Professional Documents
Culture Documents
ماستر 1 السداسي الثاني المحاضرةالثانية
ماستر 1 السداسي الثاني المحاضرةالثانية
Email : hassane.berkane@univ-batna.dz
األهداف :تمكين الطالب من معرفة قضايا في فلسفة العلوم اإلنسانية واالجتماعية وممارسة
الفعل األبستمولوجي في المعرفة.
لقد ساد اعتقاد فلسفي سابق على أن هناك قدرة للفلسفة والنظرية المعرفة خاصة على إنتاج معرفة أو معرف
تتجاوز أو تفوق المعرفة العلمية سميت أحيانا معرفة ميتافيزيقية أو معرفة فوق –علمية supra- Scientifique
....الخ مما أدى إلى إشباع الهوة بين الفلسفة والعلوم واتضح اختالفهما في الموضوع والمنهج معا.
كان لجون بياجي في بداية حياته رغبة ملحة في التفلسف لكن تكوينه العلمي كبيولوجي ثم كعالم نفس تجريبي أمن
بالمنهج التجريبي لمنهج لبناء المعرفة العلمية جعله يتساءل :كيف يمكن إنتاج معرفة براد لها أن تتجاوز المعرفة العلمية
بمجرد االعتماد على التأمل المحض دون الركون إلى محك الواقع؟؟
مما أدى بياجي إلى نقد نظرية المعرفة الفلسفية من ناحية الموضوع والمنهج بغرض الوصول إلى فصل موضوع المعرفة
عامة عن الفلسفة وتأسيسها كعلم جديد مستقل سماه االبستيمولوجيا التكوينية. Epistémologie Génétique
-1الحسر (البداهة).
-2المعايشة الواقعية أو الخبرة أو التجربة.
-3االستنتاج
ومنه فالفالسفة عنده ال يأخذون إال بالمنهج األول (الحس أو البداهة) وهذه المعارف هي ذاتية شخصية ال تلزم إال
Sagesseأو ليمان بيرهن صاحبها ومنه فالفلسفة حسب بياجيه ال توصلنا إلى معرفة جديرة بل توصلنا إلى حكمة
Foi raisonnée
إن اإلشكالية في االبستيمولوجيا التكوينية هي فلسفية أوال ،يقول بياجيه " :سأشرح بوضوح بأني مدين جدا للفلسفة،
مدين لها بطرح المشكالت التي درستها وأعتقد أن التأمل الفلسفي ضروري لكل بحث لكن التأمل ال يعد سوى وسيلة
لطرح المشكالت وليس وسيلة ألجل حلها ..وأنا أخذ على الفلسفة اعتقادها بلوغ معارف ،في حين المعرفة -حسب رأيي-
تقتضي التحقيق"
لقد اشتغل بياجي في مشروعه البستيمولوجي على األسئلة الكانطية خاصة المتعلقة منها بإمكانية تأسيس فيزيقا خالصة
وميتافيزيقا خالصة.
السؤال االبستيمولوجي عند بياجيه هو :كيف؟ فهو سؤال وضعي يسأل عما هو كائن معين عن واقع محدد على عكس
األسئلة التقليدية لنظرية المعرفة التي تخوض في الطبيعة األشياء ومسائل ميتافيزيقية تتجاوز الواقع .إذن يريد بياجي
االستغناء عن السؤال :لماذا؟
مثال :نبحث في النمو المعرفي :معناه أن مشكلة المعرفة ال يمكن أن تطرح في صورتها النهائية الثابتة والمكتملة ألن
كل معرفة مهما كانت مرت سياقات تطورية انتقلت فيها من حالة دنيا إلى أخرى عليا وستتواصل على نفس المنوال.
إذن :يجب البحث في المعرفة من خالل سيرورتها وعبر مراحل تكونها وتشكلها ،فالمعرفة ليست حالة سكونية statique
مثلما تنظر نظرية المعرفة الفلسفية ( الالتكوينية ) Non génetiqueيقول بياجيه " :أعتقد أنه لممارسة االبستيمولوجيا
بطريقة علمية وموضوعية ،ال يجب أخذ المعرفة بل باعتبارها هي المنطلق بوصفها تتجلى تحت صورها العليا ،لكن عن
طريق اتحاد سياقات التكوين ،كيف ننتقل من مجرد معرفة إلى معرفة عليا ،وهذا بالنسبة لمستوى ووجهة نظر الذات
الدارسة.
ودراسة هذه التحوالت المعرفية هي التصحيح التطوري للمعرفة .هذا ما أطلق عليه "االستيمولوجيا التكوينية".
إذن :البحث العلمي في مشكلة المعرفة ال يمكن أن يقوم إال على تعقب وتتبع المستويات المعرفية الدنيا لتفسير المعرفة
في حاالتها المراهنة ومن هنا يكتسب.
س :ما هي الطرق المناسبة والتي تتوفر فيها الشروط العملية لدراسة المعرفة في أطوارها الدنيا حسب بياجي؟
يميز بياجيه بين طبيعة المسائل العلمية والمسائل الفلسفية ومنه قام بضبط الطرائق المنهجية التي سيوظفها في دراسة
طرق اإلشكالية األساسية في االبستيمولوجيا التكوينية وهي :كيف تنمو المعارف؟
ومنه يرى بياجيه أن البحث في كيفية نمو المعارف وتطورها يقتضي بالضرورة البحث عن ماضيها أي العودة التراجعية
إلى الوراء حيث األصول والمصادر األولى وذلك على مستويين متوازيين هما:
-1مستوى النمو المعرفي للمجتمعات البشرية خصوصا لمعرفة لدى اإلنسان البدائي أو اإلنسان ما قبل التاريخ...
-2مستوى النمو المعرفي للفرد وخصوصا مراحل تكون وتطور المعرفة عند الطفل اإلنساني ،يقول " :تحديد الكيفية
التي تنمو بها المعارف تستلزم أن تعتبر بمنهجية كل معرف تحت زاوية نموها في الزمن ،يعني كسياق متصل
حيث ال يمكننا بلوغ االنطالقة األول ،وال النهاية .بعبارة أخرى:
كل معرفة يمكن دائما تصورها منهجيا وذلك في عالقتها بحالة سابقة لها بالنسبة إلى معرفة أكثر تقديما منها"
فهو من ناحية يتتبع نمو وتطور علم من علوم أو مفهوم من المفاهيم عبر التاريخ.
-ومن ناحية أخرى هو تناول ذلك العلم أو ذلك المفهوم خالل نموه واكتساب من طرف الطفل ومنه ارتكزت االبستيمولوجيا
التكوينية عند بياجيه على منهجين أساسين هما :المنهج التاريخي – النقدي والمنهج السيكو تكويني.
حسب بياجيه هو منهج وصفي – نقدي يقف على الوقائع الماضية وتفسيرها والتعليق عليها للكشف عن القوانين
والسياقات الثابتة نسبيا والتي تسلكها المعارف في مساراتها التطورية عبر الزمن والتاريخ.
إ ن هذا المنهج يدرس بروز ونمو ثم تطور مفهوم علمي ما أو مشكلة علمية ما في تاريخ العلوم من أجل البحث عن
المراحل والسياقات األولى مرو ار بمختلف األطوار التي مر بها هذا المفهوم أو تلك المشكلة وصوال إلى الحالة الراهنة.
خطواته:
-1مالحظة الوقائع والحوادث التاريخية المتعلقة بمختلف المعارف وهي مرحلة جمع المعطيات وتكديس المالحظات.
-2تأمل تلك الوقائع وتدقيقها للكشف عن الروابط المنطقية بين مختلف الكشوف والنتائج العلمية عبر مختلف
مراحل التاريخ.
-3االعتماد على المقارنات والموازنات بين الكشوف العلمية واألنساق المعرفية من عصر ألخر ،من حضارة ألخرى،
ألن ذلك يكشف دوما عن الثابت والمتغير بمعنى القوانين والسياقات التي يسلكها مفهوم ما عبر الزمن ،يقول:
" ...هذه المقارنات المتعددة التي يمكن تنتقل إلى مستويات مختلفة تميز طريقة أولى خاصة باالبستيمولوجيا
التكوينية ...إنها الطريقة التاريخية النقدية"
من العوائق االستيمولوجية لهذا المنهج :أن العودة للماضي تتوقف دائما عند نقطة افتراضية ال يمكن للمؤرخ أو الباحث
أن يتعداها لنقص المعلومات أو فقدانها ألن مداه التراجعي محدود ،يقول" إال أن المنهج التاريخي -النقدي غير كاف
إنه محدود في حقل تاريخ العلوم ذاتها وهو متعلق بالمفاهيم المجهزة والمستعملة من طرف فكرجاهن مسبق :فكر العلماء
أنفسهم"...
إن المنهج التاريخي – النقدي ال يكتمل إال إذا دعم بمنهج جديد وفعال وهو المنهج السيكو-تكويني Psycho-
génetique
-2المنهج السيكو تكويني méthode psychogénétique
لجأ " بياجيه" إلى علم النفس التكويني أو علم النفس الطفل وهو أحد مؤسسيه وأراد لعلم النفس أن يكون منهجيا وأداة
تحقيق االبستيمولوجية بهدف الكشف عن القوانين واآلليات األساسية للعمليات العقلية العليا عند اإلنسان.
يقول بياجي " :الشيء المثير لدى الطفل هو بالضبط إيجاد دوما أمامك فرد ينطلق من الصفر ،ورؤية كيف يحدث"
يدرس هذا المنهج النمو الذهني عند الطفل في جميع مراحله بدء من الرضاعة إلى بواكير مرحلة المراهقة ووسيلة
الدراسة هي استعمال الطريقة العيادية" " Cliniqueالتي استعملها من قبل فرويد Freudفي التحليل النفسي وذلك
بإدخال عليها تعديالت موضوعية حيث استغنى عن األسئلة والروائز testsالموجهة والمعدة سلفا من طرف الباحث
حتى تكون ....وتلقائية غير موجهة وال معدة مسبقا بغرض الكشف عن الفكر العميق والحقيقي للطفل معنى ذلك ،الذي
لم نكن نتوقعه أو ننتظره وهو ما يسمح باالبتعاد عن التكلف واستباق النتائج كما هو الغالب على بعض البحوث النفسية
باإلضافة إلى أن الطفل قد يتصنع االستجابات والسلوكيات خصوصا إذا شعر أن محل دراسة واختبار أو أنه موجه ومن
ثمة فالتلقائية والحوار الحر يوصالن الباحث إلى دخيلة الطفل وسريرته.
إن المنهج السيكو تكويني عند بياجيه ينطلق من فرضية تتلخص في أن األطفال يختلفون اختالف جذريا عن الكبار
وذلك من عدة أوجه:
لذلك ،اصطنع " بياجي" طريقة إخبارية ترتكز على مراحل المنهج العلمي االستقرائي وهي المالحظة ،الفرضية والتجريبية.
نظرية تتلخص في أن بالنسبة لطفل في عمر متوسط أقل من ستة ( )06سنوات تكون الكمية مرتبطة باألبعاد المكانية
من طول ،عرض وارتفاع ثم يبدأ الطفل بعد ذلك في تمييز الكمية العددية عن أبعاد المكان وبالتالي تحقق االفتراض
وبهذه الطريقة يتناول " بياجيه" مبادئ العقل األرسطية والمقوالت الكانطية فيخضعها الختبارات تجريبية مع األطفال قصد
اإلجابة عن سؤال يتعلق بها وهو:
هل الطفل يملك منذ البداية مبدأ الهوية وال يتناقض في أحكامه؟
افترض "بياجيه" ان فكر الصغار يختلف عن فكر الراشدين ،فاالطفال يحتاجون الى وقت وتدريب كي تتطور لديهم مفاهيم
الكمية والوزن واالحتفاظ...الخ.
استنتج "بياجيه" ان األطفال ال يملكون منذ البداية مبدا الهوية وعدم التناقض بل يكتسبهما وينموان لديه بالممارسة
والنشاط المستمرين والتعامل مع موضوعات العالم الخارجي ،لكن وجود قابلية مسبقة للقيام بهذا المشروع.
في الحقيقة ،يعتبر المنهج السيكو-تكويني عماد االبستمولوجيا التكوينية لكنه يبقى في حاجة الى المنهج التاريخي –
النقدي لكي يكمله خصوصا وان الباحث بحاجة أحيانا الى دراسة إثر العوامل االجتماعية على المراحل المختلفة للنمو
العقلي لدى الطفل وعندئذ يكيف المنهج التاريخي النقدي ليصبح منهجا سوسيولوجيا – نقديا حتى يتمكن الباحث من
دراسة الموروث الضخم من المعارف والمفاهيم والمعلومات التي ينقلها المجتمع الى الطفل عبر التنشئة االجتماعية التي
تتدخل هي بدورها تدخال حاسما في تكوينه العام.
ويبقى الطفل عند تلقيه الموروث االجتماعي الثقافي يعمل على استيعابه برده الى بنياته العقلية والمعرفية السابقة ومنه
يتفاعل مع ما يقدم له بطريقة ال يشاركه فيها أحد وهنا يتدخل المنهج السيكو – تكويني مرة أخرى ليحدد كيف يحدث
ذلك.
وهنا يلح "بياجيه" على ضرورة تكامل المنهجين ،فالمنهج المتكامل لالبستمولوجيا التكوينية مؤسس على التعاون الوثيق
بين المنهجين .يقول في هذا الصدد ":بصفة عامة ،المنهج المتكامل لالبستمولوجيا التكوينية مؤسس على التعاون
الوثيق بين المنهجين :التاريخي – النقدي والسيكو -تكويني ،وهذا طبقا للمبدا التالي ...فحقيقة حية بطبيعتها ال تدرك
عن طريق اطوارها المبدئية و ال عن طريق اطوارها النهائية ،لكن عن طريق سياق تحوالتها ذاتها".
كانت رسالته للدكتوراه بعنوان :الشركات التجارية في العصور الوسطى حيث يوضح فيها تحوله من التاريخ القانوني إلى
التاريخ االقتصادي ثم انتقل إلى جامعة هيدبلرج Heidelbergلكنه أصيب عام 1900بنوبة عصبية حادة إضطر معها
إلى ترك منصب العلمي ،ثم عاد للتدريس عام 1918وتوفى عام 1920حينما بلغت أفكاره كامل نضوجها.
-علم االجتماع عند فيبر يلم تيارات عديدة تجمعت وانصهرت فأثمرت نسقا فكريا متكامال ،فلقد أدخل فيه العنصر
السيكولوجي حيث يعتقد أن علم االجتماع ينبغي أن يبحث عن تفسير سببي للفعل اإلنساني قادر على معرفة غايات
ومقاصده ،والتفسير السببي يحقق لعلم االجتماع صفة " العلم" التي أكدها كل من" أوغيست كونت" Aujust conte
واميل دوركايم .Emile Durkheim
باإلضافة إلى ذلك ،يؤكد "فيبر" على بعد " الفهم" الذي يقوم على التعاطف مع اآلخرين وسير أغوارهم للتأكد من حقيقته
هذا السلوك بدال من االكتفاء بمظاهر خارجية فقط ومن هنا برزت النظرة الداعية إلى دراسة الظواهر االجتماعية من
الداخل أيضا.
كما لجأ " فيبر" إلى المنهج التاريخي المقارن ،فظهر واضحا جليا في بحث عن عالقة البروستيتانية بالرأسمالية الحديثة.
كان فيبر رئيس رائدا في عدة ميادين في علم االجتماع :هي علم االجتماع الديني ،علم االجتماع السياسي ،علم االجتماع
القانوني وسوسيولوجيا التنظيم واالدارة.
-بذل "فيبر" جهدا ممتا از لكي يتغلب على التعارض القائم بين العلم الطبيعي والعلم الروحاني Spiritualوأن يقدم لنا
نسقا سوسيولوجيا يحتفظ فيه بأحسن العناصر المتضمنة في كل من االتجاهين.
ويتضح ذلك بخاصة في محاولة التوفيق بين اتجاهين الكانطية المحدثة والمثالية المحدثة وذلك وذلك عندما نقابل بين
مفكرين أحدهما مثالي محدث وهو دلتي Diltheyواألخر كانطي محدث وهو ريكرت .Rikert
يعترض على تطبيق مناهج العلوم الطبيعية على العلوم الثقافية ويحاول أن يضع حدا فاصال بين العلوم الثقافية والعلوم
الطبيعية ويرى أن الفكر االنساني يتخذ في كل من العلمين شكال متمي از ومنهجا مختلفا.
فالعلوم الطبيعية تعالج وقائع factsبينما تعالج العلوم الثقافية المعاني Meaningsوالفكر في علوم الطبيعة يتخذ
صورة التفسير Explanationبينما يتخذ في العلوم الثقافية صورة الفهمUnderstanding
أما التفسير فيقيم العالقات السببية والقوانين ويقترب من موضوعه من الخارج على حين يحاول الفهم أن يربط المعنى
بالمعنى ويدرك موضوعه مباشرة عن طريق الحدس ،ومنهج التفسير في العلوم الطبيعية هو منهج التجربة أما منهج
الفهم في العلوم الثقافية فهو ذلك الذي يتكون من تفسير عن طريق " نماذج متتالية" أو أشكال وصور ومعاني.
ب /ريكرتRickert
يقف موقفا معارضا لتصورات دلتي حين يضع تميزات بطريقة مختلفة تماما ،فالعلم بالنسبة له يهدف إلى تفسير الظواهر
وال يهتم في هذا الصدد بما إذا كانت هذه الظواهر تتعلق بالفرد أم بالعالم الفيزيقي ،فالظواهر هي الظواهر والعلم هو
العلم.
إن الفارق األساسي عند ريكرت يكون بين العلم والتاريخ ،فالعلم هو تحليل الطبيعة في ضوء القوانين السببية والتاريخ
هو تحليل الطبيعة كنمط ألحداث الفريدة.
-إن وجه االختالف األساسي بين دلتي كمفكر مثالي جديد وريكرت باعتباره كانطي محدث ،يتمثل في وجهة نظر دلتي
في أن العلوم الثقافية واالجتماعية تعالج مضمونا متماي از بمعنى أنها مادامت تهتم بالمعاني ،فإن هذه المعاني تختلف
من فرد إلى فرد ،ومن جماعة إلى جماعة وذلك في مقابل فكرة ريكرت في أن العلم يعالج ظواهر ليست متمايزة أي ظواهر
متماثلة تخلو من المعنى.
يعتقد دلتي أن العلوم الثقافية تعالج الروح االنسانية تلك التي تمر في عملية مستمرة من التغير والتطور وعملية التغير
والتطور هذه هي أهم خصائص مضمون العلوم الثقافية ولم ينظر إليها ريكرت على أنها خاصة للمضمون بل على أنها
خاصية للمنهج ،والمثالي الجديد يهتم بالعالم كميدان للفعل أما الكانطي الجديد فهو يهتم بالعالم باعتباره موضوعا
للمعرفة .ذلك أن الطبيعة عند ريكرت هي كل واحد ،قد تدرس إما عن طريق العلم واما عن طريق التاريخ واألمر بينهما
مختلف تماما.
حاول أن يتوسط أراء الكل من ريكرت ودلتي حيث يوافق دلتي على أن المعاني والقيم هي موضوع علم االجتماع ،وهو
ينظر كما هو األمر عند ريكرت إلى العلم باعتبار ه علما سواء كان يعالج ظواهر عقلية أو اجتماعية أو فيزيقية.
وهو على العكس من دلتي ،ال يعتقد أن عزل المعاني المتضمنة في األحداث االجتماعية يضع علم االجتماع في
فئة مختلفة عن تلك العلوم التي تحاول إقامة العالقات والقوانين السببية ،كما أنه ال يجعل من العلوم والتاريخ معسكرين
منفصلين على عكس ما يرى ريكرت -إال أنه يفضل أن يتقبل الفكرة التقليدية من أن علم االجتماع هو نظام علمي يهتم
بدراسة مادة مشتقة من التاريخ.
يعتقد فيبر أن االستخدام الدقيق لطريقة التصنيف typologyسوف يساعد على النهوض بهذا العلم من الناحية
المنهجية ،وهكذا حاول فيبر أن يستفيد من اإلمكانيات التي تقدمها العلوم الطبيعية أو الروحانية على حد سواء ويتضح
ذلك من كونه يرى أن أعلى مستويات الفهم التي تصل إليها الظواهر االجتماعية هي الفهم المالئم سببيا Causally
adequateوالمناسب أيضا على مستوى المعنى مما يعني أن فيبر يرى في علم االجتماع دراسة تبحث عن األسباب
وفي الوقت نفسه دراسة للمعاني ألن الوقائع االجتماعية تختلف عن وقائع العلوم الطبيعية من حيث القصد والمعنى
المتضمن في األولى والذي يرجع إلى طبيعتها اإلنسانية.
ومن هنا تختلف العلوم الطبيعية عن العلوم االجتماعية من حيث أن النشاط اإلنساني يتجه في األول إلى الضبط
Controlذلك أن من يستطيع معرفة أطراد الوقائع الطبيعية يمكنه أن يرتب قوى الطبيعة وعلى العكس من ذلك يتجه
النشاط اإلنساني في الثانية إلى التقويم Valuationإذ يعتبر مفهوم الثقافة ذاته مفهوم قيمي.
إن الواقع إذا كان يرتبط بالقيم ،يصبح واقعا ثقافيا ،أما صدق القيم فهي مسأة إيمان وليست مسألة معرفة وبذلك
ستركز العلوم االجتماعية على دراسة القيم ولكنها مع ذلك لن تحاول أن تقدم معايير ملزمة أو مثاليات أو طرائق للسلوك
والعمل وتبعا لذلك يجب أن تتحرر هذه العلوم االجتماعية .Value Free
شكلت النظرية الماركسية جانبا من المناخ الفكري الذي عاشه ماكس فيبر ،ولفت انتباهه ذلك الخطأ الذي وقع فيه
ماركس أال وهو تأكيده دور عامل واحد هو العامل االقتصادي ومنه وقف فيبر معرضا من الماركسية حيث هي في نظره:
" نظرية في اتجاهها نحو إعادة بناء العالقات االجتماعية والتاريخية على أساس اقتصادي فريد" .
وأهم نقد يوجه للماركسية يتلخص في فشلها في التمييز بين ما هو " اقتصادي" وما هو " حتمي اقتصادي" وما هو"
مالئم أو مناسب اقتصاديا"
ولقد جعل " ماكس فيبر" من دراسته عن" األخالق البروستانتية" وروح الرأس مالية ،بمثابة اختيار يدحض على أساسه
نظرية ماركس من أن اإلصالح البروستاتي هو نتيجة مصاحبة لنشأة الرأسمالية.
لكن يؤكد " زايلتن" أن فيبر ليس من أعداء ماركس حيث من الممكن تصنيف أعمال " فيبر" النظرية والمنهجية
بوصفها تنتمي إلى نفس التيار الفكري الذي عبرت عنه الماركسية ويؤكد " زاياتي" أننا ال يجب أن نق أر فيبر باعتباره
رافض ألسس المنهجية التي وضعها ماركس وانما استكمل هذه األسس وطورها ومنه يمكن القول أن فيبر وماركس قد
تبين اتجاها تاريخيا – بنائيا وان كان كل منهما قد انطلق من وجهة نظر مختلفة في تفسيره لنشأة النظام الرأسمالي.
-صنف ريمون أرون Raymond Aronأعمال ماكس فيبر على النحو األتي:
-دراسات في المناهج والنقد والفلسفة ،دراسات تتعلق أساسا بالعلوم االجتماعية وبالتاريخ وعلم االجتماع تتميز هذه
الدراسات أنها تنتمي إلى مجال نظرية المعرفة ( االبستيمولوجيا ) وأنها تسعى إلى تطوير مدخل تفسير العالقة بين العلم
والفعل اإلنساني ،كانت تحت عنوان دراسة في نظرية العلم.
-أعمال تاريخية أساسا وتشمل عالقات اإلنتاج في الزراعة في العالم القديم ،دراسة في التاريخ االقتصادي العام ،دراسة
متخصصة تتناول المشكالت االقتصادية في ألمانيا أو أوروبا المعاصرة وبخاصة دراسته للموقف االقتصادي في المقاطعات
الشرقية بألمانيا.
-دراسات في علم االجتماع الديني وتبدأ بدراسته عند العالقة بين األخالق البروستانتية وروح الرأسمالية ثم قام بعد
ذلك بدراسة مقارنة تناولت ألديان الكبرى ولعالقة المتبادلة بين الظروف االجتماعية واالقتصادية من جهة واالتجاهات
الدينية من جهة أخرى.
-هناك الدراسة الهامة التي قدمها فيبر بعنوان االقتصاد والمجتمع وتم نشر هذا العمل الضخم بعد وفاته.
إن القواعد المنهجية عند فيبر ليست مجموعة من أدوات البحث أو وسائل جمع البيانات وتحليلها ،وانما المنهج عنده
قريب من فلسفة العلم إذ هو يعالج المشكالت األساسية للمعرفة اإلنسانية من حيث طبيعتها ،حدودها ،إمكانياتها.
يقول أرن ساهاي Arun Sahayفي مقاله عن أهمية المناهج عند فيبر في التفسير السوسيولوجي وذلك سنة 1971
ما يلي " :إن المناهج التي قدمها فيبر كانت هي الوحيدة خالل تاريخ الفكر االجتماعي التي قدمت حال واضحا للمشكالت
العلمية -في مقابل المشكالت الميتافيزيقية والعاطفية -للتحليل السوسيولوجي"
إن أهم مقوالت المنهج عند فيبر هي مقولة الفهم والفهم عنده ليس مرادنا للحدس التعاطفي الغامض الذي تحدث عنه
غيره من الفالسفة ولكنه فهم فكري وتحليلي وتفسير تنبئي للسلوك.
-1يمكننا من معرفة األسباب والعوامل التي تؤدي إلى حدوث الظواهر االجتماعية وذلك من خالل صياغة
سوسيولوجية عامة.
-2يمكننا من إدراك المعاني الذاتية التي تنطوي عليها األفعال اإلنسانية.
إذن الفهم عند فيبر ،فهما مالئما سببيا ومالئما أيضا على مستوى المعنى يتحقق النوع األول من الفهم من خالل
تفسير سلسلة من األحداث في ضوء تعميمات تكشف إمكانيات ظهور هذه األحداث في مواقف متعددة.
أما الفهم المالئم على مستوى المعنى ،فهو يستند إلى حقيقة التي مؤداها أن الكائنات اإلنسانية على وعي مباشر
بأفعالها وأننا حينما ندرس العالقات المتبادلة بين الناس نستطيع أن نذهب إلى ما وراء العالقات السببية والوطنية،
إذ يستطيع فهم النوايا والمقاصد الذاتية للناس ومادام أن الفعل Actionهو اإلطار المرجعي التحليلي عند فيبر،
فإن المعاني تصبح ذات قيمة خاصة.
يختلف الفعل عن السلوك Behaviorالذي يشير إلى التصرفات التي يالحظها المرء من الخارج والتي تختلف عن
" الدافع" الكامن الذي ال نستطيع أن نالحظه وانما نكتفي باستنتاجه من السلوك أما مصطلح الفعل فهو يتضمن كال
من الدافع والسلوك الظاهر حينما يرتبطا معا في عالقة بين الوسائل والغايات ،ومن ثمة يمكن القول إن أي سلوك
يصبح عديم المعنى إذا ما جردناه عن الدافع الذي يحركه تماما مثلما نقول إننا ال ندرك الدافع إال من خالل السلوك
الظاهر.