Professional Documents
Culture Documents
الحمد هلل الذي من اتقاه رزقه ويسر له األسباب ،أحمده -سبحانه -وأشكره وهو الملك
.الوهاب
وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له رب األرباب ،ومسبب األسباب ،وأشهد .أن
محمداً عبده ورسوله ،القانت الخاشع األواب ،سيد البشر يوم الحساب ،اللهم صل وسلم
على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم
.الدين
أما بعد :فاتقوا هللا عباد هللا ،فإن تقواه الوصية األُولى أِل ُولي العقول واأللباب ،قال
ين أُوتُوا ْال ِكتَ َ
اب ص ْينَا الَّ ِذ َ
ض َولَقَ ْد َو َّ ت َو َما فِي اأْل َرْ ِ -سبحانه وتعالىَ ( :-وهَّلِل ِ َما فِي ال َّس َم َ
اوا ِ
ت َو َما فِي اأْل َرْ ِ
ض َو َك َ
ان اوا ِ ِم ْن قَ ْبلِ ُك ْم َوإِيَّا ُك ْم أَ ِن اتَّقُوا هَّللا َ َوإِ ْن تَ ْكفُرُوا فَإ ِ َّن هَّلِل ِ َما فِي ال َّس َم َ
.هَّللا ُ َغنِيًّا َح ِمي ًدا) [النساء]131:
عباد هللا :إن ذهاب الشهور واألعوام ،إيذان لكم بقرب االرتحال من دنيا الممر إلى دار
المقر والدوام ،ولقد كان السلف .الصالح -رحمهم هللا -يغتنمون الشهور واألعوام ،بما
.يقربهم إلى ربهم الملك العالم
بل إنهم يغتنمون الليالي واأليام ،فال يمر عليهم يوم وال ليلة بال فائدة وال كسب مثمر،
طرحوا عنهم اللهو .واللعب وإضاعة األوقات فيما ال فائدة فيه وال نفع ،فهم ما بين علم
يتعلمونه ،وجهاد في سبيل هللا وطاعة وعبادة ،وقيام بحقوق األسرة ،وصلة رحم،
-.وزيارة مريض ،ودعوة إلى هللا -عز وجل
إن قدوتهم في ذلك رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -الذي كان يقوم بذلك كله ،مع أن هللا
-عز وجل -غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ،فقد جاهد في سبيل هللا حق جهاده ،وأوذي.
في سبيل هللا فصبر واحتسب ،حتى أظهره هللا على أعدائه ونصره عليهم ،وأعز به
.الكلمة الوثقى ،وأذل به كلمة الكفر السفلى
وقد كان يقوم بعبادة ربه ،ويشد على نفسه في ذلك ،ففي الصحيح ،عن المغيرة -رضي
هللا عنه -قال :إن كان النبي -صلى هللا عليه وسلم -ليقوم أو ليصلي حتى تتورم قدماه أو
".ساقاه ،فيقال له ،فيقول" :أفال أكون عبداً شكوراً؟
وصح عنه -صلى هللا عليه وسلم -أنه قال" :وجُعلت قرة عيني في الصالة ،".فكان -عليه
الصالة والسالم -ال يمل من عبادة ربه وال يتضجر ،ومع هذا كان يحث أمته على القصد.
في العبادة ،والتيسير على النفس ،حتى ال تمل وال تنقطع؛ ألن النفس يعتريها الملل،
.وتعتريها السآمة
من أجل ذلك .أرشد -عليه الصالة .والسالم -أمته إلى القصد في النوافل ،واإلقالل منها،
والمداومة عليها ،وبيّن أن المداومة .مع التقليل خير من االنقطاع مع الكثير ،فقال -عليه
الصالة والسالم" :-سددوا وقاربوا ،واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمله الجنة ،وأن أحب
".األعمال أدومها ،وإن قل
وسئل -عليه الصالة والسالم :-أي األعمال أحب إلى هللا؟ فقال" :أدومها ،وإن قل" ،وقال
"اكلفوا من العمل ما تطيقون"؛ وما ذاك .إال رحمة بأمته ،وشفقة عليهم ،وما أرسل إال
ين) [األنبياء]107:اك إِاَّل َرحْ َمةً لِ ْل َعالَ ِم َ
.كذلك ،قال -سبحانهَ ( :-و َما أَرْ َس ْلنَ َ
وكان -عليه الصالة .والسالم -مع اجتهاده في العبادة .وجهاده في سبيل هللا ،يقوم على أهله
.وينظر في مصالحهم ،وينفق عليهم ،ويخدم في بيته
بل جاء في سنن الترمذي :عن عائشة -رضي هللا عنها -قالت :قال رسول هللا- صلى هللا
عليه وسلم" :-إن من أكمل المؤمنين إيمانا ً أحسنهم خلقا ً وألطفهم بأهله" ،أي :أرفقهم
وأبرهم بنسائه وأوالده وأقاربه .وجاء في سنن الترمذي -أيضاً -عن عائشة -رضي هللا
عنها -قالت :قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم" :-خي ُركم خيركم ألهله ،وأنا خيركم
".ألهلي
وأمر النبي -صلى هللا عليه وسلم -المسافر إذا .قضي حاجته من سفره وأدرك وطره منه،
أن يعجل بالعودة .إلى أهله وال يبطئ عنهم ،وما ذاك إال لحاجة أهله إليه ليقوم بواجبه
نحوهم ،فال يجوز أن يترك أهله همالً ،فقال -عليه الصالة والسالم" :-السفر قطعة من
".العذاب ،يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه ،فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله
وبين -عليه الصالة .والسالم -لعبد هللا بن عمرو -رضي هللا عنهما -أن ألهله عليه حقا ً فال
يحل له ترك هذا الحق ،حتى ولو كان سببُ تركه طاعةَ هللا -عز وجل ،-ففي الحديث
الصحيح ،عن عبد هللا بن عمرو -رضي هللا عنهما -قال :قال لي رسول هللا -صلى هللا
عليه وسلم" :-ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟" ،قلت :إني أفعل ذلك ،فقال:
هجمت عينك ،ونفهت نفسك ،وإن لنفسك عليك حقاً ،وألهلك عليك "فإنك ،إذا فعلت ذلكَ ،
".حقاً؛ فصم وأفطر ،وقم ونم
ما أرحمه -عليه الصالة والسالم !-وما أرأفه بأصحابه خصوصاً ،وبأمته عموماً!
يوجههم ويرشدهم إلى الحقوق التي عليهم والحقوق .التي لهم ،يرشدهم إلى ما يذهب
السآمة عنهم والملل .من قلوبهم ،ويحببهم في العبادة .،فصلوات ربي وسالمه عليه ،وجزاه
.هللا عن أمته خير ما جزى نبيا ً عن أمته
هكذا هو -عليه الصالة .والسالم ،-قدوة لألمة في أقواله وأفعاله وأخالقه وهديه مع أهله
ومع صحابته ومع الناس جميعاً؛ ولهذا .سار الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان على
هديه -عليه الصالة .والسالم ،-واقتدوا .به في أقواله وأفعاله وأخالقه ،فصاروا أعالما ً لمن
.بعدهم يهتدى بهم
ورأس الصحابة من بعده أبو بكر الصديق-رضي هللا عنه -خليفة رسول هللا ،ورأس
المبشرين بالجنة ،السباق إلى الطاعة ،النهاز للمواسم الفاضلة ،اسمعوا إلى هذا الحديث
الصحيح الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة-رضي هللا عنه -قال :قال رسول
هللا -صلى هللا عليه وسلم -وهو يحدث أصحابه" :من أصبح منكم اليوم صائما ً؟" ،قال
أبو بكر :أنا ،قال" :فمن تبع منكم اليوم جنازة؟" ،قال أبو بكر :أنا ،قال" :فمن أطعم منكم
اليوم مسكينا؟" ،قال أبو بكر :أنا ،قال" :فمن عاد منكم اليوم مريضا ً؟" قال أبو بكر :أنا،
".فقال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم" :-ما اجتمعن في امرئ إال دخل الجنة
أسمعتم -عباد هللا -إلى هذا النشاط واالجتهاد والتنوع في العبادات من أبي بكر-رضي هللا
: عنه-؟ نعم عباد هللا
وما استعصى على قوم منال *** إذا اإلقدام كان لهم ركابا
هكذا كان السلف- .رحمهم هللا -حرصا وإقداما ،وثباتا واجتهادا ،لم يثنهم الفقر عن
المسارعة إلى مغفرة من ربهم وجنة عرضها كعرض السماء واألرض ،ولم يلههم الغنى
عن المسابقة والمنافسة في الخيرات واألعمال الصالحة ،عرفوا ربهم -جل وعال،-
وعرفوا عدوهم ،وأدركوا .أن العيش الحقيقي عيش اآلخرة ،فهانت في نفوسهم الدنيا،
.وكبرت فيها اآلخرة ،فسعوا إلى اآلخرة سعيا ً حثيثا ً
:ولقد ص َدق عليهم قول القائل
إن هلل عباداً فطنا *** تركوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا *** .أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا *** .صالح األعمال فيها سفنا
وانتم -عباد هللا -في شهر شعبان ،هذا الشهر الذي كان لرسول هللا -صلى هللا عليه وسلم-
معه شأن… فقد ثبت في الصحيح عن عائشة-رضي هللا عنها ،-قالت" :كان رسول هللا
-صلى هللا عليه وسلم -يصوم حتى نقول ال يفطر ،ويفطر حتى نقول ال يصوم ،فما رأيت
رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -استكمل صيام شهر إال رمضان ،وما رأيته أكثر
".صياما ً منه في شعبان
وقال له أسامة :يا رسول هللا! لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟!
قال" :ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ،وهو شهر ترفع فيه األعمال إلى
.رب العالمين ،فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" رواه النسائي في سننه
وجاء في مسند اإلمام أحمد -رحمه هللا -أن النبي -صلى هللا عليه وسلم -إذا .دخل رجب
.قال" :اللهم بارك لنا في رجب وشعبان ،وبارك لنا في رمضان" ،الحديث
هذا شأنه -عليه الصالة والسالم -مع شهر شعبان ،فنسأل هللا -سبحانه -أن يبارك لنا في
شهر رجب وشعبان ورمضان ،وأن يوفقنا للعمل الصالح ،وأن يجعل حبه في قلوبنا
.ويكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ،ويجعلنا من الراشدين.
عباد هللا :وإن تخصيص شعبان بشيء من العبادات أو القربات أو األعمال التي لم يرد
الشرع بها أمر بدعي ،فلم يكن النبي -صلى هللا عليه وسلم -وصحابته من بعده يخصون
.شعبان بشيء من ذلك ولم يثبت عنه -صلى هللا عليه وسلم -شيء سوى ذلك
فمن خص شعبان بشيء من العبادات أو األعمال فقد وقع في االبتداع ،والمسلم مأمور
باالتباع ومنهي عن االبتداع ،فلنتق هللا عباد هللا ولنحرص على االتباع وتحري هدي
النبي -صلى هللا عليه وسلم -فإن هديه خير هدي ،وكان النبي -صلى هللا عليه وسلم-
يقول في خطبته " :أما بعد :إن خير الحديث كتاب هللا ،وخير الهدي هدي محمد ،وشر
".األمور محدثاتها ،وكل محدثة بدعة ،وكل بدعة ضاللة