Professional Documents
Culture Documents
اال ّ
طراد والشذوذ عند أبي البركات األنباري
في كتابه "اإلنصاف في مسائل الخالف"
"دراسة وصفيّة تحليليّة"
بحث تكميلي لنيل درجة (الماجستير) في اللغة العربيّة
إشراف:
األستاذ المشارك/الدكتور دوكوري ماسيري
العام الدراسي/2013 :
1
2
APPROVAL PAGE: صفحة التحكيم
_____________ أق ّرت جامعة المدينة العالميّة بماليزيا بحث ال ّطالب
:من اآلتية أسماؤهم
The dissertation has been approved by the following:
___________________________
Supervisor المشرف
__________________________
Examiner المشرف على التصحيح
______________________
Internal Examiner )2( الممتحن الدّاخلي
_______________________
Academic Managements & Graduation Dept. قسم اإلدارة العلمية والتخرج
عمادة الدراسات العلياDeanship of Postgraduate Studies
3
إقرار
بأن هذا البحث هو من عملي الخاص ،قمت بجمعه ودراسته ،وقد عزوت النّقل
قر ّأ ّ
واالقتباس إلى مصادره.
4
DECLARATION
I hereby declare that this dissertation is the result of my own investigation, except where
otherwise stated.
Signature: __________________________
Date: __________________________
5
جامعة المدينة العالميّة
طبع وإثبات مشروعيّة استخدام األبحاث العلميّة غير المنشورة إقرار بحقوق ال ّ
طبع © 2013محفوظة حقوق ال ّ
ثالث معلّم شيخ
االطراد والشذوذ عند أبي البركات األنباري
في كتابه " اإلنصاف في مسائل الخالف"
(دراسة وصفية تحليلية)
ي شك ّل أو صورة ال يجوز إعادة إنتاج أو استخدام هذا البحث غير المنشور في أ ّ
من دون إذن مكتوب من الباحث إالّ في الحاالت اآلتية:
.1يمكن االقتباس من هذا البحث بشرط العزو إليه.
يحق لجامعة المدينة العالميّة بماليزياا االساتفادة مان هاذا البحاث بشات ّى
ّ .2
الوسائل وذلك ألغراض تعليميّة ،وليس ألغراض تجاريّة أو تسويقيّة.
.3يحق لمكتباة جامعاة المديناة العالميّاة بماليزياا اساتخراج نساخ مان هاذا
البحث غير المنشور إذا طلبتهاا مكتباات الجامعاات ،ومراكاز البحاو
األخرى.
أكّد هذا اإلقرار :ثالث معلّم شيخ
_____________ _____________
الت ّاريخ الت ّوقيع
ملخص البحث
6
هذا بحث في االطراد والشذوذ عند أبي البركات األنباري في كتابه "اإلنصاف في
مسائل الخالف".
يهدف إلى توضيح ضوابط االطراد والشذوذ عند أبي البركات األنباري ،مع بيان
تطبيقات صور االطراد والشذوذ فيه وأثر ذلك كله في ترجيحاته .وذلك إجابة
علي األسئلة التي عرضت من إشكالية البحث التي في أبعاد القياس عند كل من
البصريين والكوفيين ،و اختالط أبعاد كل من االطراد والشذوذ في النحو العربي
لدي المتأخرين .وبنا ًء على هذه األهداف انتهج الباحث في هذه الدراسة منهجين،
المنهج الوصفي والمنهج التحليلي لتناسبهما مع طبيعة هذا البحث ،وعليه توصلت
الدراسة إلى نتائج من أهمها :التوضيح لمفهوم العام المتعلقة بظاهرة االطراد
والشذوذ مستعصية الفهم ،أن ضابط االطراد والشذوذ عند البصريين قائما على
الكم والنوع وكثرة النقل للظاهرة اللغوية مع فصاحتها ،في حين كان الكوفيين ال
يعدون ذلك ضابطا ،وتوصلت أيضا إلى أن االطراد والشذوذ كان مستند الترجيح
عند متأخري النحاة.
7
Abstract
This is a research on: Regularity (sometimes referred as regular succession) and irregularity
(anomaly) as seen by Abul Barakat Al-Anbari in his book: “Al’insaf fi Masa’ilil -Khilaf”.
This research aims at elucidating the principles governing Regularity and Irregularity (of
Arabic words usage) in Abul Barakat’s Al’Insaf, and explains applications of different forms
of Regularity and Irregularity in it and the effect of all this in his preferences. And this is
more or less an answer to the questions raised by the problem of the study. These answers are
manifested in: keeping off analogy by both Basra’s and Kufa’s Grammarians and mixture of
keeping aside Regularity and Irregularity in Arabic Grammar by the contemporary scholars of
Arabic Grammar. Based on this, this study tends to follow descriptive and analytical methods
for their suitability for the nature of this research. And it is based on this that the study comes
out with some findings the most important of which are:-Explaining the general concept
which has relation with Regularity and Irregularity that is difficult to understand.-That the
rule governing Regularity and Irregularity for Basrah’s Grammarians depends on the quantity,
the type and usage frequency of the linguistic concept and its eloquent features, while the
Grammarians of Kufa don’t consider this as a rule that governs Regularity and Irregularity.-
That Regularity and Irregularity are the source of preference for contemporary Arabic
8
الشكر والتقدير
الحمد هلل رب العالمين ،الملك الحق المبين ،أشكره على ما أنعم به علينا من النعم
ظاهرة وباطنة .والصالة والسالم على من بعثه هللا رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا
محمد صلى هللا تعالي عليه وسلم ،وعلي آله وصحبه أجمعين ،ومن تبعهم بإحسان
إلي يوم الدين.
يسعدني أن أقدم جزيل شكري إلى من كرمني هللا به مشرفا علي هذه الرسالة،
األستاذ المشارك الدكتور دوكوري ماسيري ،حفظه هللا ،فلم يأل جهدا في توجيهي
ونصحي إلى إتمام هذه الرسالة .وقد تعلمت منه الرحمة والشفقة ،وحسن التواضع،
أسأل هللا عز وجل أن يبارك في عمره لخدمة العلم.
وكذلك أقدم جزيل الشكر إلى مرشدي األول األستاذ المشارك الدكتور عبد الرحيم،
كما أقدم خالص شكري إلي مدير الجامعة األستاذ الدكتور محمد بن خليفة بن علي
التميمي حفظه هللا .وكذلك أقدم جزيل الشكر إلى سعادة عميد كلية اللغات األستاذ
المشارك الدكتور داود عبد القادر إليغا .وال يفوتني أن أقدم شكري العميم إلى هيئة
التدريس بالقسم.
وأشكر أخي عبد هللا صالح عبد هللا ،وإخواني ،وأصدقائي الذين يسعون ليلهم
ونهارهم إلتمام هذه الدراسة.
وال يفوتني أيضا أن أقدم جزيل شكري إلى لجنة المناقشة وتقييم البحث ،علي
مالحظاتهم النيرة لتنقيح هذا البحث المتواضع.
وفى الختام أشكر كل من دعا لي بالخير والتوفيق في السر والعلن.
أشكرهم جميعا واسأل هللا عز وجل لهم الجزاء األوفى إنه نعم المولي ونعم
النصير.
9
إلهداء
أهدى هذا البحث إلى روح والدتي المرحومة ،وإلى والدي أطال هللا في عمره
بصحة وعافية وسالمة.
وإلى زوجة الغالية التي تح ّملت الصبر طيلة غربتي عنها ،وكانت -نعمت
الزوجة -فقد ساندتني بتعاون مستمر ،وض ّحت بك ّل غال ونفيس ،محتسبة األجر
من هللا سبحانه وتعالى ،رفيقة حياتي ،وأم أوالدي زوجتي الحبيبة حفصة بنت
سليمان.
إلى من تحملوا آالم الفراق ،وقلوبهم معي ،راجين فالحي وعودتي إليهم ،أبنائي
االعزاء .محمد ،وأبوبكر ،وعمر ،وعثمان ،وخديجة ،وعائشة ،وحسنا ،وحسينا.
إلى كل من معي ماديا ومعنويا.
وإلى كل من علمني حرفا أو أرشدني إلى ما فيه خيرا في الدنيا واآلخرة.
إلى هؤالء جميعا أهدي هذا البحث المتواضع راجيا من المولي عز وجل أن ينفع
به االمة.
12
المحتويات
16
طراد والشذوذ وضوابطهالمبحث األول :تعريف اال ّ
طراد والشذوذالمبحث الثاني :جهود علماء العرب في دراسة ظاهرة اال ّ
المبحث الثالث :الدراسات السابقة
لمحة موجزة عن أبي البركات األنباري وكتابه اإلنصاف المبحث الرابع
17
الفصل الثاني :اإلطار النظري والدراسات السابقة
مدخل
من أدبيات البحث العلمي المعاصر أن تبدأ الدراسة باإلطار النظري من أجل إلقاء
الضوء على اإلبعاد العلمية ،للبحث بشكل عام ،والجهود السابقة المتعلقة بمجال
الدراسة ،وما يكتفها من جهود العلماء األوائل في تطوير المجاالت العلمية المتعلقة
بالمحاور التي سوف تناقشها هذه الدراسة؛ ولهذا بني هذا الفصل على ثالثة
مباحث:
المبحث األول :تعريف االطراد والشذوذ وضوابطه
المبحث الثاني :جهود علماء العرب في دراسة ظاهرة االطراد والشذوذ
المبحث الثالث :الدراسات السابقة
المبحث الرابع :لمحة موجزة عن أبي البركات األنباري وكتابه اإلنصاف
18
المبحث األول :تعريف اال ّ
طراد والشذوذ وضوابطه:
إذا تأملنا أصول النحو العربي جيدا وأدلته اإلجمالية ،سوف ندرك بأن مفهوم كل
ّ
المطرد والشاذ عند نحاة العربية ليس مبنيا على الكم أو العدد .فليس المقصود من
بالمطرد كثرته في الوجود ،ألن الكالم قد ال يكثر ولكنه قياسي ّ
مطرد ،وقد يكثر إال ّ
أنه شاذ ال يقاس عليه(.)1
أوال :تعريف اال ّ
طراد والشذوذ لغة واصطالحا ا:
يقول العالمة إمام العربية ابن جني" :أصل مواضع (ط ر د) في كالمهم التتابع
واالستمرار .من ذلك طردت الطريدة ،إذا اتبعتها واستمرت بين يديك .ومنه
وفرا ،فكل يطرد صاحبه" مطارة الفرسان بعضهم بعضاً .أال ترى أن هناك ً
كرا ً
(.)2
ّ
فالمطرد لغة (ط .ر .د ).و(اطرد) بمعنى تتابع ،وتسلسل .وعلى هذا قولهم :اطرد
الكالم أو الحديث :جرى مجرى واحدا متسقا .والنهر تتابع جريان مائه (.)3
ّ
فللمطرد في اللغة عدة معان منها :التتابع واالستمرار فيقال" :اطرد األمر أو هذا،
الشيء :تبع بعضه بعضا وجرى .ومنها أيضا :االستقامة ،يقال" :اطرد األمر:
مطرد :مستقيم على جهته .وفالن يمشي مشيا استقام ،واطرد الكالم إذا تتابع .وأمر ّ
ّ
مطردا أي مستقيما (.)4
ّ
المطرد في علم أصول النحو فمأخوذ من ّ
المطرد في علم أصول النحو :وأما ثانيا:
المعنى اللغوي األول ،ويقصد به :ما تتابع من الكالم وجرى على قواعد النحو
والصرف .وأشار ابن جني إلى أن أهل العربية جعلوا ما استمر من الكالم في
( )1ينظر :الدكتور/ماسيري دوكوري ،نظرية االطراد والشذوذ في النحو العربي وموقف المحدثين.
file:///C:/Users/dr.doukoure/Downloads/2805-8127-1-PB%20(1).pdf
( )2ينظر :ابن جني ،أبو الفتح عثمان ابن جني ،الخصائص ،ط ،1/تح/مح ّمد علي الن ّجار( ،بيروت :عالم
الكتب2006 ،م) ،ص .108وينظر :السيوطي ،جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ،االقتراح في علم
أصول النحو ،ط( ،1اآلزاريطة :دار المعرفة الجامعية2004 ،م) ،ص .109- 104
( )3مجمع اللغة العربية بالقاهرة ،المعجم الوسيط ،ط( ،4مصر :مكتبة الشروق الدولية1425 ،هـ /
2004م/2 ،ص .553
( )4ينظر :ابن منظور ،أبو الفضل جمال الدين مح ّمد بن مكرم ،لسان العرب ،مادة( :ط ر د) ،ط،4/
(بيروت :دار صادر2005 ،م) /9ص.101
19
اإلعراب وغيره من مواضع الصناعة ّ
مطردا )1(.وقد يفهم أيضا من المعنى
االصطالحي المعنى اللغوي الثاني (االستقامة) ألن ما جرى من الكالم على قواعد
النحو والصرف يعدّ مستقيما .وهكذا(.)2
ثالثا :تعريف الشاذ في اللغة( :ش ذ ذ) يقال شذّ عنه ي ِشذّ ويشذّ شذوذا :انفرد عن
()3
الجمهور وندر ،فهو شاذ .وشذ الشيء ي ِشذّ و يشذّ شذّا شذوذا :ندر عن جمهوره.
وفي المعجم الوسيط (شذَّ) :شذوذًا :انفرد عن الجماعة ،أو خالفهم .ويقال :شذ عن
شاذّ) :المنفرد أو ما خالف
الجماعة ،والكالم خرج عن القاعدة وخالف القياس .فـ (ال ّ
()4
القاعدة أو القياس .وما ينحرف عن القاعدة أو النمط( .ج) شواذ .
رابعا :الشاذ في علم أصول النحو :هو مأخوذ من المعنى اللغوي ،حيث يراد به ما
فارق عليه بقية بابه وانفرد عن ذلك إلى غيره شاذا .وكما قال الشريف الجرجاني
في التعريفات :الشاذ :ما يكون مخالفا للقياس من غير نظر إلى قلة وجوده
وكثرته(.)5
هذا ،وقد أشار الدكتور ماسيري دوكوري في مقالته عن الظاهرة إلى أن الشاذ
ينقسم من حيث قبوله وعدمه إلى قسمين:
أ .شاذ مقبول :وهو الذي يأتي على خالف القياس ،ويقبل عند الفصحاء والبلغاء.
ب .شاذ مردود :وهو الذي يأتي على خالف القياس ،وال يقبل عند الفصحاء
والبلغاء(.)6
وأخيرا ،يقول ابن جني فيما معناه" :هذا أصل هذين األصلين في اللغة ،ثم قيل ذلك
في الكالم واألصوات على سمته وطريقته في غيرها ،فجعل أهل علم العرب ما
مطردا ،وجعلوا مااستمر من الكالم في اإلعراب وغيره من مواضع الصناعة ّ
( )1ينظر :ابن قتيبة ،أبوعبد هللا بن مسلم ،أدب الكاتب ،تح/محمد الدّالي /بيروت :مؤسسة الرسالة ،د.ت).
ص .612-600
23
ّ .1
مطرد في القياس واالستعمال جميعاً :وهذا هو الغاية المطلوبة والمثابة المنوبة
وذلك نحو :قام زيد وضربت عمرا ً ومررت بسعيد.
مطرد في القياس شاذ في االستعمال :وذلك نحو الماضي من :يذر ويدع. ّ .2
وكذلك قولهم " مكان مبقل " هذا هو القياس واألكثر في السماع باقل واألول
مسموع أيضا ً قال أبو داود البنه أعاشني بعدك واد مبقل آكل من حوذانه وأنسل
وقد حكى أيضا ً أبو زيد في كتاب حيلة ومحالة :مكان مبقل .ومما يقوى في القياس
يضعف في االستعمال مفعول عسى اسما ً صريحا ً نحو قولك :عسى زيد قائما ً أو
قياما ً هذا هو القياس غير أن السماع ورد بحظره واالقتصار على ترك استعمال
()1
االسم ههنا وذلك قولهم :عسى زيد أن يقوم ﭽ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﭼ
ّ .3
مطرد في االستعمال شاذ في القياس :نحو قولهم :أخوص الرمث واستصوبت
األمر .وقال :يقال استصوبت الشيء وال يقال :استصبت الشيء .ومنه استحوذ
وأغيلت المرأة واستنوق الجمل.
.4شاذ في القياس واالستعمال :وهو كتتميم مفعول فيما عينه واو نحو :ثوب
مصوون ومسك مدووف .وحكى البغداديون :فرس مقوود ورجل معوود من
مرضه .وكل ذلك شاذ في القياس واالستعمال .فال يسوغ القياس عليه وال رد غيره
إليه .وال يحسن أيضا ً استعماله فيما استعملته فيه إال على وجه الحكاية .واعلم أن
الشيء إذا اطرد في االستعمال وشذ عن القياس فال بد من اتباع السمع الوارد به
فيه نفسه لكنه ال يتخذ أصالً يقاس عليه غيره.
وقال" :واعلم أن الشيء إذا اطرد في االستعمال وشذ في القياس ،فال بد من اتباع
السمع والوارد به فيه نفسه ،لكنه ال يتخذ أصال يقاس عليه غيره"(.)2
االطراد والشذوذ في الكالم العربي ،وإنّ بهذا النص القديم المهم تفصلت قضية
ّ
المطرد في القياس واالستعمال جميعا هو الغابة المطلوبة والمثابة المنوبة من كان
أجل طموح العلماء إليه ،وتعويلهم عليه .فهو الذي ترسخ به قواعدهم ،فتقنع المتعلم
وتعجز الخصيم(.)3
( )1ينظر :محمد أحمد العمروسين االطراد والشذوذ في النحو العربي بين القدامى والمحدثين .و محمد
جمال صقر ،االطراد والشذوذ اللغويان .ص.6
( )2ينطر :الدكتور/ماسيري دوكوري ،نظرية االطراد والشذوذ في النحو العربي وموقف المحدثين-5 ،
.6
( )3ينظر :المرجع السابق.
26
من الذين رأوا هذا الغموض في هذه القضية .كذلك رمى القدماء باالضطراب فيها.
ومن المعاصرين الذين تطرقوا إلى القضية أيضا محمد جمال صقر رأى أن ال
ّ
للمطرد .وأنه ليس في وجه لثورة بعض الباحثين المحدثين على الشاذ رعاية
وصف مظهر من مظاهر نظام اللغة والنحو بالشذوذ من دنية أو ضعة ،وال في
وصف غيره من الكالم العربي من رفعة (.)1
( )1ينظر :المرجع السابق ،الدكتور محمد جمال صقر ، ،االطراد والشذوذ اللغويان .ص.6
27
المبحث الثالث :الدراسات السابقة:
أوال :نظرية اال ّ
طراد والشذوذ في النحو العربي وموقف المحدثين دراسات في
()1
أصول النحو
تحتوي هذه الورقة على ( )6صفحات .وناقش فيها موضوعات تتعلق بنظرية
ّ
االطراد والشذوذ في النحو العربي وموقف المحدثين.
أهداف البحث:
ّ
االطراد والشذوذ ،كونه وضّح الباحث أنه يهدف من هذه الورقة :توضيح مفهوم
من أهم المباحث المرتبطة بأدلة النحو وأصوله؛ ومن هدف الباحث في الورقة،
دفاع الظلم والجور عن النحو العربي لقصد النيل منه ،كما كان هدفه دفاع عن
النقود التي و ّجهت إلى النحاة القدامى بخصوص هذه الظاهرة.
منهج الدراسة:
لم يبيّن الباحث بشكل صريح المنهج الذي نهجه ،ولكن من خالل اطالعي على
البحث تبيّن أنّه نهج المنهج التحليلي والمقارن ،حيث قارن بين مواقف النحاة
ّ
االطراد والشذوذ. القدامى ونظريات علم اللغة الحديث عن ظاهرة
عالقة بين هذه الدراسة وبحثي هذا:
ّ
االطراد والشذوذ في النحو تناول البحث موضوعات عدة ذات صلة وطيدة بنظرية
العربي ،وبيّن في المسألة موقف المحدثين .إال أنه لم يرتبط حدوده بكتاب معين من
كتب أبي البركات األنباري .فقسم ورقته إلى أربعة أقسام؛ فتطرق في القسم األول
فعرفت الورقة
المطرد والشاذ عند أهل اإلعرابّ ، ّ منها إلى مفهوم كل من الكالم
سمت الكالم الشاذ من حيث قبوله ّ
االطراد والشذوذ لغة واصطالحا ،ث ّم قَ ّ ظاهرة
وعدمه إلى قسمين هما -1 :شاذ مقبول -2 .شاذ مردود .وأما القسم الثاني فقد تناول
االطراد والشذوذ بالسماع والقياس ،وأوضحت ّ
بأن ابن جني يعدّ أول ّ عالقة ظاهرة
صلتطرق إلى دراسة مواقف النحاة في الظاهرة ،دراسة مستفيضة ،وقد تو ّ ّ من
بتصرف.
ّ طراد والشذوذ في النحو العربي وموقف المحدثين؛ ( )1ينظر :دكوري ماسيري ،نظرية اال ّ
ّ
( )2نشِرت هذه الدراسة بموقع رابطة أدباء الشام في مجلتها التي تصدر من لندن – بريطانيا .د.ت.
29
كان منطق العلم والتعليم ،وأما اآلخر فكان منطق ّ
الفن ؛ ولقد أقبال معا على كالم
العرب استيعابا ً ونقدًا ،ث ّم ذكر ما قام به البصريون على استخراج العلوم العربية،
وفرعوا ،وكان فيهم غريزة التحقيق والتمحيص دون الكوفيين... صلوا ّفأ ّ
منهج الدراسة:
لم يذكر الباحث المنهج المستخدم في تناول هذه الدراسة.
عالقة الدراسة بهذا البحث:
إن هذه الدراسة تختلف عن سابقتِها من جميع النواحي البحثية ،فلم تذكر الدراسة
أن كل من ّ
اطلع السابقة منهجها وهدفها ،وال الدوافع التي كتِبت من أجلها ،إالّ ّ
عليها قد يدرك ّ
أن من أهدافها التأييد على النحاة القدماء في الموضوع.
ومن هذا المنطلق يتجلّى الفرق بين الدراستين ،حيث ّ
إن الدراسة الحالية تهدف إلى
تحليل الضوابط التي اعتمد عليها أبو البركات األنباري في اإلنصاف عند تناوله
المسائل الخالفية بين نحوي البصرة والكوفة ،وقد سبق ذكر المنهج واألهداف
للدراسة الحالية في أماكنها المناسبة من البحث ..في حين نجد ّ
أن الدراسة السابقة
قائمة على الناحية النظرية لعدم التطبيق على كتاب معيّن.
نتائج الدراسة:
االطراد والشذوذ مصطلحان ِع ْل ِميّان( ،صناعيّان) ّ صلت الدراسة إلى أن ظاهرة تو ّ
طبيعيّان قديمان باقيان ،كما توصلت الدراسة بأنّه ال وجه لثورة بعض الباحثين
للمطرد ،وأنّه ليس في وصف المظهر من مظاهر نظام اللغة ّ على الشاذّ رعاية
ّ
باالطراد من َر ْف َعةٍ ،إالّ أن يستعمل ض َعةٍ ،وال في وصف غيرهوالنحو بالشذوذ من َ
بمطرد الحقائق وشاذّها اللذين تحكمهما شروط المجاز وهو ال ت َ ْنبَني به القواعد بل ّ
وتحدِّدهما معالم على أربعة أضرب ،فذكرت الدراسة األضرب األربعة التي
أن صاحب الدراسة أشار إلى ذكرها ابن جني في كتابه الخصائص بالتفصيل ،إالّ ّ
أن ابن جني لم يمثّل للضربين الثالث والرابع بشيء من مظاهر نظام اللغة والتفكير
وأن الذي يصيب نظام اللغة والنحو هو (النحو) ،بل اختصر على مظاهر صرفيةّ ،
شذوذ االستعمال ال شذوذ القياس..
30
ثالثا :شواذ التصريف في األسماء ومنهج العلماء في تناولها
إعداد فهد بن منيع هللا بن ناجي الصاعدي .إشراف أ .د /مح ّمد حسن مح ّمد يوسف
( .)1وتقع هذه الدراسة في حدود ( )418صفحة .ناقش فيها األسماء الشاذة في
التصريف ثم المنهج المستخدم في تناولها من قبل الباحثين والدارسين.
أهداف البحث :بدأت الدراسة بمقدمة وجيزة ذكر فيها الباحث قصده من البحث،
وهو جمع شواذ تصريف األسماء ودراستها من خالل ما ورد في أ ّمهات كتب
النحو والتصريف واللغة ،وبيان أنواع الشذوذ فيها ،والتعرف على منهج العلماء
في تناوله وتوضيح معالمه واستخالص النتائج المتوخاة من ذلك البحث.
منهج الدراسة:
ذكر الباحث المنهج الذي اتبعه ،وهو المنهج الوصفي ،ث ّم ذكر خمسة خطوات
اتبعها أثناء البحث.
عالقة الدراسة بهذا البحث:
إن الدراسة الحالية تختلف عن الدراسة السابقة بشكل ملحوظ ،حيث إن الدراسة
الحالية مقيّدة بكتاب من أبرز كتب االختالف النحوي بين نحوي البصرة والكوفة،
ّ
االطراد والشذوذ في النحو العربي في ضوء كتاب وكذلك إنها تدرس ظاهرة
أن الدراستين تتّفقان في المنهج ،وذلك يرجع إلى طبيعتهما فياإلنصاف ،إالّ ّ
الدراسة ،وأ ّما بالنسبة للدافع األساسي فإنّه واضح اختالفه ،وكذلك المضمون،
حيث إن الدراسة السابقة تناولت شواذ التصريف في األسماء فقط ومنهج العلماء
في تناولها ،بينما الدراسة الحالية قائمة على وصف ما اطرد وما شذّ من كالم
العرب من خالل كتاب معيّن كما سبق ،ومن ث َ َّم استنباط ضوابطها وصور
تطبيقها...
نتائج الدراسة:
توصلت هذه الدراسة إلى نتائج من أهمها:
( )1بحث تكميلي لنيل درجة الماجيستير من كلية اللغة العربية ،قسم اللغويات ،الجامعة اإلسالمية بالمدينة
المنورة.1424 ،
31
أن الشاذ ال تخرج عن فصاحتها غالبا ،حيث تكلم به عربي ،أن للشاذ علال،
وأسرارا ،وفوائد جعلت العربي قد ينحرف به عن بابه كالتنبيه على األصل،
نحو(:أ ْقوس) وتوصلت أيضا إلى وجود كثرة أنواع الشواذ ،وأن للشاذ مترادفات
كثيرة منها :قولهم(غير مطرد)كما أن النحاة يعبرون أحيانا عن الشاذ بالنادر ،أو
القلة.
رابعا :الشذوذ في قواعد اللغة العربية:
()1
إعداد عبد الناصر عثمان عبدهللا صبير .إشراف /أ .محمد الطيّب عبدهللا.
أهداف الدراسة:
بدأ البحث بمقدمة تحدّ فيها عن اللغة وقيمتها وقوانينها والمحافظة عليها والتفاني
فيها والحرس على نقائها ،ألنها لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف،
سم الباحث بحثه إلى سبعة فصول؛ الفصل األول عبارة عن والرسالة الخاتمة .ث ّم ق ّ
أساسيّات البحث ،والفصل الثاني تحد فيه عن االستدالل ،وأصول النحو عند
وتعرض أله ّم األصلين هما :السماع ،والقياس .أما الفصل الثالث تناول ّ العرب،
فيه تعريف الشذوذ في خمسة مباحث؛ بينما الفصل الرابع كان الحديث فيه عن
الشذوذ في المرفوعات؛ والفصل الخامس دار الحديث فيه عن الشذوذ في
المنصوبات؛ والفصل السادس تحد عن الشذوذ في المجرورات األدوات .بينما
صل إليها الباحثالفصل السابع واألخير عبارة عن خاتمة البحث ،والنتائج التي تو ّ
في نهاية البحث ،ثم ألحقها بالتوصيات.
عالقة الدراسة بهذا البحث:
إن الدراسة الحالية تختلف عن الدراسة السابقة بشكل ملحوظ ،حيث إن الدراسة
الحالية مقيّدة بكتاب من أبرز كتب االختالف النحوي بين نحوي البصرة والكوفة،
االطراد والشذوذ في النحو العربي في ضوء كتاب ّ وكذلك إنها تدرس ظاهرة
اإلنصاف ،وأ ّما بالنسبة للدافع األساسي فواضح اختالفه ،وكذلك المضمون ،حيث
إن الدراسة السابقة تناولت الشذوذ في قواعد اللغة العربية ،بينما الدراسة الحالية
( )1بحث تكميلي لنيل درجة الماجيستير في تعليم اللغة العربية للناطقين لغيرها .جامعة الدول العربية،
معهد الخرطوم الدولي1990 ،م.
32
قائمة على وصف ما اطرد وما شذّ من كالم العرب من خالل كتاب معيّن كما
سبق ،ومن ث َ َّم استنباط ضوابطها وصور تطبيقها...
33
المبحث الرابع :لمحة موجزة عن أبي البركات األنباري وكتابه اإلنصاف
يعدّ أبو البركات كمال الدين األنباري (عبدالرحمن بن عبيد هللا بن أبى سعيد)
المولود في سنة 513هـ ( ،)1من أشهر أعالم اللغة والنحو؛ حيث تعلّم اللغة واألدب
على يدِّه نخبة من مشاهير اللغة واألدب من أمثال :أبو نصر أحمد بن نظام الملك،
أبو البركات عبدالوهاب األنماطي ،أبو منصور الجواليقي ،أبو منصور بن
الرزاز ،ابن الشجري ،أبو محمد عبدهللا المقرئ النحوي ،محمد بن محمد بن ّ
محمد بن عطاف الموصلي( ،)2وغيرهم من األئ ّمة .وقد تتلمذ على يده مجموعة من
العلماء أشهرهم محمد بن موسى الملقّب بالحازمي ،و محمد بن سعيد الواسطي،
وعبد الغفار بن محمد األعلمي ،وأبو شجاع محمد بن أحمد العنبري .وله مؤلفات
وتصانيف :أوصله بعض المحققين إلى 83مؤلّفاً؛ أشهرها :أسرار العربية،
اإليضاح في النحو ،والوجيز في التصريف ،و الجمل في علم الجدل ،البيان في
إعراب غريب القرآن ،األضداد ،البلغة في نقد الشعر ،والبلغة في أساليب اللغة،
والبلغة في الفرق بين المذكر والمؤنث .واهم هذه المؤلفات التي طرقت مجال
أصول النحو :لمع األدلة ،وقد رتبه ابن األنباري على ثالثين فصالً ،واإلغراب في
جدل اإلعراب :والكتابان يعدّان مصدران أساسيّان في مجال أصول النحو ،بل
يعدّان َّأول مؤلف مستق ّل في هذا المجال ،وقد حقق الكتابان بواسطة الدكتور محمد
سعيد األفغاني ،عني بطباعتهما مطبعة الجامعة السورية عام 1377الموافق لـ
،1957ولهما نسخة اإللكترونية(.)3
وأ ّما الكتاب الثالث الذي هو ميدان دراستنا التطبيقية هو (اإلنصاف في مسائل
الخالف بين البصريين والكوفيين) فيعدّ أوسع مصدر في مجال الخالفات النحوية؛
حيث أورد فيه 121مسالة نحوية بشكل مفصل ،والكتاب له طبعات؛ منها :طبعة
دار الكتب العلمية بتحقيق :حسن مح ّمد أشراف ،و د/إميل يعقوب ،وطبعة الخانجي
بالقاهرة بتحقيق :الدكتور جودة مبروك ،وطبعة دار الطالئع ،بتحقيق :محمد محي
()1شااهاب الاادين أبااو عباادهللا باان عباادهللا الحمااوي الرومااي البغاادادي ،معجععم البلععدان ( الطبعااة األولااى ،دار
صادر للطباعة والنشر 1374هـ 1955 -م جـ /1ص .258-257
) د/جودة مبروك محمد مبروك ،محقق الطبعة األولى من كتاب اإلنصاف ،مكتبة الخانجي 2002م(2.
( )3ينظر النسخة اإللكترونية في رابط (:)2014/05/19
http://www.archive.org/download/ighr...ma3-anbary.pdf
34
الدين عبد الحميد ،وطبعة رابط تنزيل الكتاب طبعتها األولي للكتاب عام،2014
بتحقيق :عادل محمد ،وطباعة دار الترا العربي والنشر طبعتها األولي للكتاب
عام .2013
يعتبر هذا الكتاب من أشهر الكتب التي ألفها األنباري وقد ذكر في مقدمته أنه ألفه
بطلب من بعض المشتغلين عليه من الفقهاء المتأدبين واألدباء المتفقهين بالمدرسة
النظامية أن يؤلف لهم كتابا ً يحوى مشاهير المسائل الخالفية بين نحوي البصرة
والكوفة ،على ترتيب المسائل الخالفية بين الشافعي وأبى حنيفة ليكون أول كتاب
ألف في هذا الفن(.)1
المدخل:
إن اإلطار التحليلي لهذا البحث يقتضي أن يكون في دراس ِة وتحلي ِل الضوابط
لالطراد والشذوذ عند أبي البركات األنباري؛ وبشكل موجز ،ذلك ّ
ألن أبا ّ والصور
َ
الحديث حول الظاهرة ،وإنما اكتفى بالحديث عن النقل سع
البركات األنباري لم يو ّ
وانقسامه إلى تواتر و آحاد ،ومن ث َ َّم ذكر شرط نقل كل منهما ،حيث تناول ذلك في
فصلي الخامس والسادس ،وذلك في كتابه (لمع األدلة) مع ذكر أقوال العلماء في
ذلك ،ويتناول الباحث ذلك في مبحثي األول والثاني من هذا الفصل؛ وبعد ذلك
( )1ذكر محقق اإلنصاف الشيخ محمد محي الدين عبدالحميد ،أن النحاس قد ألف كتابا ً سماه (المابهج) فاي
الخالف النحوي بين البصريين والكوفيين؛ ويتضح أن المؤلّاف لام يطلاع علياه ،بواساطة موقاع ملتقاى أهال
نص المقدمة في كتاب اإلنصاف الذي حققه د /جودة محمد مبروك .ص.3 الحديث .وينظر ّ
35
نرى كيف أثّرت الظاهرة في ترجيحات أبي البركات األنباري ،وذلك يكون في
المبحث الثالث من هذا الفصل.
36
المبحث األول :ضوابط اال ّ
طراد الشذوذ عند أبي البركات األنباري:
لقد أشار أبو البركات األنباري في خالل حديثه عن النقل إلى أن الكالم المنقول
يجب أن يكون" :خارجا عن حد القلة إلي حد الكثرة"(.)1
كما أنه أشار كذلك في خالل حديثه عن ترجيح األدلة المنقولة إلى أن من الترجيح
في اإلسناد أن "يكون النقلة في إحداهما أكثر من اآلخر"(.)2
ومن هنا يمكننا القول بأن "ضابط اال ّ
طراد والشذوذ" عند أبي البركات األنباري
يدور حول كثرة الظواهر اللغوية وخروجها من مستوى القلة إلي مستوى الكثرة.
لكنه أشار قبل ذلك إلى الفصاحة وصحة النقل؛ مما ساغ لنا القول بأن ضابط
االطراد عنده غير منحصر على العدد فحسب ،بل تعدّاه إلى النوع المتمثل في: ّ
ّ
االطراد عند أبي بأن ضابطالصحة اللغوية وسالمة النقل ،وعليه نستطيع القول ّ
البركات األنباري ينطلق من ثالثة أبعاد:
.1الصحة اللغوية.
.2سالمة النقل.
.3الكثرة.
أوال :الصحة اللغوية:
ويقصد بها أن يكون الكالم المنقول فصيحا؛ فخرج عنه ما جاء في كالم غير
العرب من المولّدين ،وما شذّ من كالمهم 3 ،كالجزم بــــــ (لن) والنصب بــــــــ
(لم) حيث و ِجد من قرأ شذوذا قوله تعالى :ﮨ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ )4( بفتح الحاء ،وكذا
الجر بـــــــ (لعل) كما في قول كعب بن سعد حيث روي بالجر قوله:
ّ ورود
( )1ينظر :أبو البركات األنباري ،عبد الرحمن كمال الدين ،لمع األدلة ،تح :سعيد األفغاني( ،دمشق:
مطبعة الجامعة السورية 1957م) ،ص .81 :وكذلك كتاب اإلغراب في جدل اإلعراب ،ص.45
( )2ينظر :المصدري السابقين ،ص 65 :وما بعدها.
( )3ينظر :أبو البركات األنباري ،لمع األدلة ،ص.81
( )4سورة الشرح :اآلية1 :
37
"لعل أبي المغوار منك قريب" والصحيح" :لعل أ َبا المغوار منك قريب" بالنصب.
وهكذا يعلّل األنباري المسألة ويعزز ما يقوله باألمثلة المناسبة للموضوع وفي
النهاية يثبت بأنها م ّما ال يخفى من الشواذ (.)1
ثانياا :سالمة نقل الكالم:
أشار األنباري إلى أن الكالم العربي يشترط في نقله ما اشترط في نقل أحاديث
الرسول صلي هللا عليه وسلم ،ألن الكالم العربي الفصيح به يعرف تفسير
ط في نقله لتعلُّقه به ما اشترط في نقله (األحاديث)
األحاديث وتأويله ،لذلك اشت ِر َ
وإن لم يكن في الرتبة والفضيلة من شكله؛ إذن ،فال بد من سالمته من كل
العيوب.)2(...
ثالثا :الكثرة:
إن أبا البركات األنباري في هذه النقطة لم يحددها بشكل دقيق ،وذلك عند حديثه
عن انقسام النقل إلى متواتر وآحاد .فذكر أن النقل المتواتر يشمل لغة القرآن وما
تواتر من السنة النبوية وكالم العرب؛ وأشار إلى أن هذا القسم دليل قطعي من أدلة
النحو يفيد العلم؛ إال أن العلماء قد اختلفوا في ذلك العلم .فرأى األكثرون منهم إلى
ّ
المطرد) فكان ضروريا. ضرورته ،وأنه موجود في خبر التواتر (الكالم العربي
وذهب آخرون إلى أنه (العلم) نظري ،واستدلوا على ذلك بأن بينه وبين النظر
ارتباطا؛ وأضافوا بأنه يشترط في حصوله نقل جماعة يستحيل عليهم االتفاق على
ص ٌ
دق.)3(... الكذب دون غيرهم .فإذا اتفقوا هؤالء ع ِلم أنه ِ
هذا ،فأبو البركات األنباري الذي جاء بعد صاحب الخصائص جعل هو اآلخر
للكالم العربي ضابطا يضبطه فنحى نحو من سبقه؛ فأشار أثناء حديثه عن النقل
إلى "أن الكالم العربي الفصيح يجب أن يكون خارجا عن حد القلة ،إلى حد
الكثرة"( )4ويعني بالقلة هنا (الشذوذ) ألنه -كما سبق – أن العلماء س ّموا الكالم
الشاذ بأسماء عدة منها :القلة والندرة وغيرهما .فأبو البركات األنباري رحمه هللا
استعمل القلة وكأنه أراد بها قلة ورود الكالم عن العرب وشذوذه .وكما اشترط
النحوي البصري بأن الرواة اتفقوا على أن الرواية (كما يوما تحدثه) بالرفع ،ولم
يروه أحد بالنصب إال أبو طالب النحوي اللغوي الكوفي الفاضل المشهور بـــــ
(المفضل الضبي) فإنه كان يرويه منصوبا ،وبإجماع الرواة من نحوي البصرة
والكوفة على خالفه .وال شك أن المخالف له أعلم منه بعلم العربية.)2(...
وهذه المسألة – مسألة (كما بمعنى كيما) – هي المسألة الرابعة والثمانون ()84
من بين المسائل المائة وإحدى وعشرين ( )121التي تناولها األنباري في كتابه
اإلنصاف في مسائل الخالف .وآخر ما توصل إليه في المسألة أنه لو ص ّح ما روى
المفضل الضبي على مقتضى مذهبه فال يخرج ذلك عن حد الشذوذ والقلة ،وال
يكون فيه حجة .و لهذا ر ّجح األنباري ما ذهب إليه الجمهور ،وجعل ما ذهب إليه
من خالفهم شاذًا وقليالً ال يحتج به...
ّ
المطرد عند األنباري هو كثرة الظواهر إذن ،فيتبيّن م ّما سبق ،بأن ضابط الكالم
اللغوية الواردة عن العرب ،والمتفق عليها عند جمهور النحويين ،وال بد من
خروجها عن مستوى القلة والندرة.
( )1ينظر :الكامل ،وهو في الديوان ص 197،والعيني 362/4وبال نسبة في شرح االشموني .274/2
( )2ينظر :أبو البركات األنباري ،اإلنصاف في مسائل الخالف ،ص.408-397 :
( )3ينظر :أبو البركات األنباري ،اإلنصاف في مسائل الخالف ،ص.408-407 :
41
"ذا" )1(...واحت ّج الكوفيون فقالوا" :إن الدليل على أن االسم هو " الذال" وحدها
ألن األلف والياء فيهما يحذفان في التثنية ،ولو كانا أصالن لكان ال يحذفان،
ولَ َو َجب إبقائهما في التثنية"( )2وأما البصريون فاحت ّجوا قائلين" :إنه ال يجوز أن
تكون الذال وحدها فيهما هو االسم؛ وذلك ألن "ذا والذي" كل واحد منهما كلمة
منفصلة عن غيرها ،فال يجوز أن يبنى على حرفٍ واحدٍ؛ ألنه البدَّ من االبتداء
بحرف ،والوقوف على حرف )3(...وأخيرا ،رأى البصريون على أن يكون االسم
نظير في كالم
ٌ في "ذا" (الذال واأللف معا) واالسم في "الذي" لــــ "ذي" ألن له
ي" وما نقص عن ذلك من األسماء التي أوغلت في شبه ي وعم ّالعرب؛ نحو" :شج ّ
الحروف فعلى خالف األصل (شاذ) وال يمكن إلحاق "ذا والذي" بها ...وجاءوا
بأدلة تثبت ما ذهبوا إليه في المسألة.
ّ
المطرد ،هذا من جهة النقل من هنا ،تَبيّن أن هذه المسألة تندرج تحت النقل
المتواتر ،وأ ّما من جهة القياس فإن ما قيس عليها من قِبَ ِل الكوفيين بزيادات بعض
مطرد في كالم العرب؛ يعني هذا أن وروده في الحروف كالالم مثال ،ليس بقياس ّ
ّ
المطرد في االطراد والشذوذ هنا هي من ضمن ّ كالمهم شاذ وقليل ...فصورة
السماع (االستعمال) الشاذ في القياس من كالم العرب.
الصورة الثانية :الم ّ
طرد في القياس الشاذ في االستعمال:
وقد وردت هذه الصورة في المسألة السادسة والعشرين (مسألة دخول الالم في
ّ
"لكن") أثناء حديثه عن المسألة وإيراده الردود على الكوفيين ،ذكر في خبر
الجواب عن كلماتهم بأن قول الشاعر:
*و لكنني من حبّها لَ َكميد*
() 4
نظير في كالم
ٌ فقال" :هو شاذٌّ ال يؤخذ به لقلته وشذوذه ،ولهذا ال يكاد يعرف له
مطردا لكان ينبغي أن ي ْكث َر في كالمهمسا ّالعرب وأشعارهم ،ولو كان قيا ً
(إن) ،وفي عدم ذلك دليل على أنه شاذٌّ ال يقاسوأشعارهم ،كما جاء في خبر ّ
( )1ينظر :أبو البركات األنباري ،اإلنصاف في مسائل الخالف ،ص.536 :
( )2ينظر :المصدر السابق ،ص.535 :
( )3ينظر :المصدر السابق ،ص.537
( )4لم أقف على قائل هذا البيت ،والشاهد فيه :دخول الالم على خبر "لكن" ،وهو مطرد في القياس إالّ أنه
قليل االستعمال.
42
عليه"( .)1فهنا يدرك بأن أبا البركات األنباري وقف موقفًا يثبت لنا ّ
بأن المسألة من
بين الكالم العربي الشاذّ في القياس الذي ال يقاس عليه ،وإن اطرد في كالم العرب؛
(لكن) كما جاز في خبر ّ
(إن) نحو: ّ وذلك ألن الكوفيين رأوا دخول (الالم) في خبر
ّ
(لكن) لكن عمرا ً لقائ ٌم" واحتج الكوفيون بجواز دخول (الالم) في خبر
"ما قام زيدٌ ّ
بدليل وجود النقل والقياس في ذلك ،فمثال النقل البيت السابق ،وأما القياس فمثاله
قول الشاعر:
ت َكا ِذ ٍ
ب من يقولها(.)2 على َهنَوا ٍ لَ ِهنّ ِك من َ
عبسِي ٍة لوسيمة
"لكن"" :إ ّن" زيدت عليها "ال ،والكاف" ،كما ِزيدت
ّ وعلّلوا ذلك بأن األصل في
عليها "الالم والهاء" في البيت السابق ذكره .وأوردوا أمثلة كثيرة التي تؤكد هذا
ّ
"لكن". القياس في
أن أصلها ّ
"إن" – كما بيّنوا – هو جواز العطف وأخيرا قالوا" :إن الذي يدل على ّ
على موضعها ،كما جاز ذلك على موضع ّ
"إن" فد ّل ذلك على أن األصل فيها
"إن" ِز ْيدَت عليها "ال والكاف"؛ فكما يجوز دخول الالم في خبر ّ
"إن" فكذلك ّ
ّ ()3
يجوز دخولها "لكن" .
فخالصة القول ،إن هذه المسألة تندرج – عند الكوفيين – تحت الكالم العربي
ّ
المطرد في القياس وإن لم يكثر في االستعمال؛ بينما البصريون يرون عكس ذلك
كما سبق.
الصورة الثالثة :الشاذ في االستعمال والقياس معاا:
وقد وردت هذه الصورة في المسألة السادسة عشر من كتاب اإلنصاف (مسألة
التعجب من السواد والبياض) اختالف نحوي البصرة والكوفة ،حيث ذهب
الكوفيون بجواز استعمال (ما أفعلَه) في التعجب من البياض والسواد خاصة من
جوزوا ذلك للنقل والقياس الوارد فيه؛ وجاءوا بين سائر األلوان ،وقالوا بأنهم ّ
باألمثلة على ذلك في النقل (المسموع من كالم العرب) وكذلك في القياس ،و َبيّنوا
بأن وجه جواز القياس هو أن السواد والبياض هما أصال األلوان ،ومنهما ير ّكب
( )1ينظر :أبو البركات األنباري ،اإلنصاف في مسائل الخالف ،ص ،110-105المسألة رقم.)15( :
( )2ينظر :أبو البركات األنباري ،اإلنصاف في مسائل الخالف ،ص ،110-105المسألة رقم.)15( :
( )3ينظر :المصدر السابق .المسألة رقم ()16
( )4قائل البيت :ذو الخرق الطهوي :ينظر :ابن عصفور ،علي بن مؤمن بن محمد ،ضرائر الشعر ،تح:
السيد إبراهيم محمد ،ط( ،1األندلس :دار األندلس للطبعة والنشر والتوزيع1980 ،م) ،ج.289/1
46
فأدخل األلف والالم على الفعل ،وأجمعنا على أن استعمال مثل هذا خطأ لشذوذه
قياسا ً واستعماالً فكذلك هاهنا؛ وإنما جاء هذا لضرورة الشعر ،والضرورة ال يقاس
عليها ،كما لو اضطر إلى قصر الممدود على أصلنا وأصلكم ،أو إلى مد المقصور
على أصلكم ،وعلى ذلك سائر الضرورات ،وال يدل جوازه في الضرورة على
جوازه في غير الضرورة ،فكذلك هاهنا فسقط االحتجاج به .وهذا هو الجواب عن
قول اآلخر(:)1
َّاض. أبيض ِم ْن أ ْخ ِ
ت بَنِي ِإب ِ َ
"أبيض" وهو أفعل من البياض ،وإذا جاز ذلك في أفعل من كذا جاز في "ما َ فقال:
()2
أفعَلَه وأ ْف ِع ْل ب ِه" ال يجوز فيه أفعَل من كذا...
صل الباحث من هذه المسألة بأن أبا البركات األنباري ر ّجح مذهب البصريين، تو ّ
وأثبت بأن ما ذهب إليه الكوفيين ال يستقيم ،وذلك ألن سائر األلوان إنّمالم يجز أن
يستعمل منها "ما أفعلَه ،وأف ِعل منه" ألنها الزمت محلّها ،فصارت كع ْ
ض ٍو من
() 3
األعضاء...
ثالثا :مسألة عالم ينتصب خبر كان وثاني مفعولي ظننت(:)4
بدأ أبو البركات األنباري بما ذهب إليه الكوفيين في المسألة وهو أن خبر "كان"
ب على الحال؛ ّ
وأن "كان" فعل غير متعدٍّ .وأما ص َوالمفعول الثاني لــــ"ظننت" ن ِ
إن نصبها نصب المفعول ال على الحال البصريون فاحت ّجوا بأن قالوا إنّما قلنا ّ
ألنهما يقعان ضميرا .وأجاب عن كلمات الكوفيين بأن ال يجوز ما ذهبوا إليه في
"كان" ،فإنّه ال يقال" :كانا قائ ًما ،وكانا قياما" ( .)5ومن خالل حديثه الطويل عن
إجابته لكلمات الكوفيين وعن األفعال المتعدّية بالذات ناقش فعل (رجع) في قوله
تعالى :ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ )6( فقال:
"فتعدى رجع إلى الكاف ،فدل على أنه يكون متعديا ،واألكثرون على األول ،وإنما
( )1ابن وكيع ،الحسن بن علي الضبي التنيسي أبو محمد ،المنصف للسارق والمسروق منه ،تح/وتقديم:
عمر خليفة بن إدريس،ط( ،1بنغازي :جامعة قاس يونس1994 ،م) ،ج/1ص.311
( )2ينظر :أبو البركات األنباري ،اإلنصاف في مسائل الخالف ،ص.128-125
( )3ينظر األنباري ،اإلنصاف في مسائل الخالف ،ص.128
( )4ينظر :أبو البركات األنباري ،اإلنصاف في مسائل الخالف ،ص 129المسألة رقم.)17( :
()5ينظر :المصدر السابق.
( )6سورة التوبة ،اآلية.83:
47
أقاموا هذه المصادر مقام األفعال في هذه المواضع ألن في ألفاظ المصادر داللة
على األفعال ،على أن هذه األلفاظ شاذة ال يقاس عليها فكذلك كل ما جاء ها
هنا .)1("...وبهذا فإن أبا البركات األنباري قد ر ّجح ما ذهب إليه البصريون في
المسألة.
رابعاا :مسألة القول في رافع الخبر بعد "إن" المؤكدة(:)2
الخالف بين البصريين والكوفيين في رافع الخبر بعد
َ فقد أورد في هذه المسألة
"إن" المؤكدة؛ حيث قال" :ذهب الكوفيون إلى ّ
أن (إن) وأخواتها ال ترفع الخبر ... ّ
وذهب البصريون إلى أنها ترفع الخبر"(.)3
وذكر دليل البصريين ثم أتبعه بدليل الكوفيين؛ فقال " :أ ّما الكوفيون فاحتجوا بأن
قالوا أجمعنا على أن األصل في هذه األحرف أن ال تنصب االسم وإنما نصبته
ألنها أشبهت الفعل فإذا كانت إنما عملت ألنها أشبهت الفعل فهي فرع عليه وإذا
كانت فرعا عليه فهي أضعف منه ...والذي يدل على ضعف عملها أنه يدخل على
الخبر ما يدخل على الفعل لو ابتدئ به قال الشاعر(:)4
( )1لم يذكر قائله .ينظر :البغدادي ،خزانة األدب ولب لباب لسان العرب ،ج/10ص .361
( )2ينظر :أبو البركات األنباري اإلنصاف في مسائل الخالف ،ص.128-124
( )3ينظر :المصدر السابق ،ص.171
( )4ينظر :المصدر السابق ،ص.173
( )5المسألة رقم.)73( :
49
االلتباس بخالف حذف التنوين ،فبان الفرق بينهما والذي يذهب إليه أبو البركات
األنباري في هذه المسألة مذهب الكوفيين ،لكثرة النقل الذي خرج عن حكم الشذوذ
ال لقوته في القياس.
وأما الجواب عن كلمات البصريين ،أما قولهم إنما لم يجز ترك صرف ما
ينصرف ،ألنه يؤدي إلى ردّه عن األصل إلى غير أصل ،قلنا هذا يبطل بحذف
الواو من (هو) في قوله( :فبيناه يشرى رحله قال قائل ...خصوصا على أصلكم أن
الواو عندكم أصلية ال زائدة ،كما هي على أصل الخصم زائدة؛ قولهم إنما جاز ألنه
ال يؤدي إلى االلتباس بخالف ماهنا قلنا الجواب عن هذا من وجهين:
أحدهما :أنا ال نسلم أنه ال يؤدي هاهنا إلى االلتباس ،ألنك تقول( :غزا هو) فيكون
توكيدا للضمير المرفوع ،بأنه فاعل ،فإذا حذفت الواو منه التبست الهاء الباقية
بالهاء التي هي ضمير المنصوب ،بأنه مفعول ،نحو( :غزاه) فإنه يجوز أن ال
تمطل حركتها :قال الشاعر(:)1
اب لَه َو ْفر
()2
واله ث َ َ
َو َع ْينَ ْي ِه ِإن َم َ ت َ َراه َكأ َ َّن اَهللَ يَ ْجدَع أَنفَه
وأخيرا ،يفهم من تعليل أبي البركات األنباري بأن الذي يذهب إليه في المسألة
لقوته في
مذهب الكوفيين ،ذلك لكثرة النقل الذي خرج عن حكم الشذوذ والقلة ،ال ّ
القياس( ،)3فهو بهذا ير ّجح مذهب الكوفيين على مذهب البصريين.
سابعاا :مسألة هل يجوز مجيء كما بمعنى كيما وينصب بعدها المضارع(:)4
يقول أبو البركات األنباري في هذه المسألة ّ
بأن الكوفيين ذهبوا إلى أن "كما" تأتي
بمعنى "كيما" وينصبون لها ما بعدها ،وال يمنعون جواز الرفع ،واستحسنه أبو
أن "كما :ال تأتي بمعنىالمبرد من البصريين؛ وذهب البصريون إلى ّ ّ العبّاس
"كيما" ،وال يجوز نصب بعدها بها .وقد أورد األنباري أمثلة كثيرة عند جوابه عن
( ) 1قائل البيت :خالد بن الطيفان ،ينظر :الجاحظ ،أبو عثمان عمرو بن بحر الليثي ،الحيوان ،ط،2
(بيروت :دار الكتب العلمية)1424 ،ه ،ج/،7ص .337
( )2ينظر :أبو البركات األنباري ،المصدر السابق ،ص.406-397
( )3ينظر :المصدر السابق ،ص.408-407 :
( )4المسألة رقم.)84( :
50
كلمات الكوفيين ،معلّالً ما ذهبوا إليه بتعليالت تبطل ك ّل ما أوردوه من األمثلة في
المسألة؛ ومنها قول الشاعر(:)1
( )1العسكري ،أبو هالل الحسن بن عبد هللا بن سهل ،جمهرة األمثال ،بال ذكر الطبعة( ،بيروت :دار
الفكر ،د/ت ،ج/2ص .173
( )2ينظر :أبو البركات األنباري ،اإلنصاف في مسائل الخالف ،ص.473-470
51
الفصل الرابع :نتيجة البحث والتوصيات
خصص الباحث هذا الفصل من أجل عرض النتائج التي توصلت إليها الدراسة
منطلقا من أسئلة البحث ،واألهداف التي منها انطلقت هذه الدراسة للمساهمة في
عالج اإلشكالية التي حفزت إلى كتابة هذا البحث؛ وعلى هذا األساس قَ َّ
س ْمنَا هذا
الفصل إلى ثال مباحث أساسية:
المبحث األول :عرض نتيجة البحث.
المبحث الثاني :مناقشة النتائج.
المبحث األول :عرض نتيجة البحث
االطراد والشذوذ عند أبي البركاتّ هدفت هذه الدراسة إلى توضيح ضوابط
ّ
االطراد والشذوذ فيه ،وأثر األنباري في كتابه اإلنصاف ،مع بيان تطبيقات صور
ذلك كلّه في ترجيحات أبي البركات األنباري؛ فمن خالل تناول المعطيات المتناثرة
في ثنايا كتاب اإلنصاف وتحليلها توصلت الدراسة بحمد من هللا وتوفيق منه إلى
النتائج التالية:
ثبتت من خالل اإلطار الوصفي أن ثمة دراسات علمية رصينة قديما -1
االطراد والشذوذ عند العرب؛ ورغم ّ وحديثا ،والتي تعلقت بتحليل ظاهرة
ذلك كلّه فقد بقي بعض جوانب المتعلقة بهذه الظاهرة مستعصية الفهم؛
فساهمت هذه الدراسة بتوضيح المفهوم العام المتعلقة بهذه الظاهرة؛
وذلك بتناولها في كتاب يعدّ من أهم كتب النحوية الخالفية.
االطراد والشذوذ في النحو العربي كان سببا ً ّ أن التضارب في ضابط -2
لكثير من الخالفات بين المدارس النحوية وخاصة البصرية والكوفية؛
ّ
االطراد عند البصرين قائما على الك ّم والنوع؛ بحيث يتحقق فكان ضابط
في كثرة النقل للظاهرة اللغوية مع فصاحتها؛ في حين كان الكوفيون ال
ّ
لالطراد والشذوذ. يعدّون الك َّم ضاب ً
طا
االطراد والشذوذ كان مستند الترجيح عند متأخري النحاة؛ فقد كانوا ّ ّ
أن -3
مطردة واألخرى قليلة شاذة؛ ير ّجحون بعض المسائل على األخرى أنّها ّ
فكان كتاب اإلنصاف خير شاهد على ذلك؛
52
المبحث الثاني :مناقشة النتائج.
نقصد بهذا المبحث ربط كل نتيجة بأسئلة البحث؛ وذلك لنوضح للقارئ كيف
استطاعت هذه الدراسة من تحقيق الهدف المنشود في توضيح إشكالية البحث.
أوال :النتيجة المتعلقة بالسؤال األول :ما مدى تحقق ضابط اال ّ
طراد والشذوذ في
كتابه اإلنصاف
ّ
االطراد لدى أبي البركات استطاعت هذه الدراسة من الوصول إلى أن ضابط
األنباري انطلق من ثالثة أبعاد؛ تمثلت في الصحة اللغوية وسالمة نقلها وكثرتها،
وقد ظهر هذا الضابط جليا في كتاب اإلنصاف؛ حيث استخدم أبو البركات
األنباري هذه الظاهرة كأصل من أصول االستدالل النحوي في أكثر من سبعة
مسائل.
ولكن مع ذلك لم يعتبره من األدلة النحوية الغالبة؛ وإنّما هي من األدلة المساعدة
عند التعارض؛ وهذا فيما لو قارنا استدالله بالسماع والقياس؛ حيث لم تكد تخلوا
ّ
االطراد والشذوذ في 9 منها مسألة في كتاب اإلنصاف ،في حين اعتمد ظاهرة
مسائل بما يمثل % 10من مسائل الكتاب.
االطراد والشذوذ على صور متعددة في ّ إن أبا البركات األنباري لم يقسم ظاهرة
كتابه اإلنصاف ،وإنما الذي قام بذلك العالمة ابن جني السابق له ،فاقتفى أثره.
ّ
االطراد والشذوذ لها تأثير واضح في ترجيحات أبي البركات األنباري. إن ظاهرة
وغالب هذه المسائل كانت لصالح المدرسة البصرية ،حيث أيّدهم في مائة وأربع
عشرة ( )114مسألة من بين المسائل التي يصل عددها إلى مائة وإحدى وعشرين
( )121مسألة.
صور أبو البركات األنباري مسائل
ثانيا :النتيجة المتعلقة بالسؤال الثاني :كيف ّ
طراد والشذوذ في كتابه اإلنصاف من خالل عرضه آلراء النحويين: اال ّ
ّ
لالطراد والشذوذ في كتاب اإلنصاف؛ وهي أقرت هذه الدراسة وجود 3صور
باختصار:
ّ
المطرد في االستعمال الشاذ في القياس -1
ّ
المطرد في القياس الشاذ في االستعمال -2
53
-3الشاذ في االستعمال والقياس معًا
وهي ثال صور من أصل أربع صور ذكرها ابن جني في كتابه الخصائص؛ ولم
سا في كتاب اإلنصاف ،ولعل سبب ذلك راجع عا وقيا ً
يجد الباحث مثاال للمطرد سما ً
إلى قلة الخالف حول المسائل التي تكون مطردًا في السماع والقياس.
ثالثا :النتيجة المتعلقة بالسؤال الثالث :ما مدى تأثير مفهوم اال ّ
طراد والشذوذ في
ترجيحات أبي البركات األنباري:
ثبت من خالل هذه الدراسة أن أبا البركات األنباري ،يعتمد االطراد كدليل من أدلة
النحو اإلجمالية؛ فقد استند إلى االطراد والشذوذ كمستند الترجيح بين البصريين
والكوفيين في تسع مسائل في كتابه اإلنصاف؛ في المسائل التالية:
المسألة رقم.)15( : -1
المسألة رقم (.)16 -2
المسألة رقم.)17( : -3
المسألة رقم ()23 -4
المسألة رقم)26( : -5
المسألة رقم)73( : -6
المسألة رقم.)84( : -7
المسألة رقم.)98( : -8
المسألة رقم.)121( : -9
وهذا العدد يشير بوضوح إلى حجية االستدالل باالطراد والشذوذ عند ابن
االنباري ،ويؤ ّكد كذلك تأثره بهذا الدليل كمستند الترجيح بين البصريين والكوفيين؛
حيث ر ّجح مذهب البصريين في هذه المسائل كلها إال في المسألة األخيرة.
كما أن هذا العدد يشير -أيضا -إلى حجم ودرجة االستدالل باالطراد والشذوذ لدى
أبي البركات األنباري حيث استخدمه في 9مسائل من أصل )121/21( 121مما
يعادل= %10.8من أصول االستدالل التي هي السماع والقياس واإلجماع وسائر
األدلة غير الغالبة؛ فإذا االستدالل وحده باالطراد والشذوذ يمثل هذه النسبة وباقي
فإن ذلك يدل قطعًا على تأثره بمفهوم االطراداألدلة الغالبة وغير الغالبة تمثل باقي ّ
والشذوذ المبني على الصحة اللغوية ،وسالمة نقلها مع كثرة نظائرها.
54
المبحث الثالث :التوصيات
ومن خالل تعاملنا المتواضع مع المادة العلمية لهذا البحث استطعنا الوقوف على
نظن أنها بحاجة إلى بحث وتمحيص ،وعليه:بعض األمور التي ّ
أدعو إلى إقامة دراسات أخرى ممتدة من دراستي هذه ،تهدف إلى إجراء دراسة
االطراد والشذوذ على كتب النحو التي تعنى باألدلة النحوية ّ تطبيقية لظاهرة
اإلجمالية؛ وكذلك كتب النحو التفصيلية؛ كشروح األلفية.
55
فهرس المصادر والمراجع:
57