You are on page 1of 5

‫األمزجة األربعة في جسم االنسان‪:‬‬

‫وفي جسم االنسان تمثيل لهذه الطبائع األربع والعناصر األربعة‪ ،‬وهي األمزجة األربعة‪ :‬الدم والبلغم‬
‫والمرة الصفراء والمرة السوداء‪ .‬ولكل واحد منها صفات ومكان ينبع منه ولها تأثير على مزاج‬
‫االنسان وحركته وسكونه‪.‬‬
‫ونفصل ذلك فيما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الدم‪ :‬وهو سكن الرطوبة والحرارة وينبوعه الكبد‪ .‬ومكانه العروق (األوعية الدموية) وسلطانه‬
‫في سطح البدن ومقدم الرأس‪ .‬والذي يلحق النفس من أعراضه‪ :‬قوة الشهوة للنساء مع غزارة الجماع‬
‫وغزارة الشعر ونعومته‪ ،‬وكثرة الدم‪ ،‬وخاصية طبعه في المعدة سرعة الهضم وسهولته ونفوذ الغذاء‬
‫وتغيره وإ جادته وإ حالته إلى جوهر الدم واللحم‪.‬‬
‫وصاحب الطبع الدموي ‪ Sanguineous Temperament‬قوي الشكيمة‪ ،‬كثير الحركة‪ ،‬سريع‬
‫الغضب‪ .‬وخلق اهلل عز وجل كما يقول الرازي اللحم والدم والعصب والعروق والقلب والصدر‬
‫والكلى واألنثيين (الخصيتين) والعضالت واللسان واللوزتين واللهاة من جوهر الدم‪ .‬وكذلك ما كان‬
‫رطبا من الجلد‪.‬‬
‫‪ - 2‬البلغم ‪ :Phlegm‬وهو سكن البرودة والرطوبة‪ .‬وخلق اهلل (كما يقول الرازي) الدماغ والرئة‪،‬‬
‫وكل ما في البدن من األعضاء الباردة والرطبة من البلغم‪ ...‬فجميع ما نتعارف اليوم عليه بأنه الجهاز‬
‫العصبي مخلوق حسب هذه النظرية من البلغم وكذلك الجهاز التنفسي ألن من القصبات الهوائية‬
‫واألنف يخرج البلغم (النفث والبصاق)‪ .‬والبلغم قسمين‪ :‬قسم من الدماغ وهو ينصب كما ينصب الندى‬
‫من الجو وسلطانه في مؤخر الصدر وتجتمع أثقاله في مغارة الصلب والظهر كما يقول الرازي‪.‬‬
‫وقسم من الرئة ويطفو من الرئة إلى أعلى حتى يخرج من الحلق واألنف‪.‬‬
‫ويلحق النفس من أعراضه (المزاج البلغمي) ‪ Phlegmatic Temperament‬وعالماته‪ :‬العجز‬
‫والكسل والفتور والثقل والنسيان وإ بطاء الجواب والسكون وقلة الحركة والحلم واللين‪ .‬ويلحق الجسم‬
‫من أعراضه‪:‬‬
‫السعال وقلة الشهوة للنساء والسالسة‪ ،‬واالرتعاش والفالج (الشلل) وخاصية طبعه في المعدة‪ :‬تزيد‬
‫الوهج الكائن عند مرارة األغذية واألشربة واألدوية وسائر المواد الواردة على البدن‪ .‬وذلك أن المعدة‬
‫تتقوى به إذا هو شكلها كما يتقوى النظر بالنظر والجنس بالجنس‪.‬‬
‫ومسكن البلغم في الرئة‪ .‬ويتصل برده بنسيم اآلناف (جمع أنف) الداخل من الحلق على أنابيب الرئة‬
‫ثم توصله إلى القلب‪ ،‬إذ هي متصلة به‪ .‬فيستريح بذلك القلب ويندفع عنه حدوث الحرارة الدخانية‬
‫(النابعة من جوهر الدم) وتنتبه بذلك قوى النفس والحرارة الغريزية‪.‬‬
‫‪ - 3‬المرة الصفراء ‪ :Yellow Bile‬المرة الصفراء حارة يابسة نارية وتفرز من‬
‫الحويصلة المرارية ‪ Gall Bladdes‬وهي الصقة بالكبد لتعين الكبد على طبخ الطعام‪.‬‬
‫وجعل اهلل سلطان المرة الصفراء في اليافوخ ‪ ،Fontanelle‬لخفتها ولطافتها وارتفاعها‪ .‬واألذنان من‬
‫قسمتها وطبعها‪.‬‬
‫ولها من البدن ما هو حار ويابس وهي تجري مع الدم الزدواجها ومشاكلتها له كالدهن للسراج‪ .‬ومن‬
‫خاصية طبعها في المعدة هضم الطعام وطبخه وكذلك حكمها في الكبد‪.‬‬
‫ويلحق النفس من أعراضها المزاج الصفراوي ‪ Bilious Temperament‬وعالماته‪ :‬الحدة والطيش‬
‫والضجر واللطافة والذكاء والنباهة والشجاعة واالقدام وشهوة النساء والحيطة وسرعة الجواب وكثرة‬
‫الكالم والحركة‪ .‬وتطلق لفظ ‪ Bilious‬في اللغة اإلنجليزية على الشخص الضجر السئم المتشائم‪.‬‬
‫وكذلك تطلق على من يشعر بالغثيان والضيق (‪.)1‬‬
‫ويلحق الجسم من أعراضها كل ما ظهر من دالئل الحار واليابس ولها في المعدة والكبد واألمعاء‬
‫خاصية العون على نضج الطعام وهضمه‪.‬‬
‫‪ - 4‬المرة السوداء‪ :Melancholy )Black Bile( :‬مكونة من األرض ومسكنها الطحال وسلطانها‬
‫في البصر من الجانب األيسر من البدن‪ .‬وبها يكون الصمت والتفكير والحزن والثقل واالبطاء‬
‫والتثبت والنظر في العواقب‪ .‬ولها من المعدة خاصية الدفع وإ مساك الطعام وانتباه الشهوة‪.‬‬
‫ومنها المزاج السوداوي ‪ Melancholic Temperament‬والمقصود به الكئيب الحزين المتشائم‬
‫المنقبض المسبب للكآبة‪ .‬ومنه كلمة المالنخوليا ‪ Melancholia‬وهي حالة سوداوية قد تعتري االنسان‬
‫وتسبب له كآبة شديدة ويكون ذلك مصحوبا ببعض الهلوسات السمعية والبصرية واالعتقادات الزائفة‬
‫مع آالم متوهمة في الجسم وال يزال هذا االسم يستخدم في الطب النفسي إلى اليوم وفي لغة‬
‫البشر‪ .‬ويسميها العامة المناخوليا ويقصدون بها الجنون‪ ...‬وفي كالمهم بعض الصحة‪ .‬والمقصود به‬
‫نوع من الذهان المصحوب بكآبة شديدة مع نوع من الجنون ‪depressive Psychosis _ Manic‬‬
‫)‪ (1‬أو بعض حاالت الشيزوفرينا‪.‬‬
‫باختصار هناك طبائع أربع وهي‪:‬‬
‫الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة‪.‬‬
‫وهناك عناصر أربعة صدرت عن تفاعلها وهي‪:‬‬
‫الماء والنار والهواء والتراب‪.‬‬
‫ولهذه الطبائع والعناصر تمثيل في جسم االنسان وهو ما يعبر عنه باألمزجة األربعة ‪or‬‬
‫)‪ Temperaments (Four Humors‬وهي‪:‬‬
‫المرة الصفراء (حارة ويابسة)‪.‬‬
‫المرة السوداء (باردة ويابسة)‪.‬‬
‫البلغم (بارد ورطب)‪.‬‬
‫الدم (حار ورطب)‪.‬‬
‫خصائص األمزجة ومراحل العمر‪:‬‬
‫ولكل واحد من هذه األربعة خصائص‪ ...‬وهي جميعا موجودة في جسم االنسان‪ ،‬فإذا اعتدلت هذه‬
‫الطبائع أو األمزجة األربعة كانت الصحة وإ ذا انحرفت بزيادة أو نقصان أو تغلب أحدها على اآلخر‬
‫كان المرض‪.‬‬
‫وتكون وظيفة الطبيب هي تعديل هذه الطبائع أو األمزجة حتى تعود لسابق عهدها‪.‬‬
‫وتنقسم مراحل عمر االنسان إلى أربعة مراحل وفي كل مرحلة من هذه المراحل تكون الغلبة ألحد‬
‫هذه األمزجة كاآلتي‪:‬‬
‫ففي سن الشباب والطفولة تكون الغلبة للدم حيث تتكون األعضاء الدموية ويكثر النشاط ويعمل الكبد‬
‫(مركز الدم) بهمة ونشاط‪ ،‬ويكون االندفاع وعدم التروي‪.‬‬
‫وفي سن الرجولة (‪ )35 - 15‬تظهر الغلبة للمرة الصفراء وفيها حدة الفهم والذكاء والشجاعة‬
‫والحيطة‪.‬‬
‫وفي سن الكهولة (‪ )55 - 35‬تظهر الغلبة للمرة السوداء‪ :‬وفيها الصمت والتفكير والتثبت والنظر في‬
‫العواقب‪.‬‬
‫وفي سن الشيخوخة (ما بعد الخامسة والخمسين إلى أرذل العمر) تكون الغلبة للبلغم وعالماته العجز‬
‫والفتور والثقل والنسيان والسكون والحلم واللين‪.‬‬
‫وتحتوي األطعمة واألشربة على هذه العناصر األربعة أيضا فبعضها يغلب عليه الحرارة ويسمى‬
‫حارا‪ ،‬وبعضها يغلب عليه البرودة ويسمى باردا‪ ،‬وهكذا‪ ...‬ولهذا وجب تعديل الطعام بحيث يكسر‬
‫الحار البارد والعكس‪...‬‬
‫وبحيث يناسب كل سن وكل فصل من فصول السنة ألن فصول السنة أيضا تتبع العناصر األربعة‬
‫والطبائع األربع‪ ،‬والطبيب الماهر هو الذي يعطي لكل حالة لبوسها فطعام المريض غير طعام الناقة‪،‬‬
‫وطعام الصحيح غير طعام السقيم‪ ،‬وطعام الرضيع غير طعام الفطيم وهكذا‪ ...‬وطعام االنسان في‬
‫السفر غير طعامه في الحضر‪ ...‬وطعامه أثناء فصل الربيع ينبغي أن يختلف عن طعامه أثناء فصل‬
‫الخريف‪ ...‬وطعامه في الصيف ال بد أن يختلف عن طعامه في الشتاء‪.‬‬
‫ولهذا عقد اإلمام علي الرضا فصال لموضوع الغذاء في رسالته وقال للمأمون‪( :‬واعلم يا أمير‬
‫المؤمنين أن كل واحدة من هذه الطبائع يحب ما يشاكلها فاغتذ ما يشاكل جسدك‪.‬‬
‫ومن أخذ من الطعام زيادة لم يفده‪ ،‬ومن أخذ بقدر ال زيادة عليه وال نقص نفعه‪ ..‬واعلم يا أمير‬
‫المؤمنين‪ :‬كل البارد في الصيف والحار في الشتاء والمعتدل في الفصلين (أي الربيع والخريف‬
‫العتدالهما) على قدر قوتك وشهوتك‪..‬‬
‫وابدأ بأول الطعام بأخف األغذية التي تغتذي بها بدنك‪ )..‬ثم ذكر بعد ذلك فصول السنة وأشهرها‬
‫شهرا شهرا بالتقويم الشمسي وابتدأ بشهر آذار (مارس) ألنه أول الربيع وذكر فيه ما ينبغي أن يؤكل‬
‫فيه وما يجتذب من الطعام والدواء‪ ،‬ثم نيسان (إبريل) وهكذا حتى انتهى إلى شباط‬
‫( فبراير)‪ .‬وما يناسب كل شهر من غذاء وما ال يناسبه‪ ...‬وما يناسب كل شهر من أنواع النشاط‬
‫الجسماني ودخول الحمام والجماع والرياضة وما ال يناسبه‪..‬‬
‫وكذلك الحجامة والفصد وأنواع األدوية‪.‬‬
‫كلمة أخيرة‪ :‬إن الطب الحديث والعلم الحديث قد ألغى فكرة العناصر األربعة والطبائع األربع‬
‫واألمزجة األربعة‪ .‬واستبدلها بأمور أكثر تعقيدا بكثير مما كان يظن‪ .‬والعناصر األربعة لم تعد‬
‫عناصر بل هي مركبات وحاالت فالماء مركب والهواء مركب والتراب مركب والنار حالة تعتري‬
‫المواد كلها وهي حالة االحتراق بواسطة األوكسجين‪..‬‬
‫وعدد العناصر قد جاوز المائة عنصر‪ ...‬والطبائع األربع الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة لم‬
‫تعد أساسية وإ نما هي تعبر عن درجة الحرارة (الحرارة والبرودة) التي يمكن أن تقاس بمختلف‬
‫األجهزة المعقدة والبسيطة (ميزان الحرارة الترمومتر) والرطوبة واليبوسة عبارة عن درجة وجود‬
‫الماء في األشياء فإذا زادت نسبة الماء زادت الرطوبة وإ ذا قلت النسبة كانت اليبوسة‪.‬‬
‫وما يسمى األمزجة في جسم االنسان قد تغير مفهومه كثيرا‪ .‬والدم سائل من سوائل الجسم‪ ...‬صحيح‬
‫أنه يتكون في الكبد في أثناء نمو الجنين ولكن هذه مرحلة فقط من المراحل ثم يتكون في نقي‬
‫العظام‪..‬‬
‫وأما الطحال فال تفرز المرة السوداء كما يقولون بل تحطم خاليا الدم الحمراء التي انتهى أجلها‪.‬‬
‫وتفسيرات الدم والبلغم والمرة السوداء والصفراء مضحكة بالنسبة للطب الحديث‪ ...‬وأغلب ما ذكر‬
‫في ذلك أثبت العلم خطأه وخطله‪ .‬وقد يبقى منه فتات أو شذرات تصح منه اإلشارات‪.‬‬
‫وتبدلت الحال وظهرت الهرمونات والمواد الكيمياوية المعقدة وظهر تأثيرها على جسم االنسان وعلى‬
‫سلوكه كذلك‪ .‬ومع هذا بقيت تعبيرات المزاج الصفراوي والمزاج السوداوي والمزاج الدموي والمزاج‬
‫البلغمي في جميع اللغات الحية إلى اليوم‪.‬‬

You might also like