Professional Documents
Culture Documents
139312
139312
139312
371
آب2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد34/
ذوقــه حتــى يــتالءم مــع الجديد.لــذا نجــد هنــاك صشــكالية هوارهــاق فــي فهــم جماليــات فنــون مــا بعــد الحداثــة لمــا حملتــه مــن طــابع تجريــد وتنــوع
خامات واليات الطرح المختلفة تماما عن ما كان متعارف عليه ،لذا تتلخص مشكلة البحث الحالي في السؤال اآلتي:
ما هي صشكالية التذوق وآلية التلقي في فنون ما بعد الحداثة؟
أهمية البحث والحاجة إليه:
.1يسهم البحث في توسيع المعرفة الجمالية لفنون ما بعد الحداثة ومن ضمنها الفن المفاهيمي.
.2توضيح اثشكالية القائمة في عملية تذوق وآلية التلقي لفنون ما بعد الحداثة.
هدف البحث :التعرف على صشكالية التذوق والتلقي في فنون ما بعد الحداثة (الفن المفاهيمي) أنموذجا.
حدود البحث:
-الحدود الزمانية)2010-1980( :
-الحدود المكانية( :اوربا)
-الحدود الموضوعية :مختلف الخامات وأساليب الطرح المستخدمة.
الفصل الثاني
المبحث األول
التءوق الفني (مقدمة في المفهوم)
يمكن اعتبار عملية (التذوق الفني) عملية اتصال أو مالئمة بين الطرفين األول هـو الفنـان ممـثال غـي أعمالـه الفنيـة ،والطـرف
الثاني :هو المستمتع الذي ينظر صلى هذه األعمال ويحاول أن يستمتع بها.
بهــذا التعريــف البســيط يتضــح أن عمليــة التــذوق الفنــي ذات مســؤولية مزدوجــة ،جان ـب مــن هــذه المســؤولية يقــع علــى الفنــان،
والجانب اآلخر يقع على المستمتع وأن عملية التذوق الفني ال تتم على مستوى واحد من النجاح ،بل تأتي عـادة علـى مسـتويات متفاوتـة،
وهذا بطبيعة الحال يتوقف على مدى وعي هوادراك كل من يشترك في العملية بدوره ومسؤوليته ،فإذا كان هذا الوعي على مستوى مرتفع،
كانت عملية التذوق على نفـس الصـورة ،والعكـس كـذلك صـحيحا ،بمعنـى ان هـذا الـوعي صذا كـان يعتريـه الضـعف أو الـوهن كانـت عمليـة
التذوق الفني على نفس الصورة (حمدي خميس ،ص.)12–11
وال يمكــن أن يقــوم علــم الجمــال الــذي يــدرس األحكــام الجماليــة الصــادرة علــى الظـواهر الجماليــة بــدون أن يكــرس البــاحثون فيــه
مجهوداتهم لدراسة العنصـر الثالـث مـن عناصـر التجربـة الجماليـة ،أي عنصـر التـذوق ،فحكمنـا علـى الشـيء بالجمـال يعنـي صننـا قـد نفـذنا
صلى باطنه وتذوقناه ،وحدث ضرب من التماس الوجداني بيننا وبينه ،وليس معنى هذا أن التذوق تجربة صوفية غامضة تتحد فيهـا الـذات
مع الموضوع ثدراك معناه والكشف عن تراثه الفني ومدى ما يتكشف فيه من اتحاد بين الشكل والمحتوى أي بين المادة والصورة.
ولعلنا نتساءل (ونحن بصدد مشكلة التذوق) عما صذا كانت دراسة الجمال دراسة نفسية لإلبداع وللعبقرية في الفن أم أنها دراسة
نفسية للتذوق أو لإلعجاب أو بمعنى أدق للحكم الجمالي.
ويــرد الجمــاليون علــى هــذا التســاؤل بقــولهم :صن الد ارســة الجماليــة تتضــمن النــاحيتين معــا ،فالفنــان المبــدع لاثــر الفنــي وكــذلك
المتذوق لهذا األثر ،كل منهما يمارس الدورين معا أي دور المبدع ودور المتذوق.
فمن ناحية نجد أن م ن بعد أن يبدع األثر الفني ،يراجعه فيقف منه موقف المتذوق له والمصدر والحكم عليه.
أما من ناحية المتذوق فإنه يصـدر حكمـه علـى العمـل الفنـي ،وكـذلك فإنـه يضـع نفسـه موضـع الفنـان الـذي أبدعـه وكأنـه يمتلـك
األثـر الفنـي ويتعــاطف معـه وحقيقـة األمــر أن المـرء ال يتـذوق العمــل الفنـي صال صذا كـان (متــأمال) و(مشـاركا) فـي نفــس الوقـت ،أمـا التأمــل
372
آب2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد34/
وحــده فلــن يكــون ســوى نظ ـرة ســطحية ســاذجة تقــف عنــد الحــدود البــاردة لمنــاخ العمــل الفنــي ،فــال تحتــك بالجهــد الخــالق الــذي يكمــن وراء
ظاهرة التعبير الفني (محمد علي أبو ريان ،ص.)100 – 99
فمــا هــي صذن حقيقــة التــذوق الفنــي؟ ومــا هــي مواقفــه صزاء الموضــوع الجمــالي؟ يشــير علمــاء الجمــال صلــى مواقــف أو خط ـوات
متتاليـة أو متداخلـة يمــر بهـا المتــذوق فيكتمـل لديــه اثحسـاس بجمــال الموضـوع وتذوقــه ،وقـد أحمــل (بـاير) هــذه المواقـف فيمــا يلـي (زكريــا
صبراهيم ،ص 250وما بعدها):
.1أولهما التوقف أي توقف مجرى الفكر العادي لمثول شيء غير مألوف أمام الذات.
.2العزلة ،ونعني بهـا اسـتئثار الموضـوع بكـل انتباهنـا بحيـث يعزلنـا عـن العـالم المحـيط بنـا ،ويجعلنـا نحيـا فـي داخلـه وننفصـل عـن
العالم.
.3صحساسنا بأننا ماثلون أمام ظواهر ال حقائق ما ،ومن ثم فإن اهتمامنا ينسحب على شكل العمل الفني وأسلوب أداءه.
.4الموقــف الحدســي ،وهــو أن الموضــوع الماثــل أمامنــا ،يوقــف عمليــات البرهنــة واالســتدالل العقلــي يــدفعنا صلــى الحــدس المباشــر
والعيان المماس ،فنميل صلى الموضوع أو ننفر منه.
.5الطابع العاطفي أو الوجداني :صن الموضوع الفني الماثل أمامنا يثير فينا أحاسيس وانفعاالت خالصة وبسيطة.
.6التــداعي :وتثيــر هــذه االنفعــاالت ذكريــات ماضــية لنــا فنشــعر بالتــأثر ،هواذا مــا بالغنــا فــي هــذا االتجــاه بحيــث أغفلنــا األثــر الفنــي
وانطلقنــا فــي أحــالم اليقظــة متتبعــين ذكرياتنــا فإننــا ننحــرف عــن موقــف التــذوق الفنــي الخــالص وهــذا مــا يحــدث غالبــا ألكثــر
المستمعين لاعمال الموسيقية المتصلة بالعواطف.
.7التقمص الوجداني أو التوجد :وهو أن نضع أنفسنا موضع األثر الفنـي فتتحقـق بيننـا وبينـه مشـاركة وجدانيـة أو محاكـاة باطنيـة،
وهذا هو الذي يظهر على قسمات وجوهنا ما يشير صلى تقمصنا لمواقف أبطالها ،وتوجدنا معها.
ونلخـص هــذه المواقــف بـأن القــول أن المتــذوق يبـدأ بالســيطرة علــى الموضــوع الجمـالي ثــم يســتنير الموضـوع أمامــه تــدريجيا وهنــا
تبـدأ الـذات فـي الت ارجــع عـن امـتالك الموضــوع ،ويأخـذ الموضـوع دوره فــي السـيطرة عـل المتــذوق فيتحقـق نـوع مــن التعـاطف بينهمـا نتيجــة
للتقمص الوجداني.
فيكون على المتذوق أن ينصت صلى الحديث الخاص بموضوع الجمال على نحـو مـا ينطـق بـه وجـوده الحسـي وداللتـه المعنويـة
وشـحنته الوجدانيـة ،ومعنـى هـذا أن المتـذوق فـي هـذه الحالـة قـد نفــذ صلـى الكيفيـة الوجدانيـة للموضـوع وأنـه قـد اقتـرب مـن الحـدس األصــلي
للفنان الذي ابتدع هذا الموضوع وعاش تجربته وأحس ذبذباته خالل األداء ،ومع هذا فـالحكم الجمـالي مجـرد شـهادة علـى الموضـوع فهـي
لن تغير من طبيعته ،وليس العمل الفني كائنا فينا ،ولكننا نحن الذين نحيا فيه.
هواذا كان األمر كذلك فكيف نفسر هذه الشهادة ،صنها لن تكون حيادية ما دمنا نتعاطف مع الموضوع – ومن ثم فسيكون الحكـم
شخصيا – وعلى هذا فسيكون لدينا عدد من األحكام بقدر أعـداد المتـذوقين – صن كانـت يـرد علـى هـذا التسـاؤل بقولـه أن الحكـم الجماليـة
ول ــو أن ــه شخص ــي صال أن ــه يتس ــم بالض ــرورة األولي ــة ،هات ــان الص ــفتان اللت ــان تتيح ــان ل ــه أن يك ــون موض ــوعيا والموض ــوعية هن ــا ليس ــت
كموضوعية األحكام الطبيعية والرياضية بل نفسر على أنه ثمة صحساسا مشتركا بالجمال بين الناس يجعلهم يتفقـون أو يكـادو علـى تقـدير
السمة الجمالية في األثر الفني (محمد ابو ريان ،ص.)102 – 101
صن (ستولينتزز جيريوم) كان محقا فيما ذهب صليه حول دور علم النفس في تفسير عملية التذوق فمنذ أكثر من مائة عام – أي
منـذ ظهــور علــم الــنفس التجريبــي 1879واهتمــام علمــاء الــنفس موجــه نحـو د ارســة تــذوق الجمــال منــذ ســنة 1876أجــرى (فخنــر) تجاربــه
على التذوق ونشرها في كتابـه (مبـادئ التـذوق الفنـي) ثـم اسـتمرت الد ارسـات للتـذوق تتركـز علـى محاولـة التعـرف علـى خصـائص الشـيء
الجميل سواء كانت عناصر جمالية معينة أو تالفا متناسقا من هذه العناصر صضافة صلى محاولة اثجابة عن األسئلة اآلتية:
373
آب2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد34/
374
آب2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد34/
فإذا علمنا باستمرار تالفي هذا النقص بإتاحة الفرصة لكل فرد في الحصول على قسـط وافـر مـن التربيـة الجماليـة بحيـث يكـون
هذا المنهاج التربوي الجمالي مشتركا بين الجميع ،فهل يعني هذا صننـا سنصـل صلـى توحيـد األحكـام الجماليـة بـين هـؤالء األفـراد الـذين تلقـوا
منهجا واحدا مشتركا في التربية الجمالية.
والواقع أن الهدف من التربية الجمالية صنما يتحقق بالوصول صلى نوع من التقارب بين األحكام الجمالية لافراد بالنسبة لموضـوع
صجمالي بعينه بحيث ينتفي التباين الصارخ والتشتت المفرط بين هذه األحكام ،ومـن ثـم فـإن التربيـة الجماليـة لـن تـؤدي بنـا أبـدا صلـى أحكـام
موحدة تماما بهذا الصدد ،ما دام يختلفون من حيث المزاج والشخصية واالنفعاالت وغير ذلك ،فالفروق الفرديـة سـتظل كمـا هـي ،ويظهـر
أثر هذه الفروق في مدى صحساس األفراد بالجمال أي في اختالف درجات التذوق الجمالي (محمد علي ابو ريان ،ص.)103 – 102
صن التجرب ــة الجمالي ــة ال تقتص ــر عل ــى خل ــق هواب ــداع ،هوانم ــا تش ــمل الت ــذوق والمش ــاركة الفني ــة ،فل ــيس الف ــن مج ــرد خل ــق لص ــور
هوابداعات ،هوانما هو أيضا نشاط تتولد عنه منتجات تصلح ألن تكون بمثابة مؤثرات تثير لدينا بعض االستجابات.
فالعمــل الفنــي هــو منبــه أو مثيــر حســي يولــد لــدينا مجموعــة مــن األوجــاع الجســمية والنفســية ويســتثير انتباهنــا ومالحظتنــا وأن
المواجهات الضوئية أو الصوتية اآلتية من العمل الفني تنبه أعضاء الحس والجهاز العصـبي لكـي تـدفع بهـا صلـى االسـتجابة لـذلك التنبيـه
فتقوم عندئذ بأداء بعض األفعال التي تتفق مع طابعنا الخاص وحاالتنا النفسية واتجاهاتنا العقلية.
ولمــا كــان الموقــف الجمــالي يتضــمن العمــل الفنــي والشــخص المــدرك والوســط المحــيط فــان معرفــة التــذوق ال تتوقــف علــى تفهــم
الخبرة الذاتية للمستمع فحسب ،بل يمكن تحليلها حسب المتغيرات التالية (عبد الستار صبراهيم وآخر ،ص.)346
المبحث الثاني
آلية التلقي والت ويل في الحقل البصري
يفترض التلقي وجود مادة صبداعيـة بمختلـف المجـاالت منهـا مـا تمثـل قنـاة اثبـداع اللفظـي كالشـعر والنثـر وفنـون السـرد اللفظـي،
مثلمــا قــد تكــون مرئيــة ذات طبيعــة أيقونيــة وماديــة كالصــور والملصــقات اثعالنيــة واألشــرطة الســينمائية واللوحــات التشــكيلية والمنحوتــات
والتصاوير والنقوش والزخارف والقصص المصورة وأفالم الفيديو والمنش ت التشكيلية Installationsوالعمارة والقطع التراثية ،وغيرها من
الوسائط التعبيرية البصرية والحوامل الثقافية المتعددة .والتلقي التشكيلي معناه التفاعل والكشف والتبصر والتواصـل بـين المشـاهد والمنجـز
الفنــي بوصــفه نصــا بص ـريا مليئــا بتفكيــر فنــي وجمــالي وأســلوب اشــتغال وصــيغ معالجــة تقنيــة وســنائد مرجعيــة ومحتويــات متعــددة وأفكــار
ٍ
ومعان.
صلى غير ذلك من العناصر التعبيرية التي تشكل مفاتيح النص التشكيلي البصري التـي تبـدأ مـن كـل مـا يعكسـه الـنص مـن خـط
ولــون وكتلــة وفضــاء ،ومــا ينشــأ عــن كــل ذلــك مــن عالقــات مركبــة ،تناغمــا هوايقاعــا وتضــادا وانســجاما ،ثــم مــا يحــدث مــن جــدل بــين هــذه
العالقات ،سواء في العمل الفني ذاته ،أو في ما يحدثه في المتلقي انفعاليـا ،وال بـأس مـن أن يتفاعـل ذلـك مـع المنظومـة القيميـة والنفسـية
والفكري ــة ل ــدى المش ــاهدين ،وال ب ــأس أيض ــا أن ي ــدفعهم صل ــى رف ــض العم ــل البص ــري أو قبول ــه ،وهك ــذا يب ــدأ اس ــتقراء ال ــنص م ــن الحـ ـواس
فالمدركات ثم الفكر ،وصوال صلى المشاركة الوجدانية سلبا أو صيجابا ،وانتهاء بموقف واع مـن مجمـل العمـل البصـري( .أبـو رزيـق ،محمـد:
النص التشكيلي بين اللغة البصرية والتأويل ،ص)126
وي ـربط كثيــرون التلقــي التشــكيلي بالتــذوق الفنــي مــن حيــث اعتبــاره مقــدرة علــى اثحســاس والشــعور بالعمــل الفنــي وتلمــس قيمتــه
الجمالية واكتشاف سمات اثبـداع ،أو الـنقص فيـه ،فالـذوق الفنـي داخـل وخـارج هـذه العالقـة ،يمثـل (عمليـة تبـادل وجـداني وفكـري ونفسـي
لهــا صــفة الت ـرابط االجتمــاعي التــي هــي مــن أهــم وظــائف الفــن ودوره فــي توحيــد أفكــار ومشــاعر وأحاســيس أف ـراد المجتمــع)( .مصــطفى،
يحيـى :التــذوق الفنــي والســينما ،ص )19فهــذا النــوع مــن التلقــي يقتضــي مــن القــارئ التقــاط النقــاط المضــيئة فــي العمــل الفنــي والبحــث عــن
مســالك التــذوق الفنــي كمقــدمات ضــرورية لفهــم بنيــة العمــل الفنــي ،ولبلــوغ هــذا المســعى ،ال بــد مــن المــرور عبــر معــابر الحساســية الذوقيــة
باستلهام األثر وتوليف مناهل الـرؤى .لـذلك تظـل نظريـة التلقـي فـي المجـال التشـكيلي تمثـل آليـة مبتكـرة مـن آليـات الفهـم والتفكـر والتفكيـر
375
آب2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد34/
المنهجي كنتاج منطقي لمساحة التفاعل الثقافي والفكري والجمالي مع مقـاييس النزعـات المركزيـة األروبيـة بـالفن ،سـواء أكانـت المسـتلهمة
من عصور اثغريق الفلسفية في مقـدماتها المنطقيـة الكبـرى والصـغرى ونتـاج المحـاورة الجدليـة لمناهـل األفكـار ،أو تلـك المستحضـرة مـن
الفلسفة العربية اثسالمية المتصلة بشجرة التفريعات الخوارزمية ومداخل النظم الشمولية التكاملية( .أبو راشد ،عبد اهلل :نظرية التلقـي فـي
الفنون التشكيلية ،ص)4
داخل سياق هذه النظرية ،يتم االعتراف بالنص التشكيلي Texte plastiqueكمجال حيوي وكفتنة بصرية ضرورية ال بد مـن
التواصل مع عناصرها ومكوناتها ،بل كمـادة صبداعيـة ديناميـة لهـا مقاصـد مأمولـة قابلـة للقـراءة والتحليـل والتركيـب والمعـايرة والتـذوق والنقـد
الجمالي( .عطية ،محسن محمـد :الفنـان والجمهـور ،ص )83فـالنص التشـكيلي يعـد بالضـرورة اثبداعيـة عمـال فنيـا ،كمـا أنـه لـيس وسـيلة
يعبر بها الفنان عن نفسه فحسب ،بل هو وسيلة كذلك تستثير وتوجه في المشاهد نوعا من الخبرة الجمالية ،وتتوجه صلى حاسته البصـرية ّ
أو الســمعية أو االثنــين معــا ،فتثيــر بالتــالي اســتجابات أخــرى ،كالخيــال والفهــم والعاطفــة .وبمــا أن الفــن يوجــه صلــى اثدراك الحســي هوالــى
األجهـزة النفســية والحســية ،فــإن عمــل الفــن يتوقــف علــى طبيعــة هــذه األجهـزة فــي المشــاهد ،فهنــاك حــدود تفرضــها العــين اثنســانية وتقرهــا
عملية اثحساس بفاعلية الصور واألضواء والحركات في العمل الفني (الغوثـاني ،ارتـب مزيـد :المعايشـة الجماليـة ،ص .)25وعمـال علـى
ذلك فإن العمل الفني التشكيلي يجب أن ينظر صليه كنص وسرد بصري مفتوح علـى القـراءة الكاملـة لكافـة مكونـات الـنص البصـري الكليـة
(الح ْيســن ،صبـ ـراهيم :التلقـ ــي فـ ــي الف ــن التش ــكيلي
والفرعيــة والجزئي ــة ،وم ــن ث ــم صع ــادة تــأليف أنس ــاق البح ــث البص ــري المعرف ــي والجم ــالي .ه
المدركات والخواص الجمالية ،ص.)23
صن أي حقل بصري مسرود بوسائط وأساليب الفـن التشـكيلي ،ال بـد أن يحتـوي علـى مناهـل معرفيـة ومرجعيـات بصـرية ومسـالك
المعبرة بشـكل مـا أو بـ خر علـى حساسـية ذوقيـة تذوقيـة انفعاليـة وعقالنيـة فـي نهايـة المطـاف ،تكـون سرد وفلسفة فن في أبعادها الجمالية ُ
مقدمـة طبيعيـة ومنطقيـة لـوالدة نظريـة «التلقــي» التـي تُسـاهم فـي رفـع سـوية الذائقــة البصـرية مـن أنماطهـا ذات المعـابر الحافلـة باالنتقائيــة
متصلة بطبقة محددة بعينها وال تالمس حساسية العامة ،وتغدو في حالة غربة واستغراب على الشرائح العريضة مـن بنـى المجتمـع وحتـى
الفنانين التشكيليين أنفسهم (السابق نفسه ،ص.)28-26
ويظل فهم النص التشكيلي مرتبطا بشروط تتجاوز في الكثير من األحيـان المسـاحة اثبداعيـة العامـة التـي تـؤطر العمـل الفنـي،
لسبب بسيط هو أن قراءة النص البصري تعد قراءة ُمتجددة محكومة بعوامل بحث ذاتية خارجة عن نمطية التأليف والتوصيف ،وهي نوع
ُمبتكــر للرســم بوســائط تعبيريــة متنوعــة( .عاقــل ،فــاخر :اثبــداع وتربيتــه ،ص )174كمــا تشــكل ق ـراءة وتحليــل العمــل التشــكيلي معضــلة
أساســية تواجــه غالبيــة النــاس ،ويعــود الســبب صلــى تربيــة الــذوق الفنــي ،كأســاس لعمليــة الق ـراءة البص ـرية ،صذ صن وجــود الفــرد فــي بيئــة تهــتم
بالجماليات ،سينتج بالضرورة كيانا أقدر على تذوق الفن ،كمقدمة الستقرائه ،وينطبق الحال على المحـيط االجتمـاعي الـذي يشـكل الـدائرة
األكبــر بالنســبة للكــائن ،فــالمحيط الــذي يرســخ قــيم التمتــع بالجمــال ،وبــالنظر صليــه كقيمــة فــي حــد ذاتــه ،لــيس كمجتمــع يقمــع هــذه القــيم ،أو
يسمح بها ضمن نطاق محدود ،أو ضمن سياق قيمي أو مادي محدد.
أمــا فــي مــا يخــص مفهــوم الفــن مــن فــرد صلــى آخــر ،فــإن صشــكالية القـراءة للعمــل الفنــي تتــوه عبــر نظريــات ورؤى مختلفــة تتضــمن
الكثيــر مــن المــداخل منهــا المنحــى الجمــالي الــذي يتضــمن البحــث فــي العالئــق واألنســاق البص ـرية التــي تكــون العمــل الفنــي ،ومحاولــة
الوصــول صلــى المعــاني األيقونيــة التــي تنطــوي عليهــا ،باعتمــاد منــاهج تحليــل ســيميائي يقــوم علــى التوليــف بــين الــدال والمــدلول والعالقــات
البصرية القائمة بينهما.
أما المنحى الوجداني يرتبط هذا المنحى باثسقاطات التي يلجأ صليها بعض القراء ،السيما عندما يلمسون نوعا من التقـاطع بـين
موضوع العمل الفني وبين واقعهم االجتماعي والذاتي ،فهذا النوع من اثبـداع يسـتجيب لرغبـات المتلقـي ويحـرك شـعوره بشـكل مباشـر فـي
الكثيــر مــن األحيــان ،كــذلك المنحــى الفلســفي يتفــق مــع هــذا المنحــى التعبيــر التجريــدي القــائم علــى حريــة االنتشــار الخطــي واللــوني علــى
مســطح العمــل ا لفنــي فهــو ،يتــيح للقــارئ صمكانيــات واســعة ثثــارة أســئلته البص ـرية مــن منظــور فلســفي يأخــذ بعــين االعتبــار تقــاطع األفكــار
376
آب2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد34/
وتضاربها .ومن جانب المنحى العلمي أي قراءة المنجز الفني من زاوية علمية ترتكز باألساس على تفكيك العناصر والمفردات التعبيريـة
ووضعها في سياق علمي مرجعي مدعوم بمفاهيم ومصطلحات دقيقـة ال تقبـل الذاتيـة والتأويـل ،وينـدرج فـي هـذا المسـتوى العالقـة الطيفيـة
بين األلوان واألبعاد ودراسة المنظور ونسب الظل والضوء والعمق والفضاء وغير ذلك.
في التلقي التشكيلي ينبغي معايشة األعمال الفنية صدراكيا ،ومن ذلك العمل الفني كأحد أبرز أشـكال التصـوير التـي يـتم التعامـل
معها بوصفها شيئا كسائر األشـياء ،ولـذا يجـب النظـر بعـين االعتبـار صلـى تـرابط أجـزاء جسـد هـذا الشـيء المسـمى بالعمـل الفنـي ،فيقـول "
بول كلي "( :اللوحة هي الكل) ،ولذلك يجب أن ترتبط األجزاء الداخلية بهذا الكل ،وهذا يعطي أهمية كبرى لمساحة اللوحة وشكلها (بول
كلي :نظرية التشكيل ،ص .)86في التلقي التشـكيلي يكـون القـارئ ملزمـا بترتيـب المـدركات الحسـية والخـواص البصـرية المؤسسـة للمنجـز
الجمالي :اللون ،الملمس ،الشكل ،البنية ،الكتلة ..صن عملية الترتيب هذه تقود كثي ار صلى التعرف صلى منطلق القراءة باعتباره عتبة أساسـية
للفهم والعبور نحو عوالم المنجز التشكيلي الداخلية.
فهي بداية الشعور بالمتعة وتذوقها ،متعة القراءة ومتعـة الفهـم ،المتعـة الجماليـة التـي تُحـدد مـن خـالل الطبيعـة الخاصـة بالتأمـل
الجمالي ،والذي يتم خالله :التعليق أو اثيقاف المؤقت ،التمايز أو (االنفصال) العادي بين المشاهد والعمل الفنـي المواجـه لـه ،فالمشـاهد
والعمل الجمالي يكونان شيئا واحدا ،دون أي شعور باالنفصال بين الذات والموضـوع ،ولـذلك فـإن المتعـة الجماليـة متعـة ال موضـوع لهـا،
صنها تنشأ مـن خـالل تلـك الوحـدة الخاصـة بـين الشـخص المتأمـل والعمـل الفنيــة ،وهـذه المتعـة الفنيـة ليسـت متعـة مـن أجـل موضـوع معـين
خارج العمل الفني ،بل هي متعة موجودة داخله( .عبد الحميد ،شاكر :التفضيل الجمالي ،ص)41
هـذه المتعـة البصـرية Erotisme visuelهـي التـي ترسـم حـدود المسـافة بيننـا كقـراء بصـريين وبـين المنجـز التشـكيلي باعتبـاره
موضوعا للقراءة البصرية ،وفي الغالب تتجاوز مستوى القراءة األدبية لتشمل مستويات قرائية أخرى تنخرط في نسجها كل حواس القـارئ،
لذلك يصح القول كون العالقة بين القراء وبين القطع الفنية (ليست عالقة واحدة فقط هي العالقة الجماليـة ،أو عالقـة االسـتمتاع والتأمـل
على مسافة معينة فقـط ،بـل هـي فـي جوهرهـا عالقـة موقفيـة تعتمـد علـى «طبيعـة التفاعـل» بيننـا وبـين العمـل الفنـي فـي «موقـف معـين»،
وهذه خاصية ال تعمل ضد الفن ،بل تعمل معه ،وكلما كان العمـل الفنـي قـاد ار علـى النشـاط والتـأثير فـي مواقـف متعـددة تعـددت تفسـيراته
وتأويالته ومستوياته)( .مديين ،لبنعمار :صشكالية المقدس والدنيوي في الرسم العربي المعاصر والمغاربي ،ص)39
يمكن القول بأن الفن ال يمكن تذوقه واثحساس بقيمته سوى عبر المتعة الجمالية ،و(هو وصول التكـوين الفنـي موضـوع المـادة
الفنية صلى لحظة المعايشة عند الجماهير ،والشيء الثاني هو حيوية المادة المعروضة وتعمقها فـي أرجـاء الـذهن المشـاهد ،وعلـى مسـاحة
الشيئين األول والثاني تحدث (العالقة) بـين منـتج الفـن ومسـتقبله أو الحاصـل عليـه ،وهـذه العالقـة ال تتواجـد كثيـ ار أو غالبـا فـي العلـوم أو
صنتاج المشروعات العلمية على اعتبار أن الفنون تتعامل مع المشاعر واألحاسيس ،وتتولد عنها تأثيرات حقيقية وحسية ووجدانية هوايحائية
وانطباعية ونفسية وواقعية.
فالمتلقي المتذوق والعاشق للفن يكون قريبا من فهـم رسـالة اثبـداع عبـر الشـعور واثحسـاس بقيمـة العمـل الفنـي ..والعمـل الفنـي
تتضاعف قيمته عندما يق أر ويفهم ..وشرط الفهم الذوق ،والذوق حصيلة لنمو ثقافة المتلقي وشحذ صدراكه البصري والجمالي ..وفـي الواقـع
فــإن العمــل الفنــي (لــيس وســيلة يعبــر بهــا الفنــان عــن نفســه فحســب ،بــل هــو وســيلة كــذلك تســتثير وتوجــه فــي المشــاهد نوعــا مــن الخب ـرة
الجمالي ــة ،وتتوج ــه صل ــى حاس ــته البصـ ـرية أو الس ــمعية أو االثن ــين مع ــا ،فتثي ــر بالت ــالي اس ــتجاباته اثدراكي ــة الحس ــية وم ــا يتص ــل به ــا م ــن
استجابات أخرى ،كالخيال والفهم والعاطفة .وبما أن الفن يوجه صلى اثدراك الحسي هوالى األجهزة النفسية والحسية ،فإن عمل الفن يتوقف
على طبيعة هذه األجهزة في المشـاهد ،فهنـاك اثحسـاس بفاعليـة الصـور واألضـواء والحركـات فـي العمـل الفنـي( .عطيـة ،محسـن محمـد:
الفنان والجمهور ،ص)21
ومن منظور آخر ،يشير أرنهايم Arnheim 1966صلى أن األعمال الفنية ينبغي معايشتها صدراكيا ،هواذا أراد المرء فهمهـا عليـه
بوضعها داخل شبكة تصورية من العالقات البصرية المناسـبة .فلكـي نحلـل أي عمـل فنـي ،نكـون ملـزمين بإخضـاعه لشـبكة تصـورية مـن
377
آب2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد34/
العالقـات .وفــي هـذه الشــبكة (تكـون كــل وحـدة مــن وحـدات العمــل محــددة أو معرفـة علــى نحـو جيــد ،كمـا أن العالقــات بـين هــذه الوحــدات
ينبغــي أن تكــون قابلــة للتحديــد أيضــا ،لكــن هــذا التحديــد أو التمييــز للوحــدات ال يعمــل دائمــا بالشــكل الغشــتالتي والمتكامــل المــنظم ،فهــذه
التفاعالت ينبغي أن تتم داخل كل مستوى من مستويات بنية العمل الفنـي ،وأيضـا فـي مـا بـين هـذه البنيـات وبعضـها الـبعض ،ومـن الكـل
صلى المكونات الفرعية له وبالعكس ،وبين المستويات المتنوعة هذه كلها أيضا)( .عبد الحميد ،شاكر :التفضيل الجمالي ،ص)162
فــإن ق ـراءة أي منجــز تشــكيلي (مســطح /مجســم) تعنــي الــدخول فــي نســج عالقــة قرائيــة مــع المــدة اثبداعيــة التــي تجــري عليهــا
القـراءة ،وبالتــالي اسـتنتاج العالئــق واألنسـاق التعبيريــة التـي تنظمــه .مـن هنــا يمكـن للقــارئ أن يفكـك ،البنــاء الـداللي للــنص التشـكيلي بغيـة
صبراز المعنى الضمني واستجالء الرسائل الضامرة والموجودة خلف العناصر والمفردات الجمالية الظاهرة.
المبحث الثالث
نبءه عن الفن المفاهيمي (السمات والخصائص)
يع ــد الف ــن المف ــاهيمي محاول ــة للف ــت االنتب ــاه نح ــو عالمن ــا الي ــوم وم ــا يش ــهده م ــن تفك ــك واس ــع النط ــاق ف ــي البن ــى اثيديولوجي ــة
والمؤسسات التقليدية والفنـون البصـرية وذلـك علـى اعتبـار أن المفاهيميـة انتقاديـة تنازعيـة حيويـة فـي تعاملهـا مـع المؤسسـات الجماليـة فـي
اثنتاج الفني .ترسـخ أن الفـن يقـوم أساسـا علـى ترجمـة الفنـان فكرتـه باسـتخدام أي وسـيط يـراه مناسـبا للتعبيـر .أن الفـن المفـاهيمي يتحـرر
مــن القيــود االجتماعيــة والثقافيــة ولكــن بمنطلقــات فكريــة خاصــة .وبــدأ الفنــان يتمتـع بفضــاء واســع مــن الحريــة جـراء التعبيــر بأشــكال ومـواد
يبتكرها لنفسه.وذلك باختصار المسافة بين الفن والحياة ،بمعنى التوجه نحو العمل بمادة العالم بشكل مباشر بدال من الخيال.
هذا النوع من الفن حدسي يتضمن كل العمليات الفكرية وليس له هدف غير أن يتحرر من المهارة الحرفية للفنان حيث تصبح
الفكرة هي الهدف الحقيقي للفن بدال من اتجاهات الفن األخرى .الفكرة أو المفهوم في الفن المفاهيمي هو أهم جانب من جوانب العمـل ،
عندما يستخدم الفنان هذا النوع من الفنون فإن كل التخطيط والق اررات تتخذ من قبل وتنفيذ العمل ما هو صال قضيه روتينه.
بدأ الفنان منذ أزمنة بعيدة مشواره في توظيف طاقاتـه الفنيـة الخالقـة علـى صبـداع الجميـل مـن خـالل االبتكـار ومحاولـة الوصـول
للجانب اثبداعي ،ومحاولة توظيف الخامات للخروج من المألوف ،من هذا كان للفن المفاهيمي االتساع العـالمي بهـذا المجـال ،صذ يشـير
أمهز صلى أن نشأة الفن المفاهيمي علـى نطـاق واسـع تـرتبط بـالمعرض الـذي أقـيم فـي متحـف ليفركـوزن ( )Leverkusenفـي ألمانيـا عـام
" ،1969وأطلق عليه اسم مفهوم ،وأن عبارة فن مفهومي صارت " :مدلوال أو معادلة لمادة مدونة معقدة ،أو رسالة غامضة من الفنـان،
حيث تصبح الفكرة الهدف الفعلي بدال من العمل الفني نفسه ،أي أن الفن المفهومي يمثل من هذه الزاوية مرحلة من النشاط مابين الفكرة
والنتاج النهائي ،تشكل الجزء األهم في عملية صناعة الفن " (أمهز ،محمود :التيارات الفنية المعاصرة ،ص)483
نشــأ الفــن المفــاهيم بفعــل عوامــل عــدة أبرزهــا :ردة الفعــل النفســية علــى الحــربين الكــونيتين األولــى والثانيــة ،والتطــور العلمــي
والتكنولــوجي ،وكــذلك التــأثر بالحركــات الفنيــة الحديثــة التــي ظهــرت فــي القــرن العشـرين مثــل الس ـريالية ،والتعبيريــة التجريديــة ،ومحــاوالت
مارسـيل دوشـامب فـي العقـد الثـاني مـن القـرن المنصـرم علـى أخـص ،والحركـة الداديـة الجديـدة ،والفنـانين الفرنسـي ايـف كلـين ،واثيطـالي
مــانزوني اللــذين اعتبــر نشــاطهما بمثابــة حلقــة الوصــل" مــابين الدادائيــة فـي مختلــف مراحلهــا والفــن المفهــومي " (أمهــز.)483 :2009 ،
وسعى هذا الفن صلى لفت االنتباه تجاه عالم اليوم وما يشهده من تفكك واسع النطاق(.آل وادي ،والحسيني ،ص)337
أن النمـاذج األولـى للفـن المفـاهيمي ) (conceptual artظهـرت حـوالي مـابين ( 1965ـ ،)1966وقـد جـاءت هـذه النمـاذج "
كأعمال فنية ال وظيفة لها ،أو رسالة سوى تحديد نفسها ،وتمثل لوحة الفنان كوزت ) (Kosuthالمسماة تصوير واحدة مـن تلـك النمـاذج،
مكبرة لتفسير كلمة )) Paintingكما وردت في القاموس)( أمهز ،محمود :التيـارات الفنيـة المعاصـرة،
وهي عبارة عن صورة فوتوغرافية ّ
ص)482
كما يشير أمهز صلى أن التيارات الفنية الجديدة تمثلت " للمرة األولى على نطاق واسع في المعرض الـذي أقـيم سـنة 1969فـي
متحف ليفركوزن) (Leverkusenفي ألمانيا عام ،1969وأطلق عليه اسم مفهوم " conceptionوتال ذلك تنظيم معـارض أخـرى فـي
378
آب2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد34/
عـدد مـن المـدن األوروبيـة ،واألمريكيـة " شـارك فيهـا فنـانون مـن مختلـف أنحـاء العـالم يمثلـون تيـا ار فنيـا طليعيـا كـان قـد مهـد لـه "مارسـيل
دوشامب" (المصدر السابق نفسه ،ص)483-482
ومن رواد المراحل المبكرة للفن المفاهيمي األكثر شهرة :جوزف كوست ، Joseph Kosuth,روبرت موريس Robert
،Morrisجوزيف بويس ، Joseph Beuysورامسدن ميل (Schellekens,P231). Mel Ramsden
أن الفن المفاهيمي يتضمن العديد من الممارسـات واالتجاهـات الفنيـة مثـل" فـن الجسـد ،فـن األرض ،الفـن لغـة ،وجميعهـا تـذهب
صلى قطع الصلة مع الموروث ،والتخلص من صشكال الفن التقليديـة ،وطـرق اسـتهالكه ،مـع"صبراز الواقـع كمـا هـو كقيمـة جماليـة(.آل وادي،
علي شناوة ،والحسيني ،عامر عبد الرضا :التعبير البيئي في فن ما بعد الحداثة ،ص.)338
اللوحــة والتمث ــال "باألفكــار والمفــاهيم وقــد ســعت هــذه االتجاهــات صل ــى االبتعــاد عــن العمــل الفنــي التقليــدي ،واســتبدل الفن ــان
والمعلومات التي تمس الفـن" وشـملت أدوات هـذا الفـن" المقترحـات المكتوبـة ،والصـور الفوتوغرافيـة ،والوثـائق ،والخـرائط ،والرسـوم البيانيـة،
والفيلم ،والفيديو ،وأجسام الفنانين أنفسهم ،واستخراج اللغة نفسها( .آل وادي ،علي شناوة ،وعبادي ،رحاب خضـير :اسـتطيقا المهمـش فـي
فن ما بعد الحداثة ،ص)181
وأصـبح الفنـان " يتمتـع بفضـاء واسـع مـن الحريـة جـراء التعبيـر بأشـكال ومـواد يبتكرهـا لنفسـه تمثـل أشـياء هـي مـن نتـاج الحيـاة
اليوميــة المعاصـرة كمــا بــدأ العمــل الفنــي" يـرتهن تمامــا لتقنيــات الحيــاة الحــديث"( .آل وادي ،علــي شــناوة ،والحســيني ،عــامر عبــد الرضــا:
التعبير البيئي في فن ما بعد الحداثة ،ص.)335
فن لغة :يشير أمهز صلى أن العمل الفني فـي نظـر أحـد ابـرز ممثلـي هـذا االتجـاه جـوزف كـوزت ، Kosuthوفـي نظـر جماعـة فـن ولغـة
أيضـا يمثـل " نقطـة التقـاء بـين عـدة منـاهج اتصـالية :الصـورة واللغـة تلتقيـان فـي الكتابـة ،الوسـيلة التـي تجعـل الكلمـة مرئيـة ،واعتبـروا أن
التقويم الجمالي ليس غريبا عن وظيفة الشيء فحسب ،بل يبعده عن مبررات تمثيله ،فهم يعتقـدون أن محـور الفـن قـد "انتقـل منـذ مارسـيل
دوشــامب مــن شــكل اللغــة صلــى اللغــة نفســها" وأن جماعــة فــن ولغــة أسســت مجلــة فــي صنجلتـ ار ســنة 1969تحمــل ذات المســمى ،غيــر أن
الجمــع بــين كلمتــي(فن) ،و(لغــة) ال يشــير صلــى " ممارســة الكــالم باعتبــاره فلنــا ،بــل صلــى تطبيــق اللغــة علــى تحليــل الفــن" (أمهــز ،محمــود:
التيارات الفنية المعاصرة ،ص)486
واحد وثالثة كراسي ،1965للفنان (جوزيف كوسوت) ،وهو عبارة عن كرسي حقيقي وصورته الفوتغرافية .والمعنى اللغوي لكلمة
كرسي
379
آب2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد34/
فن األرض :انعكس الفن المفاهيمي على بعض األنشطة التـي يحتـل فيهـا التوثيـق دو ار كبيـ ار ،وتوظـف فيـه الصـور الفوتوغرافيـة ،وشـرائط
ماديا صلى مفهوم يجعـل الفـن وسـيلة اسـتعالم فيـزول
الفيديو ،وغيرها من الوسائل التي تساهم في تحويل " مفهوم الفن بصفته شيئا مجسدا ّ
العمل الفني ،وال يبقى منه سوى الذكرى ،ويحل االتصال محل الملكية .وقد امتـد تـأثير هـذا االتجـاه علـى مـا يعـرف بفـن األرض (Land
) Artحيـث بـات فـن النحـت يمـارس مباشـرة فـي الطبيعـة نفسـها ،كمـا اقتصـر النشـاط الفنـي لـبعض الفنـانين علـى التجـول بـين أحضـان
الطبيعة ،وتأملها ،والتقاط الصور الفوتوغرافية ،وهكذا تخطى العمل الفني قاعة العرض ،و" لم يعد يرتبط ،أو يتمثـل بـأي أثـر تزيينـي ،أو
نظـام معمـاري ،بـات تسـاؤال ذا أبعـاد فكريـة ،ونفسـانية جديـدة علـى عالقـة بالتجربـة المباشـرة ،وأصـبح فـن األرض يعبـر عـن" التـداخل مـع
الطبيعة بعد أن تجدد مفهوم الفنان لها"(.المصدر السابق نفسه ،ص)490-488
على مستوى لونين للفنان (دانيل بورين) حيث يمر خط ءو شرائط لونية راسية عند مستوى األرض عبر الفراغ المتاح في قاعدتين
عرض مفتوحتين فيما بينهما
فن الجسد :يؤكد فن الجسد ( )Body Artفكرة الحياة التي تتحول صلى عمل فني ،344وترافق ظهـور هـذا الفـن مـع ظهـور مجموعـة مـن
التوجهات التشكيلية التي قدمت الفن كفكرة ،كمحاولة لالحتفال صبداعيا بالجسد وجعله مكونا تكميليا للعمل الفني( .آل وادي ،علي شـناوة،
والحسيني ،عامر عبد الرضا :التعبيـر البيئـي فـي فـن مـا بعـد الحداثـة ،ص )344-342حيـث شـكل الجسـد مـادة العمـل الفنـي األساسـية،
ومحور " اهتمامـات الفنـان المفهـومي بعـد أن تخلـى عـن كـل المقـاييس الجماليـة ،أو األخالقيـة ،واقتـرب مـن الحدوثيـة "( .أمهـز ،محمـود:
التيارات الفنية المعاصرة ،ص.)493
380
آب2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد34/
الفصل الثالث
إج ار ات البحث
أوال :مجتمع البحث:
أفــرزت الحقبــة الزمنيــة التــي تناولهــا البحــث منــذ عــام 1980صلــى عــام 2010كمــا هــائال مــن النتــاج الخــاص بــالفن ألمفــاهيمي،
والتـي تعـذر حصـرها صحصــائيا ،فاعتمـدت الباحثـة علـى مــا موجـود ومنشـور ومتيســر مـن مصـورات لاعمـال الفنيــة الخاصـة بفنـاني (الفــن
ألمفاهيمي) واثفادة من األعمال الفنية المنشورة على شبكة (االنترنت) ،والتي عن طريقها يمكن تحقيق هدف البحث الحالي.
381
آب2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد34/
يمثل العمل اثنتين من الطاوالت الكبيرة ،موضوع عليها مجموعة كبيرة من الكتب المختلفة ومـن بينهـا كتـب ود ارسـات خاصـة ل ـ
(جوزف كوزوث) نفسه ،وهناك عدد من الكراسي تدعو المشاهد للجلوس و القراءة ،كما يتضح وجود شاشة عرض الكترونية معلقة علـى
الحــائط وعــرض لمــادة علميــة ،وهــذا يــدل علــى بيــان مزاوجــة التطــور التكنولــوجي الســائد والطــرق التقليديــة للقـراءة ،فالعمــل الفنــي هنــا غيــر
موجود في طريقـة وضـع أو ترتيـب الكتـب والطـاوالت والك ارسـي ،أي خارجـة عـن التناسـق التقليـدي أو الشـكلي سـواء االرتجـالي أو المـنظم
لاشياء ،و لكن ا لعمل الفني موجود في فكرة العمل و مضمونه والتي تمثل "القراءة" ووضع هذه الفكرة ،أي عملية القراءة في سـياق الفـن
البص ــري ،أي تحوي ــل الف ــن البص ــري صل ــى ف ــن ثق ــافي فلس ــفي وج ــودي علم ــي ،وه ــذه ه ــي الطبيع ــة المفاهيمي ــة .صذ س ــعى اغل ــب الفن ــانين
المعاص ـرين صلــى تحريــك نشــاطهم اثبــداعي خــارج الحــدود التقليديــة لمجــاالت الفــن مــن تشــكيل وتصــوير وغيرهــا وكــذلك أمــاكن العــرض
والنتيجة كانت صعود الفن ألمفاهيمي الـذي كـان تـأثيره بـالغ األهميـة لمـا تـاله مـن فنـون فهـو يرفـع "الفكـرة " علـى "الشـكل "باعتبـار عمليـة
الفكـر هــي المضــمون الصـافي للفــن ،هكــذا يصـبح العمــل الفنــي مكـون أساســه الفكـرة ،فالتصـميمات األوليــة للعمــل ترشـد وتــدفع بواســطة
الفك ـرة ،أمــا التقنيــات والممارســات اثبداعيــة فهــي شــكل مــادي لنتــاج الفك ـرة ،كاالعتمــاد فــي صظهــار األفكــار علــى النصــوص اللغويــة ،
الخرائط ،أفالم ،وأشياء أخرى .صن محاولة الفنـان المفـاهيمي فـي السـعي ثدخـال الوسـائط المتعـددة ولـد لـه صمكانيـات مختلفـة للتجريـب ،
والقــدرة علــى المــزج بــين مختلــف مجــاالت الفــن واالحتفــاء بالشــيء الجــاهز المســتمد مــن الحيــاة اليوميــة كمــادة و وســيلة غيــر تقليديــة فــي
التعبير والبحث عن جمالية تميز أعمالهم اعتمادا على مبدأ الصدفة ،مقـدم حلـوال فـي االتصـال اثنسـاني المتفاعـل بالطبيعـة التـي تفـيض
بالبيئات الصناعية ،وانتقد مثل هؤالء الفنانين كل ما هو تقليدي وليس له ارتباط مباشر مـع حيـاة اثنسـان وواقعـه .هـذا فـتح أمـام الفنـانين
آفاق جديدة لإلبداع بخلق فضاء وعوالم مليئة باألحداث المتنوعة و واقع خليط بين السمعي والبصري والحركي عبر الزمن ،سـاهم بقـدر
كبير في تكامل الفنون وامتزاجها مـع بعضـها ،وقـد طـرح كـل ذلـك أشـكل مغـايرة ومفـاهيم مختلفـة يصـعب تحديـدها وتلقيهـا او تـذوقها وفـق
معيار ثابت أو محدد كسابقتها من الفنون التقليدية ،مما يطرح أفاق أكثر رحابة في قراءة العمل الفني وتلقيه فتقديم أشـكال الفـن فـي مثـل
هذه الفنون أسهم بشكل فعال في القراءة المفتوحة للعمل الفني مما ساعد على التشتيت الذي ال نهاية لـه وعـدم وضـوح بـؤرة تركيـز يسـتند
صليها المشاهد وأدى ذلك صلى تفكيك العناصر الفنية.وبالنظر هنـا الـى مفـردات العمـل نجـد هنـاك خصوصـية وتفـرد يمكـن تميـزه مـن خـالل
عناص ر العمل الفني والمعنى الدال ،و يظل النص التشكيلي يعتمـد علـى رؤيـة المتلقـي ومـديات فهمـه وتذوقـه للمـادة المطروحـه لمسـاعدة
382
آب2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد34/
على بلوغ المعنى .لذلك يجب أن يكـون المتلقـي فـي ممارسـته لعمليـة اثدراك فنانـا مـن نـوع مـا ،فـي مـا يخـتص بالتجربـة الحياتيـة اليوميـة
ليســتفيد ممــا تقدمــه ،وبمــا صن الفــن المفــاهيمي يعنــى بــالفكرة والمضــمون يمكــن القــول ،صنــه فــي الحيــاة اليوميــة يختفــي الخــط بــين الجمــالي
والعمـل الفنــي ،صذ يقــدم العمــل الفنــي فــي هــذا المعنــى مــن خــالل وســائل جماليــة وســائل لالســتفزاز ،مــن شــأنها أن تخلــق صحساســا يســتجيب
لانواع المختلفة من التجربة التي تنشأ من السياقات االجتماعية المختلفة.
نموءج ()2
اسم الفنان :تريسي صمين
اسم العمل :موقع محدد
تاريخ اثنتاج1998 :
المادة :مواد مختلفة
يتمظهــر العمــل الفنــي فــي تكوينــه بوجــود سـرير مــن الخشــب وفـراش ذات قمــاش ابــيض اللــون يظهــر بصــورة مبعثـرة غيــر مرتبــة
لوجود الطيات وظهور االغطيه بشكل عبثي ،نالحظ ايضا وجود منشـفه بيضـاء وجـوارب نسـائية طويلـه علـى السـرير ،اضـافه الـى وجـود
سجادة زرقاء على االرضية على تتبعثر عليها المخلفات مـن زجاجـات الكحـول وعلـب السـكائر وبعـض مـن علـب االدويـة وبقايـا مناديـل
متسخة وحذاء واوراق صحف ،ويظهر بجانب السرير قاعدة خشبية أرضية عليها بعـض بقايـا األطعمـة ووعـاء مـاء ،محـاوال صضـفاء الجـو
الحقيقي لغرفة النوم ونقلها بصورة اكثر واقعية لتكون اقرب الى رؤية المتلقي.
يعد العمل الفني فنا مفاهيميا يمثل اتصال اثنسان بيومياته وواقعه ،باستخدام الشيء الجاهز واألقرب صلى الواقـع كوسـيلة فنيـة،
وكثيـ ار مــا نجــد أن أشــياء الفنــان الخاصــة نفســها هــو العمــل الفنــي نفســه ،وبــذلك يقــوم الفنــان بمهارتــه وبصــمته الخاصــة وبأســلوبه المتفــرد
بالمهمة ليقدم العمل الفني ،و بمعنى آخر يعتمد ان استخدام الشيء الجاهز يقود بالمتلقي الى الفعل الحقيقي لهذا الشيء وان كـان ثابـت
الحركة أو في غير مكانه الخاص ،فهو يقود مخيلة المتلقي نحو مشهد استخدامه عبر ذاكرتـه ،الـذي يمـنح القـدرة علـى اثحسـاس بإيقـاع
الزمن الذي يجسد المعنى ،وهذا اختصار للمشهد الحقيقي بحد ذاته وتقديمه بشكل صوري فـي مقابـل المشـاركة الفعالـة بـين مجموعـة مـن
العناصر داخل قوام العرض .فالهدف هو التعبير عن الحدث النفسي أو الفكري ليكون هو ذاته محور العمل الفني..
وهنــا اعتبــر الفنــان الســرير ايقونتــه التشــكيلية لعملــه الفن ــي ،ليقت ــرب الفن ــان أكثــر مــن الح ــدث ويتخلــى عــن المعــايير الجمالي ــة
واألخالقية بوضع بعض المفردات التي تتشبه بوجود معاني جنسية ،محاوال أن يقدم عمله كنوع من الواقعية االجتماعية اثدراكية .ليست
مهمة المتلقي هنا مقصورة فقط على مجرد االستحسان أو االستهجان ،بل هي مهمة البحث عن الفكرة التي يقوم عليها العمـل ،وهـذا هـو
ما يجده صعبا ،وليس كل متلق يهتدي بفكره صلـى وجـه الكشـف عمـا اشـتملت عليـه الصـورة مـن معنـى دقيـق ،بـل يتطلـب األمـر أن يكـون
المتلقي قاد ار على صدراك العالقات في مجال الصورة ،وهذا األمر يعتمد على خبرته وذوقه الجمالي التي تعد وسائل استكشـاف لعناصـر
الجمال في العمل الفني .فعملية التلقي في مثـل هـذه الفنـون هـي عمليـة مشـتركة يسـهم فيهـا صـاحب العمـل الفنـي بخالصـة التجربـة التـي
عايشــها ،و ذائقــة المتلقــي بخبرتــه الفنيــة الجماليــة .فالعالقــة بــين هــذه المحــاور تشــبه بنــاء هرميــا ،قمتــه العمــل الفنــي ومعطياتــه ،وقاعدتــه
المتلقي ،وهي عالقة قد ال تبدو واضحة وضوح الحس بهذا الشـكل التنظيمـي ولكنهـا عالقـة ذهنيـة تفـرض نفسـها علـى المتلقـي متـذوقا أو
قارئا للعمل الفني أو مستمتعا.
383
آب2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد34/
فتــداخل الشــيء الجــاهز مــع الفنــون قــد دعــى فــي مفهومــه ثنهــاء المبــدأ االســتطيقى الــذي يرتكــز علــى اســتقاللية العمــل الفنــي و
تفرده الذي يكسبه الندرة كغاية وقيمة في ذات الوقت ،بل وأصبح الفن معها جماعيا أو مشتركا اختياريا يقوم على بنيات مفتوحة وغيـر
محددة ببدايات أو نهايات ،بل متعدد في صورة ال نهائية من التفاعالت ذات تركيبا فوضويا مشـترك بـين الفنـانين والجمهـور فـي تفـاعلهم
داخل العمل ثعادة البناء والتركيب للعمل الفني بتلقائية وبشكل غير مكتمل ،متخذا الطابع االرتجالي ،ألن مثل هذه الفنون تتسـم بكونهـا
متغيرة حسب رؤية الفنان وحسب البيئـة االجتماعيـة التـي يعـيش فيهـا و ثقافتـه ،فهـو ينمـي قد ارتـه وتصـوراته بفضـل فعـل اثرادة و الرغبـة
في اث بداع وتجاوز التقليد والمحاكاة ،بكون الفن التشكيلي باألساس قائم على الرمـوز فالعنصـر التشـكيلي المكـون للتركيـب البنـائي للعمـل
الفني هو قائم بفعل الرمز ،أكان نقطة أم خطا أم شكال أم لونا ،فال يمكن أن ندخل في أية قراءة تحليلية لفن التشكيلي دون معرفة أبعـاد
هــذه اللغــة الرمزيــة والعالقــة القائمــة بــين الــدال والمــدلول ،فهــذه المنظومــة مــن الرمــوز تتجلــى بفــك مــدلوالتها كبوابــة لفهــم العمــل ليتســنى لنــا
معرفة التنوع القائم في مكونات العمل الفني وفي وحداتها و ماهيتها األساسية .كما نجد بان هذه العالمات أو الرموز التشـكيلية مرتبطـة
اصــطالحيا ب األشــياء التــي تحــددها والتــي تنتمــي صلــى نمــوذج اللغــة التشــكيلية المتكونــة مــن أشــكال عبــر خطــوط ودرجــة انحناءاتهــا واللــون
وضربات الفرشاة ،وأخي ار وجود الشيء الجاهز وتعدد الخامة ،فأن من هذه التكوينات نستخرج منها الداللة التشـكيلية فـي بعـدها النفسـي،
وعلينــا أن نفهــم بــان ال يمكــن أن يخــرج عمــل فنــي دون دوافــع نفســية للفنــان ألن كــل شــيء يحــدث فــي الــنفس ،وان أي دافــع للعمــل يــأتي
بوجود (مثير) يربط بمثير آخر يوحي بصورته الذهنية ،أي أن هنالك جدلية قائمة بين المادة محسوسة وبين دوافع نفسية تـرتبط صـورتها
بالقيمة المعنوية في صدراكنا بصورة المثير ،ومنها يفهم العمل الفني عبر اثيحـاء الـذي يهيـئ لـذواتنا صـورة التـرابط بـين الشـكل والموضـوع
ثدراك العمــل ومــن ثــم الحكــم عليــه .وال شــك بــان حكمنــا للعمــل الفنــي هــو اآلخــر ينبــع مــن خــالل البيئــة لــيس فحســب األمــر متعلقــا ببيئــة
الفنان ،بل ببيئة ذواتنا كمتلقين للعمل.
نموءج ()3
اسم الفنان( :ألفريدو)
و(صيزابيل أكويليزان)
اسم العمل :هجرة
تاريخ اثنتاج2006 :
المادة :مواد مختلفة
يظهــر العمــل بشــكل مجمــوعتين مرتبــة بعضــها فــوق بعــض مــن م ـواد مختلفــة بخامــات وأل ـوان متعــددة ،قطــع مالبــس ،صــناديق
معدنية ،بعض الكتب ،المواد المنزلية ،أحذية ،واحتياجات يومية يضعها الفنانان على قاعـدة خشـبية ت ارصـت األشـياء عليهـا بعضـها فـوق
بعض.
نجد في اغلب األحيان اتجاه الفنانان(ألفريدو هوايزابيل أكـويليزان) دائمـا الـى الميـل نحـو امتـزاج الفـن بالحيـاة واالرتيـاب العـام مـن
االنفصال بين األشياء بعضها البع ض ،وسيادة الصفة التجارية على أعمال الفن و الدمج بـين أنسـاق الفنـون المختلفـة فـي التـراث الفنـي
عبر الحضارات والثقافات المتعددة .والعمل على عدم ادراج العمل الفني تحت مسمى تصنيفي واضـح و عـدم االلتـزام بالحـدود الفاصـلة
بــين الفنــون .هواضــفاء قــيم مناهضــة لقيمــة "التكامــل " التــي كانــت تميــز فنــون الحداثــة وتتصــف بهــا األعمــال الفنيــة مــن صــعوبة صضــافة أو
حذف جزء منها ،بل أصبح معهما العمل الفني متعددة المسارات ،والتي توفر للمتلقي مداخل عديدة لتفسيرها.
384
آب2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد34/
ويعكــس العمــل تلــك الرحلــة العائليــة الخاصــة ،وهــو يصــف الهج ـرة والتشـ ّـرد والصــدمات الشخصــية الت ـي يقاســيها األطفــال وهــم
يقـ ّـررون مــا ســيأخذون ومــا ســيتركون خلفهــم ،لتســجيل تــذكي ار مأســاويا للحادثــة .صن فك ـرة الهج ـرة واثحســاس بفقــدان الــوطن كموضــوعات
حاضـرة فــي األعمــال الفنيــة ،فكـرة الرحيــل الناتجــة لعــدم االرتيــاح وت ازيــد الهمــوم واألحـزان كمــا انــه لــم يــتمكن مــن تحقيــق أمنياتــه ،ظانــا صن
الغربــة ســتحقق لــه حيــاة جديــدة فيشــد الرحــال نحــو عــالم االغتـراب متوجهــا نحــو المجهــول بغيــة لحيــاة كريمــة وأكثــر صنســانية .يقــدم لنــا هــذا
العمل صورة لتحوالت الواقع السياسي ،وبالذات هذا الواقع المرير الذي تعيشـه دول منطقـة الشـرق االوسـط وبالـذات منـاطق شـمال افريقيـا
مث ــل المغ ــرب الفقي ــر وت ــونس والج ازئ ــر وليبي ــا ال ــذي أدى ال ــى نش ــوء ظ ــاهرة الهجـ ـرة بالس ــفن التجاري ــة واالنتق ــال ال ــى دول اورب ــا المحاذي ــة
للمتوســط ،وقــد شــهدت مرحلــة التســعينات مــن القــرن الماضــي هج ـرة االالف الع ـراقيين عبــر خ ازنــات النقــل التجــاري فــي الســفن الــى مــوت
ألمـت بالمنطقـة واسـتمرار فكـرة الهجـرة الـى
الكثير من الشباب الباحث عن لقمة العيش او تحقيق حلم الحرية سبب الحروب المـدمرة التـي ّ
يومنا هذا ،وهو ما جعل موضـوعة الهجـرة والبحـث عـن مـالذ جديـد احـد اهـم مميـزات مرحلـة العولمـة ،فاصـبحت تمثـيال واقعيـا لتصـاعد
االنفتاح والرفض على حد سواء من قبل المجتمعات المستقبلة للغرباء.
ان تنضــيد االدوات الشخصــية ورزمهــا تعنــي عالمــة الرحيــل التــي ال تعــرف هويــة لهــا غيــر هويــة التهجــين الثقــافي وانتقــال نــوع
ثقافي مـن منطقـة الـى اخـرى اكثـر اسـتق ار ار ،فالهويـة التـي تحملهـا مسـتلزمات السـفر تقـدم لنـا صـورة لهجـرة عائليـة مـع حقيبـة سـفر وكتـب
واحذية وغيرها ،يعيش أزمة البحث عن معنى وجوده الشخصي في العالم المعاصر والعيش بسالم في ارض اكثر امن واستقرار.
الفصل الرابع
أوال :النتائج
.1يمثل الفن المفاهيمي أسئلة عن طبيعة ما يفهم من الفن ،الن الفـن وجـد بالطبيعـة كــمفهوم ومرحلـة مـن النشـاط مـا بـين الفكـرة
والنتاج النهائي.
.2اتبع الفنـان المفـاهيمي نمـط جديـد فـي صخـراج العمـل الفنـي مـن خـالل صدخـال مكونـات و خامـات مألوفـة متعـددة كمعطـى مـادي
وبدافع الوصول صلى تذوق العمل الفني جماليا من قبل المتلقي.
.3توظيف الشكل الواقعي رغبة في التعبير عن الفكرة التي تكمن في مخيلة الفنان وذاته هوامكانية تلقيها من قبل المتلقي البسيط.
.4تعدد األوجه التي تنتمي للفكرة المفاهيمية منها فن األرض ،وفن الجسد ،وفن لغة ،وفن التصوير.
.5يعمل الفن المفاهيمي على تحويل فكرة ما وجعلها ملموسة بعد تنفيذها ،وهـذه فرصـه لمـنح المتلقـي شـيء مـن التأمـل فـي العمـل
واستخراج مفاهيمه.
.6يتخذ الفن المفاهيمي الواقع القاعدة األساسية لبناء فكرة العمل الفني ومضمونه التي أبدى لها أولوية على الشكل.
.7ان جوهر الفن ومضمونه ال النفعية هي الغاية األولى للفن المفاهيمي.
.8يسعى الفنان المفاهيمي دائما لالقتراب صلى ذائقة المتلقي من خالل اتخاذ الواقع أساس ثنتاجه الفني.
.9يتمتع الفنان المفاهيمي بفضـاء واسـع مـن الحريـة مـن خـالل التعبيـر بأشـكال ومـواد يبتكرهـا لنفسـه وذلـك الختصـار المسـافة بـين
الفن والحياة ،بمعنى التوجه نحو العمل لتكوين المنتج الفني بمادة العالم وبشكلها المباشر بدال من الخيال.
ثانيا :االستنتاجات
.1صن العتم اد الفكرة كأساس للتكوين فـي الفـن المفـاهيمي ،تـأثير مباشـر علـى عمليـة التلقـي واليـة التـذوق الجمـالي ،لجعـل المتلقـي
يخوض في مضمون العمل الفني الكتشاف مدى تحقيق وصوله لفكـرة العمـل ،أي صن الفـن المفـاهيمي يقـوم أساسـا علـى ترجمـة
الفنان فكرته باستخدام أي وسيط يراه مناسبا للتعبير.
385
آب2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد34/
.2رغم تغلب الفكرة والمضـمون علـى الشـكل صال صن الفنـان المفـاهيمي وظـف الشـكل الـواقعي وفـي أنمـاط جديـدة فـي تكـوين العمـل
الفني من خالل استخدام وتعدد الخامات باليات متفردة.
.3صن لوجود الوسائط المتعددة في الفن المفاهيمي اثر على المزج بين مختلف مجـاالت هـذا الفـن وقـد طـرح ذلـك أشـكال ومفـاهيم
مغايرة يصعب تحديدها وفق معيار ثابـت أو محـدد المرتبطـة بمعظـم الفنـون التـي تتميـز بصـفة الـزوال كفـن األرض والتجهيـزات
وكذلك بالمناهج المستخدمة في فنون الحدث واألداء.
.4يحدث التذوق نتيجة اثحساس بالعمل الفني والشعور بمكوناته ،فهو عملية نفسيه انفعاليـة تكمـن فـي دواخـل المتلقـي مـن خـالل
النظر للعمل الذي يحمل معطيات اجتماعية قريبه من واقعه.
.5صن القراءة البصـرية ثعمـال مـا بعـد الحداثـة و خاصـة الفـن المفـاهيمي تتطلـب ،تربيـة للذائقـة الجماليـة للفـرد مـن خـالل التطلـع
والرؤى المتزايدة للثقافات والفنون المختلفة ،فتذوق مثل هذه الفنون تتطلب متلقي ذات حس جمالي عالي يقوم علـى قـيم جماليـة
فنية ثقافية وبيئة تحفز على سيادة الفن والجمال.
.6لتلقـي فنـون مـا بعـد الحداثـة ومنهــا الفـن ألمفـاهيمي يتطلـب وجـود موضـوعات ذات صــله بـالجمهور والبيئـة ،ألنهـا اقـرب لواقعــه،
هواخراجها بصورة تنتمي وتقترب لبيئته ويرجع هذا لمهارة الفنان وآلية تقديم العمل الفني.
ثالثا :التوصيات
استكماال للبحث الحالي توصي الباحثة بما يلي:
.1محاولة االستفادة من الخامات المتعددة في انجاز أعماال تنتمي للفن ألمفاهيمي و توظيف المخلفات واألشـياء المهمشـة ثعـادة
خلق جمال فني للعامة.
.2التركيــز علــى تضــمين موضــوعة التــذوق و التلقــي فــي مــنهج كليــة الفنــون الجميلــة وخاصــة فــي الد ارســات األوليــة لتنميــة الــذوق
الفني والجمالي لدى الطالب.
.3ممكن االستفادة مـن بعـض التقنيـات والحركـات الفنيـة السـابقة للفـن المفـاهيمي كالدادائيـة منهـا والتجميعيـة وتكويناتهـا ،وتوظيفهـا
ب لية الفن المفاهيمي ،وهـي محاولـة اقتـراب موضـوعة العمـل الفنـي لتلقـي رجـل الشـارع البسـيط وحمـل المضـامين والموضـوعات
الواقعية التي على تماس مباشر مع الواقع.
رابعا :المقترحات
استكماال للبحث الحالي تقترح الباحثة صجراء الدراسة اآلتية:
آلية التذوق والتلقي في الفن البصري.
المصادر
.1أبــو ارشــد ،عبــد اهلل :نظريــة التلقــي فــي الفنــون التشــكيلية /نحــو خلــق نظريــة عربيــة ،الملحــق الثقــافي – يوميــة الثــورة /صصــدارات
مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة ،عدد 1223الثالثاء ،فبراير .2005
.2أبــو رزيــق ،محمــد :الــنص التشــكيلي بــين اللغــة البص ـرية والتأويــل ،مجلــة الصــورة ،العــدد الثــاني /مــايو ،2003دائ ـرة الثقافــة
واثعالم ،الشارقة.
.3ابو طالب محمد سعيد :علم النفس الفني ،جامعة بغداد ،كلية الفنون الجميلة ،بغداد.1990 ،
عمـان،
.4آل وادي ،علي شناوة ،والحسيني ،عامر عبد الرضا :التعبير البيئي في فن ما بعد الحداثة ،دار صفاء للنشر والتوزيـعّ ،
.2011
عمـان :دار صـفاء للنشـر والتوزيـع،
.5آل وادي ،علي شناوة ،وعبادي ،رحاب خضير :اسـتطيقا المهمـش فـي فـن مـا بعـد الحداثـةّ .
.2011
386
آب2017 /م مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية /جامعة بابل العدد34/
.6أمهز ،محمود :التيارات الفنية المعاصرة ،شركة المطبوعات للنشر والتوزيع ،بيروت.2009 ،
.7بول كلي :نظرية التشكيل ،ترجمة وتقديم :عادل السيوي /دار ميريت ،ط.2003 ،1
.8حمدي خميس :التذوق الفني ،دار الندوة الجديدة ،بيروت.1975 ،
الح ْيسن ،صبراهيم :التلقـي فـي الفن التشكيلي المدركات والخواص الجمالية ،ط ،1الكويت.2001 ،
.9ه
.10زكريا صبراهيم :مشكلة الفن ،مكتبة مصر ،شارع كامل صدقي (الفجالة) د .ت.
.11ستولينتر ،جيروم :النقد الفني ،ت فؤاد زكريا ،ب .ت.
.12شاكر عبد الحميد :التفضيل الجمالي ،دراسة في سيكولوجية التذوق الفني ،عالم المعرفة.2001 ،
.13عاقل ،فاخر :اثبداع وتربيته ،دار المعارف للماليين ،ط ،3بيروت.1983 ،
.14عبد الستار صبراهيم وآخر ،السلوك اثنساني ،دار الكتب الجامعية.1973 ،
.15عطية ،محسن محمد :الفنان والجمهور ،دار الفكر العربي ،ط.2001 ،1
.16الغوثاني ،راتب مزيد :المعايشة الجمالية ،دراسات فكرية جمالية تتناول العالقة بين اثنسان واألشياء والفـن ،دار الينـابيع ،ط،1
دمشق.2004 ،
.17محمد علي ابو ريان :فلسفة الجمال ونشأة الفنون الجميلة ،ط ،5دار الجامعات المصرية.1977 ،
.18مديين ،لبنعمار :صشكالية المقدس والدنيوي في الرسم العربي المعاصر والمغاربي ،ت :محمد بيدي /مجلة الوحدة ،العـدد – 70
71يوليو /آب1990 ،
.19مصطفى ،يحيى :التذوق الفني والسينما ،دار غريب للطباعة.1991 ،
20. Schellekens, Elisabeth(2007): Conceptual Art, Stanford Encyclopedia Of Fhilosophy.
387