujust conte‬‬
‫واميل دوركايم ‪.Emile Durkheim‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬يؤكد "فيبر" على بعد " الفهم" الذي يقوم على التعاطف مع اآلخرين وسير أغوارهم للتأكد من حقيقته‬
‫هذا السلوك بدال من االكتفاء بمظاهر خارجية فقط ومن هنا برزت النظرة الداعية إلى دراسة الظواهر االجتماعية من‬
‫الداخل أيضا‪.‬‬

‫كما لجأ " فيبر" إلى المنهج التاريخي المقارن‪ ،‬فظهر واضحا جليا في بحث عن عالقة البروستيتانية بالرأسمالية الحديثة‪.‬‬

‫كان فيبر رئيس رائدا في عدة ميادين في علم االجتماع‪ :‬هي علم االجتماع الديني‪ ،‬علم االجتماع السياسي‪ ،‬علم االجتماع‬
‫القانوني وسوسيولوجيا التنظيم واالدارة‪.‬‬

‫‪-‬بذل "فيبر" جهدا ممتا از لكي يتغلب على التعارض القائم بين العلم الطبيعي والعلم الروحاني ‪ Spiritual‬وأن يقدم لنا‬
‫نسقا سوسيولوجيا يحتفظ فيه بأحسن العناصر المتضمنة في كل من االتجاهين‪.‬‬

‫ويتضح ذلك بخاصة في محاولة التوفيق بين اتجاهين الكانطية المحدثة والمثالية المحدثة وذلك وذلك عندما نقابل بين‬
‫مفكرين أحدهما مثالي محدث وهو دلتي ‪ Dilthey‬واألخر كانطي محدث وهو ريكرت ‪.Rikert‬‬

‫أ‪ /‬دلتي ‪: Dilthey‬‬

‫يعترض على تطبيق مناهج العلوم الطبيعية على العلوم الثقافية ويحاول أن يضع حدا فاصال بين العلوم الثقافية والعلوم‬
‫الطبيعية ويرى أن الفكر االنساني يتخذ في كل من العلمين شكال متمي از ومنهجا مختلفا‪.‬‬

‫فالعلوم الطبيعية تعالج وقائع ‪ facts‬بينما تعالج العلوم الثقافية المعاني ‪Meanings‬والفكر في علوم الطبيعة يتخذ‬
‫صورة التفسير ‪ Explanation‬بينما يتخذ في العلوم الثقافية صورة الفهم‪Understanding‬‬

‫أما التفسير فيقيم العالقات السببية والقوانين ويقترب من موضوعه من الخارج على حين يحاول الفهم أن يربط المعنى‬
‫بالمعنى ويدرك موضوعه مباشرة عن طريق الحدس‪ ،‬ومنهج التفسير في العلوم الطبيعية هو منهج التجربة أما منهج‬
‫الفهم في العلوم الثقافية فهو ذلك الذي يتكون من تفسير عن طريق " نماذج متتالية" أو أشكال وصور ومعاني‪.‬‬

‫ب‪ /‬ريكرت‪Rickert‬‬

‫يقف موقفا معارضا لتصورات دلتي حين يضع تميزات بطريقة مختلفة تماما‪ ،‬فالعلم بالنسبة له يهدف إلى تفسير الظواهر‬
‫وال يهتم في هذا الصدد بما إذا كانت هذه الظواهر تتعلق بالفرد أم بالعالم الفيزيقي‪ ،‬فالظواهر هي الظواهر والعلم هو‬
‫العلم‪.‬‬
‫إن الفارق األساسي عند ريكرت يكون بين العلم والتاريخ‪ ،‬فالعلم هو تحليل الطبيعة في ضوء القوانين السببية والتاريخ‬
‫هو تحليل الطبيعة كنمط ألحداث الفريدة‪.‬‬

‫‪ -‬إن وجه االختالف األساسي بين دلتي كمفكر مثالي جديد وريكرت باعتباره كانطي محدث‪ ،‬يتمثل في وجهة نظر دلتي‬
‫في أن العلوم الثقافية واالجتماعية تعالج مضمونا متماي از بمعنى أنها مادامت تهتم بالمعاني‪ ،‬فإن هذه المعاني تختلف‬
‫من فرد إلى فرد‪ ،‬ومن جماعة إلى جماعة وذلك في مقابل فكرة ريكرت في أن العلم يعالج ظواهر ليست متمايزة أي ظواهر‬
‫متماثلة تخلو من المعنى‪.‬‬

‫يعتقد دلتي أن العلوم الثقافية تعالج الروح االنسانية تلك التي تمر في عملية مستمرة من التغير والتطور وعملية التغير‬
‫والتطور هذه هي أهم خصائص مضمون العلوم الثقافية ولم ينظر إليها ريكرت على أنها خاصة للمضمون بل على أنها‬
‫خاصية للمنهج‪ ،‬والمثالي الجديد يهتم بالعالم كميدان للفعل أما الكانطي الجديد فهو يهتم بالعالم باعتباره موضوعا‬
‫للمعرفة‪ .‬ذلك أن الطبيعة عند ريكرت هي كل واحد‪ ،‬قد تدرس إما عن طريق العلم واما عن طريق التاريخ واألمر بينهما‬
‫مختلف تماما‪.‬‬

‫‪-‬موقف ماكس فيبر ‪M.Webber‬‬

‫حاول أن يتوسط أراء الكل من ريكرت ودلتي حيث يوافق دلتي على أن المعاني والقيم هي موضوع علم االجتماع‪ ،‬وهو‬
‫ينظر كما هو األمر عند ريكرت إلى العلم باعتبار ه علما سواء كان يعالج ظواهر عقلية أو اجتماعية أو فيزيقية‪.‬‬

‫وهو على العكس من دلتي‪ ،‬ال يعتقد أن عزل المعاني المتضمنة في األحداث االجتماعية يضع علم االجتماع في‬
‫فئة مختلفة عن تلك العلوم التي تحاول إقامة العالقات والقوانين السببية‪ ،‬كما أنه ال يجعل من العلوم والتاريخ معسكرين‬
‫منفصلين على عكس ما يرى ريكرت‪ -‬إال أنه يفضل أن يتقبل الفكرة التقليدية من أن علم االجتماع هو نظام علمي يهتم‬
‫بدراسة مادة مشتقة من التاريخ‪.‬‬

‫يعتقد فيبر أن االستخدام الدقيق لطريقة التصنيف ‪ typology‬سوف يساعد على النهوض بهذا العلم من الناحية‬
‫المنهجية‪ ،‬وهكذا حاول فيبر أن يستفيد من اإلمكانيات التي تقدمها العلوم الطبيعية أو الروحانية على حد سواء ويتضح‬
‫ذلك من كونه يرى أن أعلى مستويات الفهم التي تصل إليها الظواهر االجتماعية هي الفهم المالئم سببيا ‪Causally‬‬

‫‪ adequate‬والمناسب أيضا على مستوى المعنى مما يعني أن فيبر يرى في علم االجتماع دراسة تبحث عن األسباب‬
‫وفي الوقت نفسه دراسة للمعاني ألن الوقائع االجتماعية تختلف عن وقائع العلوم الطبيعية من حيث القصد والمعنى‬
‫المتضمن في األولى والذي يرجع إلى طبيعتها اإلنسانية‪.‬‬
‫ومن هنا تختلف العلوم الطبيعية عن العلوم االجتماعية من حيث أن النشاط اإلنساني يتجه في األول إلى الضبط‬
‫‪Control‬ذلك أن من يستطيع معرفة أطراد الوقائع الطبيعية يمكنه أن يرتب قوى الطبيعة وعلى العكس من ذلك يتجه‬
‫النشاط اإلنساني في الثانية إلى التقويم ‪ Valuation‬إذ يعتبر مفهوم الثقافة ذاته مفهوم قيمي‪.‬‬

‫إن الواقع إذا كان يرتبط بالقيم‪ ،‬يصبح واقعا ثقافيا‪ ،‬أما صدق القيم فهي مسأة إيمان وليست مسألة معرفة وبذلك‬
‫ستركز العلوم االجتماعية على دراسة القيم ولكنها مع ذلك لن تحاول أن تقدم معايير ملزمة أو مثاليات أو طرائق للسلوك‬
‫والعمل وتبعا لذلك يجب أن تتحرر هذه العلوم االجتماعية ‪.Value Free‬‬

‫موقف فيبر من النظرية الماركسية‪:‬‬

‫شكلت النظرية الماركسية جانبا من المناخ الفكري الذي عاشه ماكس فيبر‪ ،‬ولفت انتباهه ذلك الخطأ الذي وقع فيه‬
‫ماركس أال وهو تأكيده دور عامل واحد هو العامل االقتصادي ومنه وقف فيبر معرضا من الماركسية حيث هي في نظره‪:‬‬
‫" نظرية في اتجاهها نحو إعادة بناء العالقات االجتماعية والتاريخية على أساس اقتصادي فريد" ‪.‬‬

‫وأهم نقد يوجه للماركسية يتلخص في فشلها في التمييز بين ما هو " اقتصادي" وما هو " حتمي اقتصادي" وما هو"‬
‫مالئم أو مناسب اقتصاديا"‬

‫حيث طغت الحتمية االقتصادية على كل تفكير " كارل ماركس"‪.‬‬

‫ولقد جعل " ماكس فيبر" من دراسته عن" األخالق البروستانتية" وروح الرأس مالية‪ ،‬بمثابة اختيار يدحض على أساسه‬
‫نظرية ماركس من أن اإلصالح البروستاتي هو نتيجة مصاحبة لنشأة الرأسمالية‪.‬‬

‫لكن يؤكد " زايلتن" أن فيبر ليس من أعداء ماركس حيث من الممكن تصنيف أعمال " فيبر" النظرية والمنهجية‬
‫بوصفها تنتمي إلى نفس التيار الفكري الذي عبرت عنه الماركسية ويؤكد " زاياتي" أننا ال يجب أن نق أر فيبر باعتباره‬
‫رافض ألسس المنهجية التي وضعها ماركس وانما استكمل هذه األسس وطورها ومنه يمكن القول أن فيبر وماركس قد‬
‫تبين اتجاها تاريخيا – بنائيا وان كان كل منهما قد انطلق من وجهة نظر مختلفة في تفسيره لنشأة النظام الرأسمالي‪.‬‬

‫‪-‬صنف ريمون أرون ‪ Raymond Aron‬أعمال ماكس فيبر على النحو األتي‪:‬‬

‫‪ -‬دراسات في المناهج والنقد والفلسفة‪ ،‬دراسات تتعلق أساسا بالعلوم االجتماعية وبالتاريخ وعلم االجتماع تتميز هذه‬
‫الدراسات أنها تنتمي إلى مجال نظرية المعرفة ( االبستيمولوجيا ) وأنها تسعى إلى تطوير مدخل تفسير العالقة بين العلم‬
‫والفعل اإلنساني‪ ،‬كانت تحت عنوان دراسة في نظرية العلم‪.‬‬
‫‪ -‬أعمال تاريخية أساسا وتشمل عالقات اإلنتاج في الزراعة في العالم القديم‪ ،‬دراسة في التاريخ االقتصادي العام‪ ،‬دراسة‬
‫متخصصة تتناول المشكالت االقتصادية في ألمانيا أو أوروبا المعاصرة وبخاصة دراسته للموقف االقتصادي في المقاطعات‬
‫الشرقية بألمانيا‪.‬‬

‫‪ -‬دراسات في علم االجتماع الديني وتبدأ بدراسته عند العالقة بين األخالق البروستانتية وروح الرأسمالية ثم قام بعد‬
‫ذلك بدراسة مقارنة تناولت ألديان الكبرى ولعالقة المتبادلة بين الظروف االجتماعية واالقتصادية من جهة واالتجاهات‬
‫الدينية من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪ -‬هناك الدراسة الهامة التي قدمها فيبر بعنوان االقتصاد والمجتمع وتم نشر هذا العمل الضخم بعد وفاته‪.‬‬

‫‪-‬العلم والمنهج عند فيبر‪:‬‬

‫إن القواعد المنهجية عند فيبر ليست مجموعة من أدوات البحث أو وسائل جمع البيانات وتحليلها‪ ،‬وانما المنهج عنده‬
‫قريب من فلسفة العلم إذ هو يعالج المشكالت األساسية للمعرفة اإلنسانية من حيث طبيعتها‪ ،‬حدودها‪ ،‬إمكانياتها‪.‬‬

‫يقول أرن ساهاي ‪ Arun Sahay‬في مقاله عن أهمية المناهج عند فيبر في التفسير السوسيولوجي وذلك سنة ‪1971‬‬
‫ما يلي‪ " :‬إن المناهج التي قدمها فيبر كانت هي الوحيدة خالل تاريخ الفكر االجتماعي التي قدمت حال واضحا للمشكالت‬
‫العلمية‪ -‬في مقابل المشكالت الميتافيزيقية والعاطفية‪ -‬للتحليل السوسيولوجي"‬

‫إن أهم مقوالت المنهج عند فيبر هي مقولة الفهم والفهم عنده ليس مرادنا للحدس التعاطفي الغامض الذي تحدث عنه‬
‫غيره من الفالسفة ولكنه فهم فكري وتحليلي وتفسير تنبئي للسلوك‪.‬‬

‫يحقق الفهم عنه هدفين‪:‬‬

‫‪ -1‬يمكننا من معرفة األسباب والعوامل التي تؤدي إلى حدوث الظواهر االجتماعية وذلك من خالل صياغة‬
‫سوسيولوجية عامة‪.‬‬
‫‪ -2‬يمكننا من إدراك المعاني الذاتية التي تنطوي عليها األفعال اإلنسانية‪.‬‬

‫إذن الفهم عند فيبر‪ ،‬فهما مالئما سببيا ومالئما أيضا على مستوى المعنى يتحقق النوع األول من الفهم من خالل‬
‫تفسير سلسلة من األحداث في ضوء تعميمات تكشف إمكانيات ظهور هذه األحداث في مواقف متعددة‪.‬‬

‫أما الفهم المالئم على مستوى المعنى‪ ،‬فهو يستند إلى حقيقة التي مؤداها أن الكائنات اإلنسانية على وعي مباشر‬
‫بأفعالها وأننا حينما ندرس العالقات المتبادلة بين الناس نستطيع أن نذهب إلى ما وراء العالقات السببية والوطنية‪،‬‬
‫إذ يستطيع فهم النوايا والمقاصد الذاتية للناس ومادام أن الفعل ‪Action‬هو اإلطار المرجعي التحليلي عند فيبر‪،‬‬
‫فإن المعاني تصبح ذات قيمة خاصة‪.‬‬
‫يختلف الفعل عن السلوك ‪ Behavior‬الذي يشير إلى التصرفات التي يالحظها المرء من الخارج والتي تختلف عن‬
‫" الدافع" الكامن الذي ال نستطيع أن نالحظه وانما نكتفي باستنتاجه من السلوك أما مصطلح الفعل فهو يتضمن كال‬
‫من الدافع والسلوك الظاهر حينما يرتبطا معا في عالقة بين الوسائل والغايات‪ ،‬ومن ثمة يمكن القول إن أي سلوك‬
‫يصبح عديم المعنى إذا ما جردناه عن الدافع الذي يحركه تماما مثلما نقول إننا ال ندرك الدافع إال من خالل السلوك‬
‫الظاهر‪.‬‬

You might also like