Professional Documents
Culture Documents
حماضرات يف مقياس
1
-Iتعريف العمران :تعترب كلمة عمران من الناحية اللغوية مشتقة من الكلمة الالتينية URBSوتعين املدينة،
وبذلك يظهر أن العمران يهدف اىل إعطاء نظام معني للمدينة .كما تعرب كلمة العمران عن ظاهرة التوسع
املستمر الذي تشهده املدينة بشكل متواصل مع مرور الزمن ،وخيتلف مفهوم الكلمة من حقبة اىل أخرى
حملاولة فهم الطبيعة املعقدة للمدينة بغية التحكم يف منوها وتطورها .ويعترب العمران من الناحية التارخيية قد بدأ
يف منطقة الشرق األوسط اليت كانت املوطن األصلي لظهور املدن األوىل ومنوها وتطورها أشهرها مدينة أرحيا
بفلسطني ومدينة اببل يف العراق اليت اشتهرت حبدائقها املعلقة وشكلت نوعا مميزا من العمران والعمارة يف
تلك احلقبة .حيث قارب عدد سكاهنا ما بني سنيت 605ق.م – 562ق.م حوايل 80000مثانون ألف
نسمة.
وقد كانت أقدم املدن يف التاريخ تضم مساكن غري منتظمة الشكل مبنية من مواد طينية وحجارة
بسيطة أشهرها على اإلطالق مدينيت أرحيا وقربص .حيث كانت مبنية ابحلجارة وذات شكل هندسي منتظم.
وقد مسحت االكتشافات األثرية يف مدينة اببل واملدن األخرى التابعة هلا أبهنا كانت ذات شكل هندسي
منتظم والتموقع غري املركزي للقصور اليت كانت تربطها شوارع رئيسية وأخرى اثنوية واجملاري املائية ،وختتلف
ابختالف األحياء السكنية .أما العمارة عند املصريني فتميزت ابالرتفاعات الشاهقة إلبراز العظمة يف اجلانب
الديين بتعظيم احلكام وتضخيم أماكن العبادة والقبور لذلك ظهرت مدهنم ابرتفاعات شاهقة ترمز للخلود
واهليمنة املطلقة على اجملتمع أما البناايت األخرى العامة فتكون من الطني وذات أشكال غري هندسية .ويعرف
ابن خلدون العمران حيث يقول " اإلنسان مدين ابلطبع أي البد له من االجتماع الذي هو املدينة وهو معىن
العمران" لذلك ميكن القول أبن ابن خلدون قد ربط مفهوم العمران ابملدينة فما هي املدينة؟
أ-مفهوم املدينة :ان كلمة املدينة مرتبطة ابملدنية ألن املدن هي مراكز اشعاع تزدهر فيها احلضارات وتتطور
ألن املدينة تتميز بنشاطاهتا االقتصادية املختلفة عن تلك املوجودة ابلقرية أو الريف واليت يعمل معظم سكاهنا
ابلزراعة .لذلك ميكن تعريف املدينة أبهنا التجمع السكاين الذي ال تشكل الزراعة النشاط األساسي للمقيمني
فيه .فاملدينة جتتمع فيها الشروط اإلنسانية والفاعلية االقتصادية واملناخ الفكري يف وحدة متكاملة تفي ابلغرض
الذي أنشأت من أجله .وقد كانت املدينة القدمية وليدة التنظيم احلريب ابلدرجة األوىل ومن مث أتيت النشاطات
األخرى املتممة ،وقد ذكر املؤرخون أبن ختطيط املدن القدمية بدأ مع النشاط احلريب ورغبة التجمعات البشرية
يف أتمني منظم واهلدف من هذا التنظيم احلريب محاية القصر امللكي وضمان النشاط اإلنساين داخل السور
الذي بقي مرتبطا بتاريخ ختطيط املدن قروان طويلة .ألن املدينة بال سور ال ميكنها االستمرار والبقاء لذلك
فقد كان معىن املدينة جمسدا يف السور الذي حيميها اىل أن تطورت األدوات احلربية وأصبح إبمكان املهامجني
دك أكرب وأقوى احلصون.
2
ولقد نشأت املدن بفعل عوامل متعددة منها االقتصادي والفكري واجلغرايف ،وتشرتك املدن القدمية.
يف معظمها كوهنا تنشأ على جمرى املاء سواء كان حبري أو هنري أو وادي ألن املاء هو وسيلة احلياة وتطور
الزراعة ،وكان النهر وسيلة املواصالت املهمة اليت أحبرت عربها املراكب الصغرية حاملة املواد األولية والغذائية
اىل السكان ،كما كان اجملرى املائي وسيلة الدفاع عن املدينة .وبنيت املدن القدمية على منحدرات اجلبال
القريبة من املاء حيث توفر الرؤوس البحرية والشواطئ الصخرية احلماية الطبيعية من هجمات الغزاة .أما
اجلبهات اليت ميكن النفاذ منها فكانت حتصن عن طريق شق اخلنادق ورفع األسوار ،ولعبت الطبيعة دورها
اجملاين يف أتمني أفضل الشروط املناخية لنشوء املدن فلم تكن البيئة املتقلبة ذات الظروف املناخية الصعبة
وذات العواصف واألنواء املكان املثايل لنمو وتطور العمران .ولقد أمدان التاريخ أبمثلة عن مدن قدمية اندثرت
بسبب الظروف املناخية والبيئة السيئة .ولعل أهم شرط لنشوء املدن هو العامل االقتصادي مبا ميثله من دوافع
ومثبتات لنشوء مراكز التجمعات البشرية وأييت بعده عامل آخر له من األمهية ما للعوامل األخرى وهو عامل
هجرة األفكار وتفاعلها ومشول أتثريها خاصة األفكار الدينية اليت أدت اىل انتشار االضطهاد الديين والذي
أرغم آالف الناس على النزوح واهلجرة خوفا من املوت والبطش.
-IIانتشار املستوطنات الفينيقية وتطورها:
يبدو أن موطن الفينيقيني األول كان قرب البحر األمحر حسب املؤرخ اإلغريقي هريودوتس وأكدته
خمطوطات رأس الشمرا اليت يعود اتريخ كتابتها اىل القرن الرابع عشر قبل امليالد .حيث أنه ومنذ مطلع األلف
الثالثة قبل امليالد فرضت جتارة القوافل على الفينيقيني انشاء أسطول حبري لتوسيع التجارة ،ومنذ مطلع األلف
الثانية قبل امليالد أخذ الفينيقيون وخاصة سكان مدينة صور الوصول اىل نقاط كثرية من الساحل املتوسطي
حبثا عن منافذ جديدة للتجارة وبفضل معرفتهم للرق البحرية واملالحة متكنوا من الصمود أمام املخاطر وابلتايل
استطاعوا توفري لتجارهتم أسواق يف األماكن البعيدة حىت وصلوا ختوم العامل الغريب 1.ولقد حطت سفن
الفينيقيني رحاهلا على سواحل املغرب القدمي فتعامل السكان إجيااب مع التجار الكنعانيني اىل أن برزت على
طول الشريط الساحلي تفاعالت مع الوافد اجلديد وشكلت امتدادا حضاراي للساحل الفينيقي ومنطلقا جديدا
لتوسيع جمال النشاط االقتصادي واإلشعاع احلضاري الكنعاين يف احلوض الغريب للبحر األبيض املتوسط وغريب
القارة اإلفريقية .واقتصر تنقل الفينيقيني يف بداية األمر على اجلزر القريبة منهم على الساحل مثل جزيرة قربص
اليت شكلت مهدا ألكرب حمطاهتم ومستوطناهتم .حيث ميكن اعتبارها امتداد لفينيقيا األم نظرا للتأثري الكنعاين
الكبري ف يها ،مث امتدت اىل الشواطئ الغربية من تركيا وجزر األرخبيل اإلجيي وبالد اليوانن ،دون أن يؤسسوا
يف بداية األمر حمطات هلم هناك .ومل يكن جمال احلركة البحرية متاحا هلم وحدهم دون منافس خالل األلف
-1مادلين هورس ميادان ،تاريخ قرطاج،ترجمة إبراهيم بالش،منشورات عويات ،بيروت ،لبنان،الطبعة األولى،1981 ،ص.35،
3
الثانية قبل امليالد ألن الكريتيني كانوا يسيطرون على املالحة البحرية شرق املتوسط خاصة خالل فرتة حكم
األسرة املينوية اليت حكمت كريت أواسط األلف الثانية قبل امليالد .لكن هجمات شعوب األخائيني املستمرة
على الكريتيني اليت قلصت من سيطرهتم على البحر وفسحت اجملال أمام الفينيقيني كي يندفعوا حنو البحر
األبيض املتوسط.
اىل أن جتاوزوا أعمدة هرقل الذي يطلق عليه اسم مضيق جبل طارق واسسوا حمطيت قادش وليكسوس
على ضفاف احمليط األطلسي األوىل يف اسبانيا والثانية يف املغرب األقصى فتنافست املدن الفينيقية يف جتهيز
املراكب وشحنها ابلبضائع والرجال حبثا عن املواد اخلام حيث اكتشفوا موارد جديدة مثل خامات الفضة
والقصدير واملواد الزراعية الوفرية 1.واقتضت حركة التجارة املنتظمة بني فينيقيا ودول العامل القدمي أتمني املرافئ
واحملطات على امتداد الطريق البحري الطويل الذي كان حياذي السواحل وال يبتعد عن اليابسة كثريا لتأمني
2
البحارة من القراصنة وقوة األمواج وخطر التيارات البحرية القوية.
وبدأ أتسيس املستوطنات الفينيقية على السواحل املغربية أواخر األلف الثانية قبل امليالد حيث كانت يف بداية
األمر جمرد حمطات إرساء على الطرق التجارية اىل الشواطئ الواقعة غرب املتوسط .وخاصة الشواطئ اإلسبانية
اليت كانت حمور أساسي الهتمام الفينيقيني ،وأخذت هذه املستوطنات اجتاه آخر يف تطورها وعمارهتا ،وكان
اختيار موقع املدينة الفينيقية خيضع لعدة شروط منها:
-سهولة االتصال ابلبحر.
-أن تكون صعبة املنال على العدو الذي يكون داخل البالد.
-أن تشيد على أماكن مرتفعة مثل الرؤوس واخللجان البحرية اليت تكون معرضة للرايح الغربية والشمالية
وتيارات البحر املتوسط القادم من جبل طارق ،الذي حيمل يف طياته رواسب يلقي هبا اليت تتخلل معظم
السواحل وكثريا ما تشبه يف مظهرها أنصاف دوائر مفتوحة حنو البحر ،وذلك مثل خليج اجلزائر العاصمة
وجباية وسكيكدة وعنابة ،وكل هذه اخللجان على احلافات الغربية للخلجان ولذلك نالحظ أن مرافئ املغربية
تقوم إما وسط اخللجان أو على جوانبها الشرقية ،وذلك حلمايتها من الرايح الغربية القوية اليت هتب غالبا من
الغرب متجهة حنو الشرق .وما ميكن قوله ،أن تلك اخللجان ال تتوغل إال قليال داخل اليابسة فيما عدا خليج
عنابة الذي يعترب أكرب خلجان اجلزائر 3.أما الرؤوس البحرية تكون ممتدة داخل البحر من الغرب اىل الشرق
وقد أشري إىل كلمة "رأس "يف كثري من موانئنا اليت بنيت عليها فيما بعد مدن ساحلية .
ومن أهم الرؤوس الساحلية يف اجلزائر جند:
-1محمد البشير شنيتي ،الجزائر قراءة في جذور التاريخ وشواهد الحضارة،دار الهدى ،عين مليلة ،الجزائر،2013،ص.120،
- 2محمد البشير شنيتي ،المرجع السابق ،ص.120 ،
3
- Lieussou (M.A.), Etudes sur les ports d’Algérie, éd. Paul Dubont, Paris, 1850, p.81.
4
رأس ملوية عند احلدود اجلزائرية املغربية ،ورأس فالكون غرب املرسى الكبري ،والرأس البحري إىل الشرق من
مدينة اجلزائر ،وكافولو إىل الشرق من جباية ورأس كاربون إىل الغرب منها .أما خليج سكيكدة فينحصر بني
رأسني أحدمها يف الشرق وهو رأس احلديد Cap de ferوالثاين يف الغرب وهو رأس بوقرعون Cap
bougaroun..وابجتاهنا حنو الشرق جند رأس احلارس ابلقرب من عنابة.
ورأس روزاركس ابلقرب من احلدود اجلزائرية التونسية .وقد توفرت بتلك الرؤوس البحرية املمتدة من
الغرب إىل الشرق منارات إلرشاد القوارب والسفن .وما يالحظ أن الكثري منها كان ميثل فوهات بركانية،
1
ومثال ذلك رأس احلديد ورأس وبفرعون اللذان تظهر هبما التكوينات الربكانية.
-أن تشيد على األلسنة البحرية املمتدة يف البحر وبذلك تؤمن هلم محاية مزدوجة ،حيث يوفر هلا املرفأ محاية
من جهة البحر ويؤمن هلا اللسان البحري كسر األمواج البحرية القوية ،كما تؤمن هلا احلماية الطبيعية ضد
اخلطر احملتمل من املناطق الداخلية.
-أن تكون مشيدة على جزر حبرية.
-أن تكون قريبة من األراضي الصاحلة للزراعة لتأمني حاجياهتا الغذائية وهي من األسباب اليت جعلت
مستوطنات الساحل املغريب متطورة وخاصة منها املدن التونسية قرطاجة وأوتيكا.
وقد امتاز الفينيقيون ابإلحبار والتجارة األمر الذي مل يسمح هلم ابلتمركز يف مكان واحد بل أدى هبم اىل
التجول وقطع املسافات الطويلة عرب البحر حبثا عن املواد األولية لتنمية صناعتهم .وقد مر التوسع الفينيقي يف
املغرب مبرحلتني مسيت األوىل مبرحلة التفقد واالستطالع على السواحل أما الثانية فخصصت الستغالل
مالئمة املالحة البحرية.
واملعروف عن الفينيقيون أهنم ميلكون مراكب صغرية ليس إبمكاهنا قطع مسافات طويلة ومتاشيا
لألخطار احملتملة على هذه املراكب ألزمهم السري على السواحل مع انشاء حمطات حبرية ومواقع للراحة .تصبح
هذه املواقع أسواق جتارية لتبادل السلع بينهم وبني األهايل .لذلك ركزوا يف اختيار مواقعهم على األماكن اليت
تسهل هلم إرساء املراكب ومحايتها من العواصف والرايح القوية.
فلجأوا اىل تشييد املرافئ البحرية أشهرها مرفئ مستوطنة قرطاجة الذي يعد الشراين الرئيسي يف املدينة البونية.
وكوهنم يعتمدون على التجارة واستغالل املوارد اليت أتتيهم عن طريق البحر كان يتم اختيار املواقع حسب
احتياجاهتم والضرورة اليت كانت متليها عليهم شروط اإلحبار ليصبح بذلك املرفأ السبب الرئيسي يف انشاء
املدينة الفينيقية دون امهال استغالل األهنار الصاحلة للمالحة وخاصة تلك اليت تصب فب البحر.
-1حليمي عبد القادر علي ،جغرافية الجزائ (ر طبيعية -بشرية -اقتصادية . )،ط ، 2الجزائر ، 1968 ،ص. 43.
5
حيث كانوا يرتكون هذه املرافئ على حاهلا الطبيعي وأحياان يزودوهنا ابلعناصر الالزمة لتدعيم األمن
وتوفري احلماية خاصة بناء احلواجز ،وذلك عن طريق حفر أحواض داخل الصخور لتوسيع امليناء أو املرفأ مع
توفري احلماية الكافية للمراكب .واملرافئ أنواع هي:
-1املرافئ الطبيعية :لقد اختري لتلك احملطات يف بداية األمر خلجان طبيعية حممية برؤوس أو أنشئت على
جزر قريبة من الشواطئ الرملية القليلة االحندار ،وال أثر لوجود أرصفة حوهلا مما جعل عملية رسو القوارب
صعب .ويبدو أن املراكب الكبرية كانت ترسو بعيدا عن املوانئ ،بينما تسحب القوارب إىل اليابسـة أثناء الليل
أو عند االسرتاحة من عناء التجذيـف اليومي أو عندما يضطرب البحر .وبذلك ،اكتفى املالحون األوائل
ابستعمال املوانئ الطبيعية ،ومل حياولوا إجراء أي تعديالت عليها أو حتويلها إىل حمطات اصطناعية قبل أن
يشعروا ابحلاجة إىل ذلك 1.وهي على نوعني حبرية وهنرية.
أ-املرافئ البحرية :تلتقي حضارات العامل القدمي على ضفاف البحر املتوسط ،مما جعل هذا األخري يكتسي
أمهية ال مثيل هلا يف املالحة العاملية ،وابلتايل أصبح مركزا هاما للنشاط االقتصادي والتبادالت التجارية آنذاك،
فاندفعت شعوبه إىل تطوير املنشآت البحرية لتستجيب ملثل ذلك النشاط هذا من جهة .ومن جهة أخرى،
نالحظ أن النشاط البحري القدمي كان قد دفع اإلنسان إىل ضرورة التنقل والسفر بعيدا يقطع خالهلا مسافات
طويلة ،يضطر على إثرها إىل إجياد حمطات لالسرتاحة من أتعاب السفر .ولقد حتولت تلك احملطات مبرور
الزمن إىل مستوطنات قارة ،يلتقي فيها البحارة مع السكان القريبني منها .ومن بني تلك املستوطنات نشري
إىل تلك اليت امتدت على طول سواحل البحر املتوسط بضفتيه الشرقية والغربية .وكانت تقوم على رؤوس
وخلجان قريبة أو حبريات شاطئية حيث يقومون حبمايتها بكاسر األمواج ويزودوهنا ابألرصفة.
ب-املرافئ النهرية :مل يكتفي الفينيقيون إبنشاء مرافئ حبرية فقط بل أنشأوا مرافئ على ضفاف األهنار القابلة
للمالحة قرب املصبات .حيث كانوا يبنون أحواض للرسو وتكون هذه املرافئ مؤمنة جيدا أال أهنا صغرية وفصلية
االستعمال.
-1املرافئ االصطناعية :لقد تطورت املوانئ الطبيعية مع احلاجة االقتصادية املتمثلة يف إجراء عمليـات
املقايضة إلجياد موانئ اصطناعية ،وقد زودت هذه األخرية يف بداية األمر مبخابئ للقوارب والسلـع وحتولت
إىل موانئ شبه مغلقة وذلك عن طريق إنشاء أحواض وحواجز يف عرض البحر ،وال يظهر االختالف كبريا يف
طريقة بنائها من شعب حبري إىل آخر .وهكذا ،ميكن أن نشري إىل أن الباحثني األثريني استطاعوا أن مييزوا
بني نوعني من املوانئ االصطناعية :حبيث تتمثل األوىل يف املوانئ الكبرية ،وهي ذات أمهية كربى ،أما الثانية
1
- Meirat (J.), Marine antique en méditerranée, éd. Finin Didot, Paris, 1964, p.72.
6
فهي عبارة عن موانئ صغرية ال تتعدى مالجئ لقوارب الصيد ،وقد زودت هذه احملطات أبحواض وكاسرات
وأرصفة ،وهي اليت تشكل املرافق األوىل للموانئ اليت سنتناوهلا بشيء من التفصيل.
أ-األحواض :لألحواض أمهية مزدوجة ،ابعتبارها موانئ تصلح وتبين فيها القوارب والسفن لفرتة حمددة ،وميكن
أيضا أن تبقى فيها ورمبا أيضا تتخذ كمرافئ يتم هبا تفريغ محولة القوارب والسفن مث شحنها ،ونظرا لتلك
األمهية فقد زودت بعض املوانئ اهلامة بعدة أحواض.
ب-الكاسرات :الكاسرات هي عبارة عن جهاز وقاية ضد الرايح ،أو حاجزا يوضع أمام تراكم الطمي داخل
املينـاء ،وتتكون الكاسـرات من جمموعة من الدعائـم أو الركائز الضخمـة متماسـكة ببعضها البعض بواسطة
أقـواس ،وقد اعتمـد يف إنشائها على حجر البوزوالن .املتوافرة بكثرة يف منطقة إيطاليا ابخلصوص ومنها كان
1
يصدر إىل مناطق العامل القدمي.
ج-األرصفة :تعترب األرصفة أمرا الزما وضروراي يف امليناء سواء كان ذلك طبيعيا أو اصطناعي فمن اخلطر
أن ترسو السفن مباشرة على الشاطئ .وقد تقام األرصفة على طول الساحل وتتكون عادة من جدار ،وتكمن
أمهيتها يف احملافظة علـى عمق كايف حىت يتسىن الرسـو ابلسفـن الكبرية اليت جتر بواسطة احلبال لتثبت على
2
الرصيف و .مثال على ت لك املوانئ الفينيقية اليت زودت أبرصفة نذكر ميناء قرطاجة.
إضافة اىل املرافئ الطبيعية أنشأ الفينيقيون مرافئ اصطناعية حمفورة يف الصخر يطلق عليها اسم القاطون
وجدت أمثلتها يف قرطاجة واملهدية وأشهرها قاطون قرطاجة ا لذي كان يضرب به املثل يف ضخامته ومجال
هندسة شكله وذلك ابعرتاف الرومان أنفسهم ،حيث عندما قرر جملس الشيوخ هتدمي قرطاجة يروي لنا
الكاتب ايفيان حيث قال " فان كنتم تنتظرون فرصتكم فأنتم طبعا حباجة اىل هذه املدينة واىل هذا املرفأ الكبري
وترسانته.»....
حيث أنه يتكون من قسمني جتاري وحريب وتتكون املرافئ الفينيقية يف املغرب أساسا من :كاسرات األمواج-
احلواجز-األرصفة-املمرات املائية-األبواب-األحواض-األبراج-اجلسور-املنارات .وخضع انتشار املستوطنات
الفينيقية يف بالد املغرب اىل عدة عوامل من عوامل سياسية وأخرى اقتصادية وأخرى اجتماعية فكيف كانت
تلك العوامل؟
1
- Rougé (J.), Recherches sur l’organisation du commerce maritime en méditerranée sous l’empire romain, Paris, 1966,
p.148.
2
- Bloch (R.) et Conssin (J.), Rome et son destin, éd. Armand Colin, Paris, 1960, p.263.
7
-1عوامل التوسع الفينيقي يف حوض البحر املتوسط :
كان ملوقع فينيقيا اجلغرايف الدور الكبري يف حتديد اترخيها السياسي وتطورها الثقايف ،ونظرا لوقوعها يف
ملتقى الطرق التجارية اهلامة اليت تلتقي فيها أقوى احلضارات وأعظمها ،واليت كانت تسعى كل واحدة منها
إىل االستالء عليها إلجياد منفذ لنفسها تطل به على البحر ،ذلك ما جعل دول مدن املنطقة تتغري حسب
قوة وضعف اإلمرباطورايت احمليطة هبا ،واليت كان هلا أثر كبري على مصريها.1
وهي كما يلي:
أ -العوامل السياسية:
لقد أدت العالقات الدولية اليت سادت يف تلك الفرتة منطقة الشرق األدىن القدمي إىل ركوب الفينيقيني
البحر ،وهذا يف الفرتة احملددة ما بني هناية األلف الثانية وبداية األلف األوىل قبل امليالد ،وذلك بسبب
الصراعات السياسية اليت سادت خاصة املناطق اليت تكدست هبا الثقافات املختلفة ،وابلتايل نشأت هبا مراكز
للنشاط السياسي .وقد كانت املدن الفينيقية مثل صيدون وجبيل على الساحل ،وبعيدا إلـى الداخل املدن
اآلرمية مثل ألب Alepوجاتينا gatinaمرغمة على املناورة يف جو الصراعات ابخلضوع اترة والتبعية اترة
أخرى لدولة من الدول القوية ،فكانت ممزقة بني احلضارات اليت تتنافس على املنطقة .وهي الدولة املصرية يف
وادي النيل.
واإلمرباطورية احلثية يف آسيا الصغرى ،مث الدولة اآلشورية يف منطقة وادي الرافدين ،ابإلضافة إىل وجود
اآلراميني يف سوراي الداخلية والعربانيني يف فلسطني .وتشري الكتاابت التارخيية ،إىل أن عالقة الدولة املصرية
ابلساحل الفينيقي قد بدأت منذ حوايل األلف الثالث قبل امليالد .وكانت اعتبارا من عصر امللكية القدمية
(األسرة اخلامسة بصفة خاصة) ،تقتصر على التبادالت التجارية حيث كان املصريون يستوردون األخشاب
من غاابت جبال لبنان الستعماهلا يف مشاريعهم وأبنيتهم العمرانية ،كما تعترب مدينة جبيل أول مدينة فينيقية
تلعب دورا رئيسيا يف العالقات الفينيقية املصرية .وقد اشتد النزاع بني األطراف املتصارعة ،حيث اصطدمت
القوات املصرية والتحالف األموري احلثي يف معركة قادس Gadesسنة .1296ق م ،انتهت ابتفاقية متت
بني الطرفني نصت على التصاحل فيما بينهما ،وابلتايل قسم الساحل الفينيقي إىل منطقيت نفوذ اجلنوب
للمصريني والشمال للحثيني .وحبلول القرن الثاين عشر قبل امليالد ،ظهرت شعوب البحر على مسرح
2
األحداث.
-1حل مي محروس إسماعيل ،الشرق العربي القديم وحضارته ،بالد مابين النهري ن والشام والجزيـرة العربيـة القديمـة ،مؤسسة شباب الجامعة،
اإلسكندرية، 1997،ص.151.
- 2جواد بولس ،لبنان والبلدان المجاورة ،مؤسسة أبدران وشركاه للطباعة والنشر ،ط، 2.لبنان، 1973 ،ص.107.
8
إذ استطاعت القضاء على اإلمرباطورية احلثية يف آسيا الصغرى ،كما متكنت من حتطيم عاصمتها،
وواصلت بذلك زحفها حنو اجلنوب حىت اصطدمت ابجليوش املصرية على عهد رمسيس الثالث .وآخر
التوسعات الذي عانته بالد فينيقيا يف تلك الفرتة كان التوسع اآلشوري ،الذي احتل الساحل الفينيقي بعد
القضاء على دولة احلثيني ومد النفوذ حنو الغرب على عهد امللك جتالت فالسر األول ،الذي يعتقد أنه كان
قد غزا سوراي حوايل .1094ق م ،وادعى لنفسه إدخال بعض مدهنا حتت نفوذه ،كما أمر بقطع أخشاب
األرز ومحلها إىل مشال بالد ما بني النهرين الستعماهلا يف بناء املعابد والقصور .ويالحظ أنه إىل جانب
الزحف اآلشوري على الساحل الفينيقي ،كانت هناك بعض الشعوب السامية األخرى اليت كانت تسكن
منطقة سوراي الداخلية ،وقد كان هلا بعض التأثريات على التوسع الفينيقي يف البحر املتوسط .ومن بني تلك
الشعوب نذكر اآلراميني ،الذين انفسوا الفينيقيني يف التجارة الربية مع بالد ما بني النهرين ،ويف الناحية اجلنوبية
الداخلية من سوراي كان العربانيون يتطلعون إىل أخد مكانتهم على الشاطئ الفينيقي خاصة يف عهد امللك
داوود وسليمان احلكيم رغم صداقتهم للملك أحريام .الذي توىل احلكم حوايل سنة .980ق م عرش مدينة
صور وعمره عشرون عاما ،ووصلت صور يف أايمه إىل مركز حضاري وجتاري ال مثيل له ،وقد كان أحريام
نشيطا ومهتما ابحملافظة على ما حققه أسـالفه 1.يف القرن العاشر ق.م .كل تلك االضطراابت السياسية
اليت سادت يف شرق البحر املتوسط ،مسحت للفينيقني أبن يستغلوا ضعف البحرية اإلغريقية اليت تداعت
عقب غزوة شعوب البحر املدمرة يف بداية القرن الثاين عشر ق .م ،وانطلق الفينيقيون بعد ذلك إىل احلـوض
2
الغريب من املتوسط.
ب-العوامل االقتصادية:
ترتبط العوامل االقتصادية للتوسع الفينيقي ارتباطا وثيقا ابلعوامل السياسية ،ذلك أن كلى العاملني
يتأثر ابألوضاع الطبيعية والبشرية اليت كانت حتيط مبنطقة الساحل الفينيقي ،فقد أدت قلة مساحة األراضي
الزراعية إىل حتويل اجتاه السكان من االعتماد على الزراعة مثل جرياهنم يف كل من وادي النيل وبالد الرافدين،
إىل االعتماد على التجارة البحرية والربية .وهناك أسباب عديدة كانت قد ساعدت الفينيقيني على احرتاف
التجارة نذكر منها :
-توفر مادة اخلشب اليت اشتهرت هبا غاابت جبال لبنان ،مما ساعدهم على احرتاف صناعة القوارب
والسفن.
1
-Decret (F.), Carthage ou l'empire de la mer,éd.Seuil, Paris,P.22. -
2
Grimal, 1er éd.,؛. 16-18ص ص ، ...المتوسط البحر - Caratini (R.), Histoire universelle, Le monde antique préface de
l’Italie, 1968, P.936.
9
-املوقع اجلغرايف االسرتاتيجي الذي متيزت به مدهنم القائمة على رؤوس حبرية متوغلة داخل ساحل البحر،
وعلى جزر متقطعة ابلقرب من السواحل ،وهذا ما وفر هلم وجود املوانئ الطبيعية اليت آلت فيما بعد إىل موانئ
اصطناعية.
-حتكم الساحل الفينيقي يف الطريق الدويل الذي يصعد من وادي النيل عرب سيناء ،ويربط ( (3مناطق ازدهار
احلضارات القدمية يف مشال سوراي وبالد الرافدين وآسيا الصغرى" .لقد كان الفينيقيون دون شك واعون
ألخطار أمواج البحر ،لكنهم كانوا ال ميلكون اخليار من أجل العيش " ،حيث أهنم معتادون على االحبار إىل
مصر وإىل بالد بعيدة أخرى هبدف التجارة ،حيث يبيعون خالل كل رحلة ما أنتجت بالدهم ،ويشرتون املواد
اخلام خاصة تلك اليت تساعدهم يف الصناعة مثل الذهب والفضة والعاج وجلود احليواانت...إخل.
كما يقتنون أيضا من شعوب أخرى مصنوعات غري متوفرة يف بالدهم .وقد عمل الفينيقيون كوسطاء
جتاريني يف إيصال بضائع دول شرقي البحر املتوسط إىل الشعوب اليت كانت يف حاجة إليها إىل جزر البحر
1
املتوسط وشواطئه الغربية.
وقد نشطت التجارة البحرية الفينيقية يف البحر املتوسط ،كما احتكر الفينيقيون طرقها ،مث وجهوا
عنايتهم لدراسة أصول املالحة البحرية ،معتمدين يف ذلك على براعتهم يف معرفة الطرق البحرية اليت كانوا
يكتمون سرها ،أو يزورون حقائقها يف بعض األحيان حىت ال ينافسهم يف ذلك جتار الشعوب البحرية األخرى.
ونظرا العتماد الصناعة الفينيقية على مواد خام ،واليت مل يكن بعضها متوفرا يف فينيقيا فإهنم كانوا يبحرون إىل
البحر املتوسط مثل خامات الفضة والنحاس ،وقد كانت منامجها موجودة يف ترشيش إبسبانيا ،والعاج وجلود
احليواانت والعبيد وترب الذهب إبفريقيا .ومن أجل تنفيذ أغراضهم التجارية ،أسس الفينيقيون عدة حمطات
جتارية يف كل من مدينة قربص ورودس وصقلية ،مث سردينيا وإسبانيا وبالد املغرب .ويف القرن احلادي عشر
ق.م ،نرى أن الفينيقيني قد أسسوا حمطة ليكسوس على الشاطئ الغريب لبالد املغرب ،وكذلك مدينة أوتيكا
على خليج تونس ،مث يتبعون هذين املستوطنتني يف بداية األلف األول ق.م ببقية املستوطنات واحملطات
2
األخرى ،اليت وزعت توزيعا ماهرا على كامل شواطئ احلوض الغريب للبحر.
- Fantar (M.H.), Carthage la prestigieuse d’Elissa, éd.Maison Tunisienne, 1970, P.16.
1
- Demerliac (J.G.) et Meirat ( J.), Hannon et l’empire punique, éd. Les belles lettres, Paris, 1983, P.53.
2
10
ج-العوامل االجتماعية:
هناك من املؤرخني من يرى أن للعامل االجتماعي دور ال يستهان به يف دفع الفينيقيني إىل اهلجرة،
ذلك أهنم قد اجتهوا حنو الغرب للبحث عن مواطن جديدة لفائض سكان الساحل الفينيقي ومل يعرف الفينيقيون
الوحدة السياسية يف فرتات كثرية من اترخيهم ،حيث كانوا يتبعون نظام املدينة الدولة الذي كان مطبقا يف بالد
اإلغريق حينذاك ،وقد فرضته عدة عوامل طبيعية وبشرية كانت حتيط ابملنطقة اليت استقروا فيه.
وقد نتج عن إتباع الفينيقيني لسياسة املدينـ ة الدولة أن سادت النزاعات الداخلية بني املدن الفينيقية
وكثر التنافس بني األمراء على احلكم ،مما جعل الساحل الفينيقي عرضة ألطماع الشعوب اجملاورة له .ولقد
حاولت املدن الفينيقية أن تتحد عدة مرات ،لكنها فشلت يف حتقيق ذلك بسبب السيطرة األجنبية اليت كانت
تعانيها ،كما أن الصراع الداخلي الذي كان سائدا بني اآلراميني والعربانيني يف منطقة سوراي الداخلية كان له
أتثريه اخلاص على ارتفاع نسبة السكان يف الساحل الفينيقي بنسبة تفوق إمكانيات االستيعاب يف املدن
الفينيقية الساحلية ،وهذا هو األمر الذي أدى إىل تفشي االضطراابت والنزاعات على السلطة بني األعيان
األثرايء الذين كان هلم احلق يف احلكم .واحلقيقة أن الظروف االجتماعية اجتمعت وتفاعلت فيما بينها وخلقت
جوا دفعت أوضاعه ابلفينيقيني إىل اهلجرة ،بعد أن أصبحوا حماصرين من كل اجلهات فصار املخرج الوحيد
هلم هو اهلجرة عرب املسطحات املائية.1
وقد مرت عملية تواجد الفينيقيني ابحلوض الغريب للبحر املتوسط مبرحلتني أساسيتني مها:
-أ مرحلة الكشف واالرتياد :كانوا حياولون خالهلا معرفة طبيعة سواحل احلوض الغريب للبحر املتوسط،
قصد اختيار أماكن صاحلة لبناء حمطاهتم التجارية خاصة يف منطقة املغرب القدمي .كما مل يهمل الفينيقيون
أمهية السواحل األخرى املتواجدة على كامل سواحل احلوض الغريب للبحر املتوسط.
ب-مرحلة تثبيت االستيطان :وهي اليت تبدأ بتأسيس مدينة قرطاجة وما تالها من مستوطنات كانت تدور
يف فلكها.
-IIIاملستوطنات الباكرة يف بالد املغرب :
ميكن أن تكون املستوطنات الفينيقية الثابتة يف بالد املغرب وغرب املتوسط قد سبقت مبراكز جتارية
بسيطة يلتقي فيها التجار الفينيقيون والسكان احملليون وتطورت هذه املراكز فيما بعد اىل مستوطنات جتارية
عندما توفرت هبا الشروط املالئمة ويرجع الكثري من املؤرخني أن فرتة االستيطان يف بالد املغرب ترجع اىل
القرن العاشر قبل امليالد ابعتبار أن هذه الفرتة متثل العصر الذهيب ملدينة صور حتت حكم امللك أحريام حوايل
936-980ق.م حيث استطاع هذا األخري بفضل حنكته السياسية وقو شخصيته أن يوفر لصور االستقرار
- -Cintas (P.), Le port de Carthage, extrait du manuel d’archéologique punique éd. A. et J. Picard, Paris, p.33.
1
11
الداخلي وتشجيع التجارة البحرية عرب كامل شواطئ البحر املتوسط .ويرجع الفضل اليه يف تثبيت وتوسيع
املستوطنات الفينيقية غرب املتوسط لذلك ميكن القول أبن كل الفضل يرجع ملدينة صور يف حتويل املراكز
التجارية البحرية اىل مستوطنات اثبتة دون امهال مشاركات املدن الفينيقية األخرى يف عملية االستيطان .لكن
حتت راية مدينة صور ومل يكن اهلدف من أتسيس املستوطنات الفينيقية اقتصاداي فقط بل ملواصلة الرحالت
االستكشافية عرب البحر األبيض املتوسط .وكذا احمليط األطلسي وتعترب مستوطنيت قادس وليكسوس على
ساحل احمليط األطلسي مشال جنوب أعمدة هرقل هي اإلنطالقة األوىل للفينيقيني حنو أورواب اىل جزر
كاسرييدس cassiteridesوكورنوال جنويب بريطانيا حبثا عن القصدير والرصاص .وانطلقوا من ليكسوس
ابجتاه سواحل غريب افريقيا بقصد احلصول على الذهب وجلود احليواانت والعبيد .وكانت مرحلة اإلستيطان
الفينيقي يف غرب املتوسط متممة لشرقه وهي اتبعة سياسيا للمدن الفينيقية وعلى رأسها مدينة صور اليت
كانت تتلقى سنواي الضرائب واهلدااي ملعبد اإلله ملقارت .لذلك عرفت هذه املرحلة ابلعصر الفينيقي يف املغرب
واستمرت حىت منتصف القرن السادس ق.م اتريخ استالم قرطاجة زعامة املستوطنات اإلغريقية غرب املتوسط
وأصبحت تعقد التحالفات واملعاهدات مع كل من األتروسكيني والرومان.
-1مستوطنة قادش :شيدت هذه املستوطنة يف شبه جزيرة أيبرياي إبسبانيا واليت تعتربها املصادر أبهنا أول
مستوطنة فينيقية أقيمت غرب املتوسط هناية القرن الثاين عشر ق.م حوايل 1110ق.م 1حيث أن الفينيقيون
الذين نزلوا غرب املتوسط أو ابألحرى ما وراء أعمدة هرق يف احدى اجلزر املنفصلة عن اليابسة واستقروا هبا
وأطلقوا عليها اسم جديرة GADIRAوهو االسم الذي حتول يف األفواه الرومانية اىل جاديس مث أصبح
قاديس 2.أو قادس وقد ذكر املؤرخ بومبينيوس ميال أن موقعها اسرتاتيجي حيث يقول " ان جزيرة قادس كانت
منفصلة عن اليابسة بذراع حبري صغري يشبه النهر وأن ضفتها املواجهة ملياه احمليط قد ارتفعت مكونة يف
وسطها احنناء ينتهي برأسني بنيت على أحدمها مدينة حتمل نفس اسم اجلزيرة أما الراس الثاين فقد وجد عليه
معبد اإلله هرقل املصري" 3واسم قادس يعين املكان احملمي أو األرض احملاطة بسور .وقد أسست مدينة قادس
غرب املتوسط ألراض اقتصادية اهلدف منها احلصول على خامات املعادن كالفضة والقصدير والنحاس
واستبداهلا ابملواد املصنعة اجمللوبة من شرق املتوسط .4حيث اختار الفينيقيون هذا املوقع لتماشيه مع حاجيات
5
املالحة ومستلزمات االتصال ابلسكان والتعرف عليهم ومن مث االجتار معهم وكذلك لشدة حصانته.
- 1محمد الصغير غانم ،معالم التواجد الفينيقي البوني في الجزائر ،دار الهدى ،الجزائر ،2003 ،ص ص.69-68 ،
- 2محمد حسين فنطر ،الحرف والصورة في عالم قرطاج ،منشورات األبيض المتوسط ،مركز النشر الجامعي ،تونس ،1999،ص.146،
3
-Gsell(s.), H.A.A.N.T.I.P.P ?405.
- 4محمد الصغير غانم ،التوسع الفينيقي في غرب البحر المتوسط ،دار الهدى ،الجزائر ،2004 ،ص.78 ،
- 5محمد حسين فنطر ،المرجع السابق ،ص.85،
12
وتوفر املنطقة أي شبه جزيرة أيبرياي على ثروات طبيعية ممتازة حتدث عنها املؤرخ ديودور الصقلي حيث
قال :حتتوي منطقة ايبرياي على كميات وافرة من مناجم الفضة اليت كان السكان احملليون جيهلون استعماهلا
ولكن التجار الفينيقيني الذين حلو ابملنطقة كانوا حيصلون عليها مقابل كميات البضائع القليلة اليت كانوا
جيلبوهنا معهم من بالد اإلغريق وآسيا .ومن بعض الشعوب األخرى وقد حصل الفينيقيون من وراء ذلك على
ثروة كبرية كما أن ممارستهم لتجارة املعدن ملدة طويلة زادهتم قدرة وابلتايل مسحت هلم بتأسيس عدد من
املستوطنات مثل صقلية واجلزر القريبة منها ويف ليبيا وكذلك أيبرياي 1"....ومن أهم البقااي األثرية يف مدينة
قادش اليت عثر عليها متثلت يف بقااي برونزية وبعض الفخارايت والكثري من القبور وهناك مراكز فينيقية أخرى
يف شبه جزيرة ايبرياي مثل "ملقا" MALAGAاليت اشتهرت بتجفيف األمساك ومتليحها وكذا مدينة أبديرا
ABDIRAوسكسي . SEXI
-2مستوطنة ليكسوس :تعد حمطة ليسكوس Lixusمن أبرز احملطات الفينيقية الباكرة اليت أسست على
سواحل احمليط األطلسي بعد اجتياز الفينيقيني ألعمدة هرقل 2وقد أشار إىل ذلك املؤرخ اسرتابونStrabon
حيث قال ..." :إن الفينيقيني الذين اجتازوا أعمدة هرقل ،كانوا قد أسسوا مستوطنات على شواطئ البحر
اخلارجي بعد وقت قصري من حرب طروادة ".وتشري الكتاابت التارخيية ،إىل أن أتسيس هذه احملطة يعود إىل
هناية القرن الثاين .ق ،م وقد مت أتسيسها على يد البحارة الفينيقيني الذين قدموا من شرقي البحر املتوسط
وهي بذلك معاصرة ملدينة قادس وسابقة ملدينة أوتيكا .ويف هذا الصدد ،يقول املؤرخ بلينوس الكبري 'ancien
l Plineمن جهته " :أبن مستوطنة ليكسوس ميكن أن تكون أقدم من قادس وأوتيكا "،و يستدل على
ذلك أبن معبد اإلله هرقل ( ملقارت ) يف ليكسوس كان 3.أقدم من مماثله يف قادس .وبفضل وجود قادس
يف الطرف اجلنويب الغريب من إسبانيا و ليكسوس يف الطرف الشمايل الغريب من القارة اإلفريقية ،حتكم الفينيقيون
4
والقرطاجيون من بعدهم يف بوابة الدخول الغربية للبحر املتوسط
وعلى هذا األساس ،ال ميكن أن نستبعد أن الغرض الذي أسست من أجله حمطة ليكسوس كان
اسرتاتيجيا وجتاراي ذلك أهنا كانت تعترب مع قادس مبثابة املفاتيح على احمليط األطلسي وقد استعان هبا
القرطاجيون خالل رحلة حنون إىل إفريقيا االستوائية يف القرن اخلامس ق م .وقد أنشئت املدينة على الضفة
اليمىن لنهر ليكسوس هنر ذرعا القدمي الذي يصب يف احمليط األطلسي ،مكوان بذلك خليجا صاحلا للمالحة.
1
-Diodore de sicile.t.5, p,25.
: - 2محمد الصغير غانم ،معالم التواجد الفينيقي البوني في الجزائر ،...ص.73.
3
- - Pline L’Ancien, Histoire naturelle, Paris, 1964, V, 17.
4
- Gsell (S.), H.A.A.N., T.I, p.360.
13
وجتدر املالحظة إىل أن موقع ليكسوس األثري حاليا حيتل مرتفعا يبعد حبوايل 4كلم مشال مدينة
العرائش ،وقد عرفت ليكسوس يف املاضي مبدينة تشميش Tichemicheأي مدينة الشمس 1.وقد
بدأت التنقيبات األثرية يف بقااي مدينة ليكسوس منذ حوايل سنة 1845م على يد البعثة األملانية اليت كان
يقودها العامل األثري ابرث Barthالذي استطاع أن حيدد معامل املدينة القدمية .ويف سنة 1925م تولت
التنقيب يف نفس املكان املشار إليه آنفا ،بعثة إسبانية كان مركزها مدينة تيطوان .ومل تصل إىل نتيجة إال بعد
سنة 1948م عندما توىل اإلشراف على التنقيب يف مدينة ليكسوس العامل األثري اإلسباين
تراديل Tradelleالذي استعمل الطرق العلمية احلديثة يف التنقيب ،مث تعمق يف احلفر حىت بلغ األرض
العذراء .أين عثر على كسر فخارية ذات لون أمحر المع يرجع اترخيها اىل حوايل القرن السادس أو السابع
ق.م .أما حفرايت سنة 1951اليت اشرتك فيها كل من الباحث ترادال والباحث بيار سانتاس فقد عثر من
خالهلا على قطعة خزفية انعمة امللمس حتمل على أحد وجهيها صورة صقر يف حالة طريان وأمامه رمز آهلة
احلصاد اليت تسمى زنتوت وقد أرخ ابلقرن 08ق.م .كما عثر كذلك يف نفس احلفرية على سفنكس أليب
اهلول مصنوع من املرمر .وحسب بيار سانتاس فإن هذا التمثال الصغري أليب اهلول هو رمز للعبادة الشرقية
اليت كانت متارس يف ليكسوس .وابإلضافة اىل كل ذلك مت العثور على الكثري من القبور لكنها كانت يف حالة
سيئة من آاثر التهدمي والنهب والسرقة 2.وعلى ضوء الدراسات املقارنة ،ميكن أن نقول حبق أن حمطة ليكسوس
كانت من بني أهم املستوطنات الفينيقية ،وكانت عالقتها مبحطة قادس أحسن بكثري من عالقتها بقرطاجة
يف بالد املغرب القدمي ،وميكن أن يكون السبب يف ذلك هو قصر املسافة اليت تربط بينها وبني األوىل.
-3مستوطنة أوتيكا :تقع مستوطنة أوتيكا على الطريق اىل قادس حيث يرجع املؤرخ فيلوس ابتريكيلوس
أتسيس هذه املستوطنة اىل زمن عودة اهلرقليني اىل جزر البيلوبونيز الذي يؤرخ له حبوايل 80سنة بعد هتدمي
طروادة ،وبذلك يكون اتريخ أتسيس أوتيكا حوايل 1110ق.م لكن املؤرخ اإلغريقي بلينوس يرى أهنا أتسست
حوايل سنة 1101ق.م .أما أريسطو فيشري اىل أن أتسيسها قد سبق أتسيس مدينة قرطاجة بـ 287 :سنة.
وابعتبار أن اتريخ أتسيس قرطاجة حوايل 814ق.م وإبضافة 287سنة جند 1101ق.م 3فهي تقع يف
منتصف الطريقبني صور وقادس فهي بذلك تعترب مهزة وصل بني قادس وفينيقيا األم صور ومركز يلتقي فيه
سكان املغرب ابلتجار الفينيقيني لتأمني املصاحل املتبادلة .وكانت يف بداية األمر قليلة السكان لكن سرعان م
ازداد عدد التجار املهاجرين اليها واستقرارهم فيها .ويذكر املؤرخ اسرتابون Strabonمن جهتـه ،أبن
4
الفينيقيني قد وضعوا يدهم على أفضـل األماكـن يف شبه جزيـرة أيبرييـا ،ويف ليبيـا قبل عصـر هوميـروس
-1أمحد املكناسي ،مدينة ليكسوس األثرية ،دار كرميات ،تيطوان ،1961 ،ص.09.
- 2محمد الصغير غانم ،معالم التواجد الفينيقي البوني في الجزائر ،المرجع السابق ،ص ص.76-74 ،
3
- Aristote, Politique, II.
4
- - Strabon, III, 2-14.
14
كما يذكر املؤرخ اإلغريقي بلينوس ancien'l Plineأنه وجدت أخشاب أرز يف عهده مبعبد
اإلله أبولون Apollonأبوتيكا يعود اترخيها إىل سنة 1178قبل حلوله هبا علما أبن بلينوس قد ألف
كتابه " التاريخ الطبيعي" حوايل سنة 77ق.م.وبذلك يكون من احملتمل جدا أبن أتسيس مدينة أوتيكا كان
قد مت حوايل سنة 1101م.ق 1ولعل نتائج األحباث األثرية املتواصلة يف كل من أوتيكا و قرطاجة ستغطي
هذه الفرتة يف املستقبل استنادا إىل ما سبق ،ندرك أبن الغرض الذي أنشئت من أجله أوتيكا قد يكون على
األرجح اقتصاداي واسرتاتيجيا ،نظرا ملوقعها على الطريق الرابطة بني صور وقادس أي ترشيش ومن جهة أخرى
وقوعها يف سهول مشال تونس الغنية بثرواهتا الطبيعية .زايدة على ذلك ،فقد كانت مدينة أوتيكا مركزا جتاراي
التقى فيها يف بداية األمر التجار الفينيقيون ابلسكان احملليني لبالد املغرب القدمي ،وقد تعزز مركزها بعد أتسيس
مدينة قرطاجة رغم التنافس الذي كان بينهما فيما بعد وما جتدر اإلشارة إليه هنا ،هو أن التنقيبات األثرية قد
بدأت منذ وقت مبكر ،إال أهنا حىت اآلن مل تعط نتائج هامة فيما عدا بعض النصب التذكارية والفخارايت
اليت تعود إىل حوايل القرن الثامن قبل امليالد 2.ومن أهم اللقى األثرية اليت عثر عليها يف موقع أوتيكا ،اجلعران
املصري الذي يعود على األرجح إىل فرتة اهلكسوس وهم قبائل آسيوية قدمية ،قامت بعدة غزوات على مصر،
وكان خروجهم على يد امللك حتومتس األول وهم أقوام من البدو مل يكونوا من جنس واحد بل كانوا خليطا
من قبائل متعددة .عرفوا يف احلضارة املصرية ابسم حكام البالد إضافة إىل بعض التمائم واليد العاجية اليت
يعتقد أبن وجودها يسبق بداية األلف األوىل ق م .وعلى أية حال ،فالنتيجة اليت نستخلصها من دراسة البقااي
املادية يف مدينة أوتيكـا ،تشري إىل أن هناك ثغرة بني معطيات املصادر املادية ،ومعطيات املصادر الكتابية
وتلك الثغرة ال تزال تنتظر االستكمال بغية أن يتم االتفاق حول أتسيس تلك املدينة .وخالصة القول أن
مدينة أوتيكا كانت من بني املستوطنات الباكرة اليت ساعدت البحارة الفينيقيني على خوض البحر املتوسط
وسهلت هلم فيما بعد أتسيس املستوطنات الالحقة على سواحل بالد املغرب القدمي ،السيما مدينة قرطاجة
اليت كان هلا السيادة يف احلوض الغريب للبحر املتوسط برهة من الزمن.3
1
- - Pline L’Ancien, XVI, 216.
2
- Cintas (P.), Manuel d’archéologique punique…, pp.294-298.
3
- Moscati (S.), Histoire des civilisations des peuples sémitiques, éd. Payot, Paris, 1955, p. 12
15
-4مستوطنة قرطاجة:
أتسست مستوطنة قرطاجة الفينيقية يف وقت متأخر نسبيا عن املستوطنات الباكرة ،حيث يؤرخ قيامها
اىل 814ق.م مث ان أخبار مؤسسيها حيكت يف شكل قصة غلب عليها الطابع األسطوري لكنها املستوطنة
الفينيقية الوحيدة اليت وصلتنا حوهلا بعض األخبار املفصلة يف املصادر اليواننية .ولعل ذلك يعود اىل كون
قرطاجة تزعمت الفينيقيني الغربيني أي البونيني يف النزاع الطويل املدى الذي دار بينهم وبني اإلغريق الذين
تزعمتهم مستعمرهتم الكربى سرياكوزة جنوب شرق صقلية .ومن مث كان اهتمام الكتاب اإلغريق أبخبار
القرطاجيني منذ نشأة مدينتهم فدونوا حوهلم بعض الرواايت والقصص اليت تناقلوها حىت وصلت الينا .والرأي
السائد لدى املؤرخني أن اسم قرطاجة مكون من قرت حدشت ومعناه املدينة اجلديدة .ابلنسبة اىل املدينة
القدمية األصلية وهي صو غري أن اسم قرطاجة معروف يف النصوص اليواننية بصيغة كارخيدون وهي صيغة
يصعب القول أبهنا مشتقة من كرت حدشت وورد يف كتاابت يواننية أن كارخيدون اسم ألحد شخصني
قدما من صور وأسسا هذه املدينة الفينيقية قبل احلرب الطروادية لكن هذه الرواية عزف عنها املؤرخون لقوهلا
بقدم قرطاجة عن التاريخ املرجح إلنشائها وهو عام 814ق.م بينما زمن حرب طروادة يعود اىل القرن الثاين
عشر قبل امليالد .وكان الوافدون الصوريون بصحبة األمرية الصورية عليسا ديدون مؤسسة قرطاجة مزودين
مبتطلبات انشاء موطن جديد وان كان ال يعلم عددهم ابلضبط اال أن وجود مثانني امرأة معهم كخادمات
ملعبد عشتار يدل على أن عدد الوافدين كان معتربا وأن الغرض من هجرهتم اىل بالد املغرب كان واضحا
وحمدد .وهو اإلقامة الدائمة يف املستوطنة ولعل وضوح اهلدف واإلعداد له كان من العوامل القوية اليت ساعدت
على جناح قرطاجة وتطورها وكانت البالد اليت أتسست قرطاجة على شاطئها اتبعة مللك يدعى هريابص
والذي تذكر األخبار بشأنه أنه رحب ابلوافدين الصوريني ووافق على انشاء مستوطنة هلم يف املكان الذي
اختاروه هم وذلك مقابل ضريبة يدفعوهنا له سنواي.
وتقول األسطورة أنه بعد اعتالء إيتوبعل عرش صور سنة 933ق.م كانت املدينة قد بلغت أوج قوهتا
وشهرهتا وكانت مملكة إسرائيل متر بفرتة احنطاط كبرية حيث أن ملوك اليهودية كانوا د استولوا على قسم مدن
اجلنوب وكانت مدن الشمال حيكمها رجل يدعى آحاب وهو صهر إيتوبعل أي زوج إبنته ايزابيال وبعد وفاة
إيتوبعل خلفه حفيده متان على رأس اململكة صور لكن هذا األخري واجهته مشاكل كثرية سياسية ودينية
احتدمت كثريا قبل موته وكان قد ترك ولدين بيغماليون وأليسا اليت رمب خلف أابها على العرش بعدما تزوجت
من كبري كهنة معبد ملكارت الذي يدعى عاشر ابس الذي قتله بيغماليون فعزمت أليسا على اهلرب برفقة
مجاعة من األشراف وجمموعة كبرية من اخلدم والبحارة اىل أن وصلوا قربص أين القوا استقباال حارا من كبري
كهنة اجلزيرة.
16
الذي كان على نفس االعتقاد الديين ألليسا ديدون وقرر مرافقتها وأكدت له امللكة اعرتفها جبميله
ووعدته أبن ذريته ستتمتع يف املدينة اجلديدة ابلوظائف واإلمتيازات الكهنوتية واحبروا ابجتاه الساحل اإلفريقي
ونزلت يف بقعة مل يقع عليها اختيارهم من قبل وكان يف هذه البقعة موقع فينيقي ال يعرف امسه فسمت أليسا
هذا املكان قرت حدشت أي املدينة اجلديدة وأول ما قامت به هو شراء قطعة أرض من ذلك امللك الذي
حيكم تلك البالد مقدار جلد ثور وبعد موافقته على ذلك قامت بذبح ثور وأمرت بسلخه وتقطيع جلده اىل
خيوط رقيقة وأحاطت هبا قطعة أرض كبرية فأندهش امللك لذكائها ودهائها .مث بدأت بتأسيس مدينتها
1
اجلديدة.
وما لبثت قرطاجة أن منت وازدهرت وراحت تنافس املستوطنات األخرى وتتصدى حلركة االستعمار اإلغريقي
املنافس للفينيقيني يف احلوض الغريب للبحر املتوسط فأخذت تضع يدها على املراكز املالئمة يف اجلزر املتوسطية
مثل صقلية وسردينيا وكورسيكا والبالياري .حيث أسست حمطات هلا هناك خالل القرن السابع قبل امليالد
تطورت تلك احملطات ومنت وغدت مدان نشيطة معظم سكاهنا من األقوام الليبية اليت انصهرت مع الفينيقيني
وامتد نفوذ قرطاجة اىل املستوطنات الفينيقية يف مشال افريقيا واسبانيا وبذلك بسطت سيطرهتا على التجارة
يف احلوض الغريب من البحر األبيض املتوسط وفرضت قوهتا على من جاورها من األقوام اىل أن اصطدمت
مصاحلها التجارية مع مصاحل املستعمرات اإلغريقية يف صقلية اليت تقامسها الطرفان القرطاجي واإلغريقي ودخل
الطرفان يف صراع عنيف ومعارك كثرية بينهما دامت فرتات طويلة جدا وامتدت آاثره اىل بالد املغرب وكان
2
ذلك الصراع سببا يف دخول روما حلبة الصراع ضد قرطاجة.
ال شك أنه كان يف قرطاجة قبل أن تؤسس أليسا املدينة اجلديدة مركز جتاري فينيقي مل يعف مكانه ابلضبط
حيث يرى بعض املؤرخني وعلماء األاثر أن أول موضع استقر فيه الفينيقيون كان قريبا من شاطئ برج جديد
الضيق ،لكن الطبقات الستارتيغرافية يف موقع صلمبو يعود عهدها اىل األايم األوىل من أتسيس قرطاجة حيث
اكتشف الباحث الفرنسي بيار سانتاس سنة 1947بقااي خزف فينيقي قربصي يعود اترخيه اىل أواخر العصر
الربونزي حيث أن قرطاجة تقع غرب املرفأ املستطيل .كما اكتشف عدد كبري من املدافن من اجلهة املالية
والشرقية .كما مت الكشف على القلعة اليت يطلق عليها اسم بريسا وهي مكن حمصن جدا تطل على املرفأين
وعلى أول مركز جتار أنشأه الفينيقيون حماطة بسور أو نني أحدمها حييط بسفح التلة واألخر ييط مبعبد أمشون.
أما املرفأين فيذكر لنا املؤرخ أبيان وصفا دقيقا عنهما األول املرفأ التجاري املستطيل الشكل والثاين املرفأ
3
العسكري الدائري الشكل.