Professional Documents
Culture Documents
شرح العقيدة الطحاوية
شرح العقيدة الطحاوية
شرح العقيدة الحطاوية
لألستاذ العالمة
أبي الفداء سعيد فودة حفظه هللا تعالى
الحمد هلل رب العالمين ،قال العالمة حجة اإلسالم أبو جعفر الوراق الطح""اوي-
بمصر -رحمه اهلل:
([)]3
هذا([ )]1ذكر([ )]2بيان
([)]4
عقيدة
([)]5
أهل السنة والجماعة
([)]6
على مذهب
([ )]7
أبي حنيفة النعم"""ان بن ث"""ابت الك"""وفي ،وأبي يوسف يعق"""وب بن فقه"""اء أهل الملة
إب " " ""راهيم" األنص " " ""اري ،وأبي عبد اهلل محمد بن الحسن الش " " ""يباني رض " " ""وان اهلل عليهم
أجمعين ،وما يعتقدون من أصول([ )]8الدين،
رب([ )]9العالمين" معتقدين" بتوفيق اهلل:
ويدينون به َّ
إن اهلل([ )]10واحد ال شريك" )]11[( له.
([)]12
وال شيء يعجزه
([)]13
وال إله غيره
قديم ([)]14بال ابتداء.
دائم)]15[( بال انتهاء.
([)]16
ال يفنى وال يبيد
وال يكون([ )]17إال ما يريد".
([)]18
ال تبلغه األوهام
([)]20
وال تدركه([ )]19األفهام
([)]21
وال يشبه األنام
حي ال يموت ،قيوم([ )]22ال ينام
خالق بال حاجة"([،)]23
([)]25
رازق بال مؤنة([ ،)]24مميت بال مخافة ،باعث بال مشقة
([)]26
ما زال بصفاته قديما قبل خلقه
لم يزدد بكونهم"([ )]27شيئا لم يكن قبلهم من صفته.
وكما كان بصفاته أزليا كذلك ال يزال عليها أبديا"
([)]28
([)]29
ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق "،وال بإحداث" البرية استفاد" اسم الباري
له معنى الربوبية" وال مربوب([،)]30
([)]31
ومعنى الخالق وال مخلوق
وكما أنه محيي الموتى بعد ما أحي"ا ،اس""تحق ه""ذا االسم قبل إحي""ائهم "،ك"ذلك اس""تحق
([)]32
اسم الخالق قبل إنشائهم"
ذلك بأنه على كل شيء قدير([ ،)]33وكل شيء إليه فقير ،وكل أمر عليه يسير.
([)]34
ال يحتاج إلى شيء
([)]35
(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)
خلق الخلق بعلمه([،)]36
وقدر لهم أقدارا ،وضرب لهم آجاال ،ولم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم ،وعلم ما
هم عاملون قبل أن يخلقهم.
أم""رهم بطاعت""ه ،ونه""اهم عن معص""يته ،وكل ش""يء يج""ري بتق""ديره ومش""يئته ،ومش""يئته
تنفذ ،ال مشيئة للعباد إال ما شاء لهم ،فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
يهدي من يشاء ،ويعصم ويعافي فضال ،ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي ع"دال ،وكلهم
متقلبون في مشيئته ،بين فضله وعدله.
واألن ""داد"([ ،)]38ال َّ
راد لقض ""ائه وال معقب لحكمه وال ([)]37
وهو متع ""ال عن األض ""داد"
غالب ألمره ،آمنا بذلك" كله وأيقنَّا أن كال من عنده.
([)]39
وأن محمدا عبده المصطفى ونبيه المجتبى ورسوله المرتضى
وأنه خاتم األنبياء([ ،)]40وإمام األتقياء.
وسيد المرسلين([ ،)]41وحبيب رب العالمين".
وكل دعوى النب"وة بع"ده فغي وه"وى([)]42وهو المبع"وث إلى عامة الجن وكافة ال"ورى،
بالحق والهدى ،وبالنور والضياء.
وإن القرآن كالم اهلل([،)]43
([)]44
منه بدا
بال كيفية([ )]45قوال([،)]46
([)]47
وأنزله على رسوله وحيا
وصدقه المؤمنون على ذلك حقا "،وأيقنوا أنه كالم اهلل تع""الى بالحقيق""ة ،ليس بمخل""وق
([)]48
ككالم البرية"
فمن سمعه فزعم أنه كالم البشر فقد كف""ر ،وقد ذمه اهلل وعابه وأوع""ده بس""قر ،حيث
ق ""ال تع ""الى (سأص ""ليه س ""قر) فلما أوعد اهلل بس ""قر لمن ق ""ال (إن ه ""ذا إال ق ""ول البش ""ر)
([)]49
علمنا وأيقنا" أنه قول خالق البشر ،وال يشبه قول البشر
([)]50
ومن وصف اهلل بمعنى من معاني البشر فقد كفر
([
فمن أبصر ه"ذا اعت"بر ،وعن مثل ق"ول الكف"ار انزج"ر "،وعلم أنه بص"فاته ليس كالبشر.
)]51
([)]53
والرؤية([ )]52حق ألهل الجنة
([)]54
بغير إحاطة وال كيفية
([
كما نطق به كت" " " ""اب ربن" " " ""ا(وج" " " ""وه يومئذ ناض" " " ""رة[ ]22إلى ربها ن" " " ""اظرة[)]23
)]55وتفس" " ""يره على ما أراده اهلل تع" " ""الى وعلم" " ""ه ،وكل ما ج" " ""اء في ذلك من الح" " ""ديث
الص"""حيح عن الرس"""ول" ص"""لى اهلل عليه وس"""لم فهو كما ق"""ال ،ومعن"""اه على ما أراد ،ال
ن" ""دخل" في ذلك مت " ""أولين بآرائنا وال مت" ""وهمين بأهوائن " ""ا ،فإنه ما س" ""لم في دينه إال من
([
س"لّم هلل عز وجل ولرس""وله ص""لى اهلل عليه وس""لم ،ورد علم ما اش""تبه عليه إلى عالمه
)]56
وال تثبت قدم اإلسالم إال على ظهر التس""ليم واالستس""الم ،فمن رام علم ما حظر
عنه علم" " ""ه ،ولم يقنع بالتس" " ""ليم فهم" " ""ه ،حجبه مرامه" عن خ" " ""الص التوحي" " ""د ،وص" " ""افي
المعرف"""ة ،وص"""حيح اإليم"""ان ،فيتذب"""ذب" بين الكفر واإليم"""ان ،والتص"""ديق" والتك"""ذيب،
واإلقرار واإلنكار "،موسوسا تائها ،شاكا ال مؤمنا مصدقا وال جاحدا" مكذبا".
وال يصح اإليم " ""ان بالرؤية ألهل دار الس " ""الم لمن اعتبرها منهم ب " ""وهم([ ،)]57أو
تأولها بفهم"([ ،)]58إذ ك" ""ان تأويل" الرؤية وتأويل" كل مع" ""نى يض" ""اف إلى الربوبية" ب" ""ترك
زل ولم
التأويل ولزوم التس""ليم ،وعليه دين المس""لمين ،ومن لم يت""وق النفي" والتش""بيهّ ،
يصب التنزي " ""ه ،ف " ""إن ربنا جل وعال موص " ""وف بص " ""فات" الوحداني " ""ة "،منع " ""وت بنع " ""وت
الفردانية ،ليس في معناه أحد من البرية"
([)]59
([)]61
وتعالى"([ )]60اهلل عن الحدود والغايات
([)]62
واألركان واألعضاء واألدوات"
([)]64
ال تحويه الجهات"([ )]63الست
([)]65
كسائر المبتدعات
والمع""راج حق([ ،)]66وقد أُس""ري([ )]67ب""النبي" ص""لى اهلل عليه وس""لم بشخصه([ )]68في
اليقظة إلى السماء([ ،)]69ثم إلى حيث ش"اء اهلل من العال ،وأكرمه اهلل بما ش"اء ،وأوحى
([)]70
إليه ما أوحى(ما كذب الفؤاد ما رأى) فصلى اهلل عليه وسلم في اآلخرة" واألولى
([)]71
والحوض الذي أكرمه اهلل تعالى به غياثا ألمته حق
والشفاعة([ )]72التي ادخرها لهم
حق([ ،)]73كما روي في األخبار"([.)]74
والميثاق الذي أخذه اهلل تعالى من آدم وذريته حق([.)]75
وقد علم اهلل تع ""الى فيما لم ي ""زل ع ""دد من ي ""دخل" الجن ""ة ،وع ""دد من ي ""دخل الن ""ار
جملة واحدة "،فال يزاد في ذلك العدد وال ينقص منه.
وكذلك أفعالهم" فيما علم منهم أن يفعلوه ،وكل ميسر لما خلق له([،)]76
واألعمال بالخواتيم([ ،)]77والسعيد من سعد بقضاء اهلل ،والشقي" من شقي" بقضاء
اهلل([.)]78
وأصل الق ""در سر اهلل تع ""الى في خلق ""ه ،لم يطلع على ذلك ملك مق ""رب وال ن ""بي
مرس ""ل "،والتعمق والنظر في ذلك ذريعة للخ ""ذالن ،وس ""لم للحرم ""ان ودرجة الطغي ""ان،
فالح""ذر كل الح""ذر من ذلك نظ""را وفك""را ووسوس""ة ،ف""إن اهلل تع""الى ط""وى علم الق""در
"ل َو ُه ْم
َل َع َّما َي ْف َع" " ُ
عن أنام" ""ه "،ونه" ""اهم عن مرام" ""ه "،كما ق" ""ال تع" ""الى في كتابه ال يُ ْس " "أ ُ"
رد حكم الكت"""اب" ك"""ان من رد حكم" الكت"""اب ومن َّ يُ ْس ""أَلون .فمن س"""أل" لم فعل فقد َّ
الكافرين"([.)]79
فه " ""ذا جملة ما يحت " ""اج إليه من هو من " ""ور قلبه من أولي " ""اء اهلل تع " ""الى ،وهي درجة
الراس" " " ""خين في العلم ،ألن العلم علم" " " ""ان ،علم في الخلق موج" " " ""ود ،وعلم في الخلق
مفقود.فإنكار العلم الموجود كف""ر ،وادع""اء العلم المفق""ود كف""ر ،وال يثبت اإليم""ان إال
بقبول العلم" الموجود وترك طلب العلم" المفقود.
ونؤمن ب"اللوح والقلم" وبجميع ما فيه قد رقم([ ،)]80فلو اجتمع الخلق كلهم على
ش""يء لم يكتبه اهلل تع""الى فيه ليجعل""وه كائنا لم يق""دروا علي""ه ،جف القلم بما هو ك""ائن
إلى يوم القيامة ،وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه ،وما أصابه لم يكن ليخطئه.
وعلى العبد أن يعلم أن اهلل قد س""بق في كل ك""ائن من خلق""ه ،فق""در ذلك تق""ديرا"
محكما مبرما ،ليس فيه ناقض وال معقب ،وال مزيل وال مغير .وال ناقص وال زائد من
خلقه في س " " ""ماواته وأرض " " ""ه ،وذلك من عقد اإليم " " ""ان وأص" " ""ول المعرفة واالع " " ""تراف
بتوحيد اهلل تعالى وبربوبيت""ه ،كما ق"ال تع"الى في كتاب"ه(وخلق" كل ش"يء فق""دره تق""ديرا)"
[الفرقان ،]2:وقال تعالى(وكان أمر اهلل قدرا مقدورا)[األحزاب.]38:
فويل لمن ص ""ار هلل تع ""الى في الق ""در خص ""يما ،وأحضر للنظر فيه قلبا س ""قيما ،لقد
التمس بوهمه في فحص الغيب سرا كتيما ،وعاد بما قال فيه أفاكا أثيما.
([)]81
والعرش
والكرسي([ )]82حق ،وهو مستغن عن العرش" وما دونه ،محيط بكل شيء وفوق""ه،
وقد أعجز عن اإلحاطة خلقه.
ونق" " ""ول إن اهلل اتخذ إب" " ""راهيم خليال وكلم موسى تكليما([ ،)]83إيمانا وتص" " ""ديقا"
وتسليما.
ون ""ؤمن ب ""النبيين والكتب المنزلة على المرس ""لين "،ونش ""هد أنهم ك ""انوا على الحق
المبين.
ونس " ""مي أهل قبلتنا مس " ""لمين مؤم " ""نين ما دام " ""وا بما ج " ""اء به الن " ""بي عليه الص " ""الة
والسالم معترفين ،وله بكل ما قال وأخبر مصدقين غير مكذبين([.)]84
وال نخوض في اهلل ،وال نماري في دين اهلل تع""الى "،وال نج""ادل في الق""رآن ونعلم
أنه كالم رب الع""المين "،ن""زل به ال""روح األمين" فعلمه س""يد المرس""لين محم""دا ص""لى اهلل
عليه وعلى آله وص " " " " ""حبه أجمعين ،وكالم اهلل تع " " " " ""الى" ال يس " " " " ""اويه" ش " " " " ""يء من كالم
المخلوقين.
وال نقول بخلق القرآن وال نخالف جماعة المسلمين.
وال نقول ال يضر مع اإلسالم ذنب لمن عمله([.)]85
ونرجو للمحسنين من المؤمنين ،وال ن"أمن" عليهم وال نش""هد لهم بالجنة ونس"تغفر"
لمس ""يئهم وس ""بيل الحق عليهم وال نقنطهم واألمن واإلي ""اس ينقالن عن المل ""ة ،وس ""بيل
الحق بينهما ألهل القبلة([.)]86
وال يخرج العبد" من اإليمان إال بجحود ما أدخله" فيه([.)]87
واإليم""ان هو اإلق""رار باللس""ان" والتص""ديق" بالجن""ان([ )]88وأن جميع ما أن""زل" اهلل في
القرآن وجميع ما صح عن النبي صلى اهلل عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق.
واإليمان واحد وأهله في أصله سواء ،والتفاضل بينهم بالتقوى ومخالفة" الهوى.
والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن "،وأكرمهم وأطوعهم وأتبعهم" للقرآن([.)]89
واإليم " " ""ان هو اإليم " " ""ان باهلل ومالئكته وكتبه ورس " " ""له والي " " ""وم اآلخر والبعث بعد
الموت والقدر خيره وشره حلوه ومره من اهلل تعالى.
ونحن مؤمن""ون ب""ذلك" كل""ه ،وال نف""رق بين أحد من رس""له ،ونص""دقهم كلهم على
ما جاءوا به.
وأهل الكب"ائر من أمة محمد في الن""ار ال يخل""دون إذا م"اتوا وهم موح""دون وإن
لم يكون""وا ت""ائبين ،بعد أن لق""وا اهلل ع""ارفين مؤم""نين([ ،)]90وهم في مش""يئة اهلل وحكمه
إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله كما قال اهلل تع""الى" في كتابه العزيزإن اهلل ال يغفر
أن يش" ""رك به ويغفر" ما دون ذلك لمن يش" ""اء)] ([91وإن ش" ""اء ع" ""ذبهم بق" ""در جن" ""ايتهم
بعدله "،ثم يخرجهم" منها برحمته وشفاعة الش"افعين من أهل طاعت"ه ،ثم يبعثه إلى جنت"ه،
وذلك بأن اهلل مولى أهل المعرفته ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرت""ه "،ال""ذين" خ""ابوا
من هديته" ولم ينالوا من واليته([.)]92
سكنا باإلسالم حتى نلقاك به.
ولي اإلسالم وأهله َم ِّ
اللهم يا َّ
ون ""رى الص ""الة خلف كل بر وف ""اجر من أهل القبلة([ ،)]93ونص ""لي على من م ""ات
منهم ،وال ن""نزل أح""دا" منهم جنة وال ن""ارا ،وال نش""هد عليهم بكفر وال ش""رك وال نف""اق
ما لم يظهر منهم من ذلك شيء ،ونذر سرائرهم" إلى اهلل تعالى".
وال نرى السيف على أحد من أمة محمد إال من وجب عليه السيف([.)]94
وال ن ""رى الخ ""روج على أئمتنا ووالة أمورنا وإن ج ""اروا([ )]95وال ن ""دعو على أحد
منهم ،وال ن " ""نزع ي " ""دا من ط " ""اعتهم ون " ""رى ط " ""اعتهم من طاعة فريضة ما لم ي " ""أمروا
بمعصية وندعو لهم بالصالح والنجاح والمعافاة"([.)]96
ونتبع الس""نة والجماعة ونجتنب الش""ذوذ والخالف والفرق""ة ،ونحب أهل الع""دل"
واألمانة" ونبغض أهل الجور والخيانة.
ونقول اهلل أعلم فيما اشتبه علينا علمه([.)]97
ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر ،كما جاء في األثر([.)]98
والحج والجه " " ""اد فرض " " ""ان ماض " " ""يان مع أولي األمر" من أئمة المس " " ""لمين ب " " ""رهم"
وفاجرهم ال يبطلهما شيء وال ينقضهما([.)]99
ونؤمن بالكرام الكاتبين" وأن اهلل قد جعلهم حافظين([.)]100
ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين"([.)]101
وبع ""ذاب الق ""بر لمن ك ""ان له أهال وبس ""ؤال منكر ونك ""ير للميت في ق ""بره عن ربه
ودينه ونبيه ،على ما جاءت به األخبار" عن رسول اهلل وعن الصحابة رضي اهلل عنهم
أجمعين([.)]102
والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار([.)]103
ونؤمن بالبعث وبجزاء األعمال يوم القيامة ،والعرض والحس""اب" وق""راءة الكت""اب
والثواب والعقاب" والصراط([.)]104
والشر والطاعة والمعصية([.)]105
ِّ والميزان يوزن به أعمال المؤمنين من الخير
والجنة والنار مخلوقتان ال يفنيان وال يبيدان.
وإن اهلل خلق الجنة والنار وخلق لهما أهال ،فمن شاء إلى الجنة أدخله" فضال منه
ومن ش""اء منهم إلى الن""ار أدخله ع""دال من""ه .وكل يعمل لما قد ف""رغ منه وص""ائر إلى ما
خلق له .والخير والشر مقدران على العباد".
واالس " ""تطاعة" ال " ""تي يجب بها الفعل من نحو التوفيق ال" " ""ذي ال يج " ""وز أن يوصف
المخل" " " ""وق به فهي مع الفع" " " ""ل ،وأما االس" " " ""تطاعة من جهة الص" " " ""حة والوسع والتمكن
وسالمة اآلالت" فهي قبل الفعل" وبها يتعلق الخطاب وهو كما قال اهلل تع""الى(ال يكلف
اهلل نفسا إال وسعها).
وأفعال العباد" خلق هلل وكسب من العباد([.)]106
ولم يكلفهم" اهلل تع" " ""الى" إال ما يطيق" " ""ون وال يطيق" " ""ون إال ما كلفهم([ ،)]107وهو
تفسير (ال حول وال قوة إال باهلل) نق""ول ال حيلة ألحد" وال حركة وال تح""ول ألحد عن
معص" " " " ""ية اهلل إال بمعونة اهلل ،وال ق" " " " ""وة ألحد على إقامة طاعة اهلل والثب" " " " ""ات" عليها إال
بتوفيق اهلل.
وكل ش " ""يء يج " ""ري بمش " ""يئة اهلل تع " ""الى" وعلمه وقض " ""ائه وق " ""دره ،غلبت مش " ""يئته
المشيئات كلها ،وغلب قضاؤه الحيل كلها ،يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أب""دا(تق""دس
وح ْي ٍن([ ،)]108وت" " ""نزه عن كل عيب وش" " ""ين)(ال يس" " ""أل عما يفعل وهم
عن كل س" " ""وء َ
يسألون)([.)]109
وفي دعاء األحياء" وصدقاتهم" منفعة لألموات([.)]110
واهلل تع""الى يس""تجيب ال""دعوات ،ويقضي الحاج""ات([ ،)]111ويملك كل ش""يء وال
يملكه ش ""يء ،وال غ ""نى عن اهلل تع ""الى طرفة عين ،ومن اس ""تغنى عن اهلل طرفة عين فقد
الح ْي ِن([.)]112
كفر وصار من أهل َ
واهلل يغضب ويرضى ،ال كأحد من الورى.
ونحب أصحاب رسول اهلل صلى اهلل علي وسلم ،وال نف""رط في حب أحد منهم،
وال نت ""برأ من أحد منهم ،ونبغض من يبغض ""هم ،وبغ ""ير الخ ""ير ي ""ذكرهم "،وبغض ""هم كفر
ونفاق وطغيان.
ونثبت الخالفة بعد رس" " ""ول اهلل ص" " ""لى اهلل عليه وس " " ""لم أوال ألبي بكر الص " " ""ديق
رضي اهلل عنه تفض " ""يال له وتق " ""ديما" على جميع األم " ""ة "،ثم لعمر بن الخط " ""اب رضي اهلل
عن ""ه ،ثم لعثم ""ان بن عف ""ان رضي اهلل عن ""ه ،ثم لعلي بن أبي ط ""الب رضي اهلل عن ""ه ،وهم
الخلفاء الراشدون واألئمة المهديون.
وأن العش" ""رة" ال" ""ذين" س" ""ماهم" رس" ""ول اهلل ص" ""لى اهلل عليه وس" ""لم وبش" ""رهم" بالجنة
نش " ""هد لهم بالجنة على ما ش " ""هد لهم رس " ""ول اهلل ص " ""لى اهلل عليه وس " ""لم ،وقوله الحق
وهم :أبو بكر ،وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير" وسعد ،وس""عيد وعبد ال""رحمن" بن
عوف ،وأبو عبيدة بن الجراح وهو أمين هذه األمة "،رضي اهلل عنهم أجمعين.
"ول في أص" " ""حاب رس" " ""ول اهلل ص" " ""لى اهلل عليه وس" " ""لم وأزواجه"
س " " " َن الق" " " َ
َح َ
وم ْن أ ْ
َ
الطاهرات من كل دنس ،وذرياته" المقدسي" من كل رجس ،فقد برئ من النفاق.
وعلم""اء الس""لف من الس""ابقين" ومن بع""دهم من الت""ابعين" أهل الخ""ير واألث""ر "،وأهل
الفقه والنظر ال يُ ْذ َك ُرو َن إال بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل.
وال نفضل أح"""دا من األولي"""اء على أحد من األنبي"""اء عليهم الس"""الم ،ونق"""ول ن"""بي
واحد أفضل من جميع األولياء".
ونؤمن بما جاء من كراماتهم" وصح عن الثقات من رواياتهم".
ون""ؤمن بأش""راط الس ""اعة من خ ""روج ال ""دجال ([)]113ون ""زول عيسى ابن م ""ريم عليه
الس " ""الم من الس " ""ماء ،ون " ""ؤمن بطل " ""وع الش " ""مس من مغربها وخ " ""روج دابة" األرض من
موضعها([.)]114
وال نص""دق كاهنا وال عرافا([ ،)]115وال من ي""دعي ش""يئا يخ""الف الكت""اب والس""نة
وإجماع األمة".
ون""رى الجماعة حقا وص""وابا وال ُفرقة" زيغا وع""ذابا "،ودين اهلل في األرض والس""ماء
واح " " ""د ،وهو دين اإلس " " ""الم ،ق " " ""ال اهلل ت " " ""اعلى(إن ال " " ""دين" عند اهلل اإلس " " ""الم) وق " " ""ال
تع""الى(ورض""يت لكم اإلس""الم دين""ا) وهو بين الغلو والتقص""ير ،وبين التش""بيه والتعطي""ل،
وبين الج ""بر والق ""در ،وبين األمن والي ""أس ،فه ""ذا ديننا واعتقادنا" ظ ""اهرا وباطن ""ا ،ونحن
برءاء إلى اهلل من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه.
ونس" ""أل" اهلل تع" ""الى أن يثيبنا على اإليم" ""ان ،ويختم لنا ب" ""ه ،ويعص" ""منا من األه" ""واء
المختلف" " ""ة ،واآلراء المتفرق" " ""ة ،والم" " ""ذاهب الردية" مثل المش" " ""بهة والمعتزلة والجهمية
والجبرية والقدرية" وغ" ""يرهم من ال" ""ذين خ" ""الفوا الس" ""نة والجماع"""ة ،وح"""الفوا" الض"""اللة،
ونحن منهم برءاء وهم عندنا ضالل وأردياء ،وباهلل العصمة والتوفيق.
([ )]1يشري رمحه اهلل تع اىل بقوله ه ذا إىل ما وقر يف قلبه من اعتق اد راس خ،
فكل ما سيذكره على القرطاس فهو حاضر يف قلبه وعقله ،فاإلشارة إمنا تكون إىل ذلك.
ولذلك قال بعض العلماء احملققني إن اإلشارة قد تكون إىل موجود يف اخلارج ،أو موجود
يف الذهن .فالذي أشار إليه اإلمام الطحاوي موجود يف عقله ونفسه .هذا وجيوز أن يكون
اإلمام الطحاوي قد كتب هذه املقدمة بعد كتابته وتقريره مجلة العقائد املسطورة ،فلذلك
أش ار إليها بقوله ه ذا ،وه ذا االحتم ال وإن ك ان ج ائزا عقال إال إنه ليس موافقا ملا ك ان
عليه اإلمام الطحاوي من عظيم املكانة ،وكبري العلم ،ومن كان كذلك فإمنا يناسبه القول
بأن العقائد حاضرة يف نفسه كما قلناه قبال.
([ )]2الذكر قد يكون لسانيا وقد يكون قلبيا ونفسيا .واإلشارة قد تكون
إىل ما هو موج ود خارجا وقد تك ون إىل ما هو موج ود يف النفس .وال ذكر إذا قصد به
اللساين فاألرجح أن تكون اإلشارة خارجية ،وجيوز أن تكون قلبية بتنزيل ما هو يف القلب
يف اخلارج ،وعلى هذا فاإلشارة اخلارجية إىل ما هو يف النفس تكون جمازا باعتبار وجوده
يف اخلارج .وإن كانت اإلشارة إىل ما هو يف النفس فاملراد بالذكر النفسي.
وعلى كل األح وال فاملس تفاد من ذلك كله وج وب أن يك ون املذكور مش ارا إلي ه،
واإلشارة كما هو معلوم ال تتعلق إال مبا هو معلوم مو ّكد ويقيين ،فالواجب أن تكون هذه
العقائد معلومة ويقينية إذن.
([ )]3قوله "بي ان" يعين تفص يل ،ألن البي ان ال يك ون جممال ،واجململ هنا
مبعىن الكالم الذي ال يعرف مدلوله ،أو الكالم الذي ال يكفي لبناء العمل من نفي وإثبات
عليه ،فهو حيتاج إىل غريه لبيانه .فما يذكره اإلمام الطحاوي هنا هو بيان مبعىن أنه يكفي
املرء إذا اعتق ده ،فما نف اه فهو منفي ،وما أثبته فهو مثبت .وال جيوز أن يق ول قائل إن ما
أطلق اإلمام الطحاوي نفيه فرمبا يكون ثابتا من وجه ،أي إن ما ينفيه الطحاوي بإطالق ال
جيوز نفيه ب إطالق ،بل جيب فيه التفص يل وبي ان املع اين احملتملة في ه ،فما ك ان منه مقب وال
فقبل وما كان منها منفيا فينفى .هذا القول وهذه الطريقة ال جيوز أن تقال هنا ،ألن هذا
ينايف البيان أي التفصيل الذي يصف الطحاوي فيه عقيدته .وهذا الكالم يشكل اعرتاضا
عليه من القائ به ،ال شرحا لكتابه .فافهم.
([ )]4العقيدة هي ما يعتقد لذاته ،والعقد هو الربط ،فالنفس تكون مربوطة
هبذه العقائد ربطا أكيدا ال انفكاك له وال احنالل .وهذا الربط يكون منظورا إىل حصوله
لذاته ال من حيث كونه ش رطا للعمل فق ط .بل ولو مل يكن العمل واجب ا ،ف إن العقي دة
مطلوبة .فالعقيدة هي األساس.
ق ال العالمة العضد يف املواقف مع الش رح للش ريف اجلرج اين((":)1/38واملراد
بالعقائد ما يقصد به نفس االعتقاد دون العمل)فإن األحكام املأخوذة من الشرع قسمان،
أحدمها :ما يقصد به نفس االعتقاد كقولنا اهلل تعاىل عامل قادر مسيع بصري ،وهذه تسمى
دون علم الكالم حلفظها .والثاين ما يقصد به العمل كقولنا اعتقادية وأصلية وعقائد ،وقد ِّ
الوتر واجب والزكاة فريضة وهذه تسمى عملية وفرعية وأحكاما ظاهرية ،وقد دون علم
الفقه هلا".اهـ
ففي ه ذه الفق رة يوضح الس يد الش ريف غاية علم الكالم ومفه وم العقائ د .وقد نص
على ذلك غريه من احملققني.
وقد يفهم بعض الن اس من ذلك أن العقائد ال ينبين عليها العم ل ،وه ذا الفهم باط ل،
بل إن العمل ال يصح إال عليها ،ولكن املفهوم مما قلناه هو أن العقائد مقصودة لذاهتا وإن
مل ي ِرد املعتقد أن يعمل الواجب ات الش رعية ،فع دم فعله ل ذلك ال يعفيه من ل زوم اعتق اد
للعقائد اإلميانية .فهذا هو املقصود من قوهلم أن العقائد مقصودة لذاهتا.
([ )]5أهل معناها أص حاب .والس نة هي ما ورد عن الرس ول عليه الص الة
والسالم من أقوال وأفعال وتقريرات ويتضمن ذلك ما ورد عنه عليه الصالة والسالم من
عقائد ،أصلية وفرعية .واجلماعة هم أصحاب الرسول عليه السالم الذين ماتوا ومل خيالفوا
ما عليه النيب صلى اهلل عليه وسلم.
فاملقص ود بأهل الس نة واجلماعة هم ال ذين نص روا الس نة واتبع وا اجلماع ة ،فيما م َّر.
وهلذا مسوا بأهل السنة واجلماعة.
وال ذي عليه العلم اء أن أهل الس نة ليس وا جمس مة وال مش بهة ،وال ي دخل جمسم وال
مش به يف أهل الس نة .ول ذلك ف إن كث ريا من احلنابلة ال ي دخلون يف أهل الس نة ،وك ذلك
الكرامية فهم قطعا ليسوا من أهل السنة ،بل إن بعض فرق احلنابلة أوىل باخلروج من أهل
السنة من فرق الكرامية .واعلم أن احلنابلة أيضا افرتقوا إىل فرق عديدة يف ذات اهلل تعاىل،
فمنهم املنزهون مثل اإلمام أمحد بن حنبل واإلمام ابن عقيل واإلمام ابن اجلوزي وكثري من
املت أخرين ،ومنهم جمس مة كأمث ال القاضي أيب يعلى وابن قدامة املقدسي وابن الزاغ وين
درج معهم ابن كثري وال ذهيب مع أهنما ليسا من وابن تيمية وابن قيم اجلوزي ة ،وميكن أن يُ َ
احلنابلة يف الفقه ،وجتد كالمهم غري صريح يف التجسيم ولكن اخلبري يعرف مرادهم ،وإمنا
مل يص رحوا ب ذلك لع دم متكنهم يف ه ذا الب اب ،وأيضا الختالطهم بكب ار علم اء الس ادة
األشاعرة أهل السنة.
وأما املالكية فقليل منهم جمس م ،وك ذلك األحن اف ولكن يوجد يف ه ؤالء معتزل ة،
وأما الشافعية فيوجد فيهم معتزلة وجمسمة ،ولكن نسبتهم قليلة حمصورة ،وغالبهم من أهل
السنة األشاعرة ،وهلل احلمد.
وقد يسأىل بعض الناس فيقولون :ومىت بدأت طائفة أهل السنة يف الظهور ،والتحقيق
يف اجلواب أن أهل الس نة موج ودون منذ ك ان الرس ول عليه الس الم موج ودا ،بل إهنم
موجودون منذ ظهور اإلسالم ،ألهنم هم القائلون بالعقائد الصحيحة ،والفهم التام للدين.
هذا من حيث احلقيقة وأما التسمية فككل التسميات فإهنا ظهرت هبذا الوضح متأخرة ،يف
زمان التابعني .واهلل تعاىل أعلم.
ب ذهابا وم ذهبا ،مث ذه ُبي َ ذه َ
([ )]6املذهب اسم مك ان يف األصل من َ
اس تعري للطريقة الطريقة اليت حتت وي على األدلة واألس اليب يف تقرير املف اهيم .فاإلم ام أبو
حنيفة له طريقة خاصة يف تقرير وت دعيم العقائد والفقه ويف بياهنا لعامة الن اس .فاإلم ام
الطح اوي ينص هنا على أنه يسري يف توض يح العقائد على الطريقة اليت اتبعها اإلم ام أبو
حنيفة وصاحباه اللذان مسامها.
واعلم أن اإلم ام أبا حنيفة له طريقة خاص ة ،ال يس تلزم أن له عقائد خمتلفة كليا عن
غ ريه من أئمة أهل الس نة ،بل يعين أنه رمبا خيالفهم يف بعض األس اليب ورمبا بعض
األحكام ،كما سوف نوضحه يف موضعه أثناء تعليقنا على هذا املنت اجلليل.
أما املس ائل األص ول فال يوجد خالف فيها بني أيب حنيفة وبني غ ريه من أئمة الس نة،
وهلل تعاىل احلمد .فتوجد طرق أخرى لتوضيح العقائد عند أهل السنة غري طريقة اإلمام أيب
حنيفة رضي اهلل تع اىل عن ه ،وذلك مثل طريقة اإلم ام أيب احلسن األش عري ،واحلارث
احملاسيب ،وعبداهلل بن أيب كالب ،وغريهم كثري ،وهؤالء حبمد اهلل مل خيتلفوا يف أصول ،بل
كان جل اختالفاهتم يف بعض فروع العقائد.
([ )]7امللة هنا مبعىن ال دين .فه والء الفقه اء ال ذين مساهم اإلم ام الطح اوي
من أعظم فقهاء الدين .وال يعين ذلك أنه ال يوجد غريهم فقيه ،بل هؤالء هم الذين اتبع
الطحاوي طريقتهم يف ذلك.
([ )]8األص ول مجع أص ل ،وهو ما يبىن عليه غ ريه ،أو ما يتف رع عنه غ ريه.
وأصول الدين اعتاد العلماء أن يطلقوا هذا االسم على العقائد ،سواءا ما كان منها ثابتا
على س بيل القطع أم على س بيل الظن ،أقصد ما مل حيتمل اخلالف فيه وما احتمل ه .وعلى
ه ذا االص طالح مشى اإلم ام أبو جعفر الطح اوي ،فإنه يقصد مبس ائل األص ول املس ائل
العقائدي ة ،كما تراها أيها الق ارئ يف ه ذا املنت .وأنت تعلم أن من ه ذه املس ائل ما ج رى
فيه اخلالف بني أهل السنة ،كما سنعلمك يف حمله.
فالطح اوي يقصد باألص ول الدينية ما ك ان منها مطلوبا االعتق اد به لذات ه ،كما
س ردناه ل ك ،وهو مص طلح العقائ د ،ومل يف رق بني ما ك ان منه حيتمل اخلالف وما مل
حيتمل ه .ومل يف رق ك ذلك بني ما كفر خمالفه وما مل يكف ر ،فلم جيعل التكفري قي دا ملس ائل
األصول ،وعدم التكفري قيدا ملسائل الفروع ،بل اعترب الفروع هي املسائل العملية مطلقا،
واألصول هي املسائل العقائدية.
فأصول الدين إذن عند اإلمام الطحاوي ترادف العقائد والفروع ترادف العمليات.
ولكن يش كل على إدراجه مس ألة املسح على اخلفني وغريها يف ه ذا املنت وال خالف
يف أن هذه املسائل من مسائل الفروع .فاجلواب:إنه الحظ يف إدراجه هذه املسائل يف هذا
املنت جانب وجوب االعتقاد جبواز املسح ،ال جواز العمل باملسح .ومعلوم أن األول يكفر
من خيالفه ،باعتبار أن الدليل القطعي قائم عليه ،وأما اجلانب الثاين فال يكفر من ال يعمل
به ،لكونه من الفروع مطلقا .وبذلك جياب على غريها من املسائل.واهلل تعاىل أعلم.
وميكن أن يق ال إن مص طلح األص ول ي دخل فيه كل ما ك ان مقطوعا ب ه ،ال حيتمل
اخلالف ،أو أن اخلالف فيه ال يلتفت إليه البتنائه على جمرد ش بهة ،وأما الف روع فبخالف ه.
وعلى هذا فإدخال الطحاوي مسألة اخلف جائز ومطرد مع هذا االصطالح .فتأمل.
وميكن أن تق ول إن مص طلح األص ول إذا أطلق ي دخل فيه أص ول العقائ د ،وأص ول
الفقه ،أي املسائل األصول من الفقه .وعلى هذا فإذا قيل "أصول الدين" فباعتبار أن الدين
شامل للعقائد والفقه ،فإنه يدخل فيه األصليات من العلمني.وبالتايل فيجوز إدراجهما يف
فن واحد.
([ )]9ال رب :معن اه يف اللغة كما نقله اإلم ام الط ربي يف تفس ريه (
":)1/47وأما تأويل قوله رب ف إن ال رب يف كالم الع رب متص رف على مع ان ،فالس يد
املطاع فيهم يدعى ربا ،ومن ذلك قول لبيد بن ربيعة
رب كندة وابنه ورب معد بني خبت وعرعر
وأهلكن يوما َّ
يعين رب كندة سيد كندة ،ومنه قول نابغة بين ذبيان
ختب إىل النعمان حىت تناله فدى لك من رب تليدي وطاريف
والرجل املصلح للشيء يدعى ربا ،ومنه قول الفرزدق بن غالب
كانوا كسالئة محقاء إذ حقنت سالءها يف أدمي غري مربوب
يعين ب ذلك يف أدمي غري مص لح .ومن ذلك قي ل :إن فالنا ي رب ص نيعته عند فالن إذا
كان حياول إصالحها وإدامتها.
مث قال :واملالك للشيء يدعى ربه.
وقد يتصرف أيضا يف وجوه غري ذلك غري أهنا تعود إىل بعض هذه الوجوه الثالثة".اهـ
إذن ،يتحصل من ذلك أن املع اين الثالثة لكلمة ال رب يف اللغة هي الس يد املط اع،
واملصلح للشيء،واملالك للشيء .وهي الثالثة اليت ذكرها اإلمام الطربي يف تفسريه.
وبن اء على نفس املع اين ق ال اإلم ام العالمة البيض اوي يف تفس ريه مع حاش ية الش يخ
زادة()1/32أيض ا ":ال رب يف األصل مص در مبعىن الرتبي ة ،وهي تبليغ الش يء إىل كماله
رب،
ف به للمبالغة ،كالصوم والعدل .وقيل هو نعت من َربَّه َيَربُّـه فهو ٌّ ِ
شيئا فشيئا مث ُوص َ
كقول منَّ ينُ ُّم فهو مَنٌّ .مث مسي به املالك ألنه حيفظ ما ميلكه ويربيه".اهـ
وقال الشيخ زاده يف حاشيته(" :)1/32قال اجلوهري رب فالن ولده يربُّه ربا ورببه
تربيبا مبعىن رب اه تربية املرب وب واملريب .واملص در وإن ك ان معىن حقه أن ال يطلق على
ال ذات إال أنه أطلق ههنا على ال ذات بقصد املبالغة يف اتص افه ب ه ،مثل رجل ص وم ورجل
عدل أي صائم وعادل".اهـ
ولو تأملنا يف هذه املعاين الثالثة املذكورة أعاله لرأينا أهنا ترجع إىل أصل واحد ،وهو
نسبة التصرف املطلق الذي ال يقيده قيد إىل اهلل تعاىل وحده يف تدبري شؤون العاملني.وأنت
تعلم أن هذا املعىن ال جيوز نسبته إىل غري اهلل تعاىل.
واملشركون مل يكونوا ينسبون إىل اهلل تعاىل وحده هذا املعىن ،بل كانوا يشركون معه
غريه .والدليل على ذلك ما قاله تعاىل يف سورة الزمر [أال هلل الدين اخلالص والذين اختذوا
من دونه أولي اء ما نعب دهم إال ليقربونا إىل اهلل زلفى إن اهلل حيكم بينهم يف ما هم فيه
خيتلف ون إن اهلل ال يه دي من هو ك اذب كف ار ( ،])3ففي ه ذه اآلية ي بني اهلل تع اىل أن
املش ركني قد عب دوا غ ريه ،ونس بوا إىل غري اهلل فعال من األفع ال ،وهو التق ريب إىل اهلل.
فهذان أمران اثنان ال جيوز نسبتهما إال إىل اهلل تعاىل .واملشركون قد نسبومها إىل غري اهلل
تعاىل.فكانوا بذلك من املشركني .فإن حاصل معىن اآلية:إن املشركني يقرون أهنم عبدوا
غري اهلل تع اىل ،ولكنهم ي دعون أهنم ما فعل وا ذلك إال ليق رهبم ه ؤالء إليه تع اىل .ف انظر
تعقيب اهلل تع اىل على ق وهلم:فإنه س بحانه وتع اىل قد ك ذهبم يف دع واهم ،وحكم عليهم
بالكفر لفعلهم.
حلي أن ه":أول من
وق ال العالمة احلليب يف س ريته( )1/10أثن اء كالمه عن عم رو بن ّ
أدخل الش رك يف التلبية فإنه ك ان يلىب بتلبية إب راهيم اخلليل عليه الصالة السالم وهي لبيك
اللهم لبيك لبيك ال شريك لك لبيك ،فعند ذلك متثل له الشيطان يف صورة شيخ يليب معه
فلما ق ال عم رو لبيك ال ش ريك لك ق ال له ذلك الش يخ إال ش ريكا هو ل ك ،ف أنكر ذلك
عمرو ،فقال له ذلك الشيخ متلكه وما ملك ،وهذا ال بأس به .فقال ذلك عمرو ،فتبعته
العرب على ذلك .أي فيوحدونه بالتلبية مث يدخلون معه أصنامهم وجيعلون ملكها بيده .
قال تعاىل توبيخا هلم (وما يؤمن أكثرهم باهلل إال وهم مشركون)".اهـ
يف س ورة آل عم ران ،ق ال اهلل تع اىل [قل يا أهل الكت اب تع الوا إىل كلمة س واء بيننا
وبينكم أال نعبد إال اهلل وال نش رك به ش يئا وال يتخذ بعض نا بعضا أربابا من دون اهلل ف إن
تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (])64
ق ال أبو الليث الس مرقندي يف تفس ريه املس مى ببحر العل وم([":)1/275وال يتخذ
بعض نا بعضا أربابا من دون اهلل] ألهنم عب دوا عيسى ربا من دون اهلل ،ويق ال ال يطيع
بعض نا بعضا يف املعص ية كما ق ال":اختذوا أحب ارهم ورهب اهنم أربابا من دون اهلل" أي
أطاعوهم يف املعصية ،ويقال ال يتخذ بعضنا بعضا أربابا كما قالت النصارى إن اهلل ثالث
ثالثة".اهـ
ويف س ورة آل عم ران [ما ك ان لبشر أن يؤتيه اهلل الكت اب واحلكم والنب وة مث يق ول
للن اس كون وا عب ادا يل من دون اهلل ،ولكن كون وا رب انيني مبا كنتم تعلم ون الكت اب ومبا
يأمركم أن تتخذوا املالئكة والنبيني أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ
كنتم تدرسون()79وال َ
أنتم مسلمون (])80
قال السمرقندي( )1/180ربانيني أي متعب دين،وأربابا يعين عيسى وعزيرا واملالئكة
صلوات اهلل عليهم ،ولو أمركم بذلك لكفر ،وتنزع النبوة منه.
ويف سورة التوبة [قاتلوا الذين ال يؤمنون باهلل وال باليوم اآلخر وال حيرمون ما حرم
اهلل ورس وله وال ي دينون دين احلق من ال ذين أوتوا الكت اب حىت يعط وا اجلزية عن يد وهم
ص اغرون ( )29وق الت اليه ود عزير ابن اهلل وق الت النص ارى املس يح ابن اهلل ذلك ق وهلم
ب أفواههم يض اهئون ق ول ال ذين كف روا من قبل ق اتلهم اهلل أىن يؤفك ون ()30اختذوا
أحبارهم ورهباهنم أربابا من دون اهلل واملسيح ابن مرمي وما أمروا إال ليعبدوا إهلا واحدا ال
إله إال هو سبحانه عما يشركون (])31
وروى اإلم ام الرتم ذي ح دثنا احلسني بن يزيد الك ويف ح دثنا عبد الس الم بن ح رب
عن غطيف بن أعني عن مصعب بن سعد عن عدي بن حامت قال أتيت النيب صلى اهلل
عليه وسلم ويف عنقي صليب من ذهب فقال يا عدي اطرح عنك هذا الوثن ومسعته يقرأ
يف سورة براءة { اختذوا أحبارهم ورهباهنم أربابا من دون اهلل } قال أما إهنم مل يكونوا
يعبدوهنم ولكنهم كانوا إذا أحلوا هلم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه قال
أبو عيسى هذا حديث غريب ال نعرفه إال من حديث عبد السالم بن حرب وغطيف بن
أعني ليس مبعروف يف احلديث
وروى الط رباين ح دثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو غس ان مالك بن إمساعيل وابن
األص بهاين ح وح دثنا أبو حصني القاضي ثنا حيىي احلم اين ق الوا ثنا عبد الس الم بن ح رب
أنا غطيف بن أعني من أهل اجلزيرة عن مصعب بن س عد عن عدي بن حامت قال أتيت
النيب صلى اهلل عليه وسلم ويف عنقي صليب من ذهب فقال يا عدي اطرح هذا الوثن
من عنقك فطرحته فانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة فقرأ هذه اآلية { اختذوا أحبارهم
ورهباهنم أربابا من دون اهلل } حىت فرغ منها فقلت انا لسنا نعب دهم فق ال أليس حيرمون
ما أحل اهلل فتحرمونه وحيلون ما حرم اهلل فتستحلونه قلت بلى قال فتلك عبادهتم
ورواه اإلمام البيهقي يف سننه الكربى فقال :حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو غسان
مالك بن إمساعيل وابن األص بهاين ح وح دثنا أبو حصني القاضي ثنا حيىي احلم اين ق الوا ثنا
عبد السالم بن حرب أنا غطيف بن أعني من أهل اجلزيرة عن مصعب بن سعد عن عدي
بن ح امت ق ال أتيت الن يب ص لى اهلل عليه وس لم ويف عنقي ص ليب من ذهب فق ال يا
عدي اطرح هذا الوثن من عنقك فطرحته فانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة فقرأ هذه
اآلية { اختذوا أحب ارهم ورهب اهنم أربابا من دون اهلل } حىت ف رغ منها فقلت انا لس نا
نعبدهم فقال أليس حيرمون ما أحل اهلل فتحرمونه وحيلون ما حرم اهلل فتستحلونه قلت بلى
قال فتلك عبادهتم.
وروى اإلم ام ال بيهقي أيضا يف س ننه الك ربى ق ال :ح دثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو
غس ان مالك بن إمساعيل وابن األص بهاين ح وح دثنا أبو حصني القاضي ثنا حيىي احلم اين
ق الوا ثنا عبد الس الم بن ح رب أنا غطيف بن أعني من أهل اجلزي رة عن مص عب بن س عد
عن عدي بن حامت قال أتيت النيب صلى اهلل عليه وسلم ويف عنقي صليب من ذهب
فقال يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك فطرحته فانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة فقرأ
هذه اآلية { اختذوا أحبارهم ورهباهنم أربابا من دون اهلل } حىت فرغ منها فقلت انا لسنا
نعبدهم فقال أليس حيرمون ما أحل اهلل فتحرمونه وحيلون ما حرم اهلل فتستحلونه قلت بلى
قال فتلك عبادهتم.
فتوحيد الربوبية إذن أعم من أن يكون جمرد الدعاء ،أو جمرد أن يعتقد الواحد بأن اهلل
خ الق هلذا الع امل ،ولو من دون االعتق اد بأنه م دبره حقيقة على ال دوام ،أي إن من اعتقد
أن اهلل هو ال ذي خلق الع امل ،مث اعتقد مع ذلك أن غري اهلل تع اىل له تص رف يف ت دبري
ش ؤون الك ون ،ف إن ه ذا ليس حمققا لتوحيد الربوبية على اإلطالق .وإال لك ان كثري من
املشركني موحدين للربوبية .وهذا باطل مطلقا ،ملا مضى من األدلة الدالة على أن الربوبية
أعم من جمرد ذلك التصور.
ويتحصل من ه ذا أيضا غلط ابن ب از اهلائل يف تعليقاته على العقي دة الطحاوية عن دما
قال يف أقسام التوحيد":القسم األول :توحيد الربوبية وهو توحيد اهلل بأفعاله سبحانه ،وهو
اإلميان بأنه اخلالق ال رازق املدبر ألم ور خلقه املتص رف يف ش ئوهنم يف ال دنيا واآلخ رة ال
شريك له يف ذلك ،كما قال تعاىل(اهلل خالق كل شيء)،وقال سبحانه(إن ربكم اهلل الذي
خلق السموات واألرض يف ستة أيام مث استوى على العرش يدبر األمر)اآلية .وهذا النوع
قد أقر به املش ركون عب اد األوث ان وإن جحد أك ثرهم البعث الونش ور ،ومل ي دخلهم يف
اإلس الم لش ركهم باهلل يف العبادةوعب ادهتم األص نام واألوث ان معهه س بحانه ،وع دم إمياهنم
بالرسول حممد صلى اهلل عليه وسلم".اهـ
فقوله ب أن املش ركني قد حقق وا ه ذا الن وع من التوحي د ،باطل ال شك فيه كما رأينا
باألدلة السابقة ،فهم كانوا مشركني يف توحيد الربوبية ،ولذلك كانوا مشركني يف توحيد
اإلهلية أي العب ادة على حد تعب ريه ،ألن ه ذين الن وعني راجعني إىل أمر واحد على ما هو
التحقي ق ،وكما س رتى .فيس تحيل أن يك ون واحد موح دا توحيد ربوبية ومش ركا يف
العبادة .وما هذا إال ومها تومهه هؤالء الوهابيون مث صدقوا به.
فائدة يف معىن كلمة اإلله ،وأنه ال فرق بني األلوهية والربوبية:
ق ال اهلل تع اىل يف س ورة األع راف[:وإذ أخذ ربك من بين آدم من ظه ورهم ذريتهم
وأش هدهم على أنفس هم ألست ب ربكم ق الوا بلى ش هدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن
هذا غافلني (])172
وقال تعاىل يف سورة األنعام [:وإذ قال إبراهيم ألبيه آزر أتتخذ أصناما آهلة إين أراك
وقومك يف ضالل مبني ( )74وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات واألرض وليكون
من املوق نني ( )75فلما جن عليه الليل رأى كوكبا ق ال ه ذا ريب فلما أفل ق ال ال أحب
اآلفلني ( )76فلما رأى القمر بازغا قال هذا ريب فلما أفل قال لئن مل يهدين ريب ألكونن
من القوم الضالني ( )77فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ريب هذا أكرب فلما أفلت قال يا
ق وم إين ب ريء مما تش ركون ( )78إين وجهت وجهي لل ذي فطر الس ماوات واألرض
حنيفا وما أنا من املش ركني ( )79وحاجه قومه ق ال أحتاجوين يف اهلل وقد ه داين وال
أخ اف ما تش ركون به إال أن يش اء ريب ش يئا وسع ريب كل ش يء علما أفال تت ذكرون (
)80وكيف أخ اف ما أش ركتم وال ختافون أنكم أش ركتم باهلل ما مل ي نزل به عليكم
سلطانا فأي الفريقني أحق باألمن إن كنتم تعلمون (])81
وقال تعاىل يف سورة األنبياء حيكي قصة سيدنا إبراهيم مع قومه[:ولقد آتينا إبراهيم
رش ده من قبل وكنا به ع املني ( )51إذ ق ال ألبيه وقومه ما ه ذه التماثيل اليت أنتم هلا
ع اكفون ( )52ق الوا وج دنا آباءنا هلا عاب دين ( )53ق ال لقد كنتم أنتم وآب اؤكم يف
ض الل م بني ( )54ق الوا أجئتنا ب احلق أم أنت من الالع بني ( )55ق ال بل ربكم رب
السماوات واألرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين (])56
وقال تعاىل يف سورة الشعراء [:فأتيا فرعون فقوال إنا رسول رب العاملني ( )16أن
أرسل معنا بين إسرائيل ( )17قال أمل نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنني ()18
وفعلت فَعلَتك اليت فعلت وأنت من الكافرين ( )19قال فعلتها إذا وأنا من الضالني ()20
فف ررت منكم ملا خفتكم ف وهب يل ريب حكما وجعلين من املرس لني ( )21وتلك نعمة
دت بين إس رائيل ( )22ق ال فرع ون وما رب الع املني ( )23ق ال رب متنها علي أن عبَّ َّ
السماوات واألرض وما بينهما إن كنتم موقنني ( )24قال ملن حوله أال تستمعون ()25
قال ربكم ورب آبائكم األولني ( )26قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم جملنون ()27
ق ال رب املش رق واملغ رب وما بينهما إن كنتم تعقل ون ( )28ق ال لئن اختذت إهلا غ ريي
ألجعلنك من املسجونني (])29
مث قال تعاىل يف آخر القصة [:فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون ()45
فألقي السحرة ساجدين ( )46قالوا آمنا برب العاملني ( )47رب موسى وهارون ()48
قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبريكم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون ألقطعن
أيديكم وأرجلكم من خالف وألصلبنكم أمجعني (])49
وق ال تع اىل يف س ورة القص ص [:وق ال فرع ون يا أيها املأل ما علمت لكم من إله
غ ريي فأوقد يل يا هام ان على الطني فاجعل يل ص رحا لعلي أطلع إىل إله موسى وإين
ألظنه من الكاذبني (])38
وقال تعاىل يف سورة النازعات [:هل أتاك حديث موسى ( )15إذ ناداه ربه بالوادي
املق دس ط وى ( )16اذهب إىل فرع ون إنه طغى ( )17فقل هل لك إىل أن ت زكى ()18
وأهديك إىل ربك فتخشى ( )19فأراه اآلية الكربى ( )20فكذب وعصى ( )21مث أدبر
يس عى ( )22فحشر فن ادى ( )23فق ال أنا ربكم األعلى ( )24فأخ ذه اهلل نك ال اآلخ رة
واألوىل ( )25إن يف ذلك لعربة ملن خيشى (])26
وق ال تع اىل يف س ورة األنع ام [:قل إنين ه داين ريب إىل ص راط مس تقيم دينا قيما ملة
إب راهيم حنيفا وما ك ان من املش ركني ( )161قل إن ص اليت ونس كي وحمي اي وممايت هلل
رب الع املني ( )162ال ش ريك له وب ذلك أم رت وأنا أول املس لمني ( )163قل أغري اهلل
أبغي ربا وهو رب كل ش يء وال تكسب كل نفس إال عليها وال ت زر وازرة وزر أخ رى
مث إىل ربكم مرجعكم فينبئكم مبا كنتم فيه ختتلفون (])164
وق ال تع اىل يف س ورة األع راف [:وإذ أخذ ربك من بين آدم من ظه ورهم ذريتهم
وأش هدهم على أنفس هم ألست ب ربكم ق الوا بلى ش هدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن
هذا غافلني (.])172
ق ال العالمة القض اعي ص":89ف أول ما خ اطب اهلل األرواح ق ال:ألست ب ربكم،
واكتغى منهم ب اإلقرار بوحدانيته يف الربوبي ة ،وأول ما تس أل املوتى يف قبوره ا من رب ك،
واكتفى منهم باإلقرار بأنه رهبم".اهـ
وأيضا ف إن ح ديث س ؤال امللكني يف القرب مش هور فإهنما يق والن للميت:من رب ك؟
وال يقوالن من إهلك؟ فإذا أجاهبما :اهلل ريب .اكتفيا منه يف التوحيد هبذا اجلواب ومل يقوال
له هذا توحيد الربوبية وهو ال ينجيك.
واعلم أن نفس اللوازم اليت ترتتب على صفة الربوبية ترتتب على صفة األلوهية أيضا،
وذلك ألهنما متالزمتان ،قال اهلل تعاىل يف سورة املؤمنون [:ما اختذ اهلل من ولد وما كان
معه من إله إذا لذهب كل إله مبا خلق ولعال بعضهم على بعض سبحان اهلل عما يصفون (
])91ف رتب على تع دد اآلهلة العلو واالختالف ،واالس تقالل يف الت دبري والس لطان.
وكذلك قال اهلل تعاىل يف سورة األنبياء [:لو كان فيهما آهلة إال اهلل لفسدتا فسبحان اهلل
رب الع رش عما يص فون ( ،])22ف رتب اهلل تع اىل وق وع االختالف وفس اد الك ون على
جمرد وج ود أك ثر من إل ه ،وه ذا يعين أن اإلله هو املدبر ،وقد بينا فيما س بق أن ال رب هو
املدبر أيضا ،فإذن يتحصل أن من اعتقد بوجود آهلة غري اهلل ،فإنه يعتقد بوجود أرباب غري
اهلل تعاىل فيستحيل أن يكون موحدا توحيد ربوبية كما يزعم بعض اجلهلة.
ه ذه بعض األدلة اليت ت دل على ع دم االنفك اك بني الربوبية واأللوهي ة ،واس تحالة أن
يؤمن واحد بأن اهلل هو الرب وحده ومع ذلك يعبد غريه ،كما زعمت طائفة الوهابية يف
ه ذا الزم ان ،وكما مر قسم من كالم أحد زعم ائهم وهو ابن ب از مفيت اململكة العربية
السعودية ،وقال أيضا يف تعليقاته على منت الطحاوية":القسم الثاين توحيد العبادة ،ويسمى
توحيد األلوهية وهي العبادة ،وهذا القسم هو الذي أنكره املشركون فيما ذكره اهلل عنهم
سبحانه بقوله (وعجبوا أن جاءهم من ذر منهم وق ال الكافرون ه ذا س احر ك ذاب.أجعل
اآلهلة إهلا واح دا إن ه ذا لشسء عج اب) وأمثاهلا كث ري .وه ذا القسم يتض من إخالص
العبادة هلل وحده ،واإلميان بأنه املستحق هلا ،وأن عبادة ما سواه باطلة ،وهذا هو معىن ال
إله إال اهلل ،فإن معناها ال معبود حق إال اهلل كما قال اهلل عز وجل(:ذلك بأن اهلل هو احلق
وأن ما يدعون من دونه هو الباطل).اهـ
ك ذا ق ال ،واحلقيقة أن ما ذك ره من آي ات هي ت دل على خالف ما يريد إثبات ه ،ف إن
اهلل تع اىل نسب إىل الكف ار أهنم يعتق دون مبجموعة من اآلهلة ،ال بإله واح د ،فهم جيمعون
اآلهلة ،وال يوحدوهنا ،وال يتأتى منهم اجلمع إال بعد إمياهنم بالتماثل ،وكذلك فإهنم أطلقوا
على كل واحد من ه ذه املعب ودات أنه إل ه ،وه ذا يعين أن له نفس خص ائص اإلله اآلخ ر،
وه ذا هو عني الكفر وال ئرك يف الربوبي ة .وأما اآلية األخ رى اليت استش هد هبا فهي أيضا
عليه ال ل ه ،ف إن اهلل تع اىل حيكم على ما ي دعوه ه ؤالء املش ركون ب البطالن ،والبطالن هنا
يعين أنه غري موج ود ،أو أن احلكم ال ذي ينس بونه إليه باط ل ،أي الق ول بأنه إل ه ،وه ذا
النفي يس تلزم أهنم ك انوا يثبت ون أنه إل ه ،وقد م َّر بي ان معىن اإلل ه .وليس املراد بطالن
عبادهتم فقط ،بل إن بطالهنا سببه بطالن إهلية ما يدعونه.
وهبذا يت بني لك أيها الق ارئ أن مجيع ما يس تدل به ه ؤالء معك وس عليهم وهو حجة
عليهم ال هلم ،وأن األدلة القاطعة قد ق امت على بطالن تف ريقهم بني األم رين ،وأن ق وهلم
بأن املشركني كانوا موحدين توحيد ربوبية إمنا هو قول باطل ،ال أساس له يف الدين.
فائدة أخرى يف توحيد األمساء والصفات:
أما الن وع الث الث من أن واع التوحيد ال ذي يق ول به طائفة الوهابية فهو ما يس مى
عندهم بتوحيد األمساء والصفات ،وهو عندهم كما وضحه ابن باز أيضا":اإلميان بكل ما
ورد يف كت اب اهلل العزيز ويف الس نة الص حيحة عن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم من
أمساء اهلل وص فاته وإثباهتا هلل س بحانه على الوجه ال ذي يليق به من غري حتريف وال تعطيل
ومن غري تكييف وال متثي ل..اخل".اهـ .وحاصل هذا النوع من التوحيد عن دهم ،هو إثبات
بعض الصفات واألمساء الواردة إضافتها إىل اهلل تعاىل بنفس معانيها اللغوية احلقيقية إىل اهلل
تع اىل ،وه ذا هو عني التش بيه والتمثيل وإن ك انوا يف رون منه يف اللف ظ .فهم ق ائلون به
مع ىن ،وس وف ن ربهن على ص حة قولنا ه ذا يف أثن اء ش رحنا وتعليقنا على كالم اإلم ام
الطحاوي رمحه اهلل تعاىل.
([ )]10كلمة اهلل ت دل على ال واجب الوج ود ،املنف رد بالكم ال ،احملت اج إليه
كل ما ع داه ،املس تغين عن كل ما س واه .وهي ال تطلق إال على اهلل الواح د .وقولنا اهلل ال
ش ريك له ت دل حقيقتها على نفي كل ما س وى اهلل تع اىل من اآلهلة املدعاة ،واألرب اب
املفرتاة .وال حنتاج بناء على املعىن املذكور لكلمة اهلل إىل أي تقدير لكي يتم املعىن املراد.
([ )]11الواحد إمنا يكون شريكا ملن يكون له مضارعا ،وأما من ال شبيه له،
فيلزم أن ال يكون له ش ريك قطع ا ،ألن الش راكة تس تلزم انقس ام امللك وع دم التمكن من
التصرف فيه إال بإذن اآلخر ،وهذا باطل ال جيوز يف حق اهلل تعاىل ،ملا ثبت من كونه هو
امللك ال ملك س واه .وملا ثبت من ع دم إمك ان وج ود مالك غ ريه ،ألن املالك جيب أن
يكون مستقال يف ملكه ،واملستقل يف ملكه جيب كونه مستقال يف وجوده ،وال مستقل يف
الوجود إال اهلل عز شأنه ،فكيف يكون له شريك؟
([ )]12العجز يف اللغة كما ذكره الدكتور فضل عباس يف كتابه املفيد إعجاز
الق رآن الك رمي ص 16ت دل على م ؤخر الش يء ،وعلى التقصري عن بل وغ املراد.اهـ فيصري
معىن كالم املصنف أن اهلل ال مينعه عن حتقيق مراده شيء مطلقا .وتنبه إىل أن املانع للواحد
عن حتقيق م راده ال بد أن يك ون ممانعا ل ه ،أي ال بد أن يك ون له إرادة مس تقلة عن إرادة
املمن وع ،وك ذلك ال بد أن يك ون للم انع ق درة مس تقلة عن ق درة املمن وع ،فبغري ذل ك،
يستحيل أن حيصل اإلعجاز .وال يتحقق هذا الوصف أي قولنا"وال شيء يعجزه إال يف اهلل
تعاىل.
([ )]13من التوض يحات الس ابقة ملعىن كلمة اإلله يص بح معىن ه ذه العب ارة
مفهوما وبينا .فاهلل تعاىل ال إله غريه بالفعل.
([ )]14القدمي مشتق من ِ
الق َدِم ،واملراد بالقدم يف اصطالح علماء هذا الفن،
هو عدم األولية .وليس املراد به هو الوجود منذ أزمان ال بداية هلا .وقد ورد هذا الوصف
يف حق اهلل تع اىل وص فاته فقد ق ال اإلم ام أبو داود رمحه اهلل تع اىل ح دثنا إمساعيل بن بشر
بن منص ور ثنا عبد ال رمحن بن مه دي عن عبد اهلل بن املب ارك عن حي وة بن ش ريح ق ال
لقيت عقبة بن مس لم فقلت له بلغين أنك ح دثت عن عبد اهلل بن عم رو بن الع اص عن
النيب ص لى اهلل عليه وس لم أنه ك ان إذا دخل املس جد ق ال أع وذ باهلل العظيم وبوجهه
الك رمي وس لطانه الق دمي من الش يطان ال رجيم ق ال أقط قلت نعم ق ال ف إذا ق ال ذلك ق ال
الش يطان حفظ مين س ائر الي وم .وه ذا احلديث مجيع رواته ثق ات .فهو ال ي نزل عن مرتبة
احلسن مطلقا .وتأمل كيف وصف النيب صلى اهلل عليه وسلم السلطان الذي هو صفة هلل
تع اىل بكونه ق دميا .فيج وز إذن أن يوصف اهلل تع اىل بكونه ق دميا ،ألن وصف وص فه
وصف له جل شأنه.
وقد روى احلاكم ح ديثا فيه اسم الق دمي أيضا فق ال يف مس تدركه :ح دثناه أبو حممد
عبد ال رمحن بن محدان اجلالب هبم دان ثنا األمري أبو اهليثم خالد بن أمحد ال ذهلي هبم دان
ثنا أبو أسد عبد اهلل بن حممد البلخي ثنا خالد بن خملد القطواين حدثناه حممد بن صاحل بن
هانئ وأبو بكر بن عبد اهلل قاال ثنا احلسن بن سفيان ثنا أمحد بن سفيان النسائي ثنا خالد
بن خملد ثنا عبد العزيز بن حصني بن الرتمجان ثنا أي وب الس ختياين وهش ام بن حس ان عن
حممد بن س ريين عن أيب هري رة عن الن يب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال إن هلل تس عة
وتسعني امسا من أحصاها دخل اجلنة اهلل الرمحن الرحيم اآلله الرب امللك القدوس السالم
املؤمن املهيمن العزيز اجلبار املتكرب اخلالق الباريء املصور احلليم العليم السميع البصري احلي
القيوم الواسع اللطيف اخلبري احلنان املنان البديع الودود الغفور الشكور اجمليد املبديء املعيد
النور األول اآلخر الظاهر الباطن الغفار الوهاب القادر األحد الصمد الكايف الباقي الوكيل
اجمليد املغيث ال دائم املتع ال ذو اجلالل واالك رام املوىل النصري احلق املبني الب اعث اجمليب
احمليي املميت اجلميل الص ادق احلفيظ الكبري الق ريب ال رقيب الفت اح الت واب الق دمي ال وتر
الفاطر الرزاق العالم العلي العظيم الغين املليك املقتدر األكرم الرؤوف املدبر املالك القدير
اهلادي الش اكر الرفيع الش هيد الواحد ذو الط ول ذو املع ارج ذو الفضل اخلالق الكفيل
اجلليل الك رمي ه ذا ح ديث حمفوظ من ح ديث أي وب وهش ام عن حممد بن س ريين عن أيب
هريرة خمتصرا دون ذكر األسامي الزائدة فيها كلها يف القرآن وعبد العزيز بن احلصني بن
الرتمجان ثقة وإن مل خيرجاه وإمنا جعلته شاهدا للحديث األول.اهـ
وروى ابن ماجه أيضا ق ال :ح دثنا هش ام بن عم ار ثنا عبد امللك بن حممد الص نعاين
ثنا أبو املنذر زهري بن حممد التميمي ثنا موسى بن عقبة حدثين عبد الرمحن األعرج عن أيب
هري رة أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال إن هلل تس عة وتس عني امسا مائة إال
واح دا إنه وتر حيب ال وتر من حفظها دخل اجلنة وهي اهلل الواحد الص مد األول اآلخر
الظاهر الباطن اخلالق البارئ املصور امللك احلق السالم املؤمن املهيمن العزيز اجلبار املتكرب
الرمحن الرحيم اللطيف اخلبري السميع البصري العليم العظيم البار املتعال اجلليل اجلميل احلي
القي وم الق ادر الق اهر العلي احلكيم الق ريب اجمليب الغين الوه اب ال ودود الش كور املاجد
الواجد ال وايل الراشد العفو الغف ور احلليم الك رمي الت واب ال رب اجمليد ال ويل الش هيد املبني
الربهان الرءوف الرحيم املبدي املعيد الباعث الوارث القوي الشديد الضار النافع الباقي
ال واقي اخلافض الرافع الق ابض الباسط املعز املذل املقسط ال رزاق ذو الق وة املتني الق ائم
الدائم احلافظ الوكيل الفاطر السامع املعطي احمليي املميت املانع اجلامع اهلادي الكايف األبد
العامل الصادق النور املنري التام القدمي الوتر األحد الصمد الذي مل يلد ومل يولد ومل يكن له
كف وا أحد ق ال زهري فبلغنا من غري واحد من أهل العلم أن أوهلا يفتح بق ول ال إله إال اهلل
وح ده ال ش ريك له له امللك وله احلمد بي ده اخلري وهو على كل ش يء ق دير ال إله إال اهلل
له األمساء احلسىن.اهـ
ومن ه ذا تع رف فس اد ما قاله ابن ب از يف تعليقاته على عب ارة الطح اوي ه ذه":ه ذا
اللفظ مل ي رد يف أمساء اهلل احلسىن كما نبه عليه الش ارح رمحه اهلل وغ ريه ،وإمنا ذك ره كثري
من علماء الكالم ليثبتوا به وجوده قبل كل شيء ،وأمساء اهلل توقيفية ال جيوز إثبات شيء
منها إال بالنص من الكتاب العزيز أو السنة الصحيحة ،وال جيوز إثبات شيء منها بالرأي
كما نص على ذلك أئمة الس لف الص احل .ولفظ الق دمي ال ي دل على املعىن ال ذي أراده
أص حاب الكالم ألنه يقصد به يف اللغة العربية املتق دم على غ ريه وإن ك ان مس بوقا بالع دم
كما يف قوله س بحانه(حىت ع اد ك العرجون الق دمي) وإمنا ي دل على املعىن احلق بالزي ادة اليت
ذكرها املؤلف وهي قوله ق دمي بال ابت داء ،ولكن ال ينبغي ع ده يف أمساء اهلل احلسىن لعد
ثبوته من جهة النق ل ،ويغين عنه امسه س بحانه األول كما ق ال عز وجل (هو األول
واآلخر)اآلية .واهلل ويل التوفيق.اهـ
وهذا الكالم كما ترى فيه مغالطات :األوىل:جزمه بعدم ورود القدمي يف النقل ،وهو
وارد كما ذكرن اه.الثاني ة:ادع اؤه أن علم اء الكالم هم فقط من اس تعمل ه ذا اللف ظ ،وهو
باطل ألن كث ريا من احملدثني اس تعمله أيض ا ،بل اس تعمله أيضا ش يخ اجملس مة على اإلطالق
ابن تيمية الذي يعتقدون فيه العصمة أو يكاد.الثالثة :أنه قال إن اسم القدمي يطلق على ما
س بق غ ريه وإن ك ان مس بوقا بالع دم ،إال إنه ادعى أن ه ذا اللفظ ال ي دل على املعىن
الص حيح يف حق اهلل تع اىل إال بالزي ادة اليت أش ار إليه ا ،مع أن أصل املعىن ال ذي ذك ره
ك اف يف الداللة على املراد .على أنا ال نس لم أنه ال ي دل على إال بالزي ادة ،ألنه ص ار
مشهورا عند أصحاب الفن أي علم التوحيد يف الداللة على عدم األولية ،ال جمرد السبق،
كما ذكر.الرابعة :ادعاؤه أن من استعمله فإنه جعله امسا من أمساء اهلل تعاىل احلسىن ،وهذا
زعم باطل ،فقد نصوا على أهنم ال يريدون بذلك أكثر من الوصف وذلك كما بينه اإلمام
العالمة الغزايل يف شرح أمساء اهلل احلسىن.
وهو مل يُ ِرد من هذا كله إال معارضة املتكلمني ولو بالباطل ،وإال فلم مل يعرتض على
الطح اوي يف اس تعماله اسم ال دائم ،مع أنه ي رد عليه على مذهبه عني ما ي رد على اسم
القدمي؟! ولكن ليس هو إال التعصب!
فيت بني لنا أن نفيه هلذا االس تعمال فيه مغالط ات وأخط اء عدي دة ،وقد قلد ابن ب از يف
ابن أيب العز احلنفي يف ش رحه وه ذا تلقى ه ذه األغاليط عن ش يخهم األكرب ابن ذلك َ
تيمية .فتنبه.
ومل يذكر السقاف يف شرحه يف هذا املوضع ما يشفي الغليل ،بل اكتفى بإيراد كالم
لإلمام البيهقي يذكر يف أن األمة أمجعت على جواز إطالق لفظ القدمي على اهلل تعاىل .ومل
يبني األصل الذي قام عليه هذا اإلمجاع عندهم.
([ )]15اسم ال دائم ورد يف بعض الرواي ات وس بق ذكره ا ،وإن ك ان فيها
كالم ،ولكن قد ثبت عند احملققني أن اس تعمال لفظ يف حق اهلل تع اىل ليس أم را عقائ ديا
خالص ا ،بل هو أمر عملي ،يكفي فيه دليل يعتمد يف جمال الظن ،خصوصا إذا عض ده
معن اه ،أي إذا مل يكن يف معن اه إش ارة إىل نقص ،بل ك ان داال على الكم ال ،فإنه جيوز
اس تعماله يف حق اهلل تع اىل .واس تعماله إن مل يكن على س بيل التس مية فإنه يك ون على
سبيل الوصف ،وعلى هذا ينبغي أن يكون جائزا ،وهو ما اختاره حجة اإلسالم الغزايل،
وإن مل يرد هذا التفصيل عن اإلمام األشعري ،فهذا ال يضر.
واملقصود بالدوام هنا ليس الدوام بزمان ،بل بال زمان ،ألن الزمان هو التغري ،والتغري
مس تحيل على اهلل تع اىل ،وك ذلك ِ
الق َد ُم فليس املراد به الق دم الزم اين بل املراد به هو نفي
األولية ،فهو معىن سليب أي يسلب وينفي عن اهلل تعاىل ما ال يليق به ،وأما القول بأن معىن
الق دم هو أن اهلل تع اىل ك ان موج ودا منذ زم ان أزيل فال يق ول به عاق ل ،وقد ق ال هبذا
تصرحيا ابن تيمية اجملسم ،واتبعته طائفته من اجملسمة الذين ال عون ما يقولون .وأهل السنة
على خالف ذلك الضالل ،بل على خالفه أيضا سائر فرق اإلسالم إال اجملسمة.
وهلذا املعىن ت رى اإلم ام أبا جعفر الطح اوي قد وضح ال دوام بقوله بال انته اء ،ألن
ال دوام ال ذي يك ون بالزم ان ال بد أن تنتهي فيه آن ات زمانية متوالي ة ،وأما دوام اهلل تع اىل
فال انتهاء فيه .وكذلك قال يف القدم أنه بال ابتداء ،ألن القدم الزماين ال بد أن تبتدئ فيه
آنات زمانية متوالية ،وأما قدم اهلل تعاىل فال ابتداء فيه مطلقا.
وهذا املعىن مل ينبه إليه أحد من شراح الطحاوية ،بل اكتفوا بسياق املعاين املشهورة
على ألس نة العلم اء .حىت من ادعى أنه س وف جيدد يف ه ذا العلم أقصد الس قاف فإنه مل
الق َدم؟! علما أنه عاب على املتأخرين يتبادر هذا املعىن إىل ذهنه قط .ال يف الدوام وال يف ِ
أهنم ال يعملون عقوهلم يف تأليفاهتم العقائدية بل يكتفون بإيراد كالم مما قاله الشراح قبلهم
مقلدين هلم ،والذي رأيته أن السقاف وقع يف شر مما اعرتضه على هؤالء.
([ )]16إذا ثبت أن اهلل تعاىل قدمي باملعىن الذي وضحناه ،وأنه دائم كذلك،
فإنه يل زم من ذلك أنه ال يفىن وال يبي د ،فه ذا احلكم الزم لزوما ض روريا على ما س بق.
وذلك ألن الق دم الزم اين-على التس ليم بوج وده وهو غري موج ود -عالمة اإلمك ان،
وكذلك الدوام الزماين ،واملمكن ال بد أن يكون فيه إمكانية الفناء ،فاملمكن ال يقال فيه
مطلقا أنه ال يبيد ،بل إنه يفىن ويبيد ،ولكنه إذا بقي فإمنا يبقى بإبقاء غريه له.
([ )]17يك ون هنا مبعىن يوج د ،ألهنا "ك ان" التامة اليت معناها الوج ود
"و ِج َد زي ٌد" ،فقوله ال يكون إال ما يريد ،معناه واحلصول ،فإذا قلنا "كان زيد" ،فمعناه ُ
"ال يوجد إال ما يري د" ،وه ذا نص ص ريح يف أن اإلرادة جيب أن تتعلق تعلقا تنجيزيا بكل
ما هو موجود ،وال يكفي إمكان التعلق ،كما يزعمه املعتزلة ،وكما يُ ْف َهم من كالم بعض
اجملسمة .وهذا املعىن الذي يقرره اإلمام الطحاوي هو عني ما يقرره األشاعرة أهل السنة
من أنه ال ميكن أن يوجد موج ود إال ب إرادة اهلل تع اىل ،ف إرادة اهلل تع اىل متعلقة ب األمور
تعلقا صلوحيا قدميا وتنجيزيا حادثا .وال جيوز أن يقال إن معىن أن اهلل مريد لكل شيء أنه
يس مح ب ه ،أي أنه لو أراد ع دم وج وده ملا وج د ،ألنه ي ؤول إىل أن إرادته تع اىل س لبية،
مبعىن أن بعض ما مل ي رده اهلل قد يوجد ب إرادة غ ريه ،وهو ق ول املعتزل ة ،وهو ق ول باط ل،
وخمالف لقول الطحاوي كما تراه ،ألن الطحاوي حصر الكون يف اإلرادة .ومعىن هذا أن
كل موجود مراد هلل ،فال يوجد شيء بغري إرادة اهلل تعاىل ،كما يقوله املعتزلة بوجود أمور
بإرادة العبد ال بإرادة اهلل تعاىل.
وه ذه النكتة مل يتنبه إليها أحد من ش راح الطح اوي ،ال اجملس مة وال أهل الس نة من
األشاعرة وال من ادعى التجديد منهم؟!
وهذا املعىن الذي وضحناه هنا هو مراد السلف يف قوهلم ما شاء اهلل كان وما شاء مل
يكن ،أو ما مل يشأ مل يكن .فإنه تعاىل إذا مل يشأ كونه فإنه يكون قد شاء عدمه.
فتحص ل من ه ذا التحقيق وج ود املوافقة التامة بني كالم األش اعرة وكالم الس لف َّ
وكالم اإلمام الطحاوي رمحه اهلل تعاىل .واهلل املوفق.
تتميم :اإلرادة الشرعية واإلرادة الكونية
اإلرادة يف نفس األمر هي ص فة ختصص املمكن ببعض ما جيوز علي ه ،فما ج از
وجوده على أكثر من صورة ،فإن اهلل رمبا يشاء إجياده على صورة معينة من هذه الصور،
وحينئذ فاإلرادة هي اليت ختص املمكن هبذه الصورة دون تلك ،مث القدرة بعد ذلك توجده
على الصورة اليت عينتها اإلرادة.
هذا هو األصل يف اإلرادة ،أن تكون تكوينية ،وإذا كانت اإلرادة تكوينية ،فما تتعلق
به ال ميكن إال أن يقع ،وال ميكن أن يتخلف مبعىن أن ال يقع.
فإذا كان األمر كذلك ،فهل ميكن أن يقال بعد ذلك أن بعض ما تتعلق به اإلرادة قد
ال يق ع؟ إذا س لمنا مبا مض ى ،فال يصح أن يق ول ذلك قائ ل ،ومن يقول ه ،فإنه يف احلاصل
يقسم اإلرادة إىل ن وعني ،ومعىن ذلك أنه جيعل الص فة ص فتني ،وه ذا باط ل .ويل زم أن
جيعاللص فة ص فتني ألنه إذا ك انت الص فة واح دة ف إن تعلقها ال يك ون إال على ص ورة
واح دة ،ولكن قوله إن بعض التعلق ات تقع وبعض ها ال يق ع ،يعين أن تعلقاهتا ليست على
ص ورة واح دة ،واختالف التعلق ات ال يك ون إالب اختالف املتعلِّ ِق ،أي اختالف الص فة
نفس ها ،أي تع ددها يف ذاهتا ،ومعل وم أن الص فات عند أهل الس نة واح دة ال تتع دد يف
الذات ،فكما أن الذات ال تتعدد فكذلك الصفات ال تتعدد .إذن يكون قول هذا القائل
باطال وال يستقيم مع قول أهل السنة.
ولكن إذا قال القائل إنين ال أعدد الصفة يف ذاهتا ،بل أقول أن لفظ اإلرادة يطلق على
معنيني ،فيكون يف احلقيقة صفتان ال صفة واحدة .أقول :هذا الكالم ال يرد عليه شيء،
ولكنه يستلزم إثبات صفة زائدة على اإلرادة ،ومعلوم أن إثبات الصفات ال جيوز أن يقوم
على أم ور حمتمل ة ،بل ال يق وم إال على أص ول ثابت ة .وبالت ايل فإننا نس أل ه ذا القائ ل :هل
ثبت ل ديك على القطع أن لفظ اإلرادة يص دق على ص فتني اثن تني ال على ص فة واح دة
فق ط .ف إن ق ال نعم فإننا نطالبه باإلتي ان ب إيراد دليل نقلي ث ابت يف نفسه وث ابت يف داللته
على ما يري د .وال نسلم له مبا يريد إال بعد إثب ات أن لفظ اإلرادة يف مورده الذي حيض ره
ال ميكن أن يدل على نفس معىن اإلرادة األصلي وهو معىن التخصيص والتكوين الذي ال
حيتمل التخل ف .أي إنه إذا ثبت من النص أن املعىن املراد بلفظ اإلرادة ي دل قطعا على
ص فة تتعلق بش يء وميكن ختلفه ما تتعلق هي ب ه ،فإننا نس لم له مبا يق ول ،وه ذا يف نفس
ال وقت ال يض رينا ألننا ال مننع تع دد الص فات ،بل نق ول هبا ،ولكن ال نثبت ص فة على
االستقالل إال بدليل ثابت ال يتزعزع.
فاحلاصل أنه مط الب ب أمور ،األول :أن ينص على أن اإلرادة يف ذاهتا ال تتك ثر
متعلقاهتا ،مبعىن أن ما يريده اهلل ال ميكن أن يتخلف .الثاين :أن يكون هذا النص املدعى ال
ميكن أن ي راد به نفس املعىن األص لي من اإلرادة ،أي ال حيتمل محله إال على معىن ث ان.
الثالث :أن ال يرتتب على إثباته هلذه الصفة الثانية املدعاة أمور باطلة.
فإذا صح ذلك فيمكن أن يسلم مبا يقول ،وإال فإنه يرد.
هذه كانت مقدمة كلية ،ومتهيدا ملناقشة بعض من ادعى أن اإلرادة تنقسم إىل قسمني
وتتنوع إىل نوعني ،أحدمها مساه باإلرادة الكونية ،والثاين مساه باإلرادة الشرعية .وسوف
ننقل لكم نص كالمهم ونباشر بتحليله بعد ذلك ،وبيان ما فيه من مفاسد.
ق ال ابن أيب العز الت ابع املطيع البن تيمية وابن قيم اجلوزية يف ش رحه على الطحاوية
ص ":116واحملقق ون من أهل الس نة يقول ون اإلرادة يف كت اب اهلل نوع ان،إرادة قدرية
كونية خلقية ،وإرادة دينية أمرية شرعية ،فاإلرادة الشرعية هي املتضمنة للمحبة والرضى،
والكونية هي املشيئة الشاملة جلميع املوجودات".اهـ
ه ذا هو ما ادع اه ،ولو نظرنا يف كالمه لرأينا أنه ينص فيه على ما يلي ،أوال :اإلرادة
من حيث ما هي صفة هلل هلا نوعان ويدعي أن ذلك مذكور يف القرآن .ثانيا:النوع األول
إرادة قدرية كونية خلقي ة ،أي إرادة هي عينها الق دري والك ون واخلل ق ،أو هبا يتم ذل ك.
والث اين إرادة هي عينها األمر والش رع وال دين ،أو هبا يتم ذل ك .ثالث ا:اإلرادة الش رعية
تتضمن احملبة والرضى.
وهذا الكالم فيه مفاسد عديدة.
أوال:قوله إن اإلرادة نوعان ،يلزم على ذلك أن اإلرادة مركبة من أمرين ،أو إن هذين
الن وعني الل ذان مها ص فتان هلل تع اىل مركب ان ،وذلك ألهنما أن واع حتت جنس وما ك ان
ك ذلك فهو م ركب قطع ا.ومعل وم أن ال رتكيب ال جيوز على اهلل تع اىل وال على ص فاته،
كما عليه إمجاع أهل الس نة ،إذن ه ذا الكالم ال ذي تف وهم به ابن أيب العز خمالف لكالم
أهل السنة.
ثانيا:إذا كان قصده بالثانية أن الدين يتم هبا ،فال وجه للتفريق بينها وبني األوىل ،فإن
حاصل ذلك أن الدين الذي هو الكالم املنزل على األنبياء واملشتمل على األوامر والنواهي
والتش ريعات ،مك ون ب اإلرادة .ف إذن املعىن راجع إىل ال ذي مساه ب النوع األول من اإلرادة
وهي التكويني ة ،فال وجه للتفرقة بينهم ا .وإذا ك ان قص ده أن الن وع الث اين من اإلرادة هو
عني ال دين فه ذا باطل بداه ة .فال دين ليس هو ص فة قائمة باهلل بل هو من ل وازم بعض
صفاته .وال يوجد احتمال آخر .إذن فكالمه باطل على كل التقادير.
ثالث ا:ال ذي ي دل على أنه أراد ال رتكيب ،أي أنه يريد ب أن اإلرادة عب ارة عن معىن
م ركب ،أو على األقل الن وع الث اين منها عب ارة عن معىن م ركب ،هو قوله ب أن اإلرادة
الش رعية تتض من احملبة والرض ة ،ومعل وم أن التض من معن اه هو اش تمال الش يء على غ ريه
اش تمال الكل على اجلزء ،وه ذا هو عني ال رتكيب .وإذا أراد بالتض من معىن الل زوم ،فهو
زيادة على كونه استعماال غلطا للكلمات خصوصا بعد استقرار املصطلحات ،فإنه يستلزم
أيضا ال رتكيب لإلرادة ،أو ك ون أحد نوعيها مركب ا ،ألنه ق ال ب أن احملبة الزمة عن املعىن
الن وع الث اين هلا وليست الزمة على املعىن األول هلا ،وه ذا يس تلزم ك ون الن وع األول غري
املعىن الث اين ،ومبا أهنما نوع ان عن ده ،فبينهما أمر مش رتك ،والختالف الل وازم بينهم ا،
فيجب وجود أمر زائد يف أحدمها-على األقل -على الثاين ،وهذا يستلزم كونه مركبا.
هذه هي بعض املفاسد اليت تلزم قوله.
ولكن ال بد أن نوضح هنا ،أن هذا الشارح تابع ويف البن تيمية وسائر على مذهبه،
ومعلوم أن ابن تيمية جمسم قائل برتكيب ذات اهلل تعاىل وبرتكب صفاته .وهلذا فإن كالم
هذا الرجل موافق ملذهبه .ولكنه خمالف ملذهب أهل السنة ،وباطل يف نفس األمر.
إذا كان كالم هذا الرجل وأصحابه خمالف ألهل السنة وخمالف للحق ،فما هو األمر
الذي دفعه للقول به؟! لكي نعرف ذلك ال بد أن نكمل قراءتنا لكالمه يف شرحه!؟ على
الطحاوية ،فقد قال ص":116وأما اإلرادة الشرعية األمرية ،فكقوله تعاىل(يريد اهلل بكم
اليسر وال يريد بكم العسر)البقرة ،185وقوله تعاىل(يريد ليبني لكم ويهديكم سنن الذين
من قبلكم ويتوب عليكم واهلل عليم حكيم)النساء ( ،26واهلل يريد أن يتوب عليكم ويريد
وخل َق اإلنس ان
ال ذين يتبع ون الش هوات أن متيل وا ميال عظيم ا.يريد اهلل أن خيفف عنكم ُ
ض عيفا)النس اء ،27،28وقوله تع اىل(ما يريد اهلل ليجعل عليكم من ح رج ولكن يريد
ليطه ركم وليتم نعمته عليكم)املائ دة ،6وقوله تع اىل(إمنا يريد اهلل لي ذهب عنكم ال رجس
أهل ال بيت ويطه ركم تطه ريا)األح زاب ".33اهـ كالمه ال ذي ذكر فيه اآلي ات اليت فهم
منها ! ما قال سابقا.
وحنن س وف نن اقش اس تدالله باآلي ات الس ابقة ل نرى هل فعال ت دل على ما يريد هو
من إثبات إرادتني أو نوعني من اإلرادة؟!
وقبل أن ن بني بعض وج وه ال رد على مزاعمه ومن تبع ه ،ال بد أن نق ول ب أن كلمة
اإلرادة قد وردت يف الق رآن الك رمي أك ثر من مئة وأربعني م رة ،واملواضع الوحي دة اليت
اس تنبط منها من ق ال هبذا ال رأي الف رق بني ه ذين النوعني املزع ومني من اإلرادة هي ه ذه
اآليات السابقة ،ومعىن هذا أن أكثر آيات القرآن ال تدل على ما يريدون ،بل ال تدل إال
على اإلرادة اليت من شأهنا التخصيص وهي ما ميكن أن تدعى باإلرادة التكوينية على معىن
أهنا ش رط التك وين ،ال أهنا هي اليت يتم هبا التك وين ،كما وض حناه س ابقا .وجمرد ه ذا
يكفي ملن يدعي التفريق ليعيد النظر يف مزاعمه بوجود نوعني من اإلرادة!
وحنن بالتايل لكي نبني فساد قوله ،فإننا سوف نشري إىل املعىن الصحيح لآليات وأهنا
ال ينبغي أن حتمل على ما ذك روه من اإلرادة اليت حتمل معىن الرضى واليت يف نفس ال وقت
صفة من صفات اهلل تعاىل ،وغري اإلرادة املتفق على إثباهتا.
إذا ك ان ك ذلك ،ف اعلم أن اآلي ات اليت أوردوها يف مع رض التفريق بني الن وعني ال
يفهم منها ما ادعوه
أوال:قوله تع اىل(يريد اهلل بكم اليس ر ،وال يريد بكم العس ر) املقص ود من اليسر
والعس ر ،أي التك اليف اليت هي يس رية ،فالتك اليف-أي األوامر والن واهي -اليت كلفنا هبا
اهلل تعاىل يف الشريعة هي يسر ،وليست بعسرية .فإنشاء هذه األوامر اليسرية هو ما أرادة
اهلل تعاىل .ومعلوم أن هذا اإلنشان من نوع التكوين ،أي ختصيص املمكن ببعض ما جيوز
علي ه ،وال ي دل على وج ود ص فة أخ رى امسها الرضى واحملب ة ،خصوصا أنه ال يوجد يف
اآلية إال التصريح باإلرادة ،واملعلوم من اإلرادة هو النوع األول ال الثاين ،وما دام قد جاز
أن حتمل اآلية على املعىن األول ،فال موجب على افرتاض وجود معىن آخر لإلرادة.
ولكن الذي بعث هؤالء على ادعاء وجود معىن آخر لإلرادة هو عدم فهمهم ملدلول
اآلية ،فإن اهلل تعاىل قال يريد بكم اليسر ،فاملراد هو اليسر ،باملعىن الذي ذكرناه وهو ما
ي دل عليه س ياق اآلي ات ،وه ذا اليسر أراده اهلل مالبسا لنا فالب اء ألدىن مالبس ة ،وه ذا
حاصل جبعله تش ريعا لنا ال لغرين ا .ومعل وم أن كل ه ذه املع اين داخلة حتت التك وين
والتخصيص .فال داعي الفرتاض وجود صفة إرادة ونوع إرادة آخر غريه.
ثاني ا :قوله تع اىل(يريد اهلل لي بني لكم ويه ديكم س نن ال ذين من قبلكم ويت وب عليكم
واهلل عليم حكيم) ،ه ذه اآلية تفسر نفس ها ،والحظ األس لوب ال ذي أورد اهلل تع اىل اآلية
ب ه ،فقد ق ال تع اىل(يريد لي بني لكم) ف املفعول حمذوف ،وتق ديره يريد إنش اء التش ريع أو
التش ريع عينه لي بني لكم ،فالتش ريع للبي ان ،وه ذا حاصل بالفعل ب اإلرادة التكويني ة .وال
يوجد مربر الفرتاض نوع إرادة آخر ،امسه إرادة تشريعية .فالالم يف قوله ليبني للعاقبة.
ثالث ا:قوله تع اىل(واهلل يريد أن يت وب عليكم ويريد ال ذين يتبع ون الش هوات أن متيل وا
ميال عظيما) ،األصل يف كلمة تاب يف اللغة :رجع ،قال الفروزآبادي يف القاموس":تاب
إىل اهلل توبا ومتابا وتابةً وَتْت ِوبَةً:رجع عن املعصية .وهو تائب وتواب.وتاب اهلل عليه:وفقه
للتوبة ،أو رجع به من التشديد إىل التخفيف ،أو رجع عليه بفضله وقبوله ،وهو تواب عل
عب اده".اهـ ف أنت ت رى أن املعىن اللغ وي لت اب هو رج ع ،وت اب على أي رجع على ،فاهلل
يت وب على العب اد مبعىن يرجع عليهم بالفضل والتخفي ف .واهلل يف اآلية الكرمية يريد أن
يت وب مبعىن يريد أن يرجع بالفضل والتخفيف على عب اده ،وه ذا األمر حاصل بالفعل ال
يتخلف عن إرادته تعاىل ،فال جيوز أن يقال إن هذا األمر قد ال حيصل ،ألن فضل اهلل تعاىل
قد حصل بالفعل بإنزاله الشريعة واألحكام ،فهذه هي أصل الفضل.
إذن فه ذه اآلية أيضا يفهم معناها بن اءا على املعىن األص لي لإلرادة .فال داعي إذن
الفرتاض نوع آخر من اإلرادة.
وقد يقول قائل:إن املراد بتوبة اهلل عليهم هو قبوله توبتهم وإنعامه عليهم ،ومعلوم أن
ه ذا ال يك ون جلميع الن اس بل لبعض هم .ف اجلواب :أن التوبة الص حيحة موجبة للقب ول.
فمهما حص لت التوبة من واحد وجب قب ول ه ذه التوب ة .فال ختلف إذن .وأيضا ف إن
املخ اطبني هم ليس الن اس مطلقا بل هم املتبعني للش ريعة ب دلل وق ابلتهم بال ذيت يتبع ون
الش هوات ،فاملخ اطبون يف اآلية هم غري متبعني للش هوات ،وه ؤالء ال بد أن يت وب اهلل
عليهم مبعىن يتفضل عليهم ،وهذا ال يتخلف.
فاحلاصل إذن أن ه ذه اآلية أيضا ميكن فهمها ب دون احلاجة إىل اف رتاض ن وع جديد
لإلرادة .وأيضا ف إن ه ذا الفهم موافق لس ياق اآلي ات ،وموافق ملعىن اإلرادة ال وارد يف بقية
آيات القرآن.فادعاء نوع جديد هلا فيه خمالفة للقرآن من وجوه عديدة كما ترى.
وك ذلك قوله تع اىل يف آخر اآلية (يريد اهلل أن خيفف عنكم) ف التخفيف واقع بالفعل
بإنزاله تعاىل الشريعة ،فلم يتخلف وال جيوز ختلفه عن إرادة اهلل.
رابع ا :قوله تع اىل(ما يريد اهلل ليجعل عليكم من ح رج ،ولكن يريد ليطه ركم وليتم
نعمته عليكم) ،معناها أن اهلل ما يريد إنزال هذه التشاريع ليشق عليكم وجيعل احلرج واقعا
عليكم ،بل إن إرادته هلذه التشريعات إمنا هو ليعقبها تطهريكم إن اتبعتموها.
فاملراد بالفعل هو إنزال التشريع ،ال التطهري ،بل التطهري هو غاية التشريع ،وحصول
الغاية مرتتب على التزام الناس باألحكام.
إذن ال يوجد ختلف للمراد هنا أيضا وال جيوز محل هذه اإلرادة على نوع إرادة يصح
ختلفه مهما كان معناها.
خامسا :قوله تعاىل إمنا يريد اهلل ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهريا)
ه ذه اآلية من جنس اآلية الس ابقة ،وما قيل يف تلك يق ال هن ا .والحظ أن مفع ول اإلرادة
ليس هو إذهاب الرجس ،بل هو بدليل اآليات السابقة،إنزال األحكام اخلاصة بأهل البيت.
فه ذه األحك ام تعلقت هبا إرادة اهلل تع اىل ليعقب متسك آل ال بيت هلا تطهري اهلل تع اىل هلم
من الرجس .ومل تتعلق اإلرادة مباشرة بتحصيل التطهري ،فال يصح ما يثوله الشيعة هنا من
عص مة آل ال بيت إذن ،وال يصح أيضا ما ادع اه أتب اع ابن تيمية من ك ون اإلرادة تك ون
ن وعني ،وأن اإلرادة املقص ودة هنا هي إرادة ش رعية تتض من الرض ا ،وأن ما تعلقت به
اإلرادة قد يتخلف وال حيصل .فهذا كله باطل ال أساس له كما ترى.
فأنت ترى إذن أن ما تعلق به هذا املدعي ال يقوم على أساس قوي ،فال جيوز القول
مبا يق ول ب ه ،من أن بعض متعلق ات اإلرادة قد ال حتص ل .أو أن اإلرادة نوعان .فهذا كله
كالم ال دليل عليه.
فال يبقى بعد هذا العرض السريع ألدلتهم إال رد قوهلم.
ويبقى ق ول أهل الس نة خالصا بينا واض حا ،وهو أن ما تعلقت به اإلرادة فال بد أن
حيص ل ،ويس تحيل أن يقع أمر ال تتعلق به اإلرادة ،وأنه ال يوجد أن واع من اإلرادة .بل
اإلرادة عب ارة عن ص فة غري مركب ة ،كما وض حناه س ابقا .ولو أردنا بي ان فس اد أق واهلم
بتفص يل لفعلن ا ،ولكن املق ام ال يتسع هنا ولعلنا خنصص ل ذلك مبحثا خاص ا ،ن بني فيه
اللوازم الباطلة اليت تلزم عن مثل هذا القول غري ما ذكرناه.
وانظر إىل ما ق ال عبد املنعم مص طفى حليم ة(ابو بص ري) يف ما مساه ب اإلرادة الش رعية
لتع رف بش اعة ق وهلم ،وذلك يف تلخيصه لكالم ابن أيب العز احلنفي ولكهم يس تقون من
مش رب واح د ،فقد ق ال يف حاش ية ص 65تعليقا على قوله "وإرادة دينية أمرية
ش رعية" ":ه ذا الن وع من اإلرادة قضت حكمة اهلل تع اىل أن تتخلف أحيانا ولكن بإذنه
وعلمه وإرادته"اهـ .فهذا القول بشع فكيف يقول بأن إرادة اهلل تعاىل تتخلف أي ال حتدث
أحيانا ،وذلك بإرادته نفسه .وكيف يتوافق ذلك مع قول أهل السنة قاطبة كما أشرنا لك
سابقا"ما شاء اهلل كان وما مل يشأ مل يكن" أي وما شاء عدم كونه مل يكن .فقوهلم هذا
ينص على إرادة اهلل ال ميكن أن تتخل ف ،وه ذا القائل هنا ي دعي أن إرادته ميكن أن
تتخلف؟! وهذا يثبت لك أن كالمهم خمالف لكالم أهل السنة ،وخمالف لكالم الطحاوي
وإن تسرتوا خلف وضع شروح على عقيدته ،ولكنهم يف احلقيقة خمالفون له يف أصول ويف
فروع ،كما رأيت وكما سرتى.
وهذه التحقيقات اليت سردناها لك هنا ،ال جتدها يف كتاب ،وما ذلك إال بفضل اهلل
تعاىل وتوفيقه،فاحرص عليها.
([ )]18البلوغ كما قال العالمة األص فهاين يف مفردات الق رآن":االنتهاء إىل
أقصى املقصد واملنتهى مكانا ك ان أو زمانا أو أم را من األم ور املق درة ،ورمبا يعرب به عن
املشارفة عليه وإن مل ينته إليه"اهـ ،فقول العالمة اإلمام الطحاوي بأن األوهام ال تبلغ اهللَ
تعاىل ،معناه إذن إهنا ال تنتهي إليه ،وال تشارف ذلك .والوهم هو اخليال ،وهو كما عرفه
العالمة الش ريف اجلرج اين" :هو ق وة جس مانية لإلنس ان حملها آخر التجويف األوسط من
ال دماغ ،من ش أهنا إدراك املع اين اجلزئية املتعلقة باحملسوس ات كش جاعة زيد وس خاوته،
وه ذه الق وة هي اليت حتكم هبا الش اة أن ال ذئب مه روب عنه وأن الولد معط وف علي ه،
وه ذه الق وة حاكمة على الق وى اجلس مانية كلها مس تخدمة إياها اس تخدام العقل للق وى
العقلية بأسرها".اهـ
وق ال أيض ا":ال وهم هو إدراك املعىن اجلزئي املتعلق ب املعىن احملس وس .وال ومهي املتخيل
هي الص ورة اليت خترتعها املتخيلة باس تعمال ال وهم إياه ا ،كص ورة الن اب ،أو املخلب يف
املنية املش بهة بالس بع .والومهي ات هي قض ايا كاذبة حيكم هبا ال وهم يف أم ور غري حمسوسة
كاحلكم بأن ما وراء العامل فضاء ال يتناهى ،والقياس املركب منها يسمة سفسطة".اهـ
وق ال العالمة الش ريف اجلرج اين أيضا يف تعريف اخلي ال":اخلي ال هو ق وة حتفظ ما
يدركه احلس املش رتك من ص ور احملسوس ات بعد غيبوبة املادة حبيث يش اهدها احلس
املش رتك كلما التفت إليه ا ،فهو خزانة للحس املش رتك ،وحمله م ؤخر البطن األول من
الدماغ".اهـ
فاخليال إذن هو مساعد للوهم ،والوهم هو احلاكم باالستعانة باحلس ،وكل منهما ال
ميكن أن يتص رف إال يف األم ور احملسوس ة .وه ذا هو عني املعىن ال ذي أراده اإلم ام
الطحاوي من نفيه لبلوغ الوهم هلل تعاىل ،أي إن الوهم ال ميكنه أن حيكم على اهلل تعاىل،
بنس بته ص ورة معينة إليه وال غري معين ة ،ف إن نفي إدراك ال وهم له تع اىل مطل ق .وه ذا كله
مبين على أن احلواس ال ت درك اهلل تع اىل ،وه ذه قاع دة من قواعد أهل الس نة اليت يتم يزون
هبا عن أهل البدعة من اجملس مة ،ومن وافقهم .فاهلل تع اىل غري حمس وس بش يء من احلواس
الظ اهرة وال الباطن ة ،وأما الرؤية فس وف نوضح لك املراد منها يف حمل ه ،ولكن هنا نكتفي
بأن نقول إن الرؤية املتعلقة باهلل تعاىل ليس من قبيل اإلحساس باهلل تعاىل عند أهل السنة،
فه ذا ما جيب أن ت ؤمن ب ه ،وال ي رتدد قلبك يف اجلزم ب ه .فنفينا لك ون احلواس متعلقة باهلل
تع اىل ال يس تلزم إذن نفي رؤيتنا هلل تع اىل ،ألن الرؤية املتعلقة باهلل تع اىل عند أهل احلق
ليست من قبيل احلواس .فافهم.
واعلم أن اإلمام الطحاوي مل ينف تعلق الوهم باهلل تعاىل على سبيل اخلِطابة أو جمرد
الوع ظ ،كما حيلو لبعض اجلهلة أن يعتق د .بل إنه أش ار بنفي تعلق ال وهم باهلل تع اىل ،إىل
قاع دة عظيمة مل أر من وضح أمهيتها الكب رية كما س نفعله هن ا ،ه ذا مع أن علم اء أهل
السنة أمجعني قد نصوا على أن الوهم ال يتعلق باهلل تعاىل .ولكن شراح العقيدة الطحاوية
مع معرفتهم وإدراكهم ملدى اخلالف الذي حصل حول هذا املنت يف أنه هل هو ماش على
قواعد أهل السنة أو على قواعد اجملسمة ،مل يهتم أحد منهم بإبراز هذا األمر كما ذكرناه،
بل اكتف وا بتقرير ه ذه القاع دة على ما هو املش هور عند أهل الس نة وش رحوا كالم اإلم ام
الطح اوي هنا ش رحا إمجالي ا ،واإلمجال ال يكفي كما تعلم يف حمل اإلش كال .واحلق أن
ع دم إش ارهتم إىل ه ذه القاع دة ال يع ود إال إىل ع دم مع رفتهم احلقيقية بقواعد اجملس مة،
فأغلبهم اكتفى بالتشنيع على اجملسمة بذكر بعض املسائل املشهورة اليت خالف فيها هؤالء
أهل السنة ،وذلك من دون أن حياولوا تأصيل وبيان قواعد هؤالء ،ومتييزها عن قواعد أهل
الس نة ،ومعل وم أن الواحد إذا بني أن االختالف حاصل بني أهل الس نة وبني أتب اع ابن
تيمية املتسرتين باتباع السلف كذبا منهم ،هو اختالف واقع يف األصول دون الفروع ،مث
بني أن اإلمام الطحاوي قد وافق أهل السنة من األشاعرة وغريهم يف هذه األصول ،فإن
ه ذا يك ون هو األس لوب الق وي والن اجح يف دحر خططهم وإفس اد أق واهلم وفضح
عقائدهم .وهذا ما سنبينه لك يف هذه التعليقات.
ذكر طائفة من أقوال أهل السنة يف نفي تعلق الوهم باهلل تعاىل
ي بن مس افر املت وىف يف س نة 557هـ ،يف أوائل عقيدته املس ماة أوال :ق ال الش يخ َع ِد ُّ
"اعتقاد أهل السنة واجلماعة"
تعم ق ،وعلىح رام على العق ول أن متثله وعلى الظن ون أن حتده ،وعلى الض مائر أن ّ
النفوس أن تفكر ،وعلى الفكر أن حييط ،وعلى العقول أن تصور إال ما وصف به ذاته يف
كتابه أو على لسان نبيه صلى اهلل عليه وسلم ،فإن كل ما متثل يف الوهم فهو مقدره قطعا
وخالقه".اهـ
فكالمه صريح يف أن الوهم ال يتعلق باهلل تعاىل فال ميكن لإلنسان أن يتوهم ويتصور
خالقه.
وقال أيضا يف نفس عقيدته املشار إليهاص":15وال يتناهى يف وجوده على معىن نفي
األولي ه ،ال جسم مص ور وال ج وهر مق در ،معل وم الوج ود ب العقول واألفه ام ،لكن ال
تتصوره األفكار ،وال متثله األوهام".اهـ
ففي ه ذا الكالم أيضا تأكيد ص ريح آخر لنفي تعلق ال وهم باهلل تع اىل ،مكا مضى
بيانه .والشيخ عدي بن مسافر من أكابر املشايخ الذين شهد هلم القاصي والداين بالورع
والتقوى والعلم الكبري ،وكان من أكابر املربني.
ثاني ا:وق ال ت اج اإلس الم أبو بكر حممد الكالب اذي املت وىف يف س نة 380هـ يف كت اب
التعرف ملذهب أهل التصوف ،وهو من العلماء املعتمدين لدى مجاهري املسلمني مل يقدح
أحد يف إمامته ورعايته ألمور دينه ،وحتققه يف العقائد ،قال يف ص:35
"ال تنازعه اهلمم وال ختالطه األفك ار .ليس لذاته وال لفعله تكلي ف ،وأمجع وا على أنه
ال تدركه العي ون ،وال هتجم عليه الظن ون ،وال تتغري ص فاته ،وال تتب دل أمساؤه ،مل ي زل
كذلك وال يزال كذلك".اهـ
يقصد بالرؤية ب العيون أي أن ي رى يف جه ة ،فه ذا ممن وع مس تحيل الس تحالة كونه
تع اىل يف جه ة .وعرب عن ذلك بعض العلم اء باس تحالة أن متاقله األجف ان أو العي ون،
ويري دون هبا نفس املعىن من نفي حص ول رؤيته يف جه ة ،وال يري دون ب ذلك نفي أصل
الرؤي ة .وقد ادعى ابن تيمية ف وق ذلك أن اإلمجاع وقع على رؤية اهلل تع اىل يف جه ة،
فانظر مدى بعد رأيه وفساد قرحيته.
وتأمل كيف يص رح الكالب اذي هنا ب أن الظن ون ال هتجم علي ه ،وال ختالطه األفك ار.
فهو نفس ما نريد إثباته.
ثالثا :وقال اإلمام أبو القاسم القشريي يف مقدمة رسالته-ممزوج بشرح شيخ اإلسالم
زكريا األنصاري -ص(-:)1/26
"(وال مك ان ميس كه وال زم ان يدرك ه) فهو مس تغن عن عرشه ومت نزه عن املك ان
والزمان (وال فهم يقدره وال وهم يصوره) فهو متنزه عن اجلوهر والعرض(،تع اىل عن أن
يقال كيف هو أو أين) هو منزه عن اجلسمية واملكان)".اهـ
وعلق العالمة العروسي يف حاش يته فق ال)":قوله وال فهم يق دره) أي لقص ور العق ول
الكاملة فضال عن غريها عن اإلحاطة به تع اىل ،ومثل ذل ك(قوله وال وهم يص وره)
وإيض احه أن التص وير إمنا ميكن يف حق من له ص ورة وكيفي ه ،واهلل تع اىل م نزه عن
ذلك".اهـ
رابع ا:ق ال اإلم ام أبو القاسم القش ريي يف رس الته مع ش رح ش يخ اإلس الم زكري اء(
(":)1/45أخربنا الش يخ أبو عبد ال رمحن الس لمي رمحه اهلل ق ال:مسعت حممد بن حممد بن
غ الب ق ال:مسعت أبا نصر أمحد بن س عيد االس َفنجاين) بفتح الف اء وب النون(يق ول ق ال
احلسني بن منص ور) احلالج خماطبا خط اب الع ام(أل زم الكل احلدث)أي احكم بل زوم
حدوث مجيع اخللق(ألن القدم)ثابت (له) تعاىل خاصة ملا مر(فالذي باجلسم ظهوره) أي
إدراك ه(ف العرض يلزم ه) الس تحالة خلو اجلسم واجلوهر عن الع رض (وال ذي ب األداة)أي
األس باب(اجتماعه فقواها ميس كه)أي لو فق دت تف رق ،والب اء يف املوض عني ص لة ملا
بعدها(والذي يؤلفه وقت يفرقه وقت) أي والذي يتألف وقتا جيوز أن يفرتق وقتا(والذي
يقيمه غ ريه فالض رورة) أي افتق اره إىل غ ريه)متسه (وال ذي ال وهم)أي ال ذهن(يظفر ب ه)أي
يتخيله(فالتصوير يرتقي إليه)…اخل"اهـ.
فتأمل رمحك اهلل يف العبارة األخرية كيف ينفي احلالج بلوغ الوهم واخليال هلل تعاىل
عن ذلك نفيه صرحيا ال تردد فيه.
خامسا:قال الشيخ اإلمام أبو القاسم القشريي يف رسالته ممزوجة بشرح شيخ اإلسالم
زكرياء(":)1/55وأخربنا الشيخ أبو عبدالرمحن السلمي رمحه اهلل قال مسعت عبد الواحد
بن بكر يق ول مسعت هالل بن أمحد يق ول س ئل أبو علي الروذب اري عن التوحيد
والتوحيد)بالرفع ويف
ُ فقال:التوحيد استقامة القلب بإثبات مفارقة التعطيل وإنكار التشبيه.
نس خة فالتوحي د(يف كلم ة) وهي (كل ما ص وره األوه ام واألفك ار فاهلل س بحانه خبالفه
لقوله تعاىل[ليس كمثله شيء وهو السميع البصري)".اهـ
وهذه الكلمة اليت ذكرها الشيخ هنا مشهورة على ألسنة العوام ،ال يستطيع إنكارها
إال جاهل أو جمسم ،وقد أنكرها ابن تيمية يف بعض كتبه كما سيجيء.
سادس ا:ق ال أبو القاسم القش ريي يف رس الته ()1/57ممزوجا بش رح ش يخ اإلس الم
زكريا األنص اري:مسعت حممد بن احلسني الس لمي يق ول مسعت أبا احلسني الفارسي يق ول
مسعت إب راهيم بن فاتك يق ول مسعت اجلنيد يق ول:مىت يتصل من ال ش بيه له وال نظري له
مبن له ش بيه ونظ ري)حىت يق ال فالن وصل إىل اهلل ،وي راد به الوص ول ب احلس والق رب
املعه ودين(هيه ات) أي بعد ذل ك(ه ذا ظن عجيب إال)أي لكن االتص ال به إمنا هو (مبا
لطف اللطيف) أي بلطفه (من حيث ال درك وال وهم وال إحاطة إال إشارة اليقني وحتقيق
اإلميان ،أي باإلش ارة إىل ذلك يعين بكم ال اليقني ومعرفة اهلل تع اىل ودوام ال ذكر وقلة
الغفلة".اهـ
فتأمل رمحك اهلل تع اىل لطف ه ذا الكالم الص ادر من رئيس ه ذه الطائفة اجلنيد ال ذي
ال مين أن يق دح ق ادح يف عظم مقامه يف التوحيد واإلميان .وأهل الس نة تبع له يف ه ذا
الطريق.
س ابعا :ق ال أبو القاسم القش ريي يف رس الته ( )1/57ممزوجا بش رح العالمة ش يخ
اإلس الم زكريا األنص اري":وأخربنا حممد بن احلسني ق ال مسعت أبا بكر ال رازي يق ول
مسعت أبا علي الروذباري يقول :كل ما تومهه متوهم)أي ختيله (باجلهل أنه) تعاىل (كذلك
فالعقل يدل على أنه خبالفه) إذ املتوهم اجلاهل إمنا يتوهم األجسام".اهـ
وهذا يعين أن الوهم هو اخليال كما وضحناه يف أول هذه التعليقة ،وأن ذلك كله ال
يتعلق باهلل تعاىل .وهذه عبارة حقيقة بأن تتخذ قاعدة.
ثامن ا :ق ال األس تاذ أبو القاسم القش ريي يف رس الته أيضا يف عقيدته اليت مجعها من
أق وال الق وم واليت ق ال يف ب دايتها (":)1/63ه ذه فص ول تش تمل على بي ان عقائ دهم يف
مس ائل التوحيد ذكرناها على وجه ال رتتيب ،ق ال ش يوخ ه ذه الطريقة على ما ي دل عليه
متفرق ات كالمهم وجمموعاهتا ومص نفاهتما يف التوحي د :إن احلق س بحانه وتع اىل موج ود
قدمي واحد حكيم قادر… حىت قال… وال يتصور يف األوهام وال يتقدر يف العقول) ألن
ذلك من خ واص األجس ام حيصل هلا بواس طة الكمي ات والكيفي ات وإحاطة احلدود
والنهايات".اهـ
وه ذا الكالم واضح ال حيت اج إىل ش رح خاصة بعد كالم ش يخ اإلس الم زكريا
األنصاري رمحة اهلل عليه.
تاسعا :قال اإلمام البيهقي يف شعب اإلميان ( ":)1/112وقد ذكر احلليمي رمحه اهلل
تع اىل يف إثب ات ح دث الع امل وما ي دل على أن له ص انعا وم دبرا ،ال ش به له من خلق ه،
فص وال حس انا ،ال ميكن ح ذف ش يء منه ا ،فرتكتها على حاهلا ،ونقلت ها هنا من كالم
غريه ما ال بد منه يف هذا الباب ".مث قال رمحه اهلل تعاىل
"حقيقة املعرفة أن تعرفه موجودا قدميا .مل يزل وال يفىن أحدا صمدا شيئا واحدا ال
ص َّو ُر يف الوهم ،وال يتبعض ،وال يتجزأ…اخل".اهـ يُتَ َ
مث قال يف (:)1/138
"فإن قال قائل :وما الدليل على أنه ال يشبه املصنوعات وال يتصور يف الوهم؟
قي ل :ألنه لو أش بهها جلاز عليه مجيع ما جيوز على املص نوعات من مسات النقص
وأم ارات احلدث ،واحلاجة إىل حمدث غ ريه .وذلك يقتضي نفي ه ،ف وجب أنه كما وصف
نفس ه) ليس كمثله ش يء وهو الس ميع البص ري) وألنا جند كل ص نعة فيما بيننا ال تش به
صانعها كالكتابة ال تشبه الكاتب والبناء ال يشبه الباين ،فدل ما ظهر لنا من ذلك على ما
غاي عنا .وعلمنا أن صنعة الباري ال تشبهه".اهـ
وروى احلافظ ال بيهقي يف كتابه ش عب اإلميان أيضا ( )1/136ق ال":أخربنا أبو
عبداهلل احلاف ظ ،أنبا علي بن حممد املروزي ،ثنا حممد مب إب راهيم ال رازي ،ثنا حيىي بن مع اذ
ق ال":مجلة التوحيد يف كلمة واح دة ،وهي أن ال تتص ور يف ومهك ش يئا إىل واعتق دت أن
اهلل عز وجل هو مالكه من مجيع اجلهات".اهـ
ولو أردنا أن نتتبع كلم اهتم يف ه ذا املعىن الحتجنا إىل جمل دات إلي راد ما ق الوه يف
ذلك ،ولكن ما أوردناه فيه الكفاية للعاقل بتوفيق اهلل تعاىل.
واحلاصل من ذلك كله أن القاع دة اليت اعتم دها أهل الس نة هي أن ال وهم ال يبلغ اهلل
تع اىل ،مبعىن أننا ال نس تطيع أن نتص ور اهلل تع اىل خبيالن ا ،ب أن نف رتض له ص ورة أو ش كال
معينا أو ليس معين ا ،وذلك ألن اهلل تع اىل ليس له ش كل أصال وال ص ورة ،فالش كل
والصورة ال يثبتان إال لألجسام واملركبات واهلل تعاىل ليس كذلك.
([ )]19ق ال األص فهاين يف املف ردات":وأدرك بلغ أقصى الش يء ،وأدرك
الصبا ،وذلك حني البلوغ".اهـ
الصيب:بلغ غاية ِّ
ُّ
َّر ُك حمركة اللحاق… واستدرك الشيء بالشيء وقال الفريوزآبادي يف القاموس":الد َ
حاول إدراكه به .وأدرك الشيء :بلغ وقته وانتهى ،وفين".اهـ
فإدراك الشيء لغة معناه اللحوق به والوصول إليه واالنتهاء إليه.
([ )]20األفهام مجع فهم .قال الفريوزآبادي يف القاموس":فهمه كفرح ْفهما
وحيرك وهي أفصح ،وفَهامة ويكسر وفَهامية :علمه ،وعرفه بالقلب".اهـ
فالفهم هو العلم بالقلب إذن يف أصل اللغة.
وحاصل ق ول الطح اوي رمحه اهلل تع اىل "ال تدركه األفه ام" أي ال تعلمه القل وب،
والعلم ال حييط حبقيقة اهلل تعاىل ال ذاته وال صفاته ،وقد سبق أن أشرنا إىل ذلك املعىن عند
كالمنا على الوهم .فالعقول ال تستطيع أن تلحق به سبحانه .وهذه العبارة هي يف احلقيقة
قاعدة أخرى من قواعد أهل السنة ،وعلى ذلك مشى احملققون منهم ،أي إن ذاته ال ميكن
تعقلها والعلم حبقيقتها.
ويف ذلك املعىن روى اإلم ام ال بيهقي يف األمساء والص فات فق ال ص":283أخربنا أبو
عبداهلل احلافظ نا أبو العب اس هو األصم نا حممد بن إس حاق أنا عاصم بن علي نا أيب عن
عطاء السائب عن سعيد بن جبري عن ابن عباس قال:تفكروا يف كل شيء وال تفكروا يف
ذات اهلل".اهـ
وق ال يف ش عب اإلميان(":)1/136أخربنا محزة بن عبد العزي ز ،أنبأ أبو الفضل
عبدوس بن احلسني بن منصور ،حدثنا أبو حامت حممد بن إدريس الرازي ،حدثنا حممد بن
زمي املؤدب ،أنبأ علي بن ث ابت ،عن ال وازع بن ن افع ،عن س امل عن ابن عمر ح امت ال ّ
قال:قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم:تفكروا يف آالء اهلل-يعين عظَ َمتَ ه -وال تفكروا يف
اهلل".اهـ مث قال البيهقي :هذا إسناد فيه نظر.
والرواي ات الدالة على ه ذا املعىن كث رية ،واآلث ار ال واردة عن الس لف أجل من أن
حتصر ،وقد سبق اإلتيان ببعضها .وال خيالف يف هذا املعىن خمالف.
اموس":الش بة بالكسر والتحريك وك أمري:املِث ل"اهـ،
ِّ ([ )]21ق ال ص احب الق
ف املعىن أن أح دا من األن ام ال يش بهه ،ق ال الب ابريت يف ش رحه على اهلقي دة الطحاوية ص
":42وال يشبهه األنام ،وهو كل ذي روح .وقيل مجيع اخلالئق ،وقيل املراد باألنام البشر
وهو األشبه ،ألنه أراد به نفي قول املشبهة واجملسمة حيث وصفوا البارئ بأنه جسم على
صورة البشر ،وأيضا أراد نفي قول النصارى حيث جعلوا له ولدا وصاحبة تعاىل اهلل عن
ذلك .وال شك أن الولد يشابه األب ،فعلى هذا أفاد قوله "وال يشبهه األنام" غري ما أفاد
قوله فيما سبق "ال شيء مثله" ألن األول عام وهذا خاص ،فيكون مبالغة يف تنزيه اهلل عز
وجل عما ال يليق به".اهـ
وهذا كالم مفيد.
وقد تواترت كالمات السلف واألحاديث واآليات على نفي الشبيه عن اهلل تعاىل
-ففي اجلامع الصحيح سنن الرتمذي قال
حدثنا أمحد بن منيع حدثنا أبو سعد هو الصنعاين عن أيب جعفر الرازي عن الربيع
بن أنس عن أيب العالية عن أيب بن كعب أن املش ركني ق الوا لرس ول اهلل ص لى اهلل عليه
وس لم انسب لنا ربك ف أنزل اهلل { قل هو اهلل أحد اهلل الص مد } فالص مد ال ذي مل
يلد ومل يولد ألنه ليس ش يء يولد إال س يموت وال ش يء ميوت إال س يورث وإن اهلل عز
وج ل ال ميوت وال ي ورث { ومل يكن له كف وا أحد } ق ال مل يكن له ش بيه وال ع دل
وليس كمثله شيء
-ويف مستدرك احلاكم
أخربنا أبو عبد اهلل حممد بن يعق وب احلافظ وأبو جعفر حممد بن علي ق اال ح دثنا
احلسني بن الفضل ح دثنا حممد بن س ابق ح دثنا أبو جعفر ال رازي عن الربيع بن أنس عن
أيب العالية عن أيب بن كعب رضي اهلل تع اىل عن ه أن املش ركني ق الوا يا حممد انسب
لنا ربك فأنزل اهلل عز وجل قل هو اهلل أحد اهلل الصمد الذي مل يلد ومل يولد ومل يكن
له كفوا أحد ألنه ليس شيء يولد إال سيموت وليس شيء ميوت إال سيورث وإن اهلل ال
ميوت وال يورث ومل يكن له كفوا أحد قال مل يكن له شبيه وال عدل وليس كمثله شيء
هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه
-وروى ه ذا احلديث أيضا اإلم ام ال بيهقي يف األمساء والص فات ص 32يف مِج اع
أبواب ذكر األمساء اليت تتبع نفي التشبيه عن اهلل تعاىل.
-ورواه أيضا يف ش عب اإلميان( )114-1/113فق ال ح دثنا حممد بن عبد اهلل
احلافظ ،أنبأ أبو عبد اهلل حممد بن يعقوب احلافظ ،وأبو جعفر حممد بن صاحل ،قاال :ثنا
احلسني بن الفضل ،ثنا حممد بن سابق ،ثنا أبو جعفر ال رازي ،عن الربيع بن أنس عن
انسب لنا ربك ،فأنزل اهلل عز أيب العالية عن أيب بن كعب "أن املشركني قالوا يا حممد ُ
وج ل(قل هو اهلل أحد اهلل الص مد) ،ق ال الص مد ال ذي مل يلد ومل يول د ،ومل يكن له
كفوا أحد" ألنه شيء يولد إال سيموت وليس شيء ميوت إال سيورث ،وإن اهلل تبارك
وتع اىل ال ميوت وال ي ورث .ومل يكن له كف وا أحد مل يكن له ش بيه وال ع دل ،وليس
كمثله شيء".اهـ
-وروى البيهقي أيضا يف شعب اإلميان ( )1/143قال":أخربنا أبو زكريا بن أيب
إس حاق أنبأ أبو احلسن الط رائفي ،ثنا عثم ان بن س عيد ال دارمي ،ثنا عبد اهلل بن ص احل
عن معاوية بن ص احل ،عن علي بن أيب طلح ة ،عن ابن عب اس رضي اهلل عنه يف قوله
(تعلم له مسيا)مرمي ،65هل تعلم له عز وجل مثال أو شبها".اهـ
-فه ذه نص وص ص رحية يف نفي التش بيه عن اهلل تع اىل ،فتعجب بعد ذلك ملن ق ال
بأن ذم املشبهة مل يرد يف كتاب وال سنة.
([ )]22ق ال الب ابريت يف ش رحه ص":44القي وم هو الق ائم على كل نفس مبا
كس بت ،وقيل هو احلاف ظ ،وقيل الق ائم بت دبري أمر اخلل ق ،وقيل الق ائم بذاته املقيم لغ ريه.
وقوله "ال ينام" نفي للنوم والسنة والسهو والغفلة عنه"اهـ
([ )]23اخللق هو اإلجياد بعد الع دم .واحلاجة هي توقف كم ال الواحد على
غ ريه .فاهلل تع اىل هو الغين احلمي د ،وتع اىل اهلل عن أن حيت اج إىل غ ريه .وخلقه تع اىل
املخلوق ات ليس حاجته هلم ،بل ليعقب خلقه هلم أم ره وهنيه على ما س بق يف علمه
اجلن واإلنس إال ليعبدون) أي إال آلمرهم بالعبادة .والعبادة كمال للعابد تعاىل(وما خلقت َّ
ال للمعبود.
([ )]24ق ال يف الق اموس":وم ان الق وم احتمل َم ُؤونتهم أي قُ وهَت م ،وقد ال
ت مأْنَ هُ مل أك رتث له أو مل أش عر به أو ما هتي أت ل ه ،وال يهم ز ،فالفعل مان ه .وما م أَنْ ُ
أطلت التعب فيه".اهـ
أخذت عُدَّته وأُهبته ،وما طلبته وال ُ
([ )]25قوله ب اعث بال مش قة فيه إش ارة إىل البعث ،واحلي اة األخ رى .ونفي
املش قة عن اهلل تع اىل يف البعث كما هو يف اخللق األول ،ألن املش قة توجد يف من تنقص
قدرته وطاقته إذا أوجد غريه ،فيكون غريه ال يوجد إال جبزء يستنفذه املوجد ،فأنت مثال
عن دما حتمل محال ،فإنك مل تكن لتحمله إال عن دما تس تنفذ ق درا من اجلهد ال ذي ك ان
خمبوءا فيك ،ولذلك فإن املشقة والتعب حيل فيك عند العمل .فيكون صدور الفعل منك
مش روطا بفن اء ج زء منك يف املفع ول ،وه ذا كما ت رى يس تلزم إثب ات النقص فيك ول ك.
واهلل تع اىل يفعل ال كفعل ك ،ول ذلك فال تأخ ذه املش قة وال يالقي التعب يف خلقه
باملرة.فافهم هذا املعىن فإنه نفيس.
وكالم اإلم ام الطح اوي فيه إش ارة إىل ذلك كل ه ،فهو يق ول رمحه اهلل ،إن اهلل فاعل
بال مشقة ،أي مع أن كل فاعل من املخلوقات فهو فاعل باملشقة والتعب ،إال أن اهلل تعاىل
ال يشبه شيئا من ذلك ،وال يشبهه شيء ،فهو فاعل بال مشقة.
([ )]26أي إن اهلل تع اىل ق دمي بذاته وص فاته ،فلم يتصف جل وعز بش يء
حادث ،وال بصفة حادثة ،ومعىن احلادث هو املوجود بعد العدم .فاهلل قدمي وصفاته قدمية،
واعلم أن لفظ الق دمي ال يطلق إال على األمر الوج ودي ،فك أن اإلم ام الطح اوي أش ار
بكالمه هذا إىل أن صفاته تعاىل وجودية خالفا للمعتزلة ومن وافقهم يف قوهلم بأن صفاته
تعاىل ليست وجودية ،وباألوىل أن يكون إشارة إىل الرد على قول الفالسفة الذين يبالغون
يف هذا األمر فينفون مجيع الصفات الوجودية على اإلطالق ،وخيالفون حىت املعتزلة.
وانتبه إىل قوله "ما زال بصفاته قدميا بصفاته قبل خلقه" ،فقوله قبل خلقه ،دليل على
أنه يعتقد أن اهلل تعاىل كان ومل يكن شيء معه ،وإشارة إىل الرد على من خالف يف ذلك
كابن تيمية الذي ادعى أن اهلل مل يزم ومعه بعض خملوقاته .فلم تتحقق قط احلالة اليت يقال
فيها إن اهلل قبل خلقه ،فعبارة اإلمام الطحاوي هذه إذن ال تصح إال على قول أهل السنة
واجلماعة األش اعرة ومن وافقهم .أما ابن تيمية فإنه ينفيها بال توق ف ،ويعترب الق ول هبا
بدعة يف الدين وخمالفة ملا تقتضيه دالئل العقول؟! وكالمه هذا مبين على قوله بقدم العامل
النوعي.
([ )]27ك وهنم أي ك ون املخلوق ات ،واملقص ود ب ذلك وج ودهم ،ووج ود
املخلوقات هو صفة من صفاهتم هم ال من صفات اخلالق جل شأنه .فإذا خلقهم جل وعز
فإنه ال يستفيد من خلقه هلم أي صفة له ،بل إن صفاته تبقى كما كانت قبل أن خيلقهم،
وذلك ألن اهلل لو اس تفاد خبلقه للمخلوق ات أي ص فة ،لك انت ه ذه الص فة إما نقصا أو
كماال ،ويستحيل أن تكون نقصا ،فيبقى أن تكون كماال ،ولكن إذا كان ما استفاده اهلل
بسبب خلقه هلم كماال له ،للزم عن ذلك أن كماله مستفاد من املخلوقات ،وهذا باطل،
ألنه قد سبق بي ان أن اهلل تع اىل ال حيت اج إىل املخلوق ات ،بل هو جل شأنه غين عن غ ريه،
واملخلوق ات غري اهلل تع اىل ،فاهلل إذن غين عنهم ،ومعىن أنه تع اىل غين عن املخلوق ات أي
إنه ال حيت اج إليهم ،ومعىن ذلك أن كماله ال يتوقف على وج ودهم ،بل هو حاصل على
مجيع كماالته الواجبة له تعاىل بذاته ال بذوات غريه.
ه ذه هي عقي دة أهل الس نة يف اهلل عز وج ل .وهي ثابتة هلل تع اىل من حيث هو غين
عن الع املني ،فال يصح مطلقا الق ول ب أن اهلل تع اىل ملا ك ان موج ودا قبل خلقه مل يكن
متصفا بصفة معينة ،مث ملا أوجد خلقه اتصف بصفة جديدة .فإن كل من يقول مبثل ذلك،
فإنه يلزمه الق ول بافتق ار اهلل تع اىل إىل خملوقات ه ،ومعل وم أن ه ذا ال يق ول به عاق ل .وأما
وجه لزوم االفتقار عند القول بذلك ،فإن وجود املخلوقات إذا لزم عنه اتصاف اهلل تعاىل
بأمر مل يكن قبل وجودهم من صفته ،فإن وجود املخلوقات يصبح شرطا يف اتصاف اهلل
تع اىل هبذا األم ر ،وه ذا األمر ال بد أن يك ون كم اال كما س بق بيان ه ،فاحلاصل أن يك ون
املخلوق ات ش رطا يف كم ال اهلل تع اىل إذن .والق ول بش رطية املخلوق ات للكم ال ال ذي
يتصف به اهلل تعاىل معناه احتياج اهلل إىل خملوقاته ،والقول بذلك حمال ،وهو كفر.
وقد يتعجب بعض الن اس فيقول ون :وهل يوجد بالفعل من اش رتط وج ود املخل وق
التصاف اهلل تعاىل بكمال له؟ أي هل يوجد عاقل يقول بذلك؟!
ونقول له :نعم .إن بعض الفرق اليت تنتمي إىل اإلسالم ،قد قالت بذلك .بل وجادل
بعض أفرادها واملنظ رون لتعاليمها وح اولوا االس تدالل على ذلك وأت وا بكل ما هو معيب
حملاولة تق ريب ذلك إىل ال ذهن البش ري ،ولكن أىن هلم أن يفلح وا يف قلب الباطل حق ل،
ويف إثبات أن اهلل تعاىل حمتاج إىل خلقه ،وأن هذا النقص كمال له ،فهل ميكن أن ينقلب
النقص يف حق الواحد كماال يف حقه؟!
وقد يقول قائل:فمن هم هؤالء الذين قالوا مبثل هذا القول الشنيع.
نق ول :بعض الن اس ممن ينتم ون إىل ال دين اإلس المي يعتق دون أن اهلل تع اىل له حجم
معني ويطلق ون على ذلك اسم الق در املعني ،ويري دون بالق در نفس معىن احلجم .وه ؤالء
الذين يقولون بذلك أثبتوا احلدود هلل تعاىل ،وإثبات احلدود لذاته جل شأنه عن هذا اهلراء،
الزم وضح لق وهلم الس ابق .مث ق الوا ،مبا أن اهلل تع اىل له حجم معني وق در معني ،فهو ال
يستحيل عليه أن يتحرك من حمل إىل آخر ،وال يستحيل عليه أن يتصرف يف ذاته باحلركة
واالنتق ال كما يتص رف الواحد من البشر بذاته ك ذلك .فج واز التص رف هبذا املعىن الزم
واضح من لوازم مذهبهم القبيح ذلك .وما دام اهلل عند هؤالء متحركا بإرادته ،فإنه جيوز
أن ينتقل من حمل إىل آخر.
ه ذه ك انت املق دمات اليت اعتمد عليها ه ؤالء لق وهلم جبعل املخلوق ات ش رطا
لكم االت اخلالق .فقد ق الوا :ملا أراد اهلل أن خيلق الع امل ،وك ان اهلل حمدودا ،واحملدود له
جه ات يف نفس ه ،فله ميني ومشال وأعلى وأس فل ،وهك ذا ،اخت ار أن خيلق الع امل حتت ه،
فخلقه حتته ،فصار هو فوق العامل ،وجهة الفوق أكمل من جهة التحت ،ولذلك فإن اهلل
تعاىل اختار جهة التحت للعامل ،واختار جهة الفوق لذاته ،فصار اهلل تعاىل يف جهة الفوق
اليت هي كم ال ل ه ،وذلك بعد أن خلق الع امل .فك ون اهلل تع اىل يف جهة الف وق ال ذي هو
كم ال ل ه ،أمر مل جيز حص وله له إال بعد خلقه املخلوق ات .فوج ود املخلوق ات إذن ش رط
يف حصول هذا الكمال .فهذا هو قوهلم بأن اهلل تعاىل حيتاج إىل املخلوقات يف االتصاف
بكماالت ه .والبعض منهم ص رح هبذا اللف ظ ،وهو ابن تيمي ة ،وادعى أن ذلك ال نقص فيه
؟! وللعاقل أن يتعجب من كالمه ما شاء.
وأنت ت رى أن ذلك كله خيالف ما نص عليه اإلم ام الطح اوي يف املنت أعاله ،ملا
قال":مل يزدد بكوهنم شيئا مل يكن قبلهم من صفته" .أال ترى أن هذا يعارض قول اجملسمة
بأن اهلل تعاىل على العرش جالس ،وأن كونه على العرش أكمل من كونه ال على العرش،
والع رش خملوق ،إذن فاحلاصل على قوهلم أن كون اهلل تع اىل على الع رش كم ال مش روط
بوجود العرش الذي هو خملوق .وهذا غاية القبح.
وك ذلك نفس ق وهلم يف ن زول اهلل تع اىل بذاته إىل الس ماء ال دنيا ،ف إهنم ال شك أهنم
يقولون إن هذا كمال له ،وهذا الكمال مل يكن ليحصل لوال أن املخلوقات موجودة ،إذ
بال مساء ميكن النزول إليها ،كيف ميكن النزول؟!
وك ذلك يقول ون يف كونه خالق ا ،ف إهنم يقول ون ال يك ون اهلل خالقا بالفعل إال بعد
إجياده املخلوق ات .وقبل ذلك فليس خبالق ،ولكن كونه خالقا كم ال ل ه ،فيل زم من ذلك
على مذهبهم ،وجوب أن خيلق اهلل تعاىل املخلوقات .فاشرتطوا بذلك حلصول الكمال هلل
تع اىل وج ود املخلوق ات ،ووقع وا يف حمظ ور آخر هنا وهو إجياب ذلك على اهلل تع اىل.
وسوف يأيت مزيد توضيح هلذه النقطة قريبا.
وم ذهب ه ؤالء مل جيرؤ الفالس فة على الق ول ب ه ،لقبحه وس خافته .ولكنك ت رى
ه ؤالء ينس بون ذلك أيضا إىل الص حابة والت ابعني بل إىل أهل الس نة .وليس ذلك إال
الكذب الصريح.
([ )]28هذا القول تفريع على ما سبق ،فاهلل تعاىل كما كان موصوفا بصفاته
منذ األزل ،فإنه يبقى موص وفا هبذه الص فات إىل األب د .وال يط رأ عليه تغري وال ح دوث
صفة .فال يتصف اهلل تعاىل بغري ما كان منذ األزل موصوفا به.
وه ذا كما ت رى نفي ص ريح من اإلم ام الطح اوي حلدوث ص فة حادثة يف اهلل تع اىل.
وهو خالف ملا تف وه به ابن تيمية ومن اتبعه من اجملس مة ،يف ق وهلم باتص اف اهلل تع اىل
بالصفات احلادثة.
ولو كان اهلل جيوز اتصافه باحلادث لكان حمتاجا إىل احلادث ،ولكان ناقصا منذ األزل
حىت حني اتصافه بذلك احلادث ،ولكان ذاته تقبل التغريات والتحوالت .ولكان مؤثرا يف
ذاته .وقد صرح ابن تيمية بكل هذه القبائح يف كتبه .بل وصرح بأكثر منها.
ف الالزم على اإلنس ان العاقل أن يع رف ممن يأخذ عقيدت ه ،وال يغرت باألمساء الالمع ة،
فكثري من املش هورين ال قيمة ملا يكتب ون يف م وازين العق ول .كما أن الش هرة حبد ذاهتا
ليست دليال حيتج هبا على احلق والباطل .فتأمل.
([ )]29إن اهلل تع اىل خ الق ،أي متصف بكونه خالق ا .وكونه خالقا هو
حاصل منذ األزل ،ويف األزل مل يكن مث خمل وق ،إذن فاهلل تع اىل خ الق وقبل وج ود
املخلوق ات .واملخلوق ات مل تكن لتوجد إال خبلقه هلا .إذن هو تع اىل خ الق وقبل أن خيلق
اخللق .وكونه خالقا ،صفة كمال له تعاىل ،وال جيوز أن يقال إنه ال يكون خالقا إال بعد
وجود املخلوقات ،إال على معىن أنه ال يكون خالقا بالفعل إال بعد وجود املخلوقات ،فإن
من يق ول ب ذلك يش رتط السم الفاعل حص ول الفع ل ،ال جمرد الق درة على حتص يله .فمن
أراد ه ذا املعىن فهو ص حيح .وه ذا راجع إىل اللغ ة .ومن ق ال ب ذلك فإنه يق ول ب أن اخللق
بالفعل ليس كم اال له تع اىل ،ألنه تع اىل مل ي زل ك امال ،تام ا ،ويف األزل مل يكن اخللق
موجودين .بل خلق املخلوقات كمال هلم ال للخالق.فافهم.
وأما من ق ال إن كونه خالقا ال يك ون إال بإجياد املخلوق ات بالفع ل ،وكونه خالقا
كمال له تعاىل ،فهذا القائل يريد أن يقول إن إجياد املخلوقات واجب على اهلل تعاىل ،ألن
كل ما ك ان كم اال فهو واجب ،وما دام كونه خالقا واجب ألن كم ال ،وكونه خالقا ال
حيصل إال بإجياد املخلوق ات ،فإجياد املخلوق ات واجب .فه ذا هو من جيعل املخلوق ش رطا
لكم ال اخلالق .وه ذا محق وإحلاد .وه ذا هو ق ول ابن تيمية احلراين ،يص رح به وال يل وح،
بل ويدعي أن هذا هو ما كانت عليه عقيدة السلف؟! فقبحا له من مغالط مكابر ،وتعسا
ملن يتخذ مثله قدوة.
وه ذا الق ول من ابن تيمية هو أصل قوله بالتسلسل للح وادث يف الق دم ،والقليل فقط
من عرف حقيقة مراده من ه ذا الق ول ،وادعى بكل جرأة أن ه ذا ما ك ان عليه السلف.
وصريح كالم اإلمام الطحاوي أن احلوادث يف األزل منقطعة ،فإن اهلل تعاىل كان ومل يكن
ش يء مع ه ،وك ان وال خمل وق ،وه ذه العقي دة هي اليت اتفق عليها أهل الس نة .ومل خيالف
فيها من هو معتد بأقوال ه ،وبعد ذلك كله ت رى ابن تيمية يص رح ب أن ه ذا الق ول ال يليق
باهلل تع اىل وت نزه عما يق ول .وي دعي أن ك ون احلوادث مع اهلل تع اىل هو الالئق جبالله
وكماله ،وهذا كالم ساقط ،ال مييل إليه إال من يف قلبه زيغ .وهذه هي إحدى املسائل اليت
خالف فيها ابن تيمية منت اإلمام أيب جعفر الطحاوي ،فاحفظها.
تنبيه :حاول ابن تيمية أن يقرب قوله بأن احلوادث متسلسلة يف القدم ،أي ال أول هلا
يف الق دم ،ب أن ق ال :ما دام قد ج از بق اء احلوادث يف املس تقبل إىل األب د ،وهو بق اء اجلنة
والنار ،عند القائل ببقاء النار ،وهم أهل السنة ،وأما ابن تيمية فإنه يقول بفنائها ،يقول ما
دام ج از البق اء إىل األب د ،فيج وز التسلسل يف الق دم ،ألنه ال ف رق بني األبد واألزل ،فما
جاز عليه أحدمها جيوز يف اآلخر.
واعلم أن هذا الكالم عبارة عن مغالطة واضحة ،ففرق كبري بني القدم ،والبقاء ،فما
فالق دم ال يص دق إال على معن يني ،األول ع دم األولي ة ،والث اين ال دوام أزمنة ال هناية هلا يف
املاضي ،فمعناه أنه مهما وجد زمان فإنه يوجد قبله زمان آخر ال إىل هناية ،وهذا يستلزم
وج ود سلس لة ال هناية هلا من احلوادث الزمانية يف الق دم ،وأما املعىن األول فهو الث ابت يف
حق اهلل تع اىل كما أش رنا إليك يف حمل ه ،وأما املعىن الث اين فهو غري ج ائز مطلق ا ،ألنه غري
متص ور ،ويس تلزم أزلية الزم ان ،وهو باطل لل زوم كونه خملوق ا ،وما ك ان خملوقا ميتنع أن
يك ون أزلي ا .وك ذلك البق اء يف األب د ،فإنه ص ادق على معن يني األول هو ع دم اآلخري ة،
والثاين البقاء أزمنة ال هناية هلا يف املس تقبل ،فأما املعىن األول فهو الث ابت هلل تعاىل ،فبق اؤه
يف املس تقبل ،ليس معن اه دوامه أزمنة ال هناية هلا ،بل معن اه إمنا هو ع دم وج ود آخر له
تعاىل ،وأما املعىن الثاين ،فمعناه أنه مهما وجد زمان حاضر ،فيتصور وجود زمان الحق
ل ه ،والحظ أن ه ذا املعىن ال يل زم عنه وج ود أزمنة ال هناية هلا بالفع ل ،بل يس تلزم ج واز
وق وع زم ان ت ٍال لزم ان حاض ر ،وهك ذا ،وه ذا ال يس تلزم وق وع زم ان ال هناية له بالفعل
كما ترى.
ف أنت ت رى من جمرد حتليل ه اتني احلالتني ،أنه يوجد ف رق كبري بني التسلسل يف
املاض ي ،والتسلسل يف املس تقبل ،فحيث يس تلزم األول وق وع ما ال هناية له بالفع ل ،ف إن
الثاين ال يستلزمه مطلقا .وبذلك يتبني لك مدى محق من أجاز القياس بينهما ،وقال إنه ما
دام جاز التسلسل يف املستقبل فيجوز إذن يف املاضي .فال توجد علة مشرتكة بني األمرين
كما ت رى حىت جيوز القي اس بينهم ا .وال يش رتكان يف معىن واحد م ؤثر حىت يق ال إنه إذا
جاز أحدمها جاز اآلخر.
وأدى ق ول ابن تيمية هبذا الق ول-أي وق وع التسلسل يف املاض ي -إىل قب ائح عدي دة،
وض حناها يف كت اب "الكاشف الص غري عن عقائد ابن تيمي ة" .ولو ك ان اجملال مناس با هنا
ألوس عنا لك يف بي ان م دى غلطه ومد خط ورة ه ذا الق ول على عقائد ال دين .ولكن ما
ذكرناه يكفي القارئ النبيه بتوفيق اهلل تعاىل.
([ )]30عب ارة الطح اوي ه ذه أصل عظيم ق ال به أهل الس نة ،والطريقة اليت
ي ورده هبا هي طريقة األحن اف رضي اهلل تع اىل عنهم .فالربوبية هلا مع ىن ،ومعناها هو
القدرة على اخللق ،والتدبري ،وسائر خصائص الربوبية كما وضحنا بعضها يف أول تعليقاتنا
ه ذه .وه ذه املع اين ثابتة هلل تع اىل قبل وج ود أي مرب وب مطلق ا ،وتنبه إىل عمق ودقة
عبارته ه ذه ،فهو يص رح فيها ب أن اهلل تع اىل ك ان موج ودا يف ح ال مل يكن معه فيها أي
خملوق ،وال أي مربوب ،وهو معىن قوله "وال مربوب" ،فاهلل تعاىل موجود قبل املخلوقات
كلها ،ومعىن الربوبية مل يكتسبه اهلل تعاىل من وجود املخلوقات ،ومل يطرأ عليه بعد خلقه
للمربوبني .فإن هذا ينايف كماله وغناه املطلق ،كما وضحناه لك فيما سبق.
([ )]31وقوله ه ذا أيض ا ،له معىن ق ريب من معىن العب ارة الس ابقة ،بل هو
أخص منها ،فاخلالق هو اهلل تعاىل ،ومل يتصف بكون خالقا ،بعد أن أوجد املخلوقات ،بل
هو تع اىل خ الق وقبل اخلل ق ،وذلك ألن ص فة اخللق ص فة ثابتة له جل ش أنه ،قبل وج ود
املخلوقات ،فبهذه الصفة أوجد املخلوقات ،ويستحيل أن يكون قد اكتسبها منهم ،بل هم
اكتسبوا وجودهم منه جل شأنه.
وتأمل أيضا يف قول ه ،وله معىن اخلالق وال خمل وق ،ف إن ه ذا تص ريح ق وي بوج ود اهلل
تعاىل قبل وجود املخلوقات كلها ،وهو تصريح بأن سلسلة املخلوقات منقطعة يف األزل،
خالفا البن تيمية الذي يقول بأن اهلل تعاىل مل يزل ومعه بعض خملوقاته ،فلم يكن موجودا
أب دا وح ده ،بل مل ي زل ومعه بعض خلق ه .وه ذا ين ايف متاما ما يص رح به الطح اوي من
عقي دة أهل الس نة ب أن اهلل تع اىل س ابق جلميع املخلوق ات ،فهو موج ود قبلها مجيعه ا،
فلجميع املخلوق ات وسلس لة اخللق بداية وال ش ك ،وه ذه عقي دة أهل الس نة ،وابن تيمية
خيالفها ويدعي بكل جرأة أن كون اهلل تعاىل خالقا ال ميكن أن يصح إال بأن يوجد بالفعل
املخلوق ات ،وي دعي أن وج ود املخلوق ات كم ال هلل تع اىل ،وهو يف ه ذا خيالف ك ون اهلل
تع اىل غين بال ذات ،ال ب الغري ،وكامل بال ذات ال ب الغري ،وخيرج يف ه ذا أيضا عن عقي دة
أهل السنة أهل احلق ،وخيرج أيضا عن ما يدل عليه العقل.
ومعىن اخلالق هو غري نفس اخلل ق ،ألن اخللق فعل من أفع ال اهلل تع اىل ،وأما معىن
اخلل ق ،فهو الص فة اليت يتصف هبا اهلل تع اىل وهبا خيلق املخلوق ات مجيع ا ،وهي ك ون اهلل
تع اىل ق ادرا عاملا مري دا .فه ذه الص فات ثابتة هلل تع اىل قبل وج ود املخلوق ات ،فهو تع اىل
خالق وقبل اخللق ،كما إنه تعاىل رب وقبل وجود املربوبني.
وه ذا املعىن اس تفاده اإلم ام الطح اوي من ع دة نص وص يف الكت اب والس نة ،كما
استفاده أهل السنة مجيعا بل سائر الفرق اإلسالمية املعتد هبا ،إال اجملسمة.
-قال اهلل تعاىل يف سورة آل عمران [:إن يف خلق السماوات واألرض واختالف الليل
والنهار آليات ألويل األلباب (])190
-وق ال تع اىل يف س ورة األنع ام [:ذلكم اهلل ربكم ال إله إال هو خ الق كل ش يء
فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل (])102
-وقال تعاىل يف سورة يونس [:قل هل من شركائكم من يبدأ اخللق مث يعيده قل
اهلل يبدأ اخللق مث يعيده فأىن تؤفكون (])34
-وقال تعاىل يف سورة النحل [:أفمن خيلق كمن ال خيلق أفال تذكرون (])17
-وقال تعاىل يف سورة العنكبوت [:أومل يروا كيف يبدئ اهلل اخللق مث يعيده إن
ذلك على اهلل يسري (])19
-وق ال تع اىل يف س ورة اجلاثي ة [:وس خر لكم ما يف الس ماوات وما يف األرض
مجيعا منه إن يف ذلك آليات لقوم يتفكرون (])13
وقد أب دع اإلم ام ال بيهقي يف بي ان ه ذا املعىن يف كتابه االعتق اد واهلداية إىل س بيل
الرشاد ص ،55فقال":وأخربنا حممد بن عبد اهلل احلافظ حدثين أبو بكر حممد بن أمحد بن
بالويه أنا بشر بن موسى ثنا معاوية بن عم رو ثنا أبو إس حاق الف زاري عن األعمش عن
جامع بن شداد عن صفوان بن حمرز عن عمران بن حصني قال:
أتيت رس ول اهلل ص لة اهلل عليه وس لم فج اءه نفر من أهل اليمن فق الوا يا رس ول اهلل
أتيناك لنتفقه يف الدين ولنسألك عن أول هذا األمر كيف كان؟
ق ال :ك ان اهلل ومل يكن ش يء غ ريه ،وك ان عرشه على املاء ،مث كتب يف ال ذكر كل
شيء ،مث خلق السموات واألرض".
قال األستاذ رمحه اهلل:قوله كان اهلل ومل يكن شيء غريه ،يدل على أنه مل يكن شيء
غ ريه ال املاء وال الع رش وال غريمها ،وكل ذلك أغي ار .وقوله وك ان عرشه على املاء يعين
به مث خلق املاء ،وخلق العرش على املاء.
وبي ان ذلك يف ح ديث أيب رزين العقلي عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم حني ق ال "مث
خلق الع رض على املاء" .أخربنا أبو عبد اهلل احلافظ أنا أبو زكريا العن يب ،ثنا حممد بن عبد
الس الم ،ثنا إس حاق بن إب راهيم أنا عبد ال رزاق عن عمر بن ح بيب املكي ،عن ح بيب بن
قيس األعرج ،عن طاوس :قال:
ج اء رجل إىل عبد اهلل بن عب اس فس أله ،فق ال :مم خلق اخلل ق؟ ق ال من املاء والن ور
الظلمة وال ريح وال رتاب .فق ال الرجل فمم خلق ه ؤالء؟ فتال عبد اهلل بن عب اس (وس خر
لكم ما يف السموات وما يف األرض مجيعا منه).
قال :فأخربنا ابن عباس أن املاء والنور والظلمة والريح والرتاب مما يف السموات وما
يف األرض ،وقد أخرب اهلل عز وجل أن مص در اجلميع من ه ،أي من خلقه وإبداعه واخرتاعه
فهو خ الق كل ش يء ،خلق املاء أوال ،أو املاء وما ش اء من خلقه ال عن أصل وال على
مث ال س بق مث جعله أصال ملا خلق بع ده ،فهو املب دع وهو الب اري ال إله غ ريه وال خ الق
سواه".اهـ
([ )]32ه ذا إكم ال من الطح اوي لتوض يح القاع دة الس ابقة ،وهي ك ون
صفات اهلل ليست مستمدة من أفعاله جل شأنه ،فإن أفعاله حادثة وصفاته قدمية .ولذلك
فإنه يتصف بأنه حميي املوتى وقبل إجياد املخلوق ات بل وقبل إم اتتهم ،وك ذلك يس مى
خالقا وقبل أن خيلقهم .والس بب يف تس ميته هبذه األمساء هو قي ام الص فات اليت هبا يك ون
منشأ اخللق وهي الق درة واإلرادة والعلم ،وقي ام ه ذه الص فات بذاته جل ش أنه أزيل ،وال
يعتمد على إجياد اهلل تعاىل هلذه املخلوقات ،ألن نفس إجياده مشروط بوجود هذه الصفات
له.
ومن هذا نستفيد معىن يف غاية اإلفادة وهو أن اهلل تعاىل ال يستفيد اتصافه بالصفات
وال تس ميته باألمساء من األفع ال اليت يق وم هبا ،بل من الص فات اليت يتصف هبا .وهلذا ف إن
أمساءه وص فاته تع اىل أزلي ة ،مع ك ون أفعاله حادث ة .فأفعاله ناش ئة عن الص فات ،وليست
صفاته ناشئة عن أفعاله.
وه ذا األصل قد خ الف فيه ابن تيمية أيض ا ،ف ادعى أن كونه تع اىل خالقا إمنا يصح
بأن يوجد اهلل تعاىل املخلوقات ،وإجياده تعاىل للمخلوقات هو كمال له .وادعى أيضا أنه
تع اىل يفعل الكالم يف ذات ه ،فيص بح هبذا الكالم ال ذي هو فعل له متكلم ا ،فجعل الفعل
قائما باهلل ،والفعل حادث .فجعل اهلل تعاىل موصوفا بصفات حادث ،وهذا معىن قوله أن
اهلل يتصرف يف نفسه .كما يتصرف املخلوق بنفسه متاما.
وابن تيمية خرج يف هذا الكالم عن ما يقول به أهل السنة ،وأهل احلق ،وهو خالف
ملا ينص عليه اإلمام أبو جعفر الطحاوي رمحه اهلل تعاىل .وهذا أصل عظيم من أصول أهل
السنة ينبغي على القارئ االعتناء بتحصيله .واهلل املوفق.
([ )]33قوله ذلك تعليل للحكم ال ذي وض حه س ابقا ،وهو ك ون اهلل تع اىل
خالقا وقبل املخلوق ات ،وربا وقبل املربوب ات .فكلمة ذلك ت دل على العلة اليت من أجلها
حكم الطحاوي بذلك احلكم ،والعلة كما تراها هي كون اهلل تعاىل متصفا بأنه على كل
ش يء ق دير ،فالق درة منشأ كل تلك الص فات ،وهي ص فة قدمية قائمة باهلل تع اىل .وألجل
اتصافه تعاىل بالقدرة فهو الرب واخلالق والرازق احمليي واملميت..اخل ،فكل هذه الصفات
راجعة إىل الق درة كما ت رى ،فلو مل يكن تع اىل ق ديرا ملا صح اتص افه ب أي من ه ذه
الصفات.
وهذا الكالم يوافق ما عليه أهل السنة من إرجاع مجيع هذه الصفات إىل القدرة متاما
كما نص عليه اإلم ام الطح اوي ،وال جيعل ون كل فعل من ه ذه األفع ال ناش ئا عن ص فة
خاصة قائمة باهلل تع اىل كما يدعيه اجلهلة من اجملس مة ،بل كل ه ذه األفع ال ناش ئة عن
صفة واحدة وهي القدرة.
واآليات اليت تنص على أن اهلل على كل شيء قدير كثرية منها
-قوله تعاىل يف سورة البقرة:
[يك اد ال ربق خيطف أبص ارهم كلما أض اء هلم مش وا فيه وإذا أظلم عليهم ق اموا ولو
شاء اهلل لذهب بسمعهم وأبصارهم إن اهلل على كل شيء قدير (])20
-وقوله تعاىل يف سورة البقرة:
[ود كثري من أهل الكت اب لو ي ردونكم من بعد إميانكم كف ارا حس دا من عند
أنفس هم من بعد ما ت بني هلم احلق ف اعفوا واص فحوا حىت ي أيت اهلل ب أمره إن اهلل على كل
شيء قدير (])109
-وقوله تعاىل يف سورة النحل:
[وهلل غيب الس ماوات واألرض وما أمر الس اعة إال كلمح البصر أو هو أق رب إن اهلل
على كل شيء قدير (])77
-وقوله تعاىل يف سورة العنكبوت:
[قل سريوا يف األرض فانظروا كيف بدأ اخللق مث اهلل ينشئ النشأة اآلخرة إن اهلل على
كل شيء قدير (])20
([ )]34الحظ أيها الق ارئ النبيه كيف عقب اإلم ام الطح اوي القواعد
السابقة هبذه العبارة ،اليت تنص على أن اهلل تعاىل ال حيتاج إىل شيء ،وهذا يعين بوضوح
أن اإلم ام الطح اوي يريد أن يق ول إن من خيالف العقائد الس ابقة على ما تق دم ش رحها،
فإنه يلزمه أن اهلل تعاىل حمتاج إىل غريه من املخلوقات .وهذا كفر باهلل ال شك وال ريب.
وأدلة كون اهلل تعاىل غنيا كثرية منها
قوله تعاىل يف سورة آل عمران
[-ومن كفر فإن اهلل غين عن العاملني (])97
وقوله تعاىل يف سورة النساء:
[-وهلل ما يف الس ماوات وما يف األرض ولقد وص ينا ال ذين أوت وا الكت اب من قبلكم
وإي اكم أن اتق وا اهلل وإن تكف روا ف إن هلل ما يف الس ماوات وما يف األرض وك ان اهلل غنيا
محيدا (])131
وقوله تعاىل يف سورة األنعام
[-وربك الغين ذو الرمحة إن يشأ ي ذهبكم ويس تخلف من بع دكم ما يش اء كما
أنشأكم من ذرية قوم آخرين (])133
وقوله تعاىل يف سورة يونس
[-قالوا اختذ اهلل ولدا سبحانه هو الغين له ما يف السماوات وما يف األرض إن عندكم
من سلطان هبذا أتقولون على اهلل ما ال تعلمون (])68
واآليات الدالة على هذا املعىن يف القرآن كثرية.
إذن فاإلم ام الطح اوي متنبه النبن اء ه ذه القواعد املذكورة على قاع دة عظيمة هي
اس تغناء اهلل تع اىل عن كافة خلق ه ،ولكنك ت رى أن ابن تيمية يص رح بكل ج رأة بل بكل
شناعة بأن اهلل تعاىل إذا احتاج إىل خملوقاته فهذا ال ينايف كماله ،ألن خملوقاته ،حمتاجة إليه،
فهو إن احتاج إليها فإنه حيتاج إىل من هو حمتاج إليه ،فكأنه ال حيتاج إال إىل نفسه .وهذا
كالم باطل بال ريب بينا بطالنه يف كت اب "الكاشف الص غري عن عقائد ابن تيمي ة" .ف إن
اهلل إذا احت اج إىل خملوقاته فإنه يك ون فق ريا إليهم بال ريب .وافتق اره إىل غ ريه وهم
املخلوقات ينايف كماله بالذات.
([ )]35بعد أن أش ار اإلم ام الطح اوي إىل بعض القواعد يف العقائ د ،كما
س بق بيان ه ،ونبه إىل أدلتها العقلي ة ،اإلمجالي ة ،ذكر هنا دليال نقليا حمكما ال شك يف داللته
على ما سبق بيانه وتفصيله ،وهو قوله تعاىل يف سورة الشورى [فاطر السماوات واألرض
جعل لكم من أنفس كم أزواجا ومن األنع ام أزواجا ي ذرؤكم فيه ليس كمثله ش يء وهو
الس ميع البصري ( ،])11فه ذه اآلية من أق وى اآلي ات يف تنزيه اهلل تع اىل عن مش اهبة
املخلوقات من كل الوجوه .وهي آية حمكمة كما ترى ،فلو كان اهلل تعاىل مثل شيء من
خملوقاته لك ان حمتاجا إىل من يوج ده ،ولكنه تع اىل ليس كمثله ش يء ،فال ميكن أن يك ون
حمتاجا إىل غريه .وهذا األسلوب من االستدالل هو عني ما جتده يف كبار كتب األشاعرة
من الداللة على وج وب ت نزه اهلل تع اىل عن ما مضى ذك ره من النق ائص بوج وب الكم ال
ل ه ،ويس تدلون على ذلك بالعقل والنق ل .فلو ك ان مثل غ ريه من وجه من الوج وه لك ان
حمتاجا مثل غريه ،ألن األمثال تتساوى يف األحكام ،وقد ثبت بالعقل حكم االحتياج لكل
ما سواه تعاىل ،فلو قيل إن اهلل تعاىل يشبه غريه ولو من وجه من الوجوه ،للزم على ذلك
قولنا أنه تع اىل مفتقر إىل غ ريه كافتق ار ما يس اويه إىل غ ريه .ولكن ه ذا باط ل ،إذن فاهلل
تعاىل ال ميكن أن يكون مماثال لغريه وال بوجه من الوجوه ،وهذا سبق بيانه يف تفسري قوله
"وال يشبهه شيء".
ق ال اإلم ام البيض اوي يف تفسري ه ذه اآلي ة":ليس كمثله ش يء أي ليس مثله ش يء
يزاوجه ويناسبه ،واملراد من مثله ذاته،كما يف قوهلم مثلك ال يفعل كذا ،على قصد املبالغة
يف نفيه عنه فإنه إذا نفى عمن يناس به ويسد مس ده ك ان نفيه عنه أوىل…مث ق ال…ومن
ق ال الك اف فيه زائ دة لعله عىن أنه يعطي معىن ليس مثل ه ،غري أنه آكد ملا ذكرن اه .وقيل
مثله صفته أي ليس كصفته صفة".اهـ
وقال الراغب يف املفردات يف معىن املثل":عبارة عن املشاهبة لغريه يف معىن من املعاين
أي معىن ك ان ،وهو أعم األلف اظ املوض وعة للمش اهبة وذلك أن الند يق ال فيما يش ارك يف َّ
اجلوهر فق ط ،والش به يق ال فيما يش ارك يف الكيفية فق ط ،واملس اوي يق ال فيما يش ارك يف
الكمية فق ط ،والش كل يق ال فيما يش اركه يف الق در واملس احة فق ط ،واملِثْل ع ام يف مجيع
ذل ك ،وهلذا ملا أراد اهلل تع اىل نفي التش بيه من كل وجه خصه بال ذكر فق ال[:ليس كمثله
شيء]".اهـ
وه ذه اآلية كما نص عليه العلم اء تنفي مطلق املش اهبة بني اهلل تع اىل وبني خملوقات ه،
فكل ما يتصف به املخلوق ات ال ميكن أن يتصف به اخلالق ،وكل ما هو من ص فاته عز
وجل فال ميكن أن يتف به املخلوقات .وهي تنفي املشاهبة من مجيع اجلهات ،ال من حيث
ال ذات فق ط .وه ذا ما أراده البيض اوي واألص فهاين من ق وهلم أن الك اف تفيد املبالغة يف
النفي.
([ )]36الب اء يف قوله "بعلم ه" لإللص اق ،واملعي ة ،ومعىن ذلك أن اهلل تع اىل
خلق اخلل ق ،وهو ع امل مبا خل ق ،وذلك ألنه ال ميكن أن يوجد فعل اخللق من واحد بال
كونه عاملا مبخلوقات ه .فكونه خالقا يس تلزم كونه عاملا ض منا .ول ذلك ق ال اهلل تع اىل يف
س ورة املل ك [:وأس روا ق ولكم أو اجه روا به إنه عليم ب ذات الص دور ( )13أال يعلم من
خلق وهو اللطيف اخلبري ( ،])14ففي ه ذه اآلية املبارك ة ،ينص اهلل تع اىل على أنه يعلم
املخلوقات ،وال تظن أنه يفهم من اآلية أنه تعاىل ال يعلم إال ما خيلق ،بل إهنا تدل على أنه
بع دما ثبت أن اهلل تع اىل هو اخلالق ،فإنه جيب أن يثبت أيضا أنه ع امل مبا خل ق .ونق ول لو
فرض نا أيضا أن اهلل تع اىل ليس خالقا لبعض املوج ودات ،فهو ع امل هبا بال ش ك ،ف اخللق
ليس علة على العلم ،بل إنه دليل علي ه ،ويتض منه ،فثب وت اخللق دليل على ثب وت العلم،
وليس علة لوج وده ، .ففي ه ذه اآلية املبارك ة ،ينص اهلل تع اىل على أنه يعلم املخلوق ات،
وال تظن أنه ال يعلم إال ما خيلق ،بل إهنا تدل على أنه بعدما ثبت أن اهلل تعاىل هو اخلالق،
فإنه جيب أن يثبت أيضا أنه عامل مبا خلق .ونقول لو فرضنا أيضا أن اهلل تعاىل ليس خالقا
لبعض املوجودات ،فهو عامل هبا بال شك ،فاخللق ليس علة على العلم ،بل إنه دليل عليه،
ويتضمنه ،فثبوت اخللق دليل على ثبوت العلم ،وليس علة لوجوده.
وقد يفهم البعض من ق ول الطحاوي "خلق اخلق بعلم ه" أنه تع اىل خيلق بعلم ه ،وه ذا
حمض ت وهم ،مبين على أن الب اء س ببية ،بل املراد كما نبهن اك أن علم اهلل تع اىل مص احب
خللق ه ،وإمنا خيلق اهلل تع اىل املخلوق ات بقدرت ه ،ومن ش رط ك ون الق ادر ق ادرا أن يك ون
عاملا ،ألن كل قادر مريد ،وكل مريد عامل مبا يريد.
ق ال تع اىل يف س ورة البق رة[:ق ال يا آدم أن بئهم بأمسائهم فلما أنب أهم بأمسائهم ق ال أمل
أقل لكم إين أعلم غيب السماوات واألرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون (])33
وقال تعاىل يف سورة البقرة [:كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا
ش يئا وهو خري لكم وعسى أن حتب وا ش يئا وهو شر لكم واهلل يعلم وأنتم ال تعلم ون (
])216
هذه اآلية تدل على أن اهلل تعاىل يعلم الشر واخلري قبل وقوعه ،ويعلم اخلري من الشر،
ومعلوم أن العلم بالشيء قبل وقوعه يستلزم أن يكون العلم سابقا على املعلوم ،ال تاليا له
وال مصاحبا له كما ادعى بعض احلمقى.
وق ال تع اىل يف س ورة النس اء [:إمنا التوبة على اهلل لل ذين يعمل ون الس وء جبهالة مث
يتوبون من قريب فأولئك يتوب اهلل عليهم وكان اهلل عليما حكيما (])17
قوله تع اىل وك ان اهلل عليما حكيم ا ،ي دل على أزلية علمه املتعلق بكل األم ور اجلزئية
والكلية ،فهو تعاىل يعلم التائب من غري التائب بعلمه األزيل.
وقال تعاىل يف سورة النساء [:وما تفعلوا من خري فإن اهلل كان به عليما (])127
وه ذه اآلية أيضا ت دل على أس بقية علم اهلل تع اىل للمعل وم .وه ذا معىن ك ون علم اهلل
تعاىل أزليا .والحظ أنه ال جيوز أن يقول قائل أنه رمبا أراد الطحاوي بذلك كون علم اهلل
قدميا ولكن ليس أزليا ،أي أنه أراد جمرد كون علمه تعاىل سابقا للمعلوم ،وهذا ال يستلزم
األزلي ة .ف اجلواب :أن اإلم ام الطح اوي ال ميكن أن يك ون قد أراد ه ذا املعىن ألنه نفى
س ابقا أن يك ون اهلل تع اىل قد اتصف بص فة غري قدمية أو حادث ة ،وه ذا التفسري لقوله ال
يصح إال على الق ول بأنه تع اىل جيوز اتص افه ب احلوادث ،وهو منفي عند أهل الس نة كما
صرح به الطحاوي .فلزم أن يكون أراد أزلية علم اهلل تعاىل.
وقال تعاىل يف سورة التوبة[:لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا التبعوك ولكن بعدت
عليهم الش قة وس يحلفون باهلل لو اس تطعنا خلرجنا معكم يهلك ون أنفس هم واهلل يعلم إهنم
لكاذبون (])42
ه ذه اآلية دليل على تعلق علم اهلل األزيل باجلزئي ات فضال عن الكلي ات .ألنه ينص
هنا أنه يعلم أن هؤالء كاذبون ،أي إهنم لن خيرجوا معك .وهذا أمر جزئي.
وق ال تع اىل يف س ورة ه ود [:وما من دابة يف األرض إال على اهلل رزقها ويعلم
مستقرها ومستودعها كل يف كتاب مبني (])6
وه ذه اآلية دليل ص ريح على تعلق علم اهلل تع اىل األزيل بكل األم ور الكلية واجلزي ة،
فهو يعلم جل شأنه كل ما يتعلق بالدواب بالتفصيالت منذ األزل.
وقال تعاىل يف سورة إب راهيم [:أمل يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد ومثود
وال ذين من بع دهم ال يعلمهم إال اهلل ج اءهتم رس لهم بالبين ات ف ردوا أي ديهم يف أف واههم
وقالوا إنا كفرنا مبا أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب (])9
تأمل كيف ينص اهلل تع اىل على أنه يعلم من جييء من بعد تلك األق وام املذكورة،
وه ذا ي دل على تعلق علمه تع اىل األزيل باملس تقبالت من األم ور واحلوادث .وتنبه إىل أن
قولنا باملس تقبالت فإمنا تك ون احلوادث من األم ور املس تقبلة بالنس بة للمخلوق ات وأما
بالنسبة هلل فعلمه هبا علم أزيل حضوري ،أي حاضر دفعة ال على التعاقب كعلم البشر.
وقال تعاىل يف سورة احلجر [:وما أهلكنا من قرية إال وهلا كتاب معلوم (])4
وق ال تع اىل يف س ورة احلج ر [:وإن من ش يء إال عن دنا خزائنه وما ننزله إال بق در
معلوم (])21
هذا يدل على أن اهلل تعاىل عامل بكل ما خيلقه وقبل أن خيلقه.
وق ال تع اىل يف س ورة ط ه [:ق ال علمها عند ريب يف كت اب ال يضل ريب وال ينسى (
])52
وق ال تع اىل يف س ورة لقم ان [:إن اهلل عن ده علم الس اعة وي نزل الغيث ويعلم ما يف
األرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض متوت إن اهلل عليم
خبري (])34
وهذه اآلية املشهورة تدل داللة قاطعة على أن اهلل تعاىل يعلم املستقبالت من األمور
علما تفصيليا ال يتغري وال يتبدل .وإن إحاطة علمه تعاىل بالتفصيالت خاصية من خواصه.
وق ال تع اىل يف س ورة ف اطر [:واهلل خلقكم من ت راب مث من نطفة مث جعلكم أزواجا
وما حتمل من أن ثى وال تضع إال بعلمه وما يعمر من معمر وال ينقص من عم ره إال يف
كتاب إن ذلك على اهلل يسري (])11
ويف ه ذا داللة على أن كل ما يتعلق بآج ال الن اس مكت وب يف كت اب من قبل
وجودهم.
فِ ،ض دٌّ، ِ ِ
َّديد :املثْ ُل ،واملُخال ُ
الضدُّ ،بالكسر ،والض ُ
([ )]37قال يف القاموسِّ ":
ص َرفَه، ويكو ُن مَج عاً ،ومنه{ :ويكونو َن عليهم ِض دًّا} .وض دَّه يف اخل ِ
صومةَ :غلَبَ ه ،وـ عنهَ :
ُ َ َ ْ
ضب .وبنو ِضدٍّ ،بالكسر :قبيلةٌ من ٍ ِ ِ
وضاده:
َّ عاد. ومَن َعه بِ ِرفْ ٍق ،وـ الق ْربةََ :مألَهاَ .
وأضدََّ :غ َ َ
تضاد ِان".أهـ
خالََفه .ومها ُم َّ
([ )]38األنداد مجع نِ ٍّد وهو املثل ،كما قال يف القاموس ،ودقق األصفهاين يف
هذا املعىن يف املفردات فقال":نديد الشيء مشاركة يف جوهره وذلك ضرب من املماثلة،
أي مش اركة ك انت ،فكل ند مثل وليس كل مثل ن دا ،ويق ال نِ دُّه ف إن املثل يق ال له يف ِّ
ونديده ونديدته ،قال تعاىل(فال جتعلوا هلل أندادا)وقال تعاىل(ومن الناس من يتخذ من دون
اهلل أندادا) وقال تعاىل(وجتعلون له أندادا)".اهـ
([ )]39ق ال اإلم ام العز بن عبد الس الم يف بداية الس ول يف تفض يل
الرس ول":ق ال اهلل تع اىل لنبينا حممد ص لوات اهلل عليه وس المه ،متمننا عليه معرفا لق دره
لدي ه(وأن زل اهلل عليك الكت اب واحلكمة وعلمك ما مل تكن تعلم ،وك ان فضل اهلل عليك
عظيم ا)[النس اء ،]113:وقد فضل اهلل تع اىل بعض الرسل على بعض فق ال( :تلك الرسل
فض لنا بعض هم على بعض)[البق رة ،]253:والتفض يل األول ص ريح يف أصل املفاض لة،
والث اين يف تض عيف املفاض لة ب درجات ،ونكرها تنكري التعظيم مبعىن درج ات أي
درج ات".اهـ مث ش رع اإلم ام العز يف ذكر وج وه التفض يل لس يدنا حممد على ب اقي الرسل
واألنبياء.
([ )]40قال اهلل تعاىل يف سورة األحزاب (ما كان حممد أبا أحد من رجالكم
ولكن رسول اهلل وخامت النبيني)[.]40
وروى البخاري يف صحيحه عن مطعم عن أبيه رضي اهلل تعاىل عنه قال قال رسول
اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يل مخسة أمساء أنا حممد وأمحد وأنا املاحي ال ذي ميحو اهلل يب
الكفر وأنا احلاشر الذي حيشر الناس على قدمي وأنا العاقب.
وزاد الرتم ذي والط رباين يف معجمه الكبري يف روايتها عن ه :وأنا الع اقب ال ذي ليس
بعدي نيب ويف الباب عن قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح .ويف رواية ابن حبان
عن حممد بن جبري بن مطعم عن أبيه أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال إن يل أمساء
أنا حممد وأنا أمحد وأنا املاحي الذي ميحو اهلل يب الكفر وأنا احلاشر الذي حيشر الناس على
قدمه وأنا العاقب الذي ليس بعده نيب .وقد مساه اهلل رؤوفا رحيما.
ويف املستدرك على الصحيحني عن عوف بن مالك األشجعي قال انطلق النيب صلى
اهلل عليه وس لم وأنا معه حىت دخلنا كنيسة اليه ود فق ال يا معشر اليه ود أروين اثين عشر
رجال يشهدون أن ال إله إال اهلل وأن حممدا رسول اهلل حيط اهلل عن كل يهودي حتت أدمي
الس ماء الغضب ال ذي غضب عليهم ق ال فأس كتوا ما أجابه منهم أحد مث رد عليهم فلم
جيبه منهم أحد فق ال أبيتم فواهلل ألنا احلاشر وأنا الع اقب وأنا النيب املص طفى آمنتم أو
ك ذبتم مث انص رف وأنا معه حىت ك دنا أن خنرج ف إذا رجل من خلفنا يق ول كما أنت يا
حممد فق ال ذلك الرجل أي رجل تعلم وين فيكم يا معشر اليه ود ق الوا واهلل ما نعلم أنه
كان فينا رجل أعلم بكتاب اهلل منك وال أفقه منك وال من أبيك قبلك وال من جدك قبل
أبيك قال فإين أشهد له باهلل أنه نيب اهلل الذي جتدونه يف التوراة فقالوا كذبت مث ردوا عليه
قوله وقالوا فيه شرا فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كذبتم لن يقبل قولكم أما آنفا
فتثن ون عليه من اخلري ما أث نيتم وأما إذا آمن فك ذبتموه وقلتم فيه ما قلتم فلن يقبل ق ولكم
قال فخرجنا وحنن ثالثة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وأنا وعبد اهلل بن سالم وأنزل
اهلل تعاىل فيه قل أرأيتم إن كان من عند اهلل وكفرمت به اآلية .صحيح على شرط الشيخني
ومل خيرجاه إمنا اتفقا على حديث محيد عن أنس أي رجل عبد اهلل بن سالم فيكم خمتصرا.
([ )]41رواه ابن ماجه يف سننه عن أيب سعيد قال قال رسول اهلل صلى اهلل
عليه وس لم أنا سيد ولد آدم وال فخر وأنا أول من تنشق األرض عنه يوم القيامة وال فخر
وأنا أول شافع وأول مشفع وال فخر ولواء احلمد بيدي يوم القيامة وال فخر.
ورواه ابن حبان عن واثلة بن األسقع قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إن اهلل
اص طفى كنانة من ولد إمساعيل واص طفى قريشا من كنانة واص طفى بين هاشم من ق ريش
واص طفاين من بين هاشم فأنا س يد ولد آدم وال فخر وأول من تنشق عنه األرض وأول
شافع وأول مشفع.
ورواه أيضا عن عبد اهلل.
ورواه مس لم عن أيب هري رة بلفظ ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم أنا س يد ولد
آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القرب وأول شافع وأول مشفع.
ورواه اإلم ام أمحد يف مس نده عن ابن أيب خالد ق ال نظ رت عائشة إىل النيب ص لى اهلل
عليه وس لم فق الت يا س يد الع رب فق ال هلا رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم أنا س يد ولد
آدم وال فخر وأبوك سيد كهول العرب وعلي سيد شباب العرب.
ورواه غريهم.
([ )]42رواه أمحد بن عمرو بن الضحاك يف اآلحاد واملثاين عن ثوبان رضي
اهلل تع اىل عنه ق ال ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم إن اهلل عز وجل زوى يل األرض
فرأيت مشارقها ومغارهبا وأن أميت سيبلغ ملكها ما زوى يل منها وأعطيت الكنزين األمحر
واألبيض وإين س ألت ريب عز وجل ألميت أن ال يهلكها بس نة عامة وأن ال يس لط عليهم
ع دوا من س وى أنفس هم فيس تبيح بيض تهم وإن ريب عز وجل ق ال يا حممد إين إذا قض يت
قض اء فإنه ال ي رد وإين أعطيتك ألمتك أن ال أهلكهم بس نة عامة وإن ال أس لط عليهم
ع دوا من س وى أنفس هم فيس تبيح بيض تهم ولو اجتمع عليهم من بني أقطارها حىت يك ون
بعضهم يهلك بعضا وبعضهم يسيب بعضا وإن أخوف ما أخاف على أميت األئمة املضلني
وال تق وم الس اعة حىت تلحق قبائل من أميت املش ركني وحىت تعبد األوث ان وأنه س يكون يف
أميت ثالثون كذابا كلهم يزعم أنه نيب وأنه ال نيب بعدي وأنه ال تزال طائفة من أميت على
احلق ظاهرين ال يضرهم من خذهلم حىت يأيت أمر اهلل عز وجل وهي كذلك.
([ )]43يطلق الق رآن على ما يف الص دور وعلى ما يف الل وح احملف وظ وعلى
املسموع بالصوت واحلرف ،قال تعاىل يف سورة العنكبوت(بل هو آيات بينات يف صدور
الذين أوتوا العلم) ،49وقال يف سورة الربوج(بل هو قرآن جميد يف لوح حمفوظ)،21،22
وقال يف سورة األحقاف(وإذ صرفنا إليك نفرا من اجلن يستمعون القرآن).29
مقدمة يف الكالم النفسي واللفظي:
ي دعي كثري من اجلهلة أنه ال يوجد ش يء امسه كالم نفسي وال ح ديث نفسي وال
قول نفسي ،بل كل القول لديهم لفظي بصوت وحرف ،وما كان بال صوت وال حرف
فليس بكالم أص ال .وه ذا الكالم باطل ال دليل عليه إال اتب اع اهلوى والتعنت .وسو ف
ن بني لك فيما يلي وج ود أصل للكالم النفسي وغ ريه يف كالم الع رب والس لف باختص ار
كما يليق هبذا الكتاب:
ق ال اهلل تع اىل يف س ورة اجملادل ة(أمل تر إىل ال ذين هنوا عن النج وى مث يع ودون ملا هنوا
عنه ويتن اجون ب اإلمث والع دوان ومعص ية الرس ول وإذا ج اءوك حي وك مبا مل حييك به اهلل
ويقولون يف أنفسهم لوال يعذبنا اهلل مبا نقول حسبهم جهنم يصلوهنا فبئس املصري (.)8
وقال تعاىل يف سورة يوسف(قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف
يف نفسه ومل يبدها هلم قال أنتم شر مكانا واهلل أعلم مبا تصفون ()77
وقال تعاىل يف سورة األعراف(:اذكر ربك يف نفسك تضرعا وخيفة ودون اجلهر من
القول بالغدو واآلصال وال تكن من الغافلني ()205
وروى الط رباين يف األح اديث الط وال عن س المة العجلي يف قصة س لمان الفارسي
رضي اهلل تع اىل عنه ح ديثا ط ويال وفي ه :فأخ ذين غم وح دثت نفسي ب الفرار فقلت أصرب
أح دين أو ثالثة فلما ك ان ي وم األحد رجعنا إليهم ف أفطروا واجتمع وا فق ال هلم اين أريد
بيت املقدس…وفيه… فنظرت بني كتفيه فرأيت خامت النبوة مثل بيضة احلمامة فأسلمت
مث قلت له ذات ي وم يا رس ول اهلل أي ق وم النص اري ق ال ال خري فيهم وكنت أحبهم حبا
شديدا ملا رأيت من اجتهادهم مث اين سألته أيضا بعد أيام يا رسول اهلل أي قوم النصارى
ق ال ال خري فيهم وال فيمن حيبهم قلت يف نفسي فأنا واهلل أحبهم ق ال وذاك واهلل حني
بعث السرايا وجرد السيف فسرية تدخل وسرية خترج والسيف يقطر قلت حيدث يب اآلن
أين أحبهم فيبعث إيل فيضرب عنقي فقعدت يف البيت فجاءين الرسول ذات يوم فقال يا
س لمان أجب قلت من ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم قلت ه ذا واهلل ال ذي كنت
أح ذر قلت نعم ان اذهب حىت أحلقك ق ال ال واهلل حىت جتيء وأنا أح دث نفسي أن لو
ذهب أن أفر ف انطلق يب ف انتهيت إليه فلما رآين تبسم وق ال يل يا س لمان أبشر فقد ف رج
اهلل عنك مث تال علي هؤالء اآليات الذي آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا تتلى
عليهم آياتنا ق الوا آمنا به انه احلق من ربنا أنا كنا من قبله مس لمني أولئك يؤت ون أج رهم
م رتني مبا ص ربوا وي درؤون باحلسنة السيئة ومما رزقن اهم ينفقون وإذا مسعوا اللغو أعرضوا
عنه وق الوا لنا أعمالنا ولكم أعم الكم س الم عليكم ال نبتغي اجلاهلني قلت وال ذي بعثك
باحلق لقد مسعته يقول لو أدركته وأمرين أن أوقع يف النار لوقعتها انه نيب ال يقول اال حقا
وال يأمر اال باحلق.
وروى ال بيهقي يف سننه الك ربى عن عب ادة بن الوليد بن عب ادة بن الص امت ق ال أتينا
جابر بن عبد اهلل يف مسجده فذكر قصته قال فقال جابر فذهب رسول اهلل صلى اهلل عليه
وس لم يقضي حاجته فاتبعته ب إداوة من م اء فنظر رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم فلم ير
شيئا يتسرت به فإذا شجرتان بشاطيء الوادي فانطلق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إىل
أحدامها فأخذ غصنا من أغصاهنا فقال انقادي علي بإذن اهلل تعاىل فانقادت معه كالبعري
املخش وش ال ذي يص انع قائ ده حىت أتى الش جرة األخ رى فأخذ بغصن من أغص اهنا فق ال
انق ادي على ب إذن اهلل تع اىل فانق ادت معه ك ذلك حىت إذا ك ان باملنصف فيما بينهما ألم
بينهما يعين مجع بينهما فقال التئما على بإذن اهلل تعاىل فالتأمتا قال جابر فجلست أحدث
نفسي فح انت مين لفتة ف إذا أنا برس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم مقبل وإذا الش جرتان قد
افرتقتا فق امت كل واح دة منهما على س اق وذكر ب اقي احلديث رواه مس لم يف الص حيح
عن هارون بن معروف.
وروى ال بيهقي أيضا يف س ننه الك ربى عن س ليمان بن يس ار أن بن عمر رضي اهلل
تع اىل عنهم ا زوج ابنا له ابنة أخيه عبيد اهلل بن عمر وابنه ص غري يومئذ ومل يف رض هلا
ص داقا فمكث الغالم ما مكث مث م ات فخاصم خ ال اجلارية بن عمر إىل زيد بن ث ابت
فق ال بن عمر لزيد إين زوجت ابين وأنا أح دث نفسي أن أص نع به خ ريا فم ات قبل ذلك
ومل يف رض للجارية ص داقا فق ال زيد فلها املرياث إن ك ان للغالم م ال وعليها الع دة وال
صداق هلا.
ويف مسند أيب يعلى عن إبراهيم بن حممد بن سعد قال حدثين والدي حممد عن أبيه
س عد ق ال م ررت بعثم ان بن عف ان يف املس جد فس لمت عليه فمأل عينيه مين مث مل ي رد
الس الم علي ف أتيت أمري املؤم نني عمر بن اخلط اب فقلت يا أمري املؤم نني هل ح دث يف
اإلس الم ش يء ق ال وما ذاك قلت ال إال أين م ررت بعثم ان آنفا يف املس جد فس لمت عليه
فمأل عينيه مين مث مل يرد علي السالم قال فأرسل عمر اىل عثمان فدعاه فقال ما مينعك أن
تكون رددت على أخيك السالم قال عثمان ما فعلت قال سعد قلت بلى قال حىت حلف
وحلفت قال مث إن عثمان ذكر فقال بلى فأستغفر اهلل وأتوب اليه إنك مررت يب آنفا وأنا
أحدث نفسي بكلمة مسعتها من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ال واهلل ما ذكرهتا قط
إال تغشى بص ري وقليب غش اوة فق ال س عد فأنا أنبئك هبا إن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه
وس لم ذكر لنا أول دع وة مث ج اء أع رايب فش غله مث ق ام رس ول اهلل ص لى اهلل عليه
وس لم فاتبعته فلما أش فقت أن يس بقين اىل منزله فض ربت بق دمي األرض ف التفت إيل
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال من هذا أبو إسحاق قال قلت نعم يا رسول اهلل
قال فمه قال قلت وال واهلل إال أنك ذكرت لنا أول دعوة مث جاء هذا األعرايب فقال نعم
دعوة ذي النون ال إله إال أنت سبحانك إين كنت من الظاملني فإنه مل يدع هبا مسلم ربه
يف شيء قط إال استجاب له.
ويف مسند اإلمام أمحد عن بن عباس قال جاء رجل إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم
فق ال يا رس ول اهلل اىن أح دث نفسي بالش يء ألن أخر من الس ماء أحب إىل من ان
أتكلم به قال فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم اهلل أكرب اهلل أكرب اهلل أكرب احلمد هلل الذي رد
كيده إىل الوسوسة.
وروى اإلمام البخاري عن ابن عباس يف احلديث الطويل يف قصة السقيفة ،وفيها قول
عمر :فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت قد زورت مقالة أعجبتين أردت أن أقدمها بني
يدي أيب بكر وكنت أداري منه بعض احلد فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر على رسلك
فك رهت أن أغض به فتكلم أبو بكر فك ان هو أحلم مين وأوقر واهلل ما ت رك من كلمة
أعجبتين يف تزويري إال قال يف بديهته مثلها أو أفضل منها.
وروى البخاري يف صحيحه عن أيب هريرة رضي اهلل تعاىل عنه قال قال النيب
صلى اهلل عليه وسلم يقول اهلل تعاىل أنا عند ظن عبدي يب وأنا معه إذا ذكرين فإن
ذك رين يف نفسه ذكرته يف نفسي وإن ذك رين يف مأل ذكرته يف مأل خري منهم وإن تق رب
إيل ش ربا تق ربت إليه ذراعا وإن تق رب إيل ذراعا تق ربت إليه باعا وإن أت اين ميشي أتيته
هرولة.
([ )]44قال العالمة األصفهاين يف املفردات":بدا الشيء بَ ْدواً وبَداءا أي ظهر
ظهورا بينا ،قال اهلل تعاىل(وبدا هلم من اهلل ما مل يكونوا حيتسبون – وبدا هلم سيئات ما
كسبوا – فبدت هلما سوآهتما).اهـ
واعلم أن معىن ب دا غري معىن ب دأ ،فب دأ كما ق ال األص فهاين ب دأت بك ذا وأب دأت
وابت دأت أي ق دمت ،والب دء واإلب داء تق دمي الش يء على غ ريه ض ربا من التق دمي ،ق ال
تع اىل(وب دأ خلق اإلنس ان من طني) ،وق ال تع اىل(اهلل يب دأ اخللق – كما ب دأكم تع ودون)،
ومب دأ الش يء هو ال ذي منه ي رتكب أو منه يك ون ،ف احلروف مب دأ الكالم واخلشب مب دأ
الباب والسرير..اخل".اهـ
وكثريا ما يلتبس قوهلم منه بدا بقوهلم منه بدأ .والفرق بينهما كبري ،فبدا بال مهز تعين
مطلق الظهور ألمر ،وظهور أمر يستلزم أنه كان موجودا ،ولكنه ظهر للغري بعد أن كان
خافيا عليه .وأما ب دأ الش يء ،فمعن اه بال توقف وج وده بعد كونه غري موج ود .وه ذا
الكالم ي دل داللة قاطعة على أن كالم اهلل تع اىل ق دمي ال بداية ل ه ،ولكن ظه وره هو
احملدث .وظه ور الش يء غري نفس الش يء .ف افهم ،ف إن ه ذه اإلش ارة حتل كث ريا من
إشكاالت اجملسمة.
([ )]45ق ال العالمة األص فهاين :كيف لفظ يس أل به عما يصح أن يق ال فيه
شبيه وغري شبيه ،كاألبيض واألسود والصحيح والسقيم ،وهلذا ال يصح أن يقال يف اهلل عز
وجل كيف".اهـ
واحلاصل كما نص عليه الشريف اجلرجاين وغريه من العلماء فالكيف هو اهليئة القارة
للش يء ،واملقص ود باهليئة هي الص ورة ،والش كل املعني .وهي هنا الص وت واحلرف ،وأن
حيتاج اهلل تعاىل للفم واللسان واللهوات وغري ذلك من صفات احلوادث .فكل ذلك منفي
يف حقه تعاىل وهو من قبيل تشبيهه تعاىل باملخلوقات.
ق ال الب ابريت يف ش رحه على الطحاوي ة":وأراد بنفي الكيفية عنه إثب ات أزليته ردا على
املعتزلة والكرامية ،ونفي كونه من جنس احلروف واألصوات ردا على احلنابلة ،وذلك ألن
كالم اهلل صفته القائمة بذاته ،فيكون قدميا كسائر صفاته ،إذ لو كان حادثا فإما أن حيدث
يف ذاته كما زعمت الكرامي ة ،فيصري ذاته حمال للح وادث ،وهو ال جيوز ،أو ال يف حمل
وهو حمال أيض ا ،ألن الكالم ع رض فال بد له من حمل ،أو ح دث يف حمل آخر فيك ون
املتكلم ذلك احملل ال خالقه.
وق ول احلنابلة وهو أنه ح روف غري خملوقة قائمة بذاته أيضا باطل ألن احلروف تت واىل
ويقع بعضها مسبوقا ببعض وكل مسبوق حادث ،وألن احلروف ال تصدر إال من اآلالت
وهي احللق والشفة وغريمها ،فيلزم من التجسيم تعاىل اهلل عن ذلك".اهـ
([ )]46كلمة "ق وال" متعلقة بقوله ب دا ،مبعىن أن الكالم ملا ب دا من اهلل تع اىل
بدا منه قوال ،ال معىن فقط ،وذلك خالفا ملن قال إن القرآن أوحى اهلل تعاىل به إىل جربيل
عليه الس الم ب املعىن وهو عرب عنه باأللف اظ املنزلة على س يدنا حمم د .وه ذا الق ول ال دليل
علي ه .ف احلق إذن أن الق رآن ب دا من اهلل تع اىل كما أن زل على س يدنا حممد مل يتص رف فيه
أحد من اخللق.
([ )]47ق ال اهلل تع اىل يف س ورة الش ورىوما ك ان لبشر أن يكلمه اهلل إال
فيوحي بإذنه ما يشاء ،إنه على ما يشاء قدير(َ وحيا أو من وراء حجاب ،أو يرسل رسوال
،)51وقد وردت أدلة ت دل على أن ال وحي ب القرآن ك ان من الل وح احملف وظ كما يف
املعجم الص غري للط رباين عن ابن عب اس عن دما ق الت ق ريش للنيب " فق الوا ه ذا-أي ما
وع دوه به من م ال ونس اء وغري ذل ك -لك عن دنا يا حممد وكف عن ش تم آهلتنا وال
تذكرها بشر فإن بغضت فإنا نفرض عليك خصلة واحدة ولك فيها صالح قال وما هي
قال تعبد إهلنا سنة الالت والعزى ونعبد إهلك سنة ق ال حىت أنظر ما ي أتيين من ريب فجاء
ال وحي من عند اهلل عز وجل من الل" " " ""وح المحف" " " ""وظ قل يا أيها الك افرون ال أعبد ما
تعب دون الس ورة وأن زل اهلل تع اىل{قل أفغري اهلل ت أمروين أعبد أيها اجلاهلون} بل اهلل فأعبد
وكن من الشاكرين.
وقال تعاىل يف سورة القدر(إنا أنزلناه يف ليلة القدر) والظاهر من هذا التعبري أنه أنزله
مجيعه يف تلك الليلة ،خالفا ملن قال إنه بدأ تنزيله فيها .وقد أشار أبو السعود إىل القولني
يف تفس ريه فق ال يف(":)9/182واملراد بإنزاله فيها إما إن زال كله إىل الس ماء ال دنيا كما
روي أنه أن زل مجلة واح دة ،يف ليلة الق در ،من الل وح احملف وظ إىل الس ماء ال دنيا ،وأماله
جربيل عليه الس الم على الس فرة مث ك ان ينزله على النيب ص لى اهلل عليه وس لم يف ثالث
وعشرين سنة ،وإما ابتداء إنزاله فيها كما نقل عن الشعيب".اهـ.
وقد رجح اإلمام الطربي يف تفسريه القول بأن إنزاله مت كامال يف ليلة القدر ،فقال:
يقول تعاىل ذكره :إنا أنزلنا هذا القرآن مجلة واحدة إىل السماء الدنيا يف ليلة ال َق ْدر ،وهي
علي ه ذا
ليلة احلُكْم اليت يقضي اهلل فيها قض اء الس نة وهو مص در من ق وهلم :قَ َدر اهلل ّ
األمَر ،فهو َي ْق ُدر قَ ْدرا .وبنحو الذي قلنا يف ذلك قال أهل التأويل.اهـ ،ويرجح هذا القول ْ
الروايات التالية:
روى احلاكم يف املستدرك عن سعيد بن جبري عن ابن عباس رضي اهلل تعاىل عنهما يف
قوله تع اىل {إنا أنزلن اه يف ليلة الق در} ق ال أن زل الق رآن مجلة واح دة يف ليلة الق در إىل
الس ماء ال دنيا وك ان مبوقع النج وم وك ان اهلل ينزله على رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم
بعضه يف أثر بعض قال وقالوا {لوال نزل عليه القرآن مجلة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك
ورتلناه ترتيال} هذا حديث صحيح على شرطهما ومل خيرجاه.
ورواه البيهقي أيضا يف السنن الكربى.
وروى عن املعتمر ق ال ق ال أيب ح دثنا احلريث بن خمشي أن عليا قتل ص بيحة إح دى
وعش رين من رمض ان ق ال فس معت احلسن بن علي يق ول وهو خيطب وذكر من اقب علي
فقال قتل ليلة أنزل القرآن وليلة أسري بعيسى وليلة قبض موسى قال وصلى عليه احلسن
بن علي عليهما السالم هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه.
وروى الط رباين يف املعجم الكبري عن س عيد بن جبري عن بن عب اس يف قوله { إنا
أنزلن اه يف ليلة الق در} ق ال أن زل الق رآن مجلة واح دة حىت وضع يف بيت الع زة يف الس ماء
ال دنيا ونزله جربيل عليه الس الم على حممد ص لى اهلل عليه وس لم جبواب كالم يف الس ماء
ال دنيا ونزله جربيل عليه الس الم على حممد ص لى اهلل عليه وس لم جبواب كالم العب اد
وأعماهلم.
وه ذا يوافق ما ورد يف الق رآن الك رمي كقوله تع اىل (وقرآنا فرقن اه لتق رأه على الن اس
على مكث ونزلناه تنزيال)اإلسراء ،106وقوله(وقال الذين كفروا لوال نزل عليه القرآن
مجلة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيال)الفرقان .32وأيضا قوله تعالىفي سورة
الدخان(إنا أنزلناه يف ليلة مباركة) ،3كل هذه األدلة تدل على أن إنزاله كان دفعة واحدة
من اللوح احملفوظ إىل السماء الدنيا.
الشعيب ،أنه قال يف قول اهلل :إنَّا أنْزلْناهُ يف لَْيلَة الْ َق ْد ِر
ّ وأما ما رواه اإلمام الطربي عن
ق ال :ن زل ّأو ُل الق رآن يف ليلة الق در.اهـ أي ابت دأ إنزاله يف ليلة الق در .فهو ض عيف ،وقد
عيب ،يف قول ه :إنَّا أنْزلْن اهُ يف لَْيلَ ِة روى عنه الط ربي أيضا الق ول اآلخ ر بس ند آخر عن الش ّ
الْ َق ْد ِر قال :بلغنا أن القرآن نزل مجلة واحدة إىل السماء الدنيا.اهـ فهذا نص من الشعيب يف
ما بلغه عن املتق دمني يف الق رآن ،وأما الرواية األوىل فهي من رأيه وقول ه ،وقد ت بني ض عفه
مبا تقدم.
وما ذكرناه يقويه الفرق الواضح بني "أنزلناه" وبني "نزلناه" ،فاألوىل تدل على وقوع
الفعل مرة واحدة ودفعة واحدة ،وأما الثانية فإهنا تدل على وقوعه على دفعات.واهلل تعاىل
أعلم.
([ )]48هذا الكالم يؤكد أن املراد بكالم اإلمام الطحاوي هو نفي أن يكون
اللفظ الق رآن قد فعله واحد من املخلوق ات ،ول ذا فهو ينص على نفي ذل ك .وليس املراد
من كالمه هو أن اهلل تع اىل قد تكلم بص وت وح رف كما تتكلم املخلوق ات ،ف إن ذلك
منفي بقوله "بال كيف" ،وهو نفي صريح للحرف والصوت وسائر الكيفيات.
([ )]49هذه الفقرة كلها تؤكد لك ما بيناه من معاين كالم اإلمام أيب جعفر
الطحاوي فيما سبق ،فمراده رمحه اهلل هو نفي أن يكون القرآن قد ركب حروفه وأوجد
كلماته أحد من املخلوق ات ،وليس م راده هو الق ول ب أن اهلل تع اىل قد تكلم به حبرف
وصوت كما ادعى اجملسمة.
([ )]50هذا نص صريح يف تكفري اجملسمة واملشبهة ،والذين يشبهون اهلل تعاىل
بأحد من خلق ه.وفيه رد مباشر على من ق ال من اجملس مة ب أن اهلل تع اىل يتكلم بالص وت
واحلرف ،وبأن كالمه عبارة عن حوادث متتالية يوجدها يف ذاته ،وهي عبارة عن أصوات
وحروف ،يوجدها اهلل تعاىل بقدرته يف نفسه ،وكل منها حادث ،الحق ملا قبله وسابق ملا
بعده ،فهذا معىن من املعاين الثابتة للبشر ،فمن أثبتها هلل تعاىل فإن اإلمام الطحاوي ينص
على كفره ،هذا هو املفهوم من عبارته.
([ )]51فما بالك بعد ذلك مبن مل ي نزجر هبذا ،بل وصف اهلل تع اىل باملع اين
الثابتة للخل ق ،ونسب إليه تع اىل ما ال جيوز نس بته إال إىل املخلوق ات ،وذلك كاملش بهة
واجملسمة الذين نسبوا إليه تعاىل احلرف والصوت احلادثني يف ذاته بقدرته وإرادته.
([ )]52ق ال العالمة األص فهاين يف املف ردات :الرؤية إدراك املرئي ،وذلك
أض رب حبسب ق وى النفس .واألول:باحلاسة وما جيري جمراه ا ،حنو ل رتون اجلحيم مث
لرتوهنا عني اليقني) وقوله تعاىل(ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على اهلل) وقوله(فسريى اهلل
ي جمرى الرؤية احلاسة ،فإن احلاسة ال تصح على اهلل تعاىل عن ذلك، عملكم) فإنه مما أُج ِر َ
وقول ه(إنه ي راكم هو وقبيله من حيث ال ت روهنم) .والث اين:ب الوهم والتخييل حنو أرى أن
زيدا منطلق ،وحنو قوله(ولو ترى إذ يَتوىف الذين كفروا) .والثالث :بالتفكر حنو(إين أرى
ما ال ت رون) والراب ع :بالعقل وعلى ذلك قوله (ما ك ذب الف ؤاد ما رأى) وعلى ذلك محل
قوله( ولقد رآه نزلة أخرى).اهـ
([ )]53أي رؤية اهلل تع اىل فهي حق مبعىن أهنا واقعة ألهل اجلن ة ،ال لغ ريهم
من أهل ال دنيا .فال ي رى اهلل تع اىل أحد يف احلي اة ال دنيا كما هو ظ اهر كالم اإلم ام
الطحاوي وكما هو املعتمد عند كثري من أهل السنة.
أما وقوعها ألهل اجلنة فقد دل على ذلك النصوص التالية:
منها ما رواه اإلم ام النس ائي يف س ننه الك ربى عن جرير ق ال خ رج علينا رس ول هلل
صلى اهلل عليه وس لم ليلة الب در فنظر إىل القمر فق ال إنكم ت رون ربكم كما ت رون ه ذا ال
تضامون يف رؤيته.
وقد رواه اإلم ام البخ اري يف ص حيحه عن جرير ق ال كنا عند النيب ص لى اهلل عليه
وس لم فنظر إىل القمر ليلة يعين الب در فق ال إنكم س رتون ربكم كما ت رون ه ذا القمر ال
تض امون يف رؤيته ف إن اس تطعتم أن ال تغلبوا على صالة قبل طلوع الش مس وقبل غروهبا
فافعلوا مث قرأ { وسبح حبمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب.
ورواه عنه أيضا النسائي يف سننه الكربى .وفيه عن أيب هريرة بلفظ قلنا يا رسول اهلل
هل ن رى ربنا ق ال هل ت رون الش مس يف ي وم ال غيم فيه وت رون القمر يف ليلة ال غيم فيها
قلنا نعم قال فإنكم سرتون ربكم .وهو يف املعجم الكبري للطرباين عن جرير ،ويف سنن أيب
داود ،وابن ماجه ،والسنن الكربى للبيهقي ،وابن حبان ،ويف صحيح مسلم.
ورواه اإلم ام أمحد عن أيب س عيد اخلدري ق ال ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم
انكم سرتون ربكم عز وجل قالوا يا رسول اهلل نرى ربنا قال فقال هل تضارون يف رؤية
الشمس نصف النهار قالوا ال قال فتضارون يف رؤية القمر ليلة البدر قالوا ال قال فإنكم ال
تضارون يف رؤيته إال كما تضارون يف ذلك قال األعمش ال تضارون يقول ال متارون.
ورواه البخ اري يف ص حيحه عن جرير بن عبد اهلل بلف ظ :ق ال النيب ص لى اهلل عليه
وسلم إنكم سرتون ربكم عيانا.
وهو يف الرتمذي عن أيب هريرة قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أتضامون يف
رؤية القمر ليلة الب در وتض امون يف رؤية الش مس ق الوا ال ق ال ف إنكم س رتون ربكم كما
ت رون القمر ليلة الب در ال تض امون يف رؤيته ق ال أبو عيسى ه ذا ح ديث حسن ص حيح
غريب.
ومنها ما رواه اإلم ام أمحد عن عب ادة بن الص امت أنه ق ال أن رس ول اهلل ص لى اهلل
عليه وسلم قال إين قد حدثتكم عن الدجال حىت خشيت أال تعقلوا أن مسيح الدجال
رجل قصري أفحج جعد أعور مطموس العني ليس بناتئة وال حجزاء فإن ألبس عليكم قال
يزيد ربكم ف اعلموا أن ربكم تب ارك وتع اىل ليس ب أعور وإنكم لن ت رون ربكم تب ارك
وتعاىل حىت متوتوا قال يزيد تروا ربكم حىت متوتوا.
فهذه الروايات كلها تدل على أن الرؤية واقعة للمؤمنني يف يوم القيامة ،ال يف احلياة
الدنيا.
([ )]54الب اء يف قوله بغ ري ،متعلقة بقوله والرؤي ة ،أي إن الرؤية تك ون بغري
إحاطة وال كيفي ة ،فيجب نفي الكيف عن الرؤي ة ،وقد س بق بي ان معىن الكي ف ،ومضى
ذكر أنه جيب نفي الكيف عن اهلل تع اىل وص فاته .وأما اإلحاط ة ،فال حييط جبالل ق در اهلل
تعاىل إال هو جل شأنه ،فال جيوز أن يتوهم واحد أن الرؤية املشار إليها تكشف عن مجيع
صفات اهلل تعاىل ،وجليل ذاته .مث إن اإلحاطة الفعلية ال تكون إال ملن له حدود ،وأما اهلل
تع اىل فال حد له وال ط رف وال غاي ة ،وقد س بق بي ان ذلك كل ه ،فال جيوز أصال نس بة
احلدود واإلحاطة إليه جل شأنه ،النتفاء ذلك عنه.
ق ال العالمة الغ نيمي يف ش رحه على العقي دة الطحاوي ة":ونق ول (الرؤي ة) إىل ال ذات
املقدسة املنزهة عن اإلحاطة واجلوانب(ح ق) أي ثابتة (ألهل اجلن ة) لكن (بغري إحاط ة)
جبوانب املرئي وحدوده ،لتعاليه تعاىل عن التناهي باجلوانب واالتصاف باجلوانب واحلدود
(وال كيفية) من مقابلة وجهة وارتسام ،واتصال شعاع وثبوت مسافة بني الرائي واملرئي
ألن هذا كله يف رؤية األجسام واهلل تعاىل ليس جبسم فليست رؤيته كرؤية األجسام ،فإن
الرؤية تابعة للش يء على ما هو علي ه ،فمن ك ان يف مك ان وجهة ال ي رى إال يف مك ان
وجهة كما هو ك ذلك ،ويُ َرى مبقابلة واتص ال ش عاع وثب وت مس افة ،ومن مل يكن يف
مك ان وال جهة وليس جبس م ،فرؤيته ك ذلك ليس يف مك ان وال جهة وال مبقابلة واتص ال
شعاع وثبوت مسافة ،وإال مل تكن رؤية له ،بل لغريه".اهـ
وهذا الكالم جيد ومفيد ،إال قوله " ،فمن كان يف مكان … .ويُ َرى مبقابلة واتصال
شعاع وثبوت مسافة"اهـ ،فأول هذا الكالم صحيح بال شك ،وهو أن ما كان يف مكان
فإنه يرى يف مكان ،وأما القسم الثاين ،وهو أن ما كان يف مكان فظاهر كالمه أنه ال يرى
إال باتصال شعاع وثبوت مسافة ومقابلة ،وهذا غري صحيح ،إن كان هو ما أراده ،ف إن ما
كان يف مكان فإنه ميكن أن يُرى بال اتصال شعاع وال مقابلة وال جهة ،وميكن أن يكون
معن اه أنه ك ذلك ع ادة ،وبن اءا على ذلك فال إش كال .فالرؤية يف احلقيقة ص فة كاش فة،
وهي قائمة يف الرائي ،وتكشف عن املرئي ،وعليه فإن الرائي ميكن أن يكون ال يف مكان،
ويرى ما هو يف مكان ،وال يشرتط يف الرؤية عنه أهل السنة اتصال شعاع ،وغري ذلك من
الشروط العادية ،كما أشار ،وإىل ذلك نبه العالمة الطحاوي يف قوله "بال كيفة".
هذا واعلم أن ابن تيمية قد فسر قول السلف ومنهم الطحاوي"أن اهلل تعاىل يُرى بال
إحاطة" باملعىن التايل":أي إن اهلل تعاىل وإن كان له حدود ،إال أن الرائي ال حييط حبدوده،
كما إذا نظ رت إىل الس ماء فهي وإن ك انت حمدودة إال أنك ال حتيط حبدودها ،فك ذلك
اهلل" .ه ذا هو حاصل ما يقوله ه ذا الرج ل ،وهو يبين ذلك كله على مذهبه يف التجس يم
والق ول ب أن اهلل تع اىل حمدود من مجيع اجله ات ،وهو م ذهب باطل م رذول ،ال يق ول به
واحد من أهل الس نة ،وال ينفع ابن تيمية أن ينس به إىل الس لف والعلم اء املتق دمني ،ف إن
جمرد نس بته إليهم ،ال يعين أهنم قد ق الوا به فعال ؟! بل هم قد ص رحوا بنفي احلدود
والكيفية كما ترى كالم اإلمام الطحاوي.
([ )]55هذه اآليات من سورة القيامة ،فقد اختلف فيها أهل التأويل كما قال
اإلم ام الط ربي ،روى عن عكرمة وإمساعيل بن أيب خال د :أي تنظر إىل رهبا نظ را .وروى
وح َّق هلا أن تنضر وهي ِ
بسنده عن احلسن قال:حسنة إىل َرهِّب ا ناظَرةٌ قال :تنظر إىل اخلالقُ ،
ٍِ ِ
ناض رةٌ إىل رهِّب ا ن ِ
اظَرةٌ َ تنظر إىل اخلالق .وروى عن عطية الع ويف ،يف قول هُ :و ُج وهٌ َي ْو َمئ ذ َ
قال :هم ينظرون إىل اهلل ال حتيط أبصارهم به من عظمته ،وبصره حميط هبم ،فذلك قوله:
ص ُار َو ُه َو يُ ْد ِر ُك األبْ َ
ص َار. ال تُ ْد ِر ُكهُ األبْ َ
وروى اإلمام الطربي بسنده عن جماهد ،عن ابن عمر ،قال« :إن أدىن أهل اجلنة منزلة
وس ُر ِره وخدمه مسرية ألف سنة ،يرى أقصاه كما يرى أدناه ،وإن أرفع ملن ينظر إىل ُملكه ُ
أهل اجلنة منزلة ملن ينظر إىل وجه اهلل بُك رة وعش ية» .وروى عن أيب الص هباء املوص لي،
ومل َك هُ يف مسرية ألف سنة ،فريى قال« :إن أدىن أهل اجلنة منزلة ،من يرى سرره وخدمه ُ
أقصاه كما يرى أدناه وإن أفضلهم منزلة ،من ينظر إىل وجه اهلل غدوة وعشية».
وذكر اإلم ام الط ربي أن آخ رين قد خ القوا يف ذلك فق ال :وق ال آخ رون :بل معىن
ذلك :أهنا تنتظر الثواب من رهبا .وروى ذلك بسنده عن منصور ،عن جماهد ،قال :كان
أن اس يقول ون يف ح ديث« ،ف ريون رهبم» فقلت جملاه د :إن ناسا يقول ون إنه يُ َرى ،ق ال:
يَرى وال يراه شيء.
مث قال اإلمام الطربي" :وأوىل القولني يف ذلك عندنا بالصواب القول الذي ذكرناه
عن احلسن وعك ِرمة ،من أن معىن ذلك تنظر إىل خالقها ،وبذلك جاء األثر عن رسول اهلل
ص لى اهلل عليه وس لم".اهـ مث ش رع يف ذكر الرواي ات الدالة على ذل ك ،من ذلك ما رواه
«إن ْأدىن ْأه ِل اجلَن َِّة َمْن ِزلَ ةً ،لَ َم ْن َيْنظُر يِف
بسنده ،عن ابن عمر ،قال :قال رسول اهلل ?َّ :
ُ
ني ق ال :مث أفض لَ ُهم َمْن ِزلَ ةً لَمن َيْنظُ ر يف و ْج ِه اللَّ ِه ُك َّل َي وم َم َّرتَ ِ ُم ْل ِك ِه ألْ َف ْي َس نَ ٍة ق الَّ :
ْ ُ َ َ وإن َ ْ
ناظَرةٌ قال: ناظرةٌ قال :بالبياض والصفاء ،قال :إىل رهِّب ا ِ ِ ٍِ ِ
َ تالُ :و ُجوهٌ َي ْو َمئذ نَاضَرةٌ إىل َرهِّب ا َ
وجل».عز ّ كل يوم يف وجه اهلل ّ تنظر ّ
وروى عنه أيضا عن ابن عم ر ،ق ال« :إن أدىن أهل اجلنة منزلة ملن ينظر إىل ُملكه
وس ُر ِره وخدمه مس رية ألف س نة ،ي رى أقص اه كما ي رى أدن اه ،وإن أرفع أهل اجلنة منزلة ُ
ملن ينظر إىل وجه اهلل بُك رة وعش ية» .وروى ه ذا احلديث أيضا الرتم ذي عن ابن عر مث
قال :مث قرأ رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم { وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة } قال
أبو عيسى وقد روي هذا احلديث عن غري وجه عن إسرائيل عن ثوير عن بن عمر مرفوع
ورواه عبد امللك بن أجبر عن ث وير عن بن عمر موق وف وروى عبيد اهلل األش جعي عن
س فيان عن ث وير عن جماهد عن بن عمر قوله ومل يرفعه ح دثنا ب ذلك أبو ك ريب حممد بن
العالء ح دثنا عبيد اهلل األش جعي عن س فيان عن ث وير عن جماهد عن بن عمر حنوه ومل
يرفعه.اهـ واحلديث ضعيف من جهة ثوير ابن أيب فاختة.
وروى الط ربي عن أيب الص هباء املوص لي ،ق ال« :إن أدىن أهل اجلنة منزل ة ،من ي رى
ومل َكهُ يف مسرية ألف سنة ،فريى أقصاه كما يرى أدناه وإن أفضلهم منزلة، سرره وخدمه ُ
من ينظر إىل وجه اهلل غدوة وعشية».
ق ال العالمة كم ال ال دين البياضي احلنفي يف "إش ارات املرام من عب ارات اإلم ام" ص
(" :201قال يف شرح الوصية والفقه األكرب:ولقاء اهلل تعاىل) أي كونه مرئيا (ألهل اجلنة)
زيادة يف إكرامهم فيها (حق) أي ثابت بالدالئل القطعيات من بينات اآليات ،ومشهورات
الروايات واقع (بال كيفية) أي مالبسا لعدم الكيفيات املعتربة يف رؤية األجسام واألعراض
ملا س يأيت من البي ان(وال تش بيه) له تع اىل بش يء من املخلوق ات (وال جه ة) له وال حتيز يف
شيء من اجلهات ،وفيه إشارات:
األوىل :أنه تعاىل يرى بال تشبيه لعباده يف اجلنة خبلق قوة اإلدراك يف الباصرة من غري
حتيز ومقابلة وال مواجهة وال مسامتة.
الثانية :إمكان ذلك وثبوته باآليات واألحاديث املشهورة ،وإليه أشار باحلق يف مقام
االس تدالل ،وهي كث رية .منها قوله تع اىل حكاية عن موسى على نبينا وعليه الص الة
الم":رب أرين أنظُ ْر إلي ك ،ق ال لن ت راين ولكن انظر إىل اجلبل ف إن اس تقر مكانه
ِّ والس
فس وف ت راين" األع راف ،143وقوله تع اىل"وج وه يومئذ ناض رة إىل رهبا ن اظرة" القيامة
،23-22وقوله تع اىل"لل ذين أحس نوا احلسىن وزي ادة"س ورة ي ونس .26روى أبو بكر
الصديق رضي اهلل تعاىل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال :احلسىن اجلنة والزيادة
النظر إىل وجه اهلل تعاىل.
ومنها ما رواه عبداهلل مب عمر رضي اهلل تع اىل عنهم ا ،عنه عليه الص الة والس الم أنه
وع ِش يَّة ،مث ق رأ :وجوه يومئذ
دوةً َ
قال":إن أكرم أهل اجلنة على اهلل من ينظر إىل وجهه غُ َ
ناضرة إىل رهبا ناظرة" وغري ذلك كما سيأيت.
الثالث ة :ال رد على ف رق املبتدعة كاملش بهة والكرامية النافية للرؤية بال مك ان وال جهة
زاملعتزلة والنجارية واخلوارج النافية ملطلق الرؤية .وال نزاع هلم يف إمكان االنكشاف التام
العلمي ،وال لنا يف امتناع ارتسام الصورة أو اتصال الشعاع ،أو حالة مستلزمة لذلك .بل
ال نزاع يف أنا إذا نظرنا إىل الب در ،فلنا حالة إدراكية نس ميها الرؤية مغ ايرة ملا إذا أغمض نا
العني وإن كان ذلك انكشافا جليا ،فهل حيصل للعباد بالنسبة إىل اهلل تعاىل تلك احلالة وإن
مل يكن هناك مقابلة .كما يف شرح املقاصد وغريه .وإليه أشار بقوله (يراه املؤمنون وهم
يف اجلنة دون املرئي تعاىل(بأعني رؤوسهم) ال ببصائرهم فقط لعدم النزاع فيه.
الرابع ة :أن املراد بنفي الكيفية واجلهة خلو تلك الرؤية عن الش رائط والكيفي ات
املعتربة يف رؤية األجسام واألعراض مع سالمة احلاسة وكون املرئي حبيث ميكن رؤيته من
املقابلة والع دم الق رب الق ريب والبعد البعي د ،واللطافة واحلج اب ،ال مبعىن خلو املقابلة أو
الرائي واملرئي عن مجيع احلاالت والصفات على ما يفهم أرباب اجلهاالت ،فيعربضون بأن
الرؤية فعل من أفع ال العب اد أو كسب من أكس ابه ،فبالض رورة يك ون واقعا بص فة من
الصفات ،وكذا املرئي حباسة العني ال بد أن يكون له حال أو كيفية من الكيفيات كما يف
ش رح املقاص د ،وإليه أش ار باالكتف اء بقوله في ه( وال يك ون بينه وبني خلقه مس افة) وال
قرب وال بعد ول احجاب وال مقابلة ،فإن تلك الشروط مبنية على االستقراء ،وال يقاس
أمر اآلخرة بأمر الدنيا كما يف التعديل.
فأش ار بإض افة اللق اء إليه تع اىل والبي ان مبا بع ده إىل أن املراد من الرؤية أن حيصل
انكش اف للعب اد بالنس بة إىل ذاته املخصوصة س بحانه ،وجيري جمرى االنكش اف احلاصل
عند إبصار األلوان واألضواء.
واالنكش اف جيب أن يك ون على وفق املكش وف ،ف إن ك ان املكش وف خمصوصا
باجلهة واحليز ،وجب أن يك ون االنكش اف ك ذلك ،وإن ك ان املكش وف منزها عن اجلهة
واحليز وجب أن يكون انكشافه منزه عن احليز واجلهة كما يف األربعني للرازي.
ه ذا واآلية األوىل ت دل على إمك ان رؤيت ه .وذلك أن موسى على نبينا وعليه الص الة
والس الم طلب الرؤية ومل يكن عابثا وال ج اهال واهلل علقها على اس تقرار اجلبل وهو ممكن
يف نفس ه .وما يق ال على األول أنه إمنا طلب العلم الض روري أو رؤية آي ة ،ولو س لم
فلقومه ولزي ادة الطمأنينة بتعاضد العقل والس مع ،ومل س لم فاجلهل مبس ألة الرؤية ال خيل
رد بأن "لن تراين" نفي للرؤية ال للعلم ،أو رؤية اآلية ،كيف والعلم حاصل؟ باملعرفة ،فقد ّ
واآليات كثرية ،واحلاصل منها حينئذ إمنا هو على تقدير االندكاك دون االستقرار.
والرؤية املقرونة بالنظر املوصول بإىل نص يف معناها.
والقوم إما مصدقون ملوسى عليه الصالة والسالم فيكفيهم إخباره بامتناع الرؤية أو ال
فال يفيد حكايته عن اهلل تعاىل ،وال يليق بالنيب صلى اهلل عليه وسلم تأخري رد الباطل كما
يف طلب جعل اإلله ،وال طلب الدليل هبذا الطريق ،وال اجلهل يف اإلهليات مبا يعرفه آحاد
املعتزلة.
وعلى الث اين أن املعلق عليه اس تقرار اجلبل عقيب النظر وهو حالة ان دكاك يس تحيل
ورد بأنه ممكن ض رورة وإن مل يقع ليل زم وق وع الرؤي ة ،وإمنا املس تحيل معها االس تقرارَّ .
اجتماعهما.
واآلي ات األخر ت دل على وق وع الرؤي ة ،إذ النظر املوص ول ب إىل إما مبعىن الرؤية أو
ملزوم هلا ،أو جماز متعني فيها ،وكذا اللقاء بشهادة العقل والنقل واالستعمال والعرف.
وما يق ال :إن "النظ ر" قد يك ون مبعىن االنتظ ار و"إىل" قد تك ون امسا مبعىن النعم ة.
والنظر قد يتصف مبا ال يتصف به الرؤية كالشدة واالزورار ،وحنومها ،وقد يوجد بدوهنما
مثل نظرت إىل اهلالل فلم أره ،وتقدير "إىل ثواب رهبا" احتمال ظاهر منقول ،فقد ُر َّد بأن
االنتظار ال يالئم سوق اآلية وال يليق بدار الثواب ،وكون إىل ههنا حرفا ظاهر مل يعدل
عنه السلف.
وجعل النظر املوص ول ب إىل لالنتظ ار تعس ف .وك ذا الع دول عن احلقيقة أو اجملاز
املشهور إىل احلذف بال قرينة معيِّ ٍنة ،كما يف املقاصد.
وأما األح اديث املش هورة الدالة على وق وع الرؤي ة ،فكث رية أش هرها ما ذك ره حيث
(ق ال يف رواية القاض ي) ابن عبد الب اقي (األنص اري و) ابن عبد اهلل بن خس رو ( البلخي)
والقاضي أيب زكريا موسى ( احلص كفي :ح دثين إمساعيل بن أيب خالد عن قيس بن أيب
زكريا البجلي) الت ابعي اجللي ل ،روى عن العش رة املبش رة ( عن جرير بن عبد اهلل عن النيب
ص لى اهلل عليه وس لم ،أنه ق ال :إنكم س رتون ربكم كما ت رون ه ذا القمر ليلة الب در ال
ض ُّامو َن يف ُر ْؤيَتِ ِه" بفتح أوله وتشديد امليم وحذف إحدى التاءين :أي ال ينضمن بعضكمتَ َ
إىل بعض يف وقت النظر ملا ينوبه من املشقة بسبب اإلشكال واالختفاء.
ويف رواية بضم أوله وختفيف امليم من الض يم –تُض ُامو َن -أي ال يلحقكم يف رؤيته
ض يم ومش قة ،ويعض دها رواية "ال تض ارون" من املض ارة مبعىن املض ايقة :أي ال تض ايقون
يف الرؤية غ ريكم حبيث تلحق ون الض رر هبم ،بل ي رى كل أحد كما ينبغي ،ففيه كشف
عن وجه تشبيه الرؤية ،وأهنا تقع على االنكشاف التام ،ودفع إليهام تشبيه املرئي باملرئي
يف املقام ،وهو حديث مشهور روى القدر املشرتك منه شبعة وعشرون صحابيا رواه أمري
ُيب بن
املؤم نني أبو بكر الص ديق ،وعلي وعبداهلل بن عم ر ،وابن مس عود ،وابن عب اس وأ ُّ
كعب ،ومع اذ بن جب ل ،وزيد بن ث ابت ،وجرير بن عبد اهلل ،وأبو س عيد اخلدري ،وأبو
هري رة ،وأبو موسى األش عري ،وأبو رزين لقيط العقيلي ،وجن ادة بن أيب أُميَّة ،وأنس بن
مالك ،وصهيب بن سنان ،وحذيفة بن اليمان ،وعمار بن ياسر ،وأبو أمامة الباهلي ،وأبو
بري دة وثوب ان وعبد اهلل بن ح ارث الزبي دي ،وعب ادة بن الص امت ،وفض الة بن عبي د،
وبري دة ،وعم ارة بن رويبة الثقفي ،وع دي بن ح امت الط ائي رض وان اهلل تع اىل عليهم
أمجعني ،كما يف ش روح البخ اري وروى منهم مثانية وعش رون ش يخا ب أكثر من س تني
طريقا.
وملا كان األصوب يف هذه املسألة أن يتمسك بالدالئل السمعية لكوهنا أسرع يف إلزام
املبتدع ة ،مث معارضة ش بههم باألدلة العقلية كما ذك ره أبو منص ور املاتري دي ،واخت اره
حمققو األشاعرة ،أشار اإلمام يف املقام إىل ما يثبت به املرام ،من الدالئل السمعية ،وأشار
إىل دفع شبه املبتدعة ،معارضة مبا ثبت مما حاله حال الرؤية يف القرب واإلقبال واجملاورة،
رداً للمختلف إىل املختلف ،فإنه الطريقة املسلوكة للسلف دفعا ملا متسك به املخالفون. أو َّ
اهـ ،وشرع بعد ذلك يف إيراد به الردود على املخالفني.
وق ال اإلم ام الس مرقندي يف الص حائف :اتفق أهل الس نة على ج واز رؤية اهلل تع اىل
منزها عن املس امتة واحملاذاة واملك ان خالفا جلميع الف رق .واملش بهة والكرامية وإن ج وزوا
رؤية اهلل تع اىل لكنهم إمنا ج وزوا العتق اد كونه تع اىل يف املك ان واجلهة وأما بتق دير أن
يكون تعاىل منزها عن املكان واجلهة فيحيلون رؤيته.
وه ذا البحث مما ليس للعقل اس تقالل يف إثباته وغاية س عينا ليست إال بي ان اجلواز
وهذا القدر كاف ههنا ،إذ هو مع قول الصادق يفيد الغرض ،ويبطل قول املنكرين ،ألهنم
حييلوهنا.
وبيان ه :أنَّا قد بينا يف حبث اإلدراك ات أن إدراك اجلزئي قد يك ون ب أن ي درك مثاله
ويس تدل ب ذلك املث ال عليه وهو التخي ل ،والت وهم ،وجيوز فيها غيبوبة املدرك وقد يك ون
ب أن ي درك نفسه ب دون توسط املث ال ،وجيب أن يك ون املدرك حاض را ول ذلك يس مى
مش اهدة فاملش اهدة هي إدراك نفس املوج ود فمن حصل له ه ذا الن وع من اإلدراك س واء
كان باحلاسة أو ال يتحقق له املشاهدة ضرورة.
وإذا عرفت ذلك فنقول:
قد بيَّـنَّا يف الصحيفة اخلامسة أن اهلل تعاىل كامل العلم ،تام اإلدراك ال يعزب عن عنه
ش يء فيك ون م دركا لألش ياء بأعياهنا المتن اع التخي ل ،والت وهم علي ه ،وهويته املوج ودة
ليست غائبة عنه فيك ون م دركا لنفس هويته املوج وده ب دون توسط املث ال ،وإذا أدركها
ب دون التوسط تك ون هويته املوج ودة مش اهدة له فج از على هويته اجملردة من األين
والكيف أن تك ون مش اهدة ،فعلم أن هويته املوج ودة قابلة للرؤي ة ،فلم يبعد أن خيلق اهلل
تعاىل قوة هذا اإلدراك يف الباصرة بعد البعث ،فجاز أن يرى إذا جتلى من غري تشبيه ،وال
تكييف وال حماذاة وال مسامتة.اهـ
وهذا الكالم على اختصاره كبري الفائدة ويكفي يف هذا املقام.
([ )]56ملا أثبت اإلم ام الطح اوي أصل الرؤي ة ،بال كيف وال تش بيه ،ص رح
بأنه ال جيوز لواحد أن يت وهم أنه ي رى ربه كما ي رى بقية األش ياء ،فال جيوز ت وهم الرؤية
على من معني بأن يقال إهنا تكون مع كون اهلل تعاىل مقابال لنا وحنن مقابلني له ،فإن هذا
هو قول املشبهة ،واجملسمة ،وقد قال به ابن تيمية وادعى اإلمجاع على ذلك ،بل ادعى أن
هذا هو قول السلف واخللف من العلماء .وما هو إال قول املبتدعة من اجملسمة وغريهم.
فاحلاصل إذن أنه جيب علينا اإلميان بالرؤية ولكن ال جيوز لنا اخلوض فيها وتش بيهها
برؤية األم ور املخلوق ة .فال جيوز الرك ون إىل أوهامنا وأهوائنا يف مثل ذلك األم ر.
والواجب يف ذلك كله أنه جيب التسليم هلل تعاىل .ورد علم حقيقة ذلك إليه عز وجل.
واالستس الم هلل تع اىل مل تطبقه إال أهل الس نة واجلماع ة .ف إن املش بهة ملا ق الوا إننا ال
ن رى أح دا إال إذا ك ان يف جهة وح يز ،واعتق دوا أننا ن رى اهلل تع اىل ،ق الوا بعد ذلك إنه
تع اىل جيب أن يك ون يف جهة وح يز .فهم مل يس لموا هلل تع اىل يف ه ذا األم ر .وك ذلك
املعتزلة ف إهنم ق الوا :إذا ك انت رؤية كل واحد من األم ور املوج ودة ال تتم إال بكونه يف
جهة وح يز ،فال ميكن أن رى اهلل تع اىل إذن ألنه ال ميكن وج وده يف جهة وح يز .فه ؤالء
قاسوا اخلالق على املخلوق فنفوا الرؤية ،وأولئك قاسوا اخلالق على املخلوق فأثبتوا اجلهة
واحليز واملقابلة !
وأما أهل السنة فإهنم قالوا :ملا كان اهلل تعاىل ال ميكن كونه يف جهة وال حيز .وثبت
باألدلة النقلية وق وع الرؤي ة ،فإننا نق ول بأهنا رؤية ال يف جهة وال يف ح يز ،فكما ي رى
املتحيز متحيزا ،فكذلك يرى الالمتحيز ال متحيزا .فكل رؤية فهي مناسبة ملا تكشف عنه.
وأما حقيقتها فقد ق الوا :إننا يكفينا أن نع رف ثبوهتا ،وأما حقيقتها فإننا ن رتك ذلك إىل
عامله عز وج ل ،وملا مل نكن منلك اآلالت اليت تؤهلنا للخ وض يف مثل ه ذه املب احث ،فإننا
نفوض العلم حبقيقة ذلك كله إىل اهلل تعاىل ،ونسلم له فيما أخربنا.
([ )]57أي إن ال ذي ي دعي أن الرؤية هلل تع اىل تك ون عن طريق حص ول
ص ورته فينا هبيئة وكيفية معين ة ،ف إن ه ذه الرؤية ليست الرؤية اليت يصح إثباهتا هلل تع اىل،
وهذا هو قول املشبهة ،فإهنم يتومهون أن رؤية اهلل تعاىل إمنا تكون بتوهم صورة وحصول
هيئة يف نفس اإلنسان .وكيف يكون األمر كذلك ،واهلل تعاىل منزه عن الكيف والصورة
؟!
([ )]58وكما ك ان م ذهب املش بهة ب اطال ،ف إن م ذهب من حياول أن يعني
حقيقة الرؤية باطل أيض ا ،ألن ذلك مما حجب عن عقل اإلنس ان ،فال توجد آالت وال
مق دمات العلم ب ذلك عن دنا .وما ك ان ك ذلك فاألصل أن نتوقف فيه وال نب ادره بأفهامنا
ألن ذلك يكون مرده إىل اخلطأ والضالل.
([ )]59هذه الفقرة متثل منهجا يتفرد به أهل السنة واجلماعة يف التفويض هلل
واالعرتاف أنه ليس كمثله شيء.
([ )]60قال يف القاموس :التعايل االرتفاع.اهـ .فقول اإلمام الطحاوي تعاىل
اهلل أي ارتفع عن أن يك ون له حد وركن وعضو وجه ة ،فه ذا علو يف الرتبة واملع ىن،
فحقيقة اهلل تع اىل أجل من أن يك ون هلا ما ذك ر .ألن ه ذه األم ور كلها ص فات نقص
وتستلزم احلاجة .واهلل تعاىل ليس حباجة ألحد غريه ،بل كل ما سواه فهم حباجة له.
([ )]61احلدود مجع ح دٍّ ،وحد الش يء هو طرفه وهنايت ه .ق ال يف الق اموس:
ٍ ِ ِ
ك ،وـ من بأس َ
كُ : ومْنتَهى الشيء ،وـ من ُك ِّل شيءِ :ح َّدتُهُ ،وـ ِمْن َ بني َشْيئَنْي ِ ُ ،
احلَدُّ :احلاجُز َ
ب، ب مبا مَيَْنعُ هُ وغ ريهُ عن ال َّذنْ ِ رابَ :س ْورتُهُ ،وال َّدفْ ُع ،واملْن ُع ،كاحلَ َد ِد ،وت أديب امل ْذنِ ِ
الش َِّ
َ ُ ُ َ َ
أح دُّ ،ومتي يز الش ِ َّة ،وقد ح َد ْدت عليه ِ ب والنَّز ِق ،كاحلِ د ِ
يء ُ َ ُ وما َي ْعرَتِ ي اإلنْس ا َن من الغض ِ َ
ديدةُ دا ِر ِه ،وحُم َّ ِ
كحدِّها.اهـادهُت اَ :حدُّها َ ع ِن الشيء ،ودا ِري َح َ
وق ال الفي ومي يف املص باح املن ري :وح ددت ال دار ح ّدا من ب اب قتل :ميزهتا عن
جماوراهتا بذكر هناياهتا ،وحددته ح ّدا جلدته واحلد يف اللغة الفصل واملنع.اهـ
وأما قوله الغاي ات فهو مجع غاي ة ،وغاية الش يء هي منته اه ق ال يف الق اموس :والغاية
امل َدى.اهـ
َ
اي وغاي ات ،والغاية الراية
ٌ غ واجلمع املدى، والغاية ري: املن باح املص يف ومي الفي ال وق
ت غاية بيَّنتُها وغايتك أن تفعل كذا أي هناية طاقتك أو فعلك.اهـ وغيْي ُ
واجلمع غاياتَّ ،
رأيت مما هو م ذكور يف كتب اللغة أن ح َّد الش يء هو طرفة وغايته واحلاصل كما َ
وهنايته اليت متيزه عن غريه .وهذا كما هو معلوم ال يستلزم أن كل ما هو متميز عن غريه
فيجب أن يكون له طرف وهناية وغاية ،وحدٌّ ،بل كل ما هو حمدود فهو متميز عن غريه،
وال يق ال أن كل ما هو متم يز عن غ ريه فهو حمدود .ف افهم ه ذا ف إن اجملس مة عن دما مل
يتنبهوا له وقعوا يف التشبيه.
وك ذلك الغاية هي النهاية وقد أتى اإلم ام الطح اوي هبذه الكلمة تفس ريا وتوض يحا
لكلمة احلد ،وقد رأينا أن معنامها قريب ويؤوالن إىل بعضهما البعض.
وهلذا فقد نبه إليه اإلمام الطحاوي فنفى احلدود عن اهلل تعاىل ،ولكنه مل ينف التمايز،
فإن متيز اهلل تعاىل عن خلقه ال يكون باحلد وال بالنهاية ،وال بالغاية.
ذلك ك ان املعىن املفه وم باللغة من احلد والغاي ة .واهلل تع اىل م نزه عن ذلك كل ه ،ملا
ي رتتب عليه من احتي اج .ولع دم وروده يف الش ريعة ،بل ل ورود ما ينفيه وينافيه فيه ا،
ولورود أقوال كثري من السلف يف نفي احلد والغاية عنه جل شأنه .والذين أثبتوا له تعاىل
احلد والغاية هم اجملسمة واملشبهة .وأما أهل السنة فقد نفوا عنه ذلك نفيا قاطعا.
لقد م َّر س ابقا أن اهلل تع اىل ال يش به ش يئا وال يش بهه ش يء ،ومعل وم أن كل موج ود
سوى اهلل تعاىل فهو حمدود ،فالسماء واألرض حمدودة وهلا هنايات ومقادير .فإذا كان اهلل
تع اىل له ح ٌّد فإنه يك ون مثل املخلوق ات وكيف يك ون ذلك ص حيحا وهو ليس كمثله
شيء.
احلد ص فة نقص ،فإنه من املعل وم أن غري احملدود أق وى من احملدود، وأيضا ف إن َّ
احلد إما أن يك ون من قبيل املك ان أو الزم ان .ومعىن احلد املك اين هو وتفص يل ذلك أن َّ
إحاطة املكان بالذات ،ومعلوم أن الذات إذا كانت حماطة باحلد املكاين فإن قدرهتا تكون
حمدودة باحلد املكاين الثابت هلا ،فاحلد املكاين صفة نقص إذن.
وأما الزم ان ف إن ال ذات إذا ك انت حمدودة بالزم ان ،فإهنا تنع دم خ ارج ه ذا احلد
الزماين .فاحلد الزماين مقيد هلا وحمدد لوجودها ،وواضح أن هذا نقص.
فالزم ان واملك ان إذن ص فات نقص ،واهلل تع اىل ال ميكن أن يتصف بص فات نقص.
إذن فهو جل شأنه ال ميكن أن يتصف باحلدود.
ومعلوم أن احلد الذي قصده اإلمام الطحاوي هو من قبيل احلد املكاين ،وقد تبني لك
أن املك ان أصال نقص لل ذات املتمكن ة .فهو بنفيه للحد املك اين يك ون قد قصد نفي أصل
املكان عن اهلل تعاىل.
وتأمل قوله "وتع اىل اهلل عن احلدود" فهو ينفي مطلق احلدود عن اهلل تع اىل ،وال ينفي
ح دا معين ا ،بل كل ما ك ان من قبيل احلدود فإنه منفي عنه جل ش أنه .وه ذا يعم احلد
املك اين والزم اين .ويعم احلد املعن وي أيض ا ،مبعىن أن قدرته تع اىل ليست حمدودة ،بل هي
متعلقة جبميع املمكن ات ،وعلمه تع اىل متعلق جبميع الواجب ات واملس تحيالت واملمكن ات.
وكذلك فيما يتعلق بباقي الصفات العلية.
وقد يق ال إن كالمه يش مل أيضا احلد مبعىن أن ي ذكر هلل تع اىل ح ٌّد مبعىن التعري ف،
وهو ممتنع على اهلل تعاىل ،ألن احلد املنطقي يستلزم ثبوت اجلنس أو النوع وعلى كل حال
يستلزم االشرتاك بينه تعاىل وبني غريه ،وهذا ممنوع .فال يعلم حقيقة ذاته أحد غريه ،وال
يوجد حد ميكن للبشر أن يقولوه فيعرفون به حقيقته تعاىل.
كل هذه املعاين ميكن أن تفهم من كالمه رضي اهلل تعاىل عنه .وقد يكون يف األخري
فقط تكلف .فتأمل.
وقد يق ول قائ ل :فما دام األمر واض حا إىل ه ذا الق در ،أي ما دام نفي احلدود عنه
تعاىل واضحا ،فمن الذي خالف فيه وأثبت احلد هلل تعاىل.
قلن ا :ذكر اإلم ام البغ دادي يف كت اب التبص رة البغدادية املس مى بأص ول ال دين الف رق
اليت أثبتت احلد هلل تع اىل فق ال يف ص":73املس ألة اخلامسة من األصل الث الث يف نفي احلد
والنهاية عن الصانع ،وهذه املسألة مع فرق،منها اهلشامية من غالة الروافض الذين زعموا
إن اجلبل أعظم منه كما حكي عن أن معب ودهم س بعة أش بار بشرب نفس ه ،ومنهم من ق ال َّ
هش ام بن احلكم ،واخلالف الث اين مع الكراميَّة ال ذين زعم وا أن له ح دا واح دا من جهة
الس فل ،ومنها يالقي الع رش ،واخلالف الث الث مع من زعم من مش بهة الرافضة أنه على
مقدار مساحة العرش ال يفضل من أحدمها عن اآلخر شيء.اهـ فهذه الفرق هي اليت قالت
إن اهلل تع اىل حمدود ،واعلم أن القاضي أبا يعلى احلنبلي ق ال ب أن اهلل تع اىل حمدود من جهة
الع رش ،فهو حمدود عن ده حبد واحد فق ط ،وأن ابن تيمية مل ي رتض ذل ك ،بل ق ال إن اهلل
تع اىل حمدود من س ائر اجله ات الس ت ،وادعى ه ذا كعادته أن ه ذا هو ق ول أهل الس نة.
وقد ق ال ابن تيمية ب أن اهلل تع اىل له ق در معني ويريد بالق در معىن احلجم ،فله ح يز مبعىن
احلجم املعني وقد صرح هبذا يف أكثر من موضع يف كتبه.
وقد رأينا أن اإلم ام الطح اوي قد نفى احلدود مطلقا عن اهلل تع اىل ،فش مل ذلك احلد
الواحد واحلدود وإن تعددت ،كما مضى بيانه.
وممن نفى احلد برواية مشهورة عنه اإلمام احلافظ أبن حبان ،فقام عليه جمسمة بلدته،
وأخرجوه منه ا .وممن روى ذلك موافقا هلؤالء اجملس مة أبو ذر اهلروي ص احب كت اب ذم
الكالم ،فقد قال يف كتابه ص":278وسألت حيىي بن عمار عن أيب حامت بن حبان البسيت
قلت ل ه ،أرأيت ه ،ق ال :كيف مل أره ،وحنن أخرجن اه من سجس تان ،ك ان له علم كبري ومل
يكن له كثري دين ،قدم علينا فأنكر احلد هلل فأخرجناه من سجستان" .
وروى أبو ذر اهلروي أيضا ق ال" :مسعت عبد الص مد بن ص احل يق ول ،مسعت أيب
وه ِج َر
يق ول :أنك روا على ابن حب ان قوله النب وة العلم والعم ل ،فحكم وا عليه بالزندق ةُ ،
فكتب فيه إىل اخلليفة ،فكتب بقتله .ومسعت غريه يقول :لذلك خرج إىل مسرقند".اهـ
هذه هي منزلة ابن حبان عند هذا اجملسم الكبري ،وابن حبان إمام كبري ال خيفض من
منزلته أن ي روي عنه جمسم ك اهلروي أخب ارا كه ذه ،وليت ش عري ،ف إذا ك ان ابن حب ان
ب اعرتاف ه ؤالء ينفي احلد ،وهم ك انوا يثبتون ه ،فمن األوىل بالتش نيع واهلج ر ،آل ذي ي نزه
ربه أم الذي يشبهه خبلقه؟!
وقد أش ار اإلم ام العالمة ت اج ال دين ابن الس بكي إىل ه ذه احلادثة يف كتابه املفيد
طبق ات الش افعية الك ربى( )2/13فق ال":ومن ذلك ق ول بعض اجملس مة يف أيب ح امت ابن
ِحبَّان:مل يكن له كبري دين ،حنن أخرجناه من سجستان ،ألنه أنكر احلد هلل .فياليت شعري
من أحق باإلخراج؟ من جيعل ربَّه حمدودا أو من ينزهه عن اجلسمية.؟"
احلد أبو س عيد ال دارمي اجملسم املش هور ،فقد ق ال يف كتابه يف ال رد على وممن أثبت َّ
بشر املريسي ص":23وادعى املع ارض أيضا أنه ليس هلل حد وال غاية وال هناي ة" ،مث
قال":قال أبو سعيد :واهلل تعاىل له حد ال يعلمه أحد غريه ،وال جيوز ألحد أن يتوهم حلده
غاية يف نفس ه ،ولكن ن ؤمن باحلد ،ونكل علم ذلك إىل اهلل .وملكانه أيضا ح د ،وهو على
عرشه ف وق مسواته ،فه ذان ح دان اثن ان" .مث ق ال يف ص فحة ":24فمن ادعى أنه ليس هلل
رد القرآن".اهـ حد فقد َّ
فتأمل يف ق ول ه ذا اجلاهل كيف يغ ايل يف إثب ات احلد هىت جيعله ثابتا يف الق رآن،
ويكفر من ينفي ه؟! وق ارن بينه وبني ق ول اإلم ام أيب جعفر الطح اوي بنفي احلدود
والنهايات والغايات.
ب اال ْق َوى.اهـ ِ
والر ْك ُن .بالضم :اجلان ُ([ )]62قال يف القاموسُّ :
وق ال الفي ومي يف املص باح املن ري :وركن الش يء جانب ه ،واجلمع أرك ان مثل قفل
وأقفال ،فأركان الشيء أجزاء ماهيته ،والشروط ما توقف صحة األركان عليها .اهـ
ض و ،و بالضم والكس ر :ك ُّل حَلْ ٍم وافِ ٍر وأما معىن العضو فقد ق ال يف الق اموس :العُ ْ
ِ ِِ
ض ِو.اهـ
كالع ْ
يقَ ، والت ْف ِر ُ بِ َعظْمه .والت َّْعضيَةُ :الت ْ
َّج ِزئَةَُّ ،
وق ال الفي ومي يف املص باح املن ري :والعضة القطعة من الش يء ،واجلزء من ه ،والمها واو
حمذوفة واألصل عض وة ،واجلمع عض ون على غري قي اس ،مثل س نني ،والعضو كل عظم
وافر من اجلس د ،قاله يف خمتصر العني .وضم العني أش هر من كس رها ،واجلمع أعض اء.
وعضَّيت الذبيحة بالتشديد :جعلتها أعضاء.اهـ
وات.اهـ وكذا قال الفيومي وقال الفريوزآبادي يف باب اإلداوة :واألَداةُ :اآلل ةُ ج :أ ََد ٌ
يف مصباحه.
فهذا ما يتعلق باملعاين اللغوية هلذه األلفاظ الثالثثة ،وأنت ترى أن مجيعها يدور على
معىن واحد هو اجلزء للذات والتبعيض عليها .واإلمام الطحاوي قد نفى مجيع هذه األلفاظ
من حيث ما ت دل عليه من املع اين املذكورة ،إذن تع رف من ه ذا أن أهل الس نة ينف ون أن
يكون اهلل تعاىل مركبا من أعضاء وأجزاء ،وآالت ،كما يتوهم اجملسمة.
واجملسمة عالمتهم أهنم يثبتون اليد مثال هلل تعاىل ،وال ينفون كوهنا جارحة أو عضوا،
ويتعلل ون ب أن نفي األعض اء واألدوات مل ي رد ال يف كت اب وال يف س نة ،يتس رتون ب ذلك
الق ول على فض ائحهم يف اعتق اد التجس يم .وحنن ن رى ههنا أن اإلم ام الطح اوي قد نفى
مطلقا األعض اء واألرك ان واألدوات ،ومل يتوقف يف ذل ك ،ومل يقل إن هلل تع اىل ي دا هي
عضو له أو هي ركن له أو ج زء من ه ،ومل يقل مطلقا أن هلل تع اىل أركانا تليق بذات ه ،كما
يقول هؤالء احلشوية اجملسمة.
([ )]63اجله ات مجع جه ة .ق ال ابن ف ارس يف معجم املق اييس :ال واو واجليم
واهلاء أصل واحد ي دل على مقابلة لش يء ،والوجه مس تقبل كل ش يء ،يق ال وجه الرجل
وغ ريه ،ورمبا عرب عن ال ذات بالوج ه..وواجهت فالنا جعلت وجهي تلق اء
وجهه….وال ِوجهة كل موضع استقبلته.اهـ
والِوج ه ،بالضم والكس ر :اجلانِبِ ،
والناحيَ ةُ.اهـ ُ وق ال الفريوزآب ادي يف الق اموسُ ْ ُُِ :
ِ ِ ِ ِ ِ
كالو ْجه وال ِو ْج َهة ،بالكسر ،ج :ج ٌ
هات.اهـ وقال :واجل َهةُ ،بالكسر والضم :الناحيةَُ ،
وقال الفيومي يف املصباح :والوجه مستقبل كل شيء ،ورمبا عرب بالوجه عن الذات،
ووجهت الش يء جعلته على جهة واح دة ويق ال واجهته إذا اس تقبلت وجهه بوجه كَّ ،
ووجهته إىل القبلة فتوجه إليه ا ،وال ِوجهة بكسر ال واو قيل مثل الوجه وقيل كل مك ان َّ
استقبلته ،وحتذف الواو فيقال جهة ،مثل ِع َدة ،وهو أحسن القوم وجها.اهـ
الست ،صفة للجهات ،وذلك ألن اجلهات والنواحي اليت يتوجه إليها ([ُّ )]64
اإلنس ان يف حركته هي س ت ،تابعة حلركت ه ،وه ذه اجله ات هي األم ام واخللف والف وق
والتحت واليمني والش مال .فاحلاصل من كالم اإلم ام الطح اوي رمحه اهلل تع اىل أن اهلل ال
يقال إنه يف أي جهة من اجلهات الست.
([ )]65يعين أن كل ش يء من املبت دعات أي املخلوق ات فهو يف جهة وله
جه ة ،وأما اهلل تع اىل فلما ك ان ليس كمثله ش يء ،فهو جل ش أنه موج ود بال جهة وال
ناحية.
وهذا الكالم يفهم منه أن اهلل تعاىل ال جيوز أن يكون يف جهة وال يف جهات ،فاإلمام
الطحاوي يرد على كل من القائلني بوحدة الوجود والقائلني بالتجسيم وكون اهلل تعاىل
على العرش قاعدا .فإن اهلل تعاىل لو كان يف جهة فإنه يكون على العرش مستقرا جالسا
قاعدا كما شاء وبالكيفية اليت أراد ،على حد قول اجملسمة ،وهبذا فهو يكون يف جهة من
اجله ات ،وهو هبذا يك ون قد ش ابه بعض خملوقات ه .وأما لو ك ان يف مجيع اجله ات ،فإنه
يك ون ح ااَّل يف الع امل وي ؤدي إىل الق ول بوح دة الوج ود ،وهو ق ول باط ل .واإلم ام
رد بكالمه السابق على كال هاتني الطائفتني ،وذلك ألنه قد نفى الطحاوي كما ترى قد َّ
الك ون يف اجله ات الس ت ،وه ذا ش امل للك ون يف جهة من اجله ات الس ت ،وللك ون يف
سائر اجلهات الست.
وحنن إذ وصلنا إىل هذا احلد حنب أن نذكرك بقول اإلمام الطحاوي املار آنفا ":ومن
وصف اهلل تع اىل مبعىن من مع اين البشر فقد كف ر" ،فه ذه العب ارة ك انت عامة أو مطلق ة،
وإنه اآلن قد وضح ما هي املع اين الثابتة للبشر واليت ال جيوز ألحد أن يثبتها هلل تع اىل،
واليت من أثبتها هلل تعاىل فإنه كافر كما نص عليه اإلمام الطحاوي .وهذه املعاين هي اجلهة
واحلد أو احلدود ،واألعضاء .وتنبه إىل قوله أن من أثبت هلل تعاىل هذه املعاين ،فإنه كافر،
فقد رتب احلكم بالتكفري على جمرد إثبات هذه املعاين ،ومل يرتب احلكم على إطالق هذا
االس م ،ويفهم من ذلك أن من أطلق االسم وأراد ه ذه املع اين فهو ك افر .ومن أطلقه ومل
يرد هذه املعاين فال جيزم بكفره ،وأما من مل يطلقه ولكنه أراد هذه املعاين فإنه كافر باهلل
تعاىل العظيم .هذا هو املفهوم من كالم اإلمام أيب جعفر الطحاوي رمحه اهلل تعاىل.
فاحلالة الوحي دة اليت حتتمل التفص يل عن ده ،هي من أطلق اللفظ ومل يكن هن اك دليل
على إرادته هلذه املع اين ،فه ذا ما احلكم في ه ،هل يكفر أو ال .الظ اهر واهلل تع اىل أعلم أنه
إذا كان املتبادر من اللفظ هذه املعاين ومل توجد قرينة من املتكلم لتصرف اللفظ عن هذا
الظ اهر ،فإنه ك افر ،وأما إذا مل يكن ك ذلك ،فإنه ال يكف ر ،بل يبت دع ويفس ق ،ألنه أطلق
على اهلل تع اىل لفظا مومها للنقص وغري وارد يف الش ريعة املطه رة ومل ي دل على إرادته نفي
هذا النقص عن اهلل تعاىل.
حاح:ع َر َج يف الدرجة والس لم يع ُر ُج
َ ([ )]66ق ال ص احب اجلوهري يف الص
عُروج ا ،إذا ارتقى .وق ال :واملع راج الس لم ومنه ليلة املع راج واجلمع مع ارج ومع اريج،
واملعارج املصاعد.اهـ
([ )]67ق ال الفي ومي يف املص باح :س ريت الليل وس ريت به َس ريا واالسم
الس راية إذا قطعته بالسري وأس ريت ب األلف لغة حجازي ة ،ويس تعمالن متع ديني بالب اء إىل ِّ
مفعول فيقال سريت بزيد وأسريت به.اهـ
مبعىن ،إذا سرت ليال،
ت ً وأس َريْ ُ
رى ْوم ْس ً
رى َ
وسَريت ُس ً وقال اجلوهري يف الصحاحَ :
وباأللف لغة أهل احلجاز ،وجاء القرآن هبما مجيعا .مث قال :وإمنا قال تعاىل (سبحان الذي
ت ِ
أمس ِ
الس رى ال يك ون إال باللي ل ،للتأكي د ،كق وهلم س ْر ُ أس رى بعب ده ليال)وإن ك ان ُّ
هنارا ،والبارحة ليال .اهـ
([ )]68ق ال الفي ومي يف املص باح :والش خص س واد اإلنس ان ت راه من بع د،مث
استعمل يف ذاته ،قال اخلطايب وال يسمى شخصا إال جسم مؤلف له شخوص وارتفاع.اهـ
([ )]69قال الفيومي يف املصباح:مسا يسمو مسوا عال ومنه يقال مست مهته إىل
املعايل إذا طلب العز والشرف .والسماء املظلة لألرض ،وقال السماء السقف وكل عال
مظل مساء حىت يقال لظهر الفرس مساء.اهـ
وعليت،
ُ وق ال اجلوهري:والس مو االرتف اع والعل و ،تق ول مسوت ومسيت مثل عل وت
وسليت-عن ثعلب .وفالن ال يسامى ،وقد عال من ساماه.اهـ ُ وسلوت
([ )]70واإلس راء كما مضى تفس ريه ،هو املسري يف اللي ل ،وقد أس رى اهلل
تعاىل بسيدنا حممد عليه الصالة والسالم من مكة إىل بيت املقدس مث عرج به وصعد به من
هناك إىل السموات العال وإىل حيث شاء .هذا األمر ال ينبغي أن ينكره واحد ممن ينتسب
إىل الدين اإلسالمي حبجة أو بدون حج ة ،فال جيوز الق ول بأن ه ذا االنتق ال يستحيل يف
ليلة واحدة! بل إن هذا مما جيوز عقال وال يستحيل إال يف العادة البشرية ،ففي ذلك الزمان
كان قطع املسافة من مكة إىل بيت املقدس يف ليلة مستحيال عادة ،وأما يف أيامنا هذه فإننا
نقطع أكثر منها يف ساعة ،فال وجه الستحالة ذلك من هذا اجلانب إذن.
اهلل ال َرمحن ال َرحيم س بحان وقد ثبت اإلس راء يف الق رآن الك رمي ،ق ال بِس م ِ
ْ
الذي أسرى بعبده ليال من املسجد احلرام إىل املسجد األقصى الذي باركنا حوله لنريه من
آياتنا إنه هو السميع البصري)(1
وق ال العالمة أكمل ال دين الب ابريت يف ش رحه على الطحاوية ص" :80ق ال بعض هم
املع راج ث ابت بالكت اب أيضا وهو قوله تع اىلمث دنا فت دىل ،فك ان ق اب قوسني أو أدىن
(النجم )8والصحيح أن هذا القرب كان مع جربيل ،ويدل عليه قوله تعاىلوهو باألفق
األعلى(النجم ،)7وذلك أن رس ول اهلل س أل جربيل أن يريه نفسه على ص ورته اليت
خلقه اهلل عليه ا ،فواع ده ذذلك بغ ار ح راء فطلع له جربيل عليه الس الم من املش رق فسد
األفق إىل املغرب ،مث دنا فتدىل .هذا من باب القلب أي مث تدىن جربيل فدنا من حممد عليه
السالم ،وكان منه قاب قوسني أي قدر مسافة قوسني أو أدىن ،واملعىن أنه بعدما رآه النيب
عليه السالم على صورته هاله من عظمته فرده اهلل إىل صورة آدمي حىت قرب منه للوحي
وذلك قولهف أوحى إىل عب ده ما أوحى(النجم )10أي عبد اهلل وهو حممد عليه الس الم
ما أوحى اهلل عز وجل بلس ان جربي ل".اهـ ،وق ال ال بيهقي يف األمساء والص فات ص
":436ق ال أبو س ليمان اخلط ايب رمحه اهلل تع اىل يف تق دير قوله مث دنا فت دىل فك ان ق اب
قوسني أو أدىن على ما تأوله ابن مس عود وعائشة رضي اهلل عنهما من رؤيته جربيل
عليه السالم يف صورته اليت خلق عليها ،والدنو منه عند املقام الذي رفع إليه وأقيم فيه قوله
دنا فت دىل املعىن به جربيل عليه الس الم ت دىل من مقامه ال ذي جعل له يف األفق األعلى
فاس توى أي وقف وقفة مث دنا فت دىل أي ن زل حىت ك ان بينه وبني املص عد ال ذي رفع إليه
حممد قاب قوسني أو أدىن ،فيما يراه الرائي ويقدره املقدر.
وروى اإلمام البيهقي رمحه اهلل تعاىل يف كتاب األمساء والصفات ص 433يف باب ما
ج اء يف ق ول مث دنا فت دىل فك ان ق اب قوسني أو أدىن عن عبداهلل رضي اهلل عنه يف
ه ذه اآليةفك ان ق اب قوسني أو أدىن ،ق ال رس ول اهلل " رأيت جربيل عليه الص الة
والسالم له ستمائة جناح" رواه البخاري يف الصحيح عن أيب النعمان عن عبد الواحد بن
زي اد .وروى بس نده عن ابن مس عود رضي اهلل عنه أن النيب رأىي جربيل عليه الص الة
والسالم له ستمائة جناح".وذكر أنه رواه اإلمام مسلم أيضا يف صحيحه عن أيب الربيع.
قال اإلمام العالمة التفتازاين يف شرح العقائد النسفية ص":194فاإلسراء من املسجد
احلرام إىل بيت املقدس قطعي ثبت بالكتاب ،واملعراج من األرض إىل السماء مشهور ومن
الس ماء إىل اجلنة أو الع رش أو غري ذلك آح اد .مث الص حيح أنه عليه الس الم إمنا رأى ربه
بف ؤاده ال بعين ه".اهـ .وخالفه املال أمحد اجلن دي يف حاش يته وق ال ":قد س بق أن م ذهب
الشيخ األشعري أنه رآه بعينه وهو الصحيح جلزم ابن عباس وغريه به ،ومثله ال يقال من
قبل ال رأي ،وألنه ممكن دلت عليه الظ واهر".اهـ قلت :واألصح ما قاله الس عد ،حلص ول
االختالف بني الص حابة يف ذل ك ،ولو حص لت الرؤية ب العني الش تهرت بينهم حىت مل
حيدث خالف ،كعدمه يف الرؤية بالعني.واهلل أعلم.
وخرب اإلس راء مش هور يف كتب احلديث ،وس وف نكتفي ب إيراد قسم من روايات ه،
فمنها ما رواه اإلم ام البخ اري عن أنس بن مالك عن مالك بن صعص عة رضي اهلل تع اىل
عنهما أن نيب اهلل صلى اهلل عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به بينما أنا يف احلطيم ورمبا
ق ال يف احلجر مض طجعا إذ أت اين آت فقد ق ال ومسعته يق ول فشق ما بني ه ذه إىل ه ذه
فقلت للج ارود وهو إىل جنيب ما يعين به ق ال من ثغ رة حنره إىل ش عرته ومسعته يق ول من
قصه إىل ش عرته فاس تخرج قليب مث أتيت بطست من ذهب ممل وءة إميانا فغسل قليب مث
حشي مث أعيد مث أتيت بدابة دون البغل وف وق احلم ار أبيض فق ال له اجلارود هو ال رباق يا
أبا محزة ق ال أنس نعم يضع خط وه عند أقصى طرفه فحملت عليه ف انطلق يب جربيل حىت
أتى الس ماء ال دنيا فاس تفتح فقيل من ه ""ذا ق ال جربيل قيل ومن معك ق ال حممد قيل وقد
أرسل إليه ق ال نعم قيل مرحبا به فنعم اجمليء ج اء ففتح فلما خلصت ف إذا فيها آدم فق ال
ه ذا أب وك آدم فس لم عليه فس لمت عليه ف رد الس الم مث ق ال مرحبا ب االبن الص احل والنيب
الص احل مث ص عد حىت أتى الس ماء الثانية فاس تفتح قيل من ه ذا ق ال جربيل قيل ومن معك
ق ال حممد قيل وقد أرسل إليه ق ال نعم قيل مرحبا به فنعم اجمليء ج اء ففتح فلما خلصت
إذا حيىي وعيسى ومها ابنا اخلالة ق ال ه ذا حيىي وعيسى فس لم عليهما فس لمت ف ردا مث ق اال
مرحبا باألخ الصاحل والنيب الصاحل مث صعد يب إىل السماء الثالثة فاستفتح قيل من هذا قال
جربيل قيل ومن معك ق ال حممد قيل وقد أرسل إليه ق ال نعم قيل مرحبا به فنعم اجمليء
جاء ففتح فلما خلصت إذا يوسف قال هذا يوسف فسلم عليه فسلمت عليه فرد مث قال
مرحبا ب األخ الص احل والنيب الص احل مث ص عد يب حىت أتى الس ماء الرابعة فاس تفتح قيل من
هذا قال جربيل قيل ومن معك قال حممد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم
اجمليء جاء ففتح فلما خلصت إىل إدريس قال هذا إدريس فسلم عليه فسلمت عليه فرد مث
قال مرحبا باألخ الصاحل والنيب الصاحل مث صعد يب حىت أتى السماء اخلامسة فاستفتح قيل
من هذا قال جربيل قيل ومن معك قال حممد صلى اهلل عليه وسلم قيل وقد أرسل إليه
ق ال نعم قيل مرحبا به فنعم اجمليء ج اء فلما خلصت ف إذا ه ارون ق ال ه ذا ه ارون فس لم
عليه فس لمت عليه ف رد مث ق ال مرحبا ب األخ الص احل والنيب الص احل مث ص عد يب حىت أتى
السماء السادسة فاستفتح قيل من هذا قال جربيل قيل من معك قال حممد قيل وقد أرسل
إليه ق ال نعم ق ال مرحبا به فنعم اجمليء ج اء فلما خلصت ف إذا موسى ق ال ه ذا موسى
فسلم عليه فسلمت عليه فرد مث قال مرحبا باألخ الصاحل والنيب الصاحل فلما جتاوزت بكى
قيل له ما يبكيك ق ال أبكي ألن غالما بعث بع" " ""دي ي" " ""دخل الجنة من أمته أك" " ""ثر ممن
يدخلها من أم"تي مث صعد يب إىل السماء السابعة فاستفتح جربيل قيل من هذا قال جربيل
قيل ومن معك ق ال حممد قيل وقد بعث إليه ق ال نعم ق ال مرحبا به فنعم اجمليء ج اء فلما
خلصت فإذا إبراهيم قال هذا أبوك فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السالم قال مرحبا
ب االبن الص احل والنيب الص احل مث رفعت يل س درة املنتهى ف إذا نبقها مثل قالل هجر وإذا
ورقها مثل آذان الفيلة ق ال ه ذه س درة املنتهى وإذا أربعة أنه ""ار نه ""ران باطن ""ان ونه ""ران
ظ""اهران فقلت ما ه ذان يا جربيل ق ال أما الباطن ان فنه ران يف اجلنة وأما الظ""اهران فالنيل
والفرات" مث رفع يل البيت املعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك مث أتيت بإناء من مخر
وإناء من لنب وإناء من عسل فأخذت اللنب فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك مث فرضت
علي الص لوات مخسني ص الة كل ي وم ف رجعت فم ررت على موسى فق ال مب أم رت ق ال
أمرت خبمسني صالة كل يوم قال أمتك ال تستطيع خمسين صالة كل يوم وإين واهلل قد
ج ربت الن اس قبلك وع اجلت بين إس رائيل أشد املعاجلة ف ارجع إىل ربك فاس أله التخفيف
ألمتك فرجعت فوضع عين عشرا فرجعت إىل موسى فقال مثله فرجعت فوضع عين عشرا
ف رجعت إىل موسى فق ال مثله ف رجعت فوضع عين عش را ف رجعت إىل موسى فق ال مثله
ف رجعت ف أمرت بعشر ص لوات كل ي وم ف رجعت فق ال مثله ف رجعت ف أمرت خبمس
صلوات كل يوم فرجعت إىل موسى فقال مبا أمرت قلت أمرت خبمس صلوات كل يوم
قال إن أمتك ال تستطيع مخس صلوات كل يوم وإين قد جربت الناس قبلك وعاجلت بين
إس رائيل أشد املعاجلة ف ارجع إىل ربك فاس أله التخفيف ألمتك ق ال س ألت ريب حىت
استحييت ولكن أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى من""اد أمض""يت فريض""تي وخففت
عن عبادي.
وله يف رواية عن سليمان عن شريك بن عبد اهلل أنه ق ال مسعت أنس بن مالك يق ول
ليلة أسري برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من مسجد الكعبة إنه جاءه ثالثة نفر قبل أن
يوحى إليه وهو نائم يف املسجد احلرام فقال أوهلم أيهم هو فقال أوسطهم هو خريهم فقال
آخ رهم خ ذوا خ ريهم فك انت تلك الليلة فلم ي رهم حىت أت وه ليلة أخ رى فيما ي رى قلبه
وتن ام عينه وال ين ام قلبه وك ذلك األنبي اء تن ام أعينهم وال تن ام قل وهبم فلم يكلم وه حىت
احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم فتواله منهم جربيل فشق جربيل ما بني حنره إىل لبته حىت
ف رغ من ص دره وجوفه فغس له من م اء زم زم بي ده حىت أنقى جوفه مث أتى بطست من
ذهب فيه تور من ذهب حمشوا إميانا وحكمة فحشي به صدره ولغاديده يعين عروق حلقه
مث أطبقه مث ع رج به إىل الس ماء ال دنيا فض رب بابا من أبواهبا فن اداه أهل الس ماء من ه ذا
فقال جربيل قالوا ومن معك قال معي حممد قال وقد بعث قال نعم قالوا فمرحبا به وأهال
فيستبشر به أهل الس ماء ال يعلم أهل الس ماء مبا يريد اهلل به يف األرض حىت يعلمهم فوجد
يف السماء الدنيا آدم فقال له جربيل هذا أبوك فسلم عليه فسلم عليه ورد عليه آدم وقال
مرحبا وأهال بابين نعم االبن أنت فإذا هو يف السماء الدنيا بنه""رين يَطَّ ِر َدان (أي جيريان-
من النهاية يف غ ريب احلديث البن األث ري) فق ال ما ه ذان النه ران يا جربيل ق ال ه ذا النيل
والف رات عنص رمها مث مضى به يف الس ماء ف إذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد
فضرب يده فإذا هو مسك أَ ْذفَر (أي طيب الريح) قال ما هذا يا جربيل قال هذا الكوثر
الذي خبأ لك ربك مث عرج به إىل السماء الثانية فقالت املالئكة له مثل ما قالت له األوىل
من ه ذا ق ال جربيل ق الوا ومن معك ق ال حممد ص لى اهلل عليه وس لم ق الوا وقد بعث إليه
ق ال نعم ق الوا مرحبا به وأهال مث ع رج به إىل الس ماء الثالثة وق الوا له مثل ما ق الت األوىل
والثانية مث عرج به إىل الرابعة فقالوا له مثل ذلك مث عرج به إىل السماء اخلامسة فقالوا مثل
ذلك مث ع رج به إىل الس ماء السادسة فق الوا له مثل ذلك مث ع رج به إىل الس ماء الس ابعة
فق الوا له مثل ذلك كل مساء فيها أنبي اء قد مساهم ف وعيت منهم إدريس يف الثانية وه ارون
يف الرابعة وآخر يف اخلامسة مل أحفظ امسه وإب راهيم يف السادسة وموسى يف الس ابعة
بتفض يل كالم اهلل فق ال موسى رب مل أظن أن ترفع علي أح دا مث عال به ف وق ذلك مبا ال
يعلمه إال اهلل حىت ج اء س درة املنتهى ودنا الجب""ار رب الع""زة فت""دلى حىت ك ان منه ق اب
قوسني أو أدىن فأوحى اهلل فيما أوحى إليه مخسني صالة على أمتك كل يوم وليلة مث هبط
حىت بلغ موسى فاحتبسه موسى فق ال يا حممد م اذا عهد إليك ربك ق ال عهد إيل مخسني
ص الة كل ي وم وليلة ق ال إن أمتك ال تس تطيع ذلك ف ارجع فليخفف عنك ربك وعنهم
فالتفت النيب صلى اهلل عليه وسلم إىل جربيل كأنه يستشريه يف ذلك فأشار إليه جربيل
أن نعم إن ش ئت فعال به إلى الجب" " ""ار فق" " ""ال وهو مكانه يا رب خفف عنا ف إن أميت ال
تستطيع هذا فوضع عنه عشر صلوات مث رجع إىل موسى فاحتبسه فلم يزل يردده موسى
إىل ربه حىت ص ارت إىل مخس ص لوات مث احتبسه موسى عند اخلمس فق ال يا حممد واهلل
لقد راودت بين إسرائيل قومي على أدىن من هذا فضعفوا فرتكوه فأمتك أضعف أجسادا
وقلوبا وأب دانا وأبص ارا وأمساعا ف ارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النيب ص لى
اهلل عليه وس لم إىل جربيل ليشري عليه وال يك ره ذلك جربيل فرفعه عند اخلامسة فق ال يا
رب إن أميت ضعفاء أجسادهم وقلوهبم وأمساعهم وأبداهنم فخفف عنا فقال اجلبار يا حممد
ق ال لبيك وس عديك ق ال إنه ال يب دل الق ول ل دي كما فرضت عليك يف أم الكت اب ق ال
فكل حس نة بعشر أمثاهلا فهي مخس ون يف أم الكت اب وهي مخس عليك فرجع إىل موسى
فق ال كيف فعلت فق ال خفف عنا أعطانا بكل حس نة عشر أمثاهلا ق ال موسى قد واهلل
راودت بين إس رائيل على أدىن من ذلك ف رتكوه ارجع إىل ربك فليخفف عنك أيضا ق ال
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يا موسى قد واهلل استحييت من ريب مما اختلفت إليه قال
فاهبط باسم اهلل قال واستيقظ وهو يف مسجد احلرام.
ولنا مالحظات ومناقشات" تدور حول أحاديث اإلسراء ،نوجز بعضها فيما يلي:
أوال :اع رتض البعض على ق وهلم "وقد أرسل إلي ه" بأنه ي دل على أهنم مل يكون وا
يعلمون بأنه ص ار نبي ا ،وه ذا ال جيوز يف حق املالئك ة ،يريد أن يق ول أن احلديث يض عف
بذلك!؟
واجلواب :ق ال ابن حجر يف الفتح(":)7/209قوله (فاس تفتح) ،تق دم الق ول فيه يف
أول الص الة وأن ق وهلم "أرسل إلي ه" أي للع روج ،وليس املراد أصل البعث ألن ذلك ك ان
قد اشتهر يف امللكوت األعلى .وقيل سألوه تعجبا من نعمة اهلل عليه بذلك أو استبشارا به،
وقد علم وا أن بش را ال ي رتقى ه ذا ال رتقي إال ب إذن اهلل تع اىل وأن جربيل ال يص عد مبن مل
يرسل إليه .وقيل احلكمة يف سؤال املالئكة"وقد بعث إليه" أن اهلل أراد إطالع نبيه على أنه
ث إليه ف دل على أهنم ك انوا يعرف ون أن ذلك مع روف عند املأل األعلى ،ألهنم ق الوا َأوبُعِ َ
سيقع له ،وإال لكانوا يقولون ومن حممد ،مثال".اهـ
ثانيا :قول سيدنا موسى عليه السالم ":غالما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر
ممن ي ""دخلها" من أم ""تي" ،كيف يص در مثل ه ذا الق ول من نيب وهو ي دل على احلس د.
وكيف يطلق على سيدنا حممد عليه السالم اسم الغالم وهو أفضل اخللق أمجعني؟!
أظن أحدا
اجلواب :قال ابن حجر يف الفتح(":)7/211ويف رواية شريك عن أنس مل َّ
علي ،ويف حديث أيب سعيد "قال موسى:يزعم بنو إسرائيل أين أكرم على اهلل وهذا يُْرفَ ُع َّ
علي ،ولكن معه أمتهأكرم على اهلل مين" زاد األموي يف روايته"ولو كان هذا وحده هان َّ
وهم أفضل األمم عند اهلل" ويف رواية أيب عبي دة بن عبداهلل بن مس عود عن أبيه أنه "م َّر
مبوسى عليه الس الم وهو يرفع ص وته فيق ول:أكرمته وفض لته ،فق ال جربي ل:ه ذا موس ى.
قلت :ومن يع اتب .ق ال يع اتب ربه في ك .قلت :ويرفع ص وته على رب ه .ق ال:إن اهلل قد
ع رف له حدت ه" .ويف ح ديث ابن مس عود عند احلارث وأيب يعلى وال بزار"ومسعت ص وتا
وتذمرا ،فسألت جربيل فقال هذا موسى ،قلت على من تذمره .قال :على ربه .قلت على
ربه؟! قال إنه يعرف ذلك منه".
قال العلماء مل يكن بكاء موسى حسدا ،معاذ اهلل ،فإن احلسد يف ذلك لعامل منزوع
عن آح اد املؤم نني فكيف مبن اص طفاه اهلل تع اىل ،بل ك ان أس فا على ما فاته من األجر
ال ذي ي رتتب عليه رفع الدرجة بس بب ما وقع من أمته من ك ثرة املخالفة املقتض ية لتنقيص
أج ورهم املس تلزم لتنقيص أج ره ،ألن لكل نيب مثل أجر كل مناتبع ه ،وهلذا ك ان من اتبعه
من أمته يف العدد دون من اتبع نبينا مع طول مدهتم بالنسبة هلذه األمة.
وأما قوله "غالم" فليس على س بيل النقص ،بل على س بيل التنويه بق درة اهلل وعظيم
كرمه إذ أعطى ملن ك ان يف ذلك السن ما مل بعطه أح دا قبله ممن هو أسن من ه .ونقل عن
العارف باهلل تعاىل ابن أيب مجرة قوله :وأما قوله "هذا الغالم" فأشار إىل صغر سنه بالنسبة
إليه.
ثالثا :قي ل :ختص يص موسى عليه الس الم باالس تدراك ومراجعة النيب ي دل على أن
هذا احلديث من اإلسرائيليات.
اجلواب :هذا باطل ،فإن احلكمة يف ذلك كما نقله ابن حجر عن القرطيب ()7/212
لعلها لك ون أمة موسى كلفت من الص لوات مبا مل تكلف به غريها من األمم ،فثقلت
عليهم فأش فق موسى على أمة حممد من مثل ذل ك .ويشري إىل ذلك قوله "إين قد ج ربت
الن اس قبل ك"انتهى .وق ال غ ريه لعلها من جهة أنه ليس يف األنبي اء من له أتب اع أك ثر من
موسى وال من له كتاب أكرب وال أمجع لألحكام من هذه اجلهة مضاهيا للنيب فناسب أن
يتمىن أن يك ون له مثل ما أنعم عليه من غري زواله عن ه .وناسب أن يطلعه على ما وقع له
وينصحه فيما يتعلق به" .اهـ
وأما بك اؤه فلما أن اهلل تع اىل جعل الرمحة يف قل وب األنبي اء أك ثر ما جعل يف قل وب
غريهم.
رابعا :ق ال بعض هم إننا ال نفهم معىن لألهنار األربعة ووصف اث نني منها بالب اطنني
واثنني بالظاهرين .فذلك يدل على أن احلديث ليس بصحيح أو فيه شك.
اجلواب :وأما األهنار األربعة فلو افرتضنا أننا ال نعرف معنامها فال يستلزم ذلك بطالن
احلديث .ولعل املعىن أهنما باطنان أي ميران من حتت سطح األرض ،والظاهران خالفهما.
أو يكون الباطنان داللة على أن اجلنة فيها أفضل مما يف احلياة الدنيا لعزة الباطن ،وكشف
الظاهر .وقد جياب أيضا بأن ه ذين النهرين أي الفرات والنيل من أهنار اجلن ة ،وحكمهما
ليس نفس حكم أهنار ال دنيا ،ف إن الف رات والنيل وإن كانا ينبع ان من منطقة معينة من
األرض يف ال دنيا ،ف إن ال واردين يف احلديث ليسا مها عني ما جندمها يف ال دنيا ،بل مسيا
بأمسائهما .ف إن قيل فكيف يطلق على هنر من أهنار اآلخ رة امسا لنهر يف ال دنيا؟ واجلواب:
إن ذلك غري مس تنكر ف إن الفاكهة يف اآلخ رة هلا أمساء هي عني األمساء اليت يف ال دنيا
ك العنب وال تني وحىت احلنظل وإن ك ان م را يف ال دنيا ،فالتش ابه إمنا هو يف األمساء فق ط.
وقد ورد يف ح ديث البخ اري عن أيب هري رة ":ف إذا س ألتم اهلل فاس ألوه الف ردوس فإنه
أوسط اجلنة وأعلى اجلنة أراه فوقه ع رش ال رمحن ومنه تفجر أهنار اجلنة ق ال حممد بن فليح
عن أبيه وفوقه عرش الرمحن".فهذا دليل على أن منبع األهنار يف اآلخرة هو العرش.
خامسا :اعرتض على ما ورد يف بعض الروايات من ألفاظ التديل والدنو واملكان.
واجلواب :ق ال اإلم ام ال بيهقي يف األمساء والص فات ص 440بع دما أورد ح ديث
اإلس راء واملع راج":رواه البخ اري يف الص حيح عن عبد العزيز بن عبد اهلل عن س ليمان بن
بالل ،ورواه مس لم عن ه ارون بن س عيد األيلي عن ابن وهب ،ومل يسق متنه وأح ال به
على رواية ث ابت عن أنس رضي اهلل عن ه ،وليس يف رواية ث ابت عن أنس لفظ ال دنو
والت ديل وال لفظ املك ان .وروى ح ديث املع راج ابن ش هاب الزه ري عن أنس بن مالك
رضي اهلل عنه وقت ادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعص عة ،ليس يف ح ديث واحد
منهما ش يء من ذل ك .وقد ذكر ش ريك بن عبد اهلل بن أيب منر يف روايته ه ذه ما يس تدل
على أنه مل حيفظ احلديث كما ينبغي له من نس يانه ما حفظه غ ريه ،ومن خمالفته يف
مقامات األنبياء الذين رآهم يف السماء من هو أحفظ منه".اهـ
وقد علم أن الت ديل ال جيوز نس بته إىل اهلل تع اىل ،ألنه من ص فات املخل وقني كجربيل
عليه الس الم كما مض ى .وأما ما قد ي رد حنو دار اهلل فهو مبعىن ال دار اليت دورها ألوليائه
وهي اجلنة .وكما يقال بيت اهلل وحرم اهلل.
وأما ما ورد من املك ان فق ال اخلط ايب كما نقله عنه ال بيهقي يف األمساء والص فات
":442ويف احلديث لفظة أخ رى تف رد هبا ش ريك أيضا مل ي ذكرها غ ريه ،وهي قوله وهو
مكانه .واملكان ال يضاف إىل اهلل سبحانه ،إمنا هو مكان النيب ومقامه األول الذي أقيم
فيه.
[ )]71[(]71[]71روى اإلمام البخاري :عن أيب هريرة رضي اهلل تعاىل عنه عن
النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ما بني بييت ومن ربي روضة من ري اض اجلنة ومن ربي على
حوضي.
وروى أيضا عن عقبة بن ع امر أن النيب ص لى اهلل عليه وس لم خ رج يوما فص لى على
أهل أحد ص الته على امليت مث انص رف إىل املنرب فق ال إين َف َرطُ ُك ْم وأنا ش هيد عليكم إين
واهلل ألنظر إىل حوضي اآلن وإين قد أعطيت خ زائن مف اتيح األرض وإين واهلل ما أخ اف
بعدي أن تشركوا ولكن أخاف أن تنافسوا فيها.
قال يف الصحاح :وال َف َر ُط بالتحريك الذي يتقدم الوارد َة فيهيء هلم األرسان والدِّالءَ
احلياض ويستقي هلم .وهو َف َع ٌل مبعىن فاعل ،مثل َتبَ ٍع مبعىن تابع.يقال رجل َف َر ٌط
َ ويَ ُد ُر هلم
وقوم َفَر ٌط".أهـ
وروى ال بيهقي يف س ننه الك ربى عن كعب بن عج رة ق ال ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل
عليه وسلم إنه سيكون أمراء فمن صدقهم بكذهبم وأعاهنم على ظلمهم فليس مين ولست
منه وال ي رد على حوضي ومن مل يص دقهم على ك ذهبم ومل يعنهم على ظلمهم فهو مين
وأنا منه ويرد على حوضي.
قال اإلمام السعد يف شرح النسفية":واحلوض حق لقوله تعاىل إنا أعطيناك الكوثر"اهـ
،وعارضه احملشي العالمة اخلي ايل فق ال :يشري إىل أن الك وثر هو احلوض واألصح أنه غ ريه
فإنه هنر يف اجلنة واحلوض يف املوق ف.اهـ ورمبا يؤيد ما قاله اخلي ايل ح ديث الرس ول عليه
الس الم ال ذي أخرجه الرتم ذي عن مسرة رضي اهلل عنه ق ال ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه
وس لم "إن لكل نيب حوض ا ،وإهنم ليتب اهون أيهم أك ثر وارد ،وإين ألرجو أن أك ون
أك ثرهم واردة".اهـ ورمبا يك ون األق رب أن احلوض يف املوقف وهو مصب النهر ال ذي يف
اجلنة .واهلل أعلم.
ق ال الس يوطي يف الب دور الس افرة يف أم ور اآلخ رة ص" :239ق ال ال دارقطين ق ال
علماؤنا كل من ارتد عن دين اهلل أو أح دث فيه ما ال يرض اه اهلل تع اىل ومل ي أذن به فهو
من املط رودين عن احلوض وأش دهم ط ردا من خ الف مجاعة املس لمني ،ك اخلوارج
والروافض واملعتزلة على اختالف فرقهم فهؤالء كلهم مبدلون ،وكذلك الظلمة املسرفون
يف اجلود والظلم وطمس احلق وإذالل أهله واملعلن ون للكب ائر املس تخفون باملعاصي ومجاعة
أهل الزيغ والب دع ،مث الط رد قد يك ون يف ح ال ويقرب ون بعد املغف رة إن ك ان التب ديل يف
األعم ال ،ومل يكن يف العقائ د ،وقد يق ال :إن أهل الكب ائر ي ردون ويش ربون ،وإذا دخل وا
النار بعد ذلك مل يعذبوا بالعطش.
وه ذا على ما اخت اره من ق ال إن احلوض قبل الص راط وال ذي رجحه القاضي عي اض
إن احلوض جبانب اجلنة ينصب فيه املاء من النهر ال ذي داخلها ،فلو ك ان قبل الص راط
خلالف الن ار بينه وبني املاء ال ذي يصب من الك وثر ،ق ال :وأما ما أورد عليه من ح ديث
أن مجاعة ي دفعون عن احلوض بعد أن ي ردوه ،وي ذهب هبم إىل الن ار فجوابه أهنم يقرب ون
من احلوض حبيث يرونه ويرون فيدفعون يف النار ،قبل أن خيلصوا من بقية الصراط.اهـ.
([ )]72أصل الش فاعة يف اللغة كما ق ال اجلوهري من الش فع وهو خالف
الوتْ ِر ،وهو الزوج ،وقال واستشفعته إىل فالن أي سألته أن يشفع يل إليه ،وتشفعت إليه َ
يف فالن فش فَّعين فيه تش فيعا.اهـ .وأما الفي ومي فقد زاد ت دقيقا يف معناها فق ال يف
مص باحه":ش فعت الش يء من ب اب نفع ض ممته إىل الف رد .وش فعت يف األمر ش فعا
وش فعاعة ط البت بوس يلة أو ذم ام ،واسم الفاعل ش فيع واجلمع ش فعاءمثل ك رمي وكرم اء
وشافع أيضا".اهـ
ومن هنا فإننا ميكن أن نرجع املعىن الش رعي للش فاعة إىل األصل اللغ وي ،وال يك ون
من ب اب النقل عن املع ىن ،بل هو اس تعمال يف أصل املورد ،ف إن الش فاعة يف الع رف كما
قال البيجوري ص":186سؤال اخلري من الغري للغري ،وشفاعة املوىل عبارة عن عفوه".اهـ .
وأصل الش فاعة ثابتة يف الش رع وقد نص اإلم ام التفت ازاين يف ش رح العقائد النس فية ص
175أن أصل العفو والش فاعة ث ابت باألدلة القطعية من الكت اب والس نة واإلمجاع .وق ال
اإلمام السيوطي يف البدور السافرة يف أمور اآلخرة ص":343أخرج الشيخان عن عمر بن
اخلط اب رضي اهلل تع اىل عنه أنه خطب فق ال :إنه س يكون يف ه ذه األمة ق وم يك ذبون
ب الرجم وبال دجال ،ويك ذبون بطل وع الش مس من مغرهبا ،ويك ذبون ع ذاب الق رب،
ويكذبون الشفاعة ويكذبون بقوم خيرجون من النار بعدما امتحشوا"اهـ.
وهي على أقس ام كما ق ال الش يخ أمحد ال دردير يف ش رحه على خريدته ص 70على
أن واع :األول :ش فاعته يف فصل القض اء إلراحة اخللق من ط ول الوق وف مش قته وهي
خمتصة به . الثاني شفاعته يف إدخال قوم اجلنة بغري حساب قال النووي وهي خمتصة به.
الثالث :الشفاعة فيمن يستحق دخول النار أن ال يدخلها ،قال عياض وليست خمتصة به،
وت ردد الن ووي أي ألنه مل ي رد تص ريح ب ذلك .الرابع :الش فاعة يف إخ راج ق وم من الن ار
ويشاركه فيها األنبياء واملالئكة وصاحلو املؤمنني .الخامس :الشفاعة يف زيادة الدرجات.
وجوز النووي اختصاصها به عليه الصالة والسالم .السادس :الشفاعة يف ختفيف العذاب
عمن اس تحق اخلل ود يف الن ار كما يف حق أيب ط الب ،ففي الص حيح أنا أول ش افع وأول
مش فع وإنه ذكر عن ده عمه أبو ط الب فق ال لعله تنفعه ش فاعيت فيجعل يف ضحض اح من
نار .اهـ قلت:وحديث شفاعته يف أيب طالب رواه اإلمام البخاري عن أيب سعيد اخلدري
رضي اهلل عنه.
قلت ودليل النوع األول من الشفاعة ما رواه اإلمام البخاري عن أيب هريرة رضي اهلل
تعاىل عنه قال كنا مع النيب صلى اهلل عليه وسلم يف دعوة فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه
فنهس منها هنسة وقال أنا سيد القوم يوم القيامة هل تدرون مب جيمع اهلل األولني واآلخرين
يف صعيد واحد فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي وتدنو منهم الشمس فيقول بعض الناس
أال ت رون إىل ما أنتم فيه إىل ما بلغكم أال تنظ رون إىل من يش فع لكم إىل ربكم فيق ول
بعض الن اس أب وكم آدم فيأتونه فيقول ون يا آدم أنت أبو البشر خلقك اهلل بي ده ونفخ فيك
من روحه وأمر املالئكة فس جدوا لك وأس كنك اجلنة أال تش فع لنا إىل ربك أال ت رى ما
حنن فيه وما بلغنا فيق ول ريب غضب غض با مل يغضب قبلة مثله وال يغضب بع ده مثله
وهناين عن الش جرة فعص يته نفسي نفسي اذهب وا إىل غ ريي اذهب وا إىل ن وح في أتون نوحا
فيقول ون يا ن وح أنت أول الرسل إىل أهل األرض ومساك اهلل عب دا ش كورا أما ت رى إىل ما
حنن فيه أال ت رى إىل ما بلغنا أال تش فع لنا إىل ربك فيق ول ريب غضب الي وم غض با مل
يغضب قبلة مثله وال يغضب بع ده مثله نفسي نفسي ائت وا النيب ص لى اهلل عليه وس لم
في أتوين فأس جد حتت الع رش فيق ال يا حممد ارفع رأسك واش فع تش فع وسل تعطه ق ال
حممد بن عبيد ال أحفظ سائره .قلت :وتكملة احلديث كما يف رواية أخرى للبخاري عن
أيب هري رة" :ف أرفع رأسي ف أقول أميت يا رب أميت يا رب فيق ال يا حممد أدخل من أمتك
من ال حساب عليهم من الباب األمين من أبواب اجلنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك
من األب واب مث ق ال وال ذي نفسي بي ده إن ما بني املص راعني من مص اريع اجلنة كما بني
مكة ومحري أو كما بني مكة وبصرى".
ق ال الس يوطي يف الب دور الس افرة ص":347وأخ رج الش يخان عن ج ابر بن عبداهلل
مسعت رس ول اهلل يق ول إن اهلل تب ارك وتع اىل خيرج قوما من الن ار بالش فاعة في دخلهم
اجلنة".
وق ال أيضا يف ص":346وأخ رج أمحد والط رباين بس ند ال ب أس به عن عب ادة بن
الص امت عن النيب ق ال ":إن اهلل تب ارك وتع اىل ق ال يا حممد إين مل أبعث نبيا وال رس وال
إال وقد س ألين مس ألة أعطيتها إي اه ،فسل يا حممد تع ط .قلت مس أليت ش فاعيت ألميت ي وم
القيامة ،فقال أبو بكر :يا رسول اهلل وما الشفاعة .قال:أقول يا رب شفاعيت اليت اختبأت
عندك ،فيقول الرب تعاىل :نعم ،فيخرج ريب بقية أميت من النار فيدخلهم اجلنة".اهـ
([ )]73هذا إشارة إىل ما روي عن النيب صلى اهلل عليه وسلم يف ذلك ،ومنه
ما رواه البخ اري عن أيب هري رة أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال لكل نيب دع وة
مس تجابة ي دعو هبا وأريد أن أخت بئ دع ويت ش فاعة ألميت يف اآلخ رة .وعن أنس عن النيب
صلى اهلل عليه وسلم قال كل نيب سأل سؤال أو قال لكل نيب دعوة قد دعا هبا فاستجيب
فجعلت دعويت شفاعة ألميت يوم القيامة.
ويف سنن الرتمذي عن أيب هريرة قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لكل نيب
دعوة مستجابة وإين اختبأت دعويت شفاعة ألميت وهي نائلة إن شاء اهلل من مات منهم ال
يش رك باهلل ش يئا ق ال أبو عيسى ه ذا ح ديث حسن ص حيح .ولفظه عند احلاكم يف
املستدرك عن أيب ذر رضي اهلل تعاىل عنه قال طلبت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ليلة
فوجدته قائما يصلي فأطال الصالة مث قال أوتيت الليلة مخسا مل يؤهتا نيب قبلي أرسلت إىل
األمحر واألسود قال جماهد اإلنس واجلن ونصرت بالرعب فريعب العدو وهو على مسرية
شهر وجعلت يل األرض مسجدا وطهورا وأحلت يل الغنائم ومل حتل ألحد قبلي وقيل يل
سل تعطه فاختبأهتا ش فاعة ألميت فهي نائلة من مل يش رك باهلل ش يئا ه ذا ح ديث ص حيح
على شرط الشيخني ومل خيرجاه هبذه السياقة إمنا أخرجا ألفاظا من احلديث متفرقة.
وهذا احلديث عند الكثري من احلفاظ كالبيهقي والطرباين وابن ماجه وغريهم.
([ )]74أخبار الشفاعة كثرية جدا ،منها ما رواه البخاري عن جابر بن عبد
اهلل رضي اهلل تع اىل عنهما أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال من ق ال حني يس مع
الن داء اللهم رب ه ذه ال دعوة التامة والص الة القائمة آت حمم دا الوس يلة والفض يلة وابعثه
مقاما حممودا الذي وعدته حلت له شفاعيت يوم القيامة رواه محزة بن عبد اهلل عن أبيه عن
النيب صلى اهلل عليه وسلم .وهذا احلديث رواه البيهقي أيضا عن جابر.
وروى احلاكم عن ج ابر بن عبد اهلل رضي اهلل تع اىل عنهما أن رس ول اهلل ص لى اهلل
عليه وس لم تال ق ول اهلل عز وجل وال يش فعون إال ملن ارتضى فق ال ص لى اهلل عليه وس لم
إن شفاعيت ألهل الكبائر من أميت هذا حديث صحيح على شرط الشيخني ومل خيرجاه.
وروى البيهقي يف سننه الكربى عن عبد اهلل بن عمرو قال :قال رسول اهلل صلى اهلل
عليه وس لم إذا مسعتم املؤذن ي ؤذن فقول وا كما يق ول وص لوا على فإنه ليس أحد يص لى
على صالة إال صلى اهلل عليه وسلم عشرا وسلوا اهلل يل الوسيلة فإن الوسيلة منزلة يف اجلنة
ال ينبغي أن تك ون إال لعبد من عب اد اهلل وأرجو أن أكونه ومن س أهلا يل حلت له ش فاعيت
ي وم القيامة وأخربنا أبو احلسن بن إس حاق ال بزار أنا أبو حممد ثنا أبو حيىي ثنا املق ري ثنا
حي وة أنا كعب بن علقمة أنه مسع عبد ال رمحن بن جبري يق ول أنه مسع عبد اهلل بن عمر
ويق ول أنه مسع النيب ص لى اهلل عليه وس لم يق ول إذا مسعتم املؤذن مث ح دثنا املق ري حنو
حديثه عن س عيد بن أيب أي وب وأخربنا أبو عبد اهلل احلافظ ثنا أبو عبد اهلل حممد بن
يعق وب ثنا حممد بن إمساعيل أنا حممد بن س لمة املرادي ثنا عبد اهلل بن وهب عن حي وة
وسعيد بن أيب أيوب وغريمها عن كعب بن علقمة فذكره بإسناده ومعناه وقال وأرجو أن
أك ون أنا هو فمن س أل يل الوس يلة حلت له ش فاعيت رواه مس لم عن حممد بن س لمة
املرادي.
وروى ابن حبان يف صحيحه عن عوف بن مالك قال عرس بنا رسول اهلل صلى اهلل
عليه وس لم ذات ليلة ف افرتش كل رجل منا ذراع راحلته ق ال ف انتبهت يف بعض الليل ف إذا
ناقة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ليس قدامها أحد فانطلقت أطلب رسول هلل صلى اهلل
عليه وس لم ف إذا مع اذ بن جبل وعبد اهلل بن قيس قائم ان فقلت أين رس ول اهلل ص لى اهلل
عليه وس لم فق اال ال ن دري غري أنا مسعنا ص وتا ب أعلى ال وادي ف إذا مثل ه دير ال رحى ق ال
فلبثنا يسريا مث أتانا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال إنه أتاين من ريب آت فيخربين بأن
ي دخل نصف أميت اجلنة وبني الش فاعة وإين اخ رتت الش فاعة فق الوا يا رس ول اهلل ننش دك
باهلل والصحبة ملا جعلتنا من أهل شفاعتك قال فأنتم من أهل شفاعيت قال فلما ركبوا قال
فإين أشهد من حضر أن شفاعيت ملن مات ال يشرك باهلل شيئا من أميت.
وروى ابن حب ان عن أيب هري رة أنه مسعه يق ول :س ألت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه
وسلم قلت يا رسول اهلل ماذا رد إليك ربك يف الشفاعة قال والذي نفس حممد بيده لقد
ظننت أنك أول من يس ألين عن ذلك من أميت ملا رأيت من حرصك على العلم وال ذي
نفس حممد بي ده ملا يهمين من انقص افهم على أبواب اجلنة أهم عن دي من متام ش فاعيت هلم
وش فاعيت ملن ش هد أن ال إله إال اهلل خملصا وأن حمم دا رس ول اهلل يص دق لس انه قلبه وقلبه
لسانه.
واألحاديث يف الشفاعة كثرية جدا .وسيأيت مزيد على ذلك يف الكالم على الصراط
بتوفيق اهلل تعاىل.
([ )]75روى احلاكم يف املس تدرك عن أيب بن كعب رضي اهلل تع اىل عنه يف
قوله عز وجل {وإذ أخذ ربك من بين آدم من ظه ورهم ذري اهتم وأش هدهم على أنفس هم
إىل} قوله تع اىل {أفتهلكنا مبا فعل املبطل ون} ق ال مجعهم له يومئذ مجيعا ما هو ك ائن إىل
ي وم القيامة فجعلهم أرواحا مث ص ورهم واس تنطقهم فتكلم وا وأخذ عليهم العهد وامليث اق
وأش هدهم على أنفس هم ألست ب ربكم ق الوا بلى ش هدنا أن تقولوا يوم القيامة أنا كنا عن
ه ذا غ افلني أو تقول وا إمنا أش رك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بع دهم أفتهلكنا مبا فعل
املبطلون قال فإين أشهد عليكم السماوات السبع واألرضني السبع وأشهد عليكم آباكم
آدم أن تقول وا ي وم القيامة مل نعلم أو تقول وا إنا كنا عن ه ذا غ افلني فال تش ركوا يب ش يئا
فإين أرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتيب فقالوا نشهد إنك
ربنا وإهلنا ال رب لنا غ ريك وال إله لنا غ ريك ورفع هلم أب وهم آدم فنظر إليهم ف رأى فيهم
الغين والفقري وحسن الص ورة وغري ذلك فق ال رب لو س ويت بني عب ادك فق ال أين أحب
أن أشكر ورأى فيهم األنبياء مثل السرج وخصوا مبيثاق آخر بالرسالة والنبوة فذلك قوله
عز وجل {وإذ أخ ذنا من النب يني ميث اقهم ومنك ومن ن وح} اآلية وهو قوله تع اىل{ف أقم
وجهك للدين حنيفا فطرت اهلل اليت فطر الناس عليها ال تبديل خللق اهلل}وذلك قوله {هذا
ن ذير من الن ذر األوىل} وقوله {وما وج دنا ألك ثرهم من عهد وإن وج دنا أك ثرهم
لفاس قني} وهو قوله { مث بعثنا من بع ده رسال إىل ق ومهم فج اءوهم بالبين ات فما ك انوا
ليؤمنوا مبا كذبوا من قبل } كان يف علمه مبا أقروا به من يكذب به ومن يصدق به فكان
روح عيسى من تلك األرواح اليت أخذ عليها امليث اق يف زمن آدم فأرسل ذلك ال روح إىل
مرمي حني {انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاختذت من دوهنم حجابا فأرسلنا إليها روحنا
فتمثل هلا بش را س ويا} إىل قوله {مقض يا} فحملته ق ال محلت ال ذي خاطبها وهو روح
عيسى عليه الس الم ق ال أبو جعفر فح دثين الربيع بن أنس عن أيب العالية عن أيب بن كعب
قال دخل من فيها هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه.
ورواه أمحد يف مسنده عن أيب بن كعب يف قول اهلل عز وجل{وإذ أخذ ربك من بين
آدم من ظه ورهم ذري اهتم وأش هدهم على أنفس هم } اآلية ق ال مجعهم فجعلهم أرواحا مث
صورهم فاستنطقهم فتكلموا مث أخذ عليهم العهد وامليثاق وأشهدهم على أنفسهم ألست
بربكم قال فإين أشهد عليكم السماوات السبع واألرضني السبع وأشهد عليكم أباكم آدم
عليه السالم أن تقولوا يوم القيامة مل نعلم هبذا اعلموا أنه ال إله غريي وال رب غريي فال
تشركوا يب شيئا اىن سأرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتيب
ق الوا ش هدنا بأنك ربنا وإهلنا ال رب لنا غ ريك ف أقروا ب ذلك ورفع عليهم آدم ينظر إليهم
فرأى الغىن والفقري وحسن الصورة ودون ذلك فقال رب لوال سويت بني عبادك قال اىن
أحببت ان ش كر ورأى األنبي اء فيهم مش عل الس رج عليهم الن ور خص وا مبيث اق آخر يف
الرس الة والنب وة وهو قوله تع اىل { وإذ أخ ذنا من النب يني ميث اقهم } إىل قوله { عيسى بن
مرمي } كان يف تلك األرواح فأرسله إىل مرمي فحدث عن أيب انه دخل من فيها.
وروى احلاكم يف املس تدرك عن عبد ال رمحن بن قت ادة الس لمي وك ان من أص حاب
النيب صلى اهلل عليه وسلم قال مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول خلق اهلل
آدم مث خلق اخللق من ظهره مث قال هؤالء للجنة وال أبايل وهؤالء للنار وال أبايل قال فقيل
يا رس ول اهلل فعلى م اذا نعمل ق ال على موافقة الق در ه ذا ح ديث ص حيح قد اتفقا على
االحتج اج برواته عن آخ رهم إىل الص حابة وعبد ال رمحن بن قت ادة من بين س لمة من
الص حابة وقد احتجا مجيعا بزهري بن عم رو عن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم وليس له
راو غري أيب عثم ان النه دي وك ذلك احتج البخ اري حبديث أيب س عيد بن املعلى وليس له
راو غري حفص بن عاصم.
ويف ص حيح ابن حب ان عن عبد ال رمحن بن قت ادة الس لمي وك ان من أص حاب النيب
ص لى اهلل عليه وس لم ق ال مسعت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يق ول خلق اهلل آدم مث
أخذ اخللق من ظهره فقال هؤالء يف اجلنة وال أبايل وهؤالء يف النار وال أبايل قال قائل يا
رسول اهلل فعلى ماذا نعمل قال على مواقع القدر .ورواه أيضا اإلمام أمحد يف مسنده.
وروى احلاكم يف مس نده أن عمر بن اخلط اب رضي اهلل تع اىل عنه س ئل عن ه ذه
اآلية وإذ أخذ ربك من بين آدم من ظهورهم ذرياهتم فقال عمر بن اخلطاب مسعت رسول
اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يق ول إن اهلل خلق آدم مث مسح ظه ره بيمينه فاس تخرج منه ذرية
فق ال خلقت ه ؤالء للجنة وبعمل أهل اجلنة يعمل ون مث مسح ظه ره فاس تخرج منه ذرية
فق ال خلقت ه ؤالء للن ار وبعمل أهل الن ار يعمل ون فق ال رجل يا رس ول اهلل ففيم العمل
ق ال إن اهلل إذا خلق العبد للجنة اس تعمله بعمل أهل اجلنة حىت ميوت على عمل أهل اجلنة
فيدخل اجلنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حىت ميوت على عمل أهل النار
فيدخل النار هذا حديث صحيح على شرط الشيخني ومل خيرجاه.
وروى ابن حبان يف صحيحه عن أيب هريرة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال
كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو ميجسانه قال أبو حامت قوله صلى
اهلل عليه وس لم كل مول ود يولد على الفط رة أراد به على الفط رة اليت فط ره اهلل عليها جل
وعال يوم أخرجهم من صلب آدم لقوله جل وعال فطرة اهلل اليت فطر الناس عليها ال تبديل
خللق اهلل يق ول ال تب ديل لتلك اخللقة اليت خلقهم هلا إما جلنة وإما لن ار حيث أخ رجهم من
ص لب آدم فق ال ه ؤالء للجنة وه ؤالء للن ار أال ت رى أن غالم اخلضر ق ال ص لى اهلل عليه
وس لم طبعه اهلل ي وم طبعه ك افرا وهو بني أب وين مؤم نني ف أعلم اهلل ذلك عب ده اخلضر ومل
لم على ما ذكرنا يف غري موضع من لى اهلل عليه وس يعلم ذلك كليمه موسى ص
كتبن ا.قلت :وه ذا احلديث رواه أيضا اإلم ام أمحد وأبو داود وغريمها ،ونصه كما يف موطأ
اإلم""ام مالك" عن مس لم بن يس ار اجله ين ان عمر بن اخلط اب س ئل عن ه ذه اآلي ة{وإذ
أخذ ربك من بين آدم من ظه ورهم ذريتهم وأش هدهم على أنفس هم ألست ب ربكم ق الوا
بلى ش هدنا أن تقول وا ي وم القيامة إنا كنا عن ه ذا غ افلني}فق ال عمر بن اخلط اب مسعت
رسول اهلل صلى اهلل عليه وس لم يس أل عنها فق ال رسول اهلل صلى اهلل عليه وس لم إن اهلل
تبارك وتعاىل خلق آدم مث مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤالء للجنة
وبعمل أهل اجلنة يعمل ون مث مسح ظه ره فاس تخرج منه ذرية فق ال خلقت ه ؤالء للن ار
وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل يا رسول اهلل ففيم العمل قال فقال رسول اهلل صلى
اهلل عليه وس لم إن اهلل إذا خلق العبد للجنة اس تعمله بعمل أهل اجلنة حىت ميوت على عمل
من أعم ال أهل اجلنة فيدخله به اجلنة وإذا خلق العبد للن ار اس تعمله بعمل أهل الن ار حىت
ميوت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار.
([ )]76ه ذا إش ارة إىل احلديث ال ذي رواه البخ اري عن عم ران ق ال قلت يا
رسول اهلل فيما يعمل العاملون قال كل ميسر ملا خلق له.
ويف الرتمذي عن عمر بن اخلطاب قال ملا نزلت هذه اآلية { فمنهم شقي وسعيد }
سألت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقلت يا نيب اهلل فعلى ما نعمل على شيء قد فرغ
منه أو على ش يء مل يف رغ منه ق ال بل على ش يء قد ف رغ منه وج رت به األقالم يا عمر
ولكن كل ميسر ملا خلق له وه ذا ح ديث حسن غ ريب من ه ذا الوجه ال نعرفه إال من
حديث عبد اهلل بن عمر.
ويف الس نن الك ربى لل بيهقي عن عم ران بن حصني ق ال قيل يا رس ول اهلل أعلم أهل
اجلنة من النار قال نعم قال ففيم يعمل العاملون قال كل ميسر ملا خلق له.
ويف املعجم الكبري للطرباين طلحة بن عبد اهلل بن عبد الرمحن بن أيب بكر عن أبيه قال
مسعت أيب قال مسعت أبا بكر الصديق رضي اهلل تعاىل عنه يقول قلت يا رسول اهلل أنعمل
على أمر قد فرغ منه أم على أمر مؤتنف قال بل على أمر قد فرغ منه قلت ففيم العمل يا
رسول اهلل قال كل ميسر ملا خلق له.
ولفظ اإلم ام مس لم يف ص حيحه عن عم ران بن حصني ق ال قيل يا رس ول اهلل أعلم
أهل اجلنة من أهل النار قال فقال نعم قال قيل ففيم يعمل العاملون قال كل ميسر ملا خلق
له.
ق ال اإلم ام ابن حجر يف ( ":)11/493ويف كت اب االعتص ام قوله ق ال رجل هو
عم ران بن حصني راوي اخلرب بينه عبد ال وارث بن س عيد عن يزيد الرشك عن عم ران بن
حصني ق ال قلت يا رس ول اهلل ف ذكره وس يأيت موص وال يف اواخر كت اب التوحيد وس أل
عن ذلك اخ رون وس يأيت مزيد بسط فيه يف شر ح ديث علي قريبا قوله أيع رف أهل اجلنة
من أهل الن ار يف رواية محاد بن زيد عن يزيد عند مس لم بلفظ اعلم بضم العني واملراد
بالس ؤال معرفة املالئكة أو من اطلعه اهلل على ذلك واما معرفة العامل أو من ش اهده فإمنا
يع رف بالعمل قوله فلم يعمل الع املون يف رواية محاد ففيم وهو اس تفهام واملعىن إذا س بق
القلم ب ذلك فال حيت اج العامل اىل العمل ألنه سيصري اىل ما ق در له قوله ق ال كل يعمل ملا
خلق له أو ملا ييسر له ويف رواي الكش ميهين يسر بضم أوله وكسر املهملة الثقيلة ويف
رواية محاد املش ار إليها ق ال كل ميسر ملا خلق له وقد ج اء ه ذا الكالم األخري عن مجاعة
من الص حابة هبذا اللفظ يزي دون على العش رة سأشري إليها يف آخر الب اب ال ذي بلى ال ذي
يليه منها ح ديث أيب ال درداء عند أمحد بس ند حسن بلفظ كل ام رئ مهيأ ملا خلق له ويف
احلديث إش ارة إىل أن املآل حمج وب عن املكلف فعليه أن جيتهد يف عمل ما أمر به ف إن
علمه أم ارة إىل ما ي ؤول إليه أم ره غالبا وان ك ان بعض هم قد خيتم له بغري ذلك كما ثبت
يف ح ديث بن مس عود وغ ريه لكن ال اطالع له على ذلك فعليه أن يب ذل جه ده وجياهد
نفسه يف عمل الطاعة ال ي رتك وك وال إىل ما ي ؤول إليه أم ره فيالم على ت رك املأمور
ويس تحق العقوبة وقد ت رجم بن حب ان حبديث الب اب ما جيب على املرء من التش مري يف
الطاع ات وان ج رى قبلها ما يك ره اهلل من احملظ ورات وملس لم من طريق أيب األس ود عن
عمران انه قال له أرأيت ما يعمل الناس اليوم أشيء قضى عليهم ومضى فيهم من قدر قد
س بق أو فيما يس تقبلون مما أت اهم به ن بيهم وثبتت احلجة عليهم فق ال ال بل ش يء قضى
عليهم ومضى فيهم وتص ديق ذلك يف كت اب اهلل عز وجل ونفس وما س واها فأهلمها
فجورها وتقواها وفيه قصة أليب األسود الدؤيل مع عمران وفيه قوله له أيكون ذلك ظلما
فقال ال كل شيء خلق اهلل وملك يده فال يسأل عما يفعل قال عياض أورد عمران على
أيب األسود شبهة القدرية من حتكمهم على اهلل ودخوهلم بآرائهم يف حكمه فلما أجابه مبا
دل على ثباته يف ال دين ق واه ب ذكر اآلية وهي حد ألهل الس نة وقوله كل ش يء خلق اهلل
وملكه يشري إىل أن املالك األعلى اخلالق اآلمر ال يع رتض عليه إذا تص رف يف ملكه مبا
يشاء وامنا يعرتض على املخلوق املأمور".اهـ
وق ال أيضا يف الفتح (" :)13/522قوله ب اب ق ول اهلل تع اىل ولقد يس رنا الق رآن
للذكر فهل من مدكر قيل املراد بالذكر األذكار واالتعاظ وقيل احلفظ وهو مقتضى قول
جماهد قوله وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم كل ميسر ملا خلق له فذكره موصوال يف الباب
من حديث علي قوله وقال جماهد يسرنا القرآن بلسانك هوناه عليك يف رواية غري أيب ذر
هونا قراءته عليك وهو بفتح اهلاء وال واو وتش ديد الن ون من الته وين وقد وص له الفري ايب
عن ورق اء عن بن أيب جنيع عن جماهد يف قوله تع اىل ولقد يس رنا الق رآن لل ذكر ق ال هون اه
قال بن بطال تيسري القرآن تسهيله على لسان القارىء حىت يسارع اىل قراءته فرمبا سبق
لس انه يف الق راءة فيج اوز احلرف اىل ما بع ده وحيذف الكلمة حرصا على ما بع دها انتهى
ويف دخول هذا يف املراد نظر كبري قوله وقال مطر الورق ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل
من مدكر قال هل من طالب علم فيعان عليه وقع هذا التعليق عند أيب ذر عن الكشميهين
وحده وثبت أيضا للجرجاين عن الفربري ووصله الفرياين عن ضمرة بن زمعة عن عبد اهلل
بن ش وذب عن مطر وأخرجه أبو بكر بن أيب عاصم يف كت اب العلم من طريق ض مرة مث
ذكر ح ديث عم ران بن حصني قلت يا رس ول اهلل فيما يعمل الع املون ق ال كل ميسر ملا
خلق له وهو خمتصر من ح ديث س بق يف كت اب الق در فيه عن عم ران ق ال ق ال رجل يا
رس ول اهلل أيع رف أهل اجلنة من أهل الن ار ق ال نعم ق ال فلم يعمد الع املون وقد تق دم
ش رحه هن اك ويزيد ش يخ عبد ال وارث فيه هو املع روف بالرشك وتق دم هن اك من رواية
شعبة قال حدثنا يزيد الرشك فذكره وحديث علي رضي اهلل عنه وفيه وما منكم من أحد
إال كتب مقع ده من الن ار أومن اجلنة وتق دم ش رحه هن اك أيضا وفيه ويف ح ديث عم ران
الذي قبله كل ميسر قال الشيخ أبو حممد بن أيب مجرة يف شرح حديث أيب سعيد املذكور
يف ب اب كالم اهلل مع أهل اجلنة فيه ن داء اهلل تع اىل ألهل اجلنة لقرينة ج واهبم بلبيك
وس عديك واملراجعة بقوله هل رض يتم وق وهلم وما لنا ال نرضى وقوله أال أعطيكم أفضل
وق وهلم يا ربنا وأي ش يء أفضل وقوله أحل عليكم رض واين ف ان ذلك كله ي دل على انه
س بحانه وتع اىل هو ال ذي كلمهم وكالمه ق دمي أزيل ميسر بلغة الع رب والنظر يف كيفيته
ممن وع وال نق ول ب احللول يف احملدث وهي احلروف وال انه دل عليه وليس مبوج ود بل
اإلميان بأنه منزل حق ميسر باللغة العربية صدق وباهلل التوفيق قال الكرماين حاصل الكالم
اهنم ق الوا إذا ك ان األمر مق درا فلن رتك املش قة يف العمل ال ذي من أجلها مسي ب التكليف
وحاصل اجلواب ان كل من خلق لش يء يسر لعمله فال مش قة مع التيسري وق ال اخلط ايب
أرادوا أن يتخذوا ما سبق حجة يف ترك العمل فأخربه إن هنا أمرين ال يبطل أحدمها اآلخر
ب اطن وهو ما اقتض اه حكم الربوبية وظ اهر وهو الس مة الالزمة حبق العبودية وهو ام ارة
للعاقبة فبني هلم أن العمل يف العاجل يظهر أثره يف اآلجل وان الظاهر ال يرتك للباطن قلت
وكأن مناسبة هذا الباب ملا قبله من جهة االشرتاك يف لفظ التيسري واهلل أعلم".اهـ
([ )]77رواه اإلمام البخاري يف صحيحه عن سهل أن رجال من أعظم املسلمني غناء
عن املس لمني يف غ زوة غزاها مع النيب ص لى اهلل عليه وس لم فنظر النيب ص لى اهلل عليه
وس لم فق ال من أحب أن ينظر إىل الرجل من أهل الن ار فلينظر إىل ه ذا فأتبعه رجل من
الق وم وهو على تلك احلال من أشد الن اس على املش ركني حىت ج رح فاس تعجل املوت
فجعل ذبابة سيفه بني ثدييه حىت خرج من بني كتفيه فأقبل الرجل إىل النيب صلى اهلل عليه
وس لم مس رعا فق ال أش هد أنك رس ول اهلل فق ال وما ذاك ق ال قلت لفالن من أحب أن
ينظر إىل رجل من أهل النار فلينظر إليه وكان من أعظمنا غناء عن املسلمني فعرفت أنه ال
ميوت على ذلك فلما ج رح اس تعجل املوت فقتل نفسه فق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم
عند ذلك إن العبد ليعمل عمل أهل الن ار وإنه من أهل اجلنة ويعمل عمل أهل اجلنة وإنه
من أهل النار األعمال باخلواتيم.
وهو عن س هل بن س عد أيضا يف املعجم الكبري للط رباين .ورواه الط رباين عنه أيضا بلفظ
ق ال :ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم إن الرجل ليعمل فيما ي رى الن اس بعمل أهل
اجلنة وإنه من أهل الن ار وإنه ليعمل فيما ي رى الن اس بعمل أهل الن ار وإنه من أهل اجلنة
وإمنا األعمال باخلواتيم.
ويف صحيح ابن حبان عن عائشة أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال إمنا األعمال باخلواتيم.
([ )]78روى البخاري عن أنس بن مالك عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال
إن اهلل عز وج ل وكل ب الرحم ملكا يق ول يا رب نطفة يا رب علقة يا رب مض غة ف إذا
أراد أن يقضي خلقه قال أذكر أم أنثى شقي أم سعيد فما الرزق واألجل فيكتب يف بطن
أم ه .وله يف رواية أخ رى عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال إن اهلل وكل يف ال رحم
ملكا فيقول يا رب نطفة يا رب علقة يا رب مضغة فإذا أراد أن خيلقها قال يا رب أذكر
يا رب أنثى يا رب شقي أم سعيد فما الرزق فما األجل فيكتب كذلك يف بطن أمه.
ويف املعجم الصغري للطرباين عن عبد اهلل بن مسعود حدثنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
وهو الصادق املصدوق إن خلق أحدكم جيمع يف بطن أمه أربعني يوما مث يكون علقة مثل
ذلك مث يكون مضغة مثل ذلك مث يأيت امللك فيكتب شقي أو سعيد ذكر أو أنثى مل يروه
عن بن عون إال عبيد اهلل بن سفيان .وزاد يف رواية أخرى عنه ويكتب امللك مث يقول أي
رب ش قي أو س عيد فيقضي اهلل عز وجل ويكتب امللك مث يق ول أي رب أجله ورزقه
وأثره فيقضي اهلل عز وجل ويكتب امللك.
ويف مس ند اإلم ام أمحد ن ج ابر ق ال ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم إذا اس تقرت
النطفة يف ال رحم أربعني يوما أو أربعني ليلة بعث إليها ملكا فيق ول يا رب ما رزقه فيق ال
له فيقول يا رب ما أجله فيقال له فيقول يا رب ذكر أو أنثى فيعلم فيقول يا رب شقي أم
سعيد فيعلم .وفيه قريب من هذا اللفظ عن أنس أيضا.
ويف س نن أيب داود عبد اهلل بن مس عود ق ال ح دثنا رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم وهو
الصادق املصدوق إن خلق أحدكم جيمع يف بطن أمه أربعني يوما مث يكون علقة مثل ذلك
مث يك ون مض غة مثل ذلك مث يبعث إليه ملك في ؤمر ب أربع كلم ات فيكتب رزقه وأجله
وعمله مث يكتب ش قي أو س عيد مث ينفخ فيه ال روح ف إن أح دكم ليعمل بعمل أهل اجلنة
حىت ما يك ون بينه وبينها إال ذراع أو قيد ذراع فيس بق عليه الكت اب فيعمل بعمل أهل
الن ار في دخلها وإن أح دكم ليعمل بعمل أهل الن ار حىت ما يك ون بينه وبينها إال ذراع أو
قيد ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل اجلنة فيدخلها.
([ )]79روى ابن أيب عاصم يف اآلح اد واملث اين عن قيس بن عب اد ق ال ص لى
بنا عمار رضي اهلل تعاىل عنه صالة كأهنم أنكروها فقالوا له يف ذلك فقال أمل أمت الركوع
والس جود ق الوا بلى ق ال أما أين قد دع وت ب دعاء مسعته من رس ول اهلل ص لى اهلل عليه
وسلم اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على اخللق أحييين ما كانت احلياة خريا يل وتوفين إذا
علمت الوف اة خ ريا يل اللهم إين أس ألك كلمة اإلخالص يف الرضا والغضب والقصد يف
الغىن والفقر وخش يتك يف الغيب والش هادة وأس ألك الرضا بالق در وأس ألك نعيما ال ينفذ
وق رة عني ال تنقطع ول ذة العيش بعد املوت ول ذة النظر إىل وجهك وش وقا إىل لقائك
وأعوذ بك من ضراء مضرة وفتنة مضلة اللهم زينا بزينة اإلميان واجعلنا هداة مهتدين.
وروى الرتمذي يف جامعه الصحيح عن علي قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
ال ي ؤمن عبد حىت ي ؤمن ب أربع يش هد أن ال إله إال اهلل وأين حممد رس ول اهلل بعثين ب احلق
ويؤمن باملوت وبالبعث بعد املوت ويؤمن بالقدر حدثنا حممود بن غيالن حدثنا النضر بن
مشيل عن ش عبة حنوه إال أنه ق ال ربعي عن رجل عن علي ق ال أبو عيسى ح ديث أيب داود
عن ش عبة عن دي أصح من ح ديث النضر روى غري واحد عن منص ور عن ربعي عن علي
حدثنا اجلارودي قال مسعت وكيعا يقول بلغنا أن ربعيا مل يكذب يف اإلسالم كذبة.
وح دث الرتم ذي عن عبد الواحد بن س ليم ق ال ق دمت مكة فلقيت عط اء بن رب اح
فقلت له يا أبا حممد إن أهل البصرة يقولون يف القدر قال يا بين أتقرأ القرآن قلت نعم قال
فاقرأ الزخرف قال فقرأت { حم والكتاب املبني إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه
يف أم الكت اب ل دينا لعلي حكيم }فق ال أت دري ما أم الكت اب قلت اهلل ورس وله أعلم ق ال
فإنه كت اب كتبه اهلل قبل أن خيلق الس ماوات وقبل أن خيلق األرض فيه إن فرع ون من أهل
الن ار وفيه { تبت ي دا أيب هلب وتب}ق ال عط اء فلقيت الوليد بن عب ادة بن الص امت
صاحب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فسألته ما كان وصية أبيك عند املوت قال دعاين
أيب فقال يل يا بين اتق اهلل واعلم أنك لن تتقي اهلل حىت تؤمن باهلل وتؤمن بالقدر كله خريه
وشره فإن مت على غري هذا دخلت النار إين مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول
إن أول ما خلق اهلل القلم فق ال اكتب فق ال ما أكتب ق ال اكتب الق در ما ك ان وما هو
كائن إىل األبد قال أبو عيسى وهذا حديث غريب من هذا الوجه.
وروى اإلم ام الرتم ذي عن أيب هري رة أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم وقف على
أن اس جل وس فق ال أال أخ ربكم خبريكم من ش ركم ق ال فس كتوا فق ال ذلك ثالث م رات
فق ال رجل بلى يا رس ول اهلل أخربنا خبرينا من ش رنا ق ال خ ريكم من ي رجى خريه وي ؤمن
ش ره وش ركم من ال ي رجى خ ريه وال ي ؤمن ش ره ق ال أبو عيسى ه ذا ح ديث حسن
صحيح.
وروى الرتم ذي أيضا عن حيىي بن يعمر ق ال أول من تكلم يف الق در معبد اجلهين ق ال
فخ رجت أنا ومحيد بن عبد ال رمحن احلم ريي حىت أتينا املدينة فقلنا لو لقينا رجال من
أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم فسألناه عما أحدث هؤالء القوم قال فلقيناه يعين عبد
اهلل بن عمر وهو خ ارج من املس جد ق ال فاكتنفته أنا وص احيب ق ال فظننت أن ص احيب
س يكل الكالم إيل فقلت يا أبا عبد ال رمحن إن قوما يق رؤون الق رآن ويتقف رون العلم
ويزعمون أن ال قدر وأن األمر أنف قال فإذا لقيت أولئك فأخربهم أين منهم برئ وأهنم
مين برءاء والذي حيلف به عبد اهلل لو أن أحدهم أنفق مثل أحد ذهبا ما قبل ذلك منه حىت
يؤمن بالقدر خريه وشره قال مث أنشأ حيدث فقال قال عمر بن اخلطاب كنا عند رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم فجاء رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ال يرى عليه
أثر الس فر وال يعرفه منا أحد حىت أتى النيب ص لى اهلل عليه وس لم ف ألزق ركبته بركبته مث
ق ال يا حممد ما اإلميان ق ال أن ت ؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورس له والي وم اآلخر والق در
خريه وشره قال فما اإلسالم قال شهادة أن ال إله إال اهلل وأن حممدا عبده ورسوله وإقام
الصالة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان قال فما اإلحسان قال أن تعبد اهلل كأنك
ت راه فإنك إن مل تكن ت راه فإنه ي راك ق ال يف كل ذلك يق ول له ص دقت ق ال فتعجبنا منه
يس أله ويص دقه ق ال فمىت الس اعة ق ال ما املس ئول عنها ب أعلم من الس ائل ق ال فما أمارهتا
ق ال أن تلد األمة ربتها وأن ت رى احلف اة الع راة العالة أص حاب الش اء يتط اولون يف البني ان
ق ال عمر فلقيين النيب ص لى اهلل عليه وس لم بعد ذلك بثالث فق ال يا عمر هل ت دري من
الس ائل ذاك جربيل أت اكم يعلمكم مع امل دينكم ح دثنا أمحد بن حممد أخربنا بن املب ارك
أخربنا كهمس بن احلسن هبذا اإلسناد حنوه حدثنا حممد بن املثىن حدثنا معاذ بن معاذ عن
كهمس هبذا اإلس ناد حنوه مبعن اه ويف الب اب عن طلحة بن عبيد اهلل وأنس بن مالك وأيب
هريرة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح قد روي من غري وجه حنو هذا عن عمر
وقد روي هذا احلديث عن بن عمر عن النيب صلى اهلل عليه وسلم والصحيح هو بن عمر
عن عمر عن النيب صلى اهلل عليه وسلم .قلت :روى هذا احلديث النسائي يف الكربى ويف
اجملتىب من السنن .والطرباين يف املعجم الكبري.
قلت :وهذا احلديث عند أيب داود أيضا ،وابن ماجه
وروى احلاكم يف املستدرك عن علي بن أيب طالب عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال
ال ي ؤمن العبد حىت ي ؤمن ب أربع حىت يش هد أن ال إله إال اهلل وأين رس ول اهلل بعثين ب احلق
وي ؤمن ب البعث بعد املوت وي ؤمن بالق در ه ذا ح ديث ص حيح على ش رط الش يخني وقد
قصر بروايته بعض أصحاب الثوري وهذا عندنا مما ال يعبأ.
وروى احلاكم أيضا عن نافع قال كان البن عمر صديق من أهل الشام يكاتبه فكتب
إليه عبد اهلل بن عمر أنه بلغين أنك تكلمت يف ش يء من الق در فإي اك أن تكتب إيل ف إين
مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول إنه سيكون يف أميت أقوام يكذبون بالقدر هذا
حديث صحيح على شرط مسلم فقد احتج بأيب صخر محيد بن زياد ومل خيرجاه.
وروى الطرباين يف املعجم األوسط عن جابر بن مسرة قال مسعت رسول اهلل صلى اهلل
عليه وس لم يق ول أخ وف ما أخ اف على أميت االستس قاء ب األنواء وحيف الس لطان
وتك ذيب بالق در مل ي رو ه ذا احلديث عن فطر إال حممد وال ي روى عن ج ابر بن مسرة إال
هبذا اإلسناد.
وله عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
لن ي ؤمن عبد حىت ي ؤمن بالق در خ ريه وش ره ويعلم أن ما أص ابه لن يكن ليخطئه وما
أخطأه مل يكن ليصيبه مل يرو هذا احلديث عن منصور بن زيد إال عبد اهلل بن جعفر.
وله يف املعجم الكبري عن خباب بن األرت قال بعثين رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
مبعثا فقلت يا رسول اهلل إنك تبعثين بعيدا وأنا أشفق عليك قال وما بلغ من شفقتك علي
قلت أص بح فال أظنك متسي وأمسي فال أظنك تص بح ق ال يا خب اب مخس إن فعلت هبن
رأيتين وإن مل تفعل هبن مل ترين فقلت يا رسول اهلل وما هن قال تعبد اهلل ال تشرك به شيئا
وإن قطعت وح رقت وت ؤمن بالق در قلت يا رس ول اهلل وما اإلميان بالق در ق ال تعلم أن ما
أصابك مل يكن ليخطئك وأن ما أخطأك مل يكن ليصيبك وال تشرب اخلمر فإن خطيئتها
تق رع اخلطايا كما أن ش جرهتا تعلق الش جر وبر وال ديك وإن أم راك أن خترج من ال دنيا
وتعتصم حببل اجلماعة ف إن يد اهلل على اجلماعة يا خب اب إنك إن رأيتين ي وم القيامة مل
تفارقين.
وله يف املعجم الكبري عن عط اء بن أيب رب اح عن عم رو بن ش عيب ق ال كنت عند
س عيد بن املس يب جالسا ف ذكروا أن أقواما يقول ون ق در اهلل كل ش يء ما خال األعم ال
قال فواهلل ما رأيت سعيد بن املسيب غضب غضبا أشد منه حىت هم بالقيام مث سكن فقال
تكلموا به أما واهلل لقد مسعت فيهم حديثا كفاهم به شرا وحيهم أو يعلمون فقلت يرمحك
اهلل يا أبا حممد وما هو قال فنظر إيل وقد سكن بعض غضبه فقال حدثين رافع بن خديج
أنه مسع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول يكون قوم من أميت يكفرون باهلل وبالقرآن
وهم ال يش عرون كما كف رت اليه ود والنص ارى ق ال قلت جعلت ف داك يا رس ول اهلل
وكيف ذاك قال يقرون ببعض القدر ويكفرون ببعضه قال قلت مث ما يقولون قال يقولون
اخلري من اهلل والشر من إبليس فيق رون على ذلك كت اب اهلل ويكف رون ب القرآن بعد اإلميان
واملعرفة فما يلقى أميت منهم من الع داوة والبغض اء واجلدال أولئك زنادقة ه ذه األمة يف
زم اهنم يك ون ظلم الس لطان فين اهلم من ظلم وحيف وأث رة مث يبعث اهلل عز وجل طاعونا
فيفين عامتهم مث يكون اخلسف فما أقل ما ينجو منهم املؤمن يومئذ قليل فرحه شديد غمه
مث يك ون املسخ فيمس خ اهلل عز وجل عامة أولئك ق ردة وخن ازير مث خيرج ال دجال على
أثر ذلك قريبا مث بكى رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم حىت بكينا لبكائه قلنا ما يبكيك
ق ال رمحة هلم األش قياء ألن فيهم املتعبد ومنهم اجملتهد مع أهنم ليس وا ب أول من س بق إىل
ه ذا الق ول وض اق حبمله ذرعا إن عامة من هلك من بين إس رائيل بالتك ذيب بالق در قلت
جعلت فداك يا رسول اهلل فقل يل كيف اإلميان بالقدر قال تؤمن باهلل وحده وإنه ال ميلك
معه أحد ض را وال نفعا وت ؤمن باجلنة والن ار وتعلم أن اهلل عز وجل خالقهما قبل خلق
اخللق مث خلق خلقه فجعلهم من ش اء منهم للجنة ومن ش اء منهم للن ار ع دال ذلك منه
وكل يعمل ملا فرغ له وهو صائر إىل ما فرغ منه قلت صدق اهلل ورسوله.
وله يف املعجم الكبري عن أيب األسود الدؤيل قال خاصمت القدرية فأحرجوين فأتيت
عم ران بن احلصني اخلزاعي ص احب رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم فقلت يا أبا جنيد
خاص مت القدرية ف أحرجوين فهل من ح ديث حتدثين لعل اهلل ينفعين به ق ال لعلي لو
حدثتك حديثا لبست عليه أذنيك كأنك مل تسمعه فقلت إمنا جئت لذلك فقال لو أن اهلل
عذب أهل السماء وأهل األرض عذهبم وهو غري ظامل ولو أدخلهم يف رمحته كانت رمحته
أوسع هلم من ذن وهبم ف إذا هو كما ق ال اهلل عز وجل يع ذب من يش اء ويغفر ملن يش اء
فمن ع ذب فهو احلق ومن رحم فهو احلق ولو ك انت اجلب ال ألح دكم ذهبا أو ورقا
فأنفقها يف س بيل اهلل مث مل ي ؤمن بالق در خ ريه وش ره مل ينتفع ب ذلك ف أتيت عبد اهلل بن
مسعود فسألته فقال عبد اهلل أليب بن كعب يا أبا املنذر حدثه فقال أيب يا أبا عبد ال رمحن
حدثه فح دث بن مس عود مبثل ح ديث عم ران بن حصني عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم
وعلى آله وسلم تسليما كثريا طيبا مباركا فيه.
ويف سنن ابن ماجه عن بن الديلمي قال وقع يف نفسي شيء من هذا القدر خشيت
أن يفسد علي ديين وأم ري ف أتيت أيب بن كعب فقلت أبا املن ذر إنه قد وقع يف نفسي
شيء من هذا القدر فخشيت على ديين وأمري فحدثين من ذلك بشيء لعل اهلل أن ينفعين
به فق ال لو أن اهلل ع ذب أهل مساواته وأهل أرضه لع ذهبم وهو غري ظ امل هلم ولو رمحهم
لك انت رمحته خ ريا هلم من أعم اهلم ولو ك ان لك مثل جبل أحد ذهبا أو مثل جبل أحد
تنفقه يف س بيل اهلل ما قبل منك حىت ت ؤمن بالق در فتعلم أن ما أص ابك مل يكن ليخطئك
وأن ما أخط أك مل يكن ليص يبك وأنك إن مت على غري ه ذا دخلت الن ار وال عليك أن
تأيت أخي عبد اهلل بن مسعود فتسأله فأتيت عبد اهلل فسألته فذكر مثل ما قال أيب وقال يل
وال عليك أن تأيت حذيفة فأتيت حذيفة فسألته فقال مثل ما قاال وقال ائت زيد بن ثابت
فاسأله فأتيت زيد بن ثابت فسألته فقال مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول
لو أن اهلل ع ذب أهل مساواته وأهل أرضه لع ذهبم وهو غري ظ امل هلم ولو رمحهم لك انت
رمحته خ ريا هلم من أعم اهلم ولو ك ان لك مثل أحد ذهبا أو مثل جبل أحد ذهبا تنفقه يف
س بيل اهلل ما قبله منك حىت ت ؤمن بالق در كله فتعلم أن ما أص ابك مل يكن ليخطئك وما
أخطأك مل يكن ليصيبك وأنك إن مت على غري هذا دخلت النار.
واألحاديث واآلثار يف هذا الباب كثرية وما ذكرناه يكفي بتوفيق اهلل تعاىل.
([ )]80روى البخاري عن أيب هريرة رضي اهلل تعاىل عنه قال قلت يا رسول
اهلل إين رجل ش اب وأنا أخ اف على نفسي العنت وال أجد ما أت زوج به النس اء فس كت
عين مث قلت مثل ذلك فسكت عين مث قلت مثل ذلك فسكت عين مث قلت مثل ذلك فقال
النيب ص لى اهلل عليه وس لم يا أبا هري رة جف القلم مبا أنت الق ف اختص على ذلك أو ذر.
قلت :وه ذا احلديث يف س نن ال بيهقي الك ربى وق ال عنه ح ديث ص حيح .ويف اجملتىب من
السنن للنسائي وصححه.
وروى الرتمذي يف اجلامع الصحيح عن عبد الواحد بن سليم قال قدمت مكة فلقيت
عط اء بن رب اح فقلت له يا أبا حممد إن أهل البص رة يقول ون يف الق در ق ال يا بين أتق رأ
الق رآن قلت نعم ق ال ف اقرأ الزخ رف ق ال فق رأت { حم والكت اب املبني إنا جعلن اه قرآنا
عربيا لعلكم تعقل ون وإنه يف أم الكت اب ل دينا لعلي حكيم }فق ال أت دري ما أم الكت اب
قلت اهلل ورس وله أعلم ق ال فإنه كت اب كتبه اهلل قبل أن خيلق الس ماوات وقبل أن خيلق
األرض فيه إن فرع ون من أهل الن ار وفيه {تبت ي دا أيب هلب وتب }ق ال عط اء فلقيت
الوليد بن عب ادة بن الص امت ص احب رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم فس ألته ما ك ان
وصية أبيك عند املوت قال دعاين أيب فقال يل يا بين اتق اهلل واعلم أنك لن تتقي اهلل حىت
تؤمن باهلل وتؤمن بالقدر كله خريه وشره فإن مت على غري هذا دخلت النار إين مسعت
رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يق ول إن أول ما خلق اهلل القلم فق ال اكتب فق ال ما
أكتب ق ال اكتب الق در ما ك ان وما هو ك ائن إىل األبد ق ال أبو عيسى وه ذا ح ديث
غ ريب من ه ذا الوج ه .وفي لفظ آخر :فلقيت عط اء بن أيب رب اح فقلت له يا أبا حممد
إن أناسا عندنا يقولون يف القدر فقال عطاء لقيت الوليد بن عبادة بن الصامت قال حدثين
أيب ق ال مسعت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يق ول إن أول ما خلق اهلل القلم فق ال له
اكتب فجرى مبا هو كائن إىل األبد ويف احلديث قصة قال هذا حديث حسن.
وروى الرتم ذي عن عبد اهلل بن ال ديلمي ق ال مسعت عبد اهلل بن عم رو يق ول مسعت
رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يق ول إن اهلل عز وجل خلق خلقه يف ظلمة ف ألقى عليهم
من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على
علم اهلل قال أبو عيسى هذا حديث حسن .وهذا احلديث عند احلاكم يف املستدرك ولكن
طويل وقال إن مجيع رواته احتجوا هبم وال يعلم له علة.
ق ال الس يوطي يف ال ديباج على مس لم( :)6/13جفت به األقالم أي اليت كتبته يف
الل وح احملف وظ أي متت كتابته وامتنعت يف الزي ادة والنقص ان ق ال العلم اء وكت اب اهلل
ولوحه وقلمه والص حف املذكورة يف األح اديث كل ذلك مما جيب اإلميان به وأما كيفية
ذلك وصفتها فعلمها إىل اهلل تعاىل وجرت به املقادير قال أبو املظفر السمعاين سبيل معرفة
ه ذا الب اب التوقيف من الكت اب والس نة دون حمض القي اس وجمرد العق ول فمن ع دل عن
التوقيف فيه ضل وت اه يف حبار احلرية ومل يبلغ ش فاء النفس ومل يصل إىل ما يطمئن إليه
القلب ألن القدر سر من أسرار اهلل تعاىل ضربت دونه األستار اختص اهلل تعاىل به وحجبه
عن عق ول اخللق ومع ارفهم ملا علمه من احلكمة وأوجب لنا أن نقف حيث حد لنا وال
نتج اوزه وقد ط وى اهلل علم الق در عن الع امل فلم يعلمه نيب مرسل وال ملك مق رب وقيل
إن سر القدر ينكشف هلم إذا دخلوا اجلنة وال ينكشف قبل دخوهلا.اهـ
وروى احلاكم يف مستدركه ( )2/405قال حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن
س عيد بن جبري عن ابن عب اس رضي اهلل تع اىل عنهما وقربن اه جنيا ق ال مسع ص ريف القلم
حني كتب يف اللوح هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه.
وفيه عن بن عب اس رضي اهلل تع اىل عنهما ق ال أول ما خلق اهلل القلم خلقه من هجا
قبل األلف والالم فتص ور قلما من ن ور فقليل له أجر يف الل وح احملف وظ ق ال يا رب مباذا
ق ال مبا يك ون إىل ي وم القيامة فلما خلق اهلل اخللق وكل ب اخللق حفظة حيفظ ون عليهم
أعماهلم فلما قامت القيامة عرضت عليهم أعماهلم وقيل هذا كتابنا ينطق عليكم باحلق إنا
كنا نستنسخ ما كنتم تعملون عرض بالكتابني فكانا سواء قال بن عباس ألستم عربا هل
تكون النسخة إال من كتاب هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه.
وفيه أيضا عن ابن عب اس رضي اهلل تع اىل عنهما ق ال إن أول ش يء خلقه اهلل القلم
فقال له اكتب فقال وما أكتب فقال القدر فجرى من ذلك اليوم مبا هو كائن إىل أن تقوم
الس اعة ق ال وك ان عرشه على املاء ف ارتفع خبار املاء ففتقت منه الس ماوات مث خلق الن ون
فبس طت األرض عليه واألرض على ظهر الن ون فاض طرب الن ون فم ادت األرض ف أثبتت
باجلب ال ف إن اجلب ال تفخر على األرض ه ذا ح ديث ص حيح على ش رط الش يخني ومل
خيرجاه.
وفيه أيضا عن ابن عب اس رضي اهلل تع اىل عنهما ق ال أه دي إىل النيب ص لى اهلل عليه
وس لم بغلة أه داها له كس رى فركبها حببل من ش عر مث أردفين خلفه مث س ار يب مليا مث
التفت فق ال يا غالم قلت لبيك يا رس ول اهلل ق ال احفظ اهلل حيفظك احفظ اهلل جتده
أمامك تع رف إىل اهلل يف الرخ اء يعرفك يف الش دة وإذا س ألت فاس أل اهلل وإذا اس تعنت
فاستعن باهلل قد مضى القلم مبا هو كائن فلو جهد الناس أن ينفعوك مبا مل يقضه اهلل لك مل
يق دروا عليه ولو جهد الن اس أن يض روك مبا مل يكتبه اهلل عليك مل يق دروا عليه ف إن
اس تطعت أن تعمل بالصرب مع اليقني فافعل ف إن مل تس تطع فاصرب ف إن يف الصرب على ما
تكرهه خ ريا كث ريا واعلم أن مع الصرب النصر واعلم أن مع الك رب الف رج واعلم أن مع
العسر اليسر ه ذا ح ديث كبري ع ال من ح ديث عبد امللك بن عمري عن ابن عب اس رضي
اهلل تع اىل عنهما إال أن الش يخني رضي اهلل تع اىل عنهما مل خيرجا ش هاب بن خ راش وال
القداح يف الصحيحني وقد روي احلديث بأسانيد عن بن عباس غري هذا.
ويف املعجم الكبري للطرباين عن سراقة بن مالك قال قلت يا رسول اهلل أنعمل على ما
قد جف به القلم وجرت به املقادير أو ألمر مستقبل قال يا سراقة اعمل ملا جف به القلم
وجرت به املقادير فإن كال ميسر.
([ )]81ورد ذكر العرش يف القرآن يف عدة مواضع ،نوردها لك هنا
يف س ورة األع راف(إن ربكم اهلل ال ذي خلق الس ماوات واألرض يف س تة أي ام مث
اس توى على الع رش يغشي الليل النه ار يطلبه حثيثا والش مس والقمر والنج وم مس خرات
بأمره أال له اخللق واألمر تبارك اهلل رب العاملني[)]54
ويف التوب ة(ف إن تول وا فقل حسيب اهلل ال إله إال هو عليه ت وكلت وهو رب الع رش
العظيم[)]129
ويف سورة يونس(إن ربكم اهلل الذي خلق السماوات واألرض يف ستة أيام مث استوى
على الع رش ي دبر األمر ما من ش فيع إال من بعد إذنه ذلكم اهلل ربكم فاعب دوه أفال
تذكرون[)]3
ويف س ورة الرع د(اهلل ال ذي رفع الس ماوات بغري عمد تروهنا مث اس توى على الع رش
وس خر الش مس والقمر كل جيري ألجل مس مى ي دبر األمر يفصل اآلي ات لعلكم بلق اء
ربكم توقنون[)]2
ويف س ورة اإلس راء(قل لو ك ان معه آهلة كما يقول ون إذا البتغ وا إىل ذي الع رش
سبيال[)]42
الرحيم طه [ ]1ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى[]2 ِ ِ
الرمحن َ
ويف سورة طه(ب ْس م اهلل َ
إال ت ذكرة ملن خيش ى[ ]3ت نزيال ممن خلق األرض والس ماوات العلى[ ]4ال رمحن على
العرش استوى[ ]5له ما يف السماوات وما يف األرض وما بينهما وما حتت الثرى[ ]6وإن
جتهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى[)]7
ويف س ورة األنبي اء(لو ك ان فيهما آهلة إال اهلل لفس دتا فس بحان اهلل رب الع رش عما
يصفون[)]22
ويف سورة املؤمنون(قل ملن األرض ومن فيها إن كنتم تعلمون[ ]84سيقولون هلل قل
أفال تذكرون[ ]85قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم[ ]86سيقولون هلل
قل أفال تتق ون[ ]87قل من بي ده ملك وت كل ش يء وهو جيري وال جيار عليه إن كنتم
تعلمون[ ]88سيقولون هلل قل فأىن تسحرون[)]89
ويف سورة املؤمنون أيضا(أفحسبتم أمنا خلقناكم عبثا وأنكم إلينا ال ترجعون[]115
فتعاىل اهلل امللك احلق ال إله إال هو رب العرش الكرمي[)]116
ويف سورة الفرقان(وتوكل على احلي الذي ال ميوت وسبح حبمده وكفى به بذنوب
عباده خبريا[ ]58الذي خلق السماوات واألرض وما بينهما يف ستة أيام مث استوى على
العرش الرمحن فاسأل به خبريا[)]59
ويف سورة النم ل(إين وجدت امرأة متلكهم وأوتيت من كل شيء وهلا عرش عظيم[
]23وجدهتا وقومها يسجدون للشمس من دون اهلل وزين هلم الشيطان أعماهلم فصدهم
عن الس بيل فهم ال يهت دون[ ]24أال يس جدوا هلل ال ذي خيرج اخلبء يف الس ماوات
واألرض ويعلم ما ختفون وما تعلنون[ ]25اهلل ال إله إال هو رب العرش العظيم[)]26
ويف س ورة الس جدة(اهلل ال ذي خلق الس ماوات واألرض وما بينهما يف س تة أي ام مث
استوى على العرش ما لكم من دونه من ويل وال شفيع أفال تتذكرون[)]4
ويف سورة غافر(وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أهنم أصحاب النار[]6
الذين حيملون العرش ومن حوله يسبحون حبمد رهبم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا
ربنا وسعت كل شيء رمحة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب اجلحيم[
)]7
ويف س ورة غ افر(رفيع ال درجات ذو الع رش يلقي ال روح من أم ره على من يش اء من
عباده لينذر يوم التالق[)]15
ويف س ورة الزخ رف(قل إن ك ان لل رمحن ولد فأنا أول العاب دين[ ]81س بحان رب
السماوات واألرض رب العرش عما يصفون[)]82
الرحيم سبح هلل ما يف السماوات واألرض وهو ِ ِ
الرمحن َ
ويف سورة احلديد(ب ْسم اهلل َ
العزيز احلكيم[ ]1له ملك الس ماوات واألرض حييي ومييت وهو على كل ش يء ق دير[]2
هو األول واآلخر والظ اهر والب اطن وهو بكل ش يء عليم[ ]3هو ال ذي خلق الس ماوات
واألرض يف س تة أي ام مث اس توى على الع رش يعلم ما يلج يف األرض وما خيرج منها وما
ي نزل من الس ماء وما يع رج فيها وهو معكم أين ما كنتم واهلل مبا تعمل ون بص ري[ ]4له
ملك السماوات واألرض وإىل اهلل ترجع األمور[)]5
ويف سورة التكوير(إنه لقول رسول كرمي[ ]19ذي قوة عند ذي العرش مكني[)]20
ويف سورة الربوج(إن بطش ربك لشديد[ ]12إنه هو يبدئ ويعيد[ ]13وهو الغفور
الودود[ ]14ذو العرش اجمليد[ ]15فعال ملا يريد[)]16
([ )]82والكرسي قد ورد ذكره يف القرآن يف مواضع
قوله تعاىل يف سورة البقرة(اهلل ال إله إال هو احلي القيوم ال تأخذه سنة وال نوم له ما
يف الس ماوات وما يف األرض من ذا ال ذي يش فع عن ده إال بإذنه يعلم ما بني أي ديهم وما
خلفهم وال حييط ون بش يء من علمه إال مبا ش اء وسع كرس يه الس ماوات واألرض وال
يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم[)]255
([ )]83ورد إثبات أن إبراهيم عليه السالم خليل اهلل يف القرآن ،فقد قال اهلل
تع اىل يف س ورة النس اء(ومن أحسن دينا ممن أس لم وجهه هلل وهو حمسن واتبع ملة إب راهيم
حنيفا واختذ اهلل إب راهيم خليال [ .)]125وورد أن اهلل كلم موسى تكليما يف النس اء أيضا
فقال جل من قائل(ورسال قد قصصناهم عليك من قبل ورسال مل نقصصهم عليك وكلم
اهلل موسى تكليم ا[ ،)]164ويف س ورة األع راف(وملا ج اء موسى مليقاتنا وكلمه ربه ق ال
رب أرين أنظر إليك ق ال لن ت راين ولكن انظر إىل اجلبل ف إن اس تقر مكانه فس وف ت راين
فلما جتلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى ص عقا فلما أف اق ق ال س بحانك تبت إليك
وأنا أول املؤمنني[.)]143
ورد إثبات أن سيدنا إبراهيم عليه السالم هو خليل اهلل تعاىل يف عدة أحاديث منها ما
رواه اإلم ام البخ اري عن أنس يف ح ديث الش فاعة أن النيب عليه الس الم ق ال في ه ":ولكن
ائتوا إبراهيم خليل الرمحن فيأتون إبراهيم" ،وقد رواه اإلمام مسلم يف صحيحه عن معبد
بن هالل الع نزي ق ال انطلقنا إىل أنس بن مالك وتش فعنا بث ابت فانتهينا إليه وهو يص لي
الض حى فاس تأذن لنا ث ابت ف دخلنا عليه وأجلس ثابتا معه على س ريره فق ال له يا أبا محزة
إن إخوانك من أهل البصرة يسألونك أن حتدثهم حديث الشفاعة قال حدثنا حممد صلى
اهلل عليه وسلم قال إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إىل بعض فيأتون آدم فيقولون
له اش فع ل ذريتك فيق ول لست هلا ولكن عليكم ب " ""إبراهيم" عليه الس " ""الم فإنه خليل اهلل
في أتون إب راهيم فيق ول لست هلا ولكن عليكم مبوسى عليه الس الم فإنه كليم اهلل في ؤتى
موسى فيق ول لست هلا ولكن عليكم بعيسى عليه الس الم فإنه روح اهلل وكلمته في ؤتى
عيسى فيق ول لست هلا ولكن عليكم مبحم د ص لى اهلل عليه وس لم ف أوتى ف أقول أنا
ويف رواية أخ رى ملس لم عن أيب هري رة وأبو مالك عن ربعي عن حذيفة ق اال ق ال
رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم جيمع اهلل تب ارك وتع اىل الن اس فيق وم املؤمن ون حىت تزلف
هلم اجلنة في أتون آدم فيقول ون يا أبانا اس تفتح لنا اجلنة فيق ول وهل أخ رجكم من اجلنة إال
خطيئة أبيكم آدم لست بصاحب ذلك اذهبوا إىل ابين إبراهيم خليل اهلل قال فيقول إبراهيم
لست بص احب ذلك إمنا كنت خليال من وراء وراء اعم دوا إىل موسى ص لى اهلل عليه
وس لم ال ذي كلمه اهلل تكليما في أتون موس ى ص لى اهلل عليه وس لم فيق ول لست
بص احب ذلك اذهب وا إىل عيسى كلمة اهلل وروحه فيق ول عيسى ص لى اهلل عليه وس لم
لست بصاحب ذلك فيأتون حممدا صلى اهلل عليه وسلم فيقوم فيؤذن له".
([ )]84روى اإلمام البخاري عن أبا هريرة رضي اهلل تعاىل عنه قال ملا تويف
رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم وك ان أبو بكر رضي اهلل تع اىل عنه وكفر من كفر من
الع رب فق ال عمر رضي اهلل تع اىل عنه كيف تقاتل الن اس وقد ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل
عليه وس لم أم رت أن أقاتل الن اس حىت يقول وا ال إله إال اهلل فمن قاهلا فقد عصم مين ماله
ونفسه إال حبقه وحس ابه على اهلل فق ال واهلل ألق اتلن من ف رق بني الص الة والزك اة ف إن
الزك اة حق املال واهلل لو منع وين عناقا ك انوا يؤدوهنا إىل رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم
لق اتلتهم على منعها ق ال عمر رضي اهلل تع اىل عنه فواهلل ما هو إال أن قد ش رح اهلل ص در
أيب بكر رضي اهلل تعاىل عنه فعرفت أنه احلق.
([ )]85روى إسحاق بن راهويه يف مسنده عن عائشة قالت ما كان رسول
اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يب وح به أن إميانه على إميان جربيل وميكائيل أخربنا العالء بن
عبد اجلب ار عن ن افع بن عمر اجلمحي وك ان ثقة عن بن أيب مليكة ق ال يقولون إميان فالن
كإميان فالن أترون إميان فهدان مثل إميان جربيل وكان رجال متهما بالشراب أخربنا حممد
بن أعني قال قال بن املبارك وذكر له اإلميان فقال قوم يقولون إمياننا مثل جربيل وميكائيل
إما فيه زي ادة إما فيه نقص ان هو مثله س واء وجربيل رميا ص ار مثل الوضع من خ وف اهلل
تعاىل وذكر أشباه ذلك قال فقيل له إن قوما يقولون إن سفيان الثوري حني كان يقول إن
شاء اهلل كان ذاك منه شك فقال بن املبارك أترى سفيان كان يسبقين يف وحدانية الرب أو
يف حممد صلى اهلل عليه وسلم إمنا كان استثناء يف قبول إميانه وما هو عند اهلل قال بن
أعني قال بن املبارك واالستثناء ليس بشك أال ترى إىل قول اهلل لتدخلن املسجد احلرام إن
شاء اهلل آمنني وعلم أهنم داخلون قال لو أن رجال قال هذا هنار إن شاء اهلل ما كان شكا
ق ال وق ال ش يبان البن املب ارك يا أبا عبد ال رمحن ما تق ول فيمن ي زين ويش رب اخلمر وحنو
ه ذا أم ؤمن هو ق ال بن املب ارك ال أخرجه من اإلميان فق ال على كرب السن ص رت مرجئا
فقال له بن املبارك يا أبا عبد اهلل إن املرجئة ال تقبلين أنا أقول اإلميان يزيد املرجئة ال تقول
ذلك واملرجئة تقول حسناتنا متقبلة وأنا ال أعلم تقبلت مين حسنة وقال غري بن أعني قال
له بن املب ارك وما أحوجك إىل أن تأخذ س بورجة فتج الس العلم اء ق ال إس حاق وأخ ربين
عدة أمحد بن زهري وعدة ممن شهد بن املبارك بالري فقال له املستملي يا أبا عبد الرمحن
أن ها هنا قوما يقول ون اإلميان ال يزيد فس كت عبد اهلل حىت س أله ثالثا فأجابه فق ال ال
تعجبين ه ذه الكلمة منكم أن ها هنا قوما ينبغي أن يك ون أم ركم مجعا ق ال وق ال نا عبد
اهلل بن ش وذب عن حممد بن جح ادة عن س لمة بن كهيل عن هزيل بن ش رحبيل ق ال ق ال
عمر بن اخلط اب لو وزن إميان أيب بكر الص ديق بإميان أهل األرض ل رجحهم بلى أن
اإلميان يزيد بلى أن اإلميان يزيد ثالثا قال بن املبارك مل أجد بدرا من اإلقرار بزيادة اإلميان
إزاء كتاب اهلل قال إسحاق واملرجئة طائفة من اجلهمية قال إسحاق وقد مضت السنة من
رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ب أن أهل اجلنة ي رون رهبم وهو من أعظم نعم أهل
اجلنة وقوله وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة يقول يومئذ مشرقة إىل اهلل ناظرة إىل اجلنة
وإمنا معىن قول من قال تنتظر الثواب وال يرون رهبم يوم القيامة قبل دخول اجلنة أال ترى
إىل جماهد حني فسر اآلية فس ره على معىن ما وص فنا ق ال إىل رهبا ن اظرة ق ال ينظ رون
الثواب تفسري اآلية جييء على أوجه وهي نواظر يوم القيامة فتجيء اآلية مصدقة ملعىن اآلية
األخ رى وهي يف الظ اهر عند من جيهل تأويلها فح الف لآلخر كما جهل من س أل بن
عباس عن قوله فال أنساب بينهم يومئذ وال يتساءلون وعن قوله فأقبل بعضهم على بعض
يتساءلون وكان يف الظاهر إحدامها خمالفة لألخرى فأجابه بن عباس بأهنما مؤتلفتان فسر
قوله فال أنس اب بينهم يومئذ وال يتس اءلون ق ال ه ذه النفخة األوىل إذا مل يبق على وجه
األرض مل يكن بينهم يومئذ نسب وق ال إذا أدخل وا اجلنة أقبل بعض هم على بعض
يتساءلون فتبني أن معىن االيتني معىن واحد وكان يف الظاهر خالفا حىت أن بن عباس قال
للسائل ما أشبه عليك من حنو ذلك من القرآن فهو كما وصفنا فلذلك قلنا أن قول اهلل ال
تدركه األبص ار وهو ي درك األبص ار يف ال دنيا وتص ديق ذلك ما ق الت عائشة من زعم أن
حمم دا رأى ربه فقد ك ذب ألن اهلل ال تدركه األبص ار وهو ي درك األبص ار فقد حتقق عند
من عقل عن اهلل عز وج ل أن عائشة فس رت ه ذه اآلية على ال دنيا وتفس رها املبتدعة
على أهنا يف ال دنيا واآلخ رة فأس قطوا معىن ه ذه اآلية وج وه يومئذ ناض رة إىل رهبا ن اظرة
وبني ما وص فنا يف ق ول اهلل كال إهنم عن رهبم يومئذ حملجوب ون ف أزال ذلك عن الكف ار
وثبتت اآلية ألهل اجلنة ولقد قيل البن املبارك أن فالنا فسر اآليتني ال تدركه األبصار وهو
ي درك األبص ار وقوله وج وه يومئذ ناض رة إىل رهبا ن اظرة على أهنا خمالفة لألخ رى فل ذلك
أرى الوقف يف الرؤية فق ال بن املب ارك جهل الش يخ معىن اآلية اليت ق ال اهلل ال تدركه
األبصار وهو يدرك األبصار ليست مبخالفة وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة ألن هذه يف
الدنيا وتلك يف اآلخرة حىت إنه قال ال تفشوا هذا عن الشيخ تدعيه اجلهمية ورآه منه غلطا
ولو مل يكن فيما وص فنا إال ما س أل موسى ربه الرؤية يف ال دنيا ملا ك ان قد علم أن أهل
اجلنة ي رون رهبم فيس أل ربه أن يريه يف ال دنيا ف بني اهلل له ق ال انظر إىل اجلبل ف إن اس تقر
مكانه فسوف ت راين فلما جتلى ربه للجبل س اخ اجلبل ومل يقو على نظر الرب ق ال موسى
سبحانك تبت إليك وأنا أول من آمن بك أن ال يراك أحد يف الدنيا قبل يوم القيامة.
([ )]86ق ال اهلل تع اىل يف س ورة يوس ف(يا بين اذهب وا فتحسس وا من يوسف
وأخيه وال تيأسوا من روح اهلل إنه ال ييأس من روح اهلل إال القوم الكافرون[.)]87
([ )]87روى اإلم ام مس لم يف ص حيحه عن أس امة بن زيد وه ذا ح ديث بن
أيب ش يبة ق ال بعثنا رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يف س رية فص بحنا احلرق ات من جهينة
ف أدركت رجال فق ال ال إله إال اهلل فطعنته فوقع يف نفسي من ذلك فذكرته للنيب ص لى اهلل
عليه وس لم فق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم أق ال ال إله إال اهلل وقتلته ق ال قلت يا
رس ول اهلل إمنا قاهلا خوفا من الس الح ق ال أفال ش ققت عن قلبه حىت تعلم أقاهلا أم ال فما
زال يكررها علي حىت متنيت أين أس لمت يومئذ ق ال فق ال س عد وأنا واهلل ال أقتل مس لما
حىت يقتله ذو البطني يعين أسامة قال قال رجل أمل يقل اهلل { وقاتلوهم حىت ال تكون فتنة
ويكون الدين كله هلل } فقال سعد قد قاتلنا حىت ال تكون فتنة وأنت وأصحابك تريدون
أن تقاتلوا حىت تكون فتنة.
ويف املستدرك للحاكم عن أسامة بن زيد رضي اهلل تعاىل عنهما قال بعثين رسول اهلل
ص لى اهلل عليه وس لم يف س رية يف أن اس من أص حابه فاس تبقنا أنا ورجل من األنص ار إىل
الع دو فحملت على رجل فلما دن وت منه كرب فطعنته فقتلته ورأيت أنه إمنا فعل ذلك
ليح رز دمه فلما رجعنا س بقين إىل النيب ص لى اهلل عليه وس لم فق ال يا رس ول اهلل ال ف ارس
خري من فارس كم إنا اس تلحقنا رجال فس بقين إليه فكرب فلم مينعه ذلك أن قتله فق ال النيب
صلى اهلل عليه وسلم يا أسامة ما صنعت اليوم فقلت محلت على رجل فكرب فرأيت أنه إمنا
فعل ليح رز دمه فقتلته فق ال كيف بعد اهلل أكرب فهال ش ققت عن قلبه فقلت ما ق ال فلم
ي زل يق ول يل يومئذ فال أقاتل رجال يق ول اهلل أكرب مما هناين عنه حىت ألق اه ص لى اهلل عليه
وسلم.
([ )]88ق ال اهلل تع اىل يف س ورة النح ل(من كفر باهلل من بعد إميانه إال من
أك ره وقلبه مطمئن باإلميان ولكن من ش رح ب الكفر ص درا فعليهم غضب من اهلل وهلم
عذاب عظيم[.)]106
وروى اإلمام البخاري يف صحيحه عن أيب هريرة قال كان النيب صلى اهلل عليه وسلم
ب ارزا يوما للن اس فأت اه جربيل فق ال ما اإلميان ق ال أن ت ؤمن باهلل ومالئكته وبلقائه ورس له
وت ؤمن ب البعث ق ال ما اإلس الم ق ال اإلس الم أن تعبد اهلل وال تش رك به وتقيم الص الة
وتؤدي الزكاة املفروضة وتصوم رمضان قال ما اإلحسان قال أن تعبد اهلل كأنك تراه فإن
مل تكن تراه فإنه يراك قال مىت الساعة قال ما املسؤول عنها بأعلم من السائل وسأخربك
عن أش راطها إذا ول دت األمة رهبا وإذا تط اول رع اة اإلبل البهم يف البني ان يف مخس ال
يعلمهن إال اهلل مث تال النيب ص لى اهلل عليه وس لم {إن اهلل عن ده علم الس اعة} اآلية مث أدبر
فق ال ردوه فلم ي روا ش يئا فق ال ه ذا جربيل ج اء يعلم الن اس دينهم ق ال أبو عبد اهلل جعل
ذلك كله من اإلميان.
وأخ رج البخ اري عن حممد بن جبري عن أبيه ق ال مسعت النيب ص لى اهلل عليه وس لم
يقرأ يف املغرب بالطور وذلك أول ما وقر اإلميان يف قليب.
([ )]89قال تعاىل يف سورة األنفال(وما هلم أال يعذهبم اهلل وهم يصدون عن
املس جد احلرام وما ك انوا أولي اءه إن أولي اؤه إال املتق ون ولكن أك ثرهم ال يعلم ون[
اب وهو يت وىل .)]34وق ال تع اىل يف س ورة األع راف(إن وليِّ َي اهللُ ال ذي ن َّز َل الكت َ
الصاحلني[)]196
([ )]90روى ابن حب ان يف ص حيحه عن ج ابر أن النيب ص لى اهلل عليه وس لم
ق ال ش فاعيت ألهل الكب ائر من أم يت .ورواه احلاكم يف املس تدرك عن ج ابر بن عبد اهلل
رضي اهلل تع اىل عنهما أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم تال ق ول اهلل عز وجل (وال
يشفعون إال ملن ارتضى) فقال صلى اهلل عليه وسلم إن شفاعيت ألهل الكبائر من أميت هذا
حديث صحيح على شرط الشيخني ومل خيرجاه.
وهو يف سنن أيب داود ويف الرتمذي عن أنس بن مالك .ورواه غريهم.
ويف مس ند أيب يعلى عن يزيد الرقاشي عن أنس ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم
شفاعيت ألهل الكبائر من أميت قال فقال تصديق هذا يف القرآن قال فقرأ علينا إن جتتنبوا
كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم س يئاتكم ون دخلكم م دخال كرميا فهؤالء الذين جيتنبون
الكبائر وهؤالء الذين واقعوا الكبائر بقيت هلم شفاعة حممد صلى اهلل عليه وسلم قال فقال
يزيد ألنس صدقت.
([ )]91روى البخ اري يف ص حيحه عن عب ادة بن الص امت رضي اهلل تع اىل
عنه قال كنا عند النيب صلى اهلل عليه وسلم يف جملس فقال بايعوين على أن ال تشركوا باهلل
ش يئا وال تس رقوا وال تزن وا وق رأ ه ذه اآلية كلها فمن ويف منكم ف أجره على اهلل ومن
أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارته ومن أصاب من ذلك شيئا فسرته اهلل عليه إن
شاء غفر له وإن شاء عذبه.
ويف س نن أيب داود عن عط اء بن يس ار عن عبد اهلل بن الص ناحبي ق ال زعم أبو حممد
أن ال وتر واجب فق ال عب ادة بن الص امت ك ذب أبو حممد أش هد أين مسعت رس ول اهلل
ص لى اهلل عليه وس لم يق ول مخس ص لوات افرتض هن اهلل تع اىل من أحسن وض وءهن
وص الهن ل وقتهن وأمت رك وعهن وخش وعهن ك ان له على اهلل عهد أن يغفر له ومن مل
يفعل فليس له على اهلل عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه .ورواه أيضا اإلمام البيهقي يف
سننه الكربى ،ويف مسند اإلمام أمحد
([ )]92روى اإلم ام البخ اري يف ص حيحه عن أيب س عيد اخلدري رضي اهلل
تع اىل عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ي دخل أهل اجلنة اجلنة وأهل الن ار الن ار مث
يق ول اهلل تع اىل أخرج وا من ك ان يف قلبه مثق ال حبة من خ ردل من إميان فيخرج ون منها
قد اس ودوا فيلق ون يف هنر احليا أو احلي اة شك مالك فينبت ون كما تنبت احلبة يف ج انب
السيل أمل تر أهنا خترج صفراء ملتوية قال وهيب حدثنا عمرو احلياة وقال خردل من خري.
وروى البخاري يف الصحيح عن عبد اهلل رضي اهلل تعاىل عنه قال النيب صلى اهلل عليه
إين ألعلم آخر أهل الن ار خروجا منها وآخر أهل اجلنة دخ وال رجل خيرج من الن ار حب وا
فيق ول اهلل اذهب فادخل اجلنة فيأتيها فيخيل إليه أهنا مألى ف ريجع فيق ول يا رب وج دهتا
مألى فيقول اذهب فادخل اجلنة فيأتيها فيخيل إليه اهنا مألى فريجع فيقول يا رب وجدهتا
مألى فيق ول اذهب فادخل اجلنة ف إن لك مثل ال دنيا وعش رة أمثاهلا أو إن لك مثل عش رة
أمث ال ال دنيا فيق ول أتس خر مين أو تض حك مين وأنت امللك فلقد رأيت رس ول اهلل ص لى
اهلل عليه وسلم ضحك حىت بدت نواجذه وكان يقال ذلك أدىن أهل اجلنة منزلة.
ويف ح ديث الش فاعة الطويل ال ذي رواه البخ اري عن أنس بن مال ك ،بعد أن حيمد
النيب عليه الصالة والسالم ربه مبحامد وخيرج أناسا من النار ،يقول صلى اهلل عليه وسلم":
فأقول يا رب ما بقي يف النار إال من حبسه القرآن ووجب عليه اخللود قال النيب صلى اهلل
عليه وس لم خيرج من الن ار من ق ال ال إله إال اهلل وك ان يف قلبه من اخلري ما ي زن ش عرية مث
خيرج من النار من قال ال إله إال اهلل وكان يف قلبه من اخلري ما ي زن ب رة مث خيرج من النار
من قال ال إله إال اهلل وكان يف قلبه ما يزن من اخلري ذرة".
([ )]93ذك ره اخلطيب يف ت اريخ بغ داد ( ":)6/402عن بن عمر ان رس ول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال صلوا خلف من قال ال اله اال اهلل وصلوا على من قال ال اله
اال اهلل".
ق ال ال زيلعي يف نصب الراي ة( ":)2/26ق ال عليه الس الم ص لوا خلف كل بر وف اجر
قلت أخرجه ال دارقطين يف س ننه عن معاوية بن ص احل عن العالء بن احلارث عن مكح ول
عن أيب هريرة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال صلوا خلف كل بر وفاجر وصلوا
على كل بر وف اجر وجاه دوا مع كل بر وف اجر انتهى ق ال ال دارقطين مكح ول مل يس مع
من أيب هري رة ومن دونه ثق ات انتهى ومن طريق ال دارقطين رواه بن اجلوزي يف العلل
املتناهية وأعله مبعاوية بن صاحل مع ما فيه من االنقطاع وتعقبه بن عبد اهلادي وقال إنه من
رج ال الص حيح انتهى واحلديث رواه أبو داود يف س ننه يف كت اب اجله اد وض عفه ب أن
مكحوال مل يسمع من أيب هريرة ولفظه قال اجلهاد واجب عليكم مع كل أمري برا كان أو
ف اجرا والص الة واجبة عليكم خلف كل مس لم ب را ك ان أو ف اجرا وإن عمل الكب ائر
والصالة واجبة على كل مسلم برا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر انتهى ومن طريق أيب
داود رواه ال بيهقي يف املعرفة وق ال إس ناده ص حيح إال أن فيه انقطاعا بني مكح ول وأيب
هريرة وله طريق آخر عند الدارقطين عن عبد اهلل بن حممد بن حيىي بن عروة عن هشام بن
عروة عن أيب صاحل السمان عن أيب هريرة مرفوعا سيليكم من بعدي وال الرب بربه والفاجر
بفج وره فامسعوا له وأطيع وا فيما وافق احلق وص لوا وراءهم ف إن أحس نوا فلكم وهلم وإن
اساءوا فلكم وعليهم انتهى ومن طريق الدارقطين رواه بن اجلوزي يف العلل وأعله بعبد اهلل
ه ذا ق ال أبو ح امت م رتوك احلديث وق ال بن حب ان ال حيل كتب حديثه ق ال بن اجلوزي
وسئل أمحد عن حديث صلوا خلف كل بر وفاجر فقال ما مسعنا به انتهى"
وق ال ابن حجر يف تلخيص احلب ري( )2/35عن ح ديث "ص لوا خلف كل بر
وف اجر" ":ق ال العقيلي ليس يف ه ذا املنت إس ناد يثبت ونقل بن اجلوزي عن أمحد أنه س ئل
عنه فق ال ما مسعنا هبذا وق ال ال دارقطين ليس فيها ش يء يثبت ولل بيهقي يف ه ذا الب اب
أح اديث كلها ض عيفة غاية الض عف وأصح ما فيه ح ديث مكح ول عن أيب هري رة على
إرساله وقال أبو أمحد احلاكم هذا حديث منكر"
([ )]94السيف هنا كناية عن القتل ،وقد ورد النهي عن قتل املسلم إال حبق اإلسالم.
وه ذا املعىن مش هور .ومن ذلك قوله عليه الص الة والس الم" ،أم رت أن أقاتل الن اس حىت
يقولوا ال إله إال اهلل ،فإذا قالوها عصموا مين دماءهم وأمواهلم إال حبقها".
([ )]95روى اإلمام مسلم يف صحيحه عن علقمة بن وائل احلضرمي عن أبيه
قال سأل سلمة بن يزيد اجلعفي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال يا نيب اهلل أرأيت إن
قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ومينعونا حقنا فما تأمرنا فأعرض عنه مث سأله فأعرض عنه
مث سأله يف الثانية أو يف الثالثة فجذبه األشعث بن قيس وقال امسعوا وأطيعوا فإمنا عليهم ما
محلوا وعليكم ما محلتم.وهو يف الرتمذي ،وسنن البيهقي الكربى،ويف املعجم الكبري
ويف مسند اإلمام أمحد عن ابن مسعود أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال كيف بك يا
عبد اهلل إذا ك ان عليكم أم راء يض يعون الس نة وي ؤخرون الص الة عن ميقاهتا ق ال كيف
ت أمرين يا رس ول اهلل ق ال تس ألين بن أم عبد كيف تفعل ال طاعة ملخل وق يف معص ية اهلل
عز وجل.
ويف مس ند اإلم ام أمحد أيض ا :ح دثنا عبد اهلل ح دثين أيب ثنا يزيد يعىن بن ه ارون أنا
هشام عن حممد قال جاء رجل إىل عمران بن حصني وحنن عنده فقال استعمل احلكم بن
عم رو الغف اري على خراس ان فتمن اه عم ران حىت ق ال له رجل من الق وم أال ن دعوه لك
فقال له ال مث قام عمران فلقيه بني الناس فقال عمران إنك قد وليت أمرا من أمر املسلمني
عظيما مث أمره وهناه ووعظه مث قال هل تذكر يوم قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ال
طاعة ملخلوق يف معصية اهلل تبارك وتعاىل قال احلكم نعم قال عمران اهلل أكرب.
([ )]96قال اهلل تعاىل(وأطيعوا اهلل وأطيعوا الرسول وأويل األمر منكم)
([ )]97ق ال العالمة ال ربيت":إمنا ذكر ه ذا لئال يقع يف الشك فيما ذكرنا من
العقائد عن دما يش تبه عليه ش يء ،أو يعرتيه س ؤال وال ميكن دفع ه ،فحينئذ جيب عليه أن
يف وض أمر ذلك وعلمه إىل اهلل فإنه هو الع امل حبق ائق األش ياء ،ال يع زب عن علمه مثق ال
ذرة يف الس ماء وال يف األرض ،وال ميكن للبشر معرفة كنه دق ائق األش ياء وحقائقها إال
بتعليم وإهلام من اهلل ،ف إن املالئكة مع ص فاء ج واهرهم اع رتفوا ب العجز عن العلم من
ذواهتم ،حيث ق الوا(ال علم لنا إال ما علمتن ا) فكيف البشر مع ش واغلهم عن التوجه إىل
جناب القدس ،وقد قال تعاىل(وما أوتيتم من العلم إال قليال)".اهـ
([ )]98ق ال الب ابريت يف ش رحه":إمنا ذكر ه ذا ردا على أهل ال رفض ف إهنم
أنك روا ج واز املسح على اخلفني ،وه ذا وإن ك ان من أحك ام الفقه لكنه ملا اش تهرت فيه
اآلث ار أحلقه بالعقائد دفعا إلنك ار املنك رين ،ق ال أبو احلسن الك رخي:إين ألخشى الكفر
على من ال يرى املسح على اخلفني".اهـ
وبعد ه ذا التوض يح ف إن العجب ي زداد من ج رأة الس قاف ومس ارعته إىل الق ول عند
تعليقه على ه ذه الفق رة ص":646ال معىن إلي راد ه ذه املس ألة يف كتب العقائ د ،وإمنا
مكاهنا يف ب اب املسح على اخلفني يف كت اب الطه اة من كتب الفق ه ،ويف مس ائل الفقه
اجملمع عليها ما هو أوىل أن ي ورده هنا لو قَبِْلن ا ط رح أمث ال ه ذه املس ألة هن ا ،مثل قولنا
ونرى أن صالة الصبح ركعتني وأن يف كل ركعة ركوع واحد وسجود واحد وسجدتني
…إخل ،فتنبه".اهـ
أق ول :قد تنبهن ا ،ورأينا أنك مل تتنب ه ،والعجب من إطالق مثل ه ذا االع رتاض هنا
هبذه اجلرأة ،مع أن كل من تكلم على عقي دة الطح اوي فإنه ذكر وجه إي راد ه ذه املس ألة
هنا ،بل إن صاحب العقائد النسفية قد ذكر هذه املسألة هنا ،بل وذكر غريها من املسائل
الفقهية لنفس السبب الذي وضحناه حنن ومل تتنبه إليه أنت .فهل كان النسفي والتفتازاين
شارح النسفية ال يعرفون أن موقع هذه املسائل إمنا هو يف الفقه؟؟!
وما أحسن ما ذكره اإلمام السعد التفتازاين يف شرحه على العقائد النسفية يف مسألة
التك وين ص 134من الطبعة العثماني ة":ولكنه ينبغي للعاقل أن يتأمل يف أمث ال ه ذه
املباحث ال ينسب إىل الراسخني من علماء األصول ما يكون استحالته بديهية ظاهرة على
من له أدىن متي يز ،بل يطلب لكالمهم حممال ص حيحا يص لح حمال ل نزاع العلم اء واختالف
العقالء".اهـ فهذا الكالم على اختصاره قاعدة يف هذا الباب ،مل يتنبه إليه الشيخ السقاف
يف أكثر الكتاب.واهلل تعاىل هو املوفق إىل الصواب ،وإليه املرجع واملآب.
([ )]99ق ال الب ابريت يف ش رحه":إمنا ق ال مع أويل األم ر ،ألن احلج واجله اد
متعلقان بالسفر واجتماع العساكر والقوافل ،وال بد فيه من ضابط يضبط أمور الناس عند
اختالفهم ويق اوم الع دو وحيسم م ادة الس راق ،فلو مل يكن فيهم أمري يقع اخللل يف أك ثر
األمور ،فيحتاجون إىل من يرجعون إليه يف األمور ويطيعونه ويكون نافذ األمر فيهم ،وهو
الس لطان أو نوابه من األم راء ،س واءا ك ان ب را أو ف اجرا ،ألن العص مة ليست بش رط يف
األمري ،فإذا كان فيه نفع عام وانتظام مصلحة الرعية يصلح لإلمامة وإن كان فاجرا ،فإن
فجوره ال يضر إال نفسه".اهـ
وال يفهم من كالم املص نف أن اإلم ام ش رط يف احلج واجله اد ،بل غاية ما يري ده هنا
أن اإلمام إن كان فاجرا فإن ذلك ال يقدح يف جواز احلج معه أو مع من ينيبه .وكذلك
اجلهاد.
ويف ص حيح مس لم عن جرير بن عبد اهلل ق ال رأيت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم
يل وي ناص ية ف رس بإص بعه وهو يق ول اخليل معق ود بنواص يها اخلري إىل ي وم القيامة األجر
والغنيمة .وهو يف السنن الكربى للبيهقي.
ويف سنن البيهقي الكربى عن أنس بن مالك رضي اهلل تعاىل عنه قال قال رسول اهلل
ص لى اهلل عليه وس لم ثالث من أصل اإلميان الكف عمن ق ال ال إله إال اهلل ال يكف ره
ب ذنب وال خيرجه من اإلس الم بعمل واجله اد م اض منذ بعثين اهلل عز وجل إىل أن يقاتل
آخر أميت الدجال ال يبطله جور جائر وال عدل عادل واإلميان باألقدار وحديث مكحول
عن أيب هريرة عن النيب صلى اهلل عليه وسلم اجلهاد واجب عليكم مع كل أمري برا كان أو
فاجرا قد مضى يف باب اإلمامة وكتاب اجلنائز.
واعلم أنه مل يشرتط أحد من الفقهاء املعتربين جلواز احلج أن يكون األمري موجودا.
وبعد ذلك ف إن لك أن تتعجب مما قاله الس قاف يف تعليقه على ه ذه الفق رة ص
":647اعلم أنه ليس من ش رط مضي احلج واجله اد أن يكونا مع أويل األمر من املس لمني
سواء برهم وفاجرهم".اهـ مث قال إصرارا منه على الغلط يف حق هؤالء ":ومسلمو الدول
الغري اإلس المية كمس لمي فرنسا وال نرويج وأمريكا وأش باهها حتت راية أي أمري
سيحجون ،برا كان أو فاجرا ،وبأي دليل يتم التعيني؟؟!!
لذا نرى أن هذا الذي قاله املصنف رمحه اهلل تعاىل غري صواب فضال عن أن ما ذكره
ليس مناسبا يف أبواب العقائد .والظاهر أن الزمن الذي كانوا يعيشون فيه اضطرهم لقول
ذلك تقلي دا ملن ك ان قبلهم ممن أثر فيهم الفكر األم وي مث فكر اجلب ابرة العباس يني ال ذين
هنجوا نفسه النهج يف هذه القضية ،واملكَْرهُ له أحكام وهلل يف خلقه شئون!!"اهـ
ُ
انتهى كالمه ويا ليته ما قال ه ،وما أعظم الش أن يف ش أنه ،وما يف كالمه من مفاسد
وهتجمات وحتامالت ،وانسياق وراء عاطفته ال خيفى على عاقل.واهلل املستعان.
([ )]100قال تعاىل(ما يلفظ من قول إال لديه رقيب عتيد)
([ )]101ق ال تع اىل يف س ورة الس جدة(وق الوا أئ ذا ض للنا يف األرض أئنا لفي
خلق جديد بل هم بلق اء رهبم ك افرون[ ]10قل يتوف اكم ملك املوت ال ذي وكل بكم مث
إىل ربكم ترجعون[.)]11
([ )]102روى اإلم ام البخ اري يف ص حيحه عن ع روة بن الزبري عن عائشة
زوج النيب صلى اهلل عليه وسلم أخربته أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان يدعو يف
الصالة اللهم إين أعوذ بك من عذاب القرب وأعوذ بك من فتنة املسيح الدجال وأعوذ بك
من فتنة احمليا وفتنة املم ات اللهم إين أع وذ بك من املأمث واملغ رم فق ال له قائل ما أك ثر ما
تستعيذ من املغرم فقال إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف وعن الزهري قال
أخربين عروة أن عائشة رضي اهلل تعاىل عنها قالت مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
يستعيذ يف صالته من فتنة الدجال.
ويف ص حيح البخ اري أيضا عن عائشة زوج النيب ص لى اهلل عليه وس لم أن يهودية
ج اءت تس أهلا فق الت هلا أع اذك اهلل من ع ذاب القرب فس ألت عائشة رضي اهلل تع اىل عنها
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أيعذب الناس يف قبورهم فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه
وس لم عائ ذا باهلل من ذلك مث ركب رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ذات غ داة مركبا
فخسفت الشمس فرجع ضحى فمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بني ظهراين احلجر مث
قام يصلي وقام الناس وراءه ..ويف آخره … مث رفع فسجد وانصرف فقال ما شاء اهلل أن
يقول مث أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القرب.
وقال البخاري يف صحيحه( ":)1/461باب ما جاء يف عذاب القرب وقوله تعاىل ( إذ
الظاملون يف غمرات املوت واملالئكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم جتزون عذاب
اهلون ) هو اهلوان واهلون الرفق وقوله جل ذك ره (س نعذهبم م رتني مث ي ردون إىل ع ذاب
عظيم ) وقوله تعاىل (وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا
ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب)"اهـ
ويف ص حيح البخ اري عن عائشة ق الت دخلت علي عج وزان من عجز يه ود املدينة
فقالتا يل إن أهل القب ور يع ذبون يف قب ورهم فك ذبتهما ومل أنعم أن أص دقهما فخرجتا
ودخل علي النيب ص لى اهلل عليه وس لم فقلت له يا رس ول اهلل إن عج وزين وذك رت له
فقال صدقتا إهنم يعذبون عذابا تسمعه البهائم كلها فما رأيته بعد يف صالة إال تعوذ من
عذاب القرب.
ويف ص حيح مس لم عن ط اوس ق ال مسعت أبا هري رة يق ول ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل
عليه وس لم ع وذوا باهلل من ع ذاب اهلل ع وذوا باهلل من ع ذاب القرب ع وذوا باهلل من فتنة
املسيح الدجال عوذوا باهلل من فتنة احمليا واملمات.
ويف رواية عن أيب هري رة عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم أنه ك ان يتع وذ من ع ذاب
القرب وعذاب جهنم وفتنة الدجال.رواه مسلم يف صحيحه.
واعلم أن األدلة على ثبوت عذاب القرب كثرية ،واملراد بعذاب القرب أعم من أن يكون
عذابا فقط يف القرب بل احلياة الربزخية وهي احلياة املتوسطة بني الدنيا واآلخرة ،وكما أنه
يوجد عذاب يف القرب فإنه كذلك يوجد نعيم فيه .كما سيأيت بيانه الحقا .قال البقاعي يف
كت اب سر ال روح ص":245واعلم أن ع ذاب القرب هو ع ذاب ال ربزخ فكل ميت أراد
تعذيبه ناله ما أراده من ه ،قُرِب َ أو مل يُ ْقَب ْر ،لو ص لب أو غ رق يف البحر ولو أكلته ال دواب،
أو حرق حىت صار رمادا ،وذري يف الريح فسبحان ذي القدرة الشاملة والعظمة الباهرة
الكاملة.اهـ
ق ال اإلم ام أبو املعني النس في يف التبص رة(":)2/763أثبت مجه ور األمة ع ذاب القرب
واإلنعام يف القرب وسؤال منكر ونكري لورود الدالئل
َ للكافرين ولبعض العصاة من املؤمنني،
الس معية يف ذل ك" ،مث ق ال بعد أن ذكر بعض األدلة من الق رآن والس نة"وأنك رت اجلهمية
وبعض املعتزلة ذلك".اهـ
فال ذي أنكر ع ذاب القرب ونعيمه هم اجلهمية وبعض املعتزل ة ،ومل ينكر مجيع املعتزلة
ع ذاب الق رب ،ويؤيد ه ذا النقل ما قاله القاضي عبد اجلب ار يف ش رح األص ول اخلمسة ص
":730فصل يف عذاب القرب ،ومجلة ذلك أنه ال خالف فيه بني األمة ،إال شيء حيكى عن
ض رار بن عم رو وك ان من أص حاب املعتزلة مث التحق ب اجملربة ،وهلذا ت رى ابن الراون دي
يشنع علينا ويقول إن املعتزلة ينكرون عذاب القرب وال يقرون به"اهـ ،فالذي ينكر عذاب
القرب من املعتزلة إذن هو ض رار ،وتأمل حكاية ع دم وج ود خالف يف ع ذاب القرب من
القاضي عبد اجلب ار ،فال تغرت بعد ذلك مبن زعم أن املعتزلة أي مجيعهم ينك رون ذل ك ،بل
ال جيوز نس بة ذلك إليهم أص ال ،إال مع اإلش ارة إىل أن مجه ورهم أثبت ه.ونقل ابن املرتضى
يف كت اب القالئد ص 128إنك ار ع ذاب القرب عن بشر املريسي وض رار وابن كام ل.
وأثبت لألكثر إثباته .وهذا موافق لقول أيب املعني النسفي.
([ )]103وردت هذه اللفظة ضمن حديث طويل يف كتاب الرتمذي ولكن قد
ق ال عن ه ":ق ال أبو عيسى ه ذا ح ديث حسن غ ريب ال نعرفه إال من ه ذا الوج ه" .وعلى
كل األح وال فإنه مل ي رد الع ذاب إال على أص حاب الكف ر ،أو الكب ائر ،فيفهم من ه ذا أن
غريهم يف نعيم.
([ )]104سوف نفصل الكالم على مسألة الصراط خالفا لغريها من املسائل ملا
حدث من تشكيك فيها يف هذا الزمان مما سنشري إليه فيما يلي بتوفيق اهلل تعاىل.
وأول ما نبدأ به هو بيان موقف الفرق اإلسالمية من الصراط وذلك أخذا من كتبهم
مذهب أهل السنة في الصراط":
فأما أهل الس نة فقد أثبت وا أصل الص راط واختلف وا يف كيفيت ه ،فإثب ات أص له كما هو
م ذكور يف كالم املص نف أعاله ،ومش هور يف كتب أهل الس نة.ق ال العالمة ال بيجوري يف
حاش يته على اجلوهرة ص 180بعد أن ذكر أن الص راط لغة الطريق الواض ح" :وش رعا
جسر ممدود على منت جهنم ي رده األول ون واآلخ رون حىت الكف ار ،خالفا للحليمي حيث
ذهب إىل أهنم ال ميرون علي ه ،ولعله أراد الطائفة اليت ت رمى يف جهنم من املوقف بال
صراط ،ومشل ما ذكر النبيني والصديقني ،ومن يدخل اجلنة بغري حساب وكلهم ساكتون
إال األنبي اء فيقول ون اللهم س لم س لم ،كما يف الص حيح .ويف بعض الرواي ات أنه أدق من
الش عرة وأحد من الس يف ،هو املش هور ،ون ازع يف ذلك العز بن عبد الس الم والش يخ
الق رايف وغريمها كالب در والزركش ي ،ق الوا:وعلى ف رض ص حة ذلك فهو حمم ول على غري
ظاهره بأن يؤول بأنه كناية عن شدة املشقة ،وحينئذ فال ينايف ما ورد من األحاديث الدالة
على قيام املالئكة على جنبيه وكون الكالليب فيه ،زاد القرايف والصحيح أنه عريض وفيه
طريق ان ميىن ويس رى ،فأهل الس عادة يس لك هبم ذات اليمني ،وأهل الش قاوة يس لك هبم
ذات الشمال ،وفيه طاقات كل طاقة منها تنفذ إىل طبقة من طبقات جهنم ،وقال بعضهم
إنه يدق ويتسع حبسب ضيق النور وانتشاره ،فعرض صراط كل أحد بقدر انتشار نوره،
فإن نور كل إنسان ال يتعداه إىل غريه ،فال ميشي أحد يف نور أحد ،ومن هنا كان دقيقا
يف حق ق وم وعريضا يف حق آخ رين" مث ق ال":واتفقت عليه الكلمة يف اجلمل ة ،أي بقطع
النظر عن إبقائه على ظاهره كما هو مذهب أهل السنة ،وصرفه عنه كما هو مذهب كثري
من املعتزل ة ،ف إهنم ذهب وا إىل أن املراد به ط رق اجلنة وطريق الن ار .وقيل املراد به األدلة
الواضحة".اهـ
وهذا الكالم على طوله يبني حاصل األقوال يف مسألة الصراط.
مذهب المعتزلة:
وأما بيان حاصل مذهب املعتزلة فال يقوم به حق القيام إال أحد أئمتهم املشهود هلم،
وال أحد أوىل ب ذلك من القاضي عبد اجلب ار ،فقد ق ال يف ش رح األص ول اخلمسة ص
":737ومن مجلة ما جيب اإلقرار به واعتقاده ،الصراط ،وهو طريق بني اجلنة والنار يتسع
على أهل اجلنة ويضيق على أهل النار إذا راموا املرور عليه ،وقد دل عليه القرآن ،قال اهلل
تع اىل(إه دنا الص راط املس تقيم ص راط ال ذين أنعمت عليهم) ،فلس نا نق ول فيه ما يقوله
احلش وية من أن ذلك أدق من الش عر وأحد من الس يف ،وأن املكلفني يكلف ون اجتي ازه
واملرور ب ه ،فمن اجت ازه فهو من أهل اجلن ة ،ومن مل ميكنه ذلك فهو من أهل الن ار ،ف إن
تلك الدار ليست بدار تكلي ف ،حىت يصح إيالم املؤمن وتكليفه املرور على ما هذا سبيله
يف الدقة واحلدة ،وأيضا فقد ذكرنا أن الص راط هو الطري ق ،وما وص فوه ليس من الطريق
بسبيل ،ففسد كالمهم فيه.
وقد حكى يف الكتاب عن كثري من مشاخينا أن الصراط إمنا هو األدلة الدالة على هذه
الطاع ات اليت من متسك هبا جنا وأفضى هبا إىل اجلنة ،واألدلة الدالة على املعاصي اليت من
ركبها هل ك ،واس تحق من اهلل تع اىل الن ار .وذلك مما ال وجه ل ه ،ألن فيه محال لكالم اهلل
تع اىل على ما ليس يقتض يه ظ اهره ،وقد كررنا الق ول يف أن كالم اهلل تع اىل مهما أمكن
محله على حقيقته فذلك هو الواجب دون أن يصرف عنه إىل اجملاز.
وعلى أنا ال نع رف من األص حاب من ذكر ذلك إال ش يئا حيكى عن عب اد ،أن
الص راط إمنا هو األدلة الدالة على وج وب ه ذه الواجب ات والتمسك هبا ،وقبح ه ذه
املقبح ات واالجتن اب منه ا ،والفائ دة يف أن جعل اهلل تع اىل إىل دار اجلنة طريقا ح ال ما
ذكرنا ،هو لكي يتعجل به للمؤمن مسرة وللكافر غما ،وليضمنه اللطف على ما سبق يف
نظائره.
وأح وال القيامة وكيفية اإلع ادة ،أكرب من أن حيتمله ه ذا املوضع فنقتصر منها على
ه ذا املق دار ،ونس أل اهلل الس المة عن عذابه والف وز بثوابه إن س ائله ال خييب ،وهو ق ريب
جميب .اهـ
فه ذا هو ق ول املعتزلة من الص راط كما يوض حه أحد أكرب علم ائهم ،وت راه يس تنكر
على من أول الصراط بأنه األدلة .فتحصل من هذا أن مجهور املعتزلة على إثبات الصراط،
ال على نفيه كما يظنه بعض القاصرين.
مذهب اإلباضية:
وقد حكى م ذهب اإلباض ية الس املي كما يف مش ارق أن وار العق ول( )2/129فق ال
بعد أن ذكر قول األشاعرة يف إثبات الصراط وأنه جسر":وهذا كله ممكن ،وليست املسألة
من ب اب ال دين ،فقد ذهب إىل مثل ما ذهب وا إليه بعض أص حابنا ،منهم الش يخ ه ود بن
حمكم القاسم الربادي والشيخ إمساعيل يف القناطر وقطب األئمة يف اهليميان وجامع الشمل
ومع ول اس تدالل الق ائلني باجلس رية قوله تع اىل(فاس تبقوا الص راط ف أىن يبص رون) ،وقوله
تعاىل(فاهدوهم إىل صراط احلجيم ،وقفوهم إهنم مسئولون)…مث قال… والذي يظهر يل
إبقاء األحاديث على أصلها من غري تعرض لردها على راويها وتفويض أمره إىل اهلل ،فمن
ص دقها من غري قطع بكفر من خالفه فيها فقد أحسن ظنه ب الراوي وال ب أس عليه إن ش اء
اهلل".اهـ ،واحلاصل واهلل أعلم أن اجلمه ور من اإلباض ية على نفي الص راط باالعتم اد على
كالم الس املي ،وأن بعض أئمتهم ق الوا ب ه ،واملس ألة عند اجلميع ليست من األص ول
القطعية ،على كل األحوال.
مذهب الشيعة في الصراط:
ق ال الش يخ الطوسي املت وىف يف س نة 460هـ يف كتابه االقتص اد يف االعتق اد ص
":222وأما الصراط فقال قوم إنه طريق أهل اجلنة والنار ،وأنه يتسع ألهل اجلنة ويتسهل
هلم س لوكه ويض يق على أهل الن ار ويشق عليهم س لوكه ،وق ال آخ رون املراد به احلجج
واألدلة املفرقة بني أهل اجلنة والن ار املم يزة بينهم"اهـ ومل يوضح بالتحديد ق ول الش يعة
املختار ولكن ظاهر كالمه هو وجود خالف بينهم.
ولكن قد نص العالمة جعفر السبحاين على مذهبهم فيه يف كتابه املسمى باإلهليات (
،)2/766وذلك بع دما ذك را بعض الكالم عن مفه وم الص راط مطلق ا":ويف ض وء ه ذا
يت بني أن هلل س بحانه يف ه ذه النش أة الدنيوية ص راطني ،أح دمها تكويين يف س لوكه كم ال
املوج ود وبق اؤه ،واآلخر تش ريعي خيتص باإلنس ان فيه ف وزه وس عادته .نعم ويس تظهر من
الذكر احلكيم ويدل عليه صريح الروايات وجود صراط آخر يف النشأة األخروية يسلكه
كل مؤمن وكافر"اخل .وهذا تصريح منه بأن احلق وجود الصراط.
وقال العالمة الطوسي يف جتريد االعتقاد ص 338مع شرح احللي":وسائر السمعيات
من امليزان والصراط واحلساب وتطاير الكتب مكنة دل السمع على ثبوهتا فيجب التصديق
هبا"اهـ وأي ده جالل ال دين احللي على ذلك يف ش رحه مع زي ادة بي ان اخلالف يف ص ورته
كما سبق.
وبعد فقد ذكرنا لك طائفة من أق وال الف رق اإلس المية يف الص راط ،وب ان لك أن
املذهب احلق عند غ الب الطوائف والق ول املعترب هو إثب ات الص راط ،ولو أخ ذنا نس بة من
خالف يف ذلك إىل من أثبته ،مل يتجاوز ذلك نسبة ضئيلة باملائة ،ال يلتفت إليها.
ولكن املتفق عليه عند مجيع الفرق هو جواز وجود الصراط ومن خالف ومل يقل أحد
باس تحالة ذل ك ،ومن خ الف فيه الص راط فإمنا حمل خالفه ك ان يف وق وع ذلك اجلائز.
وحىت من خالف فإنه مل جيزم باملخالفة بل صرح بأن كالمه عبارة عن ترجيح منه.
فاحلاصل أن املعتمد عند مجاهري الفرق اإلسالمية إمنا هو إثبات الصراط مع االختالف
يف صورته ،واهلل تعاىل أعلم.
الشروع في ذكر األدلة الدالة على الصراط":
أما اآليات" القرآنية:
أوال :قوله تع اىل يف س ورة الفاحتة(اه دنا الص راط املس تقيم ( )6ص راط ال ذين أنعمت
عليهم غري املغض وب عليهم وال الض الني ( ،))7قد اس تدل هبا على الص راط القاضي عبد
اجلبار كما سبق ذكره.
ثانيا:ويف سورة املؤمنون(وإن الذين ال يؤمنون باآلخرة عن الصراط لناكبون ())74
ص رون ( ثالثا:ويف سورة يس(ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستَب ُقوا الصراط فأىن يب ِ
ُْ َ
))66
رابعا:ويف سورة الصافات(من دون اهلل فاهدوهم إىل صراط اجلحيم ())23
خامسا:ويف سورة مرمي(وإن منكم إال واردها كان على ربك حتما مقضيا ())71
ق ال العالمة أبو الس عود يف تفس ريه ":)5/276أي واص لها وحاضر دوهنا مير هبا
املؤمنون وهي خامدة وتنهار بغريهم ،وعن جابر أنه صلى اهلل عليه وسلم سئل عنه فقال
إذا دخل أهل اجلنة اجلنة ق ال بعض هم لبعض أليس قد وع دنا ربنا أن ن رد الن ار ،فيق ال هلم
قد وردمتوها وهي خام دة ،وأما قوله تع اىل أؤلئك عنها مبع دون ،ف املراد به اإلبع اد عن
عذاهبا .وقيل ورودها اجلواز على الصراط املمدود عليها"اهـ
قال الواحدي يف الوسيط (":)3/192قال ابن زيد :ورود املسلمني النار:العبور على
اجلسر ،وورود الكافرين أن يدخلوها".اهـ
وأما األحاديث النبوية:
أوال :ما رواه اإلمام البخاري عن عن أيب هريرة أن الناس قالوا يا رسول اهلل هل نرى
ربنا يوم القيامة فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هل تضارون يف القمر ليلة البدر قالوا
ال يا رس ول اهلل ق ال فهل تض ارون يف الش مس ليس دوهنا س حاب ق الوا ال يا رس ول اهلل
قال فإنكم ترونه كذلك جيمع اهلل الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبع
من ك ان يعبد الش مس الش مس ويتبع من ك ان يعبد القمر القمر ويتبع من ك ان يعبد
الطواغيت الطواغيت وتبقى هذه األمة فيها شافعوها أو منافقوها شك إبراهيم فيأتيهم اهلل
فيق ول أنا ربكم فيقول ون ه ذا مكاننا حىت يأتينا ربنا ف إذا جاءنا ربنا عرفن اه في أتيهم اهلل يف
ص ورته اليت يعرف ون فيق ول أنا ربكم فيقول ون أنت ربنا فيتبعونه ويض رب الص راط بني
ظه ري جهنم ف أكون أنا وأميت أول من جييزها وال يتكلم يومئذ إال الرسل ودع وى الرسل
يومئذ اللهم س لم س لم ويف جهنم كالليب مثل ش وك الس عدان هل رأيتم الس عدان ق الوا
نعم يا رس ول اهلل ق ال فإهنا مثل ش وك الس عدان غري أنه ال يعلم ما ق در عظمها إال اهلل
ختطف الن اس بأعم اهلم فمنهم املؤمن يبقى بعمله أو املوبق بعمله أو املوثق بعمله ومنهم
املخ ردل أو اجملازى أو حنوه مث يتجلى حىت إذا ف رغ اهلل من القض اء بني العب اد وأراد أن
خيرج برمحته من أراد من أهل النار أمر املالئكة أن خيرجوا من النار من كان ال يشرك باهلل
ش يئا ممن أراد اهلل أن يرمحه ممن يش هد أن ال إله إال اهلل فيعرف وهنم يف الن ار ب أثر الس جود
تأكل النار بن آدم إال أثر السجود حرم اهلل على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من
النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء احلياة فينبتون حتته كما تنبت احلبة يف محيل السيل مث
يف رغ اهلل من القض اء بني العب اد ويبقى رجل مقبل بوجهه على الن ار هو آخر أهل الن ار
دخ وال اجلنة فيق ول أي رب اص رف وجهي عن الن ار فإنه قد قش بين رحيها وأحرقين
ذكاؤها فيدعو اهلل مبا شاء أن يدعوه مث يقول اهلل هل عسيت إن أعطيت ذلك أن تسألين
غريه فيقول ال وعزتك ال أسألك غريه ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء فيصرف اهلل
وجهه عن النار فإذا أقبل على اجلنة ورآها سكت ما شاء اهلل ان يسكت مث يقول أي رب
قدمين إىل باب اجلنة فيقول اهلل له ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن ال تسألين غري
ال ذي أعطيت أب دا ويلك يا بن آدم ما أغ درك فيق ول أي رب وي دعو اهلل حىت يق ول هل
عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غريه فيقول ال وعزتك ال أسألك غريه ويعطي ما شاء
من عه ود ومواثيق فيقدمه إىل ب اب اجلنة ف إذا ق ام إىل ب اب اجلنة انفهقت له اجلنة ف رأى ما
فيها من احلربة والس رور فيس كت ما ش اء اهلل أن يس كت مث يق ول أي رب أدخلين اجلنة
فيق ول اهلل ألست قد أعطيت عه ودك ومواثيقك أن ال تس أل غري ما أعطيت فيق ول ويلك
يا بن آدم ما أغدرك فيقول أي رب ال أكونن أشقى خلقك فال يزال يدعو حىت يضحك
اهلل منه فإذا ضحك منه قال له ادخل اجلنة فإذا دخلها قال اهلل له متنه فسأل ربه ومتىن حىت
إن اهلل ليذكره يقول كذا وكذا حىت انقطعت به األماين قال اهلل ذلك لك ومثله معه قال
عط اء بن يزيد وأبو س عيد اخلدري مع أيب هري رة ال ي رد عليه من حديثه ش يئا حىت إذا
ح دث أبو هري رة أن اهلل تب ارك وتع اىل ق ال ذلك لك ومثله معه ق ال أبو س عيد اخلدري
وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة قال أبو هريرة ما حفظت إال قوله ذلك لك ومثله معه قال
أبو س عيد اخلدري أش هد أين حفظت من رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم قوله ذلك لك
وعشرة أمثاله قال أبو هريرة فذلك الرجل آخر أهل اجلنة دخوال اجلنة.
ورواه احلاكم بلفظ فيه بعض االختالف ،ال من جهة الص راط .ورواه النس ائي يف
السنن الكربى .ويف الرتمذي عن أيب هريرة.واإلمام أمحد يف مسنده.
ثاني ا :ويف ص حيح مس لم عن أيب عاصم يعين حممد بن أيب أي وب ق ال ح دثين يزيد
الفقري قال كنت قد شغفين رأي من رأي اخلوارج فخرجنا يف عصابة ذوي عدد نريد أن
حنج مث خنرج على الناس قال فمررنا على املدينة فإذا جابر بن عبد اهلل حيدث القوم جالس
إىل سارية عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال فإذا هو قد ذكر اجلهنميني قال فقلت
له يا ص احب رس ول اهلل ما ه ذا ال ذي حتدثون واهلل يق ول { إنك من ت دخل الن ار فقد
أخزيته } و { كلما أرادوا أن خيرج وا منها أعي دوا فيها } فما ه ذا ال ذي تقول ون ق ال
فق ال أتق رأ الق رآن قلت نعم ق ال فهل مسعت مبق ام حممد عليه الس الم يعين ال ذي يبعثه اهلل
فيه قلت نعم قال فإنه مقام حممد صلى اهلل عليه وسلم احملمود الذي خيرج اهلل به من خيرج
قال مث نعت وضع الصراط ومر الناس عليه قال وأخاف أن ال أكون أحفظ ذاك قال غري
أنه قد زعم أن قوما خيرج ون من الن ار بعد أن يكون وا فيها ق ال يعين فيخرج ون ك أهنم
عي دان السماسم ق ال في دخلون هنرا من أهنار اجلنة فيغتس لون فيه فيخرج ون ك أهنم
الق راطيس فرجعنا قلنا وحيكم أت رون الش يخ يك ذب على رس ول اهلل ص لى اهلل عليه
وسلم فرجعنا فال واهلل ما خرج منا غري رجل واحد أو كما قال أبو نعيم.
ثالث ا:ويف ص حيح مس لم عن أيب هري رة وأبو مالك عن ربعي عن حذيفة ق اال ق ال
رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم جيمع اهلل تب ارك وتع اىل الن اس فيق وم املؤمن ون حىت تزلف
هلم اجلنة في أتون آدم فيقول ون يا أبانا اس تفتح لنا اجلنة فيق ول وهل أخ رجكم من اجلنة إال
خطيئة أبيكم آدم لست بصاحب ذلك اذهبوا إىل ابين إبراهيم خليل اهلل قال فيقول إبراهيم
لست بص احب ذلك إمنا كنت خليال من وراء وراء اعم دوا إىل موسى ص لى اهلل عليه
وس لم ال ذي كلمه اهلل تكليما في أتون موسى ص لى اهلل عليه وس لم فيق ول لست بص احب
ذلك اذهب وا إىل عيسى كلمة اهلل وروحه فيق ول عيسى ص لى اهلل عليه وس لم لست
بصاحب ذلك فيأتون حممدا صلى اهلل عليه وسلم فيقوم فيؤذن له وترسل األمانة والرحم
فتقومان جنبيت الصراط ميينا ومشاال فيمر أولكم كالربق قال قلت بأيب أنت وأمي أي شيء
كمر ال ربق ق ال أمل ت روا إىل ال ربق كيف مير ويرجع يف طرفة عني مث كمر ال ريح مث كمر
الطري وشد الرجال جتري هبم أعماهلم ونبيكم قائم على الصراط يقول رب سلم سلم حىت
تعجز أعمال العباد حىت جييء الرجل فال يستطيع السري إال زحفا قال ويف حافيت الصراط
كالليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكدوس يف النار والذي نفس
أيب هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفا.
وهو يف املستدرك عن حذيفة وأيب هريرة بسند قال فيه احلاكم :هذا حديث صحيح
على شرط الشيخني ومل خيرجاه.
رابع ا :ويف ص حيح مس لم أيضا عن عائشة ق الت س ألت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه
وسلم عن قوله عز وجل{ يوم تبدل األرض غري األرض والسموات }فأين يكون الناس
يومئذ يا رسول اهلل فقال على الصراط.
ورواه الرتم ذي وق ال :ه ذا ح ديث حسن ص حيح وروي من غري ه ذا الوجه عن
عائشة .وابن ماجه عنها أيضا.
ورواه الرتمذي بلفظ آخر عن عائشة أهنا قالت يا رسول اهلل { واألرض مجيعا قبضته
ي وم القيامة والس موات مطوي ات بيمينه } ف أين املؤمن ون يومئذ ق ال على الص راط يا
عائشة هذا حديث حسن صحيح.
وهو يف ص حيح ابن حب ان عن عائشة عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم أهنا س ألته عن
قوله { يوم تبدل األرض غري األرض والسموات وبرزوا هلل الواحد القهار } فأين يكون
الناس يومئذ فقال على الصراط قالت قلت يا رسول اهلل بن جدعان كان يف اجلاهلية يصل
ال رحم ويطعم املسكني فهل ذاك نافعه ق ال ال ينفعه مل يقل يوما رب اغفر يل خطيئيت يوم
الدين.
ورواه أيضا احلاكم يف املستدرك.والدارمي يف سننه.ورواه اإلمام امحد يف مسنده.
ويف مس ند اإلم ام أمحد رواية عن عائشة بلفظ آخر عن القاسم بن الفضل ق ال ق ال
احلسن قالت عائشة يا رسول اهلل { يوم تبدل األرض غري األرض والسموات } أين الناس
قال ان هذا لشيء ما سألين عنه أحد من أميت قبلك الناس على الصراط.
خامسا :ويف صحيح ابن حبان عن أيب سعيد اخلدري عن النيب صلى اهلل عليه وسلم
ق ال ليمر الن اس على جسر جهنم وعليه حسك وكالليب وخط اطيف ختطف الن اس ميينا
ومشاال وجبنبتيه مالئكة يقولون اللهم سلم سلم فمن الناس من مير مثل الريح ومنهم من مير
مثل الف رس اجملرى ومنهم من يس عى س عيا ومنهم من ميشى مش يا ومنهم من حيبو حب وا
ومنهم من يزحف زحفا فأما أهل الن ار ال ذين هم أهلها فال ميوت ون وال حيي ون واما أن اس
فيؤخ ذون ب ذنوب وخطايا فيحرق ون فيكون ون فحما مث ي ؤذن يف الش فاعة فيؤخ ذون
ضبارات ضبارات فيقذفون على هنر من اهنار اجلنة فينبتون كما تنبت احلبة يف محيل السيل
قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم اما رأيتم الصبغاء شجرة تنبت يف الفضاء فيكون من
آخر من اخرج من النار رجل على شفتها فيقول يا رب صرف وجهي عنها فيقول عهدك
وذمتك ال تسألين غريها قال وعلى الصراط ثالث شجرات فيقول يا رب حولىن اىل هذه
الشجرة آكل من مثرها وأكون يف ظلها فيقول عهدك وذمتك ال تسألين شيئا غريها قال مث
يرى أخرى أحسن منها فيقول يا رب حولىن إىل هذه آكل من مثرها وأكون يف ظلها قال
فيقول عهدك وذمتك ال تسألين غريها مث يرى أخرى أحسن منها فيقول يا رب حولىن اىل
هذه آكل من مثارها وأكون يف ظلها قال مث ي رى سواد الناس ويس مع كالمهم فيق ول يا
رب أدخلىن اجلنة قال أبو نضرة اختلف أبو سعيد ورجل من أصحاب النيب صلى اهلل عليه
وس لم فق ال أح دمها فيدخله اجلنة فيعطى ال دنيا ومثلها وق ال اآلخر في دخل اجلنة فيعطى
ال دنيا وعش رة امثاهلا ق ال أبو ح امت رضي اهلل تع اىل عنه هك ذا ح دثنا أبو يعلى وعلى
الصراط ثالث شجرات وامنا هو على جانب الصراط ثالث شجرات.
ورواه احلاكم يف املستدرك.
سادسا:ويف صحيح ابن حبان عن أنس بن مالك عن عبد اهلل بن مسعود عن رسول
اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال إن آخر من ي دخل اجلنة رجل ميشى على الص راط فهو
يكبو مرة وتسفعه النار أخرى حىت إذا جاوزها التفت إليها فيقول تبارك الذي جناىن منها
فواهلل لقد أعط اين ش يئا ما أعط اه أح دا من الع املني ق ال مث ترفع له ش جرة فيق ول يا رب
ادنىن منها لعلي اس تظل بظلها وأش رب من مائها ق ال فيق ول اهلل يا بن آدم لعلي ان
أعطيتكه س ألتىن غريها فيق ول ال يا رب ويعاه ده ان ال يفعل وهو يعلم انه فاعله ملا ي رى
مما ال صرب له عليه فيدنيه منها فيس تظل بظلها ويش رب من مائها مث ترفع له ش جرة أخ رى
هي أحسن من األوىل فيقول يا رب ادنىن منها ألستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول أمل
تعاه دىن ان ال تس ألين غريها فيق ول بلى يا رب ولكن ادنىن منها ألس تظل بظلها وأش رب
من مائها فيعاه ده ان ال يس أله غريها فيدنيه منها ويعلم انه سيس أله غريها ملا ي رى ما ال
صرب له عليه قال فرتفع له شجرة أخرى عند باب اجلنة هي أحسن من األوليني فيقول يا
رب ادنىن منها ألس تظل بظلها واش رب من مائها فيق ول أمل تعاه دىن ان ال تس ألين غريها
فيق ول بلى يا رب ولكن ادنىن منها ف إذا انا منها مسع اص وات أهل اجلنة فيق ول يا رب
ادخلىن اجلنة فيقول اهلل جل وعال أيرضيك يا بن آدم ان أعطيك الدنيا ومثلها معها فيقول
أتس تهزىء يب وأنت رب الع املني فيق ول ما اس تهزىء بك ولكنىن على ما أش اء ق ادر ق ال
فكان بن مسعود إذا ذكر قوله أتستهزىء يب ضحك مث قال أال تسألوىن مما اضحك فقيل
مما تضحك فقال كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إذا ذكر ذلك ضحك.
ورواه اإلمام أمحد يف املسند عن عبد اهلل بن مسعود.
سابعا :ويف صحيح ابن حبان عن أيب هريرة قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
ي ؤتى ب املوت ي وم القيامة فيوقف على الص راط املس تقيم فيق ال يا أهل اجلنة فينطلق ون
خائفني وجلني ان خيرجوا من مكاهنم الذي هم فيه مث يقال يا أهل النار فينطلقون فرحني
مستبشرين ان خيرجوا من مكاهنم الذي هم فيه فيقال هل تعرفون هذا فيقولون نعم ربنا
هذا املوت فيأمر به فيذبح على الصراط مث يقال للفريقني كالمها خلود وال موت فيه ابدا.
وه ذا احلديث رواه احلاكم يف املس تدرك ،وابن ماجه يف س ننه .ورواه اإلم ام أمحد يف
مسنده.
ثامنا :روى احلاكم يف املستدرك عليه وسلم شعار املسلمني على الصراط يوم القيامة
اللهم سلم سلم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ومل خيرجاه.
تاس عا :ويف املس تدرك على الص حيحني للح اكم عن أيب األح وص عن عبد اهلل رضي
اهلل تعاىل عنه وإن منكم إال واردها قال الصراط على جهنم مثل حد السيف فتمر الطائفة
األوىل ك الربق والثانية ك الريح والثالثة ك أجود اخليل والرابعة ك أجود اإلبل والبه ائم مث
ميرون واملالئكة تق ول رب س لم س لم ه ذا ح ديث ص حيح على ش رط الش يخني ومل
خيرجاه.
عاشرا :روى احلاكم يف املستدرك عن سامل بن أيب اجلعد عن عبد اهلل رضي اهلل تعاىل
عنه والفجر ق ال قسم إن ربك لباملرص اد م رور الص راط ثالثة جس ور جسر عليه األمانة
وجسر عليه الرحم وجسر عليه الرب عز وجل هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه.
احلادي عش ر :يف احلاكم أيضا عن أيب س عيد اخلدري رضي اهلل تع اىل عنه عن النيب
ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ليحبس أهل اجلنة بع دما جياوزون الص راط على قنط رة فيؤخذ
لبعضهم من بعض مظاملهم اليت تظاملوها يف الدنيا حىت إذا هذبوا ونقوا أذن يف دخول اجلنة
فألحدهم أعرف مبنزله يف اآلخرة منه مبنزله كان يف الدنيا قال قتادة قال أبو عبيدة بن عبد
اهلل بن مسعود ما يشبه إال أهل مجعة انصرفوا من مجعتهم هذا حديث صحيح اإلسناد ومل
خيرجاه.
الث اين عش ر :عن احلسن عن عائشة رضي اهلل تع اىل عنها ق الت ذك رت الن ار فبكيت
فق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ما لك يا عائشة ق الت ذك رت الن ار فبكيت فهل
تذكرون أهليكم يوم القيامة فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أما يف ثالث مواطن فال
ي ذكر أحد أح دا حىت يعلم أخيف ميزانه أم يثقل وعند الكتب حىت يق ال ه اؤم أق رءوا
كتابيه حىت يعلم أين يقع كتابه أيف ميينه أم يف مشاله أو من وراء ظه ره وعند الص راط إذا
وضع بني ظه ري جهنم حافت اه كالليب كث رية وحسك كثري حيبس اهلل هبا من ش اء من
خلقه حىت يعلم أينجو أم ال هذا حديث صحيح إسناده على شرط الشيخني لوال إرسال
فيه بني احلسن وعائشة على أنه قد ص حت الرواي ات أن احلسن ك ان ي دخل وهو صيب
منزل عائشة رضي اهلل تعاىل عنها وأم سلمة.
الثالث عشر :رواه احلاكم يف املستدرك عن أيب عثمان عن سلمان عن النيب صلى اهلل
عليه وسلم قال يوضع امليزان يوم القيامة فلو وزن فيه السماوات واألرض لوسعت فتقول
املالئكة يا رب ملن ي زن ه ذا فيق ول اهلل تع اىل ملن ش ئت من خلقي فتق ول املالئكة
س بحانك ما عب دناك حق عبادتك ويوضع الص راط مثل حد املوسى فتق ول املالئكة من
جتيز على ه ذا فيق ول من ش ئت من خلقي فيق ول س بحانك ما عب دناك حق عبادتك ه ذا
حديث صحيح على شرط مسلم ومل خيرجاه.
الرابع عشر :رواه اإلمام الرتمذي يف اجلامع الصحيح عن النضر بن أنس بن مالك عن
أبيه قال سألت النيب صلى اهلل عليه وسلم أن يشفع يل يوم القيامة فقال أنا فاعل قال قلت
يا رس ول اهلل فأين أطلبك ق ال اطلبىن أول ما تطلبين على الصراط قال قلت فإن مل ألقاك
على الص راط ق ال ف اطلبىن عند امليزان قلت ف إن مل ألقك عند امليزان ق ال ف اطلبين عند
احلوض ف إين ال أخطىء ه ذه الثالث املواطن ق ال أبو عيسى ه ذا ح ديث حسن غ ريب ال
نعرفه اال من هذا الوجه.ورواه اإلمام أمحد يف مسنده.
اخلامس عشر :ما رواه اإلمام أمحد عن أنس قال حدثين نيب اهلل صلى اهلل عليه وسلم
إين لق ائم أنتظر أميت تعرب عن الص راط إذ ج اءين عيسى فق ال ه ذه األنبي اء قد جاءتك يا
حممد يش تكون أو ق ال جيتمع ون إليك وي دعون اهلل عز وج ل أن يف رق مجع األمم إىل
حيث يش اء اهلل لغم ما هم فيه واخللق ملجم ون يف الع رق وأما املؤمن فهو عليه كالزكمة
وأما الكافر فيتغشاه املوت قال قال عيسى انتظر حىت أرجع إليك قال فذهب نيب اهلل صلى
اهلل عليه وسلم حىت قام حتت العرش فلقى ما مل يلق ملك مصطفى وال نيب مرسل فأوحي
اهلل عز وجل إىل جربيل اذهب إىل حممد فقل له ارفع رأسك سل تعط واش فع تش فع ق ال
فشفعت يف أميت أن اخرج من كل تسعة وتسعني إنسانا واحدا قال فما زلت أتردد على
ريب عز وجل فال أق وم مقاما اال ش فعت حىت أعط اين اهلل عز وجل من ذلك ان ق ال يا
حممد أدخل من أمتك من خلق اهلل عز وجل من ش هد انه ال إله إال اهلل يوما واح دا خملصا
ومات على ذلك.
الس ادس عش ر :ويف مش ند اإلم ام أمحد عن عقبة بن ص هبان ق ال مسعت أبا بك رة عن
النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال حيمل الن اس على الص راط ي وم القيامة فتق ادع هبم جنبة
الصراط تقادع الفراش يف النار قال فينجى اهلل تبارك وتعاىل برمحته من يشاء قال مث يؤذن
للمالئكة والنبيني والشهداء أن يشفعوا فيشفعون وخيرجون ويشفعون وخيرجون ويشفعون
وخيرجون وزاد عفان مرة فقال أيضا ويشفعون وخيرجون من كان يف قلبه ما يزن ذرة من
إميان.
الثامن عشر :روى اإلمام مسلم عن أبو أمساء الرحيب أن ثوبان موىل رسول اهلل صلى
اهلل عليه وسلم حدثه قال كنت قائما عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فجاء حرب من
أحب ار اليه ود فق ال الس الم عليك يا حممد فدفعته دفعة ك اد يص رع منها فق ال مل ت دفعين
فقلت أال تق ول يا رس ول اهلل فق ال اليه ودي إمنا ن دعوه بامسه ال ذي مساه به أهله فق ال
رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم إن امسى حممد ال ذي مساين به أهلي فق ال اليه ودي جئت
أسألك فقال له رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أينفعك شيء إن حدثتك قال أمسع بأذين
فنكت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم بع ود معه فق ال سل فق ال اليه ودي أين يك ون
الناس{يوم تبدل األرض غري األرض والسماوات} فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
هم يف الظلمة دون اجلسر ق ال فمن أول الن اس إج ازة ق ال فق راء امله اجرين ق ال اليه ودي
فما حتفتهم حني يدخلون اجلنة قال زيادة كبد النون قال فما غذاؤهم على أثرها قال ينحر
هلم ثور اجلنة الذي كان يأكل من أطرافها قال فما شراهبم عليه قال من عني فيها تسمى
سلسبيال قال صدقت قال وجئت أسألك عن شيء ال يعلمه أحد من أهل األرض إال نيب
أو رجل أو رجالن ق ال ينفعك إن ح دثتك ق ال أمسع ب أذين ق ال جئت أس ألك عن الولد
قال ماء الرجل أبيض وماء املرأة أصفر فإذا اجتمعا فعال مين الرجل مين املرأة أذكرا بإذن
اهلل وإذا عال مين املرأة مين الرجل آنثا ب إذن اهلل ق ال اليه ودي لقد ص دقت وإنك لنيب مث
انصرف فذهب فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لقد سألين هذا عن الذي سألين عنه
ومايل علم بشيء منه حىت أتاين اهلل به.
وه ذا احلديث يف ص حيح ابن خزمية أيض ا ،وابن حب ان،والس نن الك ربى للنس ائي،ويف
سنن البيهقي الكربى وع زيادات ،ويف املعجم الكبري للطرباين،وكذلك املعجم األوسط،
وق ال ابن حجر يف فتح الب اري( ":)11/377وأما ما أخرجه مس لم عن عائشة أهنا
س ألت الن يب ص لى اهلل عليه وس لم عن ه ذه اآلية ي وم تب دل األرض غري األرض أين
يك ون الن اس حينئذ ق ال على الص راط ويف رواية الرتم ذي على جسر جهنم وألمحد من
طريق بن عباس عن عائشة على منت جهنم واخرج مسلم أيضا من حديث ثوبان مرفوعا
يكون ون يف الظلمة دون اجلسر فقد مجع بينها ال بيهقي ب أن املراد باجلسر الص راط كما
س يأيت بيانه يف ترمجة مس تقلة وأن يف قوله على الص راط جمازا لك وهنم جياوزونه ألن يف
حديث ثوبان زيادة يتعني املصري إليها لثبوهتا"اهـ
التاسع عش ر :روى ابن حب ان يف ص حيحه عن أيب س عيد اخلدري عن النيب ص لى اهلل
عليه وس لم ق ال ليمر الن اس على جسر جهنم وعليه حسك وكالليب وخط اطيف ختطف
الن اس ميينا ومشاال وجبنبتيه مالئكة يقول ون اللهم س لم س لم فمن الن اس من مير مثل ال ريح
ومنهم من مير مثل الفرس اجملرى ومنهم من يسعى سعيا ومنهم من ميشى مشيا ومنهم من
حيبو حبوا ومنهم من يزحف زحفا…اخل.
ورواه اإلمام أمحد ،وأبو يعلى يف مسنده.
ويف املستدرك للحاكم عن جماهد قال قال يل بن عباس أتدري ما سعة جهنم قلت
ال ق ال أجل واهلل ما ت دري أن بني ش حمة أذن أح دهم وبني عاتقه مس رية س بعني خريفا
أودية القيح والدم قلت له أهنار قال ال بل أودية مث قال أتدري ما سعة جهنم قلت ال قال
أجل واهلل ما ت دري ح دثتين عائشة رضي اهلل تع اىل عنها أهنا س ألت رس ول اهلل ص لى اهلل
عليه وس لم عن ق ول اهلل عز وجل { واألرض مجيعا قبض ته ي وم القيامة والس ماوات
مطويات بيمينه } قلت فأين الناس يومئذ يا رسول اهلل قال على جسر جهنم هذا حديث
صحيح اإلسناد ومل خيرجاه هبذه السياقة.
وهو يف السنن الكربى للنسائي،والرتمذي .وأمحد.
ويف سنن أيب داود عن سهل بن معاذ بن أنس اجلهين عن أبيه عن النيب صلى اهلل عليه
وسلم قال من محى مؤمنا من منافق أراه قال بعث اهلل ملكا حيمي حلمه يوم القيامة من نار
جهنم ومن رمى مس لما بش يء يريد ش ينه به حبسه اهلل على جسر جهنم حىت خيرج مما
قال.
ورواه اإلمام أمحد يف مسنده،ويف املعجم الكبري للطرباين
ويف املعجم الكبري عن أيب وائل ش قيق بن س لمة ان عمر بن اخلط اب رضي اهلل تع اىل
عنه استعمل بشر بن عاصم على صدقات هوازن فتخلف بشر فلقيه عمر فقال ما خلفك
أما لنا عليك مسع وطاعة قال بلى ولكن مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول من
ويل شيئا من أمر املسلمني أتى به يوم القيامة حىت يوقف على جسر جهنم فإن كان حمسنا
جتاوز وإن كان مسيئا اخنرق به اجلسر فهوى فيه سبعني خريفا قال فخرج عمر رضي اهلل
تع اىل عنه كئيبا حزينا فلقيه أبو ذر فق ال م ايل أراك كئيبا حزينا ق ال ما مينعين أن أك ون
كئيبا حزينا وقد مسعت بشر بن عاصم يقول مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول
من ويل ش يئا من أمر املس لمني أتى به ي وم القيامة حىت يوقف على جسر جهنم ف إن ك ان
حمس نا جتاوز وإن ك ان مس يئا اخنرق به اجلسر فه وى فيه س بعني خريفا ق ال أبو ذر وما
مسعته من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ال قال أشهد أين مسعت رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم يقول من ويل أحدا من الناس أتى به يوم القيامة حىت يوقف على جسر جهنم
ف إن ك ان حمس نا جتاوز وإن ك ان مس يئا اخنرق به اجلسر فه وى فيه س بعني خريفا وهي
س وداء مظلمة ف أي احلديثني أوجع لقلبك ق ال كالمها قد أوجع قليب فمن يأخ ذها مبا فيها
وق ال أبو ذر من س لت اهلل أنفه وألصق خ ده ب األرض أما إنا ال نعلم إال خ ريا وعسى إن
وليتها من ال يعدل فيها أن ال تنجو من إمثها.
ورواه أيضا عن قيس بن عاصم عن أبيه .وهو يف اآلحاد واملثاين للضحاك.
العش رون :ق ال الكت اين يف نظم املتن اثر من احلديث املت واتر ص ":243أح اديث
الصراط وامليزان وإنطاق اجلوارح وتطاير الصحف وأهوال املوقف ،وأحوال اجلنة والنار،
نقل ال ربزيل عن ش رح اإلرش اد أهنا مت واترة ،ونقله عنه أبو علي بن رح ال يف ش رحه
ملختصر خليل ،ويف الشهاب على الشفا يف الكالم على حديث الشفاعة الكربى على قوله
في ه ،وت أيت األمانة وال رحم ،فتقوم ان على جنيب الص راط ما نص ه :ويف ه ذا وحنوه مما بلغ
حد الت واتر املعن وي رد على املعتزلة املنك رين للص راط ،كما بني يف الكتب الكالمية .اهـ
وانظر ال در املنث ور ل دى قوله (وال وزن يومئذ احلق) فقد ذكر فيه هن اك كث ريا من أح اديث
امليزان".اهـ
فه ذا نقل للت واتر املعن وي ألح اديث الص راط .وحق هلا أن تك ون ك ذلك ،واملنصف
يقر ب ذلك خاصة بع دما قررنا له ما مضى من األح اديث والرواي ات ال واردة يف الص راط،
وأقوال فرق اإلسالم املعتربة .واهلل املوفق.
أقول :واألحاديث يف الصراط أكثر من ذلك ،فكان األصل أن تبقى على ظاهرها،
ملا كان ممكنا غري مستحيل عقال .وإن كان بعض األحاديث ضعيفا ،فإهنا إذا كانت بتلك
الكثرة فإن املعىن املشرتك بينها ،وهو وجود جلسر يسمى الصراط ،وذلك بغض النظر عن
حقيقة شكله وصورته ،يتقوى بال ريب ،واهلل تعاىل أعلم.
وحنن ما كنا لنطيل يف هذه املسألة الفرعية يف االعتقاد ،لوال أن جترأ البعض على نفي
ذلك معتم دا على أدلة وش به واهية ال تص لح لالعتم اد عليها يف ه ذا اجملال ،فق دمنا ما
مضى ،توضيحا ألصل املسألة ،ومتهيدا لبيان ضعف كالمه.
الشروع يف نقد كالم السقاف:
لقد تكلم الش يخ الس قاف على مس ألة الص راط يف ش رح العقي دة الطحاوي ة ،وحنن
سنبني خالصة ما ذكره هنا ونشري إىل مواضع الضعف يف كالمه.
أوال :قال السقاف يف ص":539قضية الصراط مبعىن أنه جسر ممدود على منت جهنم
أدق من الش عرة وأحد من الس يف مير عليه الن اس واح دا واح دا فمنهم من يق ع عنه
فيسقط يف النار ،ومنهم من ينجو وعليه كالليب مثل شوك السعدان ختطف الناس فيقعون
يف النار ،قضية مرجوحة"اهـ
اجلواب :أطلق السقاف على هذه القضايا مبجموعها ،أهنا مرجوحة ،أي ضعيفة ،أي
أن غريها نفيها أق وى منه ا ،ف إن قصد بالرجح ان الرجح ان عن ده ،ف ذلك ال يس تلزم
الرجحان يف نفس األمر ،وإن قصد الرجحان عند أئمة اإلسالم من خمتلف الفرق ،فقد بينا
أن ه ذا غلط بل إن مجاهري املس لمني يثبت ون الص راط ،وإن قصد بالرجح ان أن األح اديث
ال واردة فيها ض عيفة ،فقد بينا أن كث ريا منه صحيح ،نعم منها ض عيف ،ولكن هك ذا شأن
غ الب املنق والت ،منها ض عيق ومنها ص حيح ،ولو أجزنا ألنفس نا أن ن رد الص حيح ألجل
الض عيف ،مل يثبت ش يء من األح اديث .وإن قصد أن بعض ه ذه القض ايا ض عيف ،فقد
يس لم ل ه ،ولكن كالمه ال يفيد جمرد ذل ك ،بل يفيد الق ول بض عف مجيع ه ذه القض ايا،
وهذا باطل.
ثانيا :قوله يف ص"539كون الصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف ،مل يأت يف
القرآن الكرمي أن الصراط أدق من الشعرة…"اخل.
اجلواب:الصحيح أن هذه الفكرة ،قد اختلف حوهلا العلماء ،وصرح الكثري منهم أهنا
رمبا ال تثبت ،وبعضهم صرح بنفيها ،وبعضهم قال ال مانع منها .فاخلالف حاصل حوهلا.
وهذا أمر ثابت قبل وجود السقاف وبعد وجوده .أما قوله أهنا مل ترد يف القرآن ،فقد بناه
على وج وب ذكر كل عقي دة نصا ب القرآن ،وه ذا ال يس لم ل ه ،كما سنشري إليه الحق ا،
وقد خالف هو هذا األصل الذي قرره كما سنبينه أيضا.
ولكن ال ذي ميكن أن يق ال هن ا ،أنه حىت لو ف رض أن ه ذا األمر من ازع فيه ا ،فهل
جيوز لنا أن ننفي فك رة الص راط من األص ل ،إنه من ال بني بنفسه أن ه ذه الطريقة من
التفكري باطلة ،فاالختالف يف وصف الشيء ،ال يستلزم انتفاء أصله .ولو سلك الناس هذا
املسلك ،الستلزم نفي كثري من األصول الدينية.
ثالثا :قوله يف ص" 230إن الصراط يف لغة العرب هو الطريق الواسع السهل…اخل".
أق ول :إن العلم اء كما بينا قد اختلف وا يف أن الص راط هل هو واسع أو ض يق ،أو إنه
يتسع ويضيق حبسب أعمال اإلنسان الصاحلة ،وجمرد كون معىن الصراط لغة كما ذكر ،ال
يستلزم نفي أصل الصراط شرعا.
رابعا:قوله يف ص":544أن الصراط مبعىن أنه جسر منصوب على منت جهنم أو فوقها
أو بني حافتيها مل يرد يف القرآن الكرمي ،الذي هو األصل يف معرفة العقائد"اهـ
أق ول :قد بينا أن الص راط ليس من أص ول العقائ د ،بل هو أمر ج زئي ،وكونه مل ي رد
ص راحة يف الق رآن ،قد يس لم ملن ين ازع يف داللة اآلي ات اليت ذكرناها في ه ،ولكن الق ول
بع دم وروده على اإلطالق ،أي إطالق الق ول بع دم وروده أمر آخ ر ،ف إن ه ذا مع ارض
بداللة الق رآن عليه ولو باإلش ارة ،خصوصا إذا ورد من األح اديث ما يفسر تلك اآلي ات
بالص راط وبأنه جسر على جهنم ،كما أوردنا س ابقا ،فاآلية احملتملة إذا ورد ح ديث
صحيح يف تفسريها تصبح دليال على ذلك وال ريب .فإطالق قوله بعد ورود ذلك باطل.
مث إن الس قاف نفسه مل يس تطع أن يثبت احلوض بآية ص رحية من الق رآن بل اعتمد
على األحاديث الواردة فيه ،وادعاؤه أن الكوثر هو عني احلوض باطل ،كما أشرنا إليه يف
حمل ه ،بل الك وثر هو هنر يف اجلنة يصب يف احلوض ،فثب وت احلوض باحلديث ،وثب وت
الكوثر بالقرآن ،فلم يعارض هنا إثبات الصراط باحلديث مع إشارة القرآن عليه باآليات
السابقة؟؟
ف إن ادعى أن األح اديث ال واردة يف احلوض مت واترة ،فقد نقلنا س ابقا أن األح اديث
ال واردة يف الص راط مت واترة ب املعىن ،والت واتر املعن وي حجة كما ال خيفى ،كت واتر ع ذاب
القرب ب املعىن ،وهل ورد ذكر ع ذاب القرب يف الق رآن ص راحة أم إن ما ورد فيه هو دالالت
وإش ارات إلي ه ،وإن ك انت أق وى من دالالهتا على الص راط ،فاحلاصل أنه ال يوجد نص
علي ه ،كما يري ده الس قاف .بل ع ذاب القرب وارد باحلديث أص الة ،وهو يثبت مع اين
القرآن.
وحماولة السقاف إرجاع فكرة الصراط إىل أصل يهودي حماولة فاشلة ،لورودها عن
النيب عليه السالم بأحاديث صحيحة ،وبطرق خمتلفة ،كما مضى بيانه .وكون هذه الفكرة
قد وردت عند اليهود ال يستلزم أهنا باطلة ،فافهم.
خامس ا :قوله يف ص ":551إن األح اديث اليت وردت يف الص راط هي أح اديث
آحاد ،ال تفيد إال الظن ،وهي معارضة بقطعي الدالالت كما سرتى إن شاء اهلل تعاىل"اهـ
أق ول :لو تنزلنا عن الق ول ب أن األح اديث ال واردة فيه مت واترة ب املعىن ،وس لمنا أهنا
آح اد ،فإننا ال نس لم أهنا غريبة أو قليلة أو ليست مش هورة ،ومعل وم أن األح اديث إن
ك انت آح ادا مش هورة ،فإهنا تفيد العلم النظ ري كما نص عليه أهل الس نة .ومعل وم أيضا
أهنا ليس كل ح ديث آح اد فإنه ال يفيد إال الظن ،بل بعض أح اديث اآلح اد تفيد القطع
بالقرائن الواردة .وال ريب أن األحاديث الواردة يف الصراط أكثر من أن تطبق عليها هذه
القاعدة(أي إهنا آحاد وبالتايل فال تفيد إال الظن) مبثل هذا األسلوب الظاهري اجللف.
وأما قوله إهنا معارضة بقطعي الدالالت ،فهو غري صحيح كما سرتى الحقا.
وأما ادع اؤه بعد ذلك يف ص "551وعم دة اس تدالهلم على اجلسر ذي الكالليب هو
ح ديث أيب هري رة وأيب س عيد..اخل"اهـ ،كالم باطل ال قيمة ل ه ،وذلك بع دما رأينا
األحاديث الكثرية اليت زردت يف الصراط .أقول :وحىت لو كان عمدة استدالهلم على هذا
رد احلديث ب املرة، احلديث ،وفيه بعض األم ور املردودة ،كما ق ال ،ف إن ه ذا ال يس تلزم َّ
كما أشرنا إليه يف كالمنا على اإلسراء واملعراج.
سادسا :قوله يف ص":555تنص فكرة اجلسر الذي فوق جهنم على أن الناس ميرون
عليه ويكونون قريبني من النار بل ميرون ما بني حافتيها فيجوزون عليها من فوقها ،وهذه
الفكرة تعارض ما هو مقرر يف القرآن الكرمي من أن املؤمنني ال يقربون من نار جهنم وال
يسمعون صوهتا"اهـ
أق ول :ه ذا الكالم ض عيف ،ف إن ك ون املؤم نني ميرون ن ف وق جهنم على اجلس ر،
بس رعات ختلفة حىت إن منهم ك الربق ،وتتف اوت م راتب س رعاهتم ،يفيد أهنم ليس كلهم
يت أذون من الن ار عند م رورهم ،فإنه ال خيفى على عاق ل ،أنه كلما ازدادت س رعة الواحد
فإنه رمبا ال حيس ب أي أثر من آث ار الن ار علي ه .وال يعترب ه ذا تع ذيبا ل ه ،بل إنعاما من اهلل
مر عليها هبذه السرعة.
تعاىل أن َّ
وأما إن أراد أنه يفهم من القرآن أن سائر املؤمنني ال يقرتبون من النار وال يسمعون
حسيس ها ،ف إن ه ذا باطل خمالف ملا ورد أن من املؤم نني من يع ذب بالن ار ،وأن ع ذاهبم
متفاوت ،قد يطول وقد يقصر.
واحلاصل أن قوله تع اىل (إن ال ذين س بقت هلم منا احلسىن أولئك عنها مبع دون ،ال
يسمعون حسيسها) خمصوص ببعض املؤمنني ،وال يسلم أن املراد منه عدم مساع حسيسها
ب املرة ،ملا ورد يف بعض األح اديث أن املؤم نني ي رون الن ار ،ويعرف ون ما فيها من الع ذاب،
ولو ك ان جمرد مساع حسيس ها ع ذابا حىت يك ون معارضا لآلي ة ،ملا مسع األنبي اء حسيس ها
باملرة ،ملا أهنم ال يعذبون ،ولكن الذي يدرك معاين الكالم وطريقة القرآن يف التعبري ،يفهم
أن املراد أهنم ال يسمعون حسيسها مساع تعذيب.
س ابعا:قوله يف ص ":555فك رة الص راط مبعىن اجلسر املم دود على منت جهنم بني
حافتيها فيها من اهللع واخلوف والفزع ما ال يستطيع أحد أن ينفيه حىت عن األنبياء الذين
يقولون كما جاء يف ذلك احلديث:اللهم سلم سلم"اهـ
أقول:أما أن فكرة الصراط فيها هلع وخوف ،فمسلم ،ولكن الثابت أيضا أن اخلوف
منه يتف اوت بق در األعم ال ،وأن املرور عليه إمنا يك ون حبسب األعم ال اليت يق دمها
اإلنس ان يف احلي اة ال دنيا ،ال حبسب امله ارة يف ال ركض كما يت وهم الس قاف ،ومن يوجه
هذا االعرتاض ،فإن هذا االعرتاض إمنا يدل على سذاجة قائله ،وعدم معرفته بأحوال أمور
اآلخرة.وأهنا ال تقاس بأمور الدنيا.
وأما أن األنبي اء يقول ون س لم س لم ،فمس لم ،ولكن ما أدراك أهنم يقول ون ذلك
ألنفسهم أي ألهنم خيافون على أنفسهم السقوط يف النار؟! هذا ال خيطر على بال عاقل،
بل يقولون ذلك خوفا على أمتهم ،فإهنم يطلبون السالمة ألمتهم ،وأتباعهم.
مث إن وق وع احلوف يف حالة ووقت وعني ال خيالف ع دم وقوعه يف أك ثر وغ الب
األوقات .فافهم.
سابعا :وأما قوله بأن فكرة الصراط تفيد التساوي يف اخلوف بني املؤمنني والكافرين
كما نصل عليه يف ص ،556فهذا قريب من التحريف لألحاديث الواردة يف ذلك ،وهي
تفيد التفريق بني م رور الن اس علي ه ،فمج رد تف اوهتم يف ذلك يفيد تف اوهتم يف اخلوف،
وجمرد علم املؤمن بأنه م ؤمن خاصة أن ذلك يك ون بعد احلس اب وع رض األعم ال ،يفيد
عدم تساويهم مع الكافرين يف اخلوف .وبعد فإن خوف كل واحد من الصراط إمنا يكون
بق در أعماله الباطلة واملخالفة ألوامر اهلل تع اىل يف احلي اة ال دنيا ،كما هو املق رر يف أح وال
اآلخرة ،وحياة الربزخ.
ثامنا:قوله ص":556تنص فكرة الصراط على أن الناس ميرون على الصراط ال ذي هو
جسر جهنم واح دا واح دا وليس وا مجاع ات ،وه ذا أيضا خمالف ملا ج اء يف الق رآن الك رمي
ب بالن اس من أرض احلس اب واحملشر إىل اجلنة والن ار أفواجا أفواجا وزم را من أنه يُ ْذ َه ُ
زم را ،ق ال اهلل تع اىل(ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم مبا يفعل ون ،وس يق ال ذين
كفروا إىل جهنم زمرا"اهـ
أق ول :ليست كل األح اديث تفيد ذل ك ،بل يف بعض ها ما يفيد أهنم ميرون على
الصراط مجاعات .مث إن ما أفاد منها ذلك ،ال يعارض اآليات اليت أشار إليها ،فإن املعىن
رمبا يكون أهنم بعد أن يسقطوا عن الصراط يساقون بالصورة اليت ذكرت.
مث إن اآليات ال تدل على أهنم يساقون مباشرة إىل جهنم من أرض احملشر واحلساب،
بل إمنا تفيد أهنم يساقون إليها بعد ذلك ،ومطلق البعدية يقبل توسط الصراط خاصة أنه ال
يق ال عنه أنه موقف وأرض بل هو حالة انتقالية عارضة ال دائم ة ،فالس وق من أرض
احلس اب واحملشر إىل جهنم إذا ك ان عن طريق الص راط فال تع ارض بل هو مط رد مع
اآليات.
تاس عا :قوله يف ص":556تنص فك رة الص راط ال ذي هو جسر على منت جهنم أن
كيفية دخ ول الن ار تتم بالس قوط من ه ذا اجلسر املنص وب على حافتيها واهلوي يف الن ار،
وهذا خمالف ملا هو مقرر يف القرآن الكرمي من أن دخول النار يتم مبجيء الكفار والعصاة
إىل أبواهبا مثل جميء املؤم نني إىل أب واب اجلنة وال دخول فيها بعدئ ذ ،ق ال اهلل تع اىل(وس يق
الذين كفروا إىل جهنم زمرا حىت إذا جاؤوها فتحت أبواهبا"اهـ
أق ول :ه ذا غري مع ارض لألح اديث ،واملعارضة لو حتققت غري قطعي ة .إذ رمبا يك ون
السوق إىل جهنم الوارد يف اآليان بعد سقوطهم عن الصراط.
وأيضا فإنه ال يوجد دليل على أن جميء الكف ار والعص اة إىل أب واب جهنم هو مثل
جميء املؤم نني إىل أب واب اجلن ة ،بل ال وارد هو مطلق اجمليء ،وه ذا ال يس تلزم املماثل ة ،بل
األصل هنا هو ع دم التماث ل ،الختالف أح وال الف ريقني ،كما ال خيفى ،ف إن ك ان ك ون
املؤمنني مكرمني ،وهذا يستلزم أن يأتوا اجلنة مشيا مثال أو يف حالة معينة ،فإن هذا يستلزم
أن الكافرين يأتون النار يف حالة ختالف حالة املؤمنني ،وكل من هذا يسمى جميئا ،كما ال
خيفى على عاقل.
املار عليه ال يعرف
عاشرا:قوله يف ص"557تفيد فكرة الصراط الذي هو جسر بأن َّ
مصريه….إىل قوله… وهذا أيضا مضاد وخمالف ملا تقرر يف القرآن الكرمي ويف األحاديث
الصحيحة األخرى من أن املؤمن وغريه من ساعة موته يعرف مصريه".اهـ
أق ول :كالمه ه ذا م َّر بي ان بعض ما فيه س ابقا ،فهو فيه تك رار ،ولكن نزيد هنا
فنقول :املؤمن العاصي ،وال خيلو مؤمن من معصية ولو من الصغائر لعدم عصمة مجيعهم،
هل جيزم أيضا ب أن اهلل تع اىل س وف يغفر له ذل ك؟؟ من اجللي أنه ال يق ول هبذا قائ ل ،وال
أظن أن السقاف يقوا بذلك أيضا ،فإذا تقرر هذا ،فلم ال يكون اخلوف عند املرور على
الصراط إمنا هو نتيجة لعدم معرفة حصول املغفرة ،بل إن هذا هو ظاهر األحاديث الكثرية
الواردة يف الصراط ،وإذا كان كذلك فما قال السقاف باطل مجلة وتفصال.
هذا هو حاصل ما قال السقاف ،قد بينا بطالنه وأنه ال يقوى على نفي الص راط من
األصل ،وأن ما فهمه من القرآن وتوهم أن فهمه قطعي ،قد بينا أنه ال قوى أما نقد سريع
من حنو ما قمنا به هنا ،فكيف لو كان اجملال كافيا للتفصيل!؟
هذا وقد أعرضنا عن ذكر كثري من األخطاء واملغالطات اليت وقع فيها السقاف أثناء
مناقش ته لفك رة الص راط كما يق ول .وه ذه املغالط ات أن واع منها جتاهل أح اديث كث رية
واردة ،ومنها قطعه ألق وال بعض العلم اء يف الص راط ،ومع اين اآلي ات ،ومنها ع دم ذك ره
حلقيقة أق وال الف رق اإلس المية يف ه ذه املس ألة ،ومنها أس لوبه ال ذي ال يليق اتباعه يف مثل
هذه املباحث ،وغري ذلك .ورجونا أن يكون يف هذه املناقشة السريعة املختصرة ملا قاله يف
الصراط ،كفاية عن الرد عليه تفصيال يف ما أحملنا إليه.واهلل املوفق.
([ )]105ورد الق رآن ب امليزان فقد ق ال اهلل تع اىل(فأما من ثقلت موازينه فهو يف
عيشة راض ية ،وأما من خفت موازينه فأمه هاوي ة) .وق ال تع اىل يف س ورة األنبي اء(ونضع
املوازين القسط لي وم القيامة فال تظلم نفس ش يئا وإن ك ان مثق ال حبة من خ ردل أتينا هبا
وكفى بنا حاسبني[.)]47
روى اإلم ام البخ اري عن أيب هري رة عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال كلمت ان
خفيفتان على اللسان ثقيلتان يف امليزان حبيبتان إىل الرمحن سبحان اهلل العظيم سبحان اهلل
وحبمده.
ويف صحيح مسلم عن أيب مالك األشعري قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
الطه ور ش طر اإلميان واحلمد هلل متأل امليزان وس بحان اهلل واحلمد هلل متآلن أو متأل ما بني
الس ماوات واألرض والص الة ن ور والص دقة بره ان والصرب ض ياء والق رآن حجة لك أو
عليك كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها.
ويف ص حيح ابن حب ان عن أيب س لمى راعي رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ولقيته
بالكوفة يف مسجدها قال مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول بخ بخ وأشار
بي ده خبمس ما أثقلهن يف امليزان س بحان اهلل واحلمد هلل وال إله إال اهلل واهلل أكرب والولد
الصاحل يتوىف للمرء املسلم فيحتسبه.
ورواه أيضا احلاكم يف املستدرك.
ويف مستدرك احلاكم عن سلمان عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال يوضع امليزان يوم
القيامة فلو وزن فيه الس ماوات واألرض لوس عت فتق ول املالئكة يا رب ملن ي زن ه ذا
فيق ول اهلل تع الىلمن ش ئت من خلقي فتق ول املالئكة س بحانك ما عب دناك حق عبادتك
ويوضع الص راط مثل حد املوسى فتق ول املالئكة من جتيز على ه ذا فيق ول من ش ئت من
خلقي فيقول سبحانك ما عبدناك حق عبادتك هذا حديث صحيح على شرط مسلم ومل
خيرجاه.
ويف صحيح ابن حبان عن عبد اهلل بن عمرو قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
خصلتان ال حيصيهما عبد إال دخل اجلنة ومها يسري ومن يعمل هبما قليل يسبح اهلل أحدكم
يف دبر كل ص الة عش را وحيم ده عش را ويك ربه عش را فتلك مخس ون ومئة باللس ان وألف
ومخس مائة يف امليزان وإذا أوى إىل فراشه يس بح ثالثا وثالثني وحيمد ثالثا وثالثني ويكرب
أربعا وثالثني فتلك مائة باللس ان وألف يف امليزان ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم
فأيكم يعمل يف يوم وليلة ألفني ومخس مائة سيئة قال عبد اهلل بن عمرو ورأيت رسول اهلل
ص لى اهلل عليه وس لم يعق دهن بي ده ق ال فقيل يا رس ول اهلل وكيف ال حيص يها ق ال ي أيت
أحدكم الشيطان وهو يف صالته فيقول اذكر كذا اذكر كذا ويأتيه عند منامه فينومه قال
محاد بن زيد كان أيوب حدثنا عن عطاء بن السائب هبذا احلديث فلما قدم عطاء البصرة
قال لنا أيوب قد قدم صاحب حديث التسبيح فاذهبوا فامسعوه منه.
وفيه أيضا عن أم الدرداء عن أىب الدرداء عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ان اثقل
ما وضع يف ميزان املؤمن يوم القيامة خلق حسن وان اهلل يبغض الفاحش البذئ.
ورواه أبو داود يف سننه.
وروى الرتم ذي يف س ننه النضر بن أنس بن مالك عن أبيه ق ال س ألت النيب ص لى اهلل
عليه وسلم أن يشفع يل يوم القيامة فقال أنا فاعل قال قلت يا رسول اهلل فأين أطلبك قال
اطلبىن أول ما تطلبين على الصراط قال قلت فإن مل ألقاك على الصراط قال فاطلبىن عند
امليزان قلت فإن مل ألقك عند امليزان قال فاطلبين عند احلوض فإين ال أخطىء هذه الثالث
املواطن قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب ال نعرفه اال من هذا الوجه.
فاحلاصل أن أصل امليزان ث ابت ،وأما ص فته وص ورته فال تثبت بطريق قطعي ،فال
ينبغي اجلزم بصورة معينة له.
([ )]106واألدلة النقلية على كون اهلل تعاىل خالقا لكل شيء كثرية ،منها قوله تعاىل يف
سورة الرعد(قل من رب السماوات واألرض قل اهلل قل أفاختذمت من دونه أولياء ال ميلكون
ألنفسهم نفعا وال ضرا قل هل يستوي األعمى والبصري أم هل تستوي الظلمات والنور أم
جعلوا هلل شركاء خلقوا كخلقه فتشابه اخللق عليهم قل اهلل خالق كل شيء وهو الواحد
القه ار[ ،)]16وقوله تع اىل يف س ورة الزم ر(اهلل خ الق كل ش يء وهو على كل ش يء
وكيل[ )]62ويف سورة فاطر(يا أيها الناس اذكروا نعمة اهلل عليكم هل من خالق غري اهلل
ي رزقكم من الس ماء واألرض ال إله إال هو ف أىن تؤفك ون[،)]3ويف س ورة غ افر(ذلكم اهلل
ربكم خ الق كل ش يء ال إله إال هو ف أىن تؤفك ون[)]62ويف س ورة النح ل(أفمن خيلق
كمن ال خيلق أفال تذكرون[،)]17ويف النحل أيضا(والذين يدعون من دون اهلل ال خيلقون
ش يئا وهم خيلق ون[ ،)]20ف أنت ت رى أيها الق ارئ كيف أثبت اهلل تع اىل لنفسه اخللق يف
آي ات ،ونف اه عن غ ريه يف آي ات أخ رى ،فثبت من ه ذا حصر اخللق يف اهلل تع اىل .وبعد
ذلك ال جيوز أن يدعي واحد لنفسه القدرة على اخللق مطلقا.
وهل حصر اخللق يف اهلل تع اىل يل زم منه أن العب اد كلهم جمب ورون على أفع اهلم؟ قلن ا :ه ذا
سؤال ناتج عن سوء فهم ،وضيق فكر ،فاخللط بني مفهوم اجلرب واخللق ،واشرتاط االختيار
باخللق ،هو السبب يف ذلك .وحترير هذا احملل ،أن نقول ،إن اخللق هو اإلجياد بعد العدم،
واملخلوق هو املوجود بعد العدم .واالختيار هو حصول إرادة الفعل فيك ،وال يشرتط يف
االختي ار أن ختلق أنت الفع ل ،بل لو اوج ده لك غ ريك وأنت اخرتته فق ط ،لصح أن يق ال
إنك ال ذي اخ رتت ه ذا الفع ل ،وصح نس بة الفعل إليك على طريق الكس ب ،مع أنك مل
توج ده .فكونك خمت ارا ال يش رتط له أن تك ون خالق ا ،بل العكس هو الص حيح ،أي إذا
س لمنا أنك خ الق ،فيجب أن تك ون خمت ارا ،ألن ش رط اخللق هو االختي ار ،وال يق ال إن
شرط االختيار هو اخللق.فافهم هذا.
فاإلنس ان خمت ار وليس خالق ا ،فهو خمت ار ألفعاله وليس خالقا هلا .وال ي رتتب على ذلك
كونه جمب ورا ،ألن اجلرب هو حص ول الفعل على خالف اإلرادة ،وهنا مل حيصل الفعل إال
على وف اق اإلرادة ،فكيف يق ال إن الن اس جمب ورون .ولكن غاية ما وقع هو أن اإلنس ان
ليس هو ال ذي خلق الفع ل ،بل اهلل هو ال ذي خلق ه ،وأما اإلنس ان فهو ال ذي اكتس به.
فالفعل منسوب إىل اإلنسان كسبا ،وإىل اهلل تعاىل خلقا.قاالهلل تعاىل يف سورة القرة(تلك
أمة قد خلت هلا ما كس بت ولكم ما كس بتم وال تس ألون عما ك انوا يعمل ون[،)]134
ويف البق رة أيض ا(يا أيها ال ذين آمن وا أنفق وا من طيب ات ما كس بتم ومما أخرجنا لكم من
األرض وال تيمم وا اخلبيث منه تنفق ون ولس تم بأخذيه إال أن تغمض وا فيه واعلم وا أن اهلل
غين محي د[ ،)]267الحظ كيف نسب اهلل تع اىل الكسب إىل اإلنس ان يف اآلية األوىل،
رأيت كيف نسب اخللق إىل ذاته اجلليلة يف اآليات السابقة ،وتأمل كيف قال (أنفقوا وقد َ
من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من األرض) فاهلل تعاىل نسب اإلخراج من األرض
إىل ذات ه ،ونسب لإلنس ان الكس ب .ف دل ذلك على أن اإلنس ان ال خيل ق.وق ال تع اىل يف
سورة البقرة(ال يؤاخذكم اهلل باللغو يف أميانكم ولكن يؤاخذكم مبا كسبت قلوبكم واهلل
غفور حليم[،)]225وأيضا(واتقوا يوما ترجعون فيه إىل اهلل مث توىف كل نفس ما كسبت
وهم ال يظلم ون[،)]281وأيضا (ال يكلف اهلل نفسا إال وس عها هلا ما كس بت وعليها ما
اكتس بت ربنا ال تؤاخ ذنا إن نس ينا أو أخطأنا ربنا وال حتمل علينا إص را كما محلته على
ال ذين من قبلنا ربنا وال حتملنا ما ال طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارمحنا أنت موالنا
فانص رنا على الق وم الك افرين[ ،)]286فقد نسب اهلل تع اىل إىل اخللق أهنم ال يطيق ون إال
الكسب ،وقد نفى عنهم اخللق يف اآليات السابقة ،فدل ذلك على أهنم ال يطيقون اخللق،
وقال يف آخرها(وال حتملنا ما ال طاقة لنا به) وقد عرفت أن اخللق ال يطيقون اخللق ،وما
نسب إىل ط اقتهم إمنا هو الكس ب .وقد أعلمنا اهلل تع اىل يف س ورة إب راهيم أن اجلزاء ال
يك ون إال على الكسب فق ال(ليج زي اهلل كل نفس ما كس بت إن اهلل س ريع احلس اب[
،)]51فدل ذلك على أن اخللق ليس شرطا يف التكليف ،بل الكسب هو الشرط فيه .وما
ذكرناه هنا فيه كفاية ملن يريد اهلداية.
وقد جلأ العلماء من أهل السنة إىل مفهوم الكسب الذي هو غري مفهوم اخللق ،ملا رأوه من
آيات عديدة يف القرآن الكرمي ،تنسب إىل اهلل تعاىل اخللق ،وتنفي اخللق عن غري اهلل تعاىل،
وآيات تنسب الكسب إىل العبد ،فعلموا أن العبد فاعل على سبيل الكسب ،وأن اهلل تعاىل
فاعل ال على سبيل الكسب بل على سبيل اخللق .وعلموا أن الكسب ليس خلقا ،وعلموا
أن الكسب كاف يف ترتب الثواب والعقاب ،بل كاف يف ترتب التكاليف على اإلنسان.
وحاصل معىن الكسب هو أن اهلل تع اىل ملا علم منذ األزل ما س وف يفعله اإلنس ان من
أفع ال ،وذلك كله على حسب إرادت ه ،ويف األوق ات املعينة بعد وج وده ،فإنه ج َّل ش أنه
خيلق للعبد الفعل الذي علم أنه سوف يريده ،فالفعل يكون بإجياد اهلل تعاىل ،وكسب من
العبد ،فيكون فيه شبه الوصف للعبد ،وأما اهلل تعاىل فال يتصف مطلقا بفعل من أفعاله .بل
أفعاله تأيت نتيجة صفاته .وهلذا فإن اهلل إذا علم أن العبد سوف خيتار الكفر فإنه خيلقه له،
ويودعه فيه يف الوقت الذي علم أنه خيتاره ،فيصبح الكفر صفة من صفات العبد ال صفة
من ص فات اهلل تع اىل ،فاهلل تع اىل هو موجد الكف ر ،ولكن على وف اق ما أراده العب د.
وك ذلك إذا علم اهلل تع اىل أن العبد خيت ار اإلميان ،فإنه خيلقه ل ه ،فيصري العبد مؤمن ا ،واهلل
تع اىل خ الق اإلميان ،فال ذي ينسب إليه اإلميان والكفر على س بيل الكسب إمنا هو العب د،
الشر،
وأما اهلل تعاىل فينسب إليه ذلك على سبيل اخللق واإلجياد .وكذلك إذا أراد اإلنسان َّ
أو اخلري.
وال يل زم من ذلك أن يك ون اهلل تع اىل ش ريرا ألن الش رير هو من يتصف بالش ر ،ال من
يوج ده ،واإلنس ان هو ال ذي يتصف بالش ر ،الكتس ابه ل ه ،وأما اهلل تع اىل فهو خالق ه ،فال
يكتسب شيئا من أفعاله ،الستحالة اتصافه تعاىل بصفة حادثة .هذا كله على القول بأن
الشر حقيقة موج ود ،وأما على الق ول ب أن الشر ال يوجد يف نفس األمر بل إمنا هو ص فة
اعتبارية منسوبة للعبد ،فال إشكال هنا مطلقا.
ويعرب أهل الس نة عن الكسب ب أن اهلل تع اىل خيلق الفعل يف العبد عند إرادة العبد اإلتي ان
بالفعل ،وخيلق له كذلك القدرة املصاحبة لفعله ،فقدرة العبد وفعله متالزمان وليس الفعل
موج ودا بإجياد قدرت ه ،بل قدرته وفعله موج ودان بإجياد ق درة اهلل تع اىل ،وذلك كله على
حسب تعلق علم اهلل األزيل.
([ )]107هذه العبارة من كالم اإلمام الطحاوي هلا موقع خطري ومعىن جليل،
مل َأر من تصدى للكشف عنه إال أقل القليل .وقد تقدم بعض اجملسمة إىل االعرتاض عليها
من أصلها ،وأبطلوا معناها الذي فهموه ،ومل يكلفوا أنفسهم بالنظر لعل املصنف قد قصد
أم را آخ ر .وها حنن نقصد إىل ذكر م واقفهم املختلفة من ه ذه العب ارة ،مث نأتيك ب الكالم
احملقق فيها واهلل املوفق.
أما الشيخ حسن السقاف ،فلم يتعرض هلذه العبارة ،شأنه دائما يف األمور اليت حتتاج
مر عليها كأهنا مل تكن .ووجه العجب من تصرف السقاف أنه هو إىل فهم ودقة نظر ،بل َّ
املتصدي واملدعي لالجتهاد يف هذا الباب.
وأما ابن ب از ،فقد ق ال بكل ج رأة يف التعليق على ه ذه العب ارة :ه ذا غري ص حيح بل
املكلف ون يطيق ون أك ثر مما كلفهم به س بحانه ولكنه عز وجل لطف بعب اده ويسر عليهم
ومل جيعل عليهم يف دينهم حرجا فضال منه وإحسانا ،واهلل ويل التوفيق".اهـ
فهذه عبارته وسوف يأيت كالمنا عليها ،ونقد ما فيها.
وأما الش يخ عبداهلل اهلرري يف كتابه إظه ار العقي دة الس نية بش رح العقي دة الطحاوي ة،
فقد ق ال يف ص":205اجلملة األوىل معناها ظ اهر(يقصد قوله ومل يكلفهم اهلل تع اىل إال ما
يُ ِطْي ُق ون) ،أي ليس للعب اد أن يلزم وهم إال ما كلفهم اهلل ب ه ،فيطيق ون يف اجلملة األوىل
بضم الياء وكسر الطاء ،وأما الثانية فيتعني قراءهتا بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الياء اليت
بع دها(أي وال يُطَيَّق ون) ،وال يصح معىن ه ذه اجلملة الثانية إال على ه ذا الوجه لظه ور
فس اده ،ألن املعىن على ذلك ينحل إىل أن العب اد ال يس تطيعون أن يفعلوا س وى ما كلفهم
اهلل ب ه ،والواقع أن العب اد ق ادرون على أن خيالفوا ما كلفهم به وذلك ح ال أك ثر البش ر،
وهذا التحقيق مما فتح اهلل به ،ومل َنر شارحا عرج عليه وهلل احلمد".اهـ
فكالم اهلرري فيه ن وع ُح ْس ٍن ،وحماولة طيبة لتفسري ه ذه العب ارة .وأما حنن ف إن لنا
كالما قد ذكرن اه يف ما كتبن اه على اعرتاض ات ابن ب از على العقي دة الطحاوي ة ،يف س نة
1991للميالد .وها حنن نذكره هنا لفائدته ،مع رجاء أن نكون فيه من املصيبني.
واحلق أن املعىن ال ذي اقرتحه الش يخ اهلرري جي د ،ولكنه متكل ف ،وعلى كل
األح وال ،فإنه قد ب ذل جه دا بع دما الحظ اإلش كال ال ذي ميكن أن ينشأ عن عب ارة
الطحاوي هذه ،فاقرتح هذا احلل.
ولكن قد ظهر يل بعد الفكر أن عب ارة الطح اوي ه ذه إذا ك انت مبنية على أن معىن
التكليف هو املش قة ،ف إن ظ اهر الفكر قد ينتج عنه أن اإلنس ان يطيق أك ثر مما كلفه به اهلل
تع اىل ،وذلك ألنه ال شك أن اإلنس ان ميكن أن يص لي زي ادة عن الص لوات اخلمس ة،
وي زكي زي ادة عن ما فرضه الش رع ،وهك ذا ،فيك ون اهلل بن اءا على ه ذا املعىن قد لطف
بالعب اد ومل يكلفهم مجيع ما يطيق ون .ولكن ه ذا املعىن ظ اهري عن دي .وال يناسب تتمة
كالم الطح اوي ،فإنه قد جعل ه ذه العب ارة تفس ريا لقولنا ال ح ول وال ق وة إال باهلل .وإذا
كانت هي كذلك فال جيوز أن يراد بالتكليف املشقة فقط ،بل ما هو شامل هلا ولغريها،
في دخل حتت التكليف مجيع األحك ام الش رعية اخلمس ة ،ف التوفيق يك ون يف ال واجب
واملندوب واملباح وليس فقط يف الواجبات.
واعتمادا على هذه املقدمة نقول:
عم أن واع األحك ام الش رعية اخلمسة وهي الوج وب واحلرمة التكليف إذا أطلق َّ
ص َّو َر من مراتب الطلب
والندب والكراهة واإلباحة ،وهذه تشتمل على كل ما ميكن أن يُتَ َ
يف الش رائع .ومن املعل وم أن الش رائع أن زلت حلكمة وعاقبة محي دة ،ملص لحة اخللق أمجعني،
وذلك لتوصل اإلنس ان وغ ريه إىل كم ال وج وده،ف إذا وقف املكلف عند ح دود الش رع،
ووقف يف كل ن وع من أن واع األحك ام حسب مرتبته ف أذ ب الواجب على أنه واجب
وباملندوب على أنه مندوب وباملباح على أنه مباح إىل آخره ،فإنه يصل إىل كمال وجوده
على حسب طاقته ووسعه ،وبالتدريج.
فأوامر اهلل تعاىل ومطلوباته من عبيده تعلقت بكل شيء مما يتصور أن يتلبس اإلنسان
به ،أو يكون له مدخل يف حياته يف الدنيا واآلخرة.
ومبا أن أوامر اهلل تعاىل عامة التعلق ،واهلل تعاىل ال يأمر إال مبا يرضى ،وإذا أمر أمر به
على الوجه ال ذي يرض اه ،وال ينهى إال عما ال حيب ،وإذا هنى هنى على الوجه ال ذي
أحب .وال نتصور أمرا خارجا عن أوامر اهلل ونواهيه له مدخل يف الرسالة والشرائع.
فيتحصل مما مضى أن الش ره ال ذي أنزله اهلل تع اىل ال يتص ور فيه نقص وال قص ور،
وهذا معلوم من الدين بالضرورة.
واهلل ال ي أمر العب اد إال مبا يطيق ون ،وما ي أمرهم به ال يك ون ش را ،فيتحصل لنا من
الشر ال يطيقه العباد ،وما يظهر لنا من اإلنسان حني يشرب اخلمر أنه هاتني الكلمتني أن َّ
يطيق ه ،فه ذه إاطقة ظاهرية ومؤقتة غري معت ربة ،وذو العقل الس ليم ال يلتفت إليه ا ،ألن
حاصل ش رب اخلمر هو هالك اجلس د ،واإلنس ان ال يطيق هالك نفس ه ،والش رور إمنا هي
نقصان يف وجود املوجود ،واملوجود ال يطيق عدم بعضه ،ألن اإلطاقة فعل يتعلق مبوجود،
واملع دوم ليس بش يء فال تتعلق به إطاق ة ،هلذا ق رر احملقق ون من علم اء األص ول أنه ال
تكليف إال بفعل ،فالفعل وجودي مطلقا.
ومما مضى يت بني ذو التحقيق أن كالم من اع رتض على الطح اوي يف ه ذه العب ارة
باطل ،مجلة وتفصيال.
ومن الوج وه اليت ميكن أن يت بني هبا بطالن كالم املعرتض ني :أهنم يقول ون ب أن اخللق
يطيق ون أك ثر مما كلفهم ،ولكنه مل يكلفهم ب ه ،إذن يوجد ش يء ميكن أن يتعلق به حكم
شرعي ولكن الشرع ال يطاله وال يتعلق به ،وهذا تصريح بنقصان الشريعة.
وأيضا ه ذا ال ذي مل يكلفهم به الش رع ،إما أن يكون خ ريا أو ش را ،ف إن ك ان ش را،
فيل زم أن يرضى اهلل بالشر على ق وهلم ،وهو باط ل ،وإن ك ان خ ريا ،وهم يطيقون ه ،فع دم
تكليفهم به بل عدم داللته هلم عليه مناف للحكمة ولكون الشريعة كاملة ،وهذا قدح يف
احلضرة العلية ،وهو كفر.
عز وجل لطف…اخل ،فأقول :لطف اهلل إمنا ميكن يف عدم تكليف وأما قوهلم ولكنه َّ
العب اد ما ال يطيق ون ،ال يف ع دم تكليفهم مبا يوص لهم إىل كم اهلم ،ف التكليف تش ريف،
وعدم التكليف مبا يدخل حتت الطاقة يضاد التشريف ،فأين يذهب اللطف؟!
([ )]108احلَنْي ُ هو اهلالك واحملن ة .ويف بعض النسخ (تق دس عن كل س وء
وشنْي ٍ ) والشني هو النقص والعيب .ويف بعضها (تقدس عن كل سوء). َ
([ )]109ملا كان الظلم هو إعطاء الشيء غري ما يستحق ،وكان كل ما سوى
اهلل تعاىل ال حق له ثابت إال بتثبيت اهلل تعاىل له ،فإن الظلم منفي عن اهلل تعاىل مطلقا.
وأما ما يع ده اهلل تع اىل لعب اده ،فإنه ال خيلف ه ،ولكن ه ذا ال يك ون حقا هلم ثابتا إال
بتثبيت اهلل تعاىل له.واهلل تعاىل ال خيلف وعده.
([ )]110قال الشيخ الغنيمي يف شرحه على العقيدة الطحاوية بعد أن ذكر أن
دعاء األحياء فيه منفعة لألموات":وقد توارث السلف له ،فلو مل يكن لألموات نفع فيه،
ملا ك ان له مع ىن ،وق ال عليه الص الة والس الم":ما من ميث يص لي عليه أمة من املس لمني
يبلغون مائة ،كلهم يشفعون له إال شفعوا فيه" ،وعن سعد بن عبادة أنه قال يا رسول اهلل
إن أم س عد م اتت ،ف أي ص دقة أفض ل ،ق ال املاء .فحفر ب ئرا وق ال ه ذه ألم س عد.
واألحاديث واآلثار يف هذا الباب أكثر من أن حتصر".اهـ
وه ذا الكالم قد نقله الغ نيمي عن الس عد يف ش رح العقائد النس فية كما نب ه ،وتكملة
كالمه هناك":وقال عليه الصالة والسالم الدعاء يرد البالء ،والصدقة تطفئ غضب الرب،
وقال عليه السالم إن العامل واملتعلم إذا مرا على قرية فإن اهلل تعاىل يرفع العذاب عن مقربة
تلك القرية أربعني يوما".اهـ
([ )]111ذكر العالمة الطح اوي ه ذا هن ا ،لئال يت وهم مت وهم أن ال دعاء ي ؤثر
بنفسه ،بل اهلل تعاىل هو الذي يستجيب للدعاء ،فاألثر إمنا هو صادر من اهلل تعاىل ،وهو
الذي يقضي احلاجات .وهذا املعىن واضح.
([ )]112معىن احلَنْي ِ هو اهلالك .كما مضى.
ملا ثبت أن اهلل تع اىل هو املوج ود ال واجب الوج ود ،وثبت أن كل ما س واه فإمنا هو
ممكن الوج ود ،فقد ل زم أن كل ما س وى اهلل تع اىل فهو حمت اج إىل اهلل تع اىل ،وال ميكن أن
يس تغين كل ما س واه عنه طرفة عني ،وإال ألص بح من أهل اهلالك ،وه ذا مط ابق ملا ق رره
أئمة الكالم من أن املمكن حمتاج إىل اهلل تعاىل حال اإلجياد ،وبعد ذلك ،أي إنه حمتاج إىل
اهلل تعاىل الستمرار وجوده أيضا.
([ )]113روى اإلم ام البخ اري يف ص حيحه عن فاطمة عن أمساء ق الت أتيت
عائشة وهي تص لي فقلت ما ش أن الن اس فأش ارت إىل الس ماء ف إذا الن اس قي ام فق الت
س بحان اهلل قلت آية فأش ارت برأس ها أي نعم فقمت حىت جتالين الغشي فجعلت أصب
على رأسي املاء فحمد اهلل عز وجل النيب ص لى اهلل عليه وس لم وأثىن عليه مث ق ال ما من
ش يء مل أكن أريته إال رأيته يف مق امي حىت اجلنة والن ار ف أوحي إيل أنكم تفتن ون يف
قب وركم مثل أو ق ريب ال أدري أي ذلك ق الت أمساء من فتنة املس يح ال دجال يق ال ما
علمك هبذا الرجل فأما املؤمن أو املوقن ال أدري بأيهما ق الت أمساء فيق ول هو حممد
رس ول اهلل جاءنا بالبين ات واهلدى فأجبنا واتبعنا هو حممد ثالثا فيق ال من ص احلا قد علمنا
إن كنت ملوقنا به وأما املن افق أو املرت اب ال أدري أي ذلك ق الت أمساء فيق ول ال أدري
مسعت الناس يقولون شيئا فقلته.
ويف البخ اري أيضا عن جماهد ق ال كنا عند بن عب اس رضي اهلل تع اىل عنهما ف ذكروا
ال دجال أنه ق ال مكت وب بني عينيه ك افر فق ال بن عب اس مل أمسعه ولكنه ق ال أما موسى
كأين أنظر إليه إذ احندر يف الوادي يليب.
وفيه عن أيب بك رة رضي اهلل تع اىل عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ال ي دخل
املدينة رعب املسيح الدجال هلا يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان.
وفيه أيضا أنس بن مالك رضي اهلل تعاىل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ليس
من بلد إال سيطؤه الدجال إال مكة واملدينة ليس له من نقاهبا نقب إال عليه املالئكة صافني
حيرسوهنا مث ترجف املدينة بأهلها ثالث رجفات فيخرج اهلل كل كافر ومنافق.
ويف البخ اري عبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة أن أبا س عيد اخلدري رضي اهلل تع اىل عنه
قال حدثنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حديثا طويال عن الدجال فكان فيما حدثنا به
أن قال يأيت الدجال وهو حمرم عليه أن يدخل نقاب املدينة ينزل بعض السباخ اليت باملدينة
فيخرج إليه يومئذ رجل هو خري الناس أو من خري الناس فيقول أشهد أنك الدجال الذي
حدثنا عنك رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حديثه فيقول الدجال أرأيت إن قتلت هذا مث
أحييته هل تشكون يف األمر فيقولون ال فيقتله مث حيييه فيقول حني حيييه واهلل ما كنت قط
أشد بصرية مين اليوم فيقول الدجال أقتله فال أسلط عليه.
وقد روي يف الدجال أحاديث غري هذه.
([ )]114روى اإلم ام مس لم يف ص حيحه عن عبد اهلل بن عم رو ق ال حفظت
من رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ح ديثا مل أنسه بعد مسعت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه
وسلم يقول إن أول اآليات خروجا طلوع الشمس من مغرهبا وخروج الدابة على الناس
ضحى وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فاألخرى على إثرها قريبا.
ويف ص حيح مس لم عن أيب هري رة أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ب ادروا
باألعمال ستا طلوع الشمس من مغرهبا أو الدخان أو الدجال أو الدابة أو خاصة أحدكم
أو أمر العامة.
وروى احلاكم يف املس تدرك عن قيس بن س عد عن أيب الطفيل ق ال كنا جلوسا عند
حذيفة فذكرت الدابة فقال حذيفة رضي اهلل تعاىل عنه إهنا خترج ثالث خرجات يف بعض
البوادي مث تكمن مث خترج يف بعض القرى حىت يذعروا وحىت هتريق فيها األمراء الدماء مث
تكمن قال فبينما الناس عند أعظم املساجد وأفضلها وأشرفها حىت قلنا املسجد احلرام وما
مساه إذ ارتفعت األرض ويه رب الن اس ويبقى عامة من املس لمني يقولون إنه لن ينجينا من
أمر اهلل شيء فتخرج فتجلو وجوههم حىت جتعلها كالكواكب الدرية وتتبع الناس جريان
يف الرب اع ش ركاء يف األم وال وأص حاب يف اإلس الم ه ذا ح ديث ص حيح على ش رط
الشيخني ومل خيرجاه.
ويف املس تدرك عن أيب هري رة رضي اهلل تع اىل عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال
خترج الدابة ومعها عصى موسى وخ امت س ليمان فتجلو وجه املؤمن بالعصى وختطم أنف
الكافر باخلامت حىت أن أهل اخلوان جيتمعون فيقولون هلذا يا مؤمن ويقولون هلذا يا كافر.
ويف املس تدرك عن أيب الزع راء ق ال كنا عند عبد اهلل بن مس عود رضي اهلل تع اىل عنه
فذكر عنده الدجال فقال عبد اهلل بن مسعود تفرتقون أيها الناس خلروجه على ثالث فرق
فرقة تتبعه وفرقة تلحق ب أرض آبائها مبن ابت الش يح وفرقة تأخذ شط الف رات يق اتلهم
ويقاتلونه حىت جيتمع املؤمن ون بق رى الش ام فيبعث ون إليهم طليعة فيهم ف ارس على ف رس
أشقر وأبلق قال فيقتتلون فال يرجع منهم بشر قال سلمة فحدثين أبو صادق عن ربيعة بن
ناجذ أن عبد اهلل بن مسعود قال فرس أشقر قال عبد اهلل ويزعم أهل الكتاب أن املسيح
ي نزل إليه ق ال مسعته ي ذكر عن أهل الكت اب ح ديثا غري ه ذا مث خيرج ي أجوج وم أجوج
فيمرح ون يف األرض فيفس دون فيها مث ق رأ عبد اهلل وهم من كل ح دب ينس لون ق ال مث
يبعث اهلل عليهم دابة مثل ه ذا النغف فتلج يف أمساعهم ومن اخرهم فيموت ون منها فتننت
األرض منهم فيج أر إىل اهلل فريسل م اء يطهر األرض منهم ق ال مث يبعث اهلل رحيا فيها
زمهرير ب اردة فلم ت دع على وجه األرض مؤمنا إال كفته تلك ال ريح ق ال مث تق وم الس اعة
على ش رار الن اس مث يق وم امللك بالص ور بني الس ماء واألرض فينفخ فيه والص ور ق رن فال
يبقى خلق يف الس ماوات واألرض إال م ات إال من ش اء ربك مث يك ون بني النفخ تني ما
شاء اهلل أن يكون فليس من بين آدم خلق إال منه شيء قال فريسل اهلل ماء من حتت العرش
كمين الرج ال فتنبت حلم اهنم وجثم اهنم من ذلك املاء كما ينبت األرض من ال ثرى مث ق رأ
عبد اهلل واهلل ال ذي أرسل الري اح فتثري س حابا فس قناه إىل بلد ميت فأحيينا به األرض بعد
موهتا كذلك النشور قال مث يقوم ملك بالصور بني السماء واألرض فينفخ فيه فينطلق كل
نفس إىل جسدها حىت يدخل فيه مث يقومون فيحيون حياة رجل واحد قياما لرب العاملني
ق ال مث يتمثل اهلل تع اىل إىل اخللق فيلق اهم فليس أحد يعبد من دون اهلل ش يئا إال وهو
مرف وع له يتبعه ق ال فيلقى اليه ود فيق ول من تعب دون ق ال فيقول ون نعبد عزي را ق ال هل
يس ركم املاء فيقول ون نعم إذ ي ريهم جهنم كهيئة الس راب ق ال مث ق رأ عبد اهلل وعرض نا
جهنم يومئذ للكافرين عرضا قال مث يلقى النصارى فيقول من تعبدون فيقولون املسيح قال
فيقول هل يسركم املاء قال فيقولون نعم قال فرييهم جهنم كهيئة السراب مث كذلك ملن
ك ان يعبد من دون اهلل ش يئا ق ال مث ق رأ عبد اهلل وقف وهم إهنم مس ؤولون ق ال مث يتمثل اهلل
تعاىل للخلق حىت مير على املسلمني قال فيقول من تعبدون فيقولون نعبد اهلل وال نشرك به
شيئا فينتهرهم مرتني أو ثالثا فيقول من تعبدون فيقولون نعبد اهلل وال نشرك به شيئا قال
فيقول ون هل تعرف ون ربكم ق ال فيقول ون س بحانه إذا اع رتف لنا عرفن اه ق الف فعند ذلك
يكشف عن ساق فال يبقى مؤمن إال خر هلل ساجدا ويبقى املنافقون ظهورهم طبقا واحدا
كأمنا فيها الس فافيد ق ال فيقول ون ربنا فيق ول قد كنتم ت دعون إىل الس جود وأنتم س املون
قال مث يأمر بالصراط فيضرب على جهنم فيمر الناس كقدر أعماهلم زمرا كلمح الربق مث
كمر ال ريح مث كمر الطري مث كأس رع البه ائم مث ك ذلك حىت مير الرجل س عيا مث مش يا مث
يك ون آخ رهم رجال يتلبط على بطنه ق ال فيق ول أي رب ملاذا أبط أت يب فيق ول مل أبطأ
بك إمنا أبطأ بك عملك قال مث يأذن اهلل تعاىل يف الشفاعة فيكون أول شافع روح القدس
جربي ل ص لى اهلل عليه وس لم مث إب راهيم خليل اهلل مث موسى مث عيسى عليهما الص الة
والس الم ق ال مث يق وم ن بيكم رابعا ال يش فع أحد بع ده فيما يش فع فيه وهو املق ام احملم ود
ال ذي ذك ره اهلل تب ارك وتع اىل عسى أن يبعثك ربك مقاما حمم ودا ق ال فليس من نفس إال
وهي تنظر إىل بيت يف اجلنة أو بيت يف الن ار ق ال وهو ي وم احلس رة ق ال ف ريى أهل الن ار
البيت الذي يف اجلنة مث يقال لو عملتم قال فتأخذهم احلسرة قال ويرى أهل اجلنة البيت يف
الن ار فيق ال ل وال أن من اهلل عليكم ق ال مث يش فع املالئكة والن بيون والش هداء والص احلون
واملؤمنون فيشفعهم اهلل قال مث يقول اهلل أنا أرحم الرامحني فيخرج من النار أكثر مما أخرج
من مجيع اخللق برمحته ق ال مث يق ول أنا أرحم ال رامحني ق ال مث ق رأ عبد اهلل ما س لككم يف
س قر ق الوا مل نك من املص لني ومل نك نطعم املس كني وكنا خنوض مع اخلائضني وكنا
نك ذب بي وم ال دين ق ال فعقد عبد اهلل بي ده أربعا مث ق ال هل ت رون يف ه ؤالء من خري ما
ي نزل فيها أحد فيه خري ف إذا أراد اهلل عز وجل أن ال خيرج منها أحد غري وج وههم
وأل واهنم ق ال فيجئ الرجل فينظر وال يع رف أح دا فيناديه الرجل فيق ول يا فالن أنا فالن
فيقول ما أعرفك فعند ذلك يقول ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظاملون فيقول عند ذلك
اخس ئوا فيها وال تكلم ون ف إذا ق ال ذلك أطبقت عليهم فال خيرج منهم بشر ه ذا ح ديث
صحيح على شرط الشيخني ومل خيرجاه.
ويف املس تدرك أيضا عن أيب زرعة بن عم رو بن جرير ق ال جلس إىل م روان ثالثة نفر
باملدينة فسمعوه حيدث عن اآليات أوهلا خروج الدجال فقام النفر من عند مروان فجلسوا
إىل عبد اهلل بن عم رو فح دثوه مبا ق ال م روان فق ال عبد اهلل مل يقل م روان ش يئا مسعت
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول إن أول اآليات خروجا طلوع الشمس من مغرهبا أو
الدابة أيهما كانت أوال فاألخرى على أثرها قريبا مث نشأ حيدث قال وذلك أن الشمس إذا
غربت أتت حتت العرش فسجدت واستأذنت يف الرجوع فلم يرد عليها شيء قال مث تعود
تستأذن يف الرجوع فلم يرد عليها شيء قال يا رب ما أبعد املشرق من يل بالناس حىت إذا
كان الليل أتت فاستأذنت فقال هلا اطلعي من مكانك قال وكان عبد اهلل يقرأ الكتب فقرأ
وذلك ي وم ال ينفع إمياهنا نفسا مل تكن آمنت من قبل أو كس بت يف إمياهنا خ ريا ه ذا
حديث صحيح على شرط الشيخني ومل خيرجاه.
([ )]115روى احلاكم يف املس تدرك عن أيب هري رة ق ال ق ال رس ول اهلل ص لى
اهلل عليه وس لم من أتى عرافا أو كاهنا فص دقه فيما يق ول فقد كفر مبا أن زل على حممد
صلى اهلل عليه وسلم هذا حديث صحيح على شرطهما مجيعا من حديث بن سريين ومل
خيرج اه وح دث البخ اري عن إس حاق عن روح عن ع وف عن خالس وحممد عن أيب
هريرة قصة موسى أنه آدر.
وهو يف سنن البيهقي الكربى بلفظ عن أيب هريرة رضي اهلل تعاىل عنه قال قال رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه مبا يقول فقد كفر مبا أنزل على
حممد.
ورواه اإلمام أمحد هبذا اللفظ عنه وعن احلسن ،وإسحاق بن راهويه.
ويف مسند أيب يعلى عبد اهلل أنه قال من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا فسأله فصدقه
مبا يقول فقد كفر مبا أنزل على حممد صلى اهلل عليه وسلم.
وهذا عن عبد اهلل بن مسعود يف األوسط للطرباين وغريه.
وهذا املعىن كثري يف السنة.