You are on page 1of 57

‫دولة ماليزيا‬

‫وزارة التعليم العالي‬


‫جامعة المدينة العالمية‬
‫كلية اللغات‪ -‬قسم اللغة العربية‬

‫اال ّ‬
‫طراد والشذوذ عند أبي البركات األنباري‬
‫في كتابه "اإلنصاف في مسائل الخالف"‬
‫"دراسة وصفيّة تحليليّة"‬
‫بحث تكميلي لنيل درجة (الماجستير) في اللغة العربيّة‬

‫إعداد الطالب‪ /‬ثالث معلّم شيخ‬


‫‪MAR113AQ190‬‬

‫إشراف‪:‬‬
‫األستاذ المشارك‪/‬الدكتور دوكوري ماسيري‬
‫العام الدراسي‪/2013 :‬‬

‫‪1‬‬
2
APPROVAL PAGE: ‫صفحة التحكيم‬
_____________ ‫أق ّرت جامعة المدينة العالميّة بماليزيا بحث ال ّطالب‬
:‫من اآلتية أسماؤهم‬
The dissertation has been approved by the following:

___________________________
Supervisor ‫المشرف‬
__________________________
Examiner ‫المشرف على التصحيح‬
______________________
Internal Examiner )2( ‫الممتحن الدّاخلي‬
_______________________
Academic Managements & Graduation Dept. ‫قسم اإلدارة العلمية والتخرج‬
‫عمادة الدراسات العليا‬Deanship of Postgraduate Studies
3
‫إقرار‬
‫بأن هذا البحث هو من عملي الخاص‪ ،‬قمت بجمعه ودراسته‪ ،‬وقد عزوت النّقل‬
‫قر ّ‬‫أ ّ‬
‫واالقتباس إلى مصادره‪.‬‬

‫الطالب‪ :‬ثالث معلّم شيخ‪.‬‬


‫اسم ّ‬

‫__________________________‬ ‫الت ّوقيع‪:‬‬

‫الت ّاريخ‪__________________________ :‬‬

‫‪4‬‬
DECLARATION

I hereby declare that this dissertation is the result of my own investigation, except where

otherwise stated.

SALISU MU’ALLIM SHEHU

Signature: __________________________

Date: __________________________

5
‫جامعة المدينة العالميّة‬
‫طبع وإثبات مشروعيّة استخدام األبحاث العلميّة غير المنشورة‬ ‫إقرار بحقوق ال ّ‬
‫طبع ‪ © 2013‬محفوظة‬ ‫حقوق ال ّ‬
‫ثالث معلّم شيخ‬
‫االطراد والشذوذ عند أبي البركات األنباري‬
‫في كتابه " اإلنصاف في مسائل الخالف"‬
‫(دراسة وصفية تحليلية)‬
‫ي شك ّل أو صورة‬ ‫ال يجوز إعادة إنتاج أو استخدام هذا البحث غير المنشور في أ ّ‬
‫من دون إذن مكتوب من الباحث إالّ في الحاالت اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬يمكن االقتباس من هذا البحث بشرط العزو إليه‪.‬‬
‫يحق لجامعة المدينة العالميّة بماليزياا االساتفادة مان هاذا البحاث بشات ّى‬
‫ّ‬ ‫‪.2‬‬
‫الوسائل وذلك ألغراض تعليميّة‪ ،‬وليس ألغراض تجاريّة أو تسويقيّة‪.‬‬
‫‪ .3‬يحق لمكتباة جامعاة المديناة العالميّاة بماليزياا اساتخراج نساخ مان هاذا‬
‫البحث غير المنشور إذا طلبتهاا مكتباات الجامعاات‪ ،‬ومراكاز البحاو‬
‫األخرى‪.‬‬
‫أكّد هذا اإلقرار‪ :‬ثالث معلّم شيخ‬

‫_____________‬ ‫_____________‬
‫الت ّاريخ‬ ‫الت ّوقيع‬

‫ملخص البحث‬
‫‪6‬‬
‫هذا بحث في االطراد والشذوذ عند أبي البركات األنباري في كتابه "اإلنصاف في‬
‫مسائل الخالف"‪.‬‬
‫يهدف إلى توضيح ضوابط االطراد والشذوذ عند أبي البركات األنباري ‪ ،‬مع بيان‬
‫تطبيقات صور االطراد والشذوذ فيه وأثر ذلك كله في ترجيحاته ‪ .‬وذلك إجابة‬
‫علي األسئلة التي عرضت من إشكالية البحث التي في أبعاد القياس عند كل من‬
‫البصريين والكوفيين‪ ،‬و اختالط أبعاد كل من االطراد والشذوذ في النحو العربي‬
‫لدي المتأخرين‪ .‬وبنا ًء على هذه األهداف انتهج الباحث في هذه الدراسة منهجين‪،‬‬
‫المنهج الوصفي والمنهج التحليلي لتناسبهما مع طبيعة هذا البحث‪ ،‬وعليه توصلت‬
‫الدراسة إلى نتائج من أهمها‪ :‬التوضيح لمفهوم العام المتعلقة بظاهرة االطراد‬
‫والشذوذ مستعصية الفهم‪ ،‬أن ضابط االطراد والشذوذ عند البصريين قائما على‬
‫الكم والنوع وكثرة النقل للظاهرة اللغوية مع فصاحتها‪ ،‬في حين كان الكوفيين ال‬
‫يعدون ذلك ضابطا‪ ،‬وتوصلت أيضا إلى أن االطراد والشذوذ كان مستند الترجيح‬
‫عند متأخري النحاة‪.‬‬
‫‪7‬‬
Abstract

This is a research on: Regularity (sometimes referred as regular succession) and irregularity
(anomaly) as seen by Abul Barakat Al-Anbari in his book: “Al’insaf fi Masa’ilil -Khilaf”.

This research aims at elucidating the principles governing Regularity and Irregularity (of
Arabic words usage) in Abul Barakat’s Al’Insaf, and explains applications of different forms
of Regularity and Irregularity in it and the effect of all this in his preferences. And this is
more or less an answer to the questions raised by the problem of the study. These answers are
manifested in: keeping off analogy by both Basra’s and Kufa’s Grammarians and mixture of
keeping aside Regularity and Irregularity in Arabic Grammar by the contemporary scholars of
Arabic Grammar. Based on this, this study tends to follow descriptive and analytical methods
for their suitability for the nature of this research. And it is based on this that the study comes
out with some findings the most important of which are:-Explaining the general concept
which has relation with Regularity and Irregularity that is difficult to understand.-That the
rule governing Regularity and Irregularity for Basrah’s Grammarians depends on the quantity,
the type and usage frequency of the linguistic concept and its eloquent features, while the
Grammarians of Kufa don’t consider this as a rule that governs Regularity and Irregularity.-
That Regularity and Irregularity are the source of preference for contemporary Arabic

8
‫الشكر والتقدير‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬الملك الحق المبين‪ ،‬أشكره على ما أنعم به علينا من النعم‬
‫ظاهرة وباطنة‪ .‬والصالة والسالم على من بعثه هللا رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا‬
‫محمد صلى هللا تعالي عليه وسلم‪ ،‬وعلي آله وصحبه أجمعين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان‬
‫إلي يوم الدين‪.‬‬
‫يسعدني أن أقدم جزيل شكري إلى من كرمني هللا به مشرفا علي هذه الرسالة‪،‬‬
‫األستاذ المشارك الدكتور دوكوري ماسيري‪ ،‬حفظه هللا‪ ،‬فلم يأل جهدا في توجيهي‬
‫ونصحي إلى إتمام هذه الرسالة‪ .‬وقد تعلمت منه الرحمة والشفقة‪ ،‬وحسن التواضع‪،‬‬
‫أسأل هللا عز وجل أن يبارك في عمره لخدمة العلم‪.‬‬
‫وكذلك أقدم جزيل الشكر إلى مرشدي األول األستاذ المشارك الدكتور عبد الرحيم‪،‬‬
‫كما أقدم خالص شكري إلي مدير الجامعة األستاذ الدكتور محمد بن خليفة بن علي‬
‫التميمي حفظه هللا‪ .‬وكذلك أقدم جزيل الشكر إلى سعادة عميد كلية اللغات األستاذ‬
‫المشارك الدكتور داود عبد القادر إليغا‪ .‬وال يفوتني أن أقدم شكري العميم إلى هيئة‬
‫التدريس بالقسم‪.‬‬
‫وأشكر أخي عبد هللا صالح عبد هللا‪ ،‬وإخواني‪ ،‬وأصدقائي الذين يسعون ليلهم‬
‫ونهارهم إلتمام هذه الدراسة‪.‬‬
‫وال يفوتني أيضا أن أقدم جزيل شكري إلى لجنة المناقشة وتقييم البحث‪ ،‬علي‬
‫مالحظاتهم النيرة لتنقيح هذا البحث المتواضع‪.‬‬
‫وفى الختام أشكر كل من دعا لي بالخير والتوفيق في السر والعلن‪.‬‬
‫أشكرهم جميعا واسأل هللا عز وجل لهم الجزاء األوفى إنه نعم المولي ونعم‬
‫النصير‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫إلهداء‬

‫أهدى هذا البحث إلى روح والدتي المرحومة‪ ،‬وإلى والدي أطال هللا في عمره‬
‫بصحة وعافية وسالمة‪.‬‬
‫وإلى زوجة الغالية التي تح ّملت الصبر طيلة غربتي عنها‪ ،‬وكانت ‪ -‬نعمت‬
‫الزوجة‪ -‬فقد ساندتني بتعاون مستمر‪ ،‬وض ّحت بك ّل غال ونفيس‪ ،‬محتسبة األجر‬
‫من هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬رفيقة حياتي‪ ،‬وأم أوالدي زوجتي الحبيبة حفصة بنت‬
‫سليمان‪.‬‬
‫إلى من تحملوا آالم الفراق‪ ،‬وقلوبهم معي‪ ،‬راجين فالحي وعودتي إليهم‪ ،‬أبنائي‬
‫االعزاء‪ .‬محمد‪ ،‬وأبوبكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وخديجة‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وحسنا‪ ،‬وحسينا‪.‬‬
‫إلى كل من معي ماديا ومعنويا‪.‬‬
‫وإلى كل من علمني حرفا أو أرشدني إلى ما فيه خيرا في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫إلى هؤالء جميعا أهدي هذا البحث المتواضع راجيا من المولي عز وجل أن ينفع‬
‫به االمة‪.‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬ ‫م‬


‫ب‬ ‫صفحة البسملة‬ ‫‪.1‬‬
‫‪10‬‬
‫ج‬ ‫صفحة اإلقرار‬ ‫‪.2‬‬
‫د‬ ‫إقرار‬ ‫‪.3‬‬
‫ه‬ ‫‪Declaration‬‬ ‫‪.4‬‬
‫و‬ ‫إقرار بحقوق الطبع‬ ‫‪.5‬‬
‫ز‬ ‫ملخص‬ ‫‪.6‬‬
‫ح‬ ‫‪Abstract‬‬ ‫‪.7‬‬
‫ط‬ ‫كلمة الشكر‬ ‫‪.8‬‬
‫ي‬ ‫إهداء‬ ‫‪.9‬‬
‫ك‬ ‫المحتويات‬ ‫‪.10‬‬
‫‪1‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬دراسات تمهيدية‬ ‫‪.11‬‬
‫‪2‬‬ ‫المقدمة‬ ‫‪.12‬‬
‫‪3-2‬‬ ‫مشكلة البحث وأسئلته‬ ‫‪.13‬‬
‫‪4-3‬‬ ‫أهداف البحث وأهميته‬ ‫‪.14‬‬
‫‪5-4‬‬ ‫منهج البحث‬ ‫‪.15‬‬
‫‪6-5‬‬ ‫حدود البحث وهيكله‬ ‫‪.16‬‬
‫‪7‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬اإلطار النظري والدراسات السابقة‬ ‫‪.17‬‬
‫‪7‬‬ ‫مدخل‬ ‫‪.18‬‬
‫‪11-8‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬تعريف االطراد والشذوذ وضوابطه‬ ‫‪.19‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬جهود العرب في دراسة ظاهرة االطراد ‪17-12‬‬ ‫‪.20‬‬
‫والشذوذ‬
‫‪23-18‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬الدراسات السابقة‪.‬‬ ‫‪.21‬‬
‫‪25-24‬‬ ‫لمحة موجزة عن أبي البركات االنباري وكتابه االنصاف‬ ‫‪22‬‬
‫‪26‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإلطار التحليلي‬ ‫‪.23‬‬
‫‪27‬‬ ‫مدخل‬ ‫‪.24‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ضوابط االطراد والشذوذ عند أبي البركات ‪31-28‬‬ ‫‪.25‬‬
‫األنباري‬
‫المبحث الثاني‪ :‬صور االطراد والشذوذ عند أبي البركات ‪36-32‬‬ ‫‪.26‬‬
‫األنباري‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أثر االطراد والشذوذ في ترجيحات أبي البركات ‪43-36‬‬ ‫‪.27‬‬
‫األنباري‬
‫‪44‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬نتيجة البحث والتوصيات‪.‬‬ ‫‪.28‬‬
‫‪11‬‬
‫‪44‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬عرض نتيجة البحث‪.‬‬ ‫‪.29‬‬
‫‪47-45‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬مناقشة النتائج‪.‬‬ ‫‪.30‬‬
‫‪47‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬التوصيات‬ ‫‪.31‬‬
‫‪49-48‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‪.‬‬ ‫‪.32‬‬

‫‪12‬‬
‫المحتويات‬

‫الفصل األول‪ :‬دراسات تمهيدية‬


‫إشكالية البحث‬ ‫‪:‬‬ ‫أوالا‬
‫أسئلة البحث‬ ‫‪:‬‬ ‫ثانيا ا‬
‫أهداف البحث‬ ‫‪:‬‬ ‫ثالثا ا‬
‫أهمية البحث‬ ‫رابعاا ‪:‬‬
‫منهج البحث‬ ‫سا ‪:‬‬‫خام ا‬
‫حدود البحث‬ ‫سا ‪:‬‬
‫ساد ا‬
‫‪13‬‬
‫المقدمة‪:‬‬

‫عليها في ترجيحه المسائ َل الخالفية على العموم‪.‬‬

‫أوالا‪ :‬مشكلة البحث‪:‬‬


‫االطراد والشذوذ؛ ومدى تعلق ضابطه‬‫ّ‬ ‫تكمن إشكالية هذا البحث في طبيعة مسائل‬
‫بالكم أو بالنوع؛ فكانت صعوبة تحديد هذا الضابط وإبعاده منشأ لكثير من الخالفات‬
‫النحوية؛ وقد رأينا هذه اإلشكالية ظاهرة في إبعاد القياس عند كل من البصريين‬
‫االطراد في حين أجاز الكوفيون القياس‬‫ّ‬ ‫والكوفيين؛ حيث اشترط البصريون فيها‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ‬ ‫المطرد؛ مما أدى إلى اختالط إبعاد كل من‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المطرد وغير‬ ‫على‬
‫في النحو العربي لدى المتأخرين في مرحلة الترجيح؛ فمنهم مؤيدين للبصرة؛‬
‫سا وقد‬
‫العتمادهم على الحيطة والنقاء‪ ،‬ومنهم من أيّد الكوفيين لكونهم أوسع قيا ً‬
‫نشأت عن هذه اإلشكالية السؤال التالي‪:‬‬
‫ثانيا ا‪ :‬أسئلة البحث‬
‫يتمث ّل سؤال هذا البحث في النص التالي‪ :‬كيف تحقَّقَ مفهوم ظاهرة اال ّ‬
‫طراد‬
‫والشذوذ في النحو العربي من خالل عرض مسائل الخالفات النحوية في كتاب‬
‫اإلنصاف ألبي البركات األنباري‪ ،‬وتمخضت عن هذا السؤال األسئلة الفرعية‬
‫التالية‪.‬‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ في كتابه اإلنصاف‪.‬‬ ‫ما مدى تحقّق ضابط‬ ‫‪-1‬‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ في كتابه‬ ‫صور أبو البركات األنباري مسائل‬
‫ّ‬ ‫كيف‬ ‫‪-2‬‬
‫اإلنصاف من خالل عرضه آلراء النحويين‪.‬‬
‫االطراد والشذوذ في ترجيحات أبي البركات‬ ‫ّ‬ ‫ما مدى تأثير مفهوم‬ ‫‪-3‬‬
‫األنباري‪.‬‬
‫ثالثا ا‪ :‬أهداف البحث‪:‬‬
‫يهدف هذا البحث إلى إجابة األسئلة السابقة‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ عند أبي البركات األنباري في كتابه‬ ‫توضيح ضوابط‬ ‫‪-1‬‬
‫اإلنصاف‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ عند أبي البركات األنباري‪.‬‬ ‫بيان تطبيقات صور‬ ‫‪-2‬‬
‫االطراد والشذوذ في ترجيحات أبي البركات‬ ‫ّ‬ ‫توضيح أثر نظرية‬ ‫‪-3‬‬
‫األنباري‪.‬‬
‫رابعاا‪ :‬أهمية البحث‪:‬‬
‫تكمن أه ّمية هذا البحث في ثالثة جوانب‬
‫طا بدراسة أصل مهم من أصول النحو العربي؛ وهو‬ ‫الجانب األول‪ :‬كونه مرتب ً‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ من أهم شروطه‬ ‫السماع الذي يعد مسألة‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ عند أبرز عالم في أصول‬ ‫الجانب الثاني‪ :‬كونه متعلقا ً بظاهرة‬
‫النحو والذي يعدّ أول من ألف كتابا خا ً‬
‫صا في هذا المجال‪.‬‬
‫ب عرض فيه مسائل الخالفات بشكل‬ ‫طا بأوسع كتا ٍ‬‫الجانب الثالث‪ :‬كونه مرتب ً‬
‫مفصل ومستقل؛ حيث شمل على عرض آراء النحاة وأدلتهم في جميع أبواب‬
‫النحو؛ مما يجعل هذا الكتاب مجاال فسيحا يتبارى فيه الباحثون لتطبيق دراساتهم‬
‫اللغوية والنحوية‪.‬‬
‫سا‪ :‬منهج البحث‪:‬‬
‫خام ا‬
‫شذوذ أن تقوم الدّراسة فيه على‬ ‫ّ‬
‫االطراد وال ّ‬ ‫قد اقتضت طبيعة البحث في ظاهرة‬
‫ي الّذي يقوم على وصف ّ‬
‫الظاهرة كما هي‪ ،‬ث ّم القيام‬ ‫ي التّحليل ّ‬
‫المنهج الوصف ّ‬
‫بتحليلها بما يتفق والهدف المنشود من هذا البحث‪.‬‬
‫وتكون البيانات األولية لهذه الدراسة مستقاة من كتاب اإلنصاف ألبي البركات‬
‫األنباري‪ ،‬وقد التزمت الدراسة بالطرق المنهجية التالية‪:‬‬
‫‪ -‬اعتماد المنهج المكتبي؛ في الوصول إلى البيانات؛ وذلك باعتماد المراجع‬
‫والمصادر المتعلقة بمحور هذه الدراسة‪.‬‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ؛ من أجل‬ ‫‪ -‬حصر واستقراء جميع المسائل المتعلقة بظاهرة‬
‫الوصول إلى تصور عام لمفهوم هذه الظاهرة عند أبي البركات األنباري‪،‬‬
‫وتوضيح ضوابطه‪ ،‬وكذلك جمع ترجيحات أبي البركات التي اعتمد فيها على دليل‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ عند أبي‬ ‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ؛ للوصول إلى وصف دقيق لضوابط‬
‫‪15‬‬
‫ّ‬
‫باالطراد وترجيحاته الشاذة‪ .‬وقد استعانت هذه‬ ‫البركات األنباري‪ ،‬وإلى استدالالته‬
‫الدراسة في إطارها النظري ببقية مؤلفات أبي البركات األنباري في مجال أصول‬
‫النحو عند الحاجة؛ مثل كتاب لمع األدلة وكتاب اإلغراب في جدل اإلعراب‪.‬‬
‫‪ -‬تحليل المعطيات المستخرجة من كتاب اإلنصاف‪ ،‬وتوزيعها حسب هيكل‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ‬ ‫الدراسة في اإلطار التحليلي؛ وذلك من أجل الوصول إلى صور‬
‫عند أبي البركات األنباري‪ ،‬وكيف أثرت ذلك في ترجيحات أبي البركات األنباري‪.‬‬
‫‪ -‬تخريج النصوص الفصيحة من مظانها األصيلة؛ كالقرآن الكريم‪ ،‬واألحاديث‬
‫النبوية الشريفة‪ ،‬وكالم العرب شعرا كان أو نثرا ً‪.‬‬
‫‪ -‬توثيق النصوص المنقولة وعزوها إلى أصحابها‪.‬‬
‫سا‪ :‬حدود البحث‪:‬‬
‫ساد ا‬
‫خرج مادّته من كتاب اإلنصاف‪ّ ،‬‬
‫فإن الباحث اقتصر على ما‬ ‫ل ّما كان البحث تست َ َ‬
‫ي‪.‬‬ ‫ورد فيه من هذه ّ‬
‫الظاهرة دونما زيادة أو نقصان كما يوصي بذلك المنهج الوصف ّ‬

‫‪16‬‬
‫طراد والشذوذ وضوابطه‬‫المبحث األول ‪ :‬تعريف اال ّ‬
‫طراد والشذوذ‬‫المبحث الثاني ‪ :‬جهود علماء العرب في دراسة ظاهرة اال ّ‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬الدراسات السابقة‬
‫لمحة موجزة عن أبي البركات األنباري وكتابه اإلنصاف‬ ‫المبحث الرابع‬

‫‪17‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اإلطار النظري والدراسات السابقة‬

‫مدخل‬
‫من أدبيات البحث العلمي المعاصر أن تبدأ الدراسة باإلطار النظري من أجل إلقاء‬
‫الضوء على اإلبعاد العلمية‪ ،‬للبحث بشكل عام‪ ،‬والجهود السابقة المتعلقة بمجال‬
‫الدراسة‪ ،‬وما يكتفها من جهود العلماء األوائل في تطوير المجاالت العلمية المتعلقة‬
‫بالمحاور التي سوف تناقشها هذه الدراسة؛ ولهذا بني هذا الفصل على ثالثة‬
‫مباحث‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تعريف االطراد والشذوذ وضوابطه‬
‫المبحث الثاني‪ :‬جهود علماء العرب في دراسة ظاهرة االطراد والشذوذ‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الدراسات السابقة‬
‫المبحث الرابع‪ :‬لمحة موجزة عن أبي البركات األنباري وكتابه اإلنصاف‬

‫‪18‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تعريف اال ّ‬
‫طراد والشذوذ وضوابطه‪:‬‬
‫إذا تأملنا أصول النحو العربي جيدا وأدلته اإلجمالية‪ ،‬سوف ندرك بأن مفهوم كل‬
‫ّ‬
‫المطرد والشاذ عند نحاة العربية ليس مبنيا على الكم أو العدد‪ .‬فليس المقصود‬ ‫من‬
‫بالمطرد كثرته في الوجود‪ ،‬ألن الكالم قد ال يكثر ولكنه قياسي ّ‬
‫مطرد‪ ،‬وقد يكثر إال‬ ‫ّ‬
‫أنه شاذ ال يقاس عليه(‪.)1‬‬
‫أوال‪ :‬تعريف اال ّ‬
‫طراد والشذوذ لغة واصطالحا ا‪:‬‬
‫يقول العالمة إمام العربية ابن جني‪" :‬أصل مواضع (ط ر د) في كالمهم التتابع‬
‫واالستمرار‪ .‬من ذلك طردت الطريدة‪ ،‬إذا اتبعتها واستمرت بين يديك‪ .‬ومنه‬
‫وفرا‪ ،‬فكل يطرد صاحبه"‬ ‫مطارة الفرسان بعضهم بعضاً‪ .‬أال ترى أن هناك ً‬
‫كرا ً‬
‫(‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫فالمطرد لغة (ط‪ .‬ر‪ .‬د‪ ).‬و(اطرد) بمعنى تتابع‪ ،‬وتسلسل‪ .‬وعلى هذا قولهم‪ :‬اطرد‬
‫الكالم أو الحديث‪ :‬جرى مجرى واحدا متسقا‪ .‬والنهر تتابع جريان مائه (‪.)3‬‬
‫ّ‬
‫فللمطرد في اللغة عدة معان منها‪ :‬التتابع واالستمرار فيقال‪" :‬اطرد األمر أو‬ ‫هذا‪،‬‬
‫الشيء‪ :‬تبع بعضه بعضا وجرى‪ .‬ومنها أيضا‪ :‬االستقامة‪ ،‬يقال‪" :‬اطرد األمر‪:‬‬
‫مطرد‪ :‬مستقيم على جهته‪ .‬وفالن يمشي مشيا‬ ‫استقام‪ ،‬واطرد الكالم إذا تتابع‪ .‬وأمر ّ‬
‫ّ‬
‫مطردا أي مستقيما (‪.)4‬‬
‫ّ‬
‫المطرد في علم أصول النحو فمأخوذ من‬ ‫ّ‬
‫المطرد في علم أصول النحو‪ :‬وأما‬ ‫ثانيا‪:‬‬
‫المعنى اللغوي األول‪ ،‬ويقصد به‪ :‬ما تتابع من الكالم وجرى على قواعد النحو‬
‫والصرف‪ .‬وأشار ابن جني إلى أن أهل العربية جعلوا ما استمر من الكالم في‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الدكتور‪/‬ماسيري دوكوري‪ ،‬نظرية االطراد والشذوذ في النحو العربي وموقف المحدثين‪.‬‬
‫‪file:///C:/Users/dr.doukoure/Downloads/2805-8127-1-PB%20(1).pdf‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬ابن جني‪ ،‬أبو الفتح عثمان ابن جني‪ ،‬الخصائص‪ ،‬ط‪ ،1/‬تح‪/‬مح ّمد علي الن ّجار‪( ،‬بيروت‪ :‬عالم‬
‫الكتب‪2006 ،‬م)‪ ،‬ص‪ .108‬وينظر‪ :‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬االقتراح في علم‬
‫أصول النحو‪ ،‬ط‪( ،1‬اآلزاريطة‪ :‬دار المعرفة الجامعية‪2004 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.109- 104‬‬
‫(‪ )3‬مجمع اللغة العربية بالقاهرة‪ ،‬المعجم الوسيط‪ ،‬ط‪( ،4‬مصر‪ :‬مكتبة الشروق الدولية‪1425 ،‬هـ ‪/‬‬
‫‪2004‬م‪/2 ،‬ص ‪.553‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬أبو الفضل جمال الدين مح ّمد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة‪( :‬ط ر د)‪ ،‬ط‪،4/‬‬
‫(بيروت‪ :‬دار صادر‪2005 ،‬م) ‪/9‬ص‪.101‬‬
‫‪19‬‬
‫اإلعراب وغيره من مواضع الصناعة ّ‬
‫مطردا‪ )1(.‬وقد يفهم أيضا من المعنى‬
‫االصطالحي المعنى اللغوي الثاني (االستقامة) ألن ما جرى من الكالم على قواعد‬
‫النحو والصرف يعدّ مستقيما‪ .‬وهكذا(‪.)2‬‬
‫ثالثا‪ :‬تعريف الشاذ في اللغة‪( :‬ش ذ ذ) يقال شذّ عنه ي ِشذّ ويشذّ شذوذا‪ :‬انفرد عن‬
‫(‪)3‬‬
‫الجمهور وندر‪ ،‬فهو شاذ‪ .‬وشذ الشيء ي ِشذّ و يشذّ شذّا شذوذا‪ :‬ندر عن جمهوره‪.‬‬
‫وفي المعجم الوسيط (شذَّ)‪ :‬شذوذًا‪ :‬انفرد عن الجماعة‪ ،‬أو خالفهم‪ .‬ويقال‪ :‬شذ عن‬
‫شاذّ)‪ :‬المنفرد أو ما خالف‬
‫الجماعة‪ ،‬والكالم خرج عن القاعدة وخالف القياس‪ .‬فـ (ال ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫القاعدة أو القياس‪ .‬وما ينحرف عن القاعدة أو النمط‪( .‬ج) شواذ ‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬الشاذ في علم أصول النحو‪ :‬هو مأخوذ من المعنى اللغوي‪ ،‬حيث يراد به ما‬
‫فارق عليه بقية بابه وانفرد عن ذلك إلى غيره شاذا‪ .‬وكما قال الشريف الجرجاني‬
‫في التعريفات‪ :‬الشاذ‪ :‬ما يكون مخالفا للقياس من غير نظر إلى قلة وجوده‬
‫وكثرته(‪.)5‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد أشار الدكتور ماسيري دوكوري في مقالته عن الظاهرة إلى أن الشاذ‬
‫ينقسم من حيث قبوله وعدمه إلى قسمين‪:‬‬
‫أ‪ .‬شاذ مقبول‪ :‬وهو الذي يأتي على خالف القياس‪ ،‬ويقبل عند الفصحاء والبلغاء‪.‬‬
‫ب‪ .‬شاذ مردود‪ :‬وهو الذي يأتي على خالف القياس‪ ،‬وال يقبل عند الفصحاء‬
‫والبلغاء(‪.)6‬‬
‫وأخيرا‪ ،‬يقول ابن جني فيما معناه‪" :‬هذا أصل هذين األصلين في اللغة‪ ،‬ثم قيل ذلك‬
‫في الكالم واألصوات على سمته وطريقته في غيرها‪ ،‬فجعل أهل علم العرب ما‬
‫مطردا‪ ،‬وجعلوا ما‬‫استمر من الكالم في اإلعراب وغيره من مواضع الصناعة ّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن جني‪ ،‬الخصائص‪.109 / :‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬د‪ .‬دوكوري ماسيري‪ ،‬األصول واألقسام النحوية في ضوء علم اللغة الحديث (مخطوطة‬
‫رسالة ماجستير‪ ،‬كلية اللغة العربية‪ ،‬جامعة اإلسالمية‪ ،‬المدينة المنورة)‪ ،‬ص‪.65‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬المصدر السابق‪/8 ،‬ص‪.43‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬مجمع اللغة العربية بالقاهرة‪ ،‬المعجم الوسيط‪ ،‬المصدر ‪/1‬ص‪.476‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬السابق نفسه‪.‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬الدكتور‪/‬ماسيري دوكوري‪ ،‬نظرية االطراد والشذوذ في النحو العربي وموقف المحدثين‪،‬‬
‫ص‪.6-5‬‬
‫‪20‬‬
‫فارق عليه بقية بابه وانفرد عن ذلك إلى غيره شاذا‪ ،‬حمال لهذين الموضعين على‬
‫أحكام غيرهما(‪.)1‬‬
‫ّ‬
‫فاالطراد والشذوذ مصطلحان علميان (صناعيان) طبيعيان قديمان باقيان‪،‬‬ ‫إذن‪،‬‬
‫فهما من لوازم التعقيد حيث قيل‪" :‬لكل قاعدة شواذ" بل ربما قاربت نسبة الشاذ‬
‫ّ‬
‫المطرد‪ ،‬وال ضير على نظام اللغة والتفكير (النحو) من ذلك‪ .‬فهو نظام من‬ ‫نسبة‬
‫ّ‬
‫المطرد‪ .‬أو كما يقال يثبت‬ ‫ّ‬
‫المطرد والشاذ جميعا معا‪ ،‬بل في تشذيذ الشاذ طرد‬
‫القاعدة وال ينفيها‪ .‬فليس في وصف مظهر من مظاهر نظام اللغة والنحو بالشذوذ‬
‫ّ‬
‫باالطراد من رفعة‪ ،‬إال أن استعمل المجاز‪ ،‬وهو ال‬ ‫من ضعة وال في وصف غيره‬
‫يبنى به القواعد ّ‬
‫بمطرد الحقائق وشاذها اللذين تحكمهما شروط وتحددها معالم(‪.)2‬‬
‫ثانيا‪ :‬ضوابط اال ّ‬
‫طراد والشذوذ‪:‬‬
‫االطراد والشذوذ مرتبط بمفهوم السماع وحجيته؛ حيث جعل ابن‬ ‫ّ‬ ‫إن ضابط‬‫ّ‬
‫عرفه بأنه‪" :‬الكالم‬ ‫ّ‬
‫االطراد والغلبة ركنا أساسيا في تعريفه للسماع؛ حين ّ‬ ‫األنباري‬
‫(‪)3‬‬
‫العربي الفصيح المنقول بالنقل الصحيح‪ ،‬الخارج عن ح ّد القلة إلى ح ّد الكثرة" ؛‬
‫ّ‬
‫االطراد والغلبة في‬ ‫فقوله‪" :‬الخارج عن حدّ القلة إلى حدّ الكثرة" إشارة إلى شرط‬
‫السماع‪.‬‬
‫االطراد والشذوذ من جه ٍة وبين السماع من‬ ‫ّ‬ ‫ومن منطلق هذه العالقة الرابطة بين‬
‫االطراد والشذوذ إلى أربعة أقسام‪( :‬ما كان مطردّا في‬ ‫ّ‬ ‫جهة أخرى قسم ابن جني‬
‫السماع والقياس معا‪ ،‬وما كان مطردّا في القياس دون السماع؛ كالماضي من‪َ :‬يذَر‪،‬‬
‫طردًا في االستعمال دون القياس؛ نحو قولهم‪" :‬أ َ ْخ َوص الرمث"‬ ‫و َيدَع؛ وما كان م ّ‬
‫األمر"‪ ،‬و"أ ْغيَلَ ِ‬
‫ت المرأة"‪ ،‬و"ا ْست َ ْح َوذَ"‪ ،‬و"ا ْست َ ْن َوقَ الجمل"‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫و"ا ْست َ ْ‬
‫ص َو َ‬
‫ت الشاة" وما شذ في االستعمال والقياس معا(‪.)4‬‬ ‫س ِ‬‫و"استَتْيَ َ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن جني‪ ، ،‬الخصائص‪ / :‬ص‪.109-108‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬مح ّمد جمال صقر‪ ،‬االطراد والشذوذ اللغويان‪،)http: //www.odabasham.net/show( ،‬‬
‫ص ‪.5-4‬‬
‫(‪ ) 3‬ينظر‪ :‬أباو البركاات األنبااري‪ ،‬عباد الارحمن كماال الادين‪ ،‬لمعع األدلعة‪ ،‬تاح‪ :‬ساعيد األفغااني‪( ،‬دمشاق‪:‬‬
‫مطبعة الجامعة السورية ‪1957‬م)‪ ،‬ص‪ ،81 :‬وأبو البركات األنباري‪ ،‬عبد الرحمن كمال الدين‪ ،‬اإلغعراب‬
‫في جدل اإلعراب (دار الفكر‪ ،‬بياروت‪ -‬لبناان‪ .‬ط ‪1391 ،3‬ه‪1971-‬م) ص‪ ،45‬والسايوطي‪ ،‬االقتعراح فعي‬
‫علم أصول النحو ص‪.48‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬ابن جني‪ ،‬الخصائص‪.100-96/1:‬‬
‫‪21‬‬
‫االطراد والشذوذ؛ وهي قائمة على أساس العالقة بين ا ّ‬
‫الطراد‬ ‫ّ‬ ‫وسميت هذه بصور‬
‫االطراد والشذوذ‬
‫ّ‬ ‫والشذوذ من جهة وبين السماع والقياس من جهة أخرى‪ .‬فكان‬
‫دعامة السماع والقياس؛ وبدونهما ال يكون للسماع والقياس وجود وال كيان‪.‬‬
‫‪ .1‬لقد كانت اللغة والنحو العربيان من الرحابة والخصب‪ ،‬بحيث مكنا العلماء من‬
‫اطرادا وشذوذا ما‬‫وضع قياسهم الذي استوعب وجوها من االستعمال‪ ،‬تتناوب ّ‬
‫اختلف الليل والنهار على وفق سنة التطور اللغوي العام‪ .‬فما صار ّ‬
‫مطردا ربما‬
‫مطردا‪ ،‬والسيما أن الشذوذ ال يناط بقلة أو‬‫كان شاذا‪ ،‬وما صارا شاذا ربما كان ّ‬
‫ّ‬
‫(المطرد) من اللغة(‪.)1‬‬ ‫ندرة‪ ،‬بل بمخالفة الحال العامة في‬
‫‪ .2‬لقد جعل مجمع اللغة العربية المصري‪ ،‬هم لجنة األصول‪ ،‬ولجنة األلفاظ‬
‫واألساليب‪ .‬تحرير ما تجري به أقالم الخواص من الكتاب‪ ،‬مما يخرج عن مألوف‬
‫اللغة المتعارف‪ ،‬حريصا على توجيهه الوجه التي تأنس بها أوضاع الفصحى‪ ،‬فيما‬
‫هو مأثور من مسموعها الوثيق‪ ،‬أو فيما يستنبط من آراء أئمتها األعالم حول‬
‫الضوابط واألحكام (‪.)2‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬جهود علماء اللغة العربية في دراسة ظاهرة اال ّ‬


‫طراد والشذوذ‬
‫لقد اهتم علماء العربية بقضية النادر والقليل في اللغة‪ ،‬كما عنوا بالكثير واألكثر‬
‫ورودًا من كالم العرب‪ .‬ويحتوي هذا المبحث على نقطتين اثنتين‪ ،‬أوالهما تتناول‬
‫جهود العرب القدامى في القضية‪ ،‬واألخرى تتناول جهود علماء العرب المحدثين‬
‫في القضية‪.‬‬
‫وهما كاآلتي‪:‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬المرجع السابق‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬محمد جمال صقر‪ ،‬االطراد والشذوذ اللغويان‪ .‬ص‪.6‬‬
‫‪22‬‬
‫أوال‪ :‬جهود علماء العرب القدامى في ظاهرة اال ّ‬
‫طراد والشذوذ‪:‬‬
‫إن مسألة الكثرة والقلة التي بنيت عليها أحكام القياس والشذوذ تبدو مسألة‬
‫اجتهادية‪ ،‬خضعت لتقدير كل عالم واجتهاده‪ ،‬وماله من حصن لغوي‪ ،‬وذلك بعد‬
‫مراجعته لما جمع‪ ،‬فما يراه أحدهم كثيرا ربما ال يراه غيره كذلك على حسب ما‬
‫ّ‬
‫(االطراد) تمت‬ ‫عند كل واحد من شواهد لغوية‪ .‬وكما سيبدو لنا بأن تلك الكثرة‬
‫بمقارنة األشباه والنظائر في الظاهرة النحوية أو اللغوية الواحدة‪ .‬فقد تكون‬
‫الظاهرة كثيرة في نفسها‪ ،‬لكن مقابلها مما يقع موقعها أكثر منها‪ ،‬فيقاس على ما هو‬
‫أكثر‪ ،‬وينفي الكثير مقصورا على السماع‪ .‬وهذا يدل على دقة القدماء وحرصهم‬
‫على صيانة اللغة وبقائها ونقائها‪ .‬كما نوضح الظواهر التي وردت أمثالها في كتب‬
‫اللغة‪ ،‬ولكن العلماء أبقوها عند حد السماع‪ ،‬مثل النسب إلى ما كان على وزن‬
‫"فَعيل" أو "فعيل" فقالوا في النسب إلى ثقيف ثقفي‪ ،‬وفي قريش قرشي‪ ،‬وسليم‬
‫سلمي وغيرها‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬فمن العلماء الذين اهتموا بهذه الظاهرة أبو عبدهللا بن مسلم بن قتيبة (‪-213‬‬
‫‪ )276‬حيث اهتم بها ضمن مسائل كثيرة في اللغة‪ ،‬وذلك في كتابه المعروف‬
‫بــ"أدب الكاتب"‪ .‬كما اهتم بها في كتابه المعروف أيضا بـــ"غريب الحديث"‪،‬‬
‫وابن قتيبة وضع كتابه (أدب الكاتب" لبيان ما يجب أن يكون عليه كاتب الديوان‬
‫وما يحتاج إليه في صناعة الكتابة من مختلف العلوم والثقافة‪ .‬ففي هذا الكتاب (أدب‬
‫الكاتب) أفرد ابن قتيبة بابا للشواذ من الكالم العربي وهو باب "باب شواذ‬
‫التصريف"(‪.)1‬‬
‫وأورد أمثلة كثيرة عن القضية وغالبا ما ينقل عن الفراء‪ ،‬ثم البصريين‪ ،‬نقل كذلك‬
‫عن الخليل مرتين في الباب‪ ،‬وخمس مرات عن تلميذه سيبويه‪ ،‬وعن بعض‬
‫البغداديين مرة واحدة‪ ،‬وعن األصمعي مرة كذلك‪.‬‬
‫ومن بين العلماء الذين تطرقوا إلى دراسة مواقف النحاة في هذه الظاهرة دراسة‬
‫مستفيضة للعالمة ابن جني‪ ،‬والذي يعد أول من تطرق إلى ذلك‪ .‬حيث توصل إلى‬
‫ّ‬
‫المطرد والشاذ إلى أربعة أقسام‪ ،‬فقال‪" :‬اعلم‬ ‫تقسيم السماع من حيث حكم كل من‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ على أربعة أضرب‪:‬‬ ‫أن الكالم في‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬أبوعبد هللا بن مسلم‪ ،‬أدب الكاتب‪ ،‬تح‪/‬محمد الدّالي ‪/‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬د‪.‬ت‪).‬‬
‫ص ‪.612-600‬‬
‫‪23‬‬
‫‪ّ .1‬‬
‫مطرد في القياس واالستعمال جميعاً‪ :‬وهذا هو الغاية المطلوبة والمثابة المنوبة‬
‫وذلك نحو‪ :‬قام زيد وضربت عمرا ً ومررت بسعيد‪.‬‬
‫مطرد في القياس شاذ في االستعمال‪ :‬وذلك نحو الماضي من‪ :‬يذر ويدع‪.‬‬ ‫‪ّ .2‬‬
‫وكذلك قولهم " مكان مبقل " هذا هو القياس واألكثر في السماع باقل واألول‬
‫مسموع أيضا ً قال أبو داود البنه أعاشني بعدك واد مبقل آكل من حوذانه وأنسل‬
‫وقد حكى أيضا ً أبو زيد في كتاب حيلة ومحالة‪ :‬مكان مبقل‪ .‬ومما يقوى في القياس‬
‫يضعف في االستعمال مفعول عسى اسما ً صريحا ً نحو قولك‪ :‬عسى زيد قائما ً أو‬
‫قياما ً هذا هو القياس غير أن السماع ورد بحظره واالقتصار على ترك استعمال‬
‫(‪)1‬‬
‫االسم ههنا وذلك قولهم‪ :‬عسى زيد أن يقوم ﭽ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﭼ‬
‫‪ّ .3‬‬
‫مطرد في االستعمال شاذ في القياس‪ :‬نحو قولهم‪ :‬أخوص الرمث واستصوبت‬
‫األمر‪ .‬وقال‪ :‬يقال استصوبت الشيء وال يقال‪ :‬استصبت الشيء‪ .‬ومنه استحوذ‬
‫وأغيلت المرأة واستنوق الجمل‪.‬‬
‫‪ .4‬شاذ في القياس واالستعمال‪ :‬وهو كتتميم مفعول فيما عينه واو نحو‪ :‬ثوب‬
‫مصوون ومسك مدووف‪ .‬وحكى البغداديون‪ :‬فرس مقوود ورجل معوود من‬
‫مرضه‪ .‬وكل ذلك شاذ في القياس واالستعمال‪ .‬فال يسوغ القياس عليه وال رد غيره‬
‫إليه‪ .‬وال يحسن أيضا ً استعماله فيما استعملته فيه إال على وجه الحكاية‪ .‬واعلم أن‬
‫الشيء إذا اطرد في االستعمال وشذ عن القياس فال بد من اتباع السمع الوارد به‬
‫فيه نفسه لكنه ال يتخذ أصالً يقاس عليه غيره‪.‬‬
‫وقال‪" :‬واعلم أن الشيء إذا اطرد في االستعمال وشذ في القياس‪ ،‬فال بد من اتباع‬
‫السمع والوارد به فيه نفسه‪ ،‬لكنه ال يتخذ أصال يقاس عليه غيره"(‪.)2‬‬
‫االطراد والشذوذ في الكالم العربي‪ ،‬وإن‬‫ّ‬ ‫بهذا النص القديم المهم تفصلت قضية‬
‫ّ‬
‫المطرد في القياس واالستعمال جميعا هو الغابة المطلوبة والمثابة المنوبة من‬ ‫كان‬
‫أجل طموح العلماء إليه‪ ،‬وتعويلهم عليه‪ .‬فهو الذي ترسخ به قواعدهم‪ ،‬فتقنع المتعلم‬
‫وتعجز الخصيم(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪.83 :‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬ابن جني‪ ، ،‬الخصائص‪ ، / :‬ص‪.110/‬‬
‫(‪ )3‬محمد أحمد العمروسي‪ ،‬االطراد والشذوذ في النحو العربي بين القدامى والمحدثين‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫العلوم‪1978 ،‬م‪ .‬ص‪.246/‬‬
‫‪24‬‬
‫ومن المالحظ أن ابن جني لم يمثل للضربين الثالث والرابع من مظاهر نظام اللغة‬
‫والنحو‪ ،‬وإنما اقتصر على مظاهر صرفية‪ .‬وإن دل هذا‪ ،‬فإنما يدل على أن الذي‬
‫يصيب نظام اللغة والتفكير هو شذوذ االستعمال ال شذوذ القياس‪ .‬فكأن النحو كان‬
‫من وضوح المصادر والموارد‪ ،‬بحيث مكن العلماء من قياسه وتبويبه وضبطه‪،‬‬
‫فاستوعب وجوه االستعمال ّ‬
‫اطرادا وشذوذا (‪.)1‬‬
‫ومن الذين درسوا القضية أيضا بعد ابن جني‪ ،‬اإلمام جالل الدين السيوطي‪ ،‬حيث‬
‫تناول القضية في كتابه (االقتراح في أصول النحو) فأفرد بابا مستقال أسماه‬
‫مطرد وشاذ"‪ .‬إال أنه نقل عن ابن جني من كتابه العمدة‬‫"انقسام المسموع إلى ّ‬
‫(الخصائص) فزاد عليه الشرح والتوضيح‪ ،‬واقتصر على ما يحتاج إليه (‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ في كتابه المشهور (المزهر‬ ‫واإلمام السيوطي تحد عن قضية‬
‫في علوم اللغة وأنواعها) وخصص للقضية النوع الثاني عشر فقال ‪" :‬النوع‬
‫المطرد والشاذ" فنقل عن ابن جني كذلك وعن الفارابي في‬ ‫ّ‬ ‫الثاني عشر‪ :‬معرفة‬
‫كتابه (ديوان األدب)‪ .‬وينقل كذلك عن ثعلب في أماليه‪ ،‬وعن أبي عثمان المازني‪،‬‬
‫وابن السراج في كتابه (األصول)‪ .‬وقد نقل عن هؤالء العلماء‪ ،‬وغالبا ما يتعلق‬
‫بالشواذ في الكالم العربي‪ .‬ونقل عن المبرد قوله‪" :‬البيت الشاذ ليس بحجة على‬
‫األصل المجمع عليه"‪ .‬وهكذا تجد اإلمام السيوطي ينقل عن الذين سبقوه مع الشرح‬
‫والتوضيح باألمثلة المناسبة (‪.)3‬‬
‫ثانيا‪ :‬جهود علماء العرب المحدثين في دراسة ظاهرة اال ّ‬
‫طراد والشذوذ‪:‬‬
‫إن من األهمية بمكان أن نتبع ونراجع جهود العلماء القدامى في هذه القضية‪ ،‬حيث‬
‫ّ‬
‫المطرد منه‪ .‬ذلك ألن‬ ‫يتضح لنا بأنهم عنوا كثيرا بالشواذ من كالم العرب أكثر من‬
‫الغالب والكثير من الشيء ال يحتاج إلى كثير من الجهد للتعرف عليه والمناقشة‬
‫عنه‪ ،‬وغيره النادر القليل أولى بالدراسة أكثر ليكتشف للدارسين والمتخصصين‬
‫مدى أهمية التعرف عليه والقواعد التي تحكمه‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬فإن هناك ثورة من بعض الباحثين المحدثين على الشاذ من الكالم العربي‪،‬‬
‫ّ‬
‫للمطرد منه‪ ،‬وإخراج كل ماله نظائر في القرآن الكريم أو إحدى قراءاته‬ ‫رعاية‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬محمد جمال صقر‪ ،‬االطراد والشذوذ اللغويان‪ .‬ص‪.5‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬السيوطي‪ ،‬االقتراح في أصول النحو‪ ،‬ص‪.114-109‬‬
‫(‪ )3‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬المزهر في علوم اللغة وأنواعها‪( ،‬مصر‪ :‬مطبعة‬
‫السعادة‪1325 ،‬هــ‪/1 ،‬ص‪.139-136‬‬
‫‪25‬‬
‫الصحيحة‪ ،‬أو الحديث النبوي الشريف الصحيح‪ ،‬وكل ما كان مختص بالشعر أو ما‬
‫اختص بلهجة عربية‪ ،‬وكل ما اختلف فيه النحويون‪ ،‬وكل ما كان بتأويل أو ما‬
‫اختص بفترة معينة‪ ،‬وكل ما اعتمد على سائر القرائن‪ ،‬وكل ما كان تجميال‬
‫لصياغة لفظ – عن أن يكون شاذا – وعفته عن أن يسمى مالم يشمله شيء مما‬
‫سبق شاذا‪ ،‬متقصرا فيه على عبارة "يحفظ وال يقاس عليه" (‪.)1‬‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ في‬ ‫وكذلك قد وجد من الباحثين المعاصرين من رفضوا ظاهرة‬
‫أصول النحو العربي‪ ،‬ومن نقودهم ما ملخصه كاآلتي‪:‬‬
‫ّ‬
‫االطراد عند النحويين‪ ،‬وعدم تمكنهم من ضبط معنى القلة‬ ‫‪ .1‬صعوبة تحديد معنى‬
‫والكثرة ومتى يقاس عليهما عندما يتحققان في الكالم‪.‬‬
‫ّ‬
‫"االطراد" ذلك‬ ‫‪ .2‬اختالف موازين الكثرة بين النحاة بسبب صعوبة إدراك مدلول‬
‫ّ‬
‫االطراد في المادة اللغوية فيصح القياس عليها‪ .‬وكل‬ ‫كونهم لم يوضحوا متى يتحقق‬
‫هذا‪ ،‬حسب رؤيتهم – أدى إلى االضطراب والحيرة‪ ،‬فيصوب هذا ما يخطئه ذلك‪،‬‬
‫ويبيح ذاك ما يمنعه سواه (‪.)2‬‬
‫‪ .3‬إن الذي قام به العبقري ابن جني من تقسيم المادة اللغوية المسموعة إلى أربعة‬
‫أقسام هو محاولة منه لتوضيح الظاهرة‪ ،‬لكن تلك المحاولة لم تف بالغرض الذي‬
‫رمى إليه ابن جني‪ ،‬وذلك لغموضها وتناقضها‪ .‬فكان هذا الغموض كما يرى‬
‫المحدثون في اعتماد العربية ابن جني على الشيوع والكثرة‪ ،‬من غير التطرق إلى‬
‫توضيح حدودها‪ ،‬مما أدى إلى الغموض الذي انتقد به األولون‪ .‬وأما التناقض في‬
‫رأيهم (المحدثين) فكان عند تقسيمه وحكمه على كل قسم كحكمه على الشاذ‬
‫واالستعمال معا‪ ،‬بأنه ال يجوز القياس عليه‪ ،‬وال رده إلى غيره‪ .‬مع أنه قرر في‬
‫مكان آخر في الموضوع على أن الناطق على قياس لغة من اللغات مصيب غير‬
‫مخطئ‪ ،‬فكالمه هذا يناقض ما أقره فيما سبق (‪.)3‬‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ لم تنل االهتمام الكثير من‬ ‫هذا‪ ،‬فمن خالل ما سبق نفهم بأن قضية‬
‫الباحثين المعاصرين‪ ،‬وذلك لغموضهما – كما سبق – ولعل األستاذ عباس حسن‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬محمد أحمد العمروسين االطراد والشذوذ في النحو العربي بين القدامى والمحدثين‪ .‬و محمد‬
‫جمال صقر‪ ،‬االطراد والشذوذ اللغويان‪ .‬ص‪.6‬‬
‫(‪ )2‬ينطر‪ :‬الدكتور‪/‬ماسيري دوكوري‪ ،‬نظرية االطراد والشذوذ في النحو العربي وموقف المحدثين‪-5 ،‬‬
‫‪.6‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫من الذين رأوا هذا الغموض في هذه القضية‪ .‬كذلك رمى القدماء باالضطراب فيها‪.‬‬
‫ومن المعاصرين الذين تطرقوا إلى القضية أيضا محمد جمال صقر رأى أن ال‬
‫ّ‬
‫للمطرد‪ .‬وأنه ليس في‬ ‫وجه لثورة بعض الباحثين المحدثين على الشاذ رعاية‬
‫وصف مظهر من مظاهر نظام اللغة والنحو بالشذوذ من دنية أو ضعة‪ ،‬وال في‬
‫وصف غيره من الكالم العربي من رفعة (‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬الدكتور محمد جمال صقر‪ ، ،‬االطراد والشذوذ اللغويان‪ .‬ص‪.6‬‬
‫‪27‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الدراسات السابقة‪:‬‬
‫أوال‪ :‬نظرية اال ّ‬
‫طراد والشذوذ في النحو العربي وموقف المحدثين دراسات في‬
‫(‪)1‬‬
‫أصول النحو‬
‫تحتوي هذه الورقة على (‪ )6‬صفحات‪ .‬وناقش فيها موضوعات تتعلق بنظرية‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ في النحو العربي وموقف المحدثين‪.‬‬
‫أهداف البحث‪:‬‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ‪ ،‬كونه‬ ‫وضّح الباحث أنه يهدف من هذه الورقة‪ :‬توضيح مفهوم‬
‫من أهم المباحث المرتبطة بأدلة النحو وأصوله؛ ومن هدف الباحث في الورقة‪،‬‬
‫دفاع الظلم والجور عن النحو العربي لقصد النيل منه‪ ،‬كما كان هدفه دفاع عن‬
‫النقود التي و ّجهت إلى النحاة القدامى بخصوص هذه الظاهرة‪.‬‬
‫منهج الدراسة‪:‬‬
‫لم يبيّن الباحث بشكل صريح المنهج الذي نهجه‪ ،‬ولكن من خالل اطالعي على‬
‫البحث تبيّن أنّه نهج المنهج التحليلي والمقارن‪ ،‬حيث قارن بين مواقف النحاة‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ‪.‬‬ ‫القدامى ونظريات علم اللغة الحديث عن ظاهرة‬
‫عالقة بين هذه الدراسة وبحثي هذا‪:‬‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ في النحو‬ ‫تناول البحث موضوعات عدة ذات صلة وطيدة بنظرية‬
‫العربي‪ ،‬وبيّن في المسألة موقف المحدثين‪ .‬إال أنه لم يرتبط حدوده بكتاب معين من‬
‫كتب أبي البركات األنباري‪ .‬فقسم ورقته إلى أربعة أقسام؛ فتطرق في القسم األول‬
‫فعرفت الورقة‬
‫المطرد والشاذ عند أهل اإلعراب‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫منها إلى مفهوم كل من الكالم‬
‫سمت الكالم الشاذ من حيث قبوله‬ ‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ لغة واصطالحا‪ ،‬ث ّم قَ ّ‬ ‫ظاهرة‬
‫وعدمه إلى قسمين هما‪ -1 :‬شاذ مقبول‪ -2 .‬شاذ مردود‪ .‬وأما القسم الثاني فقد تناول‬
‫االطراد والشذوذ بالسماع والقياس‪ ،‬وأوضحت ّ‬
‫بأن ابن جني يعدّ أول‬ ‫ّ‬ ‫عالقة ظاهرة‬
‫صل‬‫تطرق إلى دراسة مواقف النحاة في الظاهرة‪ ،‬دراسة مستفيضة‪ ،‬وقد تو ّ‬ ‫ّ‬ ‫من‬

‫(‪ )1‬نشرت هذه الورقة في ‪ ،www.repository.mediu.edu.my‬وهي من إنتاجات األستاذ المشارك‬


‫الدكتور دكوري ماسيري‪ ،‬أستاذ اللغويات واللسانيّات‪ ،‬في جامعة المدينة العالمية‪ .‬وكذلك‬
‫‪www.scholar.mediu.edu.my/index.php/Mediu/article‬‬
‫‪28‬‬
‫ّ‬
‫المطرد والشاذ إلى أربعة أقسام‪،‬‬ ‫ابن جني إلى تقسيم السماع من حيث حكم كل من‬
‫صلت الورقة هذه األقسام تفصيال ؛ ث ّم واصلت الورقة بتوضيح القسم الثالث‬
‫وقد ف ّ‬
‫االطراد والشذوذ‪ ،‬وأنهم رفضوا‬ ‫ّ‬ ‫منها‪ ،‬حيث بيّنت موقف المعاصرين من نظرية‬
‫الظاهرة في أصول النحو العربي‪ ،‬ووضّحت الورقة انتقاداتهم على النحاة عامة‪،‬‬
‫وتقسيم ابن جني للظاهرة خاصة‪...‬‬
‫وأما الجزء الرابع واألخير من الورقة فهو عبارة عن نتيجة المقارنة‪.‬‬
‫نتيجة البحث‪:‬‬
‫صلت الورقة إلى أن بعض النقود التي و ّجهها الباحثون المعاصرون إلى‬ ‫تو ّ‬
‫اللغويين والنحويين القدامى صحيحة بمنظار العصر الحاضر‪ ،‬كون العمل‬
‫البشري ال يخلو من الزالّت واألخطاء‪ ،‬لكن هذا ال يعني الدعوة إلى ترك‬
‫أصول النحاة‪ ،‬وتغيير منهجهم‪.)1(...‬‬
‫ّ‬
‫فالمطلع على الدراسة الحالية يدرك مدى اختالفها عن الدراسة السابقة من‬ ‫هذا‪،‬‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ من خالل كتاب‬ ‫حيث المضمون‪ ،‬ألن هذه الدراسة تتناول ظاهرة‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ في المسائل‬ ‫اإلنصاف لألنباري‪ ،‬وكيف طبّق األنباري صور‬
‫الخالفية النحوية التي قام بدراستها في كتابه‪ .‬وكذلك أن هذه الدراسة انتهجت‬
‫المنهج الوصفي التحليلي‪ ،‬بينما الدراسة السابقة حسب اطالعي نهجت المنهج‬
‫التحليلي والمقارن‪ ،‬في حين تهدف الدراسة الحالية إلى توضيح أثر نظرية اال ّ‬
‫طراد‬
‫والشذوذ في ترجيحات أبي البركات األنباري‪...‬‬
‫ثانيا‪ :‬اال ّ‬
‫طراد والشذوذ اللغويّان للدكتور محمد جمال صقر (‪.)2‬‬
‫تقع هذه الورقة في (‪ )5‬صفحات‪ .‬وناقش فيها الباحث موضوعات متعلقة بنظرية‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ في اللغة العربية‪.‬‬
‫أهداف البحث‪:‬‬
‫لم يحدد الباحث ما ترمي إليه ورقته من األهداف‪ .‬إال أنه بدأت ورقته بمقدمة ذكر‬
‫سم الباحثين إلى صنفين‪ ،‬أوالهما‬ ‫فيها صاحبها مدى تنازع نظام اللغة قديما‪ ،‬وق ّ‬

‫بتصرف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫طراد والشذوذ في النحو العربي وموقف المحدثين؛‬ ‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬دكوري ماسيري‪ ،‬نظرية اال ّ‬
‫ّ‬
‫(‪ )2‬نشِرت هذه الدراسة بموقع رابطة أدباء الشام في مجلتها التي تصدر من لندن – بريطانيا‪ .‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫كان منطق العلم والتعليم‪ ،‬وأما اآلخر فكان منطق ّ‬
‫الفن ؛ ولقد أقبال معا على كالم‬
‫العرب استيعابا ً ونقدًا‪ ،‬ث ّم ذكر ما قام به البصريون على استخراج العلوم العربية‪،‬‬
‫وفرعوا‪ ،‬وكان فيهم غريزة التحقيق والتمحيص دون الكوفيين‪...‬‬ ‫صلوا ّ‬‫فأ ّ‬
‫منهج الدراسة‪:‬‬
‫لم يذكر الباحث المنهج المستخدم في تناول هذه الدراسة‪.‬‬
‫عالقة الدراسة بهذا البحث‪:‬‬
‫إن هذه الدراسة تختلف عن سابقتِها من جميع النواحي البحثية‪ ،‬فلم تذكر الدراسة‬
‫أن كل من ّ‬
‫اطلع‬ ‫السابقة منهجها وهدفها‪ ،‬وال الدوافع التي كتِبت من أجلها‪ ،‬إالّ ّ‬
‫عليها قد يدرك ّ‬
‫أن من أهدافها التأييد على النحاة القدماء في الموضوع‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق يتجلّى الفرق بين الدراستين‪ ،‬حيث ّ‬
‫إن الدراسة الحالية تهدف إلى‬
‫تحليل الضوابط التي اعتمد عليها أبو البركات األنباري في اإلنصاف عند تناوله‬
‫المسائل الخالفية بين نحوي البصرة والكوفة‪ ،‬وقد سبق ذكر المنهج واألهداف‬
‫للدراسة الحالية في أماكنها المناسبة من البحث‪ ..‬في حين نجد ّ‬
‫أن الدراسة السابقة‬
‫قائمة على الناحية النظرية لعدم التطبيق على كتاب معيّن‪.‬‬
‫نتائج الدراسة‪:‬‬
‫االطراد والشذوذ مصطلحان ِع ْل ِميّان‪( ،‬صناعيّان)‬ ‫ّ‬ ‫صلت الدراسة إلى أن ظاهرة‬ ‫تو ّ‬
‫طبيعيّان قديمان باقيان‪ ،‬كما توصلت الدراسة بأنّه ال وجه لثورة بعض الباحثين‬
‫للمطرد‪ ،‬وأنّه ليس في وصف المظهر من مظاهر نظام اللغة‬ ‫ّ‬ ‫على الشاذّ رعاية‬
‫ّ‬
‫باالطراد من َر ْف َعةٍ‪ ،‬إالّ أن يستعمل‬ ‫ض َعةٍ‪ ،‬وال في وصف غيره‬‫والنحو بالشذوذ من َ‬
‫بمطرد الحقائق وشاذّها اللذين تحكمهما شروط‬ ‫المجاز وهو ال ت َ ْنبَني به القواعد بل ّ‬
‫وتحدِّدهما معالم على أربعة أضرب‪ ،‬فذكرت الدراسة األضرب األربعة التي‬
‫أن صاحب الدراسة أشار إلى‬ ‫ذكرها ابن جني في كتابه الخصائص بالتفصيل‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن ابن جني لم يمثّل للضربين الثالث والرابع بشيء من مظاهر نظام اللغة والتفكير‬
‫وأن الذي يصيب نظام اللغة والنحو هو‬ ‫(النحو)‪ ،‬بل اختصر على مظاهر صرفية‪ّ ،‬‬
‫شذوذ االستعمال ال شذوذ القياس‪..‬‬
‫‪30‬‬
‫ثالثا‪ :‬شواذ التصريف في األسماء ومنهج العلماء في تناولها‬
‫إعداد فهد بن منيع هللا بن ناجي الصاعدي‪ .‬إشراف أ‪ .‬د‪ /‬مح ّمد حسن مح ّمد يوسف‬
‫(‪ .)1‬وتقع هذه الدراسة في حدود (‪ )418‬صفحة‪ .‬ناقش فيها األسماء الشاذة في‬
‫التصريف ثم المنهج المستخدم في تناولها من قبل الباحثين والدارسين‪.‬‬
‫أهداف البحث‪ :‬بدأت الدراسة بمقدمة وجيزة ذكر فيها الباحث قصده من البحث‪،‬‬
‫وهو جمع شواذ تصريف األسماء ودراستها من خالل ما ورد في أ ّمهات كتب‬
‫النحو والتصريف واللغة‪ ،‬وبيان أنواع الشذوذ فيها‪ ،‬والتعرف على منهج العلماء‬
‫في تناوله وتوضيح معالمه واستخالص النتائج المتوخاة من ذلك البحث‪.‬‬
‫منهج الدراسة‪:‬‬
‫ذكر الباحث المنهج الذي اتبعه‪ ،‬وهو المنهج الوصفي‪ ،‬ث ّم ذكر خمسة خطوات‬
‫اتبعها أثناء البحث‪.‬‬
‫عالقة الدراسة بهذا البحث‪:‬‬
‫إن الدراسة الحالية تختلف عن الدراسة السابقة بشكل ملحوظ‪ ،‬حيث إن الدراسة‬
‫الحالية مقيّدة بكتاب من أبرز كتب االختالف النحوي بين نحوي البصرة والكوفة‪،‬‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ في النحو العربي في ضوء كتاب‬ ‫وكذلك إنها تدرس ظاهرة‬
‫أن الدراستين تتّفقان في المنهج‪ ،‬وذلك يرجع إلى طبيعتهما في‬‫اإلنصاف‪ ،‬إالّ ّ‬
‫الدراسة‪ ،‬وأ ّما بالنسبة للدافع األساسي فإنّه واضح اختالفه‪ ،‬وكذلك المضمون‪،‬‬
‫حيث إن الدراسة السابقة تناولت شواذ التصريف في األسماء فقط ومنهج العلماء‬
‫في تناولها‪ ،‬بينما الدراسة الحالية قائمة على وصف ما اطرد وما شذّ من كالم‬
‫العرب من خالل كتاب معيّن كما سبق‪ ،‬ومن ث َ َّم استنباط ضوابطها وصور‬
‫تطبيقها‪...‬‬
‫نتائج الدراسة‪:‬‬
‫توصلت هذه الدراسة إلى نتائج من أهمها‪:‬‬

‫(‪ )1‬بحث تكميلي لنيل درجة الماجيستير من كلية اللغة العربية‪ ،‬قسم اللغويات‪ ،‬الجامعة اإلسالمية بالمدينة‬
‫المنورة‪.1424 ،‬‬
‫‪31‬‬
‫أن الشاذ ال تخرج عن فصاحتها غالبا‪ ،‬حيث تكلم به عربي‪ ،‬أن للشاذ علال‪،‬‬
‫وأسرارا‪ ،‬وفوائد جعلت العربي قد ينحرف به عن بابه كالتنبيه على األصل‪،‬‬
‫نحو‪(:‬أ ْقوس) وتوصلت أيضا إلى وجود كثرة أنواع الشواذ‪ ،‬وأن للشاذ مترادفات‬
‫كثيرة منها‪ :‬قولهم(غير مطرد)كما أن النحاة يعبرون أحيانا عن الشاذ بالنادر‪ ،‬أو‬
‫القلة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬الشذوذ في قواعد اللغة العربية‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫إعداد عبد الناصر عثمان عبدهللا صبير‪ .‬إشراف‪ /‬أ‪ .‬محمد الطيّب عبدهللا‪.‬‬
‫أهداف الدراسة‪:‬‬
‫بدأ البحث بمقدمة تحدّ فيها عن اللغة وقيمتها وقوانينها والمحافظة عليها والتفاني‬
‫فيها والحرس على نقائها‪ ،‬ألنها لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف‪،‬‬
‫سم الباحث بحثه إلى سبعة فصول؛ الفصل األول عبارة عن‬ ‫والرسالة الخاتمة‪ .‬ث ّم ق ّ‬
‫أساسيّات البحث‪ ،‬والفصل الثاني تحد فيه عن االستدالل‪ ،‬وأصول النحو عند‬
‫وتعرض أله ّم األصلين هما‪ :‬السماع‪ ،‬والقياس‪ .‬أما الفصل الثالث تناول‬ ‫ّ‬ ‫العرب‪،‬‬
‫فيه تعريف الشذوذ في خمسة مباحث؛ بينما الفصل الرابع كان الحديث فيه عن‬
‫الشذوذ في المرفوعات؛ والفصل الخامس دار الحديث فيه عن الشذوذ في‬
‫المنصوبات؛ والفصل السادس تحد عن الشذوذ في المجرورات األدوات‪ .‬بينما‬
‫صل إليها الباحث‬‫الفصل السابع واألخير عبارة عن خاتمة البحث‪ ،‬والنتائج التي تو ّ‬
‫في نهاية البحث‪ ،‬ثم ألحقها بالتوصيات‪.‬‬
‫عالقة الدراسة بهذا البحث‪:‬‬
‫إن الدراسة الحالية تختلف عن الدراسة السابقة بشكل ملحوظ‪ ،‬حيث إن الدراسة‬
‫الحالية مقيّدة بكتاب من أبرز كتب االختالف النحوي بين نحوي البصرة والكوفة‪،‬‬
‫االطراد والشذوذ في النحو العربي في ضوء كتاب‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك إنها تدرس ظاهرة‬
‫اإلنصاف‪ ،‬وأ ّما بالنسبة للدافع األساسي فواضح اختالفه‪ ،‬وكذلك المضمون‪ ،‬حيث‬
‫إن الدراسة السابقة تناولت الشذوذ في قواعد اللغة العربية‪ ،‬بينما الدراسة الحالية‬

‫(‪ )1‬بحث تكميلي لنيل درجة الماجيستير في تعليم اللغة العربية للناطقين لغيرها‪ .‬جامعة الدول العربية‪،‬‬
‫معهد الخرطوم الدولي‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫قائمة على وصف ما اطرد وما شذّ من كالم العرب من خالل كتاب معيّن كما‬
‫سبق‪ ،‬ومن ث َ َّم استنباط ضوابطها وصور تطبيقها‪...‬‬
‫‪33‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬لمحة موجزة عن أبي البركات األنباري وكتابه اإلنصاف‬
‫يعدّ أبو البركات كمال الدين األنباري (عبدالرحمن بن عبيد هللا بن أبى سعيد)‬
‫المولود في سنة ‪513‬هـ (‪ ،)1‬من أشهر أعالم اللغة والنحو؛ حيث تعلّم اللغة واألدب‬
‫على يدِّه نخبة من مشاهير اللغة واألدب من أمثال‪ :‬أبو نصر أحمد بن نظام الملك‪،‬‬
‫أبو البركات عبدالوهاب األنماطي‪ ،‬أبو منصور الجواليقي‪ ،‬أبو منصور بن‬
‫الرزاز‪ ،‬ابن الشجري‪ ،‬أبو محمد عبدهللا المقرئ النحوي‪ ،‬محمد بن محمد بن‬ ‫ّ‬
‫محمد بن عطاف الموصلي(‪ ،)2‬وغيرهم من األئ ّمة‪ .‬وقد تتلمذ على يده مجموعة من‬
‫العلماء أشهرهم محمد بن موسى الملقّب بالحازمي‪ ،‬و محمد بن سعيد الواسطي‪،‬‬
‫وعبد الغفار بن محمد األعلمي‪ ،‬وأبو شجاع محمد بن أحمد العنبري‪ .‬وله مؤلفات‬
‫وتصانيف‪ :‬أوصله بعض المحققين إلى ‪ 83‬مؤلّفاً؛ أشهرها‪ :‬أسرار العربية‪،‬‬
‫اإليضاح في النحو‪ ،‬والوجيز في التصريف‪ ،‬و الجمل في علم الجدل‪ ،‬البيان في‬
‫إعراب غريب القرآن‪ ،‬األضداد‪ ،‬البلغة في نقد الشعر‪ ،‬والبلغة في أساليب اللغة‪،‬‬
‫والبلغة في الفرق بين المذكر والمؤنث‪ .‬واهم هذه المؤلفات التي طرقت مجال‬
‫أصول النحو‪ :‬لمع األدلة‪ ،‬وقد رتبه ابن األنباري على ثالثين فصالً‪ ،‬واإلغراب في‬
‫جدل اإلعراب‪ :‬والكتابان يعدّان مصدران أساسيّان في مجال أصول النحو‪ ،‬بل‬
‫يعدّان َّأول مؤلف مستق ّل في هذا المجال‪ ،‬وقد حقق الكتابان بواسطة الدكتور محمد‬
‫سعيد األفغاني‪ ،‬عني بطباعتهما مطبعة الجامعة السورية عام ‪ 1377‬الموافق لـ‬
‫‪ ،1957‬ولهما نسخة اإللكترونية(‪.)3‬‬

‫وأ ّما الكتاب الثالث الذي هو ميدان دراستنا التطبيقية هو (اإلنصاف في مسائل‬
‫الخالف بين البصريين والكوفيين) فيعدّ أوسع مصدر في مجال الخالفات النحوية؛‬
‫حيث أورد فيه ‪ 121‬مسالة نحوية بشكل مفصل‪ ،‬والكتاب له طبعات؛ منها‪ :‬طبعة‬
‫دار الكتب العلمية بتحقيق‪ :‬حسن مح ّمد أشراف‪ ،‬و د‪/‬إميل يعقوب‪ ،‬وطبعة الخانجي‬
‫بالقاهرة بتحقيق‪ :‬الدكتور جودة مبروك‪ ،‬وطبعة دار الطالئع‪ ،‬بتحقيق‪ :‬محمد محي‬
‫(‪)1‬شااهاب الاادين أبااو عباادهللا باان عباادهللا الحمااوي الرومااي البغاادادي‪ ،‬معجععم البلععدان ( الطبعااة األولااى‪ ،‬دار‬
‫صادر للطباعة والنشر ‪1374‬هـ ‪1955 -‬م جـ‪ /1‬ص ‪.258-257‬‬
‫) د‪/‬جودة مبروك محمد مبروك‪ ،‬محقق الطبعة األولى من كتاب اإلنصاف‪ ،‬مكتبة الخانجي ‪2002‬م‪(2.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر النسخة اإللكترونية في رابط (‪:)2014/05/19‬‬
‫‪http://www.archive.org/download/ighr...ma3-anbary.pdf‬‬
‫‪34‬‬
‫الدين عبد الحميد‪ ،‬وطبعة رابط تنزيل الكتاب طبعتها األولي للكتاب عام‪،2014‬‬
‫بتحقيق‪ :‬عادل محمد‪ ،‬وطباعة دار الترا العربي والنشر طبعتها األولي للكتاب‬
‫عام ‪.2013‬‬
‫يعتبر هذا الكتاب من أشهر الكتب التي ألفها األنباري وقد ذكر في مقدمته أنه ألفه‬
‫بطلب من بعض المشتغلين عليه من الفقهاء المتأدبين واألدباء المتفقهين بالمدرسة‬
‫النظامية أن يؤلف لهم كتابا ً يحوى مشاهير المسائل الخالفية بين نحوي البصرة‬
‫والكوفة‪ ،‬على ترتيب المسائل الخالفية بين الشافعي وأبى حنيفة ليكون أول كتاب‬
‫ألف في هذا الفن(‪.)1‬‬

‫الثالث‪ :‬اإلطار التحليلي‬

‫المدخل‪:‬‬
‫إن اإلطار التحليلي لهذا البحث يقتضي أن يكون في دراس ِة وتحلي ِل الضوابط‬
‫لالطراد والشذوذ عند أبي البركات األنباري؛ وبشكل موجز‪ ،‬ذلك ّ‬
‫ألن أبا‬ ‫ّ‬ ‫والصور‬
‫َ‬
‫الحديث حول الظاهرة‪ ،‬وإنما اكتفى بالحديث عن النقل‬ ‫سع‬
‫البركات األنباري لم يو ّ‬
‫وانقسامه إلى تواتر و آحاد‪ ،‬ومن ث َ َّم ذكر شرط نقل كل منهما‪ ،‬حيث تناول ذلك في‬
‫فصلي الخامس والسادس‪ ،‬وذلك في كتابه (لمع األدلة) مع ذكر أقوال العلماء في‬
‫ذلك‪ ،‬ويتناول الباحث ذلك في مبحثي األول والثاني من هذا الفصل؛ وبعد ذلك‬

‫(‪ )1‬ذكر محقق اإلنصاف الشيخ محمد محي الدين عبدالحميد‪ ،‬أن النحاس قد ألف كتابا ً سماه (المابهج) فاي‬
‫الخالف النحوي بين البصريين والكوفيين؛ ويتضح أن المؤلّاف لام يطلاع علياه‪ ،‬بواساطة موقاع ملتقاى أهال‬
‫نص المقدمة في كتاب اإلنصاف الذي حققه د‪ /‬جودة محمد مبروك‪ .‬ص‪.3‬‬ ‫الحديث‪ .‬وينظر ّ‬
‫‪35‬‬
‫نرى كيف أثّرت الظاهرة في ترجيحات أبي البركات األنباري‪ ،‬وذلك يكون في‬
‫المبحث الثالث من هذا الفصل‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ضوابط اال ّ‬
‫طراد الشذوذ عند أبي البركات األنباري‪:‬‬
‫لقد أشار أبو البركات األنباري في خالل حديثه عن النقل إلى أن الكالم المنقول‬
‫يجب أن يكون‪" :‬خارجا عن حد القلة إلي حد الكثرة"(‪.)1‬‬
‫كما أنه أشار كذلك في خالل حديثه عن ترجيح األدلة المنقولة إلى أن من الترجيح‬
‫في اإلسناد أن "يكون النقلة في إحداهما أكثر من اآلخر"(‪.)2‬‬
‫ومن هنا يمكننا القول بأن "ضابط اال ّ‬
‫طراد والشذوذ" عند أبي البركات األنباري‬
‫يدور حول كثرة الظواهر اللغوية وخروجها من مستوى القلة إلي مستوى الكثرة‪.‬‬
‫لكنه أشار قبل ذلك إلى الفصاحة وصحة النقل؛ مما ساغ لنا القول بأن ضابط‬
‫االطراد عنده غير منحصر على العدد فحسب‪ ،‬بل تعدّاه إلى النوع المتمثل في‪:‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫االطراد عند أبي‬ ‫بأن ضابط‬‫الصحة اللغوية وسالمة النقل‪ ،‬وعليه نستطيع القول ّ‬
‫البركات األنباري ينطلق من ثالثة أبعاد‪:‬‬
‫‪ .1‬الصحة اللغوية‪.‬‬
‫‪ .2‬سالمة النقل‪.‬‬
‫‪ .3‬الكثرة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الصحة اللغوية‪:‬‬
‫ويقصد بها أن يكون الكالم المنقول فصيحا؛ فخرج عنه ما جاء في كالم غير‬
‫العرب من المولّدين‪ ،‬وما شذّ من كالمهم‪ 3 ،‬كالجزم بــــــ (لن) والنصب بــــــــ‬
‫(لم) حيث و ِجد من قرأ شذوذا قوله تعالى‪ :‬ﮨ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ‪ )4( ‬بفتح الحاء‪ ،‬وكذا‬
‫الجر بـــــــ (لعل) كما في قول كعب بن سعد حيث روي بالجر قوله‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ورود‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬عبد الرحمن كمال الدين‪ ،‬لمع األدلة‪ ،‬تح‪ :‬سعيد األفغاني‪( ،‬دمشق‪:‬‬
‫مطبعة الجامعة السورية ‪1957‬م)‪ ،‬ص‪ .81 :‬وكذلك كتاب اإلغراب في جدل اإلعراب‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬المصدري السابقين‪ ،‬ص‪ 65 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬لمع األدلة‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫(‪ )4‬سورة الشرح‪ :‬اآلية‪1 :‬‬
‫‪37‬‬
‫"لعل أبي المغوار منك قريب" والصحيح‪" :‬لعل أ َبا المغوار منك قريب" بالنصب‪.‬‬
‫وهكذا يعلّل األنباري المسألة ويعزز ما يقوله باألمثلة المناسبة للموضوع وفي‬
‫النهاية يثبت بأنها م ّما ال يخفى من الشواذ (‪.)1‬‬
‫ثانياا‪ :‬سالمة نقل الكالم‪:‬‬
‫أشار األنباري إلى أن الكالم العربي يشترط في نقله ما اشترط في نقل أحاديث‬
‫الرسول صلي هللا عليه وسلم‪ ،‬ألن الكالم العربي الفصيح به يعرف تفسير‬
‫ط في نقله لتعلُّقه به ما اشترط في نقله (األحاديث)‬
‫األحاديث وتأويله‪ ،‬لذلك اشت ِر َ‬
‫وإن لم يكن في الرتبة والفضيلة من شكله؛ إذن‪ ،‬فال بد من سالمته من كل‬
‫العيوب‪.)2(...‬‬
‫ثالثا‪ :‬الكثرة‪:‬‬
‫إن أبا البركات األنباري في هذه النقطة لم يحددها بشكل دقيق‪ ،‬وذلك عند حديثه‬
‫عن انقسام النقل إلى متواتر وآحاد‪ .‬فذكر أن النقل المتواتر يشمل لغة القرآن وما‬
‫تواتر من السنة النبوية وكالم العرب؛ وأشار إلى أن هذا القسم دليل قطعي من أدلة‬
‫النحو يفيد العلم؛ إال أن العلماء قد اختلفوا في ذلك العلم‪ .‬فرأى األكثرون منهم إلى‬
‫ّ‬
‫المطرد) فكان ضروريا‪.‬‬ ‫ضرورته‪ ،‬وأنه موجود في خبر التواتر (الكالم العربي‬
‫وذهب آخرون إلى أنه (العلم) نظري‪ ،‬واستدلوا على ذلك بأن بينه وبين النظر‬
‫ارتباطا؛ وأضافوا بأنه يشترط في حصوله نقل جماعة يستحيل عليهم االتفاق على‬
‫ص ٌ‬
‫دق‪.)3(...‬‬ ‫الكذب دون غيرهم‪ .‬فإذا اتفقوا هؤالء ع ِلم أنه ِ‬
‫هذا‪ ،‬فأبو البركات األنباري الذي جاء بعد صاحب الخصائص جعل هو اآلخر‬
‫للكالم العربي ضابطا يضبطه فنحى نحو من سبقه؛ فأشار أثناء حديثه عن النقل‬
‫إلى "أن الكالم العربي الفصيح يجب أن يكون خارجا عن حد القلة‪ ،‬إلى حد‬
‫الكثرة"(‪ )4‬ويعني بالقلة هنا (الشذوذ) ألنه ‪ -‬كما سبق – أن العلماء س ّموا الكالم‬
‫الشاذ بأسماء عدة منها‪ :‬القلة والندرة وغيرهما‪ .‬فأبو البركات األنباري رحمه هللا‬
‫استعمل القلة وكأنه أراد بها قلة ورود الكالم عن العرب وشذوذه‪ .‬وكما اشترط‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬لمع األدلة‪ ،‬ص‪83-81‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬اإلغراب في جدل اإلعراب‪ ،‬ص‪66 :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬لمع األدلة في أصول النحو‪ ،‬ص‪ 84-83 :‬وما بعدهما‪.‬‬
‫(‪ ) 4‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬أبو البركات عبد الرحمن كمال الدين‪ ،‬اإلغراب في جدل اإلعراب‪ ،‬تح‪:‬‬
‫سعيد األفغاني‪( ،‬دمشق‪ :‬مطبعة الجامعة السورية ‪1957‬م)‪ ،‬ص‪.45 :‬‬
‫‪38‬‬
‫خالل حديثه عن ترجيح األدلة المنقولة من أن يكون "أحد النقلين أعلم من اآلخر‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أو أن تكون النقلة في أحدهما أكثر من اآلخر"؛ وذلك عند الترجيح في اإلسناد‬
‫ّ‬
‫االطراد‬ ‫وكل ذلك يدل على أن ضابط الكالم العربي عند أبي البركات األنباري هو‬
‫والتواتر وكثرة الورود عنهم‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد مثّل األنباري لهذه المسألة (الترجيح في اإلسناد) فقال‪ ..." :‬مثل أن‬
‫يستدل النحوي الكوفي على النصب بــــ (كما) إذا كانت في معنى (كيما) يقول‬
‫الشاعر‪:‬‬

‫اسمع حديثا كما يوما تحدّثَه عن ظهر غيب إذا ما سائل‬


‫له‬ ‫سأال‬ ‫فيقول‬

‫النحوي البصري بأن الرواة اتفقوا على أن الرواية (كما يوما تحدثه) بالرفع‪ ،‬ولم‬
‫يروه أحد بالنصب إال أبو طالب النحوي اللغوي الكوفي الفاضل المشهور بـــــ‬
‫(المفضل الضبي) فإنه كان يرويه منصوبا‪ ،‬وبإجماع الرواة من نحوي البصرة‬
‫والكوفة على خالفه‪ .‬وال شك أن المخالف له أعلم منه بعلم العربية‪.)2(...‬‬
‫وهذه المسألة – مسألة (كما بمعنى كيما) – هي المسألة الرابعة والثمانون (‪)84‬‬
‫من بين المسائل المائة وإحدى وعشرين (‪ )121‬التي تناولها األنباري في كتابه‬
‫اإلنصاف في مسائل الخالف‪ .‬وآخر ما توصل إليه في المسألة أنه لو ص ّح ما روى‬
‫المفضل الضبي على مقتضى مذهبه فال يخرج ذلك عن حد الشذوذ والقلة‪ ،‬وال‬
‫يكون فيه حجة‪ .‬و لهذا ر ّجح األنباري ما ذهب إليه الجمهور‪ ،‬وجعل ما ذهب إليه‬
‫من خالفهم شاذًا وقليالً ال يحتج به‪...‬‬
‫ّ‬
‫المطرد عند األنباري هو كثرة الظواهر‬ ‫إذن‪ ،‬فيتبيّن م ّما سبق‪ ،‬بأن ضابط الكالم‬
‫اللغوية الواردة عن العرب‪ ،‬والمتفق عليها عند جمهور النحويين‪ ،‬وال بد من‬
‫خروجها عن مستوى القلة والندرة‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ 65 :‬وما بعدها‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬اإلنصاف في مسائل الخالف‪ ،‬ص‪ .373-370 :‬وينظر أيضا‪ :‬اإلغراب‬
‫في جدل اإلعراب‪ ،‬ص‪.66-65 :‬‬
‫‪39‬‬
‫إن المتتبع والمتأ ّمل لما أورده األنباري في هذا الموضوع – ضوابط ّ‬
‫اطراد الكالم‬
‫العربي وشذوذه – في شتّى مؤلّفاته وخاصة كتاب اإلغراب في جدل اإلعراب‪،‬‬
‫وكتاب لُ َم ُع في أصول األدلة‪ ،‬تبيّن أنه‬
‫اشترط في ذلك قبل ال َك ّم في الكالم العربي‪ ،‬صحة فصاحته‪ ،‬وصحة نقله‪ .‬وهذا‬
‫المطرد غير منحصر على الكم‪ ،‬بل تعدّاه إلى النوع في‬‫ّ‬ ‫أن ضابط الكالم‬ ‫يعني ّ‬
‫السالمة اللغوية للكالم‪ ،‬وسالمة نقله؛ كما سبق‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬صور اال ّ‬


‫طراد والشذوذ عند أبي البركات األنباري‪:‬‬
‫االطراد والشذوذ على صور‬‫ّ‬ ‫سم ظاهرة‬‫إن أبا البركات األنباري رحمه هللا لم يق ّ‬
‫متعددة‪ ،‬في كتاب اإلنصاف‪ ،‬وإنما الذي قام بذلك هو العالمة ابن جني السابق له‪.‬‬
‫فأبو البركات األنباري اتبع أثر ابن جني فتناول صور هذه الظاهرة في أماكن‬
‫متباينة في كتابه الذي نحن بصدده‪ .‬ولكن الباحث يحاول قدر اإلمكان أن يستنبطها‬
‫من الكتاب‪ ،‬ثم يحاول بعد ذلك ربطها بالصور التي ذكرها ابن جني؛ مع‬
‫اختصارها بشكل غير مخل‪ ،‬ويكون ذلك من خالل تتبع بعض المسائل التي تناولها‬
‫أبو البركات األنباري في كتابه (اإلنصاف) وفيما يلي سرد بعض هذه المسائل‪:‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬الم ّ‬
‫طرد في االستعمال الشاذ في القياس‪:‬‬
‫وقد وردت هذه الصورة في‪:‬‬
‫المسألة الثالثة والسبعين‪ ،‬وهي (مسألة ترك صرف ما ينصرف) بأن الكوفيين‬
‫ذهبوا إلى جواز ترك صرف ما ينصرف في ضرورة الشعر‪ ،‬وإليه ذهب بعض‬
‫‪40‬‬
‫البصريين‪ .‬وأما بقية البصريين فقد ذهبوا إلى خالف ذلك‪ ،‬واتّفقوا على جواز‬
‫صرف ما ال ينصرف في ضرورة الشعر‪ .‬وقد احت ّج الكوفيون على ذلك بأدلة‬
‫‪1‬‬
‫كثيرة‪ ،‬ذلك لمجيئه كثيرا في أشعار العرب؛ كقول األخطل‬

‫يب غائلة الثُّغ ِ‬


‫ور غَدور‬ ‫ش ِب َ‬
‫بِ َ‬ ‫األزارق بالكتائب إ ْذ‬
‫ِ‬ ‫طلب‬
‫هوت‬
‫وغير هذا كثير من النقل؛ وأما من جهة القياس فإنه جاز حذف الواو المتحركة‬
‫للضرورة الشعرية‪ ،‬مثل‪" :‬فبينَاه يشري رحلَه قال قائل" وص ّحت هذه الرواية عند‬
‫أبي الحسن األخفش وأبي علي الفارسي وأبي القاسم بن برهان‪ ،‬وهؤالء – كما هو‬
‫معروف – من أكابرة أئمة البصريين‪ .‬وبهذا كلُّهم صاروا إلى جواز ترك صرف‬
‫ما ينصرف في ضرورة الشعر‪ ،‬ويدل هذا –أيضا ً‪ -‬إلى أنّهم اختاروا مذهب‬
‫الكوفيين على مذهب البصريين‪.)2(...‬‬
‫وأما دليل البصريين على عدم جواز ترك صرف ما ينصرف هو أن األصل في‬
‫األسماء الصرف‪ ،‬ولو جاز هذا ألدّى ذلك إلى ردّه عن األصل إلى غير أصل‪،‬‬
‫وأدّى كذلك إلى أن يلتبس ما ينصرف بما ال ينصرف‪ ...‬وأخيرا‪ ،‬يفهم من تعليل‬
‫األنباري بأن الذي يذهب إليه في المسألة مذهب الكوفيين‪ ،‬ذلك لكثرة النقل الذي‬
‫لقوته في القياس(‪.)3‬‬
‫خرج عن حكم الشذوذ والقلة‪ ،‬ال ّ‬
‫ّ‬
‫المطرد في‬ ‫هذا‪ ،‬ويفهم م ّما سبق بأن المسألة أدرجها األنباري تحت الكالم‬
‫االستعمال والشاذ في القياس بعبارة ابن جني‪ ،‬ألن الكالم الذي يخرج عن حكم‬
‫ض ْع ِفه في القياس يحكم عليه بشذوذ فيه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫باالطراد‪ ،‬و َ‬ ‫الشذوذ والقلة يحكم عليه حينئ ٍذ‬
‫فهذه المسألة من بين المسائل السبعة التي أيّدها فيها األنباري الكوفيين في كتابه‬
‫اإلنصاف الحافل بمائة وإحدى وعشرين (‪ )121‬مسألة‪.‬‬
‫وفي المسألة الثامنة والتسعين (‪( )98‬مسألة االسم من ذا والذي) بأن الكوفيين‬
‫تكثير لهما‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ذهبوا إلى أن االسم في "ذا" و "الذي" هو الذال وحدها‪ ،‬وما زيد عليها‬
‫بينما البصريون رأوا أن "الذال" وحدها ليست هي االسم فيهما‪ ،‬واختلفوا في‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الكامل‪ ،‬وهو في الديوان ص‪ 197،‬والعيني ‪ 362/4‬وبال نسبة في شرح االشموني ‪.274/2‬‬

‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬اإلنصاف في مسائل الخالف‪ ،‬ص‪.408-397 :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬اإلنصاف في مسائل الخالف‪ ،‬ص‪.408-407 :‬‬
‫‪41‬‬
‫"ذا"‪ )1(...‬واحت ّج الكوفيون فقالوا‪" :‬إن الدليل على أن االسم هو " الذال" وحدها‬
‫ألن األلف والياء فيهما يحذفان في التثنية‪ ،‬ولو كانا أصالن لكان ال يحذفان‪،‬‬
‫ولَ َو َجب إبقائهما في التثنية"(‪ )2‬وأما البصريون فاحت ّجوا قائلين‪" :‬إنه ال يجوز أن‬
‫تكون الذال وحدها فيهما هو االسم؛ وذلك ألن "ذا والذي" كل واحد منهما كلمة‬
‫منفصلة عن غيرها‪ ،‬فال يجوز أن يبنى على حرفٍ واحدٍ؛ ألنه البدَّ من االبتداء‬
‫بحرف‪ ،‬والوقوف على حرف‪ )3(...‬وأخيرا‪ ،‬رأى البصريون على أن يكون االسم‬
‫نظير في كالم‬
‫ٌ‬ ‫في "ذا" (الذال واأللف معا) واالسم في "الذي" لــــ "ذي" ألن له‬
‫ي" وما نقص عن ذلك من األسماء التي أوغلت في شبه‬ ‫ي وعم ّ‬‫العرب؛ نحو‪" :‬شج ّ‬
‫الحروف فعلى خالف األصل (شاذ) وال يمكن إلحاق "ذا والذي" بها‪ ...‬وجاءوا‬
‫بأدلة تثبت ما ذهبوا إليه في المسألة‪.‬‬
‫ّ‬
‫المطرد‪ ،‬هذا من جهة النقل‬ ‫من هنا‪ ،‬تَبيّن أن هذه المسألة تندرج تحت النقل‬
‫المتواتر‪ ،‬وأ ّما من جهة القياس فإن ما قيس عليها من قِبَ ِل الكوفيين بزيادات بعض‬
‫مطرد في كالم العرب؛ يعني هذا أن وروده في‬ ‫الحروف كالالم مثال‪ ،‬ليس بقياس ّ‬
‫ّ‬
‫المطرد في‬ ‫االطراد والشذوذ هنا هي من ضمن‬ ‫ّ‬ ‫كالمهم شاذ وقليل‪ ...‬فصورة‬
‫السماع (االستعمال) الشاذ في القياس من كالم العرب‪.‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬الم ّ‬
‫طرد في القياس الشاذ في االستعمال‪:‬‬
‫وقد وردت هذه الصورة في المسألة السادسة والعشرين (مسألة دخول الالم في‬
‫ّ‬
‫"لكن") أثناء حديثه عن المسألة وإيراده الردود على الكوفيين‪ ،‬ذكر في‬ ‫خبر‬
‫الجواب عن كلماتهم بأن قول الشاعر‪:‬‬
‫*و لكنني من حبّها لَ َكميد*‬
‫(‪) 4‬‬

‫نظير في كالم‬
‫ٌ‬ ‫فقال‪" :‬هو شاذٌّ ال يؤخذ به لقلته وشذوذه‪ ،‬ولهذا ال يكاد يعرف له‬
‫مطردا لكان ينبغي أن ي ْكث َر في كالمهم‬‫سا ّ‬‫العرب وأشعارهم‪ ،‬ولو كان قيا ً‬
‫(إن)‪ ،‬وفي عدم ذلك دليل على أنه شاذٌّ ال يقاس‬‫وأشعارهم‪ ،‬كما جاء في خبر ّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬اإلنصاف في مسائل الخالف‪ ،‬ص‪.536 :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.535 :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.537‬‬
‫(‪ )4‬لم أقف على قائل هذا البيت‪ ،‬والشاهد فيه‪ :‬دخول الالم على خبر "لكن"‪ ،‬وهو مطرد في القياس إالّ أنه‬
‫قليل االستعمال‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫عليه"(‪ .)1‬فهنا يدرك بأن أبا البركات األنباري وقف موقفًا يثبت لنا ّ‬
‫بأن المسألة من‬
‫بين الكالم العربي الشاذّ في القياس الذي ال يقاس عليه‪ ،‬وإن اطرد في كالم العرب؛‬
‫(لكن) كما جاز في خبر ّ‬
‫(إن) نحو‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫وذلك ألن الكوفيين رأوا دخول (الالم) في خبر‬
‫ّ‬
‫(لكن)‬ ‫لكن عمرا ً لقائ ٌم" واحتج الكوفيون بجواز دخول (الالم) في خبر‬
‫"ما قام زيدٌ ّ‬
‫بدليل وجود النقل والقياس في ذلك‪ ،‬فمثال النقل البيت السابق‪ ،‬وأما القياس فمثاله‬
‫قول الشاعر‪:‬‬
‫ت َكا ِذ ٍ‬
‫ب من يقولها(‪.)2‬‬ ‫على َهنَوا ٍ‬ ‫لَ ِهنّ ِك من َ‬
‫عبسِي ٍة لوسيمة‬
‫"لكن"‪" :‬إ ّن" زيدت عليها "ال‪ ،‬والكاف"‪ ،‬كما ِزيدت‬
‫ّ‬ ‫وعلّلوا ذلك بأن األصل في‬
‫عليها "الالم والهاء" في البيت السابق ذكره‪ .‬وأوردوا أمثلة كثيرة التي تؤكد هذا‬
‫ّ‬
‫"لكن"‪.‬‬ ‫القياس في‬
‫أن أصلها ّ‬
‫"إن" – كما بيّنوا – هو جواز العطف‬ ‫وأخيرا قالوا‪" :‬إن الذي يدل على ّ‬
‫على موضعها‪ ،‬كما جاز ذلك على موضع ّ‬
‫"إن" فد ّل ذلك على أن األصل فيها‬
‫"إن" ِز ْيدَت عليها "ال والكاف"؛ فكما يجوز دخول الالم في خبر ّ‬
‫"إن" فكذلك‬ ‫ّ‬
‫ّ (‪)3‬‬
‫يجوز دخولها "لكن" ‪.‬‬
‫فخالصة القول‪ ،‬إن هذه المسألة تندرج – عند الكوفيين – تحت الكالم العربي‬
‫ّ‬
‫المطرد في القياس وإن لم يكثر في االستعمال؛ بينما البصريون يرون عكس ذلك‬
‫كما سبق‪.‬‬
‫الصورة الثالثة‪ :‬الشاذ في االستعمال والقياس معاا‪:‬‬
‫وقد وردت هذه الصورة في المسألة السادسة عشر من كتاب اإلنصاف (مسألة‬
‫التعجب من السواد والبياض) اختالف نحوي البصرة والكوفة‪ ،‬حيث ذهب‬
‫الكوفيون بجواز استعمال (ما أفعلَه) في التعجب من البياض والسواد خاصة من‬
‫جوزوا ذلك للنقل والقياس الوارد فيه؛ وجاءوا‬ ‫بين سائر األلوان‪ ،‬وقالوا بأنهم ّ‬
‫باألمثلة على ذلك في النقل (المسموع من كالم العرب) وكذلك في القياس‪ ،‬و َبيّنوا‬
‫بأن وجه جواز القياس هو أن السواد والبياض هما أصال األلوان‪ ،‬ومنهما ير ّكب‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬اإلنصاف في مسائل الخالف‪ ،‬ص‪.128-124‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.171‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬اإلنصاف في مسائل الخالف‪ ،‬ص‪.173‬‬
‫‪43‬‬
‫كلّها‬
‫سائرها من الحمرة والصفرة والخضرة وغيرها‪ ،‬فكونهما األصلين لأللوان ِ‬
‫جاز أن يثبت لهما ما لم يثبت لسائر األلوان‪.‬‬
‫ّ‬
‫المطرد في االستعمال‬ ‫من هنا يال َحظ أن الكوفيين أدرجوا هذه المسألة تحت الكالم‬
‫والقياس معا‪ ،‬كما في تقسيم العالمة ابن جني؛ بينما يرى البصريون خالف ذلك‪،‬‬
‫مستدلين بعدم جواز ذلك بأدلّة منها‪:‬‬
‫أنه شاذ فال يؤخذ به‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أنه لم يقع الكالم فيه‪ .‬وإنما وقع الكالم في (أفعل) الذي يراد به‬ ‫‪-2‬‬
‫المفاضلة‪ )1(...‬وأضافوا بأن استعمال مثل هذا خطأ لشذوذه قياسا ً‬
‫واستعماالً‪ .‬فالبصريون إذن رأوا هذه المسألة من الكالم العربي الشاذ في‬
‫االستعمال والقياس معا‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬اإلنصاف في مسائل الخالف‪ ،‬ص‪.128-124‬‬


‫‪44‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أثر اال ّ‬
‫طراد والشذوذ في ترجيحات أبي البركات األنباري‬
‫تأثير واض ٌح في ترجيحات أبي البركات‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ كانت لها‬ ‫إن ظاهرة‬
‫األنباري‪ ،‬والذي يعايِش كتابه اإلنصاف يتجلى له ذلك دون شك‪ .‬ويقصد من هذا‬
‫المبحث عرض المسائل التي ر ّجحها أبو البركات األنباري في كتابه اإلنصاف‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ‬ ‫االطراد والشذوذ؛ ليظهر أمام القارئ كيف أثر مفهوم‬‫ّ‬ ‫مستندا إلى‬
‫وإبعاده على اختيارات أبي البركات األنباري ومن ضمن التي ظهر فيها أثر‬
‫صرية‪ ،‬وما‬‫االطراد والشذوذ‪ ،‬وغالب هذه المسائل كانت لصالح المدرسة ال َب ْ‬ ‫ّ‬
‫أكثرها؛ حيث إن أبا البركات األنباري أيّدهم ور ّجح ما ذهبوا إليه في مائة وأربع‬
‫عشرة (‪ )114‬مسألة نحوية‪ ،‬من بين المسائل الواردة في الكتاب‪ ،‬والتي يصل‬
‫عددها إلى مائة وإحدى وعشرين (‪ )121‬مسألة نحوية خالفية بين نحوي البصرة‬
‫والكوفة؛ ويدرك من هذا أن أبا البركات األنباري كان بجانب الكوفيين في سبع‬
‫مسائل فقط (‪ )7‬من بين المسائل المذكورة‪ ،‬حيث أيَّد مذهبهم فيها ور ّجح ما ذهبوا‬
‫إليه‪ .‬وفيما يلي ذكر بعض هذه المسائل في النقاط التالية‪:‬‬
‫‪45‬‬
‫أوال‪ :‬مسألة القول في أفعل التعجب اسم هو أم فعل(‪:)1‬‬
‫طرح أبو البركات األنباري في هذه المسألة سؤاالً قائالً‪" :‬وإذا جاء التصحيح في‬
‫هذه األفعال المتصرفة تنبيها على األصل مع بعدها عن االسم‪ ،‬فما ظنك بالفعل‬
‫الجامد الذي ال يتصرف"؟‬
‫وأجابها بقوله‪" :‬فإن قالوا التصحيح في هذه األفعال إنما جاء عن طريق الشذوذ‬
‫مطرد؛ قلنا قد جاء التصحيح في الفعل المتصرف‬ ‫وتصحيح أفعل في التعجب قياس ّ‬
‫على غير طريق الشذوذ‪ ،‬وذلك نحو تصحيح (حول‪ ،‬و َع ِو َر‪ ،‬وصيد) حمال على‬
‫(احول‪ ،‬واعور‪ ،‬واصيد)؛ وكذلك جاء التصحيح أيضا في قولهم‪( :‬اجتوروا‬
‫واعتونوا) حمال على (تجاوروا وتعاونوا) فكذلك أيضا هاهنا‪ ،‬حمال على (ما‬
‫أقومه‪ ،‬وما أبيعه) على هذا (أقوم منك وأبيع منك) ومع هذا فال ينبغي أن تحكموا‬
‫له باالسمية لتصحيحه‪ ،‬ألن أفعل به قد جاء مصححاً‪ ،‬وهو فعل كما أن التصحيح‬
‫في قولهم‪( :‬أقوم به وأبيع به) ال يخرجه عن كونه فعال‪ ،‬فكذلك التصحيح في (ما‬
‫أفعله) ال يخرجه عن كونه فعال…"(‪ .)2‬وقد ر ّجح أبو البركات األنباري مذهب‬
‫البصريين في هذه المسألة‪ ،‬وأفاد بأن ما اعترضوا فيه الكوفيين ليس بصحيح‪ ،‬وأن‬
‫األمثلة التي أوردوها من الشاذّ الذي ال يلتفت إليه وال يقاس عليه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مسألة القول في جواز التعجب من البياض(‪:)3‬‬
‫قال أبو البركات األنباري في أثناء حديثه عن هذه المسألة‪ …" :‬وأما الجواب عن‬
‫كلمات الكوفيين أما احتجاجهم بقول الشاعر‪( :‬فأنت أبيضهم سربال طباخ ‪ ،)...‬فال‬
‫حجة فيه من وجهين أحدهما أنه شاذ فال يؤخذ به‪.‬‬
‫كما أنشد أبو زيد(‪:)4‬‬
‫شِي َخ ِة ا َ ْليَت َقَ َّ‬
‫صع‬ ‫َو ِم ْن ِح ْج ِر ِه ِبال ّ‬ ‫َويَ ْست َ ْخ ِر َج ْاليَ ْربو َ‬
‫ع ِم ْن نَافِقَائِ ِه‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬اإلنصاف في مسائل الخالف‪ ،‬ص‪ ،110-105‬المسألة رقم‪.)15( :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬اإلنصاف في مسائل الخالف‪ ،‬ص‪ ،110-105‬المسألة رقم‪.)15( :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬المصدر السابق‪ .‬المسألة رقم (‪)16‬‬
‫(‪ )4‬قائل البيت‪ :‬ذو الخرق الطهوي‪ :‬ينظر‪ :‬ابن عصفور‪ ،‬علي بن مؤمن بن محمد‪ ،‬ضرائر الشعر‪ ،‬تح‪:‬‬
‫السيد إبراهيم محمد‪ ،‬ط‪( ،1‬األندلس‪ :‬دار األندلس للطبعة والنشر والتوزيع‪1980 ،‬م)‪ ،‬ج‪.289/1‬‬
‫‪46‬‬
‫فأدخل األلف والالم على الفعل‪ ،‬وأجمعنا على أن استعمال مثل هذا خطأ لشذوذه‬
‫قياسا ً واستعماالً فكذلك هاهنا؛ وإنما جاء هذا لضرورة الشعر‪ ،‬والضرورة ال يقاس‬
‫عليها‪ ،‬كما لو اضطر إلى قصر الممدود على أصلنا وأصلكم‪ ،‬أو إلى مد المقصور‬
‫على أصلكم‪ ،‬وعلى ذلك سائر الضرورات‪ ،‬وال يدل جوازه في الضرورة على‬
‫جوازه في غير الضرورة‪ ،‬فكذلك هاهنا فسقط االحتجاج به‪ .‬وهذا هو الجواب عن‬
‫قول اآلخر(‪:)1‬‬
‫َّاض‪.‬‬ ‫أبيض ِم ْن أ ْخ ِ‬
‫ت بَنِي ِإب ِ‬ ‫َ‬
‫"أبيض" وهو أفعل من البياض‪ ،‬وإذا جاز ذلك في أفعل من كذا جاز في "ما‬ ‫َ‬ ‫فقال‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أفعَلَه وأ ْف ِع ْل ب ِه" ال يجوز فيه أفعَل من كذا‪...‬‬
‫صل الباحث من هذه المسألة بأن أبا البركات األنباري ر ّجح مذهب البصريين‪،‬‬ ‫تو ّ‬
‫وأثبت بأن ما ذهب إليه الكوفيين ال يستقيم‪ ،‬وذلك ألن سائر األلوان إنّمالم يجز أن‬
‫يستعمل منها "ما أفعلَه‪ ،‬وأف ِعل منه" ألنها الزمت محلّها‪ ،‬فصارت كع ْ‬
‫ض ٍو من‬
‫(‪) 3‬‬
‫األعضاء‪...‬‬
‫ثالثا‪ :‬مسألة عالم ينتصب خبر كان وثاني مفعولي ظننت(‪:)4‬‬
‫بدأ أبو البركات األنباري بما ذهب إليه الكوفيين في المسألة وهو أن خبر "كان"‬
‫ب على الحال؛ ّ‬
‫وأن "كان" فعل غير متعدٍّ‪ .‬وأما‬ ‫ص َ‬‫والمفعول الثاني لــــ"ظننت" ن ِ‬
‫إن نصبها نصب المفعول ال على الحال‬ ‫البصريون فاحت ّجوا بأن قالوا إنّما قلنا ّ‬
‫ألنهما يقعان ضميرا‪ .‬وأجاب عن كلمات الكوفيين بأن ال يجوز ما ذهبوا إليه في‬
‫"كان"‪ ،‬فإنّه ال يقال‪" :‬كانا قائ ًما‪ ،‬وكانا قياما" (‪ .)5‬ومن خالل حديثه الطويل عن‬
‫إجابته لكلمات الكوفيين وعن األفعال المتعدّية بالذات ناقش فعل (رجع) في قوله‬
‫تعالى‪  :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‪ )6( ‬فقال‪:‬‬
‫"فتعدى رجع إلى الكاف‪ ،‬فدل على أنه يكون متعديا‪ ،‬واألكثرون على األول‪ ،‬وإنما‬

‫(‪ )1‬ابن وكيع‪ ،‬الحسن بن علي الضبي التنيسي أبو محمد‪ ،‬المنصف للسارق والمسروق منه‪ ،‬تح‪/‬وتقديم‪:‬‬
‫عمر خليفة بن إدريس‪،‬ط‪( ،1‬بنغازي‪ :‬جامعة قاس يونس‪1994 ،‬م)‪ ،‬ج‪/1‬ص‪.311‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬اإلنصاف في مسائل الخالف‪ ،‬ص‪.128-125‬‬
‫(‪ )3‬ينظر األنباري‪ ،‬اإلنصاف في مسائل الخالف‪ ،‬ص‪.128‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬اإلنصاف في مسائل الخالف‪ ،‬ص‪ 129‬المسألة رقم‪.)17( :‬‬
‫(‪)5‬ينظر‪ :‬المصدر السابق‪.‬‬
‫(‪ )6‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.83:‬‬
‫‪47‬‬
‫أقاموا هذه المصادر مقام األفعال في هذه المواضع ألن في ألفاظ المصادر داللة‬
‫على األفعال‪ ،‬على أن هذه األلفاظ شاذة ال يقاس عليها فكذلك كل ما جاء ها‬
‫هنا‪ .)1("...‬وبهذا فإن أبا البركات األنباري قد ر ّجح ما ذهب إليه البصريون في‬
‫المسألة‪.‬‬
‫رابعاا‪ :‬مسألة القول في رافع الخبر بعد "إن" المؤكدة(‪:)2‬‬
‫الخالف بين البصريين والكوفيين في رافع الخبر بعد‬
‫َ‬ ‫فقد أورد في هذه المسألة‬
‫"إن" المؤكدة؛ حيث قال‪" :‬ذهب الكوفيون إلى ّ‬
‫أن (إن) وأخواتها ال ترفع الخبر ‪...‬‬ ‫ّ‬
‫وذهب البصريون إلى أنها ترفع الخبر"(‪.)3‬‬
‫وذكر دليل البصريين ثم أتبعه بدليل الكوفيين؛ فقال‪ " :‬أ ّما الكوفيون فاحتجوا بأن‬
‫قالوا أجمعنا على أن األصل في هذه األحرف أن ال تنصب االسم وإنما نصبته‬
‫ألنها أشبهت الفعل فإذا كانت إنما عملت ألنها أشبهت الفعل فهي فرع عليه وإذا‬
‫كانت فرعا عليه فهي أضعف منه‪ ...‬والذي يدل على ضعف عملها أنه يدخل على‬
‫الخبر ما يدخل على الفعل لو ابتدئ به قال الشاعر(‪:)4‬‬

‫إِ ِنّي إِذَن أ َ ْهلَك أ َ ْو أ َ ِط َ‬


‫يرا‬ ‫الَ تَتْر ِك ِنّي فِي ِهم ش َِط َ‬
‫يرا‬
‫ثم ردّ على هذا الشاهد الذي أورده الكوفيون فقال‪ ..." :‬قلنا الجواب عن هذا من‬
‫ثالثة أوجه‪ :‬أحدها‪ :‬أن هذا شاذ فال يكون فيه حجة‪ "...‬فهو بهذا يرجح مذهب‬
‫البصرين على الكوفيين؛ لعدم ّ‬
‫اطراد الدليل الذي أورده الكوفيون؛ فيرى انه شاذ‬
‫يحفظ وال يقاس عليه‪.‬‬
‫"لكن"(‪:)5‬‬
‫ّ‬ ‫سا‪ :‬مسألة دخول الالم في خبر‬
‫خام ا‬
‫قال أبو البركات األنباري‪ :‬في الجواب عن كلمات الكوفيين بأن قول الشاعر(‪:)1‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري اإلنصاف في مسائل الخالف ‪ ،‬ص‪.133-129‬‬


‫(‪)2‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬اإلنصاف في مسائل الخالف‪ ،‬ص‪ 156-153‬المسألة رقم (‪)23‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬المصدر السابق‪.‬‬
‫(‪ ) 4‬البيت من الرجز‪ ،‬ولم يذكر القائل‪ .‬ينظر‪ :‬البغدادي‪ ،‬عبد القادر بن عمر‪ ،‬خزانة األدب ولب لباب‬
‫لسان العرب‪ ،‬تح‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬ط‪ ( ،4،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الخانجي‪1418 ،‬ه‪،)19974/‬ج‪/8‬ص‬
‫‪.456‬‬
‫(‪ )5‬أبو البركات األنباري‪ ،‬اإلنصاف في مسائل الخالف‪ ،‬ص‪ 171‬المسألة رقم‪.)26( :‬‬
‫‪48‬‬
‫َولَ ِكنَّ ِني ِم ْن حبّ َها لَ َك ِميد‬
‫نظير في كالم العرب‬
‫ٌ‬ ‫"هو شاذٌّ ال يؤخذ به لقلّته وشذوذه‪ ،‬ولهذا ال يكاد يعرف له‬
‫سا ّ‬
‫مطردا لكان ينبغي أن ي ْكث َر في كالمهم وأشعارهم‪ ،‬كما‬ ‫وأشعارهم‪ ،‬ولو كان قيا ً‬
‫(إن)‪ ،‬وفي عدم ذلك دليل على أنه شاذٌّ ال يقاس عليه"(‪ .)2‬فهنا يدرك‬ ‫جاء في خبر ّ‬
‫بأن المسألة من بين الكالم العربي الشاذّ في‬‫بأن األنباري وقف موقفًا يثبت لنا ّ‬
‫القياس الذي ال يقاس عليه‪ ،‬وإن اطرد في كالم العرب؛ وذلك ألن الكوفيين رأوا‬
‫لكن عمرا ً‬
‫(إن) نحو‪" :‬ما قام زيد ٌ ّ‬
‫(لكن) كما جاز في خبر ّ‬ ‫ّ‬ ‫دخول (الالم) في خبر‬
‫ّ‬
‫(لكن) بدليل وجود النقل‬ ‫لقائ ٌم" واحتج الكوفيون بجواز دخول (الالم) في خبر‬
‫والقياس في ذلك‪ ،‬فمثال النقل البيت السابق‪ ،‬وأما القياس فمثاله قول الشاعر‪:‬‬
‫ب َم ْن يقولها‬
‫(‪)3‬‬
‫َعلَى َهنَوا ِ‬
‫ت َكا ِذ ٍ‬ ‫عبسِي ٍة لَ َو ِس ْي َمةٌ‬
‫لَ ِهنّ ِك من َ‬
‫"إن" زيدت عليها "ال‪ ،‬والكاف"‪ ،‬كما ِزيدت‬ ‫"لكن"‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫وعلّلوا ذلك بأن األصل في‬
‫عليها "الالم والهاء" في البيت السابق ذكره‪ .‬وأوردوا أمثلة كثيرة التي تؤكد هذا‬
‫"لكن"‪.‬‬‫ّ‬ ‫القياس في‬
‫أن أصلها ّ‬
‫"إن" – كما بيّنوا – هو جواز العطف‬ ‫وأخيرا قالوا‪" :‬إن الذي يدل على ّ‬
‫على موضعها‪ ،‬كما جاز ذلك على موضع ّ‬
‫"إن" فد ّل ذلك على أن األصل فيها‬
‫"إن" ِز ْيدَت عليها "ال والكاف"؛ فكما يجوز دخول الالم في خبر ّ‬
‫"إن" فكذلك‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫"لكن" (‪ .)4‬وقد ر ّجح األنباري مذهب البصريين‪ ،‬وذلك لفساد ما‬ ‫يجوز دخولها‬
‫ذهب إليه الكوفيون على حدّ قوله‪.‬‬
‫سا‪ :‬مسألة منع صرف ما ينصرف في ضرورة الشعر(‪.)5‬‬
‫ساد ا‬
‫قال أبو البركات األنباري‪ …" :‬وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا إنما قلنا إنه ال‬
‫يجوز ترك صرف ما ينصرف‪ ،‬ألن األصل في األسماء الصرف‪ ،‬فلو أنا جوزنا‬
‫ترك صرف ما ينصرف‪ ،‬ألدى ذلك إلى ردّه عن األصل إلى غير أصل‪ ،‬ولكان‬
‫أيضا يؤدي إلى أن يلتبس ما ينصرف بما ال ينصرف‪ ،‬وعلى هذا يخرج حذف‬
‫الواو من (هو)‪ ،‬في نحو قوله‪( :‬فبيناه يشرى رحله قال قائل ‪ ...‬فإنه ال يؤدي إلى‬

‫(‪ )1‬لم يذكر قائله‪ .‬ينظر‪ :‬البغدادي‪ ،‬خزانة األدب ولب لباب لسان العرب‪ ،‬ج‪/10‬ص ‪.361‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري اإلنصاف في مسائل الخالف‪ ،‬ص‪.128-124‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.171‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.173‬‬
‫(‪ )5‬المسألة رقم‪.)73( :‬‬
‫‪49‬‬
‫االلتباس بخالف حذف التنوين‪ ،‬فبان الفرق بينهما والذي يذهب إليه أبو البركات‬
‫األنباري في هذه المسألة مذهب الكوفيين‪ ،‬لكثرة النقل الذي خرج عن حكم الشذوذ‬
‫ال لقوته في القياس‪.‬‬
‫وأما الجواب عن كلمات البصريين‪ ،‬أما قولهم إنما لم يجز ترك صرف ما‬
‫ينصرف‪ ،‬ألنه يؤدي إلى ردّه عن األصل إلى غير أصل‪ ،‬قلنا هذا يبطل بحذف‬
‫الواو من (هو) في قوله‪( :‬فبيناه يشرى رحله قال قائل ‪ ...‬خصوصا على أصلكم أن‬
‫الواو عندكم أصلية ال زائدة‪ ،‬كما هي على أصل الخصم زائدة؛ قولهم إنما جاز ألنه‬
‫ال يؤدي إلى االلتباس بخالف ماهنا قلنا الجواب عن هذا من وجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنا ال نسلم أنه ال يؤدي هاهنا إلى االلتباس‪ ،‬ألنك تقول‪( :‬غزا هو) فيكون‬
‫توكيدا للضمير المرفوع‪ ،‬بأنه فاعل‪ ،‬فإذا حذفت الواو منه التبست الهاء الباقية‬
‫بالهاء التي هي ضمير المنصوب‪ ،‬بأنه مفعول‪ ،‬نحو‪( :‬غزاه) فإنه يجوز أن ال‬
‫تمطل حركتها‪ :‬قال الشاعر(‪:)1‬‬
‫اب لَه َو ْفر‬
‫(‪)2‬‬
‫واله ث َ َ‬
‫َو َع ْينَ ْي ِه ِإن َم َ‬ ‫ت َ َراه َكأ َ َّن اَهللَ يَ ْجدَع أَنفَه‬
‫وأخيرا‪ ،‬يفهم من تعليل أبي البركات األنباري بأن الذي يذهب إليه في المسألة‬
‫لقوته في‬
‫مذهب الكوفيين‪ ،‬ذلك لكثرة النقل الذي خرج عن حكم الشذوذ والقلة‪ ،‬ال ّ‬
‫القياس(‪ ،)3‬فهو بهذا ير ّجح مذهب الكوفيين على مذهب البصريين‪.‬‬
‫سابعاا‪ :‬مسألة هل يجوز مجيء كما بمعنى كيما وينصب بعدها المضارع(‪:)4‬‬
‫يقول أبو البركات األنباري في هذه المسألة ّ‬
‫بأن الكوفيين ذهبوا إلى أن "كما" تأتي‬
‫بمعنى "كيما" وينصبون لها ما بعدها‪ ،‬وال يمنعون جواز الرفع‪ ،‬واستحسنه أبو‬
‫أن "كما‪ :‬ال تأتي بمعنى‬‫المبرد من البصريين؛ وذهب البصريون إلى ّ‬ ‫ّ‬ ‫العبّاس‬
‫"كيما"‪ ،‬وال يجوز نصب بعدها بها‪ .‬وقد أورد األنباري أمثلة كثيرة عند جوابه عن‬

‫(‪ ) 1‬قائل البيت‪ :‬خالد بن الطيفان‪ ،‬ينظر‪ :‬الجاحظ‪ ،‬أبو عثمان عمرو بن بحر الليثي‪ ،‬الحيوان‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫(بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية)‪1424 ،‬ه‪ ،‬ج‪/،7‬ص ‪.337‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.406-397‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.408-407 :‬‬
‫(‪ )4‬المسألة رقم‪.)84( :‬‬
‫‪50‬‬
‫كلمات الكوفيين‪ ،‬معلّالً ما ذهبوا إليه بتعليالت تبطل ك ّل ما أوردوه من األمثلة في‬
‫المسألة؛ ومنها قول الشاعر(‪:)1‬‬

‫يك فَ ْقد اَل َح َبائِ ِ‬


‫ب‬ ‫ت َك َما َي ْك ِف َ‬
‫ِبزَ ْي ٍ‬ ‫ط ِب ْغ َق ْر ً‬
‫صا ِإذا َ ا ْعت َادَ َك اَل َه َوى‬ ‫أَن ْخ َفا ْ‬
‫ص َ‬
‫ير َو هذا البيت أحد بــــــ(كما) يو ًما ت َح ِدّثَه (بالنصب) إال‬ ‫وهنا يقول األنباري بأن لم ْ‬
‫المفضل الضبي وحده‪ ،‬فإنه كان يرويه منصوبا‪ ،‬وإجماع الرواة من نحويي‬
‫البصرة والكوفة على خالفه‪ ،‬والمخالف له أقوم منه بعلم العربية‪ ،‬وأما البيت‬
‫الخامس من المسألة ففيه تكلّف يقبح‪ ،‬واألظهر فيه (يقلب عينيه لكيما أخافه ‪،)...‬‬
‫على أنه لو صح ما رواه الكوفيون من هذه األبيات على مقتضى مذهبهم فال يخرج‬
‫بأن األنباري ر ّجح‬ ‫ذلك عن حد الشذوذ والقلة‪ ،‬فال يكون فيه حجة"(‪ .)2‬وبهذا يفهم ّ‬
‫ما ذهب إليه البصريون‪.‬‬

‫(‪ )1‬العسكري‪ ،‬أبو هالل الحسن بن عبد هللا بن سهل‪ ،‬جمهرة األمثال‪ ،‬بال ذكر الطبعة‪( ،‬بيروت‪ :‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬د‪/‬ت‪ ،‬ج‪/2‬ص ‪.173‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أبو البركات األنباري‪ ،‬اإلنصاف في مسائل الخالف‪ ،‬ص‪.473-470‬‬
‫‪51‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬نتيجة البحث والتوصيات‬
‫خصص الباحث هذا الفصل من أجل عرض النتائج التي توصلت إليها الدراسة‬
‫منطلقا من أسئلة البحث‪ ،‬واألهداف التي منها انطلقت هذه الدراسة للمساهمة في‬
‫عالج اإلشكالية التي حفزت إلى كتابة هذا البحث؛ وعلى هذا األساس قَ َّ‬
‫س ْمنَا هذا‬
‫الفصل إلى ثال مباحث أساسية‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬عرض نتيجة البحث‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مناقشة النتائج‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬عرض نتيجة البحث‬
‫االطراد والشذوذ عند أبي البركات‬‫ّ‬ ‫هدفت هذه الدراسة إلى توضيح ضوابط‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ فيه‪ ،‬وأثر‬ ‫األنباري في كتابه اإلنصاف‪ ،‬مع بيان تطبيقات صور‬
‫ذلك كلّه في ترجيحات أبي البركات األنباري؛ فمن خالل تناول المعطيات المتناثرة‬
‫في ثنايا كتاب اإلنصاف وتحليلها توصلت الدراسة بحمد من هللا وتوفيق منه إلى‬
‫النتائج التالية‪:‬‬
‫ثبتت من خالل اإلطار الوصفي أن ثمة دراسات علمية رصينة قديما‬ ‫‪-1‬‬
‫االطراد والشذوذ عند العرب؛ ورغم‬ ‫ّ‬ ‫وحديثا‪ ،‬والتي تعلقت بتحليل ظاهرة‬
‫ذلك كلّه فقد بقي بعض جوانب المتعلقة بهذه الظاهرة مستعصية الفهم؛‬
‫فساهمت هذه الدراسة بتوضيح المفهوم العام المتعلقة بهذه الظاهرة؛‬
‫وذلك بتناولها في كتاب يعدّ من أهم كتب النحوية الخالفية‪.‬‬
‫االطراد والشذوذ في النحو العربي كان سببا ً‬ ‫ّ‬ ‫أن التضارب في ضابط‬ ‫‪-2‬‬
‫لكثير من الخالفات بين المدارس النحوية وخاصة البصرية والكوفية؛‬
‫ّ‬
‫االطراد عند البصرين قائما على الك ّم والنوع؛ بحيث يتحقق‬ ‫فكان ضابط‬
‫في كثرة النقل للظاهرة اللغوية مع فصاحتها؛ في حين كان الكوفيون ال‬
‫ّ‬
‫لالطراد والشذوذ‪.‬‬ ‫يعدّون الك َّم ضاب ً‬
‫طا‬
‫االطراد والشذوذ كان مستند الترجيح عند متأخري النحاة؛ فقد كانوا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن‬ ‫‪-3‬‬
‫مطردة واألخرى قليلة شاذة؛‬ ‫ير ّجحون بعض المسائل على األخرى أنّها ّ‬
‫فكان كتاب اإلنصاف خير شاهد على ذلك؛‬
‫‪52‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مناقشة النتائج‪.‬‬
‫نقصد بهذا المبحث ربط كل نتيجة بأسئلة البحث؛ وذلك لنوضح للقارئ كيف‬
‫استطاعت هذه الدراسة من تحقيق الهدف المنشود في توضيح إشكالية البحث‪.‬‬
‫أوال‪ :‬النتيجة المتعلقة بالسؤال األول‪ :‬ما مدى تحقق ضابط اال ّ‬
‫طراد والشذوذ في‬
‫كتابه اإلنصاف‬
‫ّ‬
‫االطراد لدى أبي البركات‬ ‫استطاعت هذه الدراسة من الوصول إلى أن ضابط‬
‫األنباري انطلق من ثالثة أبعاد؛ تمثلت في الصحة اللغوية وسالمة نقلها وكثرتها‪،‬‬
‫وقد ظهر هذا الضابط جليا في كتاب اإلنصاف؛ حيث استخدم أبو البركات‬
‫األنباري هذه الظاهرة كأصل من أصول االستدالل النحوي في أكثر من سبعة‬
‫مسائل‪.‬‬
‫ولكن مع ذلك لم يعتبره من األدلة النحوية الغالبة؛ وإنّما هي من األدلة المساعدة‬
‫عند التعارض؛ وهذا فيما لو قارنا استدالله بالسماع والقياس؛ حيث لم تكد تخلوا‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ في ‪9‬‬ ‫منها مسألة في كتاب اإلنصاف‪ ،‬في حين اعتمد ظاهرة‬
‫مسائل بما يمثل ‪ % 10‬من مسائل الكتاب‪.‬‬
‫االطراد والشذوذ على صور متعددة في‬ ‫ّ‬ ‫إن أبا البركات األنباري لم يقسم ظاهرة‬
‫كتابه اإلنصاف‪ ،‬وإنما الذي قام بذلك العالمة ابن جني السابق له‪ ،‬فاقتفى أثره‪.‬‬
‫ّ‬
‫االطراد والشذوذ لها تأثير واضح في ترجيحات أبي البركات األنباري‪.‬‬ ‫إن ظاهرة‬
‫وغالب هذه المسائل كانت لصالح المدرسة البصرية‪ ،‬حيث أيّدهم في مائة وأربع‬
‫عشرة (‪ )114‬مسألة من بين المسائل التي يصل عددها إلى مائة وإحدى وعشرين‬
‫(‪ )121‬مسألة‪.‬‬
‫صور أبو البركات األنباري مسائل‬
‫ثانيا‪ :‬النتيجة المتعلقة بالسؤال الثاني‪ :‬كيف ّ‬
‫طراد والشذوذ في كتابه اإلنصاف من خالل عرضه آلراء النحويين‪:‬‬ ‫اال ّ‬
‫ّ‬
‫لالطراد والشذوذ في كتاب اإلنصاف؛ وهي‬ ‫أقرت هذه الدراسة وجود ‪ 3‬صور‬
‫باختصار‪:‬‬
‫ّ‬
‫المطرد في االستعمال الشاذ في القياس‬ ‫‪-1‬‬
‫ّ‬
‫المطرد في القياس الشاذ في االستعمال‬ ‫‪-2‬‬
‫‪53‬‬
‫‪ -3‬الشاذ في االستعمال والقياس معًا‬
‫وهي ثال صور من أصل أربع صور ذكرها ابن جني في كتابه الخصائص؛ ولم‬
‫سا في كتاب اإلنصاف‪ ،‬ولعل سبب ذلك راجع‬ ‫عا وقيا ً‬
‫يجد الباحث مثاال للمطرد سما ً‬
‫إلى قلة الخالف حول المسائل التي تكون مطردًا في السماع والقياس‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬النتيجة المتعلقة بالسؤال الثالث‪ :‬ما مدى تأثير مفهوم اال ّ‬
‫طراد والشذوذ في‬
‫ترجيحات أبي البركات األنباري‪:‬‬
‫ثبت من خالل هذه الدراسة أن أبا البركات األنباري‪ ،‬يعتمد االطراد كدليل من أدلة‬
‫النحو اإلجمالية؛ فقد استند إلى االطراد والشذوذ كمستند الترجيح بين البصريين‬
‫والكوفيين في تسع مسائل في كتابه اإلنصاف؛ في المسائل التالية‪:‬‬
‫المسألة رقم‪.)15( :‬‬ ‫‪-1‬‬
‫المسألة رقم (‪.)16‬‬ ‫‪-2‬‬
‫المسألة رقم‪.)17( :‬‬ ‫‪-3‬‬
‫المسألة رقم (‪)23‬‬ ‫‪-4‬‬
‫المسألة رقم‪)26( :‬‬ ‫‪-5‬‬
‫المسألة رقم‪)73( :‬‬ ‫‪-6‬‬
‫المسألة رقم‪.)84( :‬‬ ‫‪-7‬‬
‫المسألة رقم‪.)98( :‬‬ ‫‪-8‬‬
‫المسألة رقم‪.)121( :‬‬ ‫‪-9‬‬
‫وهذا العدد يشير بوضوح إلى حجية االستدالل باالطراد والشذوذ عند ابن‬
‫االنباري‪ ،‬ويؤ ّكد كذلك تأثره بهذا الدليل كمستند الترجيح بين البصريين والكوفيين؛‬
‫حيث ر ّجح مذهب البصريين في هذه المسائل كلها إال في المسألة األخيرة‪.‬‬
‫كما أن هذا العدد يشير ‪-‬أيضا‪ -‬إلى حجم ودرجة االستدالل باالطراد والشذوذ لدى‬
‫أبي البركات األنباري حيث استخدمه في ‪ 9‬مسائل من أصل ‪ )121/21( 121‬مما‬
‫يعادل= ‪ %10.8‬من أصول االستدالل التي هي السماع والقياس واإلجماع وسائر‬
‫األدلة غير الغالبة؛ فإذا االستدالل وحده باالطراد والشذوذ يمثل هذه النسبة وباقي‬
‫فإن ذلك يدل قطعًا على تأثره بمفهوم االطراد‬‫األدلة الغالبة وغير الغالبة تمثل باقي ّ‬
‫والشذوذ المبني على الصحة اللغوية‪ ،‬وسالمة نقلها مع كثرة نظائرها‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬التوصيات‬
‫ومن خالل تعاملنا المتواضع مع المادة العلمية لهذا البحث استطعنا الوقوف على‬
‫نظن أنها بحاجة إلى بحث وتمحيص‪ ،‬وعليه‪:‬‬‫بعض األمور التي ّ‬
‫أدعو إلى إقامة دراسات أخرى ممتدة من دراستي هذه‪ ،‬تهدف إلى إجراء دراسة‬
‫االطراد والشذوذ على كتب النحو التي تعنى باألدلة النحوية‬ ‫ّ‬ ‫تطبيقية لظاهرة‬
‫اإلجمالية؛ وكذلك كتب النحو التفصيلية؛ كشروح األلفية‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫فهرس المصادر والمراجع‪:‬‬

‫القرآن الكريم‬ ‫‪.1‬‬


‫أبو البركات األنباري ‪ ،‬عبد الرحمن كمال الدين‪ ،‬اإلغراب في جدل‬ ‫‪.2‬‬
‫اإلعراب‪ ،‬تحقيق‪ :‬سعيد األفغاني‪(،‬دمشق‪ :‬مطبعة الجمعة السورية ‪1957‬م)‪.‬‬
‫أبو البركات األنباري ‪ ،‬عبد الرحمن كمال الدين‪ ،‬اإلنصاف في مسائل‬ ‫‪.3‬‬
‫الخالف‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور جودة مبروك و الدكتور رمضان عبد التواب‪،‬‬
‫(القاهرة‪ :‬مكتبة الخانجي ‪2002،‬م ط‪.)1‬‬
‫البغدادي‪ ،‬عبد القادر بن عمر‪ ،‬خزانة األدب ولب لباب لسان العرب‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪،‬ط‪( ،4‬القاهرة‪ :‬مكتبة الخانجي‪.)1997 ،‬‬
‫الجاحظ‪ ،‬أبو عثمان عمرو بن بحر الليثي‪ ،‬الحيوان‪ ،‬ط‪( ،2‬بيروت‪ :‬دار‬ ‫‪.5‬‬
‫الكتب العلمية ‪.)1424‬‬
‫ابن جني أبو الفتح عثمان ابن جني‪ ،‬الخصائص‪ ،‬ط‪1/‬تحقيق‪/‬محمد علي‬ ‫‪.6‬‬
‫الن ّجار‪(،‬بيروت‪ :‬عالم الكتب‪2006،‬م)‪.‬‬
‫دوكوري ماسيري ‪ ،‬نظرية االطراد والشذوذ في النحو العربي وموقف‬ ‫‪.7‬‬
‫العلمية‬ ‫غوقيل‬ ‫(مجلة‬ ‫المحدثين‪،‬‬
‫(‪))www.scholar.mediu.edu.my/index.php/Mediu/article‬‬
‫السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ‪ ،‬المزهر في علوم اللغة‬ ‫‪.8‬‬
‫وأنواعها‪(،‬مصر‪ :‬مطبعة السعادة‪.)1325،‬‬
‫السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬االقتراح في علم أصول‬ ‫‪.9‬‬
‫النحو‪،‬ط‪( ،1‬اآلزاريطة‪ :‬دار المعرفة الجامعية‪2004،‬م)‪.‬‬
‫شهاب الدين أبو عبدهللا بن عبدهللا الحموي الرومي البغدادي‪ ،‬معجم البلدان‬ ‫‪.10‬‬
‫( الطبعة األولى‪ ،‬دار صادر للطباعة والنشر ‪1374‬هـ ‪1955 -‬م جـ‪ /1‬ص‬
‫‪.258-257‬‬
‫الصعدي‪ ،‬فهد بن منيع هللا بن ناجي‪ ،‬شواذ التصريف في األسماء ومنهج‬ ‫‪.11‬‬
‫العلماء في تناولها‪ ،‬بحث تكميلي لنيل درجة ماجيستير من كلية اللغة‬
‫العربية‪ ،‬الجامعة اإلسالمية بالمدينة المنورة‪1424 ،‬ه‪.‬‬
‫ّللا صبير‪ ،‬الشذوذ في قواعد اللغة العربية‪ ،‬بحث‬ ‫عبد الناصر عثمان عبد ّ‬ ‫‪.12‬‬
‫تكميلي لنيل درجة ماجيستير في تعليم اللغة العربية للناطقين لغيرها‪ ،‬جامعة‬
‫الدول العربية‪ ،‬معهد الخرطوم الدولي‪1990،‬م‪.‬‬
‫العسكري‪ ،‬أبوهالل الحسن بن عبد هللا بن سهل‪ ،‬جمهرة األمثال‪( ،‬بيروت‪:‬‬ ‫‪.13‬‬
‫‪56‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬د‪/‬ت‪.‬‬
‫ابن عصفور ‪ ،‬علي بن مؤمن بن محمد‪ ،‬ضرائر الشعر‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد‬ ‫‪.14‬‬
‫إبراهيم محمد‪ ،‬ط‪(1‬دار األندلس للطبعة والنشر والتوزيع‪180 ،‬م)‪.‬‬
‫ابن قتيبة ‪ ،‬أبو عبد هللا بن مسلم‪ ،‬أدب الكاتب‪ ،‬تحقيق‪/‬محمد الداني(بيروت‪:‬‬ ‫‪.15‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫مجمع اللغة العربية القاهرة‪ ،‬المعجم الوسيط‪( ،‬مصر مكتبة الشروق الدولية‬ ‫‪16.‬‬
‫ط‪1425 ،4‬ه‪2004/‬م)‪.‬‬
‫محمد أحمد العمروسي‪ ،‬االطراد والشذوذ بين القدامى المحدثين‪( ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪.17‬‬
‫دار العلوم‪1978 ،‬م)‪.‬‬
‫محمد جمال صقر‪ ،‬االطراد والشذوذ‪ ،‬موقع رابطة أدباء الشام في مجلتها‬ ‫‪.18‬‬
‫تصدر من لندن_ بريطانيا د‪.‬ت‪.‬‬
‫ابن منظور ‪ ،‬ابو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة (ط‬ ‫‪.19‬‬
‫ر د) ط‪(،4‬بيروت‪ :‬دار صادر‪2005،‬م)‪.‬‬
‫ابن وكيع ‪ ،‬الحسن بن علي الضبي التنيسي أبو محمد‪ ،‬المنصف للسارق‬ ‫‪.20‬‬
‫والمسروق منه‪ ،‬تح‪/‬وتقديم‪ :‬عمر خليفة بن ادريس‪،‬ط‪(1‬بنغازي‪ :‬جامعة‬
‫قاس يونس‪1994 ،‬م)‪.‬‬

‫‪57‬‬

You might also like