You are on page 1of 14

‫" نزول القرآن على سبعة أحرف "‬

‫قدمت هذا البحث إلستيفاء الوظيفة في مادة علوم القرآن‬

‫المحاضر‪ :‬د‪ .‬الحاج‪ .‬محمد فردوس‬

‫قدمته ‪:‬‬

‫دوي بتري لستري ‪1988204029‬‬

‫قسم تعليم اللّغة العربية‬


‫كلية الدراسات اإلسالمية‬
‫جامعة مح ّمدية تانجيرانج‬
‫كلمة الشكر والتقدير‬

‫الحمد هلل رب العالمين وبه نستعين على أمور الدنيا والدين والصالة والسالم على نبينا‬
‫محمد وعلى اله وأصحابه أجمعين‪ .‬فى هذه الكتابة وظيفة اللغة العربية‪ ،‬أكتب بلغة الخير حتى‬
‫بسعادة أأخذ خالصتها‪.‬‬
‫وأخيرا ومع هذا الجهد المتواضع أرجوا من هللا العلى العظيم والقدر يستفيد منه زمالئنا‬
‫من معلمى علوم القرآن‪.‬‬

‫تانجيرانج‪ 26 ,‬مايو ‪ 2021‬ه‬


‫مؤلفة‬
‫البحث‬

‫لقد كان للعرب لهجات شتى تنبع من طبيعة فطرتهم في جرسها وأصواتها و حروفها تعرضت لها كتب‬
‫األدب بالبيان والمقارنة ‪ ،‬فكل قبيلة لها من اللحن في كثير من الكلمات ما ليس لآلخرين ‪ ،‬إال أن قريشا من بين‬
‫العر ب قد تهيأت لها عوامل جعلت للغتها الصدارة بين فروع العربية األخرى من جوار البيت وساقية الحاج‬
‫وعمارة المسجد الحرام واإلشراف على التجارة ‪ ،‬فأنزلها العرب جميعا لهذه الخصائص وغيرها منزلة األب‬
‫للغاتهم ‪ ،‬فكان طبيعيا أن يتنزل القرآن بلغة قريش على الرسول القرشي تاليفا للعرب و تحقيقا إلعجاز القران‬
‫حين يسقط في أيديهم أن يأتوا مثله أو بسورة منه‪.‬‬

‫وإذا كان العرب تتفاوت لهجاتهم في المعنى الواحد بوجه من وجوه التفاوت فالقرآن الذي أوحى هللا به‬
‫لرسوله محمد ﷺ يكمل له معنى اإلعجاز إذا كان مستجمعا بحروفه وأوجه قراءته للخالص منها ‪ ،‬وذلك مما‬
‫ييسر عليهم القراءة والحفظ والفهم ‪.‬‬

‫• معنى أحرف لغة و اصطالحا ‪:‬‬

‫تعريف الحرف لغة ‪ :‬الحرف في أصل كالم العرب معناه الطرف والجانب ‪ ،‬وحرف السفينة والجبل‬
‫جانبهما ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪{:‬ومن الناس من يعبد هللا على حرف فإن أصابه اطمأن به ‪ ،‬وإن أصابته فتنة انقلب‬
‫‪1‬‬
‫على وجهه خسر الدنيا واآلخرة ذلك هو الخسران المبين}‬

‫أي أن من الناس من ال يدخل في الدين دخول متمکن ‪ ،‬فإن أصابه خير أي خصب وكثر ماله أو ماشيته‬
‫اطمأن به ‪ ،‬ورضي بدينه ‪ ،‬وإن أصابته فتنة اختبار بجدب وقلة مال انقلب على وجهه أي رجع عن دينه إلى‬
‫‪2‬‬
‫الكفر وعبادة األوثان‬

‫تعريف األحرف السبعة اصطالحا ‪ :‬األحرف السبعة سبعة أوجه نصيحة من اللغات والقراءات أنزل‬
‫عليها القرآن الكريم ‪.‬‬

‫سورة الحج‪ ,‬اآلية ‪.11‬‬ ‫‪1‬‬

‫من تفسير الزجاج وقال بنحوه ابن قتيبة في كتابه ( تأويل مشكل القرآن ) ص ‪. 28 - 2۷‬‬ ‫‪2‬‬
‫اختاللف العلماء في المراد معنى أحرف و الترجيح بينها‬ ‫•‬

‫واختلف العلماء في تفسير هذه األحرف اختالفا كثيرا ‪ ،‬حتى قال ابن حيان ‪ ( :‬اختلف أهل العلم في‬
‫‪3‬‬
‫معنى األحرف السبعة على خمسة وثالثين قوالا )‬

‫وأكثر هذه اآلراء متداخل ‪ ،‬ونحن نورد هنا ما هو ذو بال منها ‪:‬‬

‫( أ ) ذهب أكثر العلماء إلى أن المراد باألحرف السبعة لغات من لغات العرب في المعنى الواحد ‪ ،‬على‬
‫معنى أنه حيث تختلف لغات العرب في التعبير عن معنی من المعاني يأتي القرآن منزال بألفاظ على قدر هذه‬
‫اللغات لهذا المعنى الواحد ‪ ،‬وحيث ال يكون هناك اختالف فإنه يأتي بلفظ واحد أو أكثر‪.‬‬

‫واختلفوا في تحديد اللغات السبعة‪.‬‬

‫فقيل ‪ :‬هي لغات ‪ :‬قريش ‪ ،‬وهذيل ‪ ،‬وثقيف ‪ ،‬وهوازن ‪ ،‬وكنانة ‪ ،‬وتميم ‪ ،‬واليمن ‪.‬‬

‫وقال أبو حاتم السجستانی ‪ :‬نزل بلغة قريش ‪ ،‬وهذيل ‪ ،‬وتميم ‪ ،‬واألزد ‪ ،‬وربيعة ‪ ،‬وموازن ‪ ،‬وسعد بن‬
‫بكر‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫وروى غير ذلك‬

‫( ب ) وقال قوم ‪ :‬إن المراد باألحرف السبعة لغات من لغات العرب نزل عليها القرآن ‪ ،‬على معنى‬
‫أنه في جملته ال يخرج في كلماته عن سبع لغات هي أفصح لغاتهم ‪ ،‬فأكثره بلغة قريش ‪ ،‬ومنه ما هو بلغة هذيل‬
‫‪ ،‬أو ثقيف ‪ ،‬أو هوازن ‪ ،‬أو كنانة ‪ ،‬أو تميم ‪ ،‬أو اليمن ‪ ،‬فهو يشتمل في مجموعه على اللغات السبعة‪.‬‬

‫وهذا الرأي يختلف عن سابقه ‪ ،‬ألنه يعني أن األحرف السبعة إنما هي أحرف سبعة متفرقة في سور‬
‫القرآن ‪ ،‬ال أنها لغات مختلفة في كلمة واحدة باتفاق المعاني ‪ .‬قال أبو عبيد ‪ ( :‬ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على‬
‫مفرقة فيه ‪ ،‬فبعضه بلغة قريش ‪ ،‬ويعضه بلغة هذيل ‪ ،‬وبعضه بلغة هوازن ‪ ،‬وبعضه بلغة اليمن ‪ ،‬وغيرهم ‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫قال ‪ :‬وبعض اللغات أسعد به من بعض وأكثز نصيبا )‬

‫وقال السيوطي ‪ :‬اختلف في معنى هذا الحديث على نحو أربعين قوالا (‪)45/1‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫انظر ‪( :‬اإلتقان) (‪)4۷/1‬‬
‫‪5‬‬
‫انظر ‪( :‬اإلتقان) (‪)4۷/1‬‬
‫( ج ) وذكر بعضهم أن المراد باألحرف السبعة أوجه سبعة ‪ :‬من األمر ‪ ،‬والنهي ‪ ،‬والوعد ‪ ،‬والوعيد‬
‫‪ ،‬والجدل ‪ ،‬والقصص ‪ ،‬والمثل ‪ :‬أو من ‪ :‬األمر ‪ ،‬والنهي ‪ ،‬والحالل ‪ ،‬والحرام والحكم ‪ ،‬والمتشابه ‪ ،‬واألمثال‪.‬‬

‫عن ابن مسعود عن النبي ﷺ قال ‪ « :‬كان الكتاب األول ينزل من باب واحد ‪ ،‬وعلى حرف واحد ‪،‬‬
‫‪6‬‬
‫ونزل القرآن من سبعة أبواب ‪ ،‬على سبعة أحرف ‪ :‬زجر ‪ ،‬وأمر ‪ ،‬وحالل ‪ ،‬ومحكم ‪ ،‬ومتشابه ‪ ،‬وأمثال »‪.‬‬

‫( د ) وذهب جماعة إلى أن المراد باألحرف السبعة وجوه التغاير السبعة التي يقع فيها االختالف ‪،‬‬
‫وهي ‪:‬‬

‫‪ -1‬اختالف األسماء باإلفراد ‪ ،‬والتذكير وفروعهما ‪ « :‬التثنية ‪ ،‬والجمع ‪ ،‬والتأنيث »‪ ،‬كقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪۷‬‬
‫قرئ « ألماناتهم » بالجمع ‪ ،‬وقرئ و األمانتهم »‬ ‫( والذين هم ألماناتهم وعهدهم راعون )‬
‫باإلفراد ‪ ..‬ورسمها في المصحف األمتهم " يحتمل القراءتين ‪ ،‬لخلوها من األلف الساكنة ‪ ،‬ومآل‬
‫الوجهين في المعنى واحد ‪ ،‬فيراد بالجمع االستغراق الدال على الجنسية ‪ ،‬ويراد باإلفراد الجنس‬
‫الدال على معنى الكثرة ‪ ،‬أي جنس األمانة ‪ ،‬وتحت هذا جزئيات كثيرة ‪.‬‬
‫‪ -2‬االختالف في وجوه اإلعراب ‪ :‬كقوله تعالى ‪ « :‬وما هذا بشرا »‪ 8‬قرأ الجمهور بالنصب ‪ ،‬على‬
‫أن « ما » عاملة عمل و« ليس » وهي لغة أهل الحجاز وبها نزل القرآن ‪ ،‬وقرأ ابن مسعود ‪« :‬‬
‫ما هذا بشر » ‪ ،‬بالرفع ‪ ،‬على لغة بني تميم ‪ ،‬فإنهم ال يعملون « ما » عمل « ليس » وكقوله ‪( :‬‬
‫فتلقى آدم من ربه كلمات )‪ ( - 9‬برفع « آدم » وجر « کلمات » ) ‪ -‬وقرئ با نصب و آدم » ورفع‬
‫« كلمات » ‪ « :‬فتلقى آدم من ربه كلمات »‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫قرئ بنصب « ربنا »‬ ‫‪ -3‬االختالف في التصريف ‪ :‬كقوله تعالى ‪ ( :‬فقالوا ربنا باعد بين اسفارنا )‬
‫على أنه منادی مضاف ‪ ،‬وال « باعد » بصيغة األمر ‪ ،‬وقرئ « ربنا » بالرفع ‪ ،‬و باعد ‪ ،‬بفتح‬
‫العين ‪ ،‬على أنه فعل ماض ‪ ،‬وقرئ بعد ‪ ،‬بفتح العين مشددة مع رفع « ربنا » أيضا‪.‬‬
‫ومن ذلك ما يكون بتغيير حرف ‪ ،‬مثل ال يعلمون ‪ ،‬وتعلمون » بالياء والتاء ‪ ،‬و« الصراط » و‬
‫‪11‬‬
‫«السراط ) في قوله تعالى ‪ ( :‬اهدنا الصراط المستقيم )‬

‫‪6‬‬
‫أخرجه الحاكم والبيهقي‪.‬‬
‫‪۷‬‬
‫المؤمنون ‪8 :‬‬
‫‪8‬‬
‫يوسف ‪31 :‬‬
‫البقرة ‪3۷ :‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪ 10‬سبأ ‪19 :‬‬


‫‪11‬‬
‫الفاتحة ‪6 :‬‬
‫‪ - 4‬االختالف بالتقديم والتأخير ‪ :‬إما في الحرف ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ ( :‬أفلم يايْئس )‪ 12‬وقرى ‪ « :‬أفلم يأيس‬
‫‪13‬‬
‫بالبناء للفاعل في األول ‪ ،‬وللمفعول في‬ ‫» وإما في الكلمة كقوله تعالى ‪ ( :‬فيقتلون ويقتلون )‬
‫الثاني ‪ ،‬وقرىء بالعكس ‪ ،‬أى بالبناء للمفعول في األول ‪ ،‬وللفاعل في الثاني‪.‬‬
‫أما قراءة « وجاءت سكرة الحق بالموت » بدال من قوله تعالى ‪ ( :‬وجاءت سكرة الموت بالحق‬
‫)‪ 14‬فقراءة أحادية أو شاذة ‪ ،‬لم تبلغ درجة التواتر ‪.‬‬
‫ه ‪ -‬االختالف باإلبدال ‪ :‬سواء أكان إبدال حرف بحرف ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ ( :‬وانظر إلى العظام كيف ننشزها‬
‫)‪ 15‬قرى بالزاي المعجمة مع ضم النون ‪ ،‬وقرئ بالراء المهملة مع فتح النون ‪ ،‬أو إبدال لفظ بلفظ‬
‫‪ ،‬كقوله تعالى ‪ ( :‬كالعهن المنفوش )‪ 16‬قرأ ابن مسعود وغيره ( كالصوف المنفوش ‪ ،‬وقد يكون‬
‫هذا اإلبدال مع التقارب في المخارج كقوله تعالى ‪ ( :‬وطلح منضود )‪ 1۷‬قرىء ( طلع ) ومخرج‬
‫الحاء والعين واحد ‪ ،‬فهما من حروف الحلق‬
‫‪18‬‬
‫‪ -6‬االختالف بالزيادة والنقص ‪ :‬فالزيادة كقوله تعالى ‪ ( :‬وأعد لهم جنات تجری تحتها األنهار )‬
‫قریء « من تحتها األنهار » بزيادة « من » وهما قراءتان متواترتان ‪ ،‬والنقصان كقوله تعالى ‪:‬‬
‫( قالوا اتخذ هللا ولدا ) بدون واو ‪ ،‬وقراءة الجمهور ‪ ( :‬وقالوا اتخذ هللا ولدا )‪ 19‬وبالواو ‪ ،‬وقد يمثل‬
‫للزيادة في قراءة اآلحاد ‪ ،‬بقراءة ابن عباس ‪ ( :‬وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا )‬
‫بزيادة ( صالحة ) وإبدال كلمة ( أمام ) بكلمة ( وراء) وقراءة الجمهور ‪ ( :‬و كان وراءهم ملك‬
‫ياخد كل سفينة غصبا)‪ 20‬كما يمثل للنقصان بقراءة « والذكر واألنثى » بدال من قوله تعالى ‪{ :‬‬
‫‪21‬‬
‫وما خلق الذكر واألنتى }‬
‫‪ -۷‬اختالف اللهجات بالتفخيم والترقيق ‪ ،‬والفتح واإلمالة ‪ ،‬واإلظهار واإلدغام ‪ ،‬والهمز والتسهيل ‪،‬‬
‫واإلشمام ونحو ذلك ‪ :‬كاإلمالة وعدمها في مثل قوله تعالى ‪ ( :‬وهل أتاك حديث موسی )‪ 22‬قريء‬

‫‪12‬‬
‫الرعد ‪31 :‬‬
‫‪13‬‬
‫التوبة ‪111 :‬‬
‫‪14‬‬
‫سورة ق ‪19 :‬‬
‫‪15‬‬
‫البقرة ‪259 :‬‬
‫‪16‬‬
‫البقرة ‪5 :‬‬
‫‪1۷‬‬
‫الواقعة ‪29 :‬‬
‫‪18‬‬
‫لتوبة ‪100 :‬‬
‫‪19‬‬
‫لبقرة ‪116 :‬‬
‫‪20‬‬
‫الكهف ‪۷9 :‬‬
‫‪21‬‬
‫الليل ‪3 :‬‬
‫‪22‬‬
‫طه ‪9 :‬‬
‫بإمالة « أتی » و « موسی » وترقيق الراء في قوله ‪ ( :‬خبيرا بصيرا )‪ 23‬وتفخيم الالم في (الطالق)‬
‫وتسهيل الهمزة في قوله ‪ ( :‬قد أفلح )‪ 24‬وإشمام الغين ضمة مع الكسر في قوله تعالى ‪ :‬ف( وغيض‬
‫الماء )‪ 25‬وهكذا‬
‫( ه ) وذهب بعضهم إلى أن العدد سبعة ال مفهوم له ‪ ،‬وإنما هو رمز إلى ما الفه العرب من معنى الكمال‬
‫في هذا العدد ‪ ،‬فهو إشارة إلى القرآن في لغته وتركيبه كأنه حدود وأبواب الكالم العرب مع بلوغه الذروة في‬
‫الكمال ‪ ،‬فلفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة والكمال في األحاد ‪ ،‬كما يطلق السبعون في العشرات ‪ ،‬والسبعمائة‬
‫‪26‬‬
‫في المئتين ‪ ،‬وال يراد العدد المعين‪.‬‬
‫( و ) وقال جماعة ‪ :‬إن المراد باألحرف السبعة ‪ :‬القراءات السبع‪.‬‬
‫والراجح من هذه اآلراء جميعا هو الرأي األول ‪ ،‬وأن المراد باألحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب في‬
‫المعنى الواحد ‪ ،‬نحو ‪ :‬أقبل وتعال ‪ ،‬وهلم ‪ ،‬وعجل وأسرع ‪ ،‬فهى ألفاظ مختلفة لمعنى واحد ‪ ،‬وإليه ذهب سفيان‬
‫بن عيينة ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬وابن وهب ‪ ،‬وخالئق ‪ ،‬ونسبه ابن عبد البر ألكثر العلماء ويدل له ما جاء في حديث‬
‫أبي بكرة ‪ « :‬أن جبريل قال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬اقرأ القرآن على حرف ‪ ،‬فقال ميکائيل ‪ :‬استزده ‪ ،‬فقال ‪ :‬على حرفين‬
‫‪ ،‬حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف ‪ ،‬فقال ‪ :‬كلها شاف كاف‪ ،‬ما لم يختم آية عذاب بآية رحمة ‪ ،‬أو آية رحمة بأية‬
‫عذاب‪ ،‬وتعال وأقبل واذهب وأسرع وعجل »‪ 2۷‬قال ابن عبد البر ‪ ( :‬إنما أراد بهذا ضرب المثل للحروف التي‬
‫نزل القرآن عليها ‪ ،‬وأنها معان متفق مفهومها ‪ ،‬مسموعها ‪ ،‬ال يكون في شيء منها معنى وضده ‪ ،‬وال وجه‬
‫‪28‬‬
‫يخالف معنی وجه خال ينفيه ويضاده ‪ ،‬كالرحمة التي هي خالفي العذاب )‬
‫ويؤيده أحاديث كثيرة ‪ . :‬قرأ رجل عند عمر بن الخطاب رضي هللا عنه فغير عليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬لقد قران‬
‫على رسول هللا ﷺ ‪ ،‬فلم يغير على ‪ ،‬قال ‪ :‬فاختصما عند النبي ﷺ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول هللا ‪ ،‬ألم تقرئني آية كذا‬
‫وكذا ؟ قال ‪ :‬بلى ! قال ‪ :‬فوقع في صدر عمر شیء ‪ ،‬فعرف النبي ﷺ و ذلك في وجهه ‪ ،‬قال ‪ :‬فضرب صدره‬
‫وقال ‪ :‬ابعد شيطانا ‪ -‬قالها ثالثا ‪ -‬ثم قال ‪ « :‬با عمر ‪ ،‬إن القرآن كله صواب ما لم تجعل رحمة عذابا أو عذابا‬
‫‪29‬‬
‫رحمة »‬

‫‪ 23‬اإلسراء ‪1۷ :‬‬


‫‪ 24‬المؤمنون ‪1 :‬‬
‫‪ 25‬هود ‪44 :‬‬
‫‪ 26‬أخرجه أحمد والطبرانی ‪ ،‬بإسناد جيد ‪ ،‬وهذا اللفظ ألحمد ‪.‬‬
‫‪ 2۷‬انظر ‪ :‬اإلتقان ( ‪.)4۷ / 1‬‬
‫‪ 28‬أخرجه أحمد بإسناد رجاله ثقات ‪ ،‬وأخرجه الطبری ‪.‬‬
‫‪ 29‬رواه أحمد في ( المسند ) ورواه الطبری ‪ ،‬ونقله ابن كثير في ( الفضائل ) والهيثمی في ( مجمع الزوائد ) ‪ ،‬وقال ‪ :‬رجاله‬
‫رجال الصحيح‪.‬‬
‫وعن بسر بن سعيد ‪ « :‬أن أبا جهيم األنصاري أخبره ‪ :‬أن رجلين اختلفا في آية من القرآن ‪ ،‬فقال هذا ‪:‬‬
‫تلقيتها من رسول هللاﷺ وقال اآلخر ‪ :‬تلقيتها من رسول هللا ﷺ فسأال رسول هللا ﷺ عنها ‪ ،‬فقال رسول هللا ﷺ‪:‬‬
‫« إن القرآن نزل على سبعة أحرف ‪ ،‬فال تماروا في القرآن ‪ ،‬فإن المراء فيه كفر »‬
‫وعن األعمش قال ‪ « :‬قرأ أنس هذه اآلية ‪ « :‬إن ناشئة الليل أشد وطا واصوب قيال »‪ 30‬فقال له بعض‬
‫‪31‬‬
‫القوم ‪ :‬يا أبا حمزة ‪ ،‬إنما هي « وأقوم » فقال ‪ :‬أقوم وأصوب وأهيأ واحد »‬
‫وعن محمد بن سيرين قال ‪ :‬بنت أن جبرائيل وميكائيل أتيا النبي ﷺ ‪ ،‬فقال له جبرائيل ‪ :‬اقرأ القرآن على‬
‫حرفين ‪ ،‬فقال له ميکائيل ‪ :‬استزده ‪ ،‬قال ‪ :‬حتى بلغ سبعة أحرف ‪ ،‬قال محمد ‪ :‬ال تختلف في حالل و حرام ‪،‬‬
‫وال أمر وال نهي هو كقولك ‪ :‬تعال ‪ ،‬وهلم ‪ ،‬وأقبل ‪ ،‬قال ‪ :‬وفي قراءتنا ‪ ( :‬إن كانت إال صيحة واحدة )‪ 32‬في‬
‫‪33‬‬
‫قراءة ابن مسعود ‪ ) :‬إن كانت إال رقية واحدة )‬
‫ويجاب عن الرأي الثاني ( ب ) الذي يرى أن المراد باألحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب نزل‬
‫عليها القرآن ‪ ،‬على معنى أنه في جملته ال يخرج في كلماته عنها فهو يشتمل في مجموعه عليها ‪ -‬بأن لغات‬
‫العرب أكثر من سبع ‪ ،‬وبأن عمر ابن الخطاب وهشام بن حکيم کالهما قرشی من لغة واحدة ‪ ،‬وقبيلة واحدة ‪،‬‬
‫وقد اختلفت قراءتهما ‪ ،‬ومحال أن ينكر عليه عمر لغته ‪ ،‬فدل ذلك على أن المراد باألحرف السبعة غير ما‬
‫يقصدونه ‪ ،‬وال يكون هذا إال باختالف األلفاظ في معنی واحد ‪ ،‬وهو ما نرجحه‪.‬‬
‫قال ابن جرير الطبری بعد أن ساق األدلة ‪ ،‬مبطال هذا الرأي ‪ « :‬بل األحرف السبعة التي نزل بها القرآن‬
‫‪ ،‬هن لغات سبع في حرف واحد ‪ ،‬وكلمة واحدة ‪ ،‬باختالف األلفاظ واتفاق المعانی ‪ ،‬كقول القائل ‪ :‬هلم ‪ ،‬وأقبل‬
‫‪ ،‬وتعال ‪ ،‬وإلى ‪ .‬وقصدي ‪ ،‬ونحوى ‪ ،‬و ربي ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬مما تختلف فيه األلفاظ بضروب من المنطق وتتفق‬
‫فيه المعاني ‪ ،‬وإن اختلفت بالبيان به األلسن ‪ ،‬كالذي روينا آنفا عن رسول هللا ﷺ‪ ،‬وعمن روينا ذلك عنه من‬
‫الصحابة ‪ ،‬أن ذلك بمنزلة قولك ‪ « :‬اهلم وتعال وأقبل » ‪ ،‬وقوله ‪ « :‬ما ينظرون إال زقية » و« إال صيحة »‪.‬‬
‫وأجاب الطبري عن تساؤل مفترض ‪ :‬ففى أى كتاب هللا نجد حرفا واحدا مقروءا بلغات مختلفات األلفاظ‬
‫متفقات المعني ؟ أجاب ‪ :‬بأننا لم ندع أن ذلك موجود اليوم ‪ -‬وعن تساؤل مفترض آخر ‪ :‬فما بال األحرف األخر‬
‫الستة غير موجودة ؟ ‪ -‬بأن األمة أمرت بحفظ القرآن ‪ ،‬وخيرت في قراءته وحفظه بأى تلك‬

‫‪ 30‬المزمل ‪ 1 :‬بلفظ ‪ " :‬وأقوم‪.‬‬


‫‪ 31‬رواه الطبری ‪ ،‬وأبو يعلى ‪ ،‬والبزار ‪ ،‬ورجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫‪ 32‬يس ‪53،29 :‬‬
‫‪ 33‬رواه الطبري ‪ ،‬ومحمد ‪ -‬هو ابن سيرين التابعی ‪ -‬فالحديث مرسل‪.‬‬
‫األحرف السبعة شاءت كما أمرت ‪ ،‬ثم دعت الحاجة إلى التزام القراءة بحرف واحد مخافة الفتنة في زمن عثمان‬
‫‪34‬‬
‫‪ ،‬ثم اجتمع أمر األمة على ذلك ‪ ،‬وهي معصومة من الضاللة‪.‬‬

‫ويجاب عن الرأي الثالث ( ج ) الذي يرى أن المراد باألحرف السبعة سبعة أوجه ‪ :‬من األمر ‪ ،‬والنهي‬
‫‪ ،‬والحالل ‪ ،‬والحرام ‪ ،‬والحكم والمتشابه ‪ ،‬واألمثال ‪ -‬بأن ظاهر األحاديث يدل على أن المراد باألحرف السبعة‬
‫أن الكلمة تقرأ على وجهين أو ثالثة إلى سبعة توسعة لألمة ‪ ،‬والشيء الواحد ال يكون حالال وحراما في آية‬
‫واحدة ‪ ،‬والتوسعة لم تقع في تحريم حالل ‪ ،‬وال تحليل حرام ‪ ،‬وال في تغيير شيء من المعاني المذكورة ‪.‬‬

‫والذي ثبت في األحاديث السابقة أن الصحابة الذي اختلفوا في القراءة احتكموا إلى النبي ﷺ ‪ ،‬فاستقرا‬
‫كل رجل منهم ‪ ،‬ثم صوب جميعهم في قراءتهم على اختالفها ‪ ،‬حتى ارتاب بعضهم لتصويبه إياهم ‪ ،‬فقال ﷺ‬
‫الذي ارتاب منهم عند تصويبه جميعهم ‪ « :‬إن هللا أمرني أن أقرأ على سبعة أحرف »‪.‬‬

‫) ومعلوم أن تماريهم فيما تماروا فيه من ذلك ‪ ،‬لو كان تماريا واختالقا فيما دلت عليه تالواتهم من التحليل‬
‫والتحريم والوعد والوعيد وما أشبه ذلك ‪ ،‬لكان مستحيال أن يصوب جميعهم ‪ ،‬ويأمر كل قارىء منهم أن يلزم‬
‫قراءته في ذلك على النحو الذي هو عليه ‪ ،‬ألن ذلك لو جاز أن يكون صحيحا وجب أن يكون هللا جل ثناؤه قد‬
‫أمر بفعل شيء بعينه وفرضه ‪ - ،‬في تالوة من دلت تالوته على فرضه ‪ -‬ونهی عن فعل ذلك الشيء بعينه‬
‫وزجر عنه ‪ -‬في تالوة الذي دلت تالوته على النهى والزجر عنه ‪ -‬وأباح وأطلق فعل ذلك الشيء بعينه ‪ ،‬وجعل‬
‫لمن شاء من عباده أن يفعله فعله ‪ ،‬ولمن شاء منهم أن يتر که ترکه ‪ ،‬في تالوة من دلت تالوته على التخيير‪.‬‬

‫وذلك من قائله ‪ -‬إن قاله ‪ -‬إثبات ما قد نفي هللا جل ثناؤه عن تنزيله ومحكم كتابه فقال ‪ ( :‬أفال يتدبرون‬
‫‪35‬‬
‫القرآن ‪ ،‬ولو كان من عند غير هللا لوجدوا فيه اختالفا كثيرا )‬

‫وفي نفي هللا جل ثناؤه ذلك عن محكم كتابه أوضح الدليل على أنه لم ينزل کتابه على لسان محمد ﷺ إال‬
‫بحكم واحد متفق في جميع خلقه ال بأحكام فيهم مختلفة ‪(36‬‬

‫ويجاب عن الرأي الرابع ( د ) الذي يرى أن المراد باألحرف السبعة وجوه التغاير التي يقع فيها‬
‫‪3۷‬‬
‫‪ -‬بأن هذا وإن كان شائعا مقبوال لكنه ال ينهض أمام أدلة األول التي جاء التصريح فيها باختالف‬ ‫االختالف‬

‫‪ 34‬انظر « تفسير الطبری » ( ‪ ) ۵۷ / 1‬وما بعدها ‪.‬‬


‫‪ 35‬النساء ‪82 :‬‬
‫‪ « 36‬تفسير الطبری » ( ‪) 49 – 48 / 1‬‬
‫‪ 3۷‬هذا الرأي هو أقوى اآلراء بعد الرأي الذي اخترناه ‪ ،‬وإليه ذهب و الرازی ‪ ،‬وانتصر له من المتأخرين الشيخ محمد بخيت‬
‫المطيعی ‪ ،‬والشيخ محمد عبد العظيم الزرقانی ‪.‬‬
‫األلفاظ مع اتفاق المعنى ‪ ،‬وبعض وجوه التغاير واالختالف التي يذكرونها ورد بقراءات اآلحاد ‪ ،‬وال خالف‬
‫في أن كل ما هو قرآن يجب أن يكون متواترا ‪ ،‬وأكثرها يرجع إلى شكل الكلمة أو كيفية األداء مما ال يقع به‬
‫التغاير في اللفظ ‪ ،‬كاختالف في اإلعراب ‪ ،‬أو التصريف ‪ ،‬أو التفخيم والترقيق والفتح واإلمالة واإلظهار‬
‫واإلدغام واإلشمام فهذا ليس من االختالف الذي تنوع في اللفظ والمعنى ‪ ،‬ألن هذه الصفات المتنوعة في أدائه‬
‫ال تخرجه عن أن يكون لفظا واحدا‪.‬‬

‫وأصحاب هذا الرأي يرون أن المصاحف العثمانية قد اشتملت على األحرف السبعة كلها ‪ ،‬بمعنى أنها‬
‫مشتملة على ما يحتمله رسمها من هذه األحرف ‪ ،‬فآية ‪ ( :‬والذين هم ألماناتهم وعهدهم راعون )‪ ، 38‬التي تقرأ‬
‫بصيغة الجمع وتقرأ بصيغة اإلفراد جاءت في الرسم العثماني (ألمتهم ) ‪ -‬موصولة وعليها ألف صغيرة ‪ -‬وآية‬
‫‪ ( :‬قالوا ربنا باعد بين أسفارنا )‪ 39‬جاءت في الرسم العثمانی ( بعد) ‪ -‬موصولة كذلك وعليها ألف صغيرة ‪،‬‬
‫وهكذا‪...‬‬

‫وهذا ال يسلم لهم في كل وجه من وجوه االختالف التي يذكرونها‪.‬‬

‫کاالختالف بالزيادة والنقص ‪ ،‬في مثل قوله تعالى ‪ ( :‬وأعد لهم جنات تجرى تحتها األنهار )‪ .40‬وقرىء‬
‫‪ « :‬من تحتها األنهار » بزيادة « من » ‪ ،‬وقوله ‪:‬‬

‫( وما خلق الذكر واألنثي )‪ ، 41‬وقرء ‪ « :‬والذكر واألنثى » بنقص « ما خلق »‬


‫واالختالف بالتقديم والتأخير في مثل قوله تعالى ‪ ( :‬وجاءت سكرة الموت بالحق )‪ 42‬وقرى ‪ ( :‬وجاءت‬
‫سكرت الحق بالموت ) ‪ ..‬واالختالف باإلبدال في مثل قوله تعالى ‪ ( :‬وتكون الجبال كالعهن المنفوش)‪ 43‬وقرىء‬
‫‪ « :‬وتكون الجبال كالصوف المنفوش » ‪.‬‬
‫ولو كانت هذه األحرف تشتمل عليها المصاحف العثمانية لما كان مصحف عثمان حاسما للنزاع في‬
‫اختالف القراءات ‪ ،‬إنما كان حسم هذا النزاع بجمع الناس على حرف واحد من األحرف السبعة التي نزل بها‬
‫القرآن ‪ ،‬ولوال هذا لظل االختالف في القراءة قائما ‪ ،‬ولما كان هناك فرق بين جمع عثمان وجمع أبي بكر ‪،‬‬
‫والذي دلت عليه اآلثار أن عثمان رضي هللا عنه للقرآن كان نسخا له على حرف واحد من الحروف السبعة‬

‫‪ 38‬المؤمنون ‪8 :‬‬
‫‪ 39‬سبأ ‪19 :‬‬
‫‪ 40‬التوبة ‪100 :‬‬
‫‪ 41‬الليل ‪3 :‬‬
‫‪ 42‬سورة ق ‪19 :‬‬
‫‪ 43‬القارعة ‪5 :‬‬
‫حتى يجمع المسلمين على مصحف واحد ‪ ،‬حيث رأى أن القراءة باألحرف السبعة كانت لرفع الحرج والمشقة‬
‫في بداية األمر ‪ ،‬وقد انتهت الحاجة إلى ذلك ‪ ،‬وترجح عليها حسم مادة االختالف في القراءة ‪ ،‬يجمع الناس على‬
‫حرف واحد ‪ ،‬ووافقه الصحابة على ذلك ‪ ،‬فكان إجماعا ‪ ،‬ولم يحتج الصحابة في أيام أبي بكر وعمر إلى جمع‬
‫القرآن على وجه ما جمعه عثمان ‪ ،‬ألنه لم يحدث في أيامهما من الخالف فيه ما حدث في زمن عثمان ‪ ،‬وبهذا‬
‫يكون عثمان قد قق ألمر عظيم ‪ ،‬رفع االختالف ‪ ،‬وجمع الكلمة ‪ ،‬وأراح األمة ‪.‬‬
‫ويجاب عن الرأي الخامس ( ه ) الذي يرى أن العدد سبعة ال مفهوم له ‪ -‬بأن األحاديث تدل بنصها على‬
‫حقيقة العدد وانحصاره ‪ ( :‬أقرأني جبريل على حرف ‪ ،‬فراجعته ‪ ،‬فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى‬
‫سبعة أحرف )‪ ( ، 44‬وإن ربی أرسل إلى أن أقرأ القرآن على حرف ‪ ،‬فرددت عليه أن هون على أمتی ‪ -‬فأرسل‬
‫إلى أن أقرأ على سبعة أحرف )‪ ، 45‬فهذا يدل على حقيقة العدد المعين المحصور في سبعة ‪.‬‬
‫ويجاب عن الرأي السادس ( و ) الذي يرى أن المراد باألحرف السبعة القراءات السبع ‪ -‬بأن القرآن‬
‫غير القراءات ‪ ،‬فالقرآن ‪ :‬هو الوحي المنزل على محمد ﷺ البيان واإلعجاز ‪ ،‬والقراءات ‪ :‬هي اختالف في‬
‫كيفية النطق بألفاظ الوحي ‪ ،‬من تخفيف أو تثقيل أو مد أو نحو ذلك ‪ ،‬قال أبو شامة ‪ « :‬ظن قوم أن القراءات‬
‫السبع الموجودة اآلن هي التي أريدت في الحديث ‪ ،‬وهو خالف إجماع أهل العلم قاطبة ‪ ،‬وإنما يظن ذلك بعض‬
‫‪46‬‬
‫أهل الجهل »‬
‫‪ :‬وقال الطبری ‪ « :‬وأما ما كان من اختالف القراءة في رفع حرف وجره ونصبه وتسكين حرف‬
‫وتحريکه ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة ‪ ،‬فمن معنى قول النبي ﷺ ‪ « :‬أمرت أن أقرأ القرآن على‬
‫سبعة أحرف » بمعزل ‪ ،‬ألنه معلوم أنه ال حرف من حروف القرآن ‪ -‬مما اختلفت القراءة في قراءته بهذا‬
‫المعنى يوجب المراء به كفر المماری به في قول أحد علماء األمة ‪ ،‬وقد أوجب عليه الصالة والسالم بالمراء‬
‫فيه الكفر ‪ ،‬من الوجه الذي تنازع فيه المتنازعون إليه ‪ ،‬وتظاهرت عنه بذلك من الرواية » ‪.‬‬
‫ولعل الذي أوقعهم في هذا الخطأ االتفاق في العدد سبعة ‪ ،‬فالتبس عليهم األمر ‪ ،‬قال ابن عمار ‪ « :‬لقد‬
‫فعل مسبع هذه السبعة ما ال ينبغي له ‪ ،‬وأشكل األمر على العامة بإبهامه كل من قل نظره أن هذه القراءات هي‬
‫المذكورة في الخبر ‪ ،‬وليته إذا اقتصر نقص على السبعة أو زاد ليزيل الشبهة »‬
‫وبهذه المناقشة يتبين لنا أن الرأي األول ( أ ) الذي يرى أن المراد باألحرف السبعة الغات من لغات‬
‫العرب في المعنى الواحد هو الذي يتفق مع ظاهر النصوص ‪ ،‬وتسانده األدلة الصحيحة ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬ومسلم ‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫أخرجه مسلم‬
‫‪46‬‬
‫انظر ‪ « :‬اإلتقان »‪. ) 80 / 1 ( ،‬‬
‫عن أبي بن كعب قال ‪ « :‬قال لي رسول هللا ﷺ ‪ :‬إن هللا أمرني أن أقرأ القرآن على حرف واحد ‪ ،‬فقلت‬
‫‪ :‬رب خقف عن أمتي ‪ ،‬فأمرني ‪ ،‬قال ‪ :‬اقرأ على حرفين ‪ ،‬فقلت ‪ :‬رب خفف عن أمتي ‪ ،‬فأمرني أن أقرأه على‬
‫‪4۷‬‬
‫‪.‬‬ ‫سبعة أحرف من سبعة أبواب الجنة ‪ ،‬كلها شاف كاف »‬
‫قال الطبری ‪ « :‬والسبعة األحرف ‪ :‬هو ما قلنا من أنه األلسن السبعة ‪ ،‬واألبواب السبعة من الجنة هي‬
‫المعاني التي فيها ‪ ،‬من األمر والنهي والترغيب والترهيب والقصص والمثل ‪ ،‬التي إذا عمل بها العامل ‪ ،‬وانتهى‬
‫إلى حدودها المنتهى استوجب به الجنة ‪ ،‬وليس والحمد هلل في قوله من قال ذلك من المتقدمين خالف الشيء مما‬
‫قلناه ‪ ،‬ومعنی ‪ ( :‬كلها شاف كاف ) كما قال جل ثناؤه في صفة القرآن ‪ ( :‬يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من‬
‫ربكم وشفاء لما في الصور وهدى ورحمة للمؤمنين )‪ ...48‬جعله هللا للمؤمنين شفاء ‪ ،‬يستشفون بمواعظه من‬
‫األدواء العارضة لصدورهم من وساوس الشيطان وخطراته ‪ ،‬فيكفيهم ويغنيهم عن كل ما عداه من المواعظ‬
‫‪49‬‬
‫ببيان آياته »‬

‫• معنى القراءة والرواية والطريقة‬


‫القراءة‬
‫لغة ‪ :‬قرأ‬
‫اصطالحا ‪ :‬هي االختيار المنسوب لإلمام‪ ،‬و اإلمام وهو الذي اختار قراءة عن مشايخه وتخصص فيها كاإلمام‬
‫نافع رحمه هللا قرأ على سبعين من التابعين واختار لنفسه قراءة من ما قرأ على مشايخه رحمهم هللا أجمعين‬
‫ويسمى باإلختيار وهو المعروف بالقراءة‪.‬‬
‫مثل‪ :‬قراءة نافع‪ ،‬قراءة ابن كثير‬

‫الرواية ‪:‬‬
‫لغة ‪ :‬روى‬
‫اصطالحا ‪ :‬وهو كل من نقل عن اإلمام ولو كان بينه وبين اإلمام سندا (أو نقول هي ما ينسب للراوي عن اإلمام‬
‫القارئ) مثال ورش وقالون عن اإلمام نافع‪.‬‬
‫مثال ‪ :‬ورش وقالون عن اإلمام نافع‬

‫‪4۷‬‬
‫رواه مسلم والطبری‬
‫‪48‬‬
‫يونس ‪۵۷ :‬‬
‫‪49‬‬
‫انظر ‪ « :‬الطبری » ( ‪. ) 9۷ ، ۶۷ / 1‬‬
‫الطريق ‪:‬‬
‫لغة ‪ :‬السبيل‬
‫اصطالحا ‪ :‬وهو كل من أخذ عن الراوي وإن سفل والناقل نقل عنه وهكذا وما سفل إلى اإلمام ابن الجزري‬
‫رحمه هللا الذي جمع الطرق الصحيحة عنهم في كتابه النشر ‪.‬‬
‫مثل ‪ :‬طريق األزرق و األصبهاني لورشن طريق الشاطبية‪..‬طريق التيسيرألبي عمرو الداني…وطرق أخرى‬
‫كثيرة‪.‬‬

‫• حكمة نزول القرآن على سبعة أحرف‬


‫تتلخص حكمة نزول القرآن على سبعة أحرف في أمور ‪:‬‬
‫‪ -1‬تيسير القراءة والحفظ على قوم أميين ‪ ،‬لكل قبيل منهم لسان وال عهد لهم بحفظ الشرائع ‪ ،‬فضال عن‬
‫أن يكون ذلك مما ألفوه ‪ -‬وهذه الحكمة نصت عليها األحاديث في عبارات ‪:‬‬

‫عن أبي قال ‪ « :‬لقي رسول هللا ﷺ جبريل عند أحجار المراء فقال ‪ :‬إني بعثت إلى أمة أميين ‪ ،‬منهم‬
‫الغالم والخادم والشيخ العام والعجوز ‪ ،‬فقال جبريل ‪ :‬فليقرأوا القرآن على سبعة أحرف »‪ « ، 50‬إن هللا أمرني‬
‫أن أقرأ القرآن على حرف ‪ ،‬فقلت ‪ :‬اللهم رب خفف عن أمتي » ‪ « ،‬إن هللا يأمرك أن تقریء أمتك القرآن على‬
‫حرف ‪ ،‬قال ‪ :‬أسأل هللا معاناته ومغفرته ‪ ،‬وإن أمتي ال تطيق ذلك »‪.‬‬
‫‪ - 2‬إعجاز القرآن للفطرة اللغوية عند العرب ‪ -‬فتعدد مناحى التأليف الصوتي للقرآن تعددا يكافيء الفروع‬
‫األسانية التي عليها فطرة اللغة في العرب حتى يستطيع كل عربي أن يوقع بأحرفه وكلماته على لحنه الفطرى‬
‫ولهجة قومه مع بقاء اإلعجاز الذي تحدى به الرسول العرب ومع اليأس من معارضته ال كون إعجازا للسان‬
‫دون آخر ‪ ،‬وإنما يكون إعجازا للفطرة اللغوية نفسها عند العرب ‪.‬‬
‫‪ -3‬إعجاز القرآن في معانيه وأحكامه ‪ -‬فإن تقلب الصور اللفظية في بعض األحرف والكلمات يتهيأ ‪.‬‬
‫معه استنباط األحكام التي تجعل القرآن مالئما لكل عصر ‪ -‬ولهذا احتج الفقهاء في االستنباط واالجتهاد بقراءات‬
‫األحرف السبعة ‪.‬‬

‫‪ 50‬رواه أحمد وأبو داود والترمذي والطبرى بإسناد صحيح ‪ ،‬وأحجار المراء ‪ :‬موضع بقباء ‪ ،‬وعسا الشيخ ‪ :‬كبر وأسن‬
‫وضعف‪.‬‬
‫المراجع‬

‫‪ -1‬مناع خليل القطان‪ ،‬مباحث في علوم القرآن‪ ،‬دار العلم واإليمان‪.‬‬


‫‪ -2‬الكتاب علوم القرآن الكريم لألستاذ الدكتور نور الدين عة‬
‫‪3- Al-Khalil, Manna Q. Studi Ilmu-ilmu Al-Qur’an. 2006. Jakarta: Litera Antarnusa.‬‬
‫‪Cetakan ke-9.‬‬

You might also like