You are on page 1of 167

‫‪ 

‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬شرح العقيدة الحطاوية‬
‫‪ ‬‬

‫لألستاذ العالمة‬
‫أبي الفداء سعيد فودة حفظه هللا تعالى‬

‫‪ ‬‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬قال العالمة حجة اإلسالم أبو جعفر الوراق الطح""اوي‪-‬‬
‫بمصر‪ -‬رحمه اهلل‪:‬‬
‫([‪)]3‬‬
‫هذا([‪ )]1‬ذكر([‪ )]2‬بيان‬
‫([‪)]4‬‬
‫عقيدة‬
‫([‪)]5‬‬
‫أهل السنة والجماعة‬
‫([‪)]6‬‬
‫على مذهب‬
‫([‪ )]7‬‬
‫أبي حنيفة النعم"""ان بن ث"""ابت الك"""وفي‪ ،‬وأبي يوسف يعق"""وب بن‬ ‫فقه"""اء أهل الملة‬
‫إب " " ""راهيم" األنص " " ""اري‪ ،‬وأبي عبد اهلل محمد بن الحسن الش " " ""يباني رض " " ""وان اهلل عليهم‬
‫أجمعين‪ ،‬وما يعتقدون من أصول([‪  )]8‬الدين‪،‬‬
‫رب([‪  )]9‬العالمين" معتقدين" بتوفيق اهلل‪:‬‬
‫ويدينون به َّ‬
‫إن اهلل([‪  )]10‬واحد ال شريك"‪ )]11[(  ‬له‪.‬‬
‫([‪)]12‬‬
‫وال شيء يعجزه‬
‫([‪)]13‬‬
‫وال إله غيره‬
‫قديم ([‪)]14‬بال ابتداء‪.‬‬
‫دائم‪)]15[(  ‬بال انتهاء‪.‬‬
‫([‪)]16‬‬
‫ال يفنى وال يبيد‬
‫وال يكون([‪  )]17‬إال ما يريد"‪.‬‬
‫([‪)]18‬‬
‫ال تبلغه األوهام‬
‫([‪)]20‬‬
‫وال تدركه([‪  )]19‬األفهام‬
‫([‪)]21‬‬
‫وال يشبه األنام‬
‫حي ال يموت‪ ،‬قيوم([‪  )]22‬ال ينام‬
‫خالق بال حاجة"([‪،)]23‬‬
‫([‪)]25‬‬
‫‪ ‬رازق بال مؤنة([‪ ،)]24‬مميت بال مخافة‪ ،‬باعث بال مشقة‬
‫([‪)]26‬‬
‫ما زال بصفاته قديما قبل خلقه‬
‫لم يزدد بكونهم"([‪  )]27‬شيئا لم يكن قبلهم من صفته‪.‬‬
‫وكما كان بصفاته أزليا كذلك ال يزال عليها أبديا"‬
‫([‪)]28‬‬

‫([‪)]29‬‬
‫ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق‪ "،‬وال بإحداث" البرية استفاد" اسم الباري‬
‫له معنى الربوبية" وال مربوب([‪،)]30‬‬
‫([‪)]31‬‬
‫‪ ‬ومعنى الخالق وال مخلوق‬
‫وكما أنه محيي الموتى بعد ما أحي"ا‪ ،‬اس""تحق ه""ذا االسم قبل إحي""ائهم‪ "،‬ك"ذلك اس""تحق‬
‫([‪)]32‬‬
‫اسم الخالق قبل إنشائهم"‬
‫ذلك بأنه على كل شيء قدير([‪ ،)]33‬وكل شيء إليه فقير‪ ،‬وكل أمر عليه يسير‪.‬‬
‫([‪)]34‬‬
‫ال يحتاج إلى شيء‬
‫([‪)]35‬‬
‫(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)‬
‫خلق الخلق بعلمه([‪،)]36‬‬
‫وقدر لهم أقدارا‪ ،‬وضرب لهم آجاال‪ ،‬ولم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم‪ ،‬وعلم ما‬
‫هم عاملون قبل أن يخلقهم‪.‬‬
‫‪ ‬أم""رهم بطاعت""ه‪ ،‬ونه""اهم عن معص""يته‪ ،‬وكل ش""يء يج""ري بتق""ديره ومش""يئته‪ ،‬ومش""يئته‬
‫تنفذ‪ ،‬ال مشيئة للعباد إال ما شاء لهم‪ ،‬فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬
‫يهدي من يشاء‪ ،‬ويعصم ويعافي فضال‪ ،‬ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي ع"دال‪ ،‬وكلهم‬
‫متقلبون في مشيئته‪ ،‬بين فضله وعدله‪.‬‬
‫واألن ""داد"([‪ ،)]38‬ال َّ‬
‫راد لقض ""ائه وال معقب لحكمه وال‬ ‫([‪)]37‬‬
‫وهو متع ""ال عن األض ""داد"‬
‫غالب ألمره‪ ،‬آمنا بذلك" كله وأيقنَّا أن كال من عنده‪.‬‬
‫([‪)]39‬‬
‫وأن محمدا عبده المصطفى ونبيه المجتبى ورسوله المرتضى‬
‫وأنه خاتم األنبياء([‪ ،)]40‬وإمام األتقياء‪.‬‬
‫‪ ‬وسيد المرسلين([‪ ،)]41‬وحبيب رب العالمين"‪.‬‬
‫وكل دعوى النب"وة بع"ده فغي وه"وى([‪)]42‬وهو المبع"وث إلى عامة الجن وكافة ال"ورى‪،‬‬
‫بالحق والهدى‪ ،‬وبالنور والضياء‪.‬‬
‫وإن القرآن كالم اهلل([‪،)]43‬‬
‫([‪)]44‬‬
‫منه بدا‬
‫بال كيفية([‪ )]45‬قوال([‪،)]46‬‬
‫([‪)]47‬‬
‫وأنزله على رسوله وحيا‬
‫وصدقه المؤمنون على ذلك حقا‪ "،‬وأيقنوا أنه كالم اهلل تع""الى بالحقيق""ة‪ ،‬ليس بمخل""وق‬
‫([‪)]48‬‬
‫ككالم البرية"‬
‫‪ ‬فمن سمعه فزعم أنه كالم البشر فقد كف""ر‪ ،‬وقد ذمه اهلل وعابه وأوع""ده بس""قر‪ ،‬حيث‬
‫ق ""ال تع ""الى (سأص ""ليه س ""قر) فلما أوعد اهلل بس ""قر لمن ق ""ال (إن ه ""ذا إال ق ""ول البش ""ر)‬
‫([‪)]49‬‬
‫علمنا وأيقنا" أنه قول خالق البشر‪ ،‬وال يشبه قول البشر‬
‫([‪)]50‬‬
‫ومن وصف اهلل بمعنى من معاني البشر فقد كفر‬
‫([‬
‫فمن أبصر ه"ذا اعت"بر‪ ،‬وعن مثل ق"ول الكف"ار انزج"ر‪ "،‬وعلم أنه بص"فاته ليس كالبشر‪.‬‬
‫‪)]51‬‬

‫([‪)]53‬‬
‫والرؤية([‪ )]52‬حق ألهل الجنة‬
‫([‪)]54‬‬
‫بغير إحاطة وال كيفية‬
‫([‬
‫كما نطق به كت" " " ""اب ربن" " " ""ا(وج" " " ""وه يومئذ ناض" " " ""رة[‪ ]22‬إلى ربها ن" " " ""اظرة[‪)]23‬‬
‫‪)]55‬وتفس" " ""يره على ما أراده اهلل تع" " ""الى وعلم" " ""ه‪ ،‬وكل ما ج" " ""اء في ذلك من الح" " ""ديث‬
‫الص"""حيح عن الرس"""ول" ص"""لى اهلل عليه وس"""لم فهو كما ق"""ال‪ ،‬ومعن"""اه على ما أراد‪ ،‬ال‬
‫ن" ""دخل" في ذلك مت " ""أولين بآرائنا وال مت" ""وهمين بأهوائن " ""ا‪ ،‬فإنه ما س" ""لم في دينه إال من‬
‫([‬
‫س"لّم هلل عز وجل ولرس""وله ص""لى اهلل عليه وس""لم‪ ،‬ورد علم ما اش""تبه عليه إلى عالمه‬
‫‪)]56‬‬

‫وال تثبت قدم اإلسالم إال على ظهر التس""ليم واالستس""الم‪ ،‬فمن رام علم ما حظر‬
‫عنه علم" " ""ه‪ ،‬ولم يقنع بالتس" " ""ليم فهم" " ""ه‪ ،‬حجبه مرامه" عن خ" " ""الص التوحي" " ""د‪ ،‬وص" " ""افي‬
‫المعرف"""ة‪ ،‬وص"""حيح اإليم"""ان‪ ،‬فيتذب"""ذب" بين الكفر واإليم"""ان‪ ،‬والتص"""ديق" والتك"""ذيب‪،‬‬
‫واإلقرار واإلنكار‪ "،‬موسوسا تائها‪ ،‬شاكا ال مؤمنا مصدقا وال جاحدا" مكذبا"‪.‬‬
‫وال يصح اإليم " ""ان بالرؤية ألهل دار الس " ""الم لمن اعتبرها منهم ب " ""وهم([‪ ،)]57‬أو‬
‫تأولها بفهم"([‪ ،)]58‬إذ ك" ""ان تأويل" الرؤية وتأويل" كل مع" ""نى يض" ""اف إلى الربوبية" ب" ""ترك‬
‫زل ولم‬
‫التأويل ولزوم التس""ليم‪ ،‬وعليه دين المس""لمين‪ ،‬ومن لم يت""وق النفي" والتش""بيه‪ّ ،‬‬
‫يصب التنزي " ""ه‪ ،‬ف " ""إن ربنا جل وعال موص " ""وف بص " ""فات" الوحداني " ""ة‪ "،‬منع " ""وت بنع " ""وت‬
‫الفردانية‪ ،‬ليس في معناه أحد من البرية"‬
‫([‪)]59‬‬

‫([‪)]61‬‬
‫وتعالى"([‪ )]60‬اهلل عن الحدود والغايات‬
‫([‪)]62‬‬
‫واألركان واألعضاء واألدوات"‬
‫([‪)]64‬‬
‫‪ ‬ال تحويه الجهات"([‪ )]63‬الست‬
‫([‪)]65‬‬
‫كسائر المبتدعات‬
‫والمع""راج حق([‪ ،)]66‬وقد أُس""ري([‪  )]67‬ب""النبي" ص""لى اهلل عليه وس""لم بشخصه([‪  )]68‬في‬
‫اليقظة إلى السماء([‪ ،)]69‬ثم إلى حيث ش"اء اهلل من العال‪ ،‬وأكرمه اهلل بما ش"اء‪ ،‬وأوحى‬
‫([‪)]70‬‬
‫إليه ما أوحى(ما كذب الفؤاد ما رأى) فصلى اهلل عليه وسلم في اآلخرة" واألولى‬
‫([‪)]71‬‬
‫والحوض الذي أكرمه اهلل تعالى به غياثا ألمته حق‬
‫والشفاعة([‪ )]72‬التي ادخرها لهم‬
‫حق([‪ ،)]73‬كما روي في األخبار"([‪.)]74‬‬
‫والميثاق الذي أخذه اهلل تعالى من آدم وذريته حق([‪.)]75‬‬
‫وقد علم اهلل تع ""الى فيما لم ي ""زل ع ""دد من ي ""دخل" الجن ""ة‪ ،‬وع ""دد من ي ""دخل الن ""ار‬
‫جملة واحدة‪ "،‬فال يزاد في ذلك العدد وال ينقص منه‪.‬‬
‫وكذلك أفعالهم" فيما علم منهم أن يفعلوه‪ ،‬وكل ميسر لما خلق له([‪،)]76‬‬
‫واألعمال بالخواتيم([‪ ،)]77‬والسعيد من سعد بقضاء اهلل‪ ،‬والشقي" من شقي" بقضاء‬
‫اهلل([‪.)]78‬‬
‫وأصل الق ""در سر اهلل تع ""الى في خلق ""ه‪ ،‬لم يطلع على ذلك ملك مق ""رب وال ن ""بي‬
‫مرس ""ل‪ "،‬والتعمق والنظر في ذلك ذريعة للخ ""ذالن‪ ،‬وس ""لم للحرم ""ان ودرجة الطغي ""ان‪،‬‬
‫فالح""ذر كل الح""ذر من ذلك نظ""را وفك""را ووسوس""ة‪ ،‬ف""إن اهلل تع""الى ط""وى علم الق""در‬
‫"ل َو ُه ْم‬
‫َل َع َّما َي ْف َع" " ُ‬
‫عن أنام" ""ه‪ "،‬ونه" ""اهم عن مرام" ""ه‪ "،‬كما ق" ""ال تع" ""الى في كتابه ‪‬ال يُ ْس " "أ ُ"‬
‫رد حكم الكت"""اب" ك"""ان من‬ ‫رد حكم" الكت"""اب ومن َّ‬ ‫يُ ْس ""أَلون‪ .‬فمن س"""أل" لم فعل فقد َّ‬
‫الكافرين"([‪.)]79‬‬
‫فه " ""ذا جملة ما يحت " ""اج إليه من هو من " ""ور قلبه من أولي " ""اء اهلل تع " ""الى‪ ،‬وهي درجة‬
‫الراس" " " ""خين في العلم‪ ،‬ألن العلم علم" " " ""ان‪ ،‬علم في الخلق موج" " " ""ود‪ ،‬وعلم في الخلق‬
‫مفقود‪.‬فإنكار العلم الموجود كف""ر‪ ،‬وادع""اء العلم المفق""ود كف""ر‪ ،‬وال يثبت اإليم""ان إال‬
‫بقبول العلم" الموجود وترك طلب العلم" المفقود‪.‬‬
‫ونؤمن ب"اللوح والقلم" وبجميع ما فيه قد رقم([‪ ،)]80‬فلو اجتمع الخلق كلهم على‬
‫ش""يء لم يكتبه اهلل تع""الى فيه ليجعل""وه كائنا لم يق""دروا علي""ه‪ ،‬جف القلم بما هو ك""ائن‬
‫إلى يوم القيامة‪ ،‬وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه‪ ،‬وما أصابه لم يكن ليخطئه‪.‬‬
‫وعلى العبد أن يعلم أن اهلل قد س""بق في كل ك""ائن من خلق""ه‪ ،‬فق""در ذلك تق""ديرا"‬
‫محكما مبرما‪ ،‬ليس فيه ناقض وال معقب‪ ،‬وال مزيل وال مغير‪ .‬وال ناقص وال زائد من‬
‫خلقه في س " " ""ماواته وأرض " " ""ه‪ ،‬وذلك من عقد اإليم " " ""ان وأص" " ""ول المعرفة واالع " " ""تراف‬
‫بتوحيد اهلل تعالى وبربوبيت""ه‪ ،‬كما ق"ال تع"الى في كتاب"ه(وخلق" كل ش"يء فق""دره تق""ديرا)"‬
‫[الفرقان‪ ،]2:‬وقال تعالى(وكان أمر اهلل قدرا مقدورا)[األحزاب‪.]38:‬‬
‫فويل لمن ص ""ار هلل تع ""الى في الق ""در خص ""يما‪ ،‬وأحضر للنظر فيه قلبا س ""قيما‪ ،‬لقد‬
‫التمس بوهمه في فحص الغيب سرا كتيما‪ ،‬وعاد بما قال فيه أفاكا أثيما‪.‬‬
‫([‪)]81‬‬
‫والعرش‬
‫والكرسي([‪ )]82‬حق‪ ،‬وهو مستغن عن العرش" وما دونه‪ ،‬محيط بكل شيء وفوق""ه‪،‬‬
‫وقد أعجز عن اإلحاطة خلقه‪.‬‬
‫ونق" " ""ول إن اهلل اتخذ إب" " ""راهيم خليال وكلم موسى تكليما([‪ ،)]83‬إيمانا وتص" " ""ديقا"‬
‫وتسليما‪.‬‬
‫ون ""ؤمن ب ""النبيين والكتب المنزلة على المرس ""لين‪ "،‬ونش ""هد أنهم ك ""انوا على الحق‬
‫المبين‪.‬‬
‫ونس " ""مي أهل قبلتنا مس " ""لمين مؤم " ""نين ما دام " ""وا بما ج " ""اء به الن " ""بي عليه الص " ""الة‬
‫والسالم معترفين‪ ،‬وله بكل ما قال وأخبر مصدقين غير مكذبين([‪.)]84‬‬
‫وال نخوض في اهلل‪ ،‬وال نماري في دين اهلل تع""الى‪ "،‬وال نج""ادل في الق""رآن ونعلم‬
‫أنه كالم رب الع""المين‪ "،‬ن""زل به ال""روح األمين" فعلمه س""يد المرس""لين محم""دا ص""لى اهلل‬
‫عليه وعلى آله وص " " " " ""حبه أجمعين‪ ،‬وكالم اهلل تع " " " " ""الى" ال يس " " " " ""اويه" ش " " " " ""يء من كالم‬
‫المخلوقين‪.‬‬
‫وال نقول بخلق القرآن وال نخالف جماعة المسلمين‪.‬‬
‫وال نقول ال يضر مع اإلسالم ذنب لمن عمله([‪.)]85‬‬
‫ونرجو للمحسنين من المؤمنين‪ ،‬وال ن"أمن" عليهم وال نش""هد لهم بالجنة ونس"تغفر"‬
‫لمس ""يئهم وس ""بيل الحق عليهم وال نقنطهم واألمن واإلي ""اس ينقالن عن المل ""ة‪ ،‬وس ""بيل‬
‫الحق بينهما ألهل القبلة([‪.)]86‬‬
‫وال يخرج العبد" من اإليمان إال بجحود ما أدخله" فيه([‪.)]87‬‬
‫واإليم""ان هو اإلق""رار باللس""ان" والتص""ديق" بالجن""ان([‪ )]88‬وأن جميع ما أن""زل" اهلل في‬
‫القرآن وجميع ما صح عن النبي صلى اهلل عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق‪.‬‬
‫واإليمان واحد وأهله في أصله سواء‪ ،‬والتفاضل بينهم بالتقوى ومخالفة" الهوى‪.‬‬
‫والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن‪ "،‬وأكرمهم وأطوعهم وأتبعهم" للقرآن([‪.)]89‬‬
‫واإليم " " ""ان هو اإليم " " ""ان باهلل ومالئكته وكتبه ورس " " ""له والي " " ""وم اآلخر والبعث بعد‬
‫الموت والقدر خيره وشره حلوه ومره من اهلل تعالى‪.‬‬
‫ونحن مؤمن""ون ب""ذلك" كل""ه‪ ،‬وال نف""رق بين أحد من رس""له‪ ،‬ونص""دقهم كلهم على‬
‫ما جاءوا به‪.‬‬
‫وأهل الكب"ائر من أمة محمد ‪ ‬في الن""ار ال يخل""دون إذا م"اتوا وهم موح""دون وإن‬
‫لم يكون""وا ت""ائبين‪ ،‬بعد أن لق""وا اهلل ع""ارفين مؤم""نين([‪ ،)]90‬وهم في مش""يئة اهلل وحكمه‬
‫إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله كما قال اهلل تع""الى" في كتابه العزيز‪‬إن اهلل ال يغفر‬
‫أن يش" ""رك به ويغفر" ما دون ذلك لمن يش" ""اء)]‪  ([91‬وإن ش" ""اء ع" ""ذبهم بق" ""در جن" ""ايتهم‬
‫بعدله‪ "،‬ثم يخرجهم" منها برحمته وشفاعة الش"افعين من أهل طاعت"ه‪ ،‬ثم يبعثه إلى جنت"ه‪،‬‬
‫وذلك بأن اهلل مولى أهل المعرفته ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرت""ه‪ "،‬ال""ذين" خ""ابوا‬
‫من هديته" ولم ينالوا من واليته([‪.)]92‬‬
‫سكنا باإلسالم حتى نلقاك به‪.‬‬
‫ولي اإلسالم وأهله َم ِّ‬
‫اللهم يا َّ‬
‫ون ""رى الص ""الة خلف كل بر وف ""اجر من أهل القبلة([‪ ،)]93‬ونص ""لي على من م ""ات‬
‫منهم‪ ،‬وال ن""نزل أح""دا" منهم جنة وال ن""ارا‪ ،‬وال نش""هد عليهم بكفر وال ش""رك وال نف""اق‬
‫ما لم يظهر منهم من ذلك شيء‪ ،‬ونذر سرائرهم" إلى اهلل تعالى‪".‬‬
‫وال نرى السيف على أحد من أمة محمد ‪ ‬إال من وجب عليه السيف([‪.)]94‬‬
‫وال ن ""رى الخ ""روج على أئمتنا ووالة أمورنا وإن ج ""اروا([‪ )]95‬وال ن ""دعو على أحد‬
‫منهم‪ ،‬وال ن " ""نزع ي " ""دا من ط " ""اعتهم ون " ""رى ط " ""اعتهم من طاعة ‪ ‬فريضة ما لم ي " ""أمروا‬
‫بمعصية وندعو لهم بالصالح والنجاح والمعافاة"([‪.)]96‬‬
‫ونتبع الس""نة والجماعة ونجتنب الش""ذوذ والخالف والفرق""ة‪ ،‬ونحب أهل الع""دل"‬
‫واألمانة" ونبغض أهل الجور والخيانة‪.‬‬
‫ونقول اهلل أعلم فيما اشتبه علينا علمه([‪.)]97‬‬
‫ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر‪ ،‬كما جاء في األثر([‪.)]98‬‬
‫والحج والجه " " ""اد فرض " " ""ان ماض " " ""يان مع أولي األمر" من أئمة المس " " ""لمين ب " " ""رهم"‬
‫وفاجرهم ال يبطلهما شيء وال ينقضهما([‪.)]99‬‬
‫ونؤمن بالكرام الكاتبين" وأن اهلل قد جعلهم حافظين([‪.)]100‬‬
‫ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين"([‪.)]101‬‬
‫وبع ""ذاب الق ""بر لمن ك ""ان له أهال وبس ""ؤال منكر ونك ""ير للميت في ق ""بره عن ربه‬
‫ودينه ونبيه‪ ،‬على ما جاءت به األخبار" عن رسول اهلل ‪ ‬وعن الصحابة رضي اهلل عنهم‬
‫أجمعين([‪.)]102‬‬
‫والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار([‪.)]103‬‬
‫ونؤمن بالبعث وبجزاء األعمال يوم القيامة‪ ،‬والعرض والحس""اب" وق""راءة الكت""اب‬
‫والثواب والعقاب" والصراط([‪.)]104‬‬
‫والشر والطاعة والمعصية([‪.)]105‬‬
‫ِّ‬ ‫والميزان يوزن به أعمال المؤمنين من الخير‬
‫والجنة والنار مخلوقتان ال يفنيان وال يبيدان‪.‬‬
‫وإن اهلل خلق الجنة والنار وخلق لهما أهال‪ ،‬فمن شاء إلى الجنة أدخله" فضال منه‬
‫ومن ش""اء منهم إلى الن""ار أدخله ع""دال من""ه‪ .‬وكل يعمل لما قد ف""رغ منه وص""ائر إلى ما‬
‫خلق له‪ .‬والخير والشر مقدران على العباد‪".‬‬
‫واالس " ""تطاعة" ال " ""تي يجب بها الفعل من نحو التوفيق ال" " ""ذي ال يج " ""وز أن يوصف‬
‫المخل" " " ""وق به فهي مع الفع" " " ""ل‪ ،‬وأما االس" " " ""تطاعة من جهة الص" " " ""حة والوسع والتمكن‬
‫وسالمة اآلالت" فهي قبل الفعل" وبها يتعلق الخطاب وهو كما قال اهلل تع""الى(ال يكلف‬
‫اهلل نفسا إال وسعها)‪.‬‬
‫وأفعال العباد" خلق هلل وكسب من العباد([‪.)]106‬‬
‫‪ ‬ولم يكلفهم" اهلل تع" " ""الى" إال ما يطيق" " ""ون وال يطيق" " ""ون إال ما كلفهم([‪ ،)]107‬وهو‬
‫تفسير (ال حول وال قوة إال باهلل) نق""ول ال حيلة ألحد" وال حركة وال تح""ول ألحد عن‬
‫معص" " " " ""ية اهلل إال بمعونة اهلل‪ ،‬وال ق" " " " ""وة ألحد على إقامة طاعة اهلل والثب" " " " ""ات" عليها إال‬
‫بتوفيق اهلل‪.‬‬
‫وكل ش " ""يء يج " ""ري بمش " ""يئة اهلل تع " ""الى" وعلمه وقض " ""ائه وق " ""دره‪ ،‬غلبت مش " ""يئته‬
‫المشيئات كلها‪ ،‬وغلب قضاؤه الحيل كلها‪ ،‬يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أب""دا(تق""دس‬
‫وح ْي ٍن([‪ ،)]108‬وت" " ""نزه عن كل عيب وش" " ""ين)(ال يس" " ""أل عما يفعل وهم‬
‫عن كل س" " ""وء َ‬
‫يسألون)([‪.)]109‬‬
‫وفي دعاء األحياء" وصدقاتهم" منفعة لألموات([‪.)]110‬‬
‫واهلل تع""الى يس""تجيب ال""دعوات‪ ،‬ويقضي الحاج""ات([‪ ،)]111‬ويملك كل ش""يء وال‬
‫يملكه ش ""يء‪ ،‬وال غ ""نى عن اهلل تع ""الى طرفة عين‪ ،‬ومن اس ""تغنى عن اهلل طرفة عين فقد‬
‫الح ْي ِن([‪.)]112‬‬
‫كفر وصار من أهل َ‬
‫واهلل يغضب ويرضى‪ ،‬ال كأحد من الورى‪.‬‬
‫ونحب أصحاب رسول اهلل صلى اهلل علي وسلم‪ ،‬وال نف""رط في حب أحد منهم‪،‬‬
‫وال نت ""برأ من أحد منهم‪ ،‬ونبغض من يبغض ""هم‪ ،‬وبغ ""ير الخ ""ير ي ""ذكرهم‪ "،‬وبغض ""هم كفر‬
‫ونفاق وطغيان‪.‬‬
‫ونثبت الخالفة بعد رس" " ""ول اهلل ص" " ""لى اهلل عليه وس " " ""لم أوال ألبي بكر الص " " ""ديق‬
‫رضي اهلل عنه تفض " ""يال له وتق " ""ديما" على جميع األم " ""ة‪ "،‬ثم لعمر بن الخط " ""اب رضي اهلل‬
‫عن ""ه‪ ،‬ثم لعثم ""ان بن عف ""ان رضي اهلل عن ""ه‪ ،‬ثم لعلي بن أبي ط ""الب رضي اهلل عن ""ه‪ ،‬وهم‬
‫الخلفاء الراشدون واألئمة المهديون‪.‬‬
‫وأن العش" ""رة" ال" ""ذين" س" ""ماهم" رس" ""ول اهلل ص" ""لى اهلل عليه وس" ""لم وبش" ""رهم" بالجنة‬
‫نش " ""هد لهم بالجنة على ما ش " ""هد لهم رس " ""ول اهلل ص " ""لى اهلل عليه وس " ""لم‪ ،‬وقوله الحق‬
‫وهم‪ :‬أبو بكر‪ ،‬وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير" وسعد‪ ،‬وس""عيد وعبد ال""رحمن" بن‬
‫عوف‪ ،‬وأبو عبيدة بن الجراح وهو أمين هذه األمة‪ "،‬رضي اهلل عنهم أجمعين‪.‬‬
‫"ول في أص" " ""حاب رس" " ""ول اهلل ص" " ""لى اهلل عليه وس" " ""لم وأزواجه"‬
‫س " " " َن الق" " " َ‬
‫َح َ‬
‫وم ْن أ ْ‬
‫َ‬
‫الطاهرات من كل دنس‪ ،‬وذرياته" المقدسي" من كل رجس‪ ،‬فقد برئ من النفاق‪.‬‬
‫وعلم""اء الس""لف من الس""ابقين" ومن بع""دهم من الت""ابعين" أهل الخ""ير واألث""ر‪ "،‬وأهل‬
‫الفقه والنظر ال يُ ْذ َك ُرو َن إال بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل‪.‬‬
‫وال نفضل أح"""دا من األولي"""اء على أحد من األنبي"""اء عليهم الس"""الم‪ ،‬ونق"""ول ن"""بي‬
‫واحد أفضل من جميع األولياء‪".‬‬
‫ونؤمن بما جاء من كراماتهم" وصح عن الثقات من رواياتهم‪".‬‬
‫ون""ؤمن بأش""راط الس ""اعة من خ ""روج ال ""دجال ([‪)]113‬ون ""زول عيسى ابن م ""ريم عليه‬
‫الس " ""الم من الس " ""ماء‪ ،‬ون " ""ؤمن بطل " ""وع الش " ""مس من مغربها وخ " ""روج دابة" األرض من‬
‫موضعها([‪.)]114‬‬
‫وال نص""دق كاهنا وال عرافا([‪ ،)]115‬وال من ي""دعي ش""يئا يخ""الف الكت""اب والس""نة‬
‫وإجماع األمة‪".‬‬
‫ون""رى الجماعة حقا وص""وابا وال ُفرقة" زيغا وع""ذابا‪ "،‬ودين اهلل في األرض والس""ماء‬
‫واح " " ""د‪ ،‬وهو دين اإلس " " ""الم‪ ،‬ق " " ""ال اهلل ت " " ""اعلى(إن ال " " ""دين" عند اهلل اإلس " " ""الم) وق " " ""ال‬
‫تع""الى(ورض""يت لكم اإلس""الم دين""ا) وهو بين الغلو والتقص""ير‪ ،‬وبين التش""بيه والتعطي""ل‪،‬‬
‫وبين الج ""بر والق ""در‪ ،‬وبين األمن والي ""أس‪ ،‬فه ""ذا ديننا واعتقادنا" ظ ""اهرا وباطن ""ا‪ ،‬ونحن‬
‫برءاء إلى اهلل من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه‪.‬‬
‫ونس" ""أل" اهلل تع" ""الى أن يثيبنا على اإليم" ""ان‪ ،‬ويختم لنا ب" ""ه‪ ،‬ويعص" ""منا من األه" ""واء‬
‫المختلف" " ""ة‪ ،‬واآلراء المتفرق" " ""ة‪ ،‬والم" " ""ذاهب الردية" مثل المش" " ""بهة والمعتزلة والجهمية‬
‫والجبرية والقدرية" وغ" ""يرهم من ال" ""ذين خ" ""الفوا الس" ""نة والجماع"""ة‪ ،‬وح"""الفوا" الض"""اللة‪،‬‬
‫ونحن منهم برءاء وهم عندنا ضالل وأردياء‪ ،‬وباهلل العصمة والتوفيق‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫([‪         )]1‬يشري رمحه اهلل تع اىل بقوله ه ذا إىل ما وقر يف قلبه من اعتق اد راس خ‪،‬‬
‫فكل ما سيذكره على القرطاس فهو حاضر يف قلبه وعقله‪ ،‬فاإلشارة إمنا تكون إىل ذلك‪.‬‬
‫ولذلك قال بعض العلماء احملققني إن اإلشارة قد تكون إىل موجود يف اخلارج‪ ،‬أو موجود‬
‫يف الذهن‪ .‬فالذي أشار إليه اإلمام الطحاوي موجود يف عقله ونفسه‪ .‬هذا وجيوز أن يكون‬
‫اإلمام الطحاوي قد كتب هذه املقدمة بعد كتابته وتقريره مجلة العقائد املسطورة‪ ،‬فلذلك‬
‫أش ار إليها بقوله ه ذا‪ ،‬وه ذا االحتم ال وإن ك ان ج ائزا عقال إال إنه ليس موافقا ملا ك ان‬
‫عليه اإلمام الطحاوي من عظيم املكانة‪ ،‬وكبري العلم‪ ،‬ومن كان كذلك فإمنا يناسبه القول‬
‫بأن العقائد حاضرة يف نفسه كما قلناه قبال‪.‬‬
‫([‪         )]2‬الذكر قد يكون لسانيا وقد يكون قلبيا ونفسيا‪ .‬واإلشارة قد تكون‬
‫إىل ما هو موج ود خارجا وقد تك ون إىل ما هو موج ود يف النفس‪ .‬وال ذكر إذا قصد به‬
‫اللساين فاألرجح أن تكون اإلشارة خارجية‪ ،‬وجيوز أن تكون قلبية بتنزيل ما هو يف القلب‬
‫يف اخلارج‪ ،‬وعلى هذا فاإلشارة اخلارجية إىل ما هو يف النفس تكون جمازا باعتبار وجوده‬
‫يف اخلارج‪ .‬وإن كانت اإلشارة إىل ما هو يف النفس فاملراد بالذكر النفسي‪.‬‬
‫وعلى كل األح وال فاملس تفاد من ذلك كله وج وب أن يك ون املذكور مش ارا إلي ه‪،‬‬
‫واإلشارة كما هو معلوم ال تتعلق إال مبا هو معلوم مو ّكد ويقيين‪ ،‬فالواجب أن تكون هذه‬
‫العقائد معلومة ويقينية إذن‪.‬‬
‫([‪         )]3‬قوله "بي ان" يعين تفص يل‪ ،‬ألن البي ان ال يك ون جممال‪ ،‬واجململ هنا‬
‫مبعىن الكالم الذي ال يعرف مدلوله‪ ،‬أو الكالم الذي ال يكفي لبناء العمل من نفي وإثبات‬
‫عليه‪ ،‬فهو حيتاج إىل غريه لبيانه‪ .‬فما يذكره اإلمام الطحاوي هنا هو بيان مبعىن أنه يكفي‬
‫املرء إذا اعتق ده‪ ،‬فما نف اه فهو منفي‪ ،‬وما أثبته فهو مثبت‪ .‬وال جيوز أن يق ول قائل إن ما‬
‫أطلق اإلمام الطحاوي نفيه فرمبا يكون ثابتا من وجه‪ ،‬أي إن ما ينفيه الطحاوي بإطالق ال‬
‫جيوز نفيه ب إطالق‪ ،‬بل جيب فيه التفص يل وبي ان املع اين احملتملة في ه‪ ،‬فما ك ان منه مقب وال‬
‫فقبل وما كان منها منفيا فينفى‪ .‬هذا القول وهذه الطريقة ال جيوز أن تقال هنا‪ ،‬ألن هذا‬
‫ينايف البيان أي التفصيل الذي يصف الطحاوي فيه عقيدته‪ .‬وهذا الكالم يشكل اعرتاضا‬
‫عليه من القائ به‪ ،‬ال شرحا لكتابه‪ .‬فافهم‪.‬‬
‫([‪         )]4‬العقيدة هي ما يعتقد لذاته‪ ،‬والعقد هو الربط‪ ،‬فالنفس تكون مربوطة‬
‫هبذه العقائد ربطا أكيدا ال انفكاك له وال احنالل‪ .‬وهذا الربط يكون منظورا إىل حصوله‬
‫لذاته ال من حيث كونه ش رطا للعمل فق ط‪ .‬بل ولو مل يكن العمل واجب ا‪ ،‬ف إن العقي دة‬
‫مطلوبة‪ .‬فالعقيدة هي األساس‪.‬‬
‫ق ال العالمة العضد يف املواقف مع الش رح للش ريف اجلرج اين(‪(":)1/38‬واملراد‬
‫بالعقائد ما يقصد به نفس االعتقاد دون العمل)فإن األحكام املأخوذة من الشرع قسمان‪،‬‬
‫أحدمها‪ :‬ما يقصد به نفس االعتقاد كقولنا اهلل تعاىل عامل قادر مسيع بصري‪ ،‬وهذه تسمى‬
‫دون علم الكالم حلفظها‪ .‬والثاين ما يقصد به العمل كقولنا‬ ‫اعتقادية وأصلية وعقائد‪ ،‬وقد ِّ‬
‫الوتر واجب والزكاة فريضة وهذه تسمى عملية وفرعية وأحكاما ظاهرية‪ ،‬وقد دون علم‬
‫الفقه هلا‪".‬اهـ‬
‫ففي ه ذه الفق رة يوضح الس يد الش ريف غاية علم الكالم ومفه وم العقائ د‪ .‬وقد نص‬
‫على ذلك غريه من احملققني‪.‬‬
‫وقد يفهم بعض الن اس من ذلك أن العقائد ال ينبين عليها العم ل‪ ،‬وه ذا الفهم باط ل‪،‬‬
‫بل إن العمل ال يصح إال عليها‪ ،‬ولكن املفهوم مما قلناه هو أن العقائد مقصودة لذاهتا وإن‬
‫مل ي ِرد املعتقد أن يعمل الواجب ات الش رعية‪ ،‬فع دم فعله ل ذلك ال يعفيه من ل زوم اعتق اد‬
‫للعقائد اإلميانية‪ .‬فهذا هو املقصود من قوهلم أن العقائد مقصودة لذاهتا‪.‬‬
‫([‪         )]5‬أهل معناها أص حاب‪ .‬والس نة هي ما ورد عن الرس ول عليه الص الة‬
‫والسالم من أقوال وأفعال وتقريرات ويتضمن ذلك ما ورد عنه عليه الصالة والسالم من‬
‫عقائد‪ ،‬أصلية وفرعية‪ .‬واجلماعة هم أصحاب الرسول عليه السالم الذين ماتوا ومل خيالفوا‬
‫ما عليه النيب صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫فاملقص ود بأهل الس نة واجلماعة هم ال ذين نص روا الس نة واتبع وا اجلماع ة‪ ،‬فيما م َّر‪.‬‬
‫وهلذا مسوا بأهل السنة واجلماعة‪.‬‬
‫وال ذي عليه العلم اء أن أهل الس نة ليس وا جمس مة وال مش بهة‪ ،‬وال ي دخل جمسم وال‬
‫مش به يف أهل الس نة‪ .‬ول ذلك ف إن كث ريا من احلنابلة ال ي دخلون يف أهل الس نة‪ ،‬وك ذلك‬
‫الكرامية فهم قطعا ليسوا من أهل السنة‪ ،‬بل إن بعض فرق احلنابلة أوىل باخلروج من أهل‬
‫السنة من فرق الكرامية‪ .‬واعلم أن احلنابلة أيضا افرتقوا إىل فرق عديدة يف ذات اهلل تعاىل‪،‬‬
‫فمنهم املنزهون مثل اإلمام أمحد بن حنبل واإلمام ابن عقيل واإلمام ابن اجلوزي وكثري من‬
‫املت أخرين‪ ،‬ومنهم جمس مة كأمث ال القاضي أيب يعلى وابن قدامة املقدسي وابن الزاغ وين‬
‫درج معهم ابن كثري وال ذهيب مع أهنما ليسا من‬ ‫وابن تيمية وابن قيم اجلوزي ة‪ ،‬وميكن أن يُ َ‬
‫احلنابلة يف الفقه‪ ،‬وجتد كالمهم غري صريح يف التجسيم ولكن اخلبري يعرف مرادهم‪ ،‬وإمنا‬
‫مل يص رحوا ب ذلك لع دم متكنهم يف ه ذا الب اب‪ ،‬وأيضا الختالطهم بكب ار علم اء الس ادة‬
‫األشاعرة أهل السنة‪.‬‬
‫وأما املالكية فقليل منهم جمس م‪ ،‬وك ذلك األحن اف ولكن يوجد يف ه ؤالء معتزل ة‪،‬‬
‫وأما الشافعية فيوجد فيهم معتزلة وجمسمة‪ ،‬ولكن نسبتهم قليلة حمصورة‪ ،‬وغالبهم من أهل‬
‫السنة األشاعرة‪ ،‬وهلل احلمد‪.‬‬
‫وقد يسأىل بعض الناس فيقولون‪ :‬ومىت بدأت طائفة أهل السنة يف الظهور‪ ،‬والتحقيق‬
‫يف اجلواب أن أهل الس نة موج ودون منذ ك ان الرس ول عليه الس الم موج ودا‪ ،‬بل إهنم‬
‫موجودون منذ ظهور اإلسالم‪ ،‬ألهنم هم القائلون بالعقائد الصحيحة‪ ،‬والفهم التام للدين‪.‬‬
‫هذا من حيث احلقيقة وأما التسمية فككل التسميات فإهنا ظهرت هبذا الوضح متأخرة‪ ،‬يف‬
‫زمان التابعني‪ .‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫ب ذهابا وم ذهبا‪ ،‬مث‬ ‫ذه ُ‬‫بي َ‬ ‫ذه َ‬
‫([‪         )]6‬املذهب اسم مك ان يف األصل من َ‬
‫اس تعري للطريقة الطريقة اليت حتت وي على األدلة واألس اليب يف تقرير املف اهيم‪ .‬فاإلم ام أبو‬
‫حنيفة له طريقة خاصة يف تقرير وت دعيم العقائد والفقه ويف بياهنا لعامة الن اس‪ .‬فاإلم ام‬
‫الطح اوي ينص هنا على أنه يسري يف توض يح العقائد على الطريقة اليت اتبعها اإلم ام أبو‬
‫حنيفة وصاحباه اللذان مسامها‪.‬‬
‫واعلم أن اإلم ام أبا حنيفة له طريقة خاص ة‪ ،‬ال يس تلزم أن له عقائد خمتلفة كليا عن‬
‫غ ريه من أئمة أهل الس نة‪ ،‬بل يعين أنه رمبا خيالفهم يف بعض األس اليب ورمبا بعض‬
‫األحكام‪ ،‬كما سوف نوضحه يف موضعه أثناء تعليقنا على هذا املنت اجلليل‪.‬‬
‫أما املس ائل األص ول فال يوجد خالف فيها بني أيب حنيفة وبني غ ريه من أئمة الس نة‪،‬‬
‫وهلل تعاىل احلمد‪ .‬فتوجد طرق أخرى لتوضيح العقائد عند أهل السنة غري طريقة اإلمام أيب‬
‫حنيفة رضي اهلل تع اىل عن ه‪ ،‬وذلك مثل طريقة اإلم ام أيب احلسن األش عري‪ ،‬واحلارث‬
‫احملاسيب‪ ،‬وعبداهلل بن أيب كالب‪ ،‬وغريهم كثري‪ ،‬وهؤالء حبمد اهلل مل خيتلفوا يف أصول‪ ،‬بل‬
‫كان جل اختالفاهتم يف بعض فروع العقائد‪.‬‬
‫([‪         )]7‬امللة هنا مبعىن ال دين‪ .‬فه والء الفقه اء ال ذين مساهم اإلم ام الطح اوي‬
‫من أعظم فقهاء الدين‪ .‬وال يعين ذلك أنه ال يوجد غريهم فقيه‪ ،‬بل هؤالء هم الذين اتبع‬
‫الطحاوي طريقتهم يف ذلك‪.‬‬
‫([‪         )]8‬األص ول مجع أص ل‪ ،‬وهو ما يبىن عليه غ ريه‪ ،‬أو ما يتف رع عنه غ ريه‪.‬‬
‫وأصول الدين اعتاد العلماء أن يطلقوا هذا االسم على العقائد‪ ،‬سواءا ما كان منها ثابتا‬
‫على س بيل القطع أم على س بيل الظن‪ ،‬أقصد ما مل حيتمل اخلالف فيه وما احتمل ه‪ .‬وعلى‬
‫ه ذا االص طالح مشى اإلم ام أبو جعفر الطح اوي‪ ،‬فإنه يقصد مبس ائل األص ول املس ائل‬
‫العقائدي ة‪ ،‬كما تراها أيها الق ارئ يف ه ذا املنت‪ .‬وأنت تعلم أن من ه ذه املس ائل ما ج رى‬
‫فيه اخلالف بني أهل السنة‪ ،‬كما سنعلمك يف حمله‪.‬‬
‫فالطح اوي يقصد باألص ول الدينية ما ك ان منها مطلوبا االعتق اد به لذات ه‪ ،‬كما‬
‫س ردناه ل ك‪ ،‬وهو مص طلح العقائ د‪ ،‬ومل يف رق بني ما ك ان منه حيتمل اخلالف وما مل‬
‫حيتمل ه‪ .‬ومل يف رق ك ذلك بني ما كفر خمالفه وما مل يكف ر‪ ،‬فلم جيعل التكفري قي دا ملس ائل‬
‫األصول‪ ،‬وعدم التكفري قيدا ملسائل الفروع‪ ،‬بل اعترب الفروع هي املسائل العملية مطلقا‪،‬‬
‫واألصول هي املسائل العقائدية‪.‬‬
‫فأصول الدين إذن عند اإلمام الطحاوي ترادف العقائد والفروع ترادف العمليات‪.‬‬
‫ولكن يش كل على إدراجه مس ألة املسح على اخلفني وغريها يف ه ذا املنت وال خالف‬
‫يف أن هذه املسائل من مسائل الفروع‪ .‬فاجلواب‪:‬إنه الحظ يف إدراجه هذه املسائل يف هذا‬
‫املنت جانب وجوب االعتقاد جبواز املسح‪ ،‬ال جواز العمل باملسح‪ .‬ومعلوم أن األول يكفر‬
‫من خيالفه‪ ،‬باعتبار أن الدليل القطعي قائم عليه‪ ،‬وأما اجلانب الثاين فال يكفر من ال يعمل‬
‫به‪ ،‬لكونه من الفروع مطلقا‪ .‬وبذلك جياب على غريها من املسائل‪.‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫وميكن أن يق ال إن مص طلح األص ول ي دخل فيه كل ما ك ان مقطوعا ب ه‪ ،‬ال حيتمل‬
‫اخلالف‪ ،‬أو أن اخلالف فيه ال يلتفت إليه البتنائه على جمرد ش بهة‪ ،‬وأما الف روع فبخالف ه‪.‬‬
‫وعلى هذا فإدخال الطحاوي مسألة اخلف جائز ومطرد مع هذا االصطالح‪ .‬فتأمل‪.‬‬
‫وميكن أن تق ول إن مص طلح األص ول إذا أطلق ي دخل فيه أص ول العقائ د‪ ،‬وأص ول‬
‫الفقه‪ ،‬أي املسائل األصول من الفقه‪ .‬وعلى هذا فإذا قيل "أصول الدين" فباعتبار أن الدين‬
‫شامل للعقائد والفقه‪ ،‬فإنه يدخل فيه األصليات من العلمني‪.‬وبالتايل فيجوز إدراجهما يف‬
‫فن واحد‪.‬‬
‫([‪         )]9‬ال رب‪ :‬معن اه يف اللغة كما نقله اإلم ام الط ربي يف تفس ريه (‬
‫‪":)1/47‬وأما تأويل قوله رب ف إن ال رب يف كالم الع رب متص رف على مع ان‪ ،‬فالس يد‬
‫املطاع فيهم يدعى ربا‪ ،‬ومن ذلك قول لبيد بن ربيعة‬
‫رب كندة وابنه‪   ‬ورب معد بني خبت وعرعر‬
‫وأهلكن يوما َّ‬
‫يعين رب كندة سيد كندة‪ ،‬ومنه قول نابغة بين ذبيان‬
‫ختب إىل النعمان حىت تناله‪       ‬فدى ‪    ‬لك من رب تليدي وطاريف‬
‫والرجل املصلح للشيء يدعى ربا‪ ،‬ومنه قول الفرزدق بن غالب‬
‫كانوا كسالئة محقاء إذ حقنت‪  ‬سالءها يف أدمي غري مربوب‬
‫يعين ب ذلك يف أدمي غري مص لح‪ .‬ومن ذلك قي ل‪ :‬إن فالنا ي رب ص نيعته عند فالن إذا‬
‫كان حياول إصالحها وإدامتها‪.‬‬
‫مث قال‪ :‬واملالك للشيء يدعى ربه‪.‬‬
‫وقد يتصرف أيضا يف وجوه غري ذلك غري أهنا تعود إىل بعض هذه الوجوه الثالثة‪".‬اهـ‬
‫إذن‪ ،‬يتحصل من ذلك أن املع اين الثالثة لكلمة ال رب يف اللغة هي الس يد املط اع‪،‬‬
‫واملصلح للشيء‪،‬واملالك للشيء‪ .‬وهي الثالثة اليت ذكرها اإلمام الطربي يف تفسريه‪.‬‬
‫وبن اء على نفس املع اين ق ال اإلم ام العالمة البيض اوي يف تفس ريه مع حاش ية الش يخ‬
‫زادة(‪)1/32‬أيض ا‪ ":‬ال رب يف األصل مص در مبعىن الرتبي ة‪ ،‬وهي تبليغ الش يء إىل كماله‬
‫رب‪،‬‬
‫ف به للمبالغة‪ ،‬كالصوم والعدل‪ .‬وقيل هو نعت من َربَّه َيَربُّـه فهو ٌّ‬ ‫ِ‬
‫شيئا فشيئا مث ُوص َ‬
‫كقول منَّ ينُ ُّم فهو مَنٌّ‪ .‬مث مسي به املالك ألنه حيفظ ما ميلكه ويربيه‪".‬اهـ‬
‫وقال الشيخ زاده يف حاشيته(‪" :)1/32‬قال اجلوهري رب فالن ولده يربُّه ربا ورببه‬
‫تربيبا مبعىن رب اه تربية املرب وب واملريب‪ .‬واملص در وإن ك ان معىن حقه أن ال يطلق على‬
‫ال ذات إال أنه أطلق ههنا على ال ذات بقصد املبالغة يف اتص افه ب ه‪ ،‬مثل رجل ص وم ورجل‬
‫عدل أي صائم وعادل‪".‬اهـ‬
‫ولو تأملنا يف هذه املعاين الثالثة املذكورة أعاله لرأينا أهنا ترجع إىل أصل واحد‪ ،‬وهو‬
‫نسبة التصرف املطلق الذي ال يقيده قيد إىل اهلل تعاىل وحده يف تدبري شؤون العاملني‪.‬وأنت‬
‫تعلم أن هذا املعىن ال جيوز نسبته إىل غري اهلل تعاىل‪.‬‬
‫واملشركون مل يكونوا ينسبون إىل اهلل تعاىل وحده هذا املعىن‪ ،‬بل كانوا يشركون معه‬
‫غريه‪ .‬والدليل على ذلك ما قاله تعاىل يف سورة الزمر [أال هلل الدين اخلالص والذين اختذوا‬
‫من دونه أولي اء ما نعب دهم إال ليقربونا إىل اهلل زلفى إن اهلل حيكم بينهم يف ما هم فيه‬
‫خيتلف ون إن اهلل ال يه دي من هو ك اذب كف ار (‪ ،])3‬ففي ه ذه اآلية ي بني اهلل تع اىل أن‬
‫املش ركني قد عب دوا غ ريه‪ ،‬ونس بوا إىل غري اهلل فعال من األفع ال‪ ،‬وهو التق ريب إىل اهلل‪.‬‬
‫فهذان أمران اثنان ال جيوز نسبتهما إال إىل اهلل تعاىل‪ .‬واملشركون قد نسبومها إىل غري اهلل‬
‫تعاىل‪.‬فكانوا بذلك من املشركني‪ .‬فإن حاصل معىن اآلية‪:‬إن املشركني يقرون أهنم عبدوا‬
‫غري اهلل تع اىل‪ ،‬ولكنهم ي دعون أهنم ما فعل وا ذلك إال ليق رهبم ه ؤالء إليه تع اىل‪ .‬ف انظر‬
‫تعقيب اهلل تع اىل على ق وهلم‪:‬فإنه س بحانه وتع اىل قد ك ذهبم يف دع واهم‪ ،‬وحكم عليهم‬
‫بالكفر لفعلهم‪.‬‬
‫حلي أن ه‪":‬أول من‬
‫وق ال العالمة احلليب يف س ريته(‪ )1/10‬أثن اء كالمه عن عم رو بن ّ‬
‫أدخل الش رك يف التلبية فإنه ك ان يلىب بتلبية إب راهيم اخلليل عليه الصالة السالم وهي لبيك‬
‫اللهم لبيك لبيك ال شريك لك لبيك‪ ،‬فعند ذلك متثل له الشيطان يف صورة شيخ يليب معه‬
‫فلما ق ال عم رو لبيك ال ش ريك لك ق ال له ذلك الش يخ إال ش ريكا هو ل ك‪ ،‬ف أنكر ذلك‬
‫عمرو‪ ،‬فقال له ذلك الشيخ متلكه وما ملك‪ ،‬وهذا ال بأس به‪ .‬فقال ذلك عمرو‪ ،‬فتبعته‬
‫العرب على ذلك‪ .‬أي فيوحدونه بالتلبية مث يدخلون معه أصنامهم وجيعلون ملكها بيده ‪.‬‬
‫قال تعاىل توبيخا هلم (وما يؤمن أكثرهم باهلل إال وهم مشركون)‪".‬اهـ‬
‫يف س ورة آل عم ران‪ ،‬ق ال اهلل تع اىل [قل يا أهل الكت اب تع الوا إىل كلمة س واء بيننا‬
‫وبينكم أال نعبد إال اهلل وال نش رك به ش يئا وال يتخذ بعض نا بعضا أربابا من دون اهلل ف إن‬
‫تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (‪])64‬‬
‫ق ال أبو الليث الس مرقندي يف تفس ريه املس مى ببحر العل وم(‪[":)1/275‬وال يتخذ‬
‫بعض نا بعضا أربابا من دون اهلل] ألهنم عب دوا عيسى ربا من دون اهلل‪ ،‬ويق ال ال يطيع‬
‫بعض نا بعضا يف املعص ية كما ق ال‪":‬اختذوا أحب ارهم ورهب اهنم أربابا من دون اهلل" أي‬
‫أطاعوهم يف املعصية‪ ،‬ويقال ال يتخذ بعضنا بعضا أربابا كما قالت النصارى إن اهلل ثالث‬
‫ثالثة‪".‬اهـ‬
‫ويف س ورة آل عم ران [ما ك ان لبشر أن يؤتيه اهلل الكت اب واحلكم والنب وة مث يق ول‬
‫للن اس كون وا عب ادا يل من دون اهلل‪ ،‬ولكن كون وا رب انيني مبا كنتم تعلم ون الكت اب ومبا‬
‫يأمركم أن تتخذوا املالئكة والنبيني أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ‬
‫كنتم تدرسون(‪)79‬وال َ‬
‫أنتم مسلمون (‪])80‬‬
‫قال السمرقندي(‪ )1/180‬ربانيني أي متعب دين‪،‬وأربابا يعين عيسى وعزيرا واملالئكة‬
‫صلوات اهلل عليهم‪ ،‬ولو أمركم بذلك لكفر‪ ،‬وتنزع النبوة منه‪.‬‬
‫ويف سورة التوبة [قاتلوا الذين ال يؤمنون باهلل وال باليوم اآلخر وال حيرمون ما حرم‬
‫اهلل ورس وله وال ي دينون دين احلق من ال ذين أوتوا الكت اب حىت يعط وا اجلزية عن يد وهم‬
‫ص اغرون (‪ )29‬وق الت اليه ود عزير ابن اهلل وق الت النص ارى املس يح ابن اهلل ذلك ق وهلم‬
‫ب أفواههم يض اهئون ق ول ال ذين كف روا من قبل ق اتلهم اهلل أىن يؤفك ون (‪)30‬اختذوا‬
‫أحبارهم ورهباهنم أربابا من دون اهلل واملسيح ابن مرمي وما أمروا إال ليعبدوا إهلا واحدا ال‬
‫إله إال هو سبحانه عما يشركون (‪])31‬‬
‫وروى اإلم ام الرتم ذي ح دثنا احلسني بن يزيد الك ويف ح دثنا عبد الس الم بن ح رب‬
‫عن غطيف بن أعني عن مصعب بن سعد عن عدي بن حامت قال‪   ‬أتيت النيب‪   ‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪   ‬ويف عنقي صليب من ذهب فقال يا عدي اطرح عنك هذا الوثن ومسعته يقرأ‬
‫يف سورة براءة { اختذوا أحبارهم ورهباهنم أربابا من دون اهلل }‪   ‬قال أما إهنم مل يكونوا‬
‫يعبدوهنم ولكنهم كانوا إذا أحلوا هلم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه قال‬
‫أبو عيسى هذا حديث غريب ال نعرفه إال من حديث عبد السالم بن حرب وغطيف بن‬
‫أعني ليس مبعروف يف احلديث‬
‫وروى الط رباين‪  ‬ح دثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو غس ان مالك بن إمساعيل وابن‬
‫األص بهاين ح وح دثنا أبو حصني القاضي ثنا حيىي احلم اين ق الوا ثنا عبد الس الم بن ح رب‬
‫أنا غطيف بن أعني من أهل اجلزيرة عن مصعب بن س عد عن عدي بن حامت قال‪   ‬أتيت‬
‫النيب‪   ‬صلى اهلل عليه وسلم‪   ‬ويف عنقي صليب من ذهب فقال يا عدي اطرح هذا الوثن‬
‫من عنقك فطرحته فانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة فقرأ هذه اآلية { اختذوا أحبارهم‬
‫ورهباهنم أربابا من دون اهلل } حىت فرغ منها فقلت انا لسنا نعب دهم فق ال أليس حيرمون‬
‫ما أحل اهلل فتحرمونه وحيلون ما حرم اهلل فتستحلونه قلت بلى قال فتلك عبادهتم‬
‫ورواه اإلمام البيهقي يف سننه الكربى فقال‪ :‬حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو غسان‬
‫مالك بن إمساعيل وابن األص بهاين ح وح دثنا أبو حصني القاضي ثنا حيىي احلم اين ق الوا ثنا‬
‫عبد السالم بن حرب أنا غطيف بن أعني من أهل اجلزيرة عن مصعب بن سعد عن عدي‬
‫بن ح امت ق ال‪   ‬أتيت الن يب‪   ‬ص لى اهلل عليه وس لم‪   ‬ويف عنقي ص ليب من ذهب فق ال يا‬
‫عدي اطرح هذا الوثن من عنقك فطرحته فانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة فقرأ هذه‬
‫اآلية { اختذوا أحب ارهم ورهب اهنم أربابا من دون اهلل } حىت ف رغ منها فقلت انا لس نا‬
‫نعبدهم فقال أليس حيرمون ما أحل اهلل فتحرمونه وحيلون ما حرم اهلل فتستحلونه قلت بلى‬
‫قال فتلك عبادهتم‪.‬‬
‫وروى اإلم ام ال بيهقي أيضا يف س ننه الك ربى ق ال‪ :‬ح دثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو‬
‫غس ان مالك بن إمساعيل وابن األص بهاين ح وح دثنا أبو حصني القاضي ثنا حيىي احلم اين‬
‫ق الوا ثنا عبد الس الم بن ح رب أنا غطيف بن أعني من أهل اجلزي رة عن مص عب بن س عد‬
‫عن عدي بن حامت قال‪   ‬أتيت النيب‪   ‬صلى اهلل عليه وسلم‪   ‬ويف عنقي صليب من ذهب‬
‫فقال يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك فطرحته فانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة فقرأ‬
‫هذه اآلية { اختذوا أحبارهم ورهباهنم أربابا من دون اهلل } حىت فرغ منها فقلت انا لسنا‬
‫نعبدهم فقال أليس حيرمون ما أحل اهلل فتحرمونه وحيلون ما حرم اهلل فتستحلونه قلت بلى‬
‫قال فتلك عبادهتم‪.‬‬
‫فتوحيد الربوبية إذن أعم من أن يكون جمرد الدعاء‪ ،‬أو جمرد أن يعتقد الواحد بأن اهلل‬
‫خ الق هلذا الع امل‪ ،‬ولو من دون االعتق اد بأنه م دبره حقيقة على ال دوام‪ ،‬أي إن من اعتقد‬
‫أن اهلل هو ال ذي خلق الع امل‪ ،‬مث اعتقد مع ذلك أن غري اهلل تع اىل له تص رف يف ت دبري‬
‫ش ؤون الك ون‪ ،‬ف إن ه ذا ليس حمققا لتوحيد الربوبية على اإلطالق‪ .‬وإال لك ان كثري من‬
‫املشركني موحدين للربوبية‪ .‬وهذا باطل مطلقا‪ ،‬ملا مضى من األدلة الدالة على أن الربوبية‬
‫أعم من جمرد ذلك التصور‪.‬‬
‫ويتحصل من ه ذا أيضا غلط ابن ب از اهلائل يف تعليقاته على العقي دة الطحاوية عن دما‬
‫قال يف أقسام التوحيد‪":‬القسم األول‪ :‬توحيد الربوبية وهو توحيد اهلل بأفعاله سبحانه‪ ،‬وهو‬
‫اإلميان بأنه اخلالق ال رازق املدبر ألم ور خلقه املتص رف يف ش ئوهنم يف ال دنيا واآلخ رة ال‬
‫شريك له يف ذلك‪ ،‬كما قال تعاىل(اهلل خالق كل شيء)‪،‬وقال سبحانه(إن ربكم اهلل الذي‬
‫خلق السموات واألرض يف ستة أيام مث استوى على العرش يدبر األمر)اآلية‪ .‬وهذا النوع‬
‫قد أقر به املش ركون عب اد األوث ان وإن جحد أك ثرهم البعث الونش ور‪ ،‬ومل ي دخلهم يف‬
‫اإلس الم لش ركهم باهلل يف العبادةوعب ادهتم األص نام واألوث ان معهه س بحانه‪ ،‬وع دم إمياهنم‬
‫بالرسول حممد صلى اهلل عليه وسلم‪".‬اهـ‬
‫فقوله ب أن املش ركني قد حقق وا ه ذا الن وع من التوحي د‪ ،‬باطل ال شك فيه كما رأينا‬
‫باألدلة السابقة‪ ،‬فهم كانوا مشركني يف توحيد الربوبية‪ ،‬ولذلك كانوا مشركني يف توحيد‬
‫اإلهلية أي العب ادة على حد تعب ريه‪ ،‬ألن ه ذين الن وعني راجعني إىل أمر واحد على ما هو‬
‫التحقي ق‪ ،‬وكما س رتى‪ .‬فيس تحيل أن يك ون واحد موح دا توحيد ربوبية ومش ركا يف‬
‫العبادة‪ .‬وما هذا إال ومها تومهه هؤالء الوهابيون مث صدقوا به‪.‬‬
‫فائدة يف معىن كلمة اإلله‪ ،‬وأنه ال فرق بني األلوهية والربوبية‪:‬‬
‫ق ال اهلل تع اىل يف س ورة األع راف‪[:‬وإذ أخذ ربك من بين آدم من ظه ورهم ذريتهم‬
‫وأش هدهم على أنفس هم ألست ب ربكم ق الوا بلى ش هدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن‬
‫هذا غافلني (‪])172‬‬
‫وقال تعاىل يف سورة األنعام‪ [:‬وإذ قال إبراهيم ألبيه آزر أتتخذ أصناما آهلة إين أراك‬
‫وقومك يف ضالل مبني (‪ )74‬وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات واألرض وليكون‬
‫من املوق نني (‪ )75‬فلما جن عليه الليل رأى كوكبا ق ال ه ذا ريب فلما أفل ق ال ال أحب‬
‫اآلفلني (‪ )76‬فلما رأى القمر بازغا قال هذا ريب فلما أفل قال لئن مل يهدين ريب ألكونن‬
‫من القوم الضالني (‪ )77‬فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ريب هذا أكرب فلما أفلت قال يا‬
‫ق وم إين ب ريء مما تش ركون (‪ )78‬إين وجهت وجهي لل ذي فطر الس ماوات واألرض‬
‫حنيفا وما أنا من املش ركني (‪ )79‬وحاجه قومه ق ال أحتاجوين يف اهلل وقد ه داين وال‬
‫أخ اف ما تش ركون به إال أن يش اء ريب ش يئا وسع ريب كل ش يء علما أفال تت ذكرون (‬
‫‪ )80‬وكيف أخ اف ما أش ركتم وال ختافون أنكم أش ركتم باهلل ما مل ي نزل به عليكم‬
‫سلطانا فأي الفريقني أحق باألمن إن كنتم تعلمون (‪])81‬‬
‫وقال تعاىل يف سورة األنبياء حيكي قصة سيدنا إبراهيم مع قومه‪[:‬ولقد آتينا إبراهيم‬
‫رش ده من قبل وكنا به ع املني (‪ )51‬إذ ق ال ألبيه وقومه ما ه ذه التماثيل اليت أنتم هلا‬
‫ع اكفون (‪ )52‬ق الوا وج دنا آباءنا هلا عاب دين (‪ )53‬ق ال لقد كنتم أنتم وآب اؤكم يف‬
‫ض الل م بني (‪ )54‬ق الوا أجئتنا ب احلق أم أنت من الالع بني (‪ )55‬ق ال بل ربكم رب‬
‫السماوات واألرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين (‪])56‬‬
‫وقال تعاىل يف سورة الشعراء‪ [:‬فأتيا فرعون فقوال إنا رسول رب العاملني (‪ )16‬أن‬
‫أرسل معنا بين إسرائيل (‪ )17‬قال أمل نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنني (‪)18‬‬
‫وفعلت فَعلَتك اليت فعلت وأنت من الكافرين (‪ )19‬قال فعلتها إذا وأنا من الضالني (‪)20‬‬
‫فف ررت منكم ملا خفتكم ف وهب يل ريب حكما وجعلين من املرس لني (‪ )21‬وتلك نعمة‬
‫دت بين إس رائيل (‪ )22‬ق ال فرع ون وما رب الع املني (‪ )23‬ق ال رب‬ ‫متنها علي أن عبَّ َّ‬
‫السماوات واألرض وما بينهما إن كنتم موقنني (‪ )24‬قال ملن حوله أال تستمعون (‪)25‬‬
‫قال ربكم ورب آبائكم األولني (‪ )26‬قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم جملنون (‪)27‬‬
‫ق ال رب املش رق واملغ رب وما بينهما إن كنتم تعقل ون (‪ )28‬ق ال لئن اختذت إهلا غ ريي‬
‫ألجعلنك من املسجونني (‪])29‬‬
‫مث قال تعاىل يف آخر القصة‪ [:‬فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون (‪)45‬‬
‫فألقي السحرة ساجدين (‪ )46‬قالوا آمنا برب العاملني (‪ )47‬رب موسى وهارون (‪)48‬‬
‫قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبريكم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون ألقطعن‬
‫أيديكم وأرجلكم من خالف وألصلبنكم أمجعني (‪])49‬‬
‫وق ال تع اىل يف س ورة القص ص‪ [:‬وق ال فرع ون يا أيها املأل ما علمت لكم من إله‬
‫غ ريي فأوقد يل يا هام ان على الطني فاجعل يل ص رحا لعلي أطلع إىل إله موسى وإين‬
‫ألظنه من الكاذبني (‪])38‬‬
‫وقال تعاىل يف سورة النازعات‪ [:‬هل أتاك حديث موسى (‪ )15‬إذ ناداه ربه بالوادي‬
‫املق دس ط وى (‪ )16‬اذهب إىل فرع ون إنه طغى (‪ )17‬فقل هل لك إىل أن ت زكى (‪)18‬‬
‫وأهديك إىل ربك فتخشى (‪ )19‬فأراه اآلية الكربى (‪ )20‬فكذب وعصى (‪ )21‬مث أدبر‬
‫يس عى (‪ )22‬فحشر فن ادى (‪ )23‬فق ال أنا ربكم األعلى (‪ )24‬فأخ ذه اهلل نك ال اآلخ رة‬
‫واألوىل (‪ )25‬إن يف ذلك لعربة ملن خيشى (‪])26‬‬
‫وق ال تع اىل يف س ورة األنع ام‪ [:‬قل إنين ه داين ريب إىل ص راط مس تقيم دينا قيما ملة‬
‫إب راهيم حنيفا وما ك ان من املش ركني (‪ )161‬قل إن ص اليت ونس كي وحمي اي وممايت هلل‬
‫رب الع املني (‪ )162‬ال ش ريك له وب ذلك أم رت وأنا أول املس لمني (‪ )163‬قل أغري اهلل‬
‫أبغي ربا وهو رب كل ش يء وال تكسب كل نفس إال عليها وال ت زر وازرة وزر أخ رى‬
‫مث إىل ربكم مرجعكم فينبئكم مبا كنتم فيه ختتلفون (‪])164‬‬
‫وق ال تع اىل يف س ورة األع راف‪ [:‬وإذ أخذ ربك من بين آدم من ظه ورهم ذريتهم‬
‫وأش هدهم على أنفس هم ألست ب ربكم ق الوا بلى ش هدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن‬
‫هذا غافلني (‪.])172‬‬
‫ق ال العالمة القض اعي ص‪":89‬ف أول ما خ اطب اهلل األرواح ق ال‪:‬ألست ب ربكم‪،‬‬
‫واكتغى منهم ب اإلقرار بوحدانيته يف الربوبي ة‪ ،‬وأول ما تس أل املوتى يف قبوره ا‪  ‬من رب ك‪،‬‬
‫واكتفى منهم باإلقرار بأنه رهبم‪".‬اهـ‬
‫وأيضا ف إن ح ديث س ؤال امللكني يف القرب مش هور فإهنما يق والن للميت‪:‬من رب ك؟‬
‫وال يقوالن من إهلك؟ فإذا أجاهبما ‪:‬اهلل ريب‪ .‬اكتفيا منه يف التوحيد هبذا اجلواب ومل يقوال‬
‫له هذا توحيد الربوبية وهو ال ينجيك‪.‬‬
‫واعلم أن نفس اللوازم اليت ترتتب على صفة الربوبية ترتتب على صفة األلوهية أيضا‪،‬‬
‫وذلك ألهنما متالزمتان‪ ،‬قال اهلل تعاىل يف سورة املؤمنون‪ [:‬ما اختذ اهلل من ولد وما كان‬
‫معه من إله إذا لذهب كل إله مبا خلق ولعال بعضهم على بعض سبحان اهلل عما يصفون (‬
‫‪ ])91‬ف رتب على تع دد اآلهلة العلو واالختالف‪ ،‬واالس تقالل يف الت دبري والس لطان‪.‬‬
‫وكذلك قال اهلل تعاىل يف سورة األنبياء‪ [:‬لو كان فيهما آهلة إال اهلل لفسدتا فسبحان اهلل‬
‫رب الع رش عما يص فون (‪ ،])22‬ف رتب اهلل تع اىل وق وع االختالف وفس اد الك ون على‬
‫جمرد وج ود أك ثر من إل ه‪ ،‬وه ذا يعين أن اإلله هو املدبر‪ ،‬وقد بينا فيما س بق أن ال رب هو‬
‫املدبر أيضا‪ ،‬فإذن يتحصل أن من اعتقد بوجود آهلة غري اهلل‪ ،‬فإنه يعتقد بوجود أرباب غري‬
‫اهلل تعاىل فيستحيل أن يكون موحدا توحيد ربوبية كما يزعم بعض اجلهلة‪.‬‬
‫ه ذه بعض األدلة اليت ت دل على ع دم االنفك اك بني الربوبية واأللوهي ة‪ ،‬واس تحالة أن‬
‫يؤمن واحد بأن اهلل هو الرب وحده ومع ذلك يعبد غريه‪ ،‬كما زعمت طائفة الوهابية يف‬
‫ه ذا الزم ان‪ ،‬وكما مر قسم من كالم أحد زعم ائهم وهو ابن ب از مفيت اململكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬وقال أيضا يف تعليقاته على منت الطحاوية‪":‬القسم الثاين توحيد العبادة‪ ،‬ويسمى‬
‫توحيد األلوهية وهي العبادة‪ ،‬وهذا القسم هو الذي أنكره املشركون فيما ذكره اهلل عنهم‬
‫سبحانه بقوله (وعجبوا أن جاءهم من ذر منهم وق ال الكافرون ه ذا س احر ك ذاب‪.‬أجعل‬
‫اآلهلة إهلا واح دا إن ه ذا لشسء عج اب) وأمثاهلا كث ري‪ .‬وه ذا القسم يتض من إخالص‬
‫العبادة هلل وحده‪ ،‬واإلميان بأنه املستحق هلا‪ ،‬وأن عبادة ما سواه باطلة‪ ،‬وهذا هو معىن ال‬
‫إله إال اهلل‪ ،‬فإن معناها ال معبود حق إال اهلل كما قال اهلل عز وجل‪(:‬ذلك بأن اهلل هو احلق‬
‫وأن ما يدعون من دونه هو الباطل)‪.‬اهـ‬
‫ك ذا ق ال‪ ،‬واحلقيقة أن ما ذك ره من آي ات هي ت دل على خالف ما يريد إثبات ه‪ ،‬ف إن‬
‫اهلل تع اىل نسب إىل الكف ار أهنم يعتق دون مبجموعة من اآلهلة‪ ،‬ال بإله واح د‪ ،‬فهم جيمعون‬
‫اآلهلة‪ ،‬وال يوحدوهنا‪ ،‬وال يتأتى منهم اجلمع إال بعد إمياهنم بالتماثل‪ ،‬وكذلك فإهنم أطلقوا‬
‫على كل واحد من ه ذه املعب ودات أنه إل ه‪ ،‬وه ذا يعين أن له نفس خص ائص اإلله اآلخ ر‪،‬‬
‫وه ذا هو عني الكفر وال ئرك يف الربوبي ة‪ .‬وأما اآلية األخ رى اليت استش هد هبا فهي أيضا‬
‫عليه ال ل ه‪ ،‬ف إن اهلل تع اىل حيكم على ما ي دعوه ه ؤالء املش ركون ب البطالن‪ ،‬والبطالن هنا‬
‫يعين أنه غري موج ود‪ ،‬أو أن احلكم ال ذي ينس بونه إليه باط ل‪ ،‬أي الق ول بأنه إل ه‪ ،‬وه ذا‬
‫النفي يس تلزم أهنم ك انوا يثبت ون أنه إل ه‪ ،‬وقد م َّر بي ان معىن اإلل ه‪ .‬وليس املراد بطالن‬
‫عبادهتم فقط‪ ،‬بل إن بطالهنا سببه بطالن إهلية ما يدعونه‪.‬‬
‫وهبذا يت بني لك أيها الق ارئ أن مجيع ما يس تدل به ه ؤالء معك وس عليهم وهو حجة‬
‫عليهم ال هلم‪ ،‬وأن األدلة القاطعة قد ق امت على بطالن تف ريقهم بني األم رين‪ ،‬وأن ق وهلم‬
‫بأن املشركني كانوا موحدين توحيد ربوبية إمنا هو قول باطل‪ ،‬ال أساس له يف الدين‪.‬‬
‫فائدة أخرى يف توحيد األمساء والصفات‪:‬‬
‫أما الن وع الث الث من أن واع التوحيد ال ذي يق ول به طائفة الوهابية فهو ما يس مى‬
‫عندهم بتوحيد األمساء والصفات‪ ،‬وهو عندهم كما وضحه ابن باز أيضا‪":‬اإلميان بكل ما‬
‫ورد يف كت اب اهلل العزيز ويف الس نة الص حيحة عن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم من‬
‫أمساء اهلل وص فاته وإثباهتا هلل س بحانه على الوجه ال ذي يليق به من غري حتريف وال تعطيل‬
‫ومن غري تكييف وال متثي ل‪..‬اخل"‪.‬اهـ‪ .‬وحاصل هذا النوع من التوحيد عن دهم‪ ،‬هو إثبات‬
‫بعض الصفات واألمساء الواردة إضافتها إىل اهلل تعاىل بنفس معانيها اللغوية احلقيقية إىل اهلل‬
‫تع اىل‪ ،‬وه ذا هو عني التش بيه والتمثيل وإن ك انوا يف رون منه يف اللف ظ‪ .‬فهم ق ائلون به‬
‫مع ىن‪ ،‬وس وف ن ربهن على ص حة قولنا ه ذا يف أثن اء ش رحنا وتعليقنا على كالم اإلم ام‬
‫الطحاوي رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫([‪       )]10‬كلمة اهلل ت دل على ال واجب الوج ود‪ ،‬املنف رد بالكم ال‪ ،‬احملت اج إليه‬
‫كل ما ع داه‪ ،‬املس تغين عن كل ما س واه‪ .‬وهي ال تطلق إال على اهلل الواح د‪ .‬وقولنا اهلل ال‬
‫ش ريك له ت دل حقيقتها على نفي كل ما س وى اهلل تع اىل من اآلهلة املدعاة‪ ،‬واألرب اب‬
‫املفرتاة‪ .‬وال حنتاج بناء على املعىن املذكور لكلمة اهلل إىل أي تقدير لكي يتم املعىن املراد‪.‬‬
‫([‪       )]11‬الواحد إمنا يكون شريكا ملن يكون له مضارعا‪ ،‬وأما من ال شبيه له‪،‬‬
‫فيلزم أن ال يكون له ش ريك قطع ا‪ ،‬ألن الش راكة تس تلزم انقس ام امللك وع دم التمكن من‬
‫التصرف فيه إال بإذن اآلخر‪ ،‬وهذا باطل ال جيوز يف حق اهلل تعاىل‪ ،‬ملا ثبت من كونه هو‬
‫امللك ال ملك س واه‪ .‬وملا ثبت من ع دم إمك ان وج ود مالك غ ريه‪ ،‬ألن املالك جيب أن‬
‫يكون مستقال يف ملكه‪ ،‬واملستقل يف ملكه جيب كونه مستقال يف وجوده‪ ،‬وال مستقل يف‬
‫الوجود إال اهلل عز شأنه‪ ،‬فكيف يكون له شريك؟‬
‫([‪       )]12‬العجز يف اللغة كما ذكره الدكتور فضل عباس يف كتابه املفيد إعجاز‬
‫الق رآن الك رمي ص‪ 16‬ت دل على م ؤخر الش يء‪ ،‬وعلى التقصري عن بل وغ املراد‪.‬اهـ فيصري‬
‫معىن كالم املصنف أن اهلل ال مينعه عن حتقيق مراده شيء مطلقا‪ .‬وتنبه إىل أن املانع للواحد‬
‫عن حتقيق م راده ال بد أن يك ون ممانعا ل ه‪ ،‬أي ال بد أن يك ون له إرادة مس تقلة عن إرادة‬
‫املمن وع‪ ،‬وك ذلك ال بد أن يك ون للم انع ق درة مس تقلة عن ق درة املمن وع‪ ،‬فبغري ذل ك‪،‬‬
‫يستحيل أن حيصل اإلعجاز‪ .‬وال يتحقق هذا الوصف أي قولنا"وال شيء يعجزه إال يف اهلل‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫([‪       )]13‬من التوض يحات الس ابقة ملعىن كلمة اإلله يص بح معىن ه ذه العب ارة‬
‫مفهوما وبينا‪ .‬فاهلل تعاىل ال إله غريه بالفعل‪.‬‬
‫([‪       )]14‬القدمي مشتق من ِ‬
‫الق َدِم‪ ،‬واملراد بالقدم يف اصطالح علماء هذا الفن‪،‬‬
‫هو عدم األولية‪ .‬وليس املراد به هو الوجود منذ أزمان ال بداية هلا‪ .‬وقد ورد هذا الوصف‬
‫يف حق اهلل تع اىل وص فاته فقد ق ال اإلم ام أبو داود رمحه اهلل تع اىل ح دثنا إمساعيل بن بشر‬
‫بن منص ور ثنا عبد ال رمحن بن مه دي عن عبد اهلل بن املب ارك عن حي وة بن ش ريح ق ال‪  ‬‬
‫لقيت عقبة بن مس لم فقلت له بلغين أنك ح دثت عن عبد اهلل بن عم رو بن الع اص عن‬
‫النيب ‪  ‬ص لى اهلل عليه وس لم‪   ‬أنه ك ان إذا دخل املس جد ق ال أع وذ باهلل العظيم وبوجهه‬
‫الك رمي وس لطانه الق دمي من الش يطان ال رجيم ق ال أقط قلت نعم ق ال ف إذا ق ال ذلك ق ال‬
‫الش يطان حفظ مين س ائر الي وم‪ .‬وه ذا احلديث مجيع رواته ثق ات‪ .‬فهو ال ي نزل عن مرتبة‬
‫احلسن مطلقا‪ .‬وتأمل كيف وصف النيب صلى اهلل عليه وسلم السلطان الذي هو صفة هلل‬
‫تع اىل بكونه ق دميا‪ .‬فيج وز إذن أن يوصف اهلل تع اىل بكونه ق دميا‪ ،‬ألن وصف وص فه‬
‫وصف له جل شأنه‪.‬‬
‫وقد روى احلاكم ح ديثا فيه اسم الق دمي أيضا فق ال يف مس تدركه‪ :‬ح دثناه أبو حممد‬
‫عبد ال رمحن بن محدان اجلالب هبم دان ثنا األمري أبو اهليثم خالد بن أمحد ال ذهلي هبم دان‬
‫ثنا أبو أسد عبد اهلل بن حممد البلخي ثنا خالد بن خملد القطواين حدثناه حممد بن صاحل بن‬
‫هانئ وأبو بكر بن عبد اهلل قاال ثنا احلسن بن سفيان ثنا أمحد بن سفيان النسائي ثنا خالد‬
‫بن خملد ثنا عبد العزيز بن حصني بن الرتمجان ثنا أي وب الس ختياين وهش ام بن حس ان عن‬
‫حممد بن س ريين عن أيب هري رة عن الن يب‪   ‬ص لى اهلل عليه وس لم‪   ‬ق ال‪   ‬إن هلل تس عة‬
‫وتسعني امسا من أحصاها دخل اجلنة اهلل الرمحن الرحيم اآلله الرب امللك القدوس السالم‬
‫املؤمن املهيمن العزيز اجلبار املتكرب اخلالق الباريء املصور احلليم العليم السميع البصري احلي‬
‫القيوم الواسع اللطيف اخلبري احلنان املنان البديع الودود الغفور الشكور اجمليد املبديء املعيد‬
‫النور األول اآلخر الظاهر الباطن الغفار الوهاب القادر األحد الصمد الكايف الباقي الوكيل‬
‫اجمليد املغيث ال دائم املتع ال ذو اجلالل واالك رام املوىل النصري احلق املبني الب اعث اجمليب‬
‫احمليي املميت اجلميل الص ادق احلفيظ الكبري الق ريب ال رقيب الفت اح الت واب الق دمي ال وتر‬
‫الفاطر الرزاق العالم العلي العظيم الغين املليك املقتدر األكرم الرؤوف املدبر املالك القدير‬
‫اهلادي الش اكر الرفيع الش هيد الواحد ذو الط ول ذو املع ارج ذو الفضل اخلالق الكفيل‬
‫اجلليل الك رمي ه ذا ح ديث حمفوظ من ح ديث أي وب وهش ام عن حممد بن س ريين عن أيب‬
‫هريرة خمتصرا دون ذكر األسامي الزائدة فيها كلها يف القرآن وعبد العزيز بن احلصني بن‬
‫الرتمجان ثقة وإن مل خيرجاه وإمنا جعلته شاهدا للحديث األول‪.‬اهـ‬
‫وروى ابن ماجه أيضا ق ال‪ :‬ح دثنا هش ام بن عم ار ثنا عبد امللك بن حممد الص نعاين‬
‫ثنا أبو املنذر زهري بن حممد التميمي ثنا موسى بن عقبة حدثين عبد الرمحن األعرج عن أيب‬
‫هري رة أن رس ول اهلل‪   ‬ص لى اهلل عليه وس لم‪   ‬ق ال‪   ‬إن هلل تس عة وتس عني امسا مائة إال‬
‫واح دا إنه وتر حيب ال وتر من حفظها دخل اجلنة وهي اهلل الواحد الص مد األول اآلخر‬
‫الظاهر الباطن اخلالق البارئ املصور امللك احلق السالم املؤمن املهيمن العزيز اجلبار املتكرب‬
‫الرمحن الرحيم اللطيف اخلبري السميع البصري العليم العظيم البار املتعال اجلليل اجلميل احلي‬
‫القي وم الق ادر الق اهر العلي احلكيم الق ريب اجمليب الغين الوه اب ال ودود الش كور املاجد‬
‫الواجد ال وايل الراشد العفو الغف ور احلليم الك رمي الت واب ال رب اجمليد ال ويل الش هيد املبني‬
‫الربهان الرءوف الرحيم املبدي املعيد الباعث الوارث القوي الشديد الضار النافع الباقي‬
‫ال واقي اخلافض الرافع الق ابض الباسط املعز املذل املقسط ال رزاق ذو الق وة املتني الق ائم‬
‫الدائم احلافظ الوكيل الفاطر السامع املعطي احمليي املميت املانع اجلامع اهلادي الكايف األبد‬
‫العامل الصادق النور املنري التام القدمي الوتر األحد الصمد الذي مل يلد ومل يولد ومل يكن له‬
‫كف وا أحد ق ال زهري فبلغنا من غري واحد من أهل العلم أن أوهلا يفتح بق ول ال إله إال اهلل‬
‫وح ده ال ش ريك له له امللك وله احلمد بي ده اخلري وهو على كل ش يء ق دير ال إله إال اهلل‬
‫له األمساء احلسىن‪.‬اهـ‬
‫ومن ه ذا تع رف فس اد ما قاله ابن ب از يف تعليقاته على عب ارة الطح اوي ه ذه‪":‬ه ذا‬
‫اللفظ مل ي رد يف أمساء اهلل احلسىن كما نبه عليه الش ارح رمحه اهلل وغ ريه‪ ،‬وإمنا ذك ره كثري‬
‫من علماء الكالم ليثبتوا به وجوده قبل كل شيء‪ ،‬وأمساء اهلل توقيفية ال جيوز إثبات شيء‬
‫منها إال بالنص من الكتاب العزيز أو السنة الصحيحة‪ ،‬وال جيوز إثبات شيء منها بالرأي‬
‫كما نص على ذلك أئمة الس لف الص احل‪ .‬ولفظ الق دمي ال ي دل على املعىن ال ذي أراده‬
‫أص حاب الكالم ألنه يقصد به يف اللغة العربية املتق دم على غ ريه وإن ك ان مس بوقا بالع دم‬
‫كما يف قوله س بحانه(حىت ع اد ك العرجون الق دمي) وإمنا ي دل على املعىن احلق بالزي ادة اليت‬
‫ذكرها املؤلف وهي قوله ق دمي بال ابت داء‪ ،‬ولكن ال ينبغي ع ده يف أمساء اهلل احلسىن لعد‬
‫ثبوته من جهة النق ل‪ ،‬ويغين عنه امسه س بحانه األول كما ق ال عز وجل (هو األول‬
‫واآلخر)اآلية‪ .‬واهلل ويل التوفيق‪.‬اهـ‬
‫وهذا الكالم كما ترى فيه مغالطات‪ :‬األوىل‪:‬جزمه بعدم ورود القدمي يف النقل‪ ،‬وهو‬
‫وارد كما ذكرن اه‪.‬الثاني ة‪:‬ادع اؤه أن علم اء الكالم هم فقط من اس تعمل ه ذا اللف ظ‪ ،‬وهو‬
‫باطل ألن كث ريا من احملدثني اس تعمله أيض ا‪ ،‬بل اس تعمله أيضا ش يخ اجملس مة على اإلطالق‬
‫ابن تيمية الذي يعتقدون فيه العصمة أو يكاد‪.‬الثالثة‪ :‬أنه قال إن اسم القدمي يطلق على ما‬
‫س بق غ ريه وإن ك ان مس بوقا بالع دم‪ ،‬إال إنه ادعى أن ه ذا اللفظ ال ي دل على املعىن‬
‫الص حيح يف حق اهلل تع اىل إال بالزي ادة اليت أش ار إليه ا‪ ،‬مع أن أصل املعىن ال ذي ذك ره‬
‫ك اف يف الداللة على املراد‪ .‬على أنا ال نس لم أنه ال ي دل على إال بالزي ادة‪ ،‬ألنه ص ار‬
‫مشهورا عند أصحاب الفن أي علم التوحيد يف الداللة على عدم األولية‪ ،‬ال جمرد السبق‪،‬‬
‫كما ذكر‪.‬الرابعة‪ :‬ادعاؤه أن من استعمله فإنه جعله امسا من أمساء اهلل تعاىل احلسىن‪ ،‬وهذا‬
‫زعم باطل‪ ،‬فقد نصوا على أهنم ال يريدون بذلك أكثر من الوصف وذلك كما بينه اإلمام‬
‫العالمة الغزايل يف شرح أمساء اهلل احلسىن‪.‬‬
‫وهو مل يُ ِرد من هذا كله إال معارضة املتكلمني ولو بالباطل‪ ،‬وإال فلم مل يعرتض على‬
‫الطح اوي يف اس تعماله اسم ال دائم‪ ،‬مع أنه ي رد عليه على مذهبه عني ما ي رد على اسم‬
‫القدمي؟! ولكن ليس هو إال التعصب!‬
‫فيت بني لنا أن نفيه هلذا االس تعمال فيه مغالط ات وأخط اء عدي دة‪ ،‬وقد قلد ابن ب از يف‬
‫ابن أيب العز احلنفي يف ش رحه وه ذا تلقى ه ذه األغاليط عن ش يخهم األكرب ابن‬ ‫ذلك َ‬
‫تيمية‪ .‬فتنبه‪.‬‬
‫ومل يذكر السقاف يف شرحه يف هذا املوضع ما يشفي الغليل‪ ،‬بل اكتفى بإيراد كالم‬
‫لإلمام البيهقي يذكر يف أن األمة أمجعت على جواز إطالق لفظ القدمي على اهلل تعاىل‪ .‬ومل‬
‫يبني األصل الذي قام عليه هذا اإلمجاع عندهم‪.‬‬
‫([‪       )]15‬اسم ال دائم ورد يف بعض الرواي ات وس بق ذكره ا‪ ،‬وإن ك ان فيها‬
‫كالم‪ ،‬ولكن قد ثبت عند احملققني أن اس تعمال لفظ يف حق اهلل تع اىل ليس أم را عقائ ديا‬
‫خالص ا‪ ،‬بل هو أمر عملي‪ ،‬يكفي فيه دليل يعتمد يف جمال الظن‪ ،‬خصوصا إذا عض ده‬
‫معن اه‪ ،‬أي إذا مل يكن يف معن اه إش ارة إىل نقص‪ ،‬بل ك ان داال على الكم ال‪ ،‬فإنه جيوز‬
‫اس تعماله يف حق اهلل تع اىل‪ .‬واس تعماله إن مل يكن على س بيل التس مية فإنه يك ون على‬
‫سبيل الوصف‪ ،‬وعلى هذا ينبغي أن يكون جائزا‪ ،‬وهو ما اختاره حجة اإلسالم الغزايل‪،‬‬
‫وإن مل يرد هذا التفصيل عن اإلمام األشعري‪ ،‬فهذا ال يضر‪.‬‬
‫واملقصود بالدوام هنا ليس الدوام بزمان‪ ،‬بل بال زمان‪ ،‬ألن الزمان هو التغري‪ ،‬والتغري‬
‫مس تحيل على اهلل تع اىل‪ ،‬وك ذلك ِ‬
‫الق َد ُم فليس املراد به الق دم الزم اين بل املراد به هو نفي‬
‫األولية‪ ،‬فهو معىن سليب أي يسلب وينفي عن اهلل تعاىل ما ال يليق به‪ ،‬وأما القول بأن معىن‬
‫الق دم هو أن اهلل تع اىل ك ان موج ودا منذ زم ان أزيل فال يق ول به عاق ل‪ ،‬وقد ق ال هبذا‬
‫تصرحيا ابن تيمية اجملسم‪ ،‬واتبعته طائفته من اجملسمة الذين ال عون ما يقولون‪ .‬وأهل السنة‬
‫على خالف ذلك الضالل‪ ،‬بل على خالفه أيضا سائر فرق اإلسالم إال اجملسمة‪.‬‬
‫وهلذا املعىن ت رى اإلم ام أبا جعفر الطح اوي قد وضح ال دوام بقوله بال انته اء‪ ،‬ألن‬
‫ال دوام ال ذي يك ون بالزم ان ال بد أن تنتهي فيه آن ات زمانية متوالي ة‪ ،‬وأما دوام اهلل تع اىل‬
‫فال انتهاء فيه‪ .‬وكذلك قال يف القدم أنه بال ابتداء‪ ،‬ألن القدم الزماين ال بد أن تبتدئ فيه‬
‫آنات زمانية متوالية‪ ،‬وأما قدم اهلل تعاىل فال ابتداء فيه مطلقا‪.‬‬
‫وهذا املعىن مل ينبه إليه أحد من شراح الطحاوية‪ ،‬بل اكتفوا بسياق املعاين املشهورة‬
‫على ألس نة العلم اء‪ .‬حىت من ادعى أنه س وف جيدد يف ه ذا العلم أقصد الس قاف فإنه مل‬
‫الق َدم؟! علما أنه عاب على املتأخرين‬ ‫يتبادر هذا املعىن إىل ذهنه قط‪ .‬ال يف الدوام وال يف ِ‬
‫أهنم ال يعملون عقوهلم يف تأليفاهتم العقائدية بل يكتفون بإيراد كالم مما قاله الشراح قبلهم‬
‫مقلدين هلم‪ ،‬والذي رأيته أن السقاف وقع يف شر مما اعرتضه على هؤالء‪.‬‬
‫([‪       )]16‬إذا ثبت أن اهلل تعاىل قدمي باملعىن الذي وضحناه‪ ،‬وأنه دائم كذلك‪،‬‬
‫فإنه يل زم من ذلك أنه ال يفىن وال يبي د‪ ،‬فه ذا احلكم الزم لزوما ض روريا على ما س بق‪.‬‬
‫وذلك ألن الق دم الزم اين‪-‬على التس ليم بوج وده وهو غري موج ود‪ -‬عالمة اإلمك ان‪،‬‬
‫وكذلك الدوام الزماين‪ ،‬واملمكن ال بد أن يكون فيه إمكانية الفناء‪ ،‬فاملمكن ال يقال فيه‬
‫مطلقا أنه ال يبيد‪ ،‬بل إنه يفىن ويبيد‪ ،‬ولكنه إذا بقي فإمنا يبقى بإبقاء غريه له‪.‬‬
‫([‪       )]17‬يك ون هنا مبعىن يوج د‪ ،‬ألهنا "ك ان" التامة اليت معناها الوج ود‬
‫"و ِج َد زي ٌد"‪ ،‬فقوله ال يكون إال ما يريد‪ ،‬معناه‬ ‫واحلصول‪ ،‬فإذا قلنا "كان زيد"‪ ،‬فمعناه ُ‬
‫"ال يوجد إال ما يري د"‪ ،‬وه ذا نص ص ريح يف أن اإلرادة جيب أن تتعلق تعلقا تنجيزيا بكل‬
‫ما هو موجود‪ ،‬وال يكفي إمكان التعلق‪ ،‬كما يزعمه املعتزلة‪ ،‬وكما يُ ْف َهم من كالم بعض‬
‫اجملسمة‪ .‬وهذا املعىن الذي يقرره اإلمام الطحاوي هو عني ما يقرره األشاعرة أهل السنة‬
‫من أنه ال ميكن أن يوجد موج ود إال ب إرادة اهلل تع اىل‪ ،‬ف إرادة اهلل تع اىل متعلقة ب األمور‬
‫تعلقا صلوحيا قدميا وتنجيزيا حادثا‪ .‬وال جيوز أن يقال إن معىن أن اهلل مريد لكل شيء أنه‬
‫يس مح ب ه‪ ،‬أي أنه لو أراد ع دم وج وده ملا وج د‪ ،‬ألنه ي ؤول إىل أن إرادته تع اىل س لبية‪،‬‬
‫مبعىن أن بعض ما مل ي رده اهلل قد يوجد ب إرادة غ ريه‪ ،‬وهو ق ول املعتزل ة‪ ،‬وهو ق ول باط ل‪،‬‬
‫وخمالف لقول الطحاوي كما تراه‪ ،‬ألن الطحاوي حصر الكون يف اإلرادة‪ .‬ومعىن هذا أن‬
‫كل موجود مراد هلل‪ ،‬فال يوجد شيء بغري إرادة اهلل تعاىل‪ ،‬كما يقوله املعتزلة بوجود أمور‬
‫بإرادة العبد ال بإرادة اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وه ذه النكتة مل يتنبه إليها أحد من ش راح الطح اوي‪ ،‬ال اجملس مة وال أهل الس نة من‬
‫األشاعرة وال من ادعى التجديد منهم؟!‬
‫وهذا املعىن الذي وضحناه هنا هو مراد السلف يف قوهلم ما شاء اهلل كان وما شاء مل‬
‫يكن‪ ،‬أو ما مل يشأ مل يكن‪ .‬فإنه تعاىل إذا مل يشأ كونه فإنه يكون قد شاء عدمه‪.‬‬
‫فتحص ل من ه ذا التحقيق وج ود املوافقة التامة بني كالم األش اعرة وكالم الس لف‬ ‫َّ‬
‫وكالم اإلمام الطحاوي رمحه اهلل تعاىل‪ .‬واهلل املوفق‪.‬‬
‫تتميم‪ :‬اإلرادة الشرعية واإلرادة الكونية‬
‫اإلرادة يف نفس األمر هي ص فة ختصص املمكن ببعض ما جيوز علي ه‪ ،‬فما ج از‬
‫وجوده على أكثر من صورة‪ ،‬فإن اهلل رمبا يشاء إجياده على صورة معينة من هذه الصور‪،‬‬
‫وحينئذ فاإلرادة هي اليت ختص املمكن هبذه الصورة دون تلك‪ ،‬مث القدرة بعد ذلك توجده‬
‫على الصورة اليت عينتها اإلرادة‪.‬‬
‫هذا هو األصل يف اإلرادة‪ ،‬أن تكون تكوينية‪ ،‬وإذا كانت اإلرادة تكوينية‪ ،‬فما تتعلق‬
‫به ال ميكن إال أن يقع‪ ،‬وال ميكن أن يتخلف مبعىن أن ال يقع‪.‬‬
‫فإذا كان األمر كذلك‪ ،‬فهل ميكن أن يقال بعد ذلك أن بعض ما تتعلق به اإلرادة قد‬
‫ال يق ع؟ إذا س لمنا مبا مض ى‪ ،‬فال يصح أن يق ول ذلك قائ ل‪ ،‬ومن يقول ه‪ ،‬فإنه يف احلاصل‬
‫يقسم اإلرادة إىل ن وعني‪ ،‬ومعىن ذلك أنه جيعل الص فة ص فتني‪ ،‬وه ذا باط ل‪ .‬ويل زم أن‬
‫جيعاللص فة ص فتني ألنه إذا ك انت الص فة واح دة ف إن تعلقها ال يك ون إال على ص ورة‬
‫واح دة‪ ،‬ولكن قوله إن بعض التعلق ات تقع وبعض ها ال يق ع‪ ،‬يعين أن تعلقاهتا ليست على‬
‫ص ورة واح دة‪ ،‬واختالف التعلق ات ال يك ون إالب اختالف املتعلِّ ِق‪ ،‬أي اختالف الص فة‬
‫نفس ها‪ ،‬أي تع ددها يف ذاهتا‪ ،‬ومعل وم أن الص فات عند أهل الس نة واح دة ال تتع دد يف‬
‫الذات‪ ،‬فكما أن الذات ال تتعدد فكذلك الصفات ال تتعدد‪ .‬إذن يكون قول هذا القائل‬
‫باطال وال يستقيم مع قول أهل السنة‪.‬‬
‫ولكن إذا قال القائل إنين ال أعدد الصفة يف ذاهتا‪ ،‬بل أقول أن لفظ اإلرادة يطلق على‬
‫معنيني‪ ،‬فيكون يف احلقيقة صفتان ال صفة واحدة‪ .‬أقول‪ :‬هذا الكالم ال يرد عليه شيء‪،‬‬
‫ولكنه يستلزم إثبات صفة زائدة على اإلرادة‪ ،‬ومعلوم أن إثبات الصفات ال جيوز أن يقوم‬
‫على أم ور حمتمل ة‪ ،‬بل ال يق وم إال على أص ول ثابت ة‪ .‬وبالت ايل فإننا نس أل ه ذا القائ ل‪ :‬هل‬
‫ثبت ل ديك على القطع أن لفظ اإلرادة يص دق على ص فتني اثن تني ال على ص فة واح دة‬
‫فق ط‪ .‬ف إن ق ال نعم فإننا نطالبه باإلتي ان ب إيراد دليل نقلي ث ابت يف نفسه وث ابت يف داللته‬
‫على ما يري د‪ .‬وال نسلم له مبا يريد إال بعد إثب ات أن لفظ اإلرادة يف مورده الذي حيض ره‬
‫ال ميكن أن يدل على نفس معىن اإلرادة األصلي وهو معىن التخصيص والتكوين الذي ال‬
‫حيتمل التخل ف‪ .‬أي إنه إذا ثبت من النص أن املعىن املراد بلفظ اإلرادة ي دل قطعا على‬
‫ص فة تتعلق بش يء وميكن ختلفه ما تتعلق هي ب ه‪ ،‬فإننا نس لم له مبا يق ول‪ ،‬وه ذا يف نفس‬
‫ال وقت ال يض رينا ألننا ال مننع تع دد الص فات‪ ،‬بل نق ول هبا‪ ،‬ولكن ال نثبت ص فة على‬
‫االستقالل إال بدليل ثابت ال يتزعزع‪.‬‬
‫فاحلاصل أنه مط الب ب أمور‪ ،‬األول‪ :‬أن ينص على أن اإلرادة يف ذاهتا ال تتك ثر‬
‫متعلقاهتا‪ ،‬مبعىن أن ما يريده اهلل ال ميكن أن يتخلف‪ .‬الثاين‪ :‬أن يكون هذا النص املدعى ال‬
‫ميكن أن ي راد به نفس املعىن األص لي من اإلرادة‪ ،‬أي ال حيتمل محله إال على معىن ث ان‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن ال يرتتب على إثباته هلذه الصفة الثانية املدعاة أمور باطلة‪.‬‬
‫فإذا صح ذلك فيمكن أن يسلم مبا يقول‪ ،‬وإال فإنه يرد‪.‬‬
‫هذه كانت مقدمة كلية‪ ،‬ومتهيدا ملناقشة بعض من ادعى أن اإلرادة تنقسم إىل قسمني‬
‫وتتنوع إىل نوعني‪ ،‬أحدمها مساه باإلرادة الكونية‪ ،‬والثاين مساه باإلرادة الشرعية‪ .‬وسوف‬
‫ننقل لكم نص كالمهم ونباشر بتحليله بعد ذلك‪ ،‬وبيان ما فيه من مفاسد‪.‬‬
‫ق ال ابن أيب العز الت ابع املطيع البن تيمية وابن قيم اجلوزية يف ش رحه على الطحاوية‬
‫ص‪ ":116‬واحملقق ون من أهل الس نة يقول ون اإلرادة يف كت اب اهلل نوع ان‪،‬إرادة قدرية‬
‫كونية خلقية‪ ،‬وإرادة دينية أمرية شرعية‪ ،‬فاإلرادة الشرعية هي املتضمنة للمحبة والرضى‪،‬‬
‫والكونية هي املشيئة الشاملة جلميع املوجودات‪".‬اهـ‬
‫ه ذا هو ما ادع اه‪ ،‬ولو نظرنا يف كالمه لرأينا أنه ينص فيه على ما يلي‪ ،‬أوال‪ :‬اإلرادة‬
‫من حيث ما هي صفة هلل هلا نوعان ويدعي أن ذلك مذكور يف القرآن‪ .‬ثانيا‪:‬النوع األول‬
‫إرادة قدرية كونية خلقي ة‪ ،‬أي إرادة هي عينها الق دري والك ون واخلل ق‪ ،‬أو هبا يتم ذل ك‪.‬‬
‫والث اين إرادة هي عينها األمر والش رع وال دين‪ ،‬أو هبا يتم ذل ك‪ .‬ثالث ا‪:‬اإلرادة الش رعية‬
‫تتضمن احملبة والرضى‪.‬‬
‫وهذا الكالم فيه مفاسد عديدة‪.‬‬
‫أوال‪:‬قوله إن اإلرادة نوعان‪ ،‬يلزم على ذلك أن اإلرادة مركبة من أمرين‪ ،‬أو إن هذين‬
‫الن وعني الل ذان مها ص فتان هلل تع اىل مركب ان‪ ،‬وذلك ألهنما أن واع حتت جنس وما ك ان‬
‫ك ذلك فهو م ركب قطع ا‪.‬ومعل وم أن ال رتكيب ال جيوز على اهلل تع اىل وال على ص فاته‪،‬‬
‫كما عليه إمجاع أهل الس نة‪ ،‬إذن ه ذا الكالم ال ذي تف وهم به ابن أيب العز خمالف لكالم‬
‫أهل السنة‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬إذا كان قصده بالثانية أن الدين يتم هبا‪ ،‬فال وجه للتفريق بينها وبني األوىل‪ ،‬فإن‬
‫حاصل ذلك أن الدين الذي هو الكالم املنزل على األنبياء واملشتمل على األوامر والنواهي‬
‫والتش ريعات‪ ،‬مك ون ب اإلرادة‪ .‬ف إذن املعىن راجع إىل ال ذي مساه ب النوع األول من اإلرادة‬
‫وهي التكويني ة‪ ،‬فال وجه للتفرقة بينهم ا‪ .‬وإذا ك ان قص ده أن الن وع الث اين من اإلرادة هو‬
‫عني ال دين فه ذا باطل بداه ة‪ .‬فال دين ليس هو ص فة قائمة باهلل بل هو من ل وازم بعض‬
‫صفاته‪ .‬وال يوجد احتمال آخر‪ .‬إذن فكالمه باطل على كل التقادير‪.‬‬
‫ثالث ا‪:‬ال ذي ي دل على أنه أراد ال رتكيب‪ ،‬أي أنه يريد ب أن اإلرادة عب ارة عن معىن‬
‫م ركب‪ ،‬أو على األقل الن وع الث اين منها عب ارة عن معىن م ركب‪ ،‬هو قوله ب أن اإلرادة‬
‫الش رعية تتض من احملبة والرض ة‪ ،‬ومعل وم أن التض من معن اه هو اش تمال الش يء على غ ريه‬
‫اش تمال الكل على اجلزء‪ ،‬وه ذا هو عني ال رتكيب‪ .‬وإذا أراد بالتض من معىن الل زوم‪ ،‬فهو‬
‫زيادة على كونه استعماال غلطا للكلمات خصوصا بعد استقرار املصطلحات‪ ،‬فإنه يستلزم‬
‫أيضا ال رتكيب لإلرادة‪ ،‬أو ك ون أحد نوعيها مركب ا‪ ،‬ألنه ق ال ب أن احملبة الزمة عن املعىن‬
‫الن وع الث اين هلا وليست الزمة على املعىن األول هلا‪ ،‬وه ذا يس تلزم ك ون الن وع األول غري‬
‫املعىن الث اين‪ ،‬ومبا أهنما نوع ان عن ده‪ ،‬فبينهما أمر مش رتك‪ ،‬والختالف الل وازم بينهم ا‪،‬‬
‫فيجب وجود أمر زائد يف أحدمها‪-‬على األقل‪ -‬على الثاين‪ ،‬وهذا يستلزم كونه مركبا‪.‬‬
‫هذه هي بعض املفاسد اليت تلزم قوله‪.‬‬
‫ولكن ال بد أن نوضح هنا‪ ،‬أن هذا الشارح تابع ويف البن تيمية وسائر على مذهبه‪،‬‬
‫ومعلوم أن ابن تيمية جمسم قائل برتكيب ذات اهلل تعاىل وبرتكب صفاته‪ .‬وهلذا فإن كالم‬
‫هذا الرجل موافق ملذهبه‪ .‬ولكنه خمالف ملذهب أهل السنة‪ ،‬وباطل يف نفس األمر‪.‬‬
‫إذا كان كالم هذا الرجل وأصحابه خمالف ألهل السنة وخمالف للحق‪ ،‬فما هو األمر‬
‫الذي دفعه للقول به؟! لكي نعرف ذلك ال بد أن نكمل قراءتنا لكالمه يف شرحه!؟ على‬
‫الطحاوية‪ ،‬فقد قال ص‪":116‬وأما اإلرادة الشرعية األمرية‪ ،‬فكقوله تعاىل(يريد اهلل بكم‪ ‬‬
‫اليسر وال يريد بكم العسر)البقرة‪ ،185‬وقوله تعاىل(يريد ليبني لكم ويهديكم سنن الذين‬
‫من قبلكم ويتوب عليكم واهلل عليم حكيم)النساء ‪( ،26‬واهلل يريد أن يتوب عليكم ويريد‬
‫وخل َق اإلنس ان‬
‫ال ذين يتبع ون الش هوات أن متيل وا ميال عظيم ا‪.‬يريد اهلل أن خيفف عنكم ُ‬
‫ض عيفا)النس اء ‪ ،27،28‬وقوله تع اىل(ما يريد اهلل ليجعل عليكم من ح رج ولكن يريد‬
‫ليطه ركم وليتم نعمته عليكم)املائ دة ‪،6‬وقوله تع اىل(إمنا يريد اهلل لي ذهب عنكم ال رجس‬
‫أهل ال بيت ويطه ركم تطه ريا)األح زاب ‪".33‬اهـ كالمه ال ذي ذكر فيه اآلي ات اليت فهم‬
‫منها ! ما قال سابقا‪.‬‬
‫وحنن س وف نن اقش اس تدالله باآلي ات الس ابقة ل نرى هل فعال ت دل على ما يريد هو‬
‫من إثبات إرادتني أو نوعني من اإلرادة؟!‬
‫وقبل أن ن بني بعض وج وه ال رد على مزاعمه ومن تبع ه‪ ،‬ال بد أن نق ول ب أن كلمة‬
‫اإلرادة قد وردت يف الق رآن الك رمي أك ثر من مئة وأربعني م رة‪ ،‬واملواضع الوحي دة اليت‬
‫اس تنبط منها من ق ال هبذا ال رأي الف رق بني ه ذين النوعني املزع ومني من اإلرادة هي ه ذه‬
‫اآليات السابقة‪ ،‬ومعىن هذا أن أكثر آيات القرآن ال تدل على ما يريدون‪ ،‬بل ال تدل إال‬
‫على اإلرادة اليت من شأهنا التخصيص وهي ما ميكن أن تدعى باإلرادة التكوينية على معىن‬
‫أهنا ش رط التك وين‪ ،‬ال أهنا هي اليت يتم هبا التك وين‪ ،‬كما وض حناه س ابقا‪ .‬وجمرد ه ذا‬
‫يكفي ملن يدعي التفريق ليعيد النظر يف مزاعمه بوجود نوعني من اإلرادة!‬
‫وحنن بالتايل لكي نبني فساد قوله‪ ،‬فإننا سوف نشري إىل املعىن الصحيح لآليات وأهنا‬
‫ال ينبغي أن حتمل على ما ذك روه من اإلرادة اليت حتمل معىن الرضى واليت يف نفس ال وقت‬
‫صفة من صفات اهلل تعاىل‪ ،‬وغري اإلرادة املتفق على إثباهتا‪.‬‬
‫إذا ك ان ك ذلك‪ ،‬ف اعلم أن اآلي ات اليت أوردوها يف مع رض التفريق بني الن وعني ال‬
‫يفهم منها ما ادعوه‬
‫أوال‪:‬قوله تع اىل(يريد اهلل بكم اليس ر‪ ،‬وال يريد بكم العس ر) املقص ود من اليسر‬
‫والعس ر‪ ،‬أي التك اليف اليت هي يس رية‪ ،‬فالتك اليف‪-‬أي األوامر والن واهي‪ -‬اليت كلفنا هبا‬
‫اهلل تعاىل يف الشريعة هي يسر‪ ،‬وليست بعسرية‪ .‬فإنشاء هذه األوامر اليسرية هو ما أرادة‬
‫اهلل تعاىل‪ .‬ومعلوم أن هذا اإلنشان من نوع التكوين‪ ،‬أي ختصيص املمكن ببعض ما جيوز‬
‫علي ه‪ ،‬وال ي دل على وج ود ص فة أخ رى امسها الرضى واحملب ة‪ ،‬خصوصا أنه ال يوجد يف‬
‫اآلية إال التصريح باإلرادة‪ ،‬واملعلوم من اإلرادة هو النوع األول ال الثاين‪ ،‬وما دام قد جاز‬
‫أن حتمل اآلية على املعىن األول‪ ،‬فال موجب على افرتاض وجود معىن آخر لإلرادة‪.‬‬
‫ولكن الذي بعث هؤالء على ادعاء وجود معىن آخر لإلرادة هو عدم فهمهم ملدلول‬
‫اآلية‪ ،‬فإن اهلل تعاىل قال يريد بكم اليسر‪ ،‬فاملراد هو اليسر‪ ،‬باملعىن الذي ذكرناه وهو ما‬
‫ي دل عليه س ياق اآلي ات‪ ،‬وه ذا اليسر أراده اهلل مالبسا لنا فالب اء ألدىن مالبس ة‪ ،‬وه ذا‬
‫حاصل جبعله تش ريعا لنا ال لغرين ا‪ .‬ومعل وم أن كل ه ذه املع اين داخلة حتت التك وين‬
‫والتخصيص‪ .‬فال داعي الفرتاض وجود صفة إرادة ونوع إرادة آخر غريه‪.‬‬
‫ثاني ا‪ :‬قوله تع اىل(يريد اهلل لي بني لكم ويه ديكم س نن ال ذين من قبلكم ويت وب عليكم‬
‫واهلل عليم حكيم)‪ ،‬ه ذه اآلية تفسر نفس ها‪ ،‬والحظ األس لوب ال ذي أورد اهلل تع اىل اآلية‬
‫ب ه‪ ،‬فقد ق ال تع اىل(يريد لي بني لكم) ف املفعول حمذوف‪ ،‬وتق ديره يريد إنش اء التش ريع أو‬
‫التش ريع عينه لي بني لكم‪ ،‬فالتش ريع للبي ان‪ ،‬وه ذا حاصل بالفعل ب اإلرادة التكويني ة‪ .‬وال‬
‫يوجد مربر الفرتاض نوع إرادة آخر‪ ،‬امسه إرادة تشريعية‪ .‬فالالم يف قوله ليبني للعاقبة‪.‬‬
‫ثالث ا‪:‬قوله تع اىل(واهلل يريد أن يت وب عليكم ويريد ال ذين يتبع ون الش هوات أن متيل وا‬
‫ميال عظيما)‪ ،‬األصل يف كلمة تاب يف اللغة‪ :‬رجع‪ ،‬قال الفروزآبادي يف القاموس‪":‬تاب‬
‫إىل اهلل توبا ومتابا وتابةً وَتْت ِوبَةً‪:‬رجع عن املعصية‪ .‬وهو تائب وتواب‪.‬وتاب اهلل عليه‪:‬وفقه‬
‫للتوبة‪ ،‬أو رجع به من التشديد إىل التخفيف‪ ،‬أو رجع عليه بفضله وقبوله‪ ،‬وهو تواب عل‬
‫عب اده‪".‬اهـ ف أنت ت رى أن املعىن اللغ وي لت اب هو رج ع‪ ،‬وت اب على أي رجع على‪ ،‬فاهلل‬
‫يت وب على العب اد مبعىن يرجع عليهم بالفضل والتخفي ف‪ .‬واهلل يف اآلية الكرمية يريد أن‬
‫يت وب مبعىن يريد أن يرجع بالفضل والتخفيف على عب اده‪ ،‬وه ذا األمر حاصل بالفعل ال‬
‫يتخلف عن إرادته تعاىل‪ ،‬فال جيوز أن يقال إن هذا األمر قد ال حيصل‪ ،‬ألن فضل اهلل تعاىل‬
‫قد حصل بالفعل بإنزاله الشريعة واألحكام‪ ،‬فهذه هي أصل الفضل‪.‬‬
‫إذن فه ذه اآلية أيضا يفهم معناها بن اءا على املعىن األص لي لإلرادة‪ .‬فال داعي إذن‬
‫الفرتاض نوع آخر من اإلرادة‪.‬‬
‫وقد يقول قائل‪:‬إن املراد بتوبة اهلل عليهم هو قبوله توبتهم وإنعامه عليهم‪ ،‬ومعلوم أن‬
‫ه ذا ال يك ون جلميع الن اس بل لبعض هم‪ .‬ف اجلواب‪ :‬أن التوبة الص حيحة موجبة للقب ول‪.‬‬
‫فمهما حص لت التوبة من واحد وجب قب ول ه ذه التوب ة‪ .‬فال ختلف إذن‪ .‬وأيضا ف إن‬
‫املخ اطبني هم ليس الن اس مطلقا بل هم املتبعني للش ريعة ب دلل وق ابلتهم بال ذيت يتبع ون‬
‫الش هوات‪ ،‬فاملخ اطبون يف اآلية هم غري متبعني للش هوات‪ ،‬وه ؤالء ال بد أن يت وب اهلل‬
‫عليهم مبعىن يتفضل عليهم‪ ،‬وهذا ال يتخلف‪.‬‬
‫فاحلاصل إذن أن ه ذه اآلية أيضا ميكن فهمها ب دون احلاجة إىل اف رتاض ن وع جديد‬
‫لإلرادة‪ .‬وأيضا ف إن ه ذا الفهم موافق لس ياق اآلي ات‪ ،‬وموافق ملعىن اإلرادة ال وارد يف بقية‬
‫آيات القرآن‪.‬فادعاء نوع جديد هلا فيه خمالفة للقرآن من وجوه عديدة كما ترى‪.‬‬
‫وك ذلك قوله تع اىل يف آخر اآلية (يريد اهلل أن خيفف عنكم) ف التخفيف واقع بالفعل‬
‫بإنزاله تعاىل الشريعة‪ ،‬فلم يتخلف وال جيوز ختلفه عن إرادة اهلل‪.‬‬
‫رابع ا‪ :‬قوله تع اىل(ما يريد اهلل ليجعل عليكم من ح رج‪ ،‬ولكن يريد ليطه ركم وليتم‬
‫نعمته عليكم)‪ ،‬معناها أن اهلل ما يريد إنزال هذه التشاريع ليشق عليكم وجيعل احلرج واقعا‬
‫عليكم‪ ،‬بل إن إرادته هلذه التشريعات إمنا هو ليعقبها تطهريكم إن اتبعتموها‪.‬‬
‫فاملراد بالفعل هو إنزال التشريع‪ ،‬ال التطهري‪ ،‬بل التطهري هو غاية التشريع‪ ،‬وحصول‬
‫الغاية مرتتب على التزام الناس باألحكام‪.‬‬
‫إذن ال يوجد ختلف للمراد هنا أيضا وال جيوز محل هذه اإلرادة على نوع إرادة يصح‬
‫ختلفه مهما كان معناها‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬قوله تعاىل إمنا يريد اهلل ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهريا)‬
‫ه ذه اآلية من جنس اآلية الس ابقة‪ ،‬وما قيل يف تلك يق ال هن ا‪ .‬والحظ أن مفع ول اإلرادة‬
‫ليس هو إذهاب الرجس‪ ،‬بل هو بدليل اآليات السابقة‪،‬إنزال األحكام اخلاصة بأهل البيت‪.‬‬
‫فه ذه األحك ام تعلقت هبا إرادة اهلل تع اىل ليعقب متسك آل ال بيت هلا تطهري اهلل تع اىل هلم‬
‫من الرجس‪ .‬ومل تتعلق اإلرادة مباشرة بتحصيل التطهري‪ ،‬فال يصح ما يثوله الشيعة هنا من‬
‫عص مة آل ال بيت إذن‪ ،‬وال يصح أيضا ما ادع اه أتب اع ابن تيمية من ك ون اإلرادة تك ون‬
‫ن وعني‪ ،‬وأن اإلرادة املقص ودة هنا هي إرادة ش رعية تتض من الرض ا‪ ،‬وأن ما تعلقت به‬
‫اإلرادة قد يتخلف وال حيصل‪ .‬فهذا كله باطل ال أساس له كما ترى‪.‬‬
‫فأنت ترى إذن أن ما تعلق به هذا املدعي ال يقوم على أساس قوي‪ ،‬فال جيوز القول‬
‫مبا يق ول ب ه‪ ،‬من أن بعض متعلق ات اإلرادة قد ال حتص ل‪ .‬أو أن اإلرادة نوعان‪ .‬فهذا كله‬
‫كالم ال دليل عليه‪.‬‬
‫فال يبقى بعد هذا العرض السريع ألدلتهم إال رد قوهلم‪.‬‬
‫ويبقى ق ول أهل الس نة خالصا بينا واض حا‪ ،‬وهو أن ما تعلقت به اإلرادة فال بد أن‬
‫حيص ل‪ ،‬ويس تحيل أن يقع أمر ال تتعلق به اإلرادة‪ ،‬وأنه ال يوجد أن واع من اإلرادة‪ .‬بل‬
‫اإلرادة عب ارة عن ص فة غري مركب ة‪ ،‬كما وض حناه س ابقا‪ .‬ولو أردنا بي ان فس اد أق واهلم‬
‫بتفص يل لفعلن ا‪ ،‬ولكن املق ام ال يتسع هنا ولعلنا خنصص ل ذلك مبحثا خاص ا‪ ،‬ن بني فيه‬
‫اللوازم الباطلة اليت تلزم عن مثل هذا القول غري ما ذكرناه‪.‬‬
‫وانظر إىل ما ق ال عبد املنعم مص طفى حليم ة(ابو بص ري) يف ما مساه ب اإلرادة الش رعية‬
‫لتع رف بش اعة ق وهلم‪ ،‬وذلك يف تلخيصه لكالم ابن أيب العز احلنفي ولكهم يس تقون من‬
‫مش رب واح د‪ ،‬فقد ق ال يف حاش ية ص‪ 65‬تعليقا على قوله "وإرادة دينية أمرية‬
‫ش رعية" ‪":‬ه ذا الن وع من اإلرادة قضت حكمة اهلل تع اىل أن تتخلف أحيانا ولكن بإذنه‬
‫وعلمه وإرادته"اهـ‪ .‬فهذا القول بشع فكيف يقول بأن إرادة اهلل تعاىل تتخلف أي ال حتدث‬
‫أحيانا‪ ،‬وذلك بإرادته نفسه‪ .‬وكيف يتوافق ذلك مع قول أهل السنة قاطبة كما أشرنا لك‬
‫سابقا"ما شاء اهلل كان وما مل يشأ مل يكن" أي وما شاء عدم كونه مل يكن‪ .‬فقوهلم هذا‬
‫ينص على إرادة اهلل ال ميكن أن تتخل ف‪ ،‬وه ذا القائل هنا ي دعي أن إرادته ميكن أن‬
‫تتخلف؟! وهذا يثبت لك أن كالمهم خمالف لكالم أهل السنة‪ ،‬وخمالف لكالم الطحاوي‬
‫وإن تسرتوا خلف وضع شروح على عقيدته‪ ،‬ولكنهم يف احلقيقة خمالفون له يف أصول ويف‬
‫فروع‪ ،‬كما رأيت وكما سرتى‪.‬‬
‫وهذه التحقيقات اليت سردناها لك هنا‪ ،‬ال جتدها يف كتاب‪ ،‬وما ذلك إال بفضل اهلل‬
‫تعاىل وتوفيقه‪،‬فاحرص عليها‪.‬‬
‫([‪       )]18‬البلوغ كما قال العالمة األص فهاين يف مفردات الق رآن‪":‬االنتهاء إىل‬
‫أقصى املقصد واملنتهى مكانا ك ان أو زمانا أو أم را من األم ور املق درة‪ ،‬ورمبا يعرب به عن‬
‫املشارفة عليه وإن مل ينته إليه"اهـ ‪ ،‬فقول العالمة اإلمام الطحاوي بأن األوهام ال تبلغ اهللَ‬
‫تعاىل‪ ،‬معناه إذن إهنا ال تنتهي إليه‪ ،‬وال تشارف ذلك‪ .‬والوهم هو اخليال‪ ،‬وهو كما عرفه‬
‫العالمة الش ريف اجلرج اين‪" :‬هو ق وة جس مانية لإلنس ان حملها آخر التجويف األوسط من‬
‫ال دماغ‪ ،‬من ش أهنا إدراك املع اين اجلزئية املتعلقة باحملسوس ات كش جاعة زيد وس خاوته‪،‬‬
‫وه ذه الق وة هي اليت حتكم هبا الش اة أن ال ذئب مه روب عنه وأن الولد معط وف علي ه‪،‬‬
‫وه ذه الق وة حاكمة على الق وى اجلس مانية كلها مس تخدمة إياها اس تخدام العقل للق وى‬
‫العقلية بأسرها‪".‬اهـ‬
‫وق ال أيض ا‪":‬ال وهم هو إدراك املعىن اجلزئي املتعلق ب املعىن احملس وس‪ .‬وال ومهي املتخيل‬
‫هي الص ورة اليت خترتعها املتخيلة باس تعمال ال وهم إياه ا‪ ،‬كص ورة الن اب‪ ،‬أو املخلب يف‬
‫املنية املش بهة بالس بع‪ .‬والومهي ات هي قض ايا كاذبة حيكم هبا ال وهم يف أم ور غري حمسوسة‬
‫كاحلكم بأن ما وراء العامل فضاء ال يتناهى‪ ،‬والقياس املركب منها يسمة سفسطة‪".‬اهـ‬
‫وق ال العالمة الش ريف اجلرج اين أيضا يف تعريف اخلي ال‪":‬اخلي ال هو ق وة حتفظ ما‬
‫يدركه احلس املش رتك من ص ور احملسوس ات بعد غيبوبة املادة حبيث يش اهدها احلس‬
‫املش رتك كلما التفت إليه ا‪ ،‬فهو خزانة للحس املش رتك‪ ،‬وحمله م ؤخر البطن األول من‬
‫الدماغ‪".‬اهـ‬
‫فاخليال إذن هو مساعد للوهم‪ ،‬والوهم هو احلاكم باالستعانة باحلس‪ ،‬وكل منهما ال‬
‫ميكن أن يتص رف إال يف األم ور احملسوس ة‪ .‬وه ذا هو عني املعىن ال ذي أراده اإلم ام‬
‫الطحاوي من نفيه لبلوغ الوهم هلل تعاىل‪ ،‬أي إن الوهم ال ميكنه أن حيكم على اهلل تعاىل‪،‬‬
‫بنس بته ص ورة معينة إليه وال غري معين ة‪ ،‬ف إن نفي إدراك ال وهم له تع اىل مطل ق‪ .‬وه ذا كله‬
‫مبين على أن احلواس ال ت درك اهلل تع اىل‪ ،‬وه ذه قاع دة من قواعد أهل الس نة اليت يتم يزون‬
‫هبا عن أهل البدعة من اجملس مة‪ ،‬ومن وافقهم‪ .‬فاهلل تع اىل غري حمس وس بش يء من احلواس‬
‫الظ اهرة وال الباطن ة‪ ،‬وأما الرؤية فس وف نوضح لك املراد منها يف حمل ه‪ ،‬ولكن هنا نكتفي‬
‫بأن نقول إن الرؤية املتعلقة باهلل تعاىل ليس من قبيل اإلحساس باهلل تعاىل عند أهل السنة‪،‬‬
‫فه ذا ما جيب أن ت ؤمن ب ه‪ ،‬وال ي رتدد قلبك يف اجلزم ب ه‪ .‬فنفينا لك ون احلواس متعلقة باهلل‬
‫تع اىل ال يس تلزم إذن نفي رؤيتنا هلل تع اىل‪ ،‬ألن الرؤية املتعلقة باهلل تع اىل عند أهل احلق‬
‫ليست من قبيل احلواس‪ .‬فافهم‪.‬‬
‫واعلم أن اإلمام الطحاوي مل ينف تعلق الوهم باهلل تعاىل على سبيل اخلِطابة أو جمرد‬
‫الوع ظ‪ ،‬كما حيلو لبعض اجلهلة أن يعتق د‪ .‬بل إنه أش ار بنفي تعلق ال وهم باهلل تع اىل‪ ،‬إىل‬
‫قاع دة عظيمة مل أر من وضح أمهيتها الكب رية كما س نفعله هن ا‪ ،‬ه ذا مع أن علم اء أهل‬
‫السنة أمجعني قد نصوا على أن الوهم ال يتعلق باهلل تعاىل‪ .‬ولكن شراح العقيدة الطحاوية‬
‫مع معرفتهم وإدراكهم ملدى اخلالف الذي حصل حول هذا املنت يف أنه هل هو ماش على‬
‫قواعد أهل السنة أو على قواعد اجملسمة‪ ،‬مل يهتم أحد منهم بإبراز هذا األمر كما ذكرناه‪،‬‬
‫بل اكتف وا بتقرير ه ذه القاع دة على ما هو املش هور عند أهل الس نة وش رحوا كالم اإلم ام‬
‫الطح اوي هنا ش رحا إمجالي ا‪ ،‬واإلمجال ال يكفي كما تعلم يف حمل اإلش كال‪ .‬واحلق أن‬
‫ع دم إش ارهتم إىل ه ذه القاع دة ال يع ود إال إىل ع دم مع رفتهم احلقيقية بقواعد اجملس مة‪،‬‬
‫فأغلبهم اكتفى بالتشنيع على اجملسمة بذكر بعض املسائل املشهورة اليت خالف فيها هؤالء‬
‫أهل السنة‪ ،‬وذلك من دون أن حياولوا تأصيل وبيان قواعد هؤالء‪ ،‬ومتييزها عن قواعد أهل‬
‫الس نة‪ ،‬ومعل وم أن الواحد إذا بني أن االختالف حاصل بني أهل الس نة وبني أتب اع ابن‬
‫تيمية املتسرتين باتباع السلف كذبا منهم‪ ،‬هو اختالف واقع يف األصول دون الفروع‪ ،‬مث‬
‫بني أن اإلمام الطحاوي قد وافق أهل السنة من األشاعرة وغريهم يف هذه األصول‪ ،‬فإن‬
‫ه ذا يك ون هو األس لوب الق وي والن اجح يف دحر خططهم وإفس اد أق واهلم وفضح‬
‫عقائدهم‪ .‬وهذا ما سنبينه لك يف هذه التعليقات‪.‬‬
‫ذكر طائفة من أقوال أهل السنة يف نفي تعلق الوهم باهلل تعاىل‬
‫ي بن مس افر املت وىف يف س نة ‪557‬هـ‪ ،‬يف أوائل عقيدته املس ماة‬ ‫أوال‪ :‬ق ال الش يخ َع ِد ُّ‬
‫"اعتقاد أهل السنة واجلماعة"‬
‫تعم ق‪ ،‬وعلى‬‫ح رام على العق ول أن متثله وعلى الظن ون أن حتده‪ ،‬وعلى الض مائر أن ّ‬
‫النفوس أن تفكر‪ ،‬وعلى الفكر أن حييط‪ ،‬وعلى العقول أن تصور إال ما وصف به ذاته يف‬
‫كتابه أو على لسان نبيه صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فإن كل ما متثل يف الوهم فهو مقدره قطعا‬
‫وخالقه‪".‬اهـ‬
‫فكالمه صريح يف أن الوهم ال يتعلق باهلل تعاىل فال ميكن لإلنسان أن يتوهم ويتصور‬
‫خالقه‪.‬‬
‫وقال أيضا يف نفس عقيدته املشار إليهاص‪":15‬وال يتناهى يف وجوده على معىن نفي‬
‫األولي ه‪ ،‬ال جسم مص ور وال ج وهر مق در‪ ،‬معل وم الوج ود ب العقول واألفه ام‪ ،‬لكن ال‬
‫تتصوره األفكار‪ ،‬وال متثله األوهام‪".‬اهـ‬
‫ففي ه ذا الكالم أيضا تأكيد ص ريح آخر لنفي تعلق ال وهم باهلل تع اىل‪ ،‬مكا مضى‬
‫بيانه‪ .‬والشيخ عدي بن مسافر من أكابر املشايخ الذين شهد هلم القاصي والداين بالورع‬
‫والتقوى والعلم الكبري‪ ،‬وكان من أكابر املربني‪.‬‬
‫ثاني ا‪:‬وق ال ت اج اإلس الم أبو بكر حممد الكالب اذي املت وىف يف س نة ‪380‬هـ يف كت اب‬
‫التعرف ملذهب أهل التصوف‪ ،‬وهو من العلماء املعتمدين لدى مجاهري املسلمني مل يقدح‬
‫أحد يف إمامته ورعايته ألمور دينه‪ ،‬وحتققه يف العقائد‪ ،‬قال يف ص‪:35‬‬
‫"ال تنازعه اهلمم وال ختالطه األفك ار‪ .‬ليس لذاته وال لفعله تكلي ف‪ ،‬وأمجع وا على أنه‬
‫ال تدركه العي ون‪ ،‬وال هتجم عليه الظن ون‪ ،‬وال تتغري ص فاته‪ ،‬وال تتب دل أمساؤه‪ ،‬مل ي زل‬
‫كذلك وال يزال كذلك‪".‬اهـ‬
‫يقصد بالرؤية ب العيون أي أن ي رى يف جه ة‪ ،‬فه ذا ممن وع مس تحيل الس تحالة كونه‬
‫تع اىل يف جه ة‪ .‬وعرب عن ذلك بعض العلم اء باس تحالة أن متاقله األجف ان أو العي ون‪،‬‬
‫ويري دون هبا نفس املعىن من نفي حص ول رؤيته يف جه ة‪ ،‬وال يري دون ب ذلك نفي أصل‬
‫الرؤي ة‪ .‬وقد ادعى ابن تيمية ف وق ذلك أن اإلمجاع وقع على رؤية اهلل تع اىل يف جه ة‪،‬‬
‫فانظر مدى بعد رأيه وفساد قرحيته‪.‬‬
‫وتأمل كيف يص رح الكالب اذي هنا ب أن الظن ون ال هتجم علي ه‪ ،‬وال ختالطه األفك ار‪.‬‬
‫فهو نفس ما نريد إثباته‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬وقال اإلمام أبو القاسم القشريي يف مقدمة رسالته‪-‬ممزوج بشرح شيخ اإلسالم‬
‫زكريا األنصاري‪ -‬ص(‪-:)1/26‬‬
‫"(وال مك ان ميس كه وال زم ان يدرك ه) فهو مس تغن عن عرشه ومت نزه عن املك ان‬
‫والزمان (وال فهم يقدره وال وهم يصوره) فهو متنزه عن اجلوهر والعرض‪(،‬تع اىل عن أن‬
‫يقال كيف هو أو أين) هو منزه عن اجلسمية واملكان‪)".‬اهـ‬
‫وعلق العالمة العروسي يف حاش يته فق ال‪)":‬قوله وال فهم يق دره) أي لقص ور العق ول‬
‫الكاملة فضال عن غريها عن اإلحاطة به تع اىل‪ ،‬ومثل ذل ك(قوله وال وهم يص وره)‬
‫وإيض احه أن التص وير إمنا ميكن يف حق من له ص ورة وكيفي ه‪ ،‬واهلل تع اىل م نزه عن‬
‫ذلك‪".‬اهـ‬
‫رابع ا‪:‬ق ال اإلم ام أبو القاسم القش ريي يف رس الته مع ش رح ش يخ اإلس الم زكري اء(‬
‫‪(":)1/45‬أخربنا الش يخ أبو عبد ال رمحن الس لمي رمحه اهلل ق ال‪:‬مسعت حممد بن حممد بن‬
‫غ الب ق ال‪:‬مسعت أبا نصر أمحد بن س عيد االس َفنجاين) بفتح الف اء وب النون(يق ول ق ال‬
‫احلسني بن منص ور) احلالج خماطبا خط اب الع ام(أل زم الكل احلدث)أي احكم بل زوم‬
‫حدوث مجيع اخللق(ألن القدم)ثابت (له) تعاىل خاصة ملا مر(فالذي باجلسم ظهوره) أي‬
‫إدراك ه(ف العرض يلزم ه) الس تحالة خلو اجلسم واجلوهر عن الع رض (وال ذي ب األداة)أي‬
‫األس باب(اجتماعه فقواها ميس كه)أي لو فق دت تف رق‪ ،‬والب اء يف املوض عني ص لة ملا‬
‫بعدها(والذي يؤلفه وقت يفرقه وقت) أي والذي يتألف وقتا جيوز أن يفرتق وقتا(والذي‬
‫يقيمه غ ريه فالض رورة) أي افتق اره إىل غ ريه)متسه (وال ذي ال وهم)أي ال ذهن(يظفر ب ه)أي‬
‫يتخيله(فالتصوير يرتقي إليه)…اخل"اهـ‪.‬‬
‫فتأمل رمحك اهلل يف العبارة األخرية كيف ينفي احلالج بلوغ الوهم واخليال هلل تعاىل‬
‫عن ذلك نفيه صرحيا ال تردد فيه‪.‬‬
‫خامسا‪:‬قال الشيخ اإلمام أبو القاسم القشريي يف رسالته ممزوجة بشرح شيخ اإلسالم‬
‫زكرياء(‪":)1/55‬وأخربنا الشيخ أبو عبدالرمحن السلمي رمحه اهلل قال مسعت عبد الواحد‬
‫بن بكر يق ول مسعت هالل بن أمحد يق ول س ئل أبو علي الروذب اري عن التوحيد‬
‫والتوحيد)بالرفع ويف‬
‫ُ‬ ‫فقال‪:‬التوحيد استقامة القلب بإثبات مفارقة التعطيل وإنكار التشبيه‪.‬‬
‫نس خة فالتوحي د(يف كلم ة) وهي (كل ما ص وره األوه ام واألفك ار فاهلل س بحانه خبالفه‬
‫لقوله تعاىل[ليس كمثله شيء وهو السميع البصري)‪".‬اهـ‬
‫وهذه الكلمة اليت ذكرها الشيخ هنا مشهورة على ألسنة العوام‪ ،‬ال يستطيع إنكارها‬
‫إال جاهل أو جمسم‪ ،‬وقد أنكرها ابن تيمية يف بعض كتبه كما سيجيء‪.‬‬
‫سادس ا‪:‬ق ال أبو القاسم القش ريي يف رس الته (‪)1/57‬ممزوجا بش رح ش يخ اإلس الم‬
‫زكريا األنص اري‪:‬مسعت حممد بن احلسني الس لمي يق ول مسعت أبا احلسني الفارسي يق ول‬
‫مسعت إب راهيم بن فاتك يق ول مسعت اجلنيد يق ول‪:‬مىت يتصل من ال ش بيه له وال نظري له‬
‫مبن له ش بيه ونظ ري)حىت يق ال فالن وصل إىل اهلل‪ ،‬وي راد به الوص ول ب احلس والق رب‬
‫املعه ودين(هيه ات) أي بعد ذل ك(ه ذا ظن عجيب إال)أي لكن االتص ال به إمنا هو (مبا‬
‫لطف اللطيف) أي بلطفه (من حيث ال درك وال وهم وال إحاطة إال إشارة اليقني وحتقيق‬
‫اإلميان‪ ،‬أي باإلش ارة إىل ذلك يعين بكم ال اليقني ومعرفة اهلل تع اىل ودوام ال ذكر وقلة‬
‫الغفلة‪".‬اهـ‬
‫فتأمل رمحك اهلل تع اىل لطف ه ذا الكالم الص ادر من رئيس ه ذه الطائفة اجلنيد ال ذي‬
‫ال مين أن يق دح ق ادح يف عظم مقامه يف التوحيد واإلميان‪ .‬وأهل الس نة تبع له يف ه ذا‬
‫الطريق‪.‬‬
‫س ابعا‪ :‬ق ال أبو القاسم القش ريي يف رس الته (‪ )1/57‬ممزوجا بش رح العالمة ش يخ‬
‫اإلس الم زكريا األنص اري‪":‬وأخربنا حممد بن احلسني ق ال مسعت أبا بكر ال رازي يق ول‬
‫مسعت أبا علي الروذباري يقول ‪:‬كل ما تومهه متوهم)أي ختيله (باجلهل أنه) تعاىل (كذلك‬
‫فالعقل يدل على أنه خبالفه) إذ املتوهم اجلاهل إمنا يتوهم األجسام‪".‬اهـ‬
‫وهذا يعين أن الوهم هو اخليال كما وضحناه يف أول هذه التعليقة‪ ،‬وأن ذلك كله ال‬
‫يتعلق باهلل تعاىل‪ .‬وهذه عبارة حقيقة بأن تتخذ قاعدة‪.‬‬
‫ثامن ا‪ :‬ق ال األس تاذ أبو القاسم القش ريي يف رس الته أيضا يف عقيدته اليت مجعها من‬
‫أق وال الق وم واليت ق ال يف ب دايتها (‪":)1/63‬ه ذه فص ول تش تمل على بي ان عقائ دهم يف‬
‫مس ائل التوحيد ذكرناها على وجه ال رتتيب‪ ،‬ق ال ش يوخ ه ذه الطريقة على ما ي دل عليه‬
‫متفرق ات كالمهم وجمموعاهتا ومص نفاهتما يف التوحي د‪ :‬إن احلق س بحانه وتع اىل موج ود‬
‫قدمي واحد حكيم قادر… حىت قال… وال يتصور يف األوهام وال يتقدر يف العقول) ألن‬
‫ذلك من خ واص األجس ام حيصل هلا بواس طة الكمي ات والكيفي ات وإحاطة احلدود‬
‫والنهايات‪".‬اهـ‬
‫وه ذا الكالم واضح ال حيت اج إىل ش رح خاصة بعد كالم ش يخ اإلس الم زكريا‬
‫األنصاري رمحة اهلل عليه‪.‬‬
‫تاسعا‪ :‬قال اإلمام البيهقي يف شعب اإلميان (‪ ":)1/112‬وقد ذكر احلليمي رمحه اهلل‬
‫تع اىل يف إثب ات ح دث الع امل وما ي دل على أن له ص انعا وم دبرا‪ ،‬ال ش به له من خلق ه‪،‬‬
‫فص وال حس انا‪ ،‬ال ميكن ح ذف ش يء منه ا‪ ،‬فرتكتها على حاهلا‪ ،‬ونقلت ها هنا من كالم‬
‫غريه ما ال بد منه يف هذا الباب‪ ".‬مث قال رمحه اهلل تعاىل‬
‫"حقيقة املعرفة أن تعرفه موجودا قدميا‪ .‬مل يزل وال يفىن أحدا صمدا شيئا واحدا ال‬
‫ص َّو ُر يف الوهم‪ ،‬وال يتبعض‪ ،‬وال يتجزأ…اخل"‪.‬اهـ‬ ‫يُتَ َ‬
‫مث قال يف (‪:)1/138‬‬
‫"فإن قال قائل‪ :‬وما الدليل على أنه ال يشبه املصنوعات وال يتصور يف الوهم؟‬
‫قي ل‪ :‬ألنه لو أش بهها جلاز عليه مجيع ما جيوز على املص نوعات من مسات النقص‬
‫وأم ارات احلدث‪ ،‬واحلاجة إىل حمدث غ ريه‪ .‬وذلك يقتضي نفي ه‪ ،‬ف وجب أنه كما وصف‬
‫نفس ه‪)  ‬ليس كمثله ش يء وهو الس ميع البص ري) وألنا جند كل ص نعة فيما بيننا ال تش به‬
‫صانعها كالكتابة ال تشبه الكاتب والبناء ال يشبه الباين‪ ،‬فدل ما ظهر لنا من ذلك على ما‬
‫غاي عنا‪ .‬وعلمنا أن صنعة الباري ال تشبهه‪".‬اهـ‬
‫وروى احلافظ ال بيهقي يف كتابه ش عب اإلميان أيضا (‪ )1/136‬ق ال‪":‬أخربنا أبو‬
‫عبداهلل احلاف ظ‪ ،‬أنبا علي بن حممد املروزي‪ ،‬ثنا حممد مب إب راهيم ال رازي‪ ،‬ثنا حيىي بن مع اذ‬
‫ق ال‪":‬مجلة التوحيد يف كلمة واح دة‪ ،‬وهي أن ال تتص ور يف ومهك ش يئا إىل واعتق دت أن‬
‫اهلل عز وجل هو مالكه من مجيع اجلهات‪".‬اهـ‬
‫ولو أردنا أن نتتبع كلم اهتم يف ه ذا املعىن الحتجنا إىل جمل دات إلي راد ما ق الوه يف‬
‫ذلك‪ ،‬ولكن ما أوردناه فيه الكفاية للعاقل بتوفيق اهلل تعاىل‪.‬‬
‫واحلاصل من ذلك كله أن القاع دة اليت اعتم دها أهل الس نة هي أن ال وهم ال يبلغ اهلل‬
‫تع اىل‪ ،‬مبعىن أننا ال نس تطيع أن نتص ور اهلل تع اىل خبيالن ا‪ ،‬ب أن نف رتض له ص ورة أو ش كال‬
‫معينا أو ليس معين ا‪ ،‬وذلك ألن اهلل تع اىل ليس له ش كل أصال وال ص ورة‪ ،‬فالش كل‬
‫والصورة ال يثبتان إال لألجسام واملركبات واهلل تعاىل ليس كذلك‪.‬‬
‫([‪       )]19‬ق ال األص فهاين يف املف ردات‪":‬وأدرك بلغ أقصى الش يء‪ ،‬وأدرك‬
‫الصبا‪ ،‬وذلك حني البلوغ‪".‬اهـ‬
‫الصيب‪:‬بلغ غاية ِّ‬
‫ُّ‬
‫َّر ُك حمركة اللحاق… واستدرك الشيء بالشيء‬ ‫وقال الفريوزآبادي يف القاموس‪":‬الد َ‬
‫حاول إدراكه به‪ .‬وأدرك الشيء‪ :‬بلغ وقته وانتهى‪ ،‬وفين‪".‬اهـ‬
‫فإدراك الشيء لغة معناه اللحوق به والوصول إليه واالنتهاء إليه‪.‬‬
‫([‪       )]20‬األفهام مجع فهم‪ .‬قال الفريوزآبادي يف القاموس‪":‬فهمه كفرح ْفهما‬
‫وحيرك وهي أفصح‪ ،‬وفَهامة ويكسر وفَهامية‪ :‬علمه‪ ،‬وعرفه بالقلب‪".‬اهـ‬
‫فالفهم هو العلم بالقلب إذن يف أصل اللغة‪.‬‬
‫وحاصل ق ول الطح اوي رمحه اهلل تع اىل "ال تدركه األفه ام" أي ال تعلمه القل وب‪،‬‬
‫والعلم ال حييط حبقيقة اهلل تعاىل ال ذاته وال صفاته‪ ،‬وقد سبق أن أشرنا إىل ذلك املعىن عند‬
‫كالمنا على الوهم‪ .‬فالعقول ال تستطيع أن تلحق به سبحانه‪ .‬وهذه العبارة هي يف احلقيقة‬
‫قاعدة أخرى من قواعد أهل السنة‪ ،‬وعلى ذلك مشى احملققون منهم‪ ،‬أي إن ذاته ال ميكن‬
‫تعقلها والعلم حبقيقتها‪.‬‬
‫ويف ذلك املعىن روى اإلم ام ال بيهقي يف األمساء والص فات فق ال ص‪":283‬أخربنا أبو‬
‫عبداهلل احلافظ نا أبو العب اس هو األصم نا حممد بن إس حاق أنا عاصم بن علي نا أيب عن‬
‫عطاء السائب عن سعيد بن جبري عن ابن عباس قال‪:‬تفكروا يف كل شيء وال تفكروا يف‬
‫ذات اهلل‪".‬اهـ‬
‫وق ال يف ش عب اإلميان(‪":)1/136‬أخربنا محزة بن عبد العزي ز‪ ،‬أنبأ أبو الفضل‬
‫عبدوس بن احلسني بن منصور‪ ،‬حدثنا أبو حامت حممد بن إدريس الرازي‪ ،‬حدثنا حممد بن‬
‫زمي املؤدب‪ ،‬أنبأ علي بن ث ابت‪ ،‬عن ال وازع بن ن افع‪ ،‬عن س امل عن ابن عمر‬ ‫ح امت ال ّ‬
‫قال‪:‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬تفكروا يف آالء اهلل‪-‬يعين عظَ َمتَ ه‪ -‬وال تفكروا يف‬
‫اهلل"‪.‬اهـ مث قال البيهقي ‪:‬هذا إسناد فيه نظر‪.‬‬
‫والرواي ات الدالة على ه ذا املعىن كث رية‪ ،‬واآلث ار ال واردة عن الس لف أجل من أن‬
‫حتصر‪ ،‬وقد سبق اإلتيان ببعضها‪ .‬وال خيالف يف هذا املعىن خمالف‪.‬‬
‫اموس‪":‬الش بة بالكسر والتحريك وك أمري‪:‬املِث ل"اهـ‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫([‪       )]21‬ق ال ص احب الق‬
‫ف املعىن أن أح دا من األن ام ال يش بهه‪ ،‬ق ال الب ابريت يف ش رحه على اهلقي دة الطحاوية ص‬
‫‪":42‬وال يشبهه األنام‪ ،‬وهو كل ذي روح‪ .‬وقيل مجيع اخلالئق‪ ،‬وقيل املراد باألنام البشر‬
‫وهو األشبه‪ ،‬ألنه أراد به نفي قول املشبهة واجملسمة حيث وصفوا البارئ بأنه جسم على‬
‫صورة البشر‪ ،‬وأيضا أراد نفي قول النصارى حيث جعلوا له ولدا وصاحبة تعاىل اهلل عن‬
‫ذلك‪ .‬وال شك أن الولد يشابه األب‪ ،‬فعلى هذا أفاد قوله "وال يشبهه األنام" غري ما أفاد‬
‫قوله فيما سبق "ال شيء مثله" ألن األول عام وهذا خاص‪ ،‬فيكون مبالغة يف تنزيه اهلل عز‬
‫وجل عما ال يليق به‪".‬اهـ‬
‫وهذا كالم مفيد‪.‬‬
‫وقد تواترت كالمات السلف واألحاديث واآليات على نفي الشبيه عن اهلل تعاىل‬
‫‪ -‬ففي اجلامع الصحيح سنن الرتمذي قال‬
‫‪   ‬حدثنا أمحد بن منيع حدثنا أبو سعد هو الصنعاين عن أيب جعفر الرازي عن الربيع‬
‫بن أنس عن أيب العالية عن أيب بن كعب أن املش ركني ق الوا لرس ول اهلل‪   ‬ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم‪     ‬انسب لنا ربك ف أنزل اهلل { قل هو اهلل أحد اهلل الص مد }‪   ‬فالص مد ال ذي مل‬
‫يلد ومل يولد ألنه ليس ش يء يولد إال س يموت وال ش يء ميوت إال س يورث وإن‪   ‬اهلل عز‬
‫وج ل‪   ‬ال ميوت وال ي ورث { ومل يكن له كف وا أحد } ق ال مل يكن له ش بيه وال ع دل‬
‫وليس كمثله شيء‬
‫‪ -‬ويف مستدرك احلاكم‬
‫أخربنا أبو عبد اهلل حممد بن يعق وب احلافظ وأبو جعفر حممد بن علي ق اال ح دثنا‬
‫احلسني بن الفضل ح دثنا حممد بن س ابق ح دثنا أبو جعفر ال رازي عن الربيع بن أنس عن‬
‫أيب العالية عن أيب بن كعب‪   ‬رضي اهلل تع اىل عن ه‪     ‬أن املش ركني ق الوا يا حممد انسب‬
‫لنا ربك فأنزل‪   ‬اهلل عز وجل‪   ‬قل هو اهلل أحد اهلل الصمد الذي مل يلد ومل يولد ومل يكن‬
‫له كفوا أحد ألنه ليس شيء يولد إال سيموت وليس شيء ميوت إال سيورث وإن اهلل ال‬
‫ميوت وال يورث ومل يكن له كفوا أحد قال مل يكن له شبيه وال عدل وليس كمثله شيء‬
‫هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه‬
‫‪-‬وروى ه ذا احلديث أيضا اإلم ام ال بيهقي يف األمساء والص فات ص‪ 32‬يف مِج اع‬
‫أبواب ذكر األمساء اليت تتبع نفي التشبيه عن اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه أيضا يف ش عب اإلميان(‪ )114-1/113‬فق ال ح دثنا حممد بن عبد اهلل‬
‫احلافظ‪ ،‬أنبأ أبو عبد اهلل حممد بن يعقوب احلافظ‪ ،‬وأبو جعفر حممد بن صاحل‪ ،‬قاال‪ :‬ثنا‬
‫احلسني بن الفضل‪ ،‬ثنا حممد بن سابق‪ ،‬ثنا أبو جعفر‪  ‬ال رازي‪ ،‬عن الربيع بن أنس عن‬
‫انسب لنا ربك‪ ،‬فأنزل اهلل عز‬ ‫أيب العالية عن أيب بن كعب "أن املشركني قالوا يا حممد ُ‬
‫وج ل(قل هو اهلل أحد اهلل الص مد)‪ ،‬ق ال الص مد ال ذي مل يلد ومل يول د‪ ،‬ومل يكن له‬
‫كفوا أحد" ألنه شيء يولد إال سيموت وليس شيء ميوت إال سيورث‪ ،‬وإن اهلل تبارك‬
‫وتع اىل ال ميوت وال ي ورث‪ .‬ومل يكن له كف وا أحد مل يكن له ش بيه وال ع دل‪ ،‬وليس‬
‫كمثله شيء‪".‬اهـ‬
‫‪ -‬وروى البيهقي أيضا يف شعب اإلميان (‪ )1/143‬قال‪":‬أخربنا أبو زكريا بن أيب‬
‫إس حاق أنبأ أبو احلسن الط رائفي‪ ،‬ثنا عثم ان بن س عيد ال دارمي‪ ،‬ثنا عبد اهلل بن ص احل‬
‫عن معاوية بن ص احل‪ ،‬عن علي بن أيب طلح ة‪ ،‬عن ابن عب اس رضي اهلل عنه يف قوله‬
‫(تعلم له مسيا)مرمي‪ ،65‬هل تعلم له عز وجل مثال أو شبها‪".‬اهـ‬
‫‪-‬فه ذه نص وص ص رحية يف نفي التش بيه عن اهلل تع اىل‪ ،‬فتعجب بعد ذلك ملن ق ال‬
‫بأن ذم املشبهة مل يرد يف كتاب وال سنة‪.‬‬
‫([‪       )]22‬ق ال الب ابريت يف ش رحه ص‪":44‬القي وم هو الق ائم على كل نفس مبا‬
‫كس بت‪ ،‬وقيل هو احلاف ظ‪ ،‬وقيل الق ائم بت دبري أمر اخلل ق‪ ،‬وقيل الق ائم بذاته املقيم لغ ريه‪.‬‬
‫وقوله "ال ينام" نفي للنوم والسنة والسهو والغفلة عنه"اهـ‬
‫([‪       )]23‬اخللق هو اإلجياد بعد الع دم‪ .‬واحلاجة هي توقف كم ال الواحد على‬
‫غ ريه‪ .‬فاهلل تع اىل هو الغين احلمي د‪ ،‬وتع اىل اهلل عن أن حيت اج إىل غ ريه‪ .‬وخلقه تع اىل‬
‫املخلوق ات ليس حاجته هلم‪ ،‬بل ليعقب خلقه هلم أم ره وهنيه على ما س بق يف علمه‬
‫اجلن واإلنس إال ليعبدون) أي إال آلمرهم بالعبادة‪ .‬والعبادة كمال للعابد‬ ‫تعاىل(وما خلقت َّ‬
‫ال للمعبود‪.‬‬
‫([‪       )]24‬ق ال يف الق اموس‪":‬وم ان الق وم احتمل َم ُؤونتهم أي قُ وهَت م‪ ،‬وقد ال‬
‫ت مأْنَ هُ مل أك رتث له أو مل أش عر به أو ما هتي أت ل ه‪ ،‬وال‬ ‫يهم ز‪ ،‬فالفعل مان ه‪ .‬وما م أَنْ ُ‬
‫أطلت التعب فيه"‪.‬اهـ‬
‫أخذت عُدَّته وأُهبته‪ ،‬وما طلبته وال ُ‬
‫([‪       )]25‬قوله ب اعث بال مش قة فيه إش ارة إىل البعث‪ ،‬واحلي اة األخ رى‪ .‬ونفي‬
‫املش قة عن اهلل تع اىل يف البعث كما هو يف اخللق األول‪ ،‬ألن املش قة توجد يف من تنقص‬
‫قدرته وطاقته إذا أوجد غريه‪ ،‬فيكون غريه ال يوجد إال جبزء يستنفذه املوجد‪ ،‬فأنت مثال‬
‫عن دما حتمل محال‪ ،‬فإنك مل تكن لتحمله إال عن دما تس تنفذ ق درا من اجلهد ال ذي ك ان‬
‫خمبوءا فيك‪ ،‬ولذلك فإن املشقة والتعب حيل فيك عند العمل‪ .‬فيكون صدور الفعل منك‬
‫مش روطا بفن اء ج زء منك يف املفع ول‪ ،‬وه ذا كما ت رى يس تلزم إثب ات النقص فيك ول ك‪.‬‬
‫واهلل تع اىل يفعل ال كفعل ك‪ ،‬ول ذلك فال تأخ ذه املش قة وال يالقي التعب يف خلقه‬
‫باملرة‪.‬فافهم هذا املعىن فإنه نفيس‪.‬‬
‫وكالم اإلم ام الطح اوي فيه إش ارة إىل ذلك كل ه‪ ،‬فهو يق ول رمحه اهلل‪ ،‬إن اهلل فاعل‬
‫بال مشقة‪ ،‬أي مع أن كل فاعل من املخلوقات فهو فاعل باملشقة والتعب‪ ،‬إال أن اهلل تعاىل‬
‫ال يشبه شيئا من ذلك‪ ،‬وال يشبهه شيء‪ ،‬فهو فاعل بال مشقة‪.‬‬
‫([‪       )]26‬أي إن اهلل تع اىل ق دمي بذاته وص فاته‪ ،‬فلم يتصف جل وعز بش يء‬
‫حادث‪ ،‬وال بصفة حادثة‪ ،‬ومعىن احلادث هو املوجود بعد العدم‪ .‬فاهلل قدمي وصفاته قدمية‪،‬‬
‫واعلم أن لفظ الق دمي ال يطلق إال على األمر الوج ودي‪ ،‬فك أن اإلم ام الطح اوي أش ار‬
‫بكالمه هذا إىل أن صفاته تعاىل وجودية خالفا للمعتزلة ومن وافقهم يف قوهلم بأن صفاته‬
‫تعاىل ليست وجودية‪ ،‬وباألوىل أن يكون إشارة إىل الرد على قول الفالسفة الذين يبالغون‬
‫يف هذا األمر فينفون مجيع الصفات الوجودية على اإلطالق‪ ،‬وخيالفون حىت املعتزلة‪.‬‬
‫وانتبه إىل قوله "ما زال بصفاته قدميا بصفاته قبل خلقه"‪ ،‬فقوله قبل خلقه‪ ،‬دليل على‬
‫أنه يعتقد أن اهلل تعاىل كان ومل يكن شيء معه‪ ،‬وإشارة إىل الرد على من خالف يف ذلك‬
‫كابن تيمية الذي ادعى أن اهلل مل يزم ومعه بعض خملوقاته‪ .‬فلم تتحقق قط احلالة اليت يقال‬
‫فيها إن اهلل قبل خلقه‪ ،‬فعبارة اإلمام الطحاوي هذه إذن ال تصح إال على قول أهل السنة‬
‫واجلماعة األش اعرة ومن وافقهم‪ .‬أما ابن تيمية فإنه ينفيها بال توق ف‪ ،‬ويعترب الق ول هبا‬
‫بدعة يف الدين وخمالفة ملا تقتضيه دالئل العقول؟! وكالمه هذا مبين على قوله بقدم العامل‬
‫النوعي‪.‬‬
‫([‪       )]27‬ك وهنم أي ك ون املخلوق ات‪ ،‬واملقص ود ب ذلك وج ودهم‪ ،‬ووج ود‬
‫املخلوقات هو صفة من صفاهتم هم ال من صفات اخلالق جل شأنه‪ .‬فإذا خلقهم جل وعز‬
‫فإنه ال يستفيد من خلقه هلم أي صفة له‪ ،‬بل إن صفاته تبقى كما كانت قبل أن خيلقهم‪،‬‬
‫وذلك ألن اهلل لو اس تفاد خبلقه للمخلوق ات أي ص فة‪ ،‬لك انت ه ذه الص فة إما نقصا أو‬
‫كماال‪ ،‬ويستحيل أن تكون نقصا‪ ،‬فيبقى أن تكون كماال‪ ،‬ولكن إذا كان ما استفاده اهلل‬
‫بسبب خلقه هلم كماال له‪ ،‬للزم عن ذلك أن كماله مستفاد من املخلوقات‪ ،‬وهذا باطل‪،‬‬
‫ألنه قد سبق بي ان أن اهلل تع اىل ال حيت اج إىل املخلوق ات‪ ،‬بل هو جل شأنه غين عن غ ريه‪،‬‬
‫واملخلوق ات غري اهلل تع اىل‪ ،‬فاهلل إذن غين عنهم‪ ،‬ومعىن أنه تع اىل غين عن املخلوق ات أي‬
‫إنه ال حيت اج إليهم‪ ،‬ومعىن ذلك أن كماله ال يتوقف على وج ودهم‪ ،‬بل هو حاصل على‬
‫مجيع كماالته الواجبة له تعاىل بذاته ال بذوات غريه‪.‬‬
‫ه ذه هي عقي دة أهل الس نة يف اهلل عز وج ل‪ .‬وهي ثابتة هلل تع اىل من حيث هو غين‬
‫عن الع املني‪ ،‬فال يصح مطلقا الق ول ب أن اهلل تع اىل ملا ك ان موج ودا قبل خلقه مل يكن‬
‫متصفا بصفة معينة‪ ،‬مث ملا أوجد خلقه اتصف بصفة جديدة‪ .‬فإن كل من يقول مبثل ذلك‪،‬‬
‫فإنه يلزمه الق ول بافتق ار اهلل تع اىل إىل خملوقات ه‪ ،‬ومعل وم أن ه ذا ال يق ول به عاق ل‪ .‬وأما‬
‫وجه لزوم االفتقار عند القول بذلك‪ ،‬فإن وجود املخلوقات إذا لزم عنه اتصاف اهلل تعاىل‬
‫بأمر مل يكن قبل وجودهم من صفته‪ ،‬فإن وجود املخلوقات يصبح شرطا يف اتصاف اهلل‬
‫تع اىل هبذا األم ر‪ ،‬وه ذا األمر ال بد أن يك ون كم اال كما س بق بيان ه‪ ،‬فاحلاصل أن يك ون‬
‫املخلوق ات ش رطا يف كم ال اهلل تع اىل إذن‪ .‬والق ول بش رطية املخلوق ات للكم ال ال ذي‬
‫يتصف به اهلل تعاىل معناه احتياج اهلل إىل خملوقاته‪ ،‬والقول بذلك حمال‪ ،‬وهو كفر‪.‬‬
‫وقد يتعجب بعض الن اس فيقول ون‪ :‬وهل يوجد بالفعل من اش رتط وج ود املخل وق‬
‫التصاف اهلل تعاىل بكمال له؟ أي هل يوجد عاقل يقول بذلك؟!‬
‫ونقول له‪ :‬نعم‪ .‬إن بعض الفرق اليت تنتمي إىل اإلسالم‪ ،‬قد قالت بذلك‪ .‬بل وجادل‬
‫بعض أفرادها واملنظ رون لتعاليمها وح اولوا االس تدالل على ذلك وأت وا بكل ما هو معيب‬
‫حملاولة تق ريب ذلك إىل ال ذهن البش ري‪ ،‬ولكن أىن هلم أن يفلح وا يف قلب الباطل حق ل‪،‬‬
‫ويف إثبات أن اهلل تعاىل حمتاج إىل خلقه‪ ،‬وأن هذا النقص كمال له‪ ،‬فهل ميكن أن ينقلب‬
‫النقص يف حق الواحد كماال يف حقه؟!‬
‫وقد يقول قائل‪:‬فمن هم هؤالء الذين قالوا مبثل هذا القول الشنيع‪.‬‬
‫نق ول‪ :‬بعض الن اس ممن ينتم ون إىل ال دين اإلس المي يعتق دون أن اهلل تع اىل له حجم‬
‫معني ويطلق ون على ذلك اسم الق در املعني‪ ،‬ويري دون بالق در نفس معىن احلجم‪ .‬وه ؤالء‬
‫الذين يقولون بذلك أثبتوا احلدود هلل تعاىل‪ ،‬وإثبات احلدود لذاته جل شأنه عن هذا اهلراء‪،‬‬
‫الزم وضح لق وهلم الس ابق‪ .‬مث ق الوا‪ ،‬مبا أن اهلل تع اىل له حجم معني وق در معني‪ ،‬فهو ال‬
‫يستحيل عليه أن يتحرك من حمل إىل آخر‪ ،‬وال يستحيل عليه أن يتصرف يف ذاته باحلركة‬
‫واالنتق ال كما يتص رف الواحد من البشر بذاته ك ذلك‪ .‬فج واز التص رف هبذا املعىن الزم‬
‫واضح من لوازم مذهبهم القبيح ذلك‪ .‬وما دام اهلل عند هؤالء متحركا بإرادته‪ ،‬فإنه جيوز‬
‫أن ينتقل من حمل إىل آخر‪.‬‬
‫ه ذه ك انت املق دمات اليت اعتمد عليها ه ؤالء لق وهلم جبعل املخلوق ات ش رطا‬
‫لكم االت اخلالق‪ .‬فقد ق الوا‪ :‬ملا أراد اهلل أن خيلق الع امل‪ ،‬وك ان اهلل حمدودا‪ ،‬واحملدود له‬
‫جه ات يف نفس ه‪ ،‬فله ميني ومشال وأعلى وأس فل‪ ،‬وهك ذا‪ ،‬اخت ار أن خيلق الع امل حتت ه‪،‬‬
‫فخلقه حتته‪ ،‬فصار هو فوق العامل‪ ،‬وجهة الفوق أكمل من جهة التحت‪ ،‬ولذلك فإن اهلل‬
‫تعاىل اختار جهة التحت للعامل‪ ،‬واختار جهة الفوق لذاته‪ ،‬فصار اهلل تعاىل يف جهة الفوق‬
‫اليت هي كم ال ل ه‪ ،‬وذلك بعد أن خلق الع امل‪ .‬فك ون اهلل تع اىل يف جهة الف وق ال ذي هو‬
‫كم ال ل ه‪ ،‬أمر مل جيز حص وله له إال بعد خلقه املخلوق ات‪ .‬فوج ود املخلوق ات إذن ش رط‬
‫يف حصول هذا الكمال‪ .‬فهذا هو قوهلم بأن اهلل تعاىل حيتاج إىل املخلوقات يف االتصاف‬
‫بكماالت ه‪ .‬والبعض منهم ص رح هبذا اللف ظ‪ ،‬وهو ابن تيمي ة‪ ،‬وادعى أن ذلك ال نقص فيه‬
‫؟! وللعاقل أن يتعجب من كالمه ما شاء‪.‬‬
‫وأنت ت رى أن ذلك كله خيالف ما نص عليه اإلم ام الطح اوي يف املنت أعاله‪ ،‬ملا‬
‫قال‪":‬مل يزدد بكوهنم شيئا مل يكن قبلهم من صفته"‪ .‬أال ترى أن هذا يعارض قول اجملسمة‬
‫بأن اهلل تعاىل على العرش جالس‪ ،‬وأن كونه على العرش أكمل من كونه ال على العرش‪،‬‬
‫والع رش خملوق‪ ،‬إذن فاحلاصل على قوهلم أن كون اهلل تع اىل على الع رش كم ال مش روط‬
‫بوجود العرش الذي هو خملوق‪ .‬وهذا غاية القبح‪.‬‬
‫وك ذلك نفس ق وهلم يف ن زول اهلل تع اىل بذاته إىل الس ماء ال دنيا‪ ،‬ف إهنم ال شك أهنم‬
‫يقولون إن هذا كمال له‪ ،‬وهذا الكمال مل يكن ليحصل لوال أن املخلوقات موجودة‪ ،‬إذ‬
‫بال مساء ميكن النزول إليها‪ ،‬كيف ميكن النزول؟!‬
‫وك ذلك يقول ون يف كونه خالق ا‪ ،‬ف إهنم يقول ون ال يك ون اهلل خالقا بالفعل إال بعد‬
‫إجياده املخلوق ات‪ .‬وقبل ذلك فليس خبالق‪ ،‬ولكن كونه خالقا كم ال ل ه‪ ،‬فيل زم من ذلك‬
‫على مذهبهم‪ ،‬وجوب أن خيلق اهلل تعاىل املخلوقات‪ .‬فاشرتطوا بذلك حلصول الكمال هلل‬
‫تع اىل وج ود املخلوق ات‪ ،‬ووقع وا يف حمظ ور آخر هنا وهو إجياب ذلك على اهلل تع اىل‪.‬‬
‫وسوف يأيت مزيد توضيح هلذه النقطة قريبا‪.‬‬
‫وم ذهب ه ؤالء مل جيرؤ الفالس فة على الق ول ب ه‪ ،‬لقبحه وس خافته‪ .‬ولكنك ت رى‬
‫ه ؤالء ينس بون ذلك أيضا إىل الص حابة والت ابعني بل إىل أهل الس نة‪ .‬وليس ذلك إال‬
‫الكذب الصريح‪.‬‬
‫([‪       )]28‬هذا القول تفريع على ما سبق‪ ،‬فاهلل تعاىل كما كان موصوفا بصفاته‬
‫منذ األزل‪ ،‬فإنه يبقى موص وفا هبذه الص فات إىل األب د‪ .‬وال يط رأ عليه تغري وال ح دوث‬
‫صفة‪ .‬فال يتصف اهلل تعاىل بغري ما كان منذ األزل موصوفا به‪.‬‬
‫وه ذا كما ت رى نفي ص ريح من اإلم ام الطح اوي حلدوث ص فة حادثة يف اهلل تع اىل‪.‬‬
‫وهو خالف ملا تف وه به ابن تيمية ومن اتبعه من اجملس مة‪ ،‬يف ق وهلم باتص اف اهلل تع اىل‬
‫بالصفات احلادثة‪.‬‬
‫ولو كان اهلل جيوز اتصافه باحلادث لكان حمتاجا إىل احلادث‪ ،‬ولكان ناقصا منذ األزل‬
‫حىت حني اتصافه بذلك احلادث‪ ،‬ولكان ذاته تقبل التغريات والتحوالت‪ .‬ولكان مؤثرا يف‬
‫ذاته‪ .‬وقد صرح ابن تيمية بكل هذه القبائح يف كتبه‪ .‬بل وصرح بأكثر منها‪.‬‬
‫ف الالزم على اإلنس ان العاقل أن يع رف ممن يأخذ عقيدت ه‪ ،‬وال يغرت باألمساء الالمع ة‪،‬‬
‫فكثري من املش هورين ال قيمة ملا يكتب ون يف م وازين العق ول‪ .‬كما أن الش هرة حبد ذاهتا‬
‫ليست دليال حيتج هبا على احلق والباطل‪ .‬فتأمل‪.‬‬
‫([‪       )]29‬إن اهلل تع اىل خ الق‪ ،‬أي متصف بكونه خالق ا‪ .‬وكونه خالقا هو‬
‫حاصل منذ األزل‪ ،‬ويف األزل مل يكن مث خمل وق‪ ،‬إذن فاهلل تع اىل خ الق وقبل وج ود‬
‫املخلوق ات‪ .‬واملخلوق ات مل تكن لتوجد إال خبلقه هلا‪ .‬إذن هو تع اىل خ الق وقبل أن خيلق‬
‫اخللق‪ .‬وكونه خالقا‪ ،‬صفة كمال له تعاىل‪ ،‬وال جيوز أن يقال إنه ال يكون خالقا إال بعد‬
‫وجود املخلوقات‪ ،‬إال على معىن أنه ال يكون خالقا بالفعل إال بعد وجود املخلوقات‪ ،‬فإن‬
‫من يق ول ب ذلك يش رتط السم الفاعل حص ول الفع ل‪ ،‬ال جمرد الق درة على حتص يله‪ .‬فمن‬
‫أراد ه ذا املعىن فهو ص حيح‪ .‬وه ذا راجع إىل اللغ ة‪ .‬ومن ق ال ب ذلك فإنه يق ول ب أن اخللق‬
‫بالفعل ليس كم اال له تع اىل‪ ،‬ألنه تع اىل مل ي زل ك امال‪ ،‬تام ا‪ ،‬ويف األزل مل يكن اخللق‬
‫موجودين‪ .‬بل خلق املخلوقات كمال هلم ال للخالق‪.‬فافهم‪.‬‬
‫وأما من ق ال إن كونه خالقا ال يك ون إال بإجياد املخلوق ات بالفع ل‪ ،‬وكونه خالقا‬
‫كمال له تعاىل‪ ،‬فهذا القائل يريد أن يقول إن إجياد املخلوقات واجب على اهلل تعاىل‪ ،‬ألن‬
‫كل ما ك ان كم اال فهو واجب‪ ،‬وما دام كونه خالقا واجب ألن كم ال‪ ،‬وكونه خالقا ال‬
‫حيصل إال بإجياد املخلوق ات‪ ،‬فإجياد املخلوق ات واجب‪ .‬فه ذا هو من جيعل املخلوق ش رطا‬
‫لكم ال اخلالق‪ .‬وه ذا محق وإحلاد‪ .‬وه ذا هو ق ول ابن تيمية احلراين‪ ،‬يص رح به وال يل وح‪،‬‬
‫بل ويدعي أن هذا هو ما كانت عليه عقيدة السلف؟! فقبحا له من مغالط مكابر‪ ،‬وتعسا‬
‫ملن يتخذ مثله قدوة‪.‬‬
‫وه ذا الق ول من ابن تيمية هو أصل قوله بالتسلسل للح وادث يف الق دم‪ ،‬والقليل فقط‬
‫من عرف حقيقة مراده من ه ذا الق ول‪ ،‬وادعى بكل جرأة أن ه ذا ما ك ان عليه السلف‪.‬‬
‫وصريح كالم اإلمام الطحاوي أن احلوادث يف األزل منقطعة‪ ،‬فإن اهلل تعاىل كان ومل يكن‬
‫ش يء مع ه‪ ،‬وك ان وال خمل وق‪ ،‬وه ذه العقي دة هي اليت اتفق عليها أهل الس نة‪ .‬ومل خيالف‬
‫فيها من هو معتد بأقوال ه‪ ،‬وبعد ذلك كله ت رى ابن تيمية يص رح ب أن ه ذا الق ول ال يليق‬
‫باهلل تع اىل وت نزه عما يق ول‪ .‬وي دعي أن ك ون احلوادث مع اهلل تع اىل هو الالئق جبالله‬
‫وكماله‪ ،‬وهذا كالم ساقط‪ ،‬ال مييل إليه إال من يف قلبه زيغ‪ .‬وهذه هي إحدى املسائل اليت‬
‫خالف فيها ابن تيمية منت اإلمام أيب جعفر الطحاوي‪ ،‬فاحفظها‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬حاول ابن تيمية أن يقرب قوله بأن احلوادث متسلسلة يف القدم‪ ،‬أي ال أول هلا‬
‫يف الق دم‪ ،‬ب أن ق ال‪ :‬ما دام قد ج از بق اء احلوادث يف املس تقبل إىل األب د‪ ،‬وهو بق اء اجلنة‬
‫والنار‪ ،‬عند القائل ببقاء النار‪ ،‬وهم أهل السنة‪ ،‬وأما ابن تيمية فإنه يقول بفنائها‪ ،‬يقول ما‬
‫دام ج از البق اء إىل األب د‪ ،‬فيج وز التسلسل يف الق دم‪ ،‬ألنه ال ف رق بني األبد واألزل‪ ،‬فما‬
‫جاز عليه أحدمها جيوز يف اآلخر‪.‬‬
‫واعلم أن هذا الكالم عبارة عن مغالطة واضحة‪ ،‬ففرق كبري بني القدم‪ ،‬والبقاء‪ ،‬فما‬
‫فالق دم ال يص دق إال على معن يني‪ ،‬األول ع دم األولي ة‪ ،‬والث اين ال دوام أزمنة ال هناية هلا يف‬
‫املاضي‪ ،‬فمعناه أنه مهما وجد زمان فإنه يوجد قبله زمان آخر ال إىل هناية‪ ،‬وهذا يستلزم‬
‫وج ود سلس لة ال هناية هلا من احلوادث الزمانية يف الق دم‪ ،‬وأما املعىن األول فهو الث ابت يف‬
‫حق اهلل تع اىل كما أش رنا إليك يف حمل ه‪ ،‬وأما املعىن الث اين فهو غري ج ائز مطلق ا‪ ،‬ألنه غري‬
‫متص ور‪ ،‬ويس تلزم أزلية الزم ان‪ ،‬وهو باطل لل زوم كونه خملوق ا‪ ،‬وما ك ان خملوقا ميتنع أن‬
‫يك ون أزلي ا‪ .‬وك ذلك البق اء يف األب د‪ ،‬فإنه ص ادق على معن يني األول هو ع دم اآلخري ة‪،‬‬
‫والثاين البقاء أزمنة ال هناية هلا يف املس تقبل‪ ،‬فأما املعىن األول فهو الث ابت هلل تعاىل‪ ،‬فبق اؤه‬
‫يف املس تقبل‪ ،‬ليس معن اه دوامه أزمنة ال هناية هلا‪ ،‬بل معن اه إمنا هو ع دم وج ود آخر له‬
‫تعاىل‪ ،‬وأما املعىن الثاين‪ ،‬فمعناه أنه مهما وجد زمان حاضر‪ ،‬فيتصور وجود زمان الحق‬
‫ل ه‪ ،‬والحظ أن ه ذا املعىن ال يل زم عنه وج ود أزمنة ال هناية هلا بالفع ل‪ ،‬بل يس تلزم ج واز‬
‫وق وع زم ان ت ٍال لزم ان حاض ر‪ ،‬وهك ذا‪ ،‬وه ذا ال يس تلزم وق وع زم ان ال هناية له بالفعل‬
‫كما ترى‪.‬‬
‫ف أنت ت رى من جمرد حتليل ه اتني احلالتني‪ ،‬أنه يوجد ف رق كبري بني التسلسل يف‬
‫املاض ي‪ ،‬والتسلسل يف املس تقبل‪ ،‬فحيث يس تلزم األول وق وع ما ال هناية له بالفع ل‪ ،‬ف إن‬
‫الثاين ال يستلزمه مطلقا‪ .‬وبذلك يتبني لك مدى محق من أجاز القياس بينهما‪ ،‬وقال إنه ما‬
‫دام جاز التسلسل يف املستقبل فيجوز إذن يف املاضي‪ .‬فال توجد علة مشرتكة بني األمرين‬
‫كما ت رى حىت جيوز القي اس بينهم ا‪ .‬وال يش رتكان يف معىن واحد م ؤثر حىت يق ال إنه إذا‬
‫جاز أحدمها جاز اآلخر‪.‬‬
‫وأدى ق ول ابن تيمية هبذا الق ول‪-‬أي وق وع التسلسل يف املاض ي‪ -‬إىل قب ائح عدي دة‪،‬‬
‫وض حناها يف كت اب "الكاشف الص غري عن عقائد ابن تيمي ة"‪ .‬ولو ك ان اجملال مناس با هنا‬
‫ألوس عنا لك يف بي ان م دى غلطه ومد خط ورة ه ذا الق ول على عقائد ال دين‪ .‬ولكن ما‬
‫ذكرناه يكفي القارئ النبيه بتوفيق اهلل تعاىل‪.‬‬
‫([‪       )]30‬عب ارة الطح اوي ه ذه أصل عظيم ق ال به أهل الس نة‪ ،‬والطريقة اليت‬
‫ي ورده هبا هي طريقة األحن اف رضي اهلل تع اىل عنهم‪ .‬فالربوبية هلا مع ىن‪ ،‬ومعناها هو‬
‫القدرة على اخللق‪ ،‬والتدبري‪ ،‬وسائر خصائص الربوبية كما وضحنا بعضها يف أول تعليقاتنا‬
‫ه ذه‪ .‬وه ذه املع اين ثابتة هلل تع اىل قبل وج ود أي مرب وب مطلق ا‪ ،‬وتنبه إىل عمق ودقة‬
‫عبارته ه ذه‪ ،‬فهو يص رح فيها ب أن اهلل تع اىل ك ان موج ودا يف ح ال مل يكن معه فيها أي‬
‫خملوق‪ ،‬وال أي مربوب‪ ،‬وهو معىن قوله "وال مربوب"‪ ،‬فاهلل تعاىل موجود قبل املخلوقات‬
‫كلها‪ ،‬ومعىن الربوبية مل يكتسبه اهلل تعاىل من وجود املخلوقات‪ ،‬ومل يطرأ عليه بعد خلقه‬
‫للمربوبني‪ .‬فإن هذا ينايف كماله وغناه املطلق‪ ،‬كما وضحناه لك فيما سبق‪.‬‬
‫([‪       )]31‬وقوله ه ذا أيض ا‪ ،‬له معىن ق ريب من معىن العب ارة الس ابقة‪ ،‬بل هو‬
‫أخص منها‪ ،‬فاخلالق هو اهلل تعاىل‪ ،‬ومل يتصف بكون خالقا‪ ،‬بعد أن أوجد املخلوقات‪ ،‬بل‬
‫هو تع اىل خ الق وقبل اخلل ق‪ ،‬وذلك ألن ص فة اخللق ص فة ثابتة له جل ش أنه‪ ،‬قبل وج ود‬
‫املخلوقات‪ ،‬فبهذه الصفة أوجد املخلوقات‪ ،‬ويستحيل أن يكون قد اكتسبها منهم‪ ،‬بل هم‬
‫اكتسبوا وجودهم منه جل شأنه‪.‬‬
‫وتأمل أيضا يف قول ه‪ ،‬وله معىن اخلالق وال خمل وق‪ ،‬ف إن ه ذا تص ريح ق وي بوج ود اهلل‬
‫تعاىل قبل وجود املخلوقات كلها‪ ،‬وهو تصريح بأن سلسلة املخلوقات منقطعة يف األزل‪،‬‬
‫خالفا البن تيمية الذي يقول بأن اهلل تعاىل مل يزل ومعه بعض خملوقاته‪ ،‬فلم يكن موجودا‬
‫أب دا وح ده‪ ،‬بل مل ي زل ومعه بعض خلق ه‪ .‬وه ذا ين ايف متاما ما يص رح به الطح اوي من‬
‫عقي دة أهل الس نة ب أن اهلل تع اىل س ابق جلميع املخلوق ات‪ ،‬فهو موج ود قبلها مجيعه ا‪،‬‬
‫فلجميع املخلوق ات وسلس لة اخللق بداية وال ش ك‪ ،‬وه ذه عقي دة أهل الس نة‪ ،‬وابن تيمية‬
‫خيالفها ويدعي بكل جرأة أن كون اهلل تعاىل خالقا ال ميكن أن يصح إال بأن يوجد بالفعل‬
‫املخلوق ات‪ ،‬وي دعي أن وج ود املخلوق ات كم ال هلل تع اىل‪ ،‬وهو يف ه ذا خيالف ك ون اهلل‬
‫تع اىل غين بال ذات‪ ،‬ال ب الغري‪ ،‬وكامل بال ذات ال ب الغري‪ ،‬وخيرج يف ه ذا أيضا عن عقي دة‬
‫أهل السنة أهل احلق‪ ،‬وخيرج أيضا عن ما يدل عليه العقل‪.‬‬
‫ومعىن اخلالق هو غري نفس اخلل ق‪ ،‬ألن اخللق فعل من أفع ال اهلل تع اىل‪ ،‬وأما معىن‬
‫اخلل ق‪ ،‬فهو الص فة اليت يتصف هبا اهلل تع اىل وهبا خيلق املخلوق ات مجيع ا‪ ،‬وهي ك ون اهلل‬
‫تع اىل ق ادرا عاملا مري دا‪ .‬فه ذه الص فات ثابتة هلل تع اىل قبل وج ود املخلوق ات‪ ،‬فهو تع اىل‬
‫خالق وقبل اخللق‪ ،‬كما إنه تعاىل رب وقبل وجود املربوبني‪.‬‬
‫وه ذا املعىن اس تفاده اإلم ام الطح اوي من ع دة نص وص يف الكت اب والس نة‪ ،‬كما‬
‫استفاده أهل السنة مجيعا بل سائر الفرق اإلسالمية املعتد هبا‪ ،‬إال اجملسمة‪.‬‬
‫‪-‬قال اهلل تعاىل يف سورة آل عمران‪ [:‬إن يف خلق السماوات واألرض واختالف الليل‬
‫والنهار آليات ألويل األلباب (‪])190‬‬
‫‪-‬وق ال تع اىل يف س ورة األنع ام‪ [:‬ذلكم اهلل ربكم ال إله إال هو خ الق كل ش يء‬
‫فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل (‪])102‬‬
‫‪-‬وقال تعاىل يف سورة يونس‪ [:‬قل هل من شركائكم من يبدأ اخللق مث يعيده قل‬
‫اهلل يبدأ اخللق مث يعيده فأىن تؤفكون (‪])34‬‬
‫‪-‬وقال تعاىل يف سورة النحل‪ [:‬أفمن خيلق كمن ال خيلق أفال تذكرون (‪])17‬‬
‫‪ -‬وقال تعاىل يف سورة العنكبوت‪ [:‬أومل يروا كيف يبدئ اهلل اخللق مث يعيده إن‬
‫ذلك على اهلل يسري (‪])19‬‬
‫‪ -‬وق ال تع اىل يف س ورة اجلاثي ة‪ [:‬وس خر لكم ما يف الس ماوات وما يف األرض‬
‫مجيعا منه إن يف ذلك آليات لقوم يتفكرون (‪])13‬‬
‫وقد أب دع اإلم ام ال بيهقي يف بي ان ه ذا املعىن يف كتابه االعتق اد واهلداية إىل س بيل‬
‫الرشاد ص‪ ،55‬فقال‪":‬وأخربنا حممد بن عبد اهلل احلافظ حدثين أبو بكر حممد بن أمحد بن‬
‫بالويه أنا بشر بن موسى ثنا معاوية بن عم رو ثنا أبو إس حاق الف زاري عن األعمش عن‬
‫جامع بن شداد عن صفوان بن حمرز عن عمران بن حصني قال‪:‬‬
‫أتيت رس ول اهلل ص لة اهلل عليه وس لم فج اءه نفر من أهل اليمن فق الوا يا رس ول اهلل‬
‫أتيناك لنتفقه يف الدين ولنسألك عن أول هذا األمر كيف كان؟‬
‫ق ال‪ :‬ك ان اهلل ومل يكن ش يء غ ريه‪ ،‬وك ان عرشه على املاء‪ ،‬مث كتب يف ال ذكر كل‬
‫شيء‪ ،‬مث خلق السموات واألرض"‪.‬‬
‫قال األستاذ رمحه اهلل‪:‬قوله كان اهلل ومل يكن شيء غريه‪ ،‬يدل على أنه مل يكن شيء‬
‫غ ريه ال املاء وال الع رش وال غريمها‪ ،‬وكل ذلك أغي ار‪ .‬وقوله وك ان عرشه على املاء يعين‬
‫به مث خلق املاء‪ ،‬وخلق العرش على املاء‪.‬‬
‫وبي ان ذلك يف ح ديث أيب رزين العقلي عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم حني ق ال "مث‬
‫خلق الع رض على املاء"‪ .‬أخربنا أبو عبد اهلل احلافظ أنا أبو زكريا العن يب‪ ،‬ثنا حممد بن عبد‬
‫الس الم‪ ،‬ثنا إس حاق بن إب راهيم أنا عبد ال رزاق عن عمر بن ح بيب املكي‪ ،‬عن ح بيب بن‬
‫قيس األعرج‪ ،‬عن طاوس‪ :‬قال‪:‬‬
‫ج اء رجل إىل عبد اهلل بن عب اس فس أله‪ ،‬فق ال‪ :‬مم خلق اخلل ق؟ ق ال من املاء والن ور‬
‫الظلمة وال ريح وال رتاب‪ .‬فق ال الرجل فمم خلق ه ؤالء؟ فتال عبد اهلل بن عب اس (وس خر‬
‫لكم ما يف السموات وما يف األرض مجيعا منه)‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأخربنا ابن عباس أن املاء والنور والظلمة والريح والرتاب مما يف السموات وما‬
‫يف األرض‪ ،‬وقد أخرب اهلل عز وجل أن مص در اجلميع من ه‪ ،‬أي من خلقه وإبداعه واخرتاعه‬
‫فهو خ الق كل ش يء‪ ،‬خلق املاء أوال‪ ،‬أو املاء وما ش اء من خلقه ال عن أصل وال على‬
‫مث ال س بق مث جعله أصال ملا خلق بع ده‪ ،‬فهو املب دع وهو الب اري ال إله غ ريه وال خ الق‬
‫سواه‪".‬اهـ‬
‫‪ ‬‬
‫([‪       )]32‬ه ذا إكم ال من الطح اوي لتوض يح القاع دة الس ابقة‪ ،‬وهي ك ون‬
‫صفات اهلل ليست مستمدة من أفعاله جل شأنه‪ ،‬فإن أفعاله حادثة وصفاته قدمية‪ .‬ولذلك‬
‫فإنه يتصف بأنه حميي املوتى وقبل إجياد املخلوق ات بل وقبل إم اتتهم‪ ،‬وك ذلك يس مى‬
‫خالقا وقبل أن خيلقهم‪ .‬والس بب يف تس ميته هبذه األمساء هو قي ام الص فات اليت هبا يك ون‬
‫منشأ اخللق وهي الق درة واإلرادة والعلم‪ ،‬وقي ام ه ذه الص فات بذاته جل ش أنه أزيل‪ ،‬وال‬
‫يعتمد على إجياد اهلل تعاىل هلذه املخلوقات‪ ،‬ألن نفس إجياده مشروط بوجود هذه الصفات‬
‫له‪.‬‬
‫ومن هذا نستفيد معىن يف غاية اإلفادة وهو أن اهلل تعاىل ال يستفيد اتصافه بالصفات‬
‫وال تس ميته باألمساء من األفع ال اليت يق وم هبا‪ ،‬بل من الص فات اليت يتصف هبا‪ .‬وهلذا ف إن‬
‫أمساءه وص فاته تع اىل أزلي ة‪ ،‬مع ك ون أفعاله حادث ة‪ .‬فأفعاله ناش ئة عن الص فات‪ ،‬وليست‬
‫صفاته ناشئة عن أفعاله‪.‬‬
‫وه ذا األصل قد خ الف فيه ابن تيمية أيض ا‪ ،‬ف ادعى أن كونه تع اىل خالقا إمنا يصح‬
‫بأن يوجد اهلل تعاىل املخلوقات‪ ،‬وإجياده تعاىل للمخلوقات هو كمال له‪ .‬وادعى أيضا أنه‬
‫تع اىل يفعل الكالم يف ذات ه‪ ،‬فيص بح هبذا الكالم ال ذي هو فعل له متكلم ا‪ ،‬فجعل الفعل‬
‫قائما باهلل‪ ،‬والفعل حادث‪ .‬فجعل اهلل تعاىل موصوفا بصفات حادث‪ ،‬وهذا معىن قوله أن‬
‫اهلل يتصرف يف نفسه‪ .‬كما يتصرف املخلوق بنفسه متاما‪.‬‬
‫وابن تيمية خرج يف هذا الكالم عن ما يقول به أهل السنة‪ ،‬وأهل احلق‪ ،‬وهو خالف‬
‫ملا ينص عليه اإلمام أبو جعفر الطحاوي رمحه اهلل تعاىل‪ .‬وهذا أصل عظيم من أصول أهل‬
‫السنة ينبغي على القارئ االعتناء بتحصيله‪ .‬واهلل املوفق‪.‬‬
‫([‪       )]33‬قوله ذلك تعليل للحكم ال ذي وض حه س ابقا‪ ،‬وهو ك ون اهلل تع اىل‬
‫خالقا وقبل املخلوق ات‪ ،‬وربا وقبل املربوب ات‪ .‬فكلمة ذلك ت دل على العلة اليت من أجلها‬
‫حكم الطحاوي بذلك احلكم‪ ،‬والعلة كما تراها هي كون اهلل تعاىل متصفا بأنه على كل‬
‫ش يء ق دير‪ ،‬فالق درة منشأ كل تلك الص فات‪ ،‬وهي ص فة قدمية قائمة باهلل تع اىل‪ .‬وألجل‬
‫اتصافه تعاىل بالقدرة فهو الرب واخلالق والرازق احمليي واملميت‪..‬اخل‪ ،‬فكل هذه الصفات‬
‫راجعة إىل الق درة كما ت رى‪ ،‬فلو مل يكن تع اىل ق ديرا ملا صح اتص افه ب أي من ه ذه‬
‫الصفات‪.‬‬
‫وهذا الكالم يوافق ما عليه أهل السنة من إرجاع مجيع هذه الصفات إىل القدرة متاما‬
‫كما نص عليه اإلم ام الطح اوي‪ ،‬وال جيعل ون كل فعل من ه ذه األفع ال ناش ئا عن ص فة‬
‫خاصة قائمة باهلل تع اىل كما يدعيه اجلهلة من اجملس مة‪ ،‬بل كل ه ذه األفع ال ناش ئة عن‬
‫صفة واحدة وهي القدرة‪.‬‬
‫واآليات اليت تنص على أن اهلل على كل شيء قدير كثرية منها‬
‫‪-‬قوله تعاىل يف سورة البقرة‪:‬‬
‫[يك اد ال ربق خيطف أبص ارهم كلما أض اء هلم مش وا فيه وإذا أظلم عليهم ق اموا ولو‬
‫شاء اهلل لذهب بسمعهم وأبصارهم إن اهلل على كل شيء قدير (‪])20‬‬
‫‪-‬وقوله تعاىل يف سورة البقرة‪:‬‬
‫[ود كثري من أهل الكت اب لو ي ردونكم من بعد إميانكم كف ارا حس دا من عند‬
‫أنفس هم من بعد ما ت بني هلم احلق ف اعفوا واص فحوا حىت ي أيت اهلل ب أمره إن اهلل على كل‬
‫شيء قدير (‪])109‬‬
‫‪-‬وقوله تعاىل يف سورة النحل‪:‬‬
‫[وهلل غيب الس ماوات واألرض وما أمر الس اعة إال كلمح البصر أو هو أق رب إن اهلل‬
‫على كل شيء قدير (‪])77‬‬
‫‪-‬وقوله تعاىل يف سورة العنكبوت‪:‬‬
‫[قل سريوا يف األرض فانظروا كيف بدأ اخللق مث اهلل ينشئ النشأة اآلخرة إن اهلل على‬
‫كل شيء قدير (‪])20‬‬
‫([‪       )]34‬الحظ أيها الق ارئ النبيه كيف عقب اإلم ام الطح اوي القواعد‬
‫السابقة هبذه العبارة‪ ،‬اليت تنص على أن اهلل تعاىل ال حيتاج إىل شيء‪ ،‬وهذا يعين بوضوح‬
‫أن اإلم ام الطح اوي يريد أن يق ول إن من خيالف العقائد الس ابقة على ما تق دم ش رحها‪،‬‬
‫فإنه يلزمه أن اهلل تعاىل حمتاج إىل غريه من املخلوقات‪ .‬وهذا كفر باهلل ال شك وال ريب‪.‬‬
‫وأدلة كون اهلل تعاىل غنيا كثرية منها‬
‫قوله تعاىل يف سورة آل عمران‬
‫‪[-‬ومن كفر فإن اهلل غين عن العاملني (‪])97‬‬
‫وقوله تعاىل يف سورة النساء‪:‬‬
‫‪[-‬وهلل ما يف الس ماوات وما يف األرض ولقد وص ينا ال ذين أوت وا الكت اب من قبلكم‬
‫وإي اكم أن اتق وا اهلل وإن تكف روا ف إن هلل ما يف الس ماوات وما يف األرض وك ان اهلل غنيا‬
‫محيدا (‪])131‬‬
‫وقوله تعاىل يف سورة األنعام‬
‫‪[-‬وربك الغين ذو الرمحة إن يشأ ي ذهبكم ويس تخلف من بع دكم ما يش اء كما‬
‫أنشأكم من ذرية قوم آخرين (‪])133‬‬
‫وقوله تعاىل يف سورة يونس‬
‫‪[-‬قالوا اختذ اهلل ولدا سبحانه هو الغين له ما يف السماوات وما يف األرض إن عندكم‬
‫من سلطان هبذا أتقولون على اهلل ما ال تعلمون (‪])68‬‬
‫واآليات الدالة على هذا املعىن يف القرآن كثرية‪.‬‬
‫إذن فاإلم ام الطح اوي متنبه النبن اء ه ذه القواعد املذكورة على قاع دة عظيمة هي‬
‫اس تغناء اهلل تع اىل عن كافة خلق ه‪ ،‬ولكنك ت رى أن ابن تيمية يص رح بكل ج رأة بل بكل‬
‫شناعة بأن اهلل تعاىل إذا احتاج إىل خملوقاته فهذا ال ينايف كماله‪ ،‬ألن خملوقاته‪ ،‬حمتاجة إليه‪،‬‬
‫فهو إن احتاج إليها فإنه حيتاج إىل من هو حمتاج إليه‪ ،‬فكأنه ال حيتاج إال إىل نفسه‪ .‬وهذا‬
‫كالم باطل بال ريب بينا بطالنه يف كت اب "الكاشف الص غري عن عقائد ابن تيمي ة"‪ .‬ف إن‬
‫اهلل إذا احت اج إىل خملوقاته فإنه يك ون فق ريا إليهم بال ريب‪ .‬وافتق اره إىل غ ريه وهم‬
‫املخلوقات ينايف كماله بالذات‪.‬‬
‫([‪       )]35‬بعد أن أش ار اإلم ام الطح اوي إىل بعض القواعد يف العقائ د‪ ،‬كما‬
‫س بق بيان ه‪ ،‬ونبه إىل أدلتها العقلي ة‪ ،‬اإلمجالي ة‪ ،‬ذكر هنا دليال نقليا حمكما ال شك يف داللته‬
‫على ما سبق بيانه وتفصيله‪ ،‬وهو قوله تعاىل يف سورة الشورى [فاطر السماوات واألرض‬
‫جعل لكم من أنفس كم أزواجا ومن األنع ام أزواجا ي ذرؤكم فيه ليس كمثله ش يء وهو‬
‫الس ميع البصري (‪ ،])11‬فه ذه اآلية من أق وى اآلي ات يف تنزيه اهلل تع اىل عن مش اهبة‬
‫املخلوقات من كل الوجوه‪ .‬وهي آية حمكمة كما ترى‪ ،‬فلو كان اهلل تعاىل مثل شيء من‬
‫خملوقاته لك ان حمتاجا إىل من يوج ده‪ ،‬ولكنه تع اىل ليس كمثله ش يء‪ ،‬فال ميكن أن يك ون‬
‫حمتاجا إىل غريه‪ .‬وهذا األسلوب من االستدالل هو عني ما جتده يف كبار كتب األشاعرة‬
‫من الداللة على وج وب ت نزه اهلل تع اىل عن ما مضى ذك ره من النق ائص بوج وب الكم ال‬
‫ل ه‪ ،‬ويس تدلون على ذلك بالعقل والنق ل‪ .‬فلو ك ان مثل غ ريه من وجه من الوج وه لك ان‬
‫حمتاجا مثل غريه‪ ،‬ألن األمثال تتساوى يف األحكام‪ ،‬وقد ثبت بالعقل حكم االحتياج لكل‬
‫ما سواه تعاىل‪ ،‬فلو قيل إن اهلل تعاىل يشبه غريه ولو من وجه من الوجوه‪ ،‬للزم على ذلك‬
‫قولنا أنه تع اىل مفتقر إىل غ ريه كافتق ار ما يس اويه إىل غ ريه‪ .‬ولكن ه ذا باط ل‪ ،‬إذن فاهلل‬
‫تعاىل ال ميكن أن يكون مماثال لغريه وال بوجه من الوجوه‪ ،‬وهذا سبق بيانه يف تفسري قوله‬
‫"وال يشبهه شيء"‪.‬‬
‫ق ال اإلم ام البيض اوي يف تفسري ه ذه اآلي ة‪":‬ليس كمثله ش يء أي ليس مثله ش يء‬
‫يزاوجه ويناسبه‪ ،‬واملراد من مثله ذاته‪،‬كما يف قوهلم مثلك ال يفعل كذا‪ ،‬على قصد املبالغة‬
‫يف نفيه عنه فإنه إذا نفى عمن يناس به ويسد مس ده ك ان نفيه عنه أوىل…مث ق ال…ومن‬
‫ق ال الك اف فيه زائ دة لعله عىن أنه يعطي معىن ليس مثل ه‪ ،‬غري أنه آكد ملا ذكرن اه‪ .‬وقيل‬
‫مثله صفته أي ليس كصفته صفة‪".‬اهـ‬
‫وقال الراغب يف املفردات يف معىن املثل‪":‬عبارة عن املشاهبة لغريه يف معىن من املعاين‬
‫أي معىن ك ان‪ ،‬وهو أعم األلف اظ املوض وعة للمش اهبة وذلك أن الند يق ال فيما يش ارك يف‬ ‫َّ‬
‫اجلوهر فق ط‪ ،‬والش به يق ال فيما يش ارك يف الكيفية فق ط‪ ،‬واملس اوي يق ال فيما يش ارك يف‬
‫الكمية فق ط‪ ،‬والش كل يق ال فيما يش اركه يف الق در واملس احة فق ط‪ ،‬واملِثْل ع ام يف مجيع‬
‫ذل ك‪ ،‬وهلذا ملا أراد اهلل تع اىل نفي التش بيه من كل وجه خصه بال ذكر فق ال‪[:‬ليس كمثله‬
‫شيء]‪".‬اهـ‬
‫وه ذه اآلية كما نص عليه العلم اء تنفي مطلق املش اهبة بني اهلل تع اىل وبني خملوقات ه‪،‬‬
‫فكل ما يتصف به املخلوق ات ال ميكن أن يتصف به اخلالق‪ ،‬وكل ما هو من ص فاته عز‬
‫وجل فال ميكن أن يتف به املخلوقات‪ .‬وهي تنفي املشاهبة من مجيع اجلهات‪ ،‬ال من حيث‬
‫ال ذات فق ط‪ .‬وه ذا ما أراده البيض اوي واألص فهاين من ق وهلم أن الك اف تفيد املبالغة يف‬
‫النفي‪.‬‬
‫([‪       )]36‬الب اء يف قوله "بعلم ه" لإللص اق‪ ،‬واملعي ة‪ ،‬ومعىن ذلك أن اهلل تع اىل‬
‫خلق اخلل ق‪ ،‬وهو ع امل مبا خل ق‪ ،‬وذلك ألنه ال ميكن أن يوجد فعل اخللق من واحد بال‬
‫كونه عاملا مبخلوقات ه‪ .‬فكونه خالقا يس تلزم كونه عاملا ض منا‪ .‬ول ذلك ق ال اهلل تع اىل يف‬
‫س ورة املل ك‪ [:‬وأس روا ق ولكم أو اجه روا به إنه عليم ب ذات الص دور (‪ )13‬أال يعلم من‬
‫خلق وهو اللطيف اخلبري (‪ ،])14‬ففي ه ذه اآلية املبارك ة‪ ،‬ينص اهلل تع اىل على أنه يعلم‬
‫املخلوقات‪ ،‬وال تظن أنه يفهم من اآلية أنه تعاىل ال يعلم إال ما خيلق‪ ،‬بل إهنا تدل على أنه‬
‫بع دما ثبت أن اهلل تع اىل هو اخلالق‪ ،‬فإنه جيب أن يثبت أيضا أنه ع امل مبا خل ق‪ .‬ونق ول لو‬
‫فرض نا أيضا أن اهلل تع اىل ليس خالقا لبعض املوج ودات‪ ،‬فهو ع امل هبا بال ش ك‪ ،‬ف اخللق‬
‫ليس علة على العلم‪ ،‬بل إنه دليل علي ه‪ ،‬ويتض منه‪ ،‬فثب وت اخللق دليل على ثب وت العلم‪،‬‬
‫وليس علة لوج وده‪ ، .‬ففي ه ذه اآلية املبارك ة‪ ،‬ينص اهلل تع اىل على أنه يعلم املخلوق ات‪،‬‬
‫وال تظن أنه ال يعلم إال ما خيلق‪ ،‬بل إهنا تدل على أنه بعدما ثبت أن اهلل تعاىل هو اخلالق‪،‬‬
‫فإنه جيب أن يثبت أيضا أنه عامل مبا خلق‪ .‬ونقول لو فرضنا أيضا أن اهلل تعاىل ليس خالقا‬
‫لبعض املوجودات‪ ،‬فهو عامل هبا بال شك‪ ،‬فاخللق ليس علة على العلم‪ ،‬بل إنه دليل عليه‪،‬‬
‫ويتضمنه‪ ،‬فثبوت اخللق دليل على ثبوت العلم‪ ،‬وليس علة لوجوده‪.‬‬
‫وقد يفهم البعض من ق ول الطحاوي "خلق اخلق بعلم ه" أنه تع اىل خيلق بعلم ه‪ ،‬وه ذا‬
‫حمض ت وهم‪ ،‬مبين على أن الب اء س ببية‪ ،‬بل املراد كما نبهن اك أن علم اهلل تع اىل مص احب‬
‫خللق ه‪ ،‬وإمنا خيلق اهلل تع اىل املخلوق ات بقدرت ه‪ ،‬ومن ش رط ك ون الق ادر ق ادرا أن يك ون‬
‫عاملا‪ ،‬ألن كل قادر مريد‪ ،‬وكل مريد عامل مبا يريد‪.‬‬
‫ق ال تع اىل يف س ورة البق رة‪[:‬ق ال يا آدم أن بئهم بأمسائهم فلما أنب أهم بأمسائهم ق ال أمل‬
‫أقل لكم إين أعلم غيب السماوات واألرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون (‪])33‬‬
‫وقال تعاىل يف سورة البقرة‪ [:‬كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا‬
‫ش يئا وهو خري لكم وعسى أن حتب وا ش يئا وهو شر لكم واهلل يعلم وأنتم ال تعلم ون (‬
‫‪])216‬‬
‫هذه اآلية تدل على أن اهلل تعاىل يعلم الشر واخلري قبل وقوعه‪ ،‬ويعلم اخلري من الشر‪،‬‬
‫ومعلوم أن العلم بالشيء قبل وقوعه يستلزم أن يكون العلم سابقا على املعلوم‪ ،‬ال تاليا له‬
‫وال مصاحبا له كما ادعى بعض احلمقى‪.‬‬
‫وق ال تع اىل يف س ورة النس اء‪ [:‬إمنا التوبة على اهلل لل ذين يعمل ون الس وء جبهالة مث‬
‫يتوبون من قريب فأولئك يتوب اهلل عليهم وكان اهلل عليما حكيما (‪])17‬‬
‫قوله تع اىل وك ان اهلل عليما حكيم ا‪ ،‬ي دل على أزلية علمه املتعلق بكل األم ور اجلزئية‬
‫والكلية‪ ،‬فهو تعاىل يعلم التائب من غري التائب بعلمه األزيل‪.‬‬
‫وقال تعاىل يف سورة النساء‪ [:‬وما تفعلوا من خري فإن اهلل كان به عليما (‪])127‬‬
‫وه ذه اآلية أيضا ت دل على أس بقية علم اهلل تع اىل للمعل وم‪ .‬وه ذا معىن ك ون علم اهلل‬
‫تعاىل أزليا‪ .‬والحظ أنه ال جيوز أن يقول قائل أنه رمبا أراد الطحاوي بذلك كون علم اهلل‬
‫قدميا ولكن ليس أزليا‪ ،‬أي أنه أراد جمرد كون علمه تعاىل سابقا للمعلوم‪ ،‬وهذا ال يستلزم‬
‫األزلي ة‪ .‬ف اجلواب‪ :‬أن اإلم ام الطح اوي ال ميكن أن يك ون قد أراد ه ذا املعىن ألنه نفى‬
‫س ابقا أن يك ون اهلل تع اىل قد اتصف بص فة غري قدمية أو حادث ة‪ ،‬وه ذا التفسري لقوله ال‬
‫يصح إال على الق ول بأنه تع اىل جيوز اتص افه ب احلوادث‪ ،‬وهو منفي عند أهل الس نة كما‬
‫صرح به الطحاوي‪ .‬فلزم أن يكون أراد أزلية علم اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وقال تعاىل يف سورة التوبة‪[:‬لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا التبعوك ولكن بعدت‬
‫عليهم الش قة وس يحلفون باهلل لو اس تطعنا خلرجنا معكم يهلك ون أنفس هم واهلل يعلم إهنم‬
‫لكاذبون (‪])42‬‬
‫ه ذه اآلية دليل على تعلق علم اهلل األزيل باجلزئي ات فضال عن الكلي ات‪ .‬ألنه ينص‬
‫هنا أنه يعلم أن هؤالء كاذبون‪ ،‬أي إهنم لن خيرجوا معك‪ .‬وهذا أمر جزئي‪.‬‬
‫وق ال تع اىل يف س ورة ه ود‪ [:‬وما من دابة يف األرض إال على اهلل رزقها ويعلم‬
‫مستقرها ومستودعها كل يف كتاب مبني (‪])6‬‬
‫وه ذه اآلية دليل ص ريح على تعلق علم اهلل تع اىل األزيل بكل األم ور الكلية واجلزي ة‪،‬‬
‫فهو يعلم جل شأنه كل ما يتعلق بالدواب بالتفصيالت منذ األزل‪.‬‬
‫وقال تعاىل يف سورة إب راهيم‪ [:‬أمل يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد ومثود‬
‫وال ذين من بع دهم ال يعلمهم إال اهلل ج اءهتم رس لهم بالبين ات ف ردوا أي ديهم يف أف واههم‬
‫وقالوا إنا كفرنا مبا أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب (‪])9‬‬
‫تأمل كيف ينص اهلل تع اىل على أنه يعلم من جييء من بعد تلك األق وام املذكورة‪،‬‬
‫وه ذا ي دل على تعلق علمه تع اىل األزيل باملس تقبالت من األم ور واحلوادث‪ .‬وتنبه إىل أن‬
‫قولنا باملس تقبالت فإمنا تك ون احلوادث من األم ور املس تقبلة بالنس بة للمخلوق ات وأما‬
‫بالنسبة هلل فعلمه هبا علم أزيل حضوري‪ ،‬أي حاضر دفعة ال على التعاقب كعلم البشر‪.‬‬
‫وقال تعاىل يف سورة احلجر‪ [:‬وما أهلكنا من قرية إال وهلا كتاب معلوم (‪])4‬‬
‫وق ال تع اىل يف س ورة احلج ر‪ [:‬وإن من ش يء إال عن دنا خزائنه وما ننزله إال بق در‬
‫معلوم (‪])21‬‬
‫هذا يدل على أن اهلل تعاىل عامل بكل ما خيلقه وقبل أن خيلقه‪.‬‬
‫وق ال تع اىل يف س ورة ط ه‪ [:‬ق ال علمها عند ريب يف كت اب ال يضل ريب وال ينسى (‬
‫‪])52‬‬
‫وق ال تع اىل يف س ورة لقم ان‪ [:‬إن اهلل عن ده علم الس اعة وي نزل الغيث ويعلم ما يف‬
‫األرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض متوت إن اهلل عليم‬
‫خبري (‪])34‬‬
‫وهذه اآلية املشهورة تدل داللة قاطعة على أن اهلل تعاىل يعلم املستقبالت من األمور‬
‫علما تفصيليا ال يتغري وال يتبدل‪ .‬وإن إحاطة علمه تعاىل بالتفصيالت خاصية من خواصه‪.‬‬
‫وق ال تع اىل يف س ورة ف اطر‪ [:‬واهلل خلقكم من ت راب مث من نطفة مث جعلكم أزواجا‬
‫وما حتمل من أن ثى وال تضع إال بعلمه وما يعمر من معمر وال ينقص من عم ره إال يف‬
‫كتاب إن ذلك على اهلل يسري (‪])11‬‬
‫ويف ه ذا داللة على أن كل ما يتعلق بآج ال الن اس مكت وب يف كت اب من قبل‬
‫وجودهم‪.‬‬
‫ف‪ِ ،‬ض دٌّ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّديد‪ :‬املثْ ُل‪ ،‬واملُخال ُ‬
‫الضدُّ‪ ،‬بالكسر‪ ،‬والض ُ‬
‫([‪       )]37‬قال يف القاموس‪ِّ ":‬‬
‫ص َرفَه‪،‬‬ ‫ويكو ُن مَج عاً‪ ،‬ومنه‪{ :‬ويكونو َن عليهم ِض دًّا}‪ .‬وض دَّه يف اخل ِ‬
‫صومة‪َ :‬غلَبَ ه‪ ،‬وـ عنه‪َ :‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ضب‪ .‬وبنو ِضدٍّ‪ ،‬بالكسر‪ :‬قبيلةٌ من ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وضاده‪:‬‬
‫َّ‬ ‫عاد‪.‬‬ ‫ومَن َعه بِ ِرفْ ٍق‪ ،‬وـ الق ْربةَ‪َ :‬مألَها‪َ .‬‬
‫وأضدَّ‪َ :‬غ َ‬ ‫َ‬
‫تضاد ِان‪".‬أهـ‬
‫خالََفه‪ .‬ومها ُم َّ‬
‫([‪       )]38‬األنداد مجع نِ ٍّد وهو املثل‪ ،‬كما قال يف القاموس‪ ،‬ودقق األصفهاين يف‬
‫هذا املعىن يف املفردات فقال‪":‬نديد الشيء مشاركة يف جوهره وذلك ضرب من املماثلة‪،‬‬
‫أي مش اركة ك انت‪ ،‬فكل ند مثل وليس كل مثل ن دا‪ ،‬ويق ال نِ دُّه‬ ‫ف إن املثل يق ال له يف ِّ‬
‫ونديده ونديدته‪ ،‬قال تعاىل(فال جتعلوا هلل أندادا)وقال تعاىل(ومن الناس من يتخذ من دون‬
‫اهلل أندادا) وقال تعاىل(وجتعلون له أندادا)‪".‬اهـ‬
‫([‪       )]39‬ق ال اإلم ام العز بن عبد الس الم يف بداية الس ول يف تفض يل‬
‫الرس ول‪":‬ق ال اهلل تع اىل لنبينا حممد ص لوات اهلل عليه وس المه‪ ،‬متمننا عليه معرفا لق دره‬
‫لدي ه(وأن زل اهلل عليك الكت اب واحلكمة وعلمك ما مل تكن تعلم‪ ،‬وك ان فضل اهلل عليك‬
‫عظيم ا)[النس اء‪ ،]113:‬وقد فضل اهلل تع اىل بعض الرسل على بعض فق ال‪( :‬تلك الرسل‬
‫فض لنا بعض هم على بعض)[البق رة‪ ،]253:‬والتفض يل األول ص ريح يف أصل املفاض لة‪،‬‬
‫والث اين يف تض عيف املفاض لة ب درجات‪ ،‬ونكرها تنكري التعظيم مبعىن درج ات أي‬
‫درج ات‪".‬اهـ مث ش رع اإلم ام العز يف ذكر وج وه التفض يل لس يدنا حممد على ب اقي الرسل‬
‫واألنبياء‪.‬‬
‫([‪       )]40‬قال اهلل تعاىل يف سورة األحزاب (ما كان حممد أبا أحد من رجالكم‬
‫ولكن رسول اهلل وخامت النبيني)[‪.]40‬‬
‫وروى البخاري يف صحيحه عن مطعم عن أبيه رضي اهلل تعاىل عنه‪   ‬قال قال رسول‬
‫اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يل مخسة أمساء أنا حممد وأمحد وأنا املاحي ال ذي ميحو اهلل يب‬
‫الكفر وأنا احلاشر الذي حيشر الناس على قدمي وأنا العاقب‪.‬‬
‫وزاد الرتم ذي والط رباين يف معجمه الكبري يف روايتها عن ه‪ :‬وأنا الع اقب ال ذي ليس‬
‫بعدي نيب ويف الباب عن قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح‪ .‬ويف رواية ابن حبان‬
‫عن حممد بن جبري بن مطعم عن أبيه أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال إن يل أمساء‬
‫أنا حممد وأنا أمحد وأنا املاحي الذي ميحو اهلل يب الكفر وأنا احلاشر الذي حيشر الناس على‬
‫قدمه وأنا العاقب الذي ليس بعده نيب‪ .‬وقد مساه اهلل رؤوفا رحيما‪.‬‬
‫ويف املستدرك على الصحيحني عن عوف بن مالك األشجعي قال‪   ‬انطلق النيب صلى‬
‫اهلل عليه وس لم وأنا معه حىت دخلنا كنيسة اليه ود فق ال يا معشر اليه ود أروين اثين عشر‬
‫رجال يشهدون أن ال إله إال اهلل وأن حممدا رسول اهلل حيط اهلل عن كل يهودي حتت أدمي‬
‫الس ماء الغضب ال ذي غضب عليهم ق ال فأس كتوا ما أجابه منهم أحد مث رد عليهم فلم‬
‫جيبه منهم أحد فق ال أبيتم فواهلل ألنا احلاشر وأنا الع اقب وأنا النيب املص طفى آمنتم أو‬
‫ك ذبتم مث انص رف وأنا معه حىت ك دنا أن خنرج ف إذا رجل من خلفنا يق ول كما أنت يا‬
‫حممد فق ال ذلك الرجل أي رجل تعلم وين فيكم يا معشر اليه ود ق الوا واهلل ما نعلم أنه‬
‫كان فينا رجل أعلم بكتاب اهلل منك وال أفقه منك وال من أبيك قبلك وال من جدك قبل‬
‫أبيك قال فإين أشهد له باهلل أنه نيب اهلل الذي جتدونه يف التوراة فقالوا كذبت مث ردوا عليه‬
‫قوله وقالوا فيه شرا فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كذبتم لن يقبل قولكم أما آنفا‬
‫فتثن ون عليه من اخلري ما أث نيتم وأما إذا آمن فك ذبتموه وقلتم فيه ما قلتم فلن يقبل ق ولكم‬
‫قال فخرجنا وحنن ثالثة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وأنا وعبد اهلل بن سالم وأنزل‪  ‬‬
‫اهلل تعاىل فيه قل أرأيتم إن كان من عند اهلل وكفرمت به اآلية‪ .‬صحيح على شرط الشيخني‬
‫ومل خيرجاه إمنا اتفقا على حديث محيد عن أنس أي رجل عبد اهلل بن سالم فيكم خمتصرا‪.‬‬
‫([‪       )]41‬رواه ابن ماجه يف سننه عن أيب سعيد قال قال رسول اهلل‪  ‬صلى اهلل‬
‫عليه وس لم أنا سيد ولد آدم وال فخر وأنا أول من تنشق األرض عنه يوم القيامة وال فخر‬
‫وأنا أول شافع وأول مشفع وال فخر ولواء احلمد بيدي يوم القيامة وال فخر‪.‬‬
‫ورواه ابن حبان عن واثلة بن األسقع قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إن اهلل‬
‫اص طفى كنانة من ولد إمساعيل واص طفى قريشا من كنانة واص طفى بين هاشم من ق ريش‬
‫واص طفاين من بين هاشم فأنا س يد ولد آدم وال فخر وأول من تنشق عنه األرض وأول‬
‫شافع وأول مشفع‪.‬‬
‫ورواه أيضا عن عبد اهلل‪.‬‬
‫ورواه مس لم عن أيب هري رة بلفظ ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم أنا س يد ولد‬
‫آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القرب وأول شافع وأول مشفع‪.‬‬
‫ورواه اإلم ام أمحد يف مس نده عن ابن أيب خالد ق ال نظ رت عائشة إىل النيب ص لى اهلل‬
‫عليه وس لم فق الت يا س يد الع رب فق ال هلا رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم أنا س يد ولد‬
‫آدم وال فخر وأبوك سيد كهول العرب وعلي سيد شباب العرب‪.‬‬
‫ورواه غريهم‪.‬‬
‫([‪       )]42‬رواه أمحد بن عمرو بن الضحاك يف اآلحاد واملثاين عن ثوبان رضي‬
‫اهلل تع اىل عنه ق ال ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم إن اهلل عز وجل زوى يل األرض‬
‫فرأيت مشارقها ومغارهبا وأن أميت سيبلغ ملكها ما زوى يل منها وأعطيت الكنزين األمحر‬
‫واألبيض وإين س ألت ريب عز وجل ألميت أن ال يهلكها بس نة عامة وأن ال يس لط عليهم‬
‫ع دوا من س وى أنفس هم فيس تبيح بيض تهم وإن ريب عز وجل ق ال يا حممد إين إذا قض يت‬
‫قض اء فإنه ال ي رد وإين أعطيتك ألمتك أن ال أهلكهم بس نة عامة وإن ال أس لط عليهم‬
‫ع دوا من س وى أنفس هم فيس تبيح بيض تهم ولو اجتمع عليهم من بني أقطارها حىت يك ون‬
‫بعضهم يهلك بعضا وبعضهم يسيب بعضا وإن أخوف ما أخاف على أميت األئمة املضلني‬
‫وال تق وم الس اعة حىت تلحق قبائل من أميت املش ركني وحىت تعبد األوث ان وأنه س يكون يف‬
‫أميت ثالثون كذابا كلهم يزعم أنه نيب وأنه ال نيب بعدي وأنه ال تزال طائفة من أميت على‬
‫احلق ظاهرين ال يضرهم من خذهلم حىت يأيت أمر اهلل عز وجل وهي كذلك‪.‬‬
‫([‪       )]43‬يطلق الق رآن على ما يف الص دور وعلى ما يف الل وح احملف وظ وعلى‬
‫املسموع بالصوت واحلرف‪ ،‬قال تعاىل يف سورة العنكبوت(بل هو آيات بينات يف صدور‬
‫الذين أوتوا العلم)‪ ،49‬وقال يف سورة الربوج(بل هو قرآن جميد يف لوح حمفوظ)‪،21،22‬‬
‫وقال يف سورة األحقاف(وإذ صرفنا إليك نفرا من اجلن يستمعون القرآن)‪.29‬‬
‫مقدمة يف الكالم النفسي واللفظي‪:‬‬
‫ي دعي كثري من اجلهلة أنه ال يوجد ش يء امسه كالم نفسي وال ح ديث نفسي وال‬
‫قول نفسي‪ ،‬بل كل القول لديهم لفظي بصوت وحرف‪ ،‬وما كان بال صوت وال حرف‬
‫فليس بكالم أص ال‪ .‬وه ذا الكالم باطل ال دليل عليه إال اتب اع اهلوى والتعنت‪ .‬وسو ف‬
‫ن بني لك فيما يلي وج ود أصل للكالم النفسي وغ ريه يف كالم الع رب والس لف باختص ار‬
‫كما يليق هبذا الكتاب‪:‬‬
‫ق ال اهلل تع اىل يف س ورة اجملادل ة(أمل تر إىل ال ذين هنوا عن النج وى مث يع ودون ملا هنوا‬
‫عنه ويتن اجون ب اإلمث والع دوان ومعص ية الرس ول وإذا ج اءوك حي وك مبا مل حييك به اهلل‬
‫ويقولون يف أنفسهم لوال يعذبنا اهلل مبا نقول حسبهم جهنم يصلوهنا فبئس املصري (‪.)8‬‬
‫وقال تعاىل يف سورة يوسف(قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف‬
‫يف نفسه ومل يبدها هلم قال أنتم شر مكانا واهلل أعلم مبا تصفون (‪)77‬‬
‫وقال تعاىل يف سورة األعراف‪(:‬اذكر ربك يف نفسك تضرعا وخيفة ودون اجلهر من‬
‫القول بالغدو واآلصال وال تكن من الغافلني (‪)205‬‬
‫وروى الط رباين يف األح اديث الط وال عن س المة العجلي يف قصة س لمان الفارسي‬
‫رضي اهلل تع اىل عنه ح ديثا ط ويال وفي ه‪ :‬فأخ ذين غم وح دثت نفسي ب الفرار فقلت أصرب‬
‫أح دين أو ثالثة فلما ك ان ي وم األحد رجعنا إليهم ف أفطروا واجتمع وا فق ال هلم اين أريد‬
‫بيت املقدس…وفيه… فنظرت بني كتفيه فرأيت خامت النبوة مثل بيضة احلمامة فأسلمت‬
‫مث قلت له ذات ي وم يا رس ول اهلل أي ق وم النص اري ق ال ال خري فيهم وكنت أحبهم حبا‬
‫شديدا ملا رأيت من اجتهادهم مث اين سألته أيضا بعد أيام يا رسول اهلل أي قوم النصارى‬
‫ق ال ال خري فيهم وال فيمن حيبهم قلت يف نفسي فأنا واهلل أحبهم ق ال وذاك واهلل حني‬
‫بعث السرايا وجرد السيف فسرية تدخل وسرية خترج والسيف يقطر قلت حيدث يب اآلن‬
‫أين أحبهم فيبعث إيل فيضرب عنقي فقعدت يف البيت فجاءين الرسول ذات يوم فقال يا‬
‫س لمان أجب قلت من ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم قلت ه ذا واهلل ال ذي كنت‬
‫أح ذر قلت نعم ان اذهب حىت أحلقك ق ال ال واهلل حىت جتيء وأنا أح دث نفسي أن لو‬
‫ذهب أن أفر ف انطلق يب ف انتهيت إليه فلما رآين تبسم وق ال يل يا س لمان أبشر فقد ف رج‬
‫اهلل عنك مث تال علي هؤالء اآليات الذي آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا تتلى‬
‫عليهم آياتنا ق الوا آمنا به انه احلق من ربنا أنا كنا من قبله مس لمني أولئك يؤت ون أج رهم‬
‫م رتني مبا ص ربوا وي درؤون باحلسنة السيئة ومما رزقن اهم ينفقون وإذا مسعوا اللغو أعرضوا‬
‫عنه وق الوا لنا أعمالنا ولكم أعم الكم س الم عليكم ال نبتغي اجلاهلني قلت وال ذي بعثك‬
‫باحلق لقد مسعته يقول لو أدركته وأمرين أن أوقع يف النار لوقعتها انه نيب ال يقول اال حقا‬
‫وال يأمر اال باحلق‪.‬‬
‫وروى ال بيهقي يف سننه الك ربى عن عب ادة بن الوليد بن عب ادة بن الص امت ق ال أتينا‬
‫جابر بن عبد اهلل يف مسجده فذكر قصته قال فقال جابر فذهب رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وس لم يقضي حاجته فاتبعته ب إداوة من م اء فنظر رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم فلم ير‬
‫شيئا يتسرت به فإذا شجرتان بشاطيء الوادي فانطلق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إىل‬
‫أحدامها فأخذ غصنا من أغصاهنا فقال انقادي علي بإذن اهلل تعاىل فانقادت معه كالبعري‬
‫املخش وش ال ذي يص انع قائ ده حىت أتى الش جرة األخ رى فأخذ بغصن من أغص اهنا فق ال‬
‫انق ادي على ب إذن اهلل تع اىل فانق ادت معه ك ذلك حىت إذا ك ان باملنصف فيما بينهما ألم‬
‫بينهما يعين مجع بينهما فقال التئما على بإذن اهلل تعاىل فالتأمتا قال جابر فجلست أحدث‬
‫نفسي فح انت مين لفتة ف إذا أنا برس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم مقبل وإذا الش جرتان قد‬
‫افرتقتا فق امت كل واح دة منهما على س اق وذكر ب اقي احلديث رواه مس لم يف الص حيح‬
‫عن هارون بن معروف‪.‬‬
‫وروى ال بيهقي أيضا يف س ننه الك ربى عن س ليمان بن يس ار أن بن عمر رضي اهلل‬
‫تع اىل عنهم ا‪     ‬زوج ابنا له ابنة أخيه عبيد اهلل بن عمر وابنه ص غري يومئذ ومل يف رض هلا‬
‫ص داقا فمكث الغالم ما مكث مث م ات فخاصم خ ال اجلارية بن عمر إىل زيد بن ث ابت‬
‫فق ال بن عمر لزيد إين زوجت ابين وأنا أح دث نفسي أن أص نع به خ ريا فم ات قبل ذلك‬
‫ومل يف رض للجارية ص داقا فق ال زيد فلها املرياث إن ك ان للغالم م ال وعليها الع دة وال‬
‫صداق هلا‪.‬‬
‫ويف مسند أيب يعلى عن‪  ‬إبراهيم بن حممد بن سعد قال حدثين والدي حممد عن أبيه‬
‫س عد ق ال‪   ‬م ررت بعثم ان بن عف ان يف املس جد فس لمت عليه فمأل عينيه مين مث مل ي رد‬
‫الس الم علي ف أتيت أمري املؤم نني عمر بن اخلط اب فقلت يا أمري املؤم نني هل ح دث يف‬
‫اإلس الم ش يء ق ال وما ذاك قلت ال إال أين م ررت بعثم ان آنفا يف املس جد فس لمت عليه‬
‫فمأل عينيه مين مث مل يرد علي السالم قال فأرسل عمر اىل عثمان فدعاه فقال ما مينعك أن‬
‫تكون رددت على أخيك السالم قال عثمان ما فعلت قال سعد قلت بلى قال حىت حلف‬
‫وحلفت قال مث إن عثمان ذكر فقال بلى فأستغفر اهلل وأتوب اليه إنك مررت يب آنفا وأنا‬
‫أحدث نفسي بكلمة مسعتها من رسول اهلل‪   ‬صلى اهلل عليه وسلم‪   ‬ال واهلل ما ذكرهتا قط‬
‫إال تغشى بص ري وقليب غش اوة فق ال س عد فأنا أنبئك هبا إن رس ول اهلل‪   ‬ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم‪   ‬ذكر لنا أول دع وة مث ج اء أع رايب فش غله مث ق ام رس ول اهلل‪   ‬ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم‪   ‬فاتبعته فلما أش فقت أن يس بقين اىل منزله فض ربت بق دمي األرض ف التفت إيل‬
‫رسول اهلل‪   ‬صلى اهلل عليه وسلم‪   ‬فقال من هذا أبو إسحاق قال قلت نعم يا رسول اهلل‬
‫قال فمه قال قلت وال واهلل إال أنك ذكرت لنا أول دعوة مث جاء هذا األعرايب فقال نعم‬
‫دعوة ذي النون ال إله إال أنت سبحانك إين كنت من الظاملني فإنه مل يدع هبا مسلم ربه‬
‫يف شيء قط إال استجاب له‪.‬‬
‫ويف مسند اإلمام أمحد عن بن عباس قال جاء رجل إىل النيب‪   ‬صلى اهلل عليه وسلم‪  ‬‬
‫فق ال‪   ‬يا رس ول اهلل اىن أح دث نفسي بالش يء ألن أخر من الس ماء أحب إىل من ان‬
‫أتكلم به قال فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم اهلل أكرب اهلل أكرب اهلل أكرب احلمد هلل الذي رد‬
‫كيده إىل الوسوسة‪.‬‬
‫وروى اإلمام البخاري عن ابن عباس يف احلديث الطويل يف قصة السقيفة‪ ،‬وفيها قول‬
‫عمر ‪ :‬فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت قد زورت مقالة أعجبتين أردت أن أقدمها بني‬
‫يدي أيب بكر وكنت أداري منه بعض احلد فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر على رسلك‬
‫فك رهت أن أغض به فتكلم أبو بكر فك ان هو أحلم مين وأوقر واهلل ما ت رك من كلمة‬
‫أعجبتين يف تزويري إال قال يف بديهته مثلها أو أفضل منها‪.‬‬
‫وروى البخاري يف صحيحه عن أيب هريرة‪   ‬رضي اهلل تعاىل عنه‪   ‬قال قال النيب‪  ‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪     ‬يقول‪   ‬اهلل تعاىل‪   ‬أنا عند ظن عبدي يب وأنا معه إذا ذكرين فإن‬
‫ذك رين يف نفسه ذكرته يف نفسي وإن ذك رين يف مأل ذكرته يف مأل خري منهم وإن تق رب‬
‫إيل ش ربا تق ربت إليه ذراعا وإن تق رب إيل ذراعا تق ربت إليه باعا وإن أت اين ميشي أتيته‬
‫هرولة‪.‬‬
‫([‪       )]44‬قال العالمة األصفهاين يف املفردات‪":‬بدا الشيء بَ ْدواً وبَداءا أي ظهر‬
‫ظهورا بينا‪ ،‬قال اهلل تعاىل(وبدا هلم من اهلل ما مل يكونوا حيتسبون – وبدا هلم سيئات ما‬
‫كسبوا – فبدت هلما سوآهتما)‪.‬اهـ‬
‫واعلم أن معىن ب دا غري معىن ب دأ‪ ،‬فب دأ كما ق ال األص فهاين ب دأت بك ذا وأب دأت‬
‫وابت دأت أي ق دمت‪ ،‬والب دء واإلب داء تق دمي الش يء على غ ريه ض ربا من التق دمي‪ ،‬ق ال‬
‫تع اىل(وب دأ خلق اإلنس ان من طني)‪ ،‬وق ال تع اىل(اهلل يب دأ اخللق – كما ب دأكم تع ودون)‪،‬‬
‫ومب دأ الش يء هو ال ذي منه ي رتكب أو منه يك ون‪ ،‬ف احلروف مب دأ الكالم واخلشب مب دأ‬
‫الباب والسرير‪..‬اخل‪".‬اهـ‬
‫وكثريا ما يلتبس قوهلم منه بدا بقوهلم منه بدأ‪ .‬والفرق بينهما كبري‪ ،‬فبدا بال مهز تعين‬
‫مطلق الظهور ألمر‪ ،‬وظهور أمر يستلزم أنه كان موجودا‪ ،‬ولكنه ظهر للغري بعد أن كان‬
‫خافيا عليه‪ .‬وأما ب دأ الش يء‪ ،‬فمعن اه بال توقف وج وده بعد كونه غري موج ود‪ .‬وه ذا‬
‫الكالم ي دل داللة قاطعة على أن كالم اهلل تع اىل ق دمي ال بداية ل ه‪ ،‬ولكن ظه وره هو‬
‫احملدث‪ .‬وظه ور الش يء غري نفس الش يء‪ .‬ف افهم‪ ،‬ف إن ه ذه اإلش ارة حتل كث ريا من‬
‫إشكاالت اجملسمة‪.‬‬
‫([‪       )]45‬ق ال العالمة األص فهاين‪ :‬كيف لفظ يس أل به عما يصح أن يق ال فيه‬
‫شبيه وغري شبيه‪ ،‬كاألبيض واألسود والصحيح والسقيم‪ ،‬وهلذا ال يصح أن يقال يف اهلل عز‬
‫وجل كيف‪".‬اهـ‬
‫واحلاصل كما نص عليه الشريف اجلرجاين وغريه من العلماء فالكيف هو اهليئة القارة‬
‫للش يء‪ ،‬واملقص ود باهليئة هي الص ورة‪ ،‬والش كل املعني‪ .‬وهي هنا الص وت واحلرف‪ ،‬وأن‬
‫حيتاج اهلل تعاىل للفم واللسان واللهوات وغري ذلك من صفات احلوادث‪ .‬فكل ذلك منفي‬
‫يف حقه تعاىل وهو من قبيل تشبيهه تعاىل باملخلوقات‪.‬‬
‫ق ال الب ابريت يف ش رحه على الطحاوي ة‪":‬وأراد بنفي الكيفية عنه إثب ات أزليته ردا على‬
‫املعتزلة والكرامية‪ ،‬ونفي كونه من جنس احلروف واألصوات ردا على احلنابلة‪ ،‬وذلك ألن‬
‫كالم اهلل صفته القائمة بذاته‪ ،‬فيكون قدميا كسائر صفاته‪ ،‬إذ لو كان حادثا فإما أن حيدث‬
‫يف ذاته كما زعمت الكرامي ة‪ ،‬فيصري ذاته حمال للح وادث‪ ،‬وهو ال جيوز‪ ،‬أو ال يف حمل‬
‫وهو حمال أيض ا‪ ،‬ألن الكالم ع رض فال بد له من حمل‪ ،‬أو ح دث يف حمل آخر فيك ون‬
‫املتكلم ذلك احملل ال خالقه‪.‬‬
‫وق ول احلنابلة وهو أنه ح روف غري خملوقة قائمة بذاته أيضا باطل ألن احلروف تت واىل‬
‫ويقع بعضها مسبوقا ببعض وكل مسبوق حادث‪ ،‬وألن احلروف ال تصدر إال من اآلالت‬
‫وهي احللق والشفة وغريمها‪ ،‬فيلزم من التجسيم تعاىل اهلل عن ذلك‪".‬اهـ‬
‫([‪       )]46‬كلمة "ق وال" متعلقة بقوله ب دا‪ ،‬مبعىن أن الكالم ملا ب دا من اهلل تع اىل‬
‫بدا منه قوال‪ ،‬ال معىن فقط‪ ،‬وذلك خالفا ملن قال إن القرآن أوحى اهلل تعاىل به إىل جربيل‬
‫عليه الس الم ب املعىن وهو عرب عنه باأللف اظ املنزلة على س يدنا حمم د‪ .‬وه ذا الق ول ال دليل‬
‫علي ه‪ .‬ف احلق إذن أن الق رآن ب دا من اهلل تع اىل كما أن زل على س يدنا حممد مل يتص رف فيه‬
‫أحد من اخللق‪.‬‬
‫([‪       )]47‬ق ال اهلل تع اىل يف س ورة الش ورى‪‬وما ك ان لبشر أن يكلمه اهلل إال‬
‫فيوحي بإذنه ما يشاء‪ ،‬إنه على ما يشاء قدير(‬‫َ‬ ‫وحيا أو من وراء حجاب‪ ،‬أو يرسل رسوال‬
‫‪ ،)51‬وقد وردت أدلة ت دل على أن ال وحي ب القرآن ك ان من الل وح احملف وظ كما يف‬
‫املعجم الص غري للط رباين عن ابن عب اس عن دما ق الت ق ريش للنيب ‪" ‬فق الوا ه ذا‪-‬أي ما‬
‫وع دوه به من م ال ونس اء وغري ذل ك‪ -‬لك عن دنا يا حممد وكف عن ش تم آهلتنا وال‬
‫تذكرها بشر فإن بغضت فإنا نفرض عليك خصلة واحدة ولك فيها صالح قال وما هي‬
‫قال تعبد إهلنا سنة الالت والعزى ونعبد إهلك سنة ق ال حىت أنظر ما ي أتيين من ريب فجاء‬
‫ال وحي من عند اهلل عز وجل من الل" " " ""وح المحف" " " ""وظ قل يا أيها الك افرون ال أعبد ما‬
‫تعب دون الس ورة وأن زل اهلل تع اىل{قل أفغري اهلل ت أمروين أعبد أيها اجلاهلون} بل اهلل فأعبد‬
‫وكن من الشاكرين‪.‬‬
‫وقال تعاىل يف سورة القدر(إنا أنزلناه يف ليلة القدر) والظاهر من هذا التعبري أنه أنزله‬
‫مجيعه يف تلك الليلة‪ ،‬خالفا ملن قال إنه بدأ تنزيله فيها‪ .‬وقد أشار أبو السعود إىل القولني‬
‫يف تفس ريه فق ال يف(‪":)9/182‬واملراد بإنزاله فيها إما إن زال كله إىل الس ماء ال دنيا كما‬
‫روي أنه أن زل مجلة واح دة‪ ،‬يف ليلة الق در‪ ،‬من الل وح احملف وظ إىل الس ماء ال دنيا‪ ،‬وأماله‬
‫جربيل عليه الس الم على الس فرة مث ك ان ينزله على النيب ص لى اهلل عليه وس لم يف ثالث‬
‫وعشرين سنة‪ ،‬وإما ابتداء إنزاله فيها كما نقل عن الشعيب‪".‬اهـ‪.‬‬
‫وقد رجح اإلمام الطربي يف تفسريه القول بأن إنزاله مت كامال يف ليلة القدر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يقول تعاىل ذكره‪ :‬إنا أنزلنا هذا القرآن مجلة واحدة إىل السماء الدنيا يف ليلة ال َق ْدر‪ ،‬وهي‬
‫علي ه ذا‬
‫ليلة احلُكْم اليت يقضي اهلل فيها قض اء الس نة وهو مص در من ق وهلم‪ :‬قَ َدر اهلل ّ‬
‫األمَر‪ ،‬فهو َي ْق ُدر قَ ْدرا‪ .‬وبنحو الذي قلنا يف ذلك قال أهل التأويل‪.‬اهـ‪ ،‬ويرجح هذا القول‬ ‫ْ‬
‫الروايات التالية‪:‬‬
‫روى احلاكم يف املستدرك عن سعيد بن جبري عن ابن عباس رضي اهلل تعاىل عنهما يف‬
‫قوله تع اىل {إنا أنزلن اه يف ليلة الق در} ق ال أن زل الق رآن مجلة واح دة يف ليلة الق در إىل‬
‫الس ماء ال دنيا وك ان مبوقع النج وم وك ان اهلل ينزله على رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫بعضه يف أثر بعض قال وقالوا {لوال نزل عليه القرآن مجلة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك‬
‫ورتلناه ترتيال} هذا حديث صحيح على شرطهما ومل خيرجاه‪.‬‬
‫ورواه البيهقي أيضا يف السنن الكربى‪.‬‬
‫وروى عن املعتمر ق ال ق ال أيب ح دثنا احلريث بن خمشي أن عليا قتل ص بيحة إح دى‬
‫وعش رين من رمض ان ق ال فس معت احلسن بن علي يق ول وهو خيطب وذكر من اقب علي‬
‫فقال قتل ليلة أنزل القرآن وليلة أسري بعيسى وليلة قبض موسى قال وصلى عليه احلسن‬
‫بن علي عليهما السالم هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه‪.‬‬
‫وروى الط رباين يف املعجم الكبري عن س عيد بن جبري عن بن عب اس يف قوله { إنا‬
‫أنزلن اه يف ليلة الق در} ق ال أن زل الق رآن مجلة واح دة حىت وضع يف بيت الع زة يف الس ماء‬
‫ال دنيا ونزله جربيل عليه الس الم على حممد ص لى اهلل عليه وس لم جبواب كالم يف الس ماء‬
‫ال دنيا ونزله جربيل عليه الس الم على حممد ص لى اهلل عليه وس لم جبواب كالم العب اد‬
‫وأعماهلم‪.‬‬
‫وه ذا يوافق ما ورد يف الق رآن الك رمي كقوله تع اىل (وقرآنا فرقن اه لتق رأه على الن اس‬
‫على مكث ونزلناه تنزيال)اإلسراء‪ ،106‬وقوله(وقال الذين كفروا لوال نزل عليه القرآن‬
‫مجلة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيال)الفرقان‪ .32‬وأيضا قوله تعالىفي سورة‬
‫الدخان(إنا أنزلناه يف ليلة مباركة)‪ ،3‬كل هذه األدلة تدل على أن إنزاله كان دفعة واحدة‬
‫من اللوح احملفوظ إىل السماء الدنيا‪.‬‬
‫الشعيب‪ ،‬أنه قال يف قول اهلل‪ :‬إنَّا أنْزلْناهُ يف لَْيلَة الْ َق ْد ِر‬
‫ّ‬ ‫وأما ما رواه اإلمام الطربي عن‬
‫ق ال‪ :‬ن زل ّأو ُل الق رآن يف ليلة الق در‪.‬اهـ أي ابت دأ إنزاله يف ليلة الق در‪ .‬فهو ض عيف‪ ،‬وقد‬
‫عيب‪ ،‬يف قول ه‪ :‬إنَّا أنْزلْن اهُ يف لَْيلَ ِة‬ ‫روى عنه الط ربي أيضا الق ول اآلخ ر‪  ‬بس ند آخر عن الش ّ‬
‫الْ َق ْد ِر قال‪ :‬بلغنا أن القرآن نزل مجلة واحدة إىل السماء الدنيا‪.‬اهـ فهذا نص من الشعيب يف‬
‫ما بلغه عن املتق دمني يف الق رآن‪ ،‬وأما الرواية األوىل فهي من رأيه وقول ه‪ ،‬وقد ت بني ض عفه‬
‫مبا تقدم‪.‬‬
‫وما ذكرناه يقويه الفرق الواضح بني "أنزلناه" وبني "نزلناه"‪ ،‬فاألوىل تدل على وقوع‬
‫الفعل مرة واحدة ودفعة واحدة‪ ،‬وأما الثانية فإهنا تدل على وقوعه على دفعات‪.‬واهلل تعاىل‬
‫أعلم‪.‬‬
‫([‪       )]48‬هذا الكالم يؤكد أن املراد بكالم اإلمام الطحاوي هو نفي أن يكون‬
‫اللفظ الق رآن قد فعله واحد من املخلوق ات‪ ،‬ول ذا فهو ينص على نفي ذل ك‪ .‬وليس املراد‬
‫من كالمه هو أن اهلل تع اىل قد تكلم بص وت وح رف كما تتكلم املخلوق ات‪ ،‬ف إن ذلك‬
‫منفي بقوله "بال كيف"‪ ،‬وهو نفي صريح للحرف والصوت وسائر الكيفيات‪.‬‬
‫([‪       )]49‬هذه الفقرة كلها تؤكد لك ما بيناه من معاين كالم اإلمام أيب جعفر‬
‫الطحاوي فيما سبق‪ ،‬فمراده رمحه اهلل هو نفي أن يكون القرآن قد ركب حروفه وأوجد‬
‫كلماته أحد من املخلوق ات‪ ،‬وليس م راده هو الق ول ب أن اهلل تع اىل قد تكلم به حبرف‬
‫وصوت كما ادعى اجملسمة‪.‬‬
‫([‪       )]50‬هذا نص صريح يف تكفري اجملسمة واملشبهة‪ ،‬والذين يشبهون اهلل تعاىل‬
‫بأحد من خلق ه‪.‬وفيه رد مباشر على من ق ال من اجملس مة ب أن اهلل تع اىل يتكلم بالص وت‬
‫واحلرف‪ ،‬وبأن كالمه عبارة عن حوادث متتالية يوجدها يف ذاته‪ ،‬وهي عبارة عن أصوات‬
‫وحروف‪ ،‬يوجدها اهلل تعاىل بقدرته يف نفسه‪ ،‬وكل منها حادث‪ ،‬الحق ملا قبله وسابق ملا‬
‫بعده‪ ،‬فهذا معىن من املعاين الثابتة للبشر‪ ،‬فمن أثبتها هلل تعاىل فإن اإلمام الطحاوي ينص‬
‫على كفره‪ ،‬هذا هو املفهوم من عبارته‪.‬‬
‫([‪       )]51‬فما بالك بعد ذلك مبن مل ي نزجر هبذا‪ ،‬بل وصف اهلل تع اىل باملع اين‬
‫الثابتة للخل ق‪ ،‬ونسب إليه تع اىل ما ال جيوز نس بته إال إىل املخلوق ات‪ ،‬وذلك كاملش بهة‬
‫واجملسمة الذين نسبوا إليه تعاىل احلرف والصوت احلادثني يف ذاته بقدرته وإرادته‪.‬‬
‫([‪       )]52‬ق ال العالمة األص فهاين يف املف ردات‪ :‬الرؤية إدراك املرئي‪ ،‬وذلك‬
‫أض رب حبسب ق وى النفس‪ .‬واألول‪:‬باحلاسة وما جيري جمراه ا‪ ،‬حنو ل رتون اجلحيم مث‬
‫لرتوهنا عني اليقني) وقوله تعاىل(ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على اهلل) وقوله(فسريى اهلل‬
‫ي جمرى الرؤية احلاسة‪ ،‬فإن احلاسة ال تصح على اهلل تعاىل عن ذلك‪،‬‬ ‫عملكم) فإنه مما أُج ِر َ‬
‫وقول ه(إنه ي راكم هو وقبيله من حيث ال ت روهنم)‪ .‬والث اين‪:‬ب الوهم والتخييل حنو أرى أن‬
‫زيدا منطلق‪ ،‬وحنو قوله(ولو ترى إذ يَتوىف الذين كفروا)‪ .‬والثالث‪ :‬بالتفكر حنو(إين أرى‬
‫ما ال ت رون) والراب ع‪ :‬بالعقل وعلى ذلك قوله (ما ك ذب الف ؤاد ما رأى) وعلى ذلك محل‬
‫قوله( ولقد رآه نزلة أخرى)‪.‬اهـ‬
‫([‪       )]53‬أي رؤية اهلل تع اىل فهي حق مبعىن أهنا واقعة ألهل اجلن ة‪ ،‬ال لغ ريهم‬
‫من أهل ال دنيا‪ .‬فال ي رى اهلل تع اىل أحد يف احلي اة ال دنيا كما هو ظ اهر كالم اإلم ام‬
‫الطحاوي وكما هو املعتمد عند كثري من أهل السنة‪.‬‬
‫أما وقوعها ألهل اجلنة فقد دل على ذلك النصوص التالية‪:‬‬
‫منها ما رواه اإلم ام النس ائي يف س ننه الك ربى عن جرير ق ال خ رج علينا رس ول هلل‬
‫صلى اهلل عليه وس لم ليلة الب در فنظر إىل القمر فق ال إنكم ت رون ربكم كما ت رون ه ذا ال‬
‫تضامون يف رؤيته‪.‬‬
‫وقد رواه اإلم ام البخ اري يف ص حيحه عن جرير ق ال كنا عند النيب ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم فنظر إىل القمر ليلة يعين الب در فق ال إنكم س رتون ربكم كما ت رون ه ذا القمر ال‬
‫تض امون يف رؤيته ف إن اس تطعتم أن ال تغلبوا على صالة قبل طلوع الش مس وقبل غروهبا‬
‫فافعلوا مث قرأ { وسبح حبمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب‪.‬‬
‫ورواه عنه أيضا النسائي يف سننه الكربى‪ .‬وفيه عن أيب هريرة بلفظ قلنا يا رسول اهلل‬
‫هل ن رى ربنا ق ال هل ت رون الش مس يف ي وم ال غيم فيه وت رون القمر يف ليلة ال غيم فيها‬
‫قلنا نعم قال فإنكم سرتون ربكم‪ .‬وهو يف املعجم الكبري للطرباين عن جرير‪ ،‬ويف سنن أيب‬
‫داود‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬والسنن الكربى للبيهقي‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬ويف صحيح مسلم‪.‬‬
‫ورواه اإلم ام أمحد عن أيب س عيد اخلدري ق ال ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫انكم سرتون ربكم عز وجل قالوا يا رسول اهلل نرى ربنا قال فقال هل تضارون يف رؤية‬
‫الشمس نصف النهار قالوا ال قال فتضارون يف رؤية القمر ليلة البدر قالوا ال قال فإنكم ال‬
‫تضارون يف رؤيته إال كما تضارون يف ذلك قال األعمش ال تضارون يقول ال متارون‪.‬‬
‫ورواه البخ اري يف ص حيحه عن جرير بن عبد اهلل بلف ظ‪ :‬ق ال النيب ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم إنكم سرتون ربكم عيانا‪.‬‬
‫وهو يف الرتمذي عن أيب هريرة قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أتضامون يف‬
‫رؤية القمر ليلة الب در وتض امون يف رؤية الش مس ق الوا ال ق ال ف إنكم س رتون ربكم كما‬
‫ت رون القمر ليلة الب در ال تض امون يف رؤيته ق ال أبو عيسى ه ذا ح ديث حسن ص حيح‬
‫غريب‪.‬‬
‫ومنها ما رواه اإلم ام أمحد عن عب ادة بن الص امت أنه ق ال أن رس ول اهلل‪   ‬ص لى اهلل‬
‫عليه وسلم‪   ‬قال‪   ‬إين قد حدثتكم عن الدجال حىت خشيت أال تعقلوا أن مسيح الدجال‬
‫رجل قصري أفحج جعد أعور مطموس العني ليس بناتئة وال حجزاء فإن ألبس عليكم قال‬
‫يزيد ربكم ف اعلموا أن ربكم تب ارك وتع اىل ليس ب أعور وإنكم لن ت رون ربكم تب ارك‬
‫وتعاىل حىت متوتوا قال يزيد تروا ربكم حىت متوتوا‪.‬‬
‫فهذه الروايات كلها تدل على أن الرؤية واقعة للمؤمنني يف يوم القيامة‪ ،‬ال يف احلياة‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫([‪       )]54‬الب اء يف قوله بغ ري‪ ،‬متعلقة بقوله والرؤي ة‪ ،‬أي إن الرؤية تك ون بغري‬
‫إحاطة وال كيفي ة‪ ،‬فيجب نفي الكيف عن الرؤي ة‪ ،‬وقد س بق بي ان معىن الكي ف‪ ،‬ومضى‬
‫ذكر أنه جيب نفي الكيف عن اهلل تع اىل وص فاته‪ .‬وأما اإلحاط ة‪ ،‬فال حييط جبالل ق در اهلل‬
‫تعاىل إال هو جل شأنه‪ ،‬فال جيوز أن يتوهم واحد أن الرؤية املشار إليها تكشف عن مجيع‬
‫صفات اهلل تعاىل‪ ،‬وجليل ذاته‪ .‬مث إن اإلحاطة الفعلية ال تكون إال ملن له حدود‪ ،‬وأما اهلل‬
‫تع اىل فال حد له وال ط رف وال غاي ة‪ ،‬وقد س بق بي ان ذلك كل ه‪ ،‬فال جيوز أصال نس بة‬
‫احلدود واإلحاطة إليه جل شأنه‪ ،‬النتفاء ذلك عنه‪.‬‬
‫ق ال العالمة الغ نيمي يف ش رحه على العقي دة الطحاوي ة‪":‬ونق ول (الرؤي ة) إىل ال ذات‬
‫املقدسة املنزهة عن اإلحاطة واجلوانب(ح ق) أي ثابتة (ألهل اجلن ة) لكن (بغري إحاط ة)‬
‫جبوانب املرئي وحدوده‪ ،‬لتعاليه تعاىل عن التناهي باجلوانب واالتصاف باجلوانب واحلدود‬
‫(وال كيفية) من مقابلة وجهة وارتسام‪ ،‬واتصال شعاع وثبوت مسافة بني الرائي واملرئي‬
‫ألن هذا كله يف رؤية األجسام واهلل تعاىل ليس جبسم فليست رؤيته كرؤية األجسام‪ ،‬فإن‬
‫الرؤية تابعة للش يء على ما هو علي ه‪ ،‬فمن ك ان يف مك ان وجهة ال ي رى إال يف مك ان‬
‫وجهة كما هو ك ذلك‪ ،‬ويُ َرى مبقابلة واتص ال ش عاع وثب وت مس افة‪ ،‬ومن مل يكن يف‬
‫مك ان وال جهة وليس جبس م‪ ،‬فرؤيته ك ذلك ليس يف مك ان وال جهة وال مبقابلة واتص ال‬
‫شعاع وثبوت مسافة‪ ،‬وإال مل تكن رؤية له‪ ،‬بل لغريه‪".‬اهـ‬
‫وهذا الكالم جيد ومفيد‪ ،‬إال قوله "‪ ،‬فمن كان يف مكان …‪ .‬ويُ َرى مبقابلة واتصال‬
‫شعاع وثبوت مسافة"اهـ‪ ،‬فأول هذا الكالم صحيح بال شك‪ ،‬وهو أن ما كان يف مكان‬
‫فإنه يرى يف مكان‪ ،‬وأما القسم الثاين‪ ،‬وهو أن ما كان يف مكان فظاهر كالمه أنه ال يرى‬
‫إال باتصال شعاع وثبوت مسافة ومقابلة‪ ،‬وهذا غري صحيح‪ ،‬إن كان هو ما أراده‪ ،‬ف إن ما‬
‫كان يف مكان فإنه ميكن أن يُرى بال اتصال شعاع وال مقابلة وال جهة‪ ،‬وميكن أن يكون‬
‫معن اه أنه ك ذلك ع ادة‪ ،‬وبن اءا على ذلك فال إش كال‪ .‬فالرؤية يف احلقيقة ص فة كاش فة‪،‬‬
‫وهي قائمة يف الرائي‪ ،‬وتكشف عن املرئي‪ ،‬وعليه فإن الرائي ميكن أن يكون ال يف مكان‪،‬‬
‫ويرى ما هو يف مكان‪ ،‬وال يشرتط يف الرؤية عنه أهل السنة اتصال شعاع‪ ،‬وغري ذلك من‬
‫الشروط العادية‪ ،‬كما أشار‪ ،‬وإىل ذلك نبه العالمة الطحاوي يف قوله "بال كيفة"‪.‬‬
‫هذا واعلم أن ابن تيمية قد فسر قول السلف ومنهم الطحاوي"أن اهلل تعاىل يُرى بال‬
‫إحاطة" باملعىن التايل‪":‬أي إن اهلل تعاىل وإن كان له حدود‪ ،‬إال أن الرائي ال حييط حبدوده‪،‬‬
‫كما إذا نظ رت إىل الس ماء فهي وإن ك انت حمدودة إال أنك ال حتيط حبدودها‪ ،‬فك ذلك‬
‫اهلل"‪ .‬ه ذا هو حاصل ما يقوله ه ذا الرج ل‪ ،‬وهو يبين ذلك كله على مذهبه يف التجس يم‬
‫والق ول ب أن اهلل تع اىل حمدود من مجيع اجله ات‪ ،‬وهو م ذهب باطل م رذول‪ ،‬ال يق ول به‬
‫واحد من أهل الس نة‪ ،‬وال ينفع ابن تيمية أن ينس به إىل الس لف والعلم اء املتق دمني‪ ،‬ف إن‬
‫جمرد نس بته إليهم‪ ،‬ال يعين أهنم قد ق الوا به فعال ؟! بل هم قد ص رحوا بنفي احلدود‬
‫والكيفية كما ترى كالم اإلمام الطحاوي‪.‬‬
‫([‪       )]55‬هذه اآليات من سورة القيامة‪ ،‬فقد اختلف فيها أهل التأويل كما قال‬
‫اإلم ام الط ربي‪ ،‬روى عن عكرمة وإمساعيل بن أيب خال د‪ :‬أي تنظر إىل رهبا نظ را‪ .‬وروى‬
‫وح َّق هلا أن تنضر وهي‬ ‫ِ‬
‫بسنده عن احلسن قال‪:‬حسنة إىل َرهِّب ا ناظَرةٌ قال‪ :‬تنظر إىل اخلالق‪ُ ،‬‬
‫ٍِ ِ‬
‫ناض رةٌ إىل رهِّب ا ن ِ‬
‫اظَرةٌ‬ ‫َ‬ ‫تنظر إىل اخلالق‪ .‬وروى عن عطية الع ويف‪ ،‬يف قول ه‪ُ :‬و ُج وهٌ َي ْو َمئ ذ َ‬
‫قال‪ :‬هم ينظرون إىل اهلل ال حتيط أبصارهم به من عظمته‪ ،‬وبصره حميط هبم‪ ،‬فذلك قوله‪:‬‬
‫ص ُار َو ُه َو يُ ْد ِر ُك األبْ َ‬
‫ص َار‪.‬‬ ‫ال تُ ْد ِر ُكهُ األبْ َ‬
‫وروى اإلمام الطربي بسنده عن جماهد‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬قال‪« :‬إن أدىن أهل اجلنة منزلة‬
‫وس ُر ِره وخدمه مسرية ألف سنة‪ ،‬يرى أقصاه كما يرى أدناه‪ ،‬وإن أرفع‬ ‫ملن ينظر إىل ُملكه ُ‬
‫أهل اجلنة منزلة ملن ينظر إىل وجه اهلل بُك رة وعش ية»‪ .‬وروى عن أيب الص هباء املوص لي‪،‬‬
‫ومل َك هُ يف مسرية ألف سنة‪ ،‬فريى‬ ‫قال‪« :‬إن أدىن أهل اجلنة منزلة‪ ،‬من يرى سرره وخدمه ُ‬
‫أقصاه كما يرى أدناه وإن أفضلهم منزلة‪ ،‬من ينظر إىل وجه اهلل غدوة وعشية»‪.‬‬
‫وذكر اإلم ام الط ربي أن آخ رين قد خ القوا يف ذلك فق ال‪ :‬وق ال آخ رون‪ :‬بل معىن‬
‫ذلك‪ :‬أهنا تنتظر الثواب من رهبا‪ .‬وروى ذلك بسنده عن منصور‪ ،‬عن جماهد‪ ،‬قال‪ :‬كان‬
‫أن اس يقول ون يف ح ديث‪« ،‬ف ريون رهبم» فقلت جملاه د‪ :‬إن ناسا يقول ون إنه يُ َرى‪ ،‬ق ال‪:‬‬
‫يَرى وال يراه شيء‪.‬‬
‫مث قال اإلمام الطربي‪" :‬وأوىل القولني يف ذلك عندنا بالصواب القول الذي ذكرناه‬
‫عن احلسن وعك ِرمة‪ ،‬من أن معىن ذلك تنظر إىل خالقها‪ ،‬وبذلك جاء األثر عن رسول اهلل‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم‪".‬اهـ مث ش رع يف ذكر الرواي ات الدالة على ذل ك‪ ،‬من ذلك ما رواه‬
‫«إن ْأدىن ْأه ِل اجلَن َِّة َمْن ِزلَ ةً‪ ،‬لَ َم ْن َيْنظُر يِف‬
‫بسنده ‪  ،‬عن ابن عمر‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ?‪َّ :‬‬
‫ُ‬
‫ني ق ال‪ :‬مث‬ ‫أفض لَ ُهم َمْن ِزلَ ةً لَمن َيْنظُ ر يف و ْج ِه اللَّ ِه ُك َّل َي وم َم َّرتَ ِ‬ ‫ُم ْل ِك ِه ألْ َف ْي َس نَ ٍة ق ال‪َّ :‬‬
‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫وإن َ ْ‬
‫ناظَرةٌ قال‪:‬‬ ‫ناظرةٌ قال‪ :‬بالبياض والصفاء‪ ،‬قال‪ :‬إىل رهِّب ا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ ِ‬
‫َ‬ ‫تال‪ُ :‬و ُجوهٌ َي ْو َمئذ نَاضَرةٌ إىل َرهِّب ا َ‬
‫وجل»‪.‬‬‫عز ّ‬ ‫كل يوم يف وجه اهلل ّ‬ ‫تنظر ّ‬
‫وروى عنه أيضا عن ابن عم ر‪ ،‬ق ال‪« :‬إن أدىن أهل اجلنة منزلة ملن ينظر إىل ُملكه‬
‫وس ُر ِره وخدمه مس رية ألف س نة‪ ،‬ي رى أقص اه كما ي رى أدن اه‪ ،‬وإن أرفع أهل اجلنة منزلة‬ ‫ُ‬
‫ملن ينظر إىل وجه اهلل بُك رة وعش ية»‪ .‬وروى ه ذا احلديث أيضا الرتم ذي عن ابن عر مث‬
‫قال‪ :‬مث قرأ رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم { وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة } قال‬
‫أبو عيسى وقد روي هذا احلديث عن غري وجه عن إسرائيل عن ثوير عن بن عمر مرفوع‬
‫ورواه عبد امللك بن أجبر عن ث وير عن بن عمر موق وف وروى عبيد اهلل األش جعي عن‬
‫س فيان عن ث وير عن جماهد عن بن عمر قوله ومل يرفعه ح دثنا ب ذلك أبو ك ريب حممد بن‬
‫العالء ح دثنا عبيد اهلل األش جعي عن س فيان عن ث وير عن جماهد عن بن عمر حنوه ومل‬
‫يرفعه‪.‬اهـ واحلديث ضعيف من جهة ثوير ابن أيب فاختة‪.‬‬
‫وروى الط ربي عن أيب الص هباء املوص لي‪ ،‬ق ال‪« :‬إن أدىن أهل اجلنة منزل ة‪ ،‬من ي رى‬
‫ومل َكهُ يف مسرية ألف سنة‪ ،‬فريى أقصاه كما يرى أدناه وإن أفضلهم منزلة‪،‬‬ ‫سرره وخدمه ُ‬
‫من ينظر إىل وجه اهلل غدوة وعشية»‪.‬‬
‫ق ال العالمة كم ال ال دين البياضي احلنفي يف "إش ارات املرام من عب ارات اإلم ام" ص‬
‫‪(" :201‬قال يف شرح الوصية والفقه األكرب‪:‬ولقاء اهلل تعاىل) أي كونه مرئيا (ألهل اجلنة)‬
‫زيادة يف إكرامهم فيها (حق) أي ثابت بالدالئل القطعيات من بينات اآليات‪ ،‬ومشهورات‬
‫الروايات واقع (بال كيفية) أي مالبسا لعدم الكيفيات املعتربة يف رؤية األجسام واألعراض‬
‫ملا س يأيت من البي ان(وال تش بيه) له تع اىل بش يء من املخلوق ات (وال جه ة) له وال حتيز يف‬
‫شيء من اجلهات‪ ،‬وفيه إشارات‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬أنه تعاىل يرى بال تشبيه لعباده يف اجلنة خبلق قوة اإلدراك يف الباصرة من غري‬
‫حتيز ومقابلة وال مواجهة وال مسامتة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬إمكان ذلك وثبوته باآليات واألحاديث املشهورة‪ ،‬وإليه أشار باحلق يف مقام‬
‫االس تدالل‪ ،‬وهي كث رية‪ .‬منها قوله تع اىل حكاية عن موسى على نبينا وعليه الص الة‬
‫الم‪":‬رب أرين أنظُ ْر إلي ك‪ ،‬ق ال لن ت راين ولكن انظر إىل اجلبل ف إن اس تقر مكانه‬
‫ِّ‬ ‫والس‬
‫فس وف ت راين" األع راف ‪ ،143‬وقوله تع اىل"وج وه يومئذ ناض رة إىل رهبا ن اظرة" القيامة‬
‫‪ ،23-22‬وقوله تع اىل"لل ذين أحس نوا احلسىن وزي ادة"س ورة ي ونس‪ .26‬روى أبو بكر‬
‫الصديق رضي اهلل تعاىل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪ :‬احلسىن اجلنة والزيادة‬
‫النظر إىل وجه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫ومنها ما رواه عبداهلل مب عمر رضي اهلل تع اىل عنهم ا‪ ،‬عنه عليه الص الة والس الم أنه‬
‫وع ِش يَّة‪ ،‬مث ق رأ‪ :‬وجوه يومئذ‬
‫دوةً َ‬
‫قال‪":‬إن أكرم أهل اجلنة على اهلل من ينظر إىل وجهه غُ َ‬
‫ناضرة إىل رهبا ناظرة" وغري ذلك كما سيأيت‪.‬‬
‫الثالث ة‪ :‬ال رد على ف رق املبتدعة كاملش بهة والكرامية النافية للرؤية بال مك ان وال جهة‬
‫زاملعتزلة والنجارية واخلوارج النافية ملطلق الرؤية‪ .‬وال نزاع هلم يف إمكان االنكشاف التام‬
‫العلمي‪ ،‬وال لنا يف امتناع ارتسام الصورة أو اتصال الشعاع‪ ،‬أو حالة مستلزمة لذلك‪ .‬بل‬
‫ال نزاع يف أنا إذا نظرنا إىل الب در‪ ،‬فلنا حالة إدراكية نس ميها الرؤية مغ ايرة ملا إذا أغمض نا‬
‫العني وإن كان ذلك انكشافا جليا‪ ،‬فهل حيصل للعباد بالنسبة إىل اهلل تعاىل تلك احلالة وإن‬
‫مل يكن هناك مقابلة‪ .‬كما يف شرح املقاصد وغريه‪ .‬وإليه أشار بقوله (يراه املؤمنون وهم‬
‫يف اجلنة دون املرئي تعاىل(بأعني رؤوسهم) ال ببصائرهم فقط لعدم النزاع فيه‪.‬‬
‫الرابع ة‪ :‬أن املراد بنفي الكيفية واجلهة خلو تلك الرؤية عن الش رائط والكيفي ات‬
‫املعتربة يف رؤية األجسام واألعراض مع سالمة احلاسة وكون املرئي حبيث ميكن رؤيته من‬
‫املقابلة والع دم الق رب الق ريب والبعد البعي د‪ ،‬واللطافة واحلج اب‪ ،‬ال مبعىن خلو املقابلة أو‬
‫الرائي واملرئي عن مجيع احلاالت والصفات على ما يفهم أرباب اجلهاالت‪ ،‬فيعربضون بأن‬
‫الرؤية فعل من أفع ال العب اد أو كسب من أكس ابه‪ ،‬فبالض رورة يك ون واقعا بص فة من‬
‫الصفات‪ ،‬وكذا املرئي حباسة العني ال بد أن يكون له حال أو كيفية من الكيفيات كما يف‬
‫ش رح املقاص د‪ ،‬وإليه أش ار باالكتف اء بقوله في ه( وال يك ون بينه وبني خلقه مس افة) وال‬
‫قرب وال بعد ول احجاب وال مقابلة‪ ،‬فإن تلك الشروط مبنية على االستقراء‪ ،‬وال يقاس‪ ‬‬
‫أمر اآلخرة بأمر الدنيا كما يف التعديل‪.‬‬
‫فأش ار بإض افة اللق اء إليه تع اىل والبي ان مبا بع ده إىل أن املراد من الرؤية أن حيصل‬
‫انكش اف للعب اد بالنس بة إىل ذاته املخصوصة س بحانه‪ ،‬وجيري جمرى االنكش اف احلاصل‬
‫عند إبصار األلوان واألضواء‪.‬‬
‫واالنكش اف جيب أن يك ون على وفق املكش وف‪ ،‬ف إن ك ان املكش وف خمصوصا‬
‫باجلهة واحليز‪ ،‬وجب أن يك ون االنكش اف ك ذلك‪ ،‬وإن ك ان املكش وف منزها عن اجلهة‬
‫واحليز وجب أن يكون انكشافه منزه عن احليز واجلهة كما يف األربعني للرازي‪.‬‬
‫ه ذا واآلية األوىل ت دل على إمك ان رؤيت ه‪ .‬وذلك أن موسى على نبينا وعليه الص الة‬
‫والس الم طلب الرؤية ومل يكن عابثا وال ج اهال واهلل علقها على اس تقرار اجلبل وهو ممكن‬
‫يف نفس ه‪ .‬وما يق ال على األول أنه إمنا طلب العلم الض روري أو رؤية آي ة‪ ،‬ولو س لم‬
‫فلقومه ولزي ادة الطمأنينة بتعاضد العقل والس مع‪ ،‬ومل س لم فاجلهل مبس ألة الرؤية ال خيل‬
‫رد بأن "لن تراين" نفي للرؤية ال للعلم‪ ،‬أو رؤية اآلية‪ ،‬كيف والعلم حاصل؟‬ ‫باملعرفة‪ ،‬فقد ّ‬
‫واآليات كثرية‪ ،‬واحلاصل منها حينئذ إمنا هو على تقدير االندكاك دون االستقرار‪.‬‬
‫والرؤية املقرونة بالنظر املوصول بإىل نص يف معناها‪.‬‬
‫والقوم إما مصدقون ملوسى عليه الصالة والسالم فيكفيهم إخباره بامتناع الرؤية أو ال‬
‫فال يفيد حكايته عن اهلل تعاىل‪ ،‬وال يليق بالنيب صلى اهلل عليه وسلم تأخري رد الباطل كما‬
‫يف طلب جعل اإلله‪ ،‬وال طلب الدليل هبذا الطريق‪ ،‬وال اجلهل يف اإلهليات مبا يعرفه آحاد‬
‫املعتزلة‪.‬‬
‫وعلى الث اين أن املعلق عليه اس تقرار اجلبل عقيب النظر وهو حالة ان دكاك يس تحيل‬
‫ورد بأنه ممكن ض رورة وإن مل يقع ليل زم وق وع الرؤي ة‪ ،‬وإمنا املس تحيل‬ ‫معها االس تقرار‪َّ .‬‬
‫اجتماعهما‪.‬‬
‫واآلي ات األخر ت دل على وق وع الرؤي ة‪ ،‬إذ النظر املوص ول ب إىل إما مبعىن الرؤية أو‬
‫ملزوم هلا‪ ،‬أو جماز متعني فيها‪ ،‬وكذا اللقاء بشهادة العقل والنقل واالستعمال والعرف‪.‬‬
‫وما يق ال‪ :‬إن "النظ ر" قد يك ون مبعىن االنتظ ار و"إىل" قد تك ون امسا مبعىن النعم ة‪.‬‬
‫والنظر قد يتصف مبا ال يتصف به الرؤية كالشدة واالزورار‪ ،‬وحنومها‪ ،‬وقد يوجد بدوهنما‬
‫مثل نظرت إىل اهلالل فلم أره‪ ،‬وتقدير "إىل ثواب رهبا" احتمال ظاهر منقول‪ ،‬فقد ُر َّد بأن‬
‫االنتظار ال يالئم سوق اآلية وال يليق بدار الثواب‪ ،‬وكون إىل ههنا حرفا ظاهر مل يعدل‬
‫عنه السلف‪.‬‬
‫وجعل النظر املوص ول ب إىل لالنتظ ار تعس ف‪ .‬وك ذا الع دول عن احلقيقة أو اجملاز‬
‫املشهور إىل احلذف بال قرينة معيِّ ٍنة‪ ،‬كما يف املقاصد‪.‬‬
‫وأما األح اديث املش هورة الدالة على وق وع الرؤي ة‪ ،‬فكث رية أش هرها ما ذك ره حيث‬
‫(ق ال يف رواية القاض ي) ابن عبد الب اقي (األنص اري و) ابن عبد اهلل بن خس رو ( البلخي)‬
‫والقاضي أيب زكريا موسى ( احلص كفي‪ :‬ح دثين إمساعيل بن أيب خالد عن قيس بن أيب‬
‫زكريا البجلي) الت ابعي اجللي ل‪ ،‬روى عن العش رة املبش رة ( عن جرير بن عبد اهلل عن النيب‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬أنه ق ال‪ :‬إنكم س رتون ربكم كما ت رون ه ذا القمر ليلة الب در ال‬
‫ض ُّامو َن يف ُر ْؤيَتِ ِه" بفتح أوله وتشديد امليم وحذف إحدى التاءين‪ :‬أي ال ينضمن بعضكم‬‫تَ َ‬
‫إىل بعض يف وقت النظر ملا ينوبه من املشقة بسبب اإلشكال واالختفاء‪.‬‬
‫ويف رواية بضم أوله وختفيف امليم من الض يم –تُض ُامو َن‪ -‬أي ال يلحقكم يف رؤيته‬
‫ض يم ومش قة‪ ،‬ويعض دها رواية "ال تض ارون" من املض ارة مبعىن املض ايقة‪ :‬أي ال تض ايقون‬
‫يف الرؤية غ ريكم حبيث تلحق ون الض رر هبم‪ ،‬بل ي رى كل أحد كما ينبغي‪ ،‬ففيه كشف‬
‫عن وجه تشبيه الرؤية‪ ،‬وأهنا تقع على االنكشاف التام‪ ،‬ودفع إليهام تشبيه املرئي باملرئي‬
‫يف املقام‪ ،‬وهو حديث مشهور روى القدر املشرتك منه شبعة وعشرون صحابيا رواه أمري‬
‫ُيب بن‬
‫املؤم نني أبو بكر الص ديق‪ ،‬وعلي وعبداهلل بن عم ر‪ ،‬وابن مس عود‪ ،‬وابن عب اس وأ ُّ‬
‫كعب‪ ،‬ومع اذ بن جب ل‪ ،‬وزيد بن ث ابت‪ ،‬وجرير بن عبد اهلل‪ ،‬وأبو س عيد اخلدري‪ ،‬وأبو‬
‫هري رة‪ ،‬وأبو موسى األش عري‪ ،‬وأبو رزين لقيط العقيلي‪ ،‬وجن ادة بن أيب أُميَّة‪ ،‬وأنس بن‬
‫مالك‪ ،‬وصهيب بن سنان‪ ،‬وحذيفة بن اليمان‪ ،‬وعمار بن ياسر‪ ،‬وأبو أمامة الباهلي‪ ،‬وأبو‬
‫بري دة وثوب ان وعبد اهلل بن ح ارث الزبي دي‪ ،‬وعب ادة بن الص امت‪ ،‬وفض الة بن عبي د‪،‬‬
‫وبري دة‪ ،‬وعم ارة بن رويبة الثقفي‪ ،‬وع دي بن ح امت الط ائي رض وان اهلل تع اىل عليهم‬
‫أمجعني‪ ،‬كما يف ش روح البخ اري وروى منهم مثانية وعش رون ش يخا ب أكثر من س تني‬
‫طريقا‪.‬‬
‫وملا كان األصوب يف هذه املسألة أن يتمسك بالدالئل السمعية لكوهنا أسرع يف إلزام‬
‫املبتدع ة‪ ،‬مث معارضة ش بههم باألدلة العقلية كما ذك ره أبو منص ور املاتري دي‪ ،‬واخت اره‬
‫حمققو األشاعرة‪ ،‬أشار اإلمام يف املقام إىل ما يثبت به املرام‪ ،‬من الدالئل السمعية‪ ،‬وأشار‬
‫إىل دفع شبه املبتدعة‪ ،‬معارضة مبا ثبت مما حاله حال الرؤية يف القرب واإلقبال واجملاورة‪،‬‬
‫رداً للمختلف إىل املختلف‪ ،‬فإنه الطريقة املسلوكة للسلف دفعا ملا متسك به املخالفون‪.‬‬ ‫أو َّ‬
‫اهـ ‪ ،‬وشرع بعد ذلك يف إيراد به الردود على املخالفني‪.‬‬
‫وق ال اإلم ام الس مرقندي يف الص حائف‪ :‬اتفق أهل الس نة على ج واز رؤية اهلل تع اىل‬
‫منزها عن املس امتة واحملاذاة واملك ان خالفا جلميع الف رق‪ .‬واملش بهة والكرامية وإن ج وزوا‬
‫رؤية اهلل تع اىل لكنهم إمنا ج وزوا العتق اد كونه تع اىل يف املك ان واجلهة وأما بتق دير أن‬
‫يكون تعاىل منزها عن املكان واجلهة فيحيلون رؤيته‪.‬‬
‫وه ذا البحث مما ليس للعقل اس تقالل يف إثباته وغاية س عينا ليست إال بي ان اجلواز‬
‫وهذا القدر كاف ههنا‪ ،‬إذ هو مع قول الصادق يفيد الغرض‪ ،‬ويبطل قول املنكرين‪ ،‬ألهنم‬
‫حييلوهنا‪.‬‬
‫وبيان ه‪ :‬أنَّا قد بينا يف حبث اإلدراك ات أن إدراك اجلزئي قد يك ون ب أن ي درك مثاله‬
‫ويس تدل ب ذلك املث ال عليه وهو التخي ل‪ ،‬والت وهم ‪ ،‬وجيوز فيها غيبوبة املدرك وقد يك ون‬
‫ب أن ي درك نفسه ب دون توسط املث ال‪ ،‬وجيب أن يك ون املدرك حاض را ول ذلك يس مى‬
‫مش اهدة فاملش اهدة هي إدراك نفس املوج ود فمن حصل له ه ذا الن وع من اإلدراك س واء‬
‫كان باحلاسة أو ال يتحقق له املشاهدة ضرورة‪.‬‬
‫وإذا عرفت ذلك فنقول‪:‬‬
‫قد بيَّـنَّا يف الصحيفة اخلامسة أن اهلل تعاىل كامل العلم‪ ،‬تام اإلدراك ال يعزب عن عنه‬
‫ش يء فيك ون م دركا لألش ياء بأعياهنا المتن اع التخي ل‪ ،‬والت وهم علي ه‪ ،‬وهويته املوج ودة‬
‫ليست غائبة عنه فيك ون م دركا لنفس هويته املوج وده ب دون توسط املث ال‪ ،‬وإذا أدركها‬
‫ب دون التوسط تك ون هويته املوج ودة مش اهدة له فج از على هويته اجملردة من األين‬
‫والكيف أن تك ون مش اهدة‪ ،‬فعلم أن هويته املوج ودة قابلة للرؤي ة‪ ،‬فلم يبعد أن خيلق اهلل‬
‫تعاىل قوة هذا اإلدراك يف الباصرة بعد البعث‪ ،‬فجاز أن يرى إذا جتلى من غري تشبيه‪ ،‬وال‬
‫تكييف وال حماذاة وال مسامتة‪.‬اهـ‬
‫وهذا الكالم على اختصاره كبري الفائدة ويكفي يف هذا املقام‪.‬‬
‫([‪       )]56‬ملا أثبت اإلم ام الطح اوي أصل الرؤي ة‪ ،‬بال كيف وال تش بيه‪ ،‬ص رح‬
‫بأنه ال جيوز لواحد أن يت وهم أنه ي رى ربه كما ي رى بقية األش ياء‪ ،‬فال جيوز ت وهم الرؤية‬
‫على من معني بأن يقال إهنا تكون مع كون اهلل تعاىل مقابال لنا وحنن مقابلني له‪ ،‬فإن هذا‬
‫هو قول املشبهة‪ ،‬واجملسمة‪ ،‬وقد قال به ابن تيمية وادعى اإلمجاع على ذلك‪ ،‬بل ادعى أن‬
‫هذا هو قول السلف واخللف من العلماء‪ .‬وما هو إال قول املبتدعة من اجملسمة وغريهم‪.‬‬
‫فاحلاصل إذن أنه جيب علينا اإلميان بالرؤية ولكن ال جيوز لنا اخلوض فيها وتش بيهها‬
‫برؤية األم ور املخلوق ة‪ .‬فال جيوز الرك ون إىل أوهامنا وأهوائنا يف مثل ذلك األم ر‪.‬‬
‫والواجب يف ذلك كله أنه جيب التسليم هلل تعاىل‪ .‬ورد علم حقيقة ذلك إليه عز وجل‪.‬‬
‫واالستس الم هلل تع اىل مل تطبقه إال أهل الس نة واجلماع ة‪ .‬ف إن املش بهة ملا ق الوا إننا ال‬
‫ن رى أح دا إال إذا ك ان يف جهة وح يز‪ ،‬واعتق دوا أننا ن رى اهلل تع اىل‪ ،‬ق الوا بعد ذلك إنه‬
‫تع اىل جيب أن يك ون يف جهة وح يز‪ .‬فهم مل يس لموا هلل تع اىل يف ه ذا األم ر‪ .‬وك ذلك‬
‫املعتزلة ف إهنم ق الوا‪ :‬إذا ك انت رؤية كل واحد من األم ور املوج ودة ال تتم إال بكونه يف‬
‫جهة وح يز‪ ،‬فال ميكن أن رى اهلل تع اىل إذن ألنه ال ميكن وج وده يف جهة وح يز‪ .‬فه ؤالء‬
‫قاسوا اخلالق على املخلوق فنفوا الرؤية‪ ،‬وأولئك قاسوا اخلالق على املخلوق فأثبتوا اجلهة‬
‫واحليز واملقابلة !‬
‫وأما أهل السنة فإهنم قالوا‪ :‬ملا كان اهلل تعاىل ال ميكن كونه يف جهة وال حيز‪ .‬وثبت‬
‫باألدلة النقلية وق وع الرؤي ة‪ ،‬فإننا نق ول بأهنا رؤية ال يف جهة وال يف ح يز‪ ،‬فكما ي رى‬
‫املتحيز متحيزا‪ ،‬فكذلك يرى الالمتحيز ال متحيزا‪ .‬فكل رؤية فهي مناسبة ملا تكشف عنه‪.‬‬
‫وأما حقيقتها فقد ق الوا‪ :‬إننا يكفينا أن نع رف ثبوهتا‪ ،‬وأما حقيقتها فإننا ن رتك ذلك إىل‬
‫عامله عز وج ل‪ ،‬وملا مل نكن منلك اآلالت اليت تؤهلنا للخ وض يف مثل ه ذه املب احث‪ ،‬فإننا‬
‫نفوض العلم حبقيقة ذلك كله إىل اهلل تعاىل‪ ،‬ونسلم له فيما أخربنا‪.‬‬
‫([‪       )]57‬أي إن ال ذي ي دعي أن الرؤية هلل تع اىل تك ون عن طريق حص ول‬
‫ص ورته فينا هبيئة وكيفية معين ة‪ ،‬ف إن ه ذه الرؤية ليست الرؤية اليت يصح إثباهتا هلل تع اىل‪،‬‬
‫وهذا هو قول املشبهة‪ ،‬فإهنم يتومهون أن رؤية اهلل تعاىل إمنا تكون بتوهم صورة وحصول‬
‫هيئة يف نفس اإلنسان‪ .‬وكيف يكون األمر كذلك‪ ،‬واهلل تعاىل منزه عن الكيف والصورة‬
‫؟!‬
‫([‪       )]58‬وكما ك ان م ذهب املش بهة ب اطال‪ ،‬ف إن م ذهب من حياول أن يعني‬
‫حقيقة الرؤية باطل أيض ا‪ ،‬ألن ذلك مما حجب عن عقل اإلنس ان‪ ،‬فال توجد آالت وال‬
‫مق دمات العلم ب ذلك عن دنا‪ .‬وما ك ان ك ذلك فاألصل أن نتوقف فيه وال نب ادره بأفهامنا‬
‫ألن ذلك يكون مرده إىل اخلطأ والضالل‪.‬‬
‫([‪       )]59‬هذه الفقرة متثل منهجا يتفرد به أهل السنة واجلماعة يف التفويض هلل‬
‫واالعرتاف أنه ليس كمثله شيء‪.‬‬
‫([‪       )]60‬قال يف القاموس‪ :‬التعايل االرتفاع‪.‬اهـ‪ .‬فقول اإلمام الطحاوي تعاىل‬
‫اهلل أي ارتفع عن أن يك ون له حد وركن وعضو وجه ة‪ ،‬فه ذا علو يف الرتبة واملع ىن‪،‬‬
‫فحقيقة اهلل تع اىل أجل من أن يك ون هلا ما ذك ر‪ .‬ألن ه ذه األم ور كلها ص فات نقص‬
‫وتستلزم احلاجة‪ .‬واهلل تعاىل ليس حباجة ألحد غريه‪ ،‬بل كل ما سواه فهم حباجة له‪.‬‬
‫([‪       )]61‬احلدود مجع ح دٍّ‪ ،‬وحد الش يء هو طرفه وهنايت ه‪ .‬ق ال يف الق اموس‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‪ ،‬وـ من‬ ‫بأس َ‬
‫ك‪ُ :‬‬ ‫ومْنتَهى الشيء‪ ،‬وـ من ُك ِّل شيء‪ِ :‬ح َّدتُهُ‪ ،‬وـ ِمْن َ‬ ‫بني َشْيئَنْي ِ ‪ُ ،‬‬
‫احلَدُّ‪ :‬احلاجُز َ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ب مبا مَيَْنعُ هُ وغ ريهُ عن ال َّذنْ ِ‬ ‫راب‪َ :‬س ْورتُهُ‪ ،‬وال َّدفْ ُع‪ ،‬واملْن ُع‪ ،‬كاحلَ َد ِد‪ ،‬وت أديب امل ْذنِ ِ‬
‫الش ِ‬‫َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أح دُّ‪ ،‬ومتي يز الش ِ‬ ‫َّة‪ ،‬وقد ح َد ْدت عليه ِ‬ ‫ب والنَّز ِق‪ ،‬كاحلِ د ِ‬
‫يء‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫وما َي ْعرَتِ ي اإلنْس ا َن من الغض ِ َ‬
‫ديدةُ دا ِر ِه‪ ،‬وحُم َّ‬ ‫ِ‬
‫كحدِّها‪.‬اهـ‬‫ادهُت ا‪َ :‬حدُّها َ‬ ‫ع ِن الشيء‪ ،‬ودا ِري َح َ‬
‫وق ال الفي ومي يف املص باح املن ري‪ :‬وح ددت ال دار ح ّدا من ب اب قتل ‪:‬ميزهتا عن‬
‫جماوراهتا بذكر هناياهتا‪ ،‬وحددته ح ّدا جلدته واحلد يف اللغة الفصل واملنع‪.‬اهـ‬
‫وأما قوله الغاي ات فهو مجع غاي ة‪ ،‬وغاية الش يء هي منته اه ق ال يف الق اموس‪ :‬والغاية‬
‫امل َدى‪.‬اهـ‬
‫َ‬
‫اي وغاي ات‪ ،‬والغاية الراية‬
‫ٌ‬ ‫غ‬ ‫واجلمع‬ ‫املدى‪،‬‬ ‫والغاية‬ ‫ري‪:‬‬ ‫املن‬ ‫باح‬ ‫املص‬ ‫يف‬ ‫ومي‬ ‫الفي‬ ‫ال‬ ‫وق‬
‫ت غاية بيَّنتُها وغايتك أن تفعل كذا أي هناية طاقتك أو فعلك‪.‬اهـ‬ ‫وغيْي ُ‬
‫واجلمع غايات‪َّ ،‬‬
‫رأيت مما هو م ذكور يف كتب اللغة أن ح َّد الش يء هو طرفة وغايته‬ ‫واحلاصل كما َ‬
‫وهنايته اليت متيزه عن غريه‪ .‬وهذا كما هو معلوم ال يستلزم أن كل ما هو متميز عن غريه‬
‫فيجب أن يكون له طرف وهناية وغاية‪ ،‬وحدٌّ‪ ،‬بل كل ما هو حمدود فهو متميز عن غريه‪،‬‬
‫وال يق ال أن كل ما هو متم يز عن غ ريه فهو حمدود‪ .‬ف افهم ه ذا ف إن اجملس مة عن دما مل‬
‫يتنبهوا له وقعوا يف التشبيه‪.‬‬
‫وك ذلك الغاية هي النهاية وقد أتى اإلم ام الطح اوي هبذه الكلمة تفس ريا وتوض يحا‬
‫لكلمة احلد‪ ،‬وقد رأينا أن معنامها قريب ويؤوالن إىل بعضهما البعض‪.‬‬
‫وهلذا فقد نبه إليه اإلمام الطحاوي فنفى احلدود عن اهلل تعاىل‪ ،‬ولكنه مل ينف التمايز‪،‬‬
‫فإن متيز اهلل تعاىل عن خلقه ال يكون باحلد وال بالنهاية‪ ،‬وال بالغاية‪.‬‬
‫ذلك ك ان املعىن املفه وم باللغة من احلد والغاي ة‪ .‬واهلل تع اىل م نزه عن ذلك كل ه‪ ،‬ملا‬
‫ي رتتب عليه من احتي اج‪ .‬ولع دم وروده يف الش ريعة‪ ،‬بل ل ورود ما ينفيه وينافيه فيه ا‪،‬‬
‫ولورود أقوال كثري من السلف يف نفي احلد والغاية عنه جل شأنه‪ .‬والذين أثبتوا له تعاىل‬
‫احلد والغاية هم اجملسمة واملشبهة‪ .‬وأما أهل السنة فقد نفوا عنه ذلك نفيا قاطعا‪.‬‬
‫لقد م َّر س ابقا أن اهلل تع اىل ال يش به ش يئا وال يش بهه ش يء‪ ،‬ومعل وم أن كل موج ود‬
‫سوى اهلل تعاىل فهو حمدود‪ ،‬فالسماء واألرض حمدودة وهلا هنايات ومقادير‪ .‬فإذا كان اهلل‬
‫تع اىل له ح ٌّد فإنه يك ون مثل املخلوق ات وكيف يك ون ذلك ص حيحا وهو ليس كمثله‬
‫شيء‪.‬‬
‫احلد ص فة نقص‪ ،‬فإنه من املعل وم أن غري احملدود أق وى من احملدود‪،‬‬ ‫وأيضا ف إن َّ‬
‫احلد إما أن يك ون من قبيل املك ان أو الزم ان‪ .‬ومعىن احلد املك اين هو‬ ‫وتفص يل ذلك أن َّ‬
‫إحاطة املكان بالذات‪ ،‬ومعلوم أن الذات إذا كانت حماطة باحلد املكاين فإن قدرهتا تكون‬
‫حمدودة باحلد املكاين الثابت هلا‪ ،‬فاحلد املكاين صفة نقص إذن‪.‬‬
‫وأما الزم ان ف إن ال ذات إذا ك انت حمدودة بالزم ان‪ ،‬فإهنا تنع دم خ ارج ه ذا احلد‬
‫الزماين‪ .‬فاحلد الزماين مقيد هلا وحمدد لوجودها‪ ،‬وواضح أن هذا نقص‪.‬‬
‫فالزم ان واملك ان إذن ص فات نقص‪ ،‬واهلل تع اىل ال ميكن أن يتصف بص فات نقص‪.‬‬
‫إذن فهو جل شأنه ال ميكن أن يتصف باحلدود‪.‬‬
‫ومعلوم أن احلد الذي قصده اإلمام الطحاوي هو من قبيل احلد املكاين‪ ،‬وقد تبني لك‬
‫أن املك ان أصال نقص لل ذات املتمكن ة‪ .‬فهو بنفيه للحد املك اين يك ون قد قصد نفي أصل‬
‫املكان عن اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وتأمل قوله "وتع اىل اهلل عن احلدود" فهو ينفي مطلق احلدود عن اهلل تع اىل‪ ،‬وال ينفي‬
‫ح دا معين ا‪ ،‬بل كل ما ك ان من قبيل احلدود فإنه منفي عنه جل ش أنه‪ .‬وه ذا يعم احلد‬
‫املك اين والزم اين‪ .‬ويعم احلد املعن وي أيض ا‪ ،‬مبعىن أن قدرته تع اىل ليست حمدودة‪ ،‬بل هي‬
‫متعلقة جبميع املمكن ات‪ ،‬وعلمه تع اىل متعلق جبميع الواجب ات واملس تحيالت واملمكن ات‪.‬‬
‫وكذلك فيما يتعلق بباقي الصفات العلية‪.‬‬
‫وقد يق ال إن كالمه يش مل أيضا احلد مبعىن أن ي ذكر هلل تع اىل ح ٌّد مبعىن التعري ف‪،‬‬
‫وهو ممتنع على اهلل تعاىل‪ ،‬ألن احلد املنطقي يستلزم ثبوت اجلنس أو النوع وعلى كل حال‬
‫يستلزم االشرتاك بينه تعاىل وبني غريه‪ ،‬وهذا ممنوع‪ .‬فال يعلم حقيقة ذاته أحد غريه‪ ،‬وال‬
‫يوجد حد ميكن للبشر أن يقولوه فيعرفون به حقيقته تعاىل‪.‬‬
‫كل هذه املعاين ميكن أن تفهم من كالمه رضي اهلل تعاىل عنه‪ .‬وقد يكون يف األخري‬
‫فقط تكلف‪ .‬فتأمل‪.‬‬
‫وقد يق ول قائ ل‪ :‬فما دام األمر واض حا إىل ه ذا الق در‪ ،‬أي ما دام نفي احلدود عنه‬
‫تعاىل واضحا‪ ،‬فمن الذي خالف فيه وأثبت احلد هلل تعاىل‪.‬‬
‫قلن ا‪ :‬ذكر اإلم ام البغ دادي يف كت اب التبص رة البغدادية املس مى بأص ول ال دين الف رق‬
‫اليت أثبتت احلد هلل تع اىل فق ال يف ص‪":73‬املس ألة اخلامسة من األصل الث الث يف نفي احلد‬
‫والنهاية عن الصانع‪ ،‬وهذه املسألة مع فرق‪،‬منها اهلشامية من غالة الروافض الذين زعموا‬
‫إن اجلبل أعظم منه كما حكي عن‬ ‫أن معب ودهم س بعة أش بار بشرب نفس ه‪ ،‬ومنهم من ق ال َّ‬
‫هش ام بن احلكم‪ ،‬واخلالف الث اين مع الكراميَّة ال ذين زعم وا أن له ح دا واح دا من جهة‬
‫الس فل‪ ،‬ومنها يالقي الع رش‪ ،‬واخلالف الث الث مع من زعم من مش بهة الرافضة أنه على‬
‫مقدار مساحة العرش ال يفضل من أحدمها عن اآلخر شيء‪.‬اهـ فهذه الفرق هي اليت قالت‬
‫إن اهلل تع اىل حمدود‪ ،‬واعلم أن القاضي أبا يعلى احلنبلي ق ال ب أن اهلل تع اىل حمدود من جهة‬
‫الع رش‪ ،‬فهو حمدود عن ده حبد واحد فق ط‪ ،‬وأن ابن تيمية مل ي رتض ذل ك‪ ،‬بل ق ال إن اهلل‬
‫تع اىل حمدود من س ائر اجله ات الس ت‪ ،‬وادعى ه ذا كعادته أن ه ذا هو ق ول أهل الس نة‪.‬‬
‫وقد ق ال ابن تيمية ب أن اهلل تع اىل له ق در معني ويريد بالق در معىن احلجم‪ ،‬فله ح يز مبعىن‬
‫احلجم املعني وقد صرح هبذا يف أكثر من موضع يف كتبه‪.‬‬
‫وقد رأينا أن اإلم ام الطح اوي قد نفى احلدود مطلقا عن اهلل تع اىل‪ ،‬فش مل ذلك احلد‬
‫الواحد واحلدود وإن تعددت‪ ،‬كما مضى بيانه‪.‬‬
‫وممن نفى احلد برواية مشهورة عنه اإلمام احلافظ أبن حبان‪ ،‬فقام عليه جمسمة بلدته‪،‬‬
‫وأخرجوه منه ا‪ .‬وممن روى ذلك موافقا هلؤالء اجملس مة أبو ذر اهلروي ص احب كت اب ذم‬
‫الكالم‪ ،‬فقد قال يف كتابه ص‪":278‬وسألت حيىي بن عمار عن أيب حامت بن حبان البسيت‬
‫قلت ل ه‪ ،‬أرأيت ه‪ ،‬ق ال‪ :‬كيف مل أره‪ ،‬وحنن أخرجن اه من سجس تان‪ ،‬ك ان له علم كبري ومل‬
‫يكن له كثري دين‪ ،‬قدم علينا فأنكر احلد هلل فأخرجناه من سجستان‪" .‬‬
‫وروى أبو ذر اهلروي أيضا ق ال‪" :‬مسعت عبد الص مد بن ص احل يق ول‪ ،‬مسعت أيب‬
‫وه ِج َر‬
‫يق ول‪ :‬أنك روا على ابن حب ان قوله النب وة العلم والعم ل‪ ،‬فحكم وا عليه بالزندق ة‪ُ ،‬‬
‫فكتب فيه إىل اخلليفة‪ ،‬فكتب بقتله‪ .‬ومسعت غريه يقول‪ :‬لذلك خرج إىل مسرقند"‪.‬اهـ‬
‫هذه هي منزلة ابن حبان عند هذا اجملسم الكبري‪ ،‬وابن حبان إمام كبري ال خيفض من‬
‫منزلته أن ي روي عنه جمسم ك اهلروي أخب ارا كه ذه‪ ،‬وليت ش عري‪ ،‬ف إذا ك ان ابن حب ان‬
‫ب اعرتاف ه ؤالء ينفي احلد‪ ،‬وهم ك انوا يثبتون ه‪ ،‬فمن األوىل بالتش نيع واهلج ر‪ ،‬آل ذي ي نزه‬
‫ربه أم الذي يشبهه خبلقه؟!‬
‫وقد أش ار اإلم ام العالمة ت اج ال دين ابن الس بكي إىل ه ذه احلادثة يف كتابه املفيد‬
‫طبق ات الش افعية الك ربى(‪ )2/13‬فق ال‪":‬ومن ذلك ق ول بعض اجملس مة يف أيب ح امت ابن‬
‫ِحبَّان‪:‬مل يكن له كبري دين‪ ،‬حنن أخرجناه من سجستان‪ ،‬ألنه أنكر احلد هلل‪ .‬فياليت شعري‬
‫من أحق باإلخراج؟ من جيعل ربَّه حمدودا أو من ينزهه عن اجلسمية‪.‬؟"‬
‫احلد أبو س عيد ال دارمي اجملسم املش هور‪ ،‬فقد ق ال يف كتابه يف ال رد على‬ ‫وممن أثبت َّ‬
‫بشر املريسي ص‪":23‬وادعى املع ارض أيضا أنه ليس هلل حد وال غاية وال هناي ة"‪ ،‬مث‬
‫قال‪":‬قال أبو سعيد‪ :‬واهلل تعاىل له حد ال يعلمه أحد غريه‪ ،‬وال جيوز ألحد أن يتوهم حلده‬
‫غاية يف نفس ه‪ ،‬ولكن ن ؤمن باحلد‪ ،‬ونكل علم ذلك إىل اهلل‪ .‬وملكانه أيضا ح د‪ ،‬وهو على‬
‫عرشه ف وق مسواته‪ ،‬فه ذان ح دان اثن ان"‪ .‬مث ق ال يف ص فحة ‪":24‬فمن ادعى أنه ليس هلل‬
‫رد القرآن"‪.‬اهـ‬ ‫حد فقد َّ‬
‫فتأمل يف ق ول ه ذا اجلاهل كيف يغ ايل يف إثب ات احلد هىت جيعله ثابتا يف الق رآن‪،‬‬
‫ويكفر من ينفي ه؟! وق ارن بينه وبني ق ول اإلم ام أيب جعفر الطح اوي بنفي احلدود‬
‫والنهايات والغايات‪.‬‬
‫ب اال ْق َوى‪.‬اهـ‬ ‫ِ‬
‫والر ْك ُن‪ .‬بالضم‪ :‬اجلان ُ‬‫([‪       )]62‬قال يف القاموس‪ُّ :‬‬
‫وق ال الفي ومي يف املص باح املن ري‪ :‬وركن الش يء جانب ه‪ ،‬واجلمع أرك ان مثل قفل‬
‫وأقفال‪ ،‬فأركان الشيء أجزاء ماهيته‪ ،‬والشروط ما توقف صحة األركان عليها‪ .‬اهـ‬
‫ض و‪ ،‬و بالضم والكس ر‪ :‬ك ُّل حَلْ ٍم وافِ ٍر‬ ‫وأما معىن العضو فقد ق ال يف الق اموس‪ :‬العُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ض ِو‪.‬اهـ‬
‫كالع ْ‬
‫يق‪َ ،‬‬ ‫والت ْف ِر ُ‬ ‫بِ َعظْمه‪ .‬والت َّْعضيَةُ‪ :‬الت ْ‬
‫َّج ِزئَةُ‪َّ ،‬‬
‫وق ال الفي ومي يف املص باح املن ري‪ :‬والعضة القطعة من الش يء‪ ،‬واجلزء من ه‪ ،‬والمها واو‬
‫حمذوفة واألصل عض وة‪ ،‬واجلمع عض ون على غري قي اس‪ ،‬مثل س نني‪ ،‬والعضو كل عظم‬
‫وافر من اجلس د‪ ،‬قاله يف خمتصر العني‪ .‬وضم العني أش هر من كس رها‪ ،‬واجلمع أعض اء‪.‬‬
‫وعضَّيت الذبيحة بالتشديد‪ :‬جعلتها أعضاء‪.‬اهـ‬
‫وات‪.‬اهـ وكذا قال الفيومي‬ ‫وقال الفريوزآبادي يف باب اإلداوة‪ :‬واألَداةُ‪ :‬اآلل ةُ ج‪ :‬أ ََد ٌ‬
‫يف مصباحه‪.‬‬
‫فهذا ما يتعلق باملعاين اللغوية هلذه األلفاظ الثالثثة‪ ،‬وأنت ترى أن مجيعها يدور على‬
‫معىن واحد هو اجلزء للذات والتبعيض عليها‪ .‬واإلمام الطحاوي قد نفى مجيع هذه األلفاظ‬
‫من حيث ما ت دل عليه من املع اين املذكورة‪ ،‬إذن تع رف من ه ذا أن أهل الس نة ينف ون أن‬
‫يكون اهلل تعاىل مركبا من أعضاء وأجزاء‪ ،‬وآالت‪ ،‬كما يتوهم اجملسمة‪.‬‬
‫واجملسمة عالمتهم أهنم يثبتون اليد مثال هلل تعاىل‪ ،‬وال ينفون كوهنا جارحة أو عضوا‪،‬‬
‫ويتعلل ون ب أن نفي األعض اء واألدوات مل ي رد ال يف كت اب وال يف س نة‪ ،‬يتس رتون ب ذلك‬
‫الق ول على فض ائحهم يف اعتق اد التجس يم‪ .‬وحنن ن رى ههنا أن اإلم ام الطح اوي قد نفى‬
‫مطلقا األعض اء واألرك ان واألدوات‪ ،‬ومل يتوقف يف ذل ك‪ ،‬ومل يقل إن هلل تع اىل ي دا هي‬
‫عضو له أو هي ركن له أو ج زء من ه‪ ،‬ومل يقل مطلقا أن هلل تع اىل أركانا تليق بذات ه‪ ،‬كما‬
‫يقول هؤالء احلشوية اجملسمة‪.‬‬
‫([‪       )]63‬اجله ات مجع جه ة‪ .‬ق ال ابن ف ارس يف معجم املق اييس ‪:‬ال واو واجليم‬
‫واهلاء أصل واحد ي دل على مقابلة لش يء‪ ،‬والوجه مس تقبل كل ش يء‪ ،‬يق ال وجه الرجل‬
‫وغ ريه‪ ،‬ورمبا عرب عن ال ذات بالوج ه‪..‬وواجهت فالنا جعلت وجهي تلق اء‬
‫وجهه…‪.‬وال ِوجهة كل موضع استقبلته‪.‬اهـ‬
‫والِوج ه‪ ،‬بالضم والكس ر‪ :‬اجلانِب‪ِ ،‬‬
‫والناحيَ ةُ‪.‬اهـ‬ ‫ُ‬ ‫وق ال الفريوزآب ادي يف الق اموس‪ُ ْ ُُِ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كالو ْجه وال ِو ْج َهة‪ ،‬بالكسر‪ ،‬ج‪ :‬ج ٌ‬
‫هات‪.‬اهـ‬ ‫وقال‪ :‬واجل َهةُ‪ ،‬بالكسر والضم‪ :‬الناحيةُ‪َ ،‬‬
‫وقال الفيومي يف املصباح‪ :‬والوجه مستقبل كل شيء‪ ،‬ورمبا عرب بالوجه عن الذات‪،‬‬
‫ووجهت الش يء جعلته على جهة واح دة‬ ‫ويق ال واجهته إذا اس تقبلت وجهه بوجه ك‪َّ ،‬‬
‫ووجهته إىل القبلة فتوجه إليه ا‪ ،‬وال ِوجهة بكسر ال واو قيل مثل الوجه وقيل كل مك ان‬ ‫َّ‬
‫استقبلته‪ ،‬وحتذف الواو فيقال جهة‪ ،‬مثل ِع َدة‪ ،‬وهو أحسن القوم وجها‪.‬اهـ‬
‫الست‪ ،‬صفة للجهات‪ ،‬وذلك ألن اجلهات والنواحي اليت يتوجه إليها‬ ‫([‪ُّ       )]64‬‬
‫اإلنس ان يف حركته هي س ت‪ ،‬تابعة حلركت ه‪ ،‬وه ذه اجله ات هي األم ام واخللف والف وق‬
‫والتحت واليمني والش مال‪ .‬فاحلاصل من كالم اإلم ام الطح اوي رمحه اهلل تع اىل أن اهلل ال‬
‫يقال إنه يف أي جهة من اجلهات الست‪.‬‬
‫([‪       )]65‬يعين أن كل ش يء من املبت دعات أي املخلوق ات فهو يف جهة وله‬
‫جه ة‪ ،‬وأما اهلل تع اىل فلما ك ان ليس كمثله ش يء‪ ،‬فهو جل ش أنه موج ود بال جهة وال‬
‫ناحية‪.‬‬
‫وهذا الكالم يفهم منه أن اهلل تعاىل ال جيوز أن يكون يف جهة وال يف جهات‪ ،‬فاإلمام‬
‫الطحاوي يرد على كل من القائلني بوحدة الوجود والقائلني بالتجسيم وكون اهلل تعاىل‬
‫على العرش قاعدا‪ .‬فإن اهلل تعاىل لو كان يف جهة فإنه يكون على العرش مستقرا جالسا‬
‫قاعدا كما شاء وبالكيفية اليت أراد‪ ،‬على حد قول اجملسمة‪ ،‬وهبذا فهو يكون يف جهة من‬
‫اجله ات‪ ،‬وهو هبذا يك ون قد ش ابه بعض خملوقات ه‪ .‬وأما لو ك ان يف مجيع اجله ات‪ ،‬فإنه‬
‫يك ون ح ااَّل يف الع امل وي ؤدي إىل الق ول بوح دة الوج ود‪ ،‬وهو ق ول باط ل‪ .‬واإلم ام‬
‫رد بكالمه السابق على كال هاتني الطائفتني‪ ،‬وذلك ألنه قد نفى‬ ‫الطحاوي كما ترى قد َّ‬
‫الك ون يف اجله ات الس ت‪ ،‬وه ذا ش امل للك ون يف جهة من اجله ات الس ت‪ ،‬وللك ون يف‬
‫سائر اجلهات الست‪.‬‬
‫وحنن إذ وصلنا إىل هذا احلد حنب أن نذكرك بقول اإلمام الطحاوي املار آنفا‪ ":‬ومن‬
‫وصف اهلل تع اىل مبعىن من مع اين البشر فقد كف ر"‪ ،‬فه ذه العب ارة ك انت عامة أو مطلق ة‪،‬‬
‫وإنه اآلن قد وضح ما هي املع اين الثابتة للبشر واليت ال جيوز ألحد أن يثبتها هلل تع اىل‪،‬‬
‫واليت من أثبتها هلل تعاىل فإنه كافر كما نص عليه اإلمام الطحاوي‪ .‬وهذه املعاين هي اجلهة‬
‫واحلد أو احلدود‪ ،‬واألعضاء‪ .‬وتنبه إىل قوله أن من أثبت هلل تعاىل هذه املعاين‪ ،‬فإنه كافر‪،‬‬
‫فقد رتب احلكم بالتكفري على جمرد إثبات هذه املعاين‪ ،‬ومل يرتب احلكم على إطالق هذا‬
‫االس م‪ ،‬ويفهم من ذلك أن من أطلق االسم وأراد ه ذه املع اين فهو ك افر‪ .‬ومن أطلقه ومل‬
‫يرد هذه املعاين فال جيزم بكفره‪ ،‬وأما من مل يطلقه ولكنه أراد هذه املعاين فإنه كافر باهلل‬
‫تعاىل العظيم‪ .‬هذا هو املفهوم من كالم اإلمام أيب جعفر الطحاوي رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫فاحلالة الوحي دة اليت حتتمل التفص يل عن ده‪ ،‬هي من أطلق اللفظ ومل يكن هن اك دليل‬
‫على إرادته هلذه املع اين‪ ،‬فه ذا ما احلكم في ه‪ ،‬هل يكفر أو ال‪ .‬الظ اهر واهلل تع اىل أعلم أنه‬
‫إذا كان املتبادر من اللفظ هذه املعاين ومل توجد قرينة من املتكلم لتصرف اللفظ عن هذا‬
‫الظ اهر‪ ،‬فإنه ك افر‪ ،‬وأما إذا مل يكن ك ذلك‪ ،‬فإنه ال يكف ر‪ ،‬بل يبت دع ويفس ق‪ ،‬ألنه أطلق‬
‫على اهلل تع اىل لفظا مومها للنقص وغري وارد يف الش ريعة املطه رة ومل ي دل على إرادته نفي‬
‫هذا النقص عن اهلل تعاىل‪.‬‬
‫حاح‪:‬ع َر َج يف الدرجة والس لم يع ُر ُج‬
‫َ‬ ‫([‪       )]66‬ق ال ص احب اجلوهري يف الص‬
‫عُروج ا‪ ،‬إذا ارتقى‪ .‬وق ال‪ :‬واملع راج الس لم ومنه ليلة املع راج واجلمع مع ارج ومع اريج‪،‬‬
‫واملعارج املصاعد‪.‬اهـ‬
‫([‪       )]67‬ق ال الفي ومي يف املص باح‪ :‬س ريت الليل وس ريت به َس ريا واالسم‬
‫الس راية إذا قطعته بالسري وأس ريت ب األلف لغة حجازي ة‪ ،‬ويس تعمالن متع ديني بالب اء إىل‬ ‫ِّ‬
‫مفعول فيقال سريت بزيد وأسريت به‪.‬اهـ‬
‫مبعىن‪ ،‬إذا سرت ليال‪،‬‬
‫ت ً‬ ‫وأس َريْ ُ‬
‫رى ْ‬‫وم ْس ً‬
‫رى َ‬
‫وسَريت ُس ً‬ ‫وقال اجلوهري يف الصحاح‪َ :‬‬
‫وباأللف لغة أهل احلجاز‪ ،‬وجاء القرآن هبما مجيعا‪ .‬مث قال‪ :‬وإمنا قال تعاىل (سبحان الذي‬
‫ت ِ‬
‫أمس‬ ‫ِ‬
‫الس رى ال يك ون إال باللي ل‪ ،‬للتأكي د‪ ،‬كق وهلم س ْر ُ‬ ‫أس رى بعب ده ليال)وإن ك ان ُّ‬
‫هنارا‪ ،‬والبارحة ليال‪ .‬اهـ‬
‫([‪       )]68‬ق ال الفي ومي يف املص باح‪ :‬والش خص س واد اإلنس ان ت راه من بع د‪،‬مث‬
‫استعمل يف ذاته‪ ،‬قال اخلطايب وال يسمى شخصا إال جسم مؤلف له شخوص وارتفاع‪.‬اهـ‬
‫([‪       )]69‬قال الفيومي يف املصباح‪:‬مسا يسمو مسوا عال ومنه يقال مست مهته إىل‬
‫املعايل إذا طلب العز والشرف‪ .‬والسماء املظلة لألرض‪ ،‬وقال السماء السقف وكل عال‬
‫مظل مساء حىت يقال لظهر الفرس مساء‪.‬اهـ‬
‫وعليت‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وق ال اجلوهري‪:‬والس مو االرتف اع والعل و‪ ،‬تق ول مسوت ومسيت مثل عل وت‬
‫وسليت‪-‬عن ثعلب‪ .‬وفالن ال يسامى‪ ،‬وقد عال من ساماه‪.‬اهـ‬ ‫ُ‬ ‫وسلوت‬
‫([‪       )]70‬واإلس راء كما مضى تفس ريه‪ ،‬هو املسري يف اللي ل‪ ،‬وقد أس رى اهلل‬
‫تعاىل بسيدنا حممد عليه الصالة والسالم من مكة إىل بيت املقدس مث عرج به وصعد به من‬
‫هناك إىل السموات العال وإىل حيث شاء‪ .‬هذا األمر ال ينبغي أن ينكره واحد ممن ينتسب‬
‫إىل الدين اإلسالمي حبجة أو بدون حج ة‪ ،‬فال جيوز الق ول بأن ه ذا االنتق ال يستحيل يف‬
‫ليلة واحدة! بل إن هذا مما جيوز عقال وال يستحيل إال يف العادة البشرية‪ ،‬ففي ذلك الزمان‬
‫كان قطع املسافة من مكة إىل بيت املقدس يف ليلة مستحيال عادة‪ ،‬وأما يف أيامنا هذه فإننا‬
‫نقطع أكثر منها يف ساعة‪ ،‬فال وجه الستحالة ذلك من هذا اجلانب إذن‪.‬‬
‫اهلل ال َرمحن ال َرحيم‪    ‬س بحان‬ ‫وقد ثبت اإلس راء يف الق رآن الك رمي‪ ،‬ق ال ‪  ‬بِس م ِ‬
‫ْ‬
‫الذي أسرى بعبده ليال من املسجد احلرام إىل املسجد األقصى الذي باركنا حوله لنريه من‬
‫آياتنا إنه هو السميع البصري)‪(1‬‬
‫وق ال العالمة أكمل ال دين الب ابريت يف ش رحه على الطحاوية ص‪" :80‬ق ال بعض هم‬
‫املع راج ث ابت بالكت اب أيضا وهو قوله تع اىل‪‬مث دنا فت دىل‪ ،‬فك ان ق اب قوسني أو أدىن‬
‫‪(‬النجم ‪ )8‬والصحيح أن هذا القرب كان مع جربيل‪ ،‬ويدل عليه قوله تعاىل‪‬وهو باألفق‬
‫األعلى‪(‬النجم ‪ ،)7‬وذلك أن رس ول اهلل ‪ ‬س أل جربيل أن يريه نفسه على ص ورته اليت‬
‫خلقه اهلل عليه ا‪ ،‬فواع ده ذذلك بغ ار ح راء فطلع له جربيل عليه الس الم من املش رق فسد‬
‫األفق إىل املغرب‪ ،‬مث دنا فتدىل‪ .‬هذا من باب القلب أي مث تدىن جربيل فدنا من حممد عليه‬
‫السالم‪ ،‬وكان منه قاب قوسني أي قدر مسافة قوسني أو أدىن‪ ،‬واملعىن أنه بعدما رآه النيب‬
‫عليه السالم على صورته هاله من عظمته فرده اهلل إىل صورة آدمي حىت قرب منه للوحي‬
‫وذلك قوله‪‬ف أوحى إىل عب ده ما أوحى‪(‬النجم ‪ )10‬أي عبد اهلل وهو حممد عليه الس الم‬
‫ما أوحى اهلل عز وجل بلس ان جربي ل‪".‬اهـ ‪ ،‬وق ال ال بيهقي يف األمساء والص فات ص‬
‫‪":436‬ق ال أبو س ليمان اخلط ايب رمحه اهلل تع اىل يف تق دير قوله ‪‬مث دنا فت دىل فك ان ق اب‬
‫قوسني أو أدىن‪ ‬على ما تأوله ابن مس عود وعائشة رضي اهلل عنهما من رؤيته ‪ ‬جربيل‬
‫عليه السالم يف صورته اليت خلق عليها‪ ،‬والدنو منه عند املقام الذي رفع إليه وأقيم فيه قوله‬
‫‪‬دنا فت دىل‪ ‬املعىن به جربيل عليه الس الم ت دىل من مقامه ال ذي جعل له يف األفق األعلى‬
‫فاس توى أي وقف وقفة مث دنا فت دىل أي ن زل حىت ك ان بينه وبني املص عد ال ذي رفع إليه‬
‫حممد ‪ ‬قاب قوسني أو أدىن‪ ،‬فيما يراه الرائي ويقدره املقدر‪.‬‬
‫وروى اإلمام البيهقي رمحه اهلل تعاىل يف كتاب األمساء والصفات ص‪ 433‬يف باب ما‬
‫ج اء يف ق ول ‪ ‬مث دنا فت دىل فك ان ق اب قوسني أو أدىن‪ ‬عن عبداهلل رضي اهلل عنه يف‬
‫ه ذه اآلية‪‬فك ان ق اب قوسني أو أدىن‪ ،‬ق ال رس ول اهلل ‪" ‬رأيت جربيل عليه الص الة‬
‫والسالم له ستمائة جناح" رواه البخاري يف الصحيح عن أيب النعمان عن عبد الواحد بن‬
‫زي اد‪ .‬وروى بس نده عن ابن مس عود رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬رأىي جربيل عليه الص الة‬
‫والسالم له ستمائة جناح"‪.‬وذكر أنه رواه اإلمام مسلم أيضا يف صحيحه عن أيب الربيع‪.‬‬
‫قال اإلمام العالمة التفتازاين يف شرح العقائد النسفية ص‪":194‬فاإلسراء من املسجد‬
‫احلرام إىل بيت املقدس قطعي ثبت بالكتاب‪ ،‬واملعراج من األرض إىل السماء مشهور ومن‬
‫الس ماء إىل اجلنة أو الع رش أو غري ذلك آح اد‪ .‬مث الص حيح أنه عليه الس الم إمنا رأى ربه‬
‫بف ؤاده ال بعين ه‪".‬اهـ‪ .‬وخالفه املال أمحد اجلن دي يف حاش يته وق ال‪ ":‬قد س بق أن م ذهب‬
‫الشيخ األشعري أنه رآه بعينه وهو الصحيح جلزم ابن عباس وغريه به‪ ،‬ومثله ال يقال من‬
‫قبل ال رأي‪ ،‬وألنه ممكن دلت عليه الظ واهر‪".‬اهـ قلت‪ :‬واألصح ما قاله الس عد‪ ،‬حلص ول‬
‫االختالف بني الص حابة يف ذل ك‪ ،‬ولو حص لت الرؤية ب العني الش تهرت بينهم حىت مل‬
‫حيدث خالف‪ ،‬كعدمه يف الرؤية بالعني‪.‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وخرب اإلس راء مش هور يف كتب احلديث‪ ،‬وس وف نكتفي ب إيراد قسم من روايات ه‪،‬‬
‫فمنها ما رواه اإلم ام البخ اري عن أنس بن مالك عن مالك بن صعص عة رضي اهلل تع اىل‬
‫عنهما أن نيب اهلل صلى اهلل عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به بينما أنا يف احلطيم ورمبا‬
‫ق ال يف احلجر مض طجعا إذ أت اين آت فقد ق ال ومسعته يق ول فشق ما بني ه ذه إىل ه ذه‬
‫فقلت للج ارود وهو إىل جنيب ما يعين به ق ال من ثغ رة حنره إىل ش عرته ومسعته يق ول من‬
‫قصه إىل ش عرته فاس تخرج قليب مث أتيت بطست من ذهب ممل وءة إميانا فغسل قليب مث‬
‫حشي مث أعيد مث أتيت بدابة دون البغل وف وق احلم ار أبيض فق ال له اجلارود هو ال رباق يا‬
‫أبا محزة ق ال أنس نعم يضع خط وه عند أقصى طرفه فحملت عليه ف انطلق يب جربيل حىت‬
‫أتى الس ماء ال دنيا فاس تفتح فقيل من ه ""ذا ق ال جربيل قيل ومن معك ق ال حممد قيل وقد‬
‫أرسل إليه ق ال نعم قيل مرحبا به فنعم اجمليء ج اء ففتح فلما خلصت ف إذا فيها آدم فق ال‬
‫ه ذا أب وك آدم فس لم عليه فس لمت عليه ف رد الس الم مث ق ال مرحبا ب االبن الص احل والنيب‬
‫الص احل مث ص عد حىت أتى الس ماء الثانية فاس تفتح قيل من ه ذا ق ال جربيل قيل ومن معك‬
‫ق ال حممد قيل وقد أرسل إليه ق ال نعم قيل مرحبا به فنعم اجمليء ج اء ففتح فلما خلصت‬
‫إذا حيىي وعيسى ومها ابنا اخلالة ق ال ه ذا حيىي وعيسى فس لم عليهما فس لمت ف ردا مث ق اال‬
‫مرحبا باألخ الصاحل والنيب الصاحل مث صعد يب إىل السماء الثالثة فاستفتح قيل من هذا قال‬
‫جربيل قيل ومن معك ق ال حممد قيل وقد أرسل إليه ق ال نعم قيل مرحبا به فنعم اجمليء‬
‫جاء ففتح فلما خلصت إذا يوسف قال هذا يوسف فسلم عليه فسلمت عليه فرد مث قال‬
‫مرحبا ب األخ الص احل والنيب الص احل مث ص عد يب حىت أتى الس ماء الرابعة فاس تفتح قيل من‬
‫هذا قال جربيل قيل ومن معك قال حممد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم‬
‫اجمليء جاء ففتح فلما خلصت إىل إدريس قال هذا إدريس فسلم عليه فسلمت عليه فرد مث‬
‫قال مرحبا باألخ الصاحل والنيب الصاحل مث صعد يب حىت أتى السماء اخلامسة فاستفتح قيل‬
‫من هذا قال جربيل قيل ومن معك قال حممد‪   ‬صلى اهلل عليه وسلم‪   ‬قيل وقد أرسل إليه‬
‫ق ال نعم قيل مرحبا به فنعم اجمليء ج اء فلما خلصت ف إذا ه ارون ق ال ه ذا ه ارون فس لم‬
‫عليه فس لمت عليه ف رد مث ق ال مرحبا ب األخ الص احل والنيب الص احل مث ص عد يب حىت أتى‬
‫السماء السادسة فاستفتح قيل من هذا قال جربيل قيل من معك قال حممد قيل وقد أرسل‬
‫إليه ق ال نعم ق ال مرحبا به فنعم اجمليء ج اء فلما خلصت ف إذا موسى ق ال ه ذا موسى‬
‫فسلم عليه فسلمت عليه فرد مث قال مرحبا باألخ الصاحل والنيب الصاحل فلما جتاوزت بكى‬
‫قيل له ما يبكيك ق ال أبكي ألن غالما بعث بع" " ""دي ي" " ""دخل الجنة من أمته أك" " ""ثر ممن‬
‫يدخلها من أم"تي مث صعد يب إىل السماء السابعة فاستفتح جربيل قيل من هذا قال جربيل‬
‫قيل ومن معك ق ال حممد قيل وقد بعث إليه ق ال نعم ق ال مرحبا به فنعم اجمليء ج اء فلما‬
‫خلصت فإذا إبراهيم قال هذا أبوك فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السالم قال مرحبا‬
‫ب االبن الص احل والنيب الص احل مث رفعت يل س درة املنتهى ف إذا نبقها مثل قالل هجر وإذا‬
‫ورقها مثل آذان الفيلة ق ال ه ذه س درة املنتهى وإذا أربعة أنه ""ار نه ""ران باطن ""ان ونه ""ران‬
‫ظ""اهران فقلت ما ه ذان يا جربيل ق ال أما الباطن ان فنه ران يف اجلنة وأما الظ""اهران فالنيل‬
‫والفرات" مث رفع يل البيت املعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك مث أتيت بإناء من مخر‬
‫وإناء من لنب وإناء من عسل فأخذت اللنب فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك مث فرضت‬
‫علي الص لوات مخسني ص الة كل ي وم ف رجعت فم ررت على موسى فق ال مب أم رت ق ال‬
‫أمرت خبمسني صالة كل يوم قال أمتك ال تستطيع خمسين صالة كل يوم وإين واهلل قد‬
‫ج ربت الن اس قبلك وع اجلت بين إس رائيل أشد املعاجلة ف ارجع إىل ربك فاس أله التخفيف‬
‫ألمتك فرجعت فوضع عين عشرا فرجعت إىل موسى فقال مثله فرجعت فوضع عين عشرا‬
‫ف رجعت إىل موسى فق ال مثله ف رجعت فوضع عين عش را ف رجعت إىل موسى فق ال مثله‬
‫ف رجعت ف أمرت بعشر ص لوات كل ي وم ف رجعت فق ال مثله ف رجعت ف أمرت خبمس‬
‫صلوات كل يوم فرجعت إىل موسى فقال مبا أمرت قلت أمرت خبمس صلوات كل يوم‬
‫قال إن أمتك ال تستطيع مخس صلوات كل يوم وإين قد جربت الناس قبلك وعاجلت بين‬
‫إس رائيل أشد املعاجلة ف ارجع إىل ربك فاس أله التخفيف ألمتك ق ال س ألت ريب حىت‬
‫استحييت ولكن أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى من""اد أمض""يت فريض""تي وخففت‬
‫عن عبادي‪.‬‬
‫وله يف رواية عن سليمان عن شريك بن عبد اهلل أنه ق ال مسعت أنس بن مالك يق ول‬
‫ليلة أسري برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من مسجد الكعبة إنه جاءه ثالثة نفر قبل أن‬
‫يوحى إليه وهو نائم يف املسجد احلرام فقال أوهلم أيهم هو فقال أوسطهم هو خريهم فقال‬
‫آخ رهم خ ذوا خ ريهم فك انت تلك الليلة فلم ي رهم حىت أت وه ليلة أخ رى فيما ي رى قلبه‬
‫وتن ام عينه وال ين ام قلبه وك ذلك األنبي اء تن ام أعينهم وال تن ام قل وهبم فلم يكلم وه حىت‬
‫احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم فتواله منهم جربيل فشق جربيل ما بني حنره إىل لبته حىت‬
‫ف رغ من ص دره وجوفه فغس له من م اء زم زم بي ده حىت أنقى جوفه مث أتى بطست من‬
‫ذهب فيه تور من ذهب حمشوا إميانا وحكمة فحشي به صدره ولغاديده يعين عروق حلقه‬
‫مث أطبقه مث ع رج به إىل الس ماء ال دنيا فض رب بابا من أبواهبا فن اداه أهل الس ماء من ه ذا‬
‫فقال جربيل قالوا ومن معك قال معي حممد قال وقد بعث قال نعم قالوا فمرحبا به وأهال‬
‫فيستبشر به أهل الس ماء ال يعلم أهل الس ماء مبا يريد اهلل به يف األرض حىت يعلمهم فوجد‬
‫يف السماء الدنيا آدم فقال له جربيل هذا أبوك فسلم عليه فسلم عليه ورد عليه آدم وقال‬
‫مرحبا وأهال بابين نعم االبن أنت فإذا هو يف السماء الدنيا بنه""رين يَطَّ ِر َدان (أي جيريان‪-‬‬
‫من النهاية يف غ ريب احلديث البن األث ري) فق ال ما ه ذان النه ران يا جربيل ق ال ه ذا النيل‬
‫والف رات عنص رمها مث مضى به يف الس ماء ف إذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد‬
‫فضرب يده فإذا هو مسك أَ ْذفَر (أي طيب الريح) قال ما هذا يا جربيل قال هذا الكوثر‬
‫الذي خبأ لك ربك مث عرج به إىل السماء الثانية فقالت املالئكة له مثل ما قالت له األوىل‬
‫من ه ذا ق ال جربيل ق الوا ومن معك ق ال حممد ص لى اهلل عليه وس لم ق الوا وقد بعث إليه‬
‫ق ال نعم ق الوا مرحبا به وأهال مث ع رج به إىل الس ماء الثالثة وق الوا له مثل ما ق الت األوىل‬
‫والثانية مث عرج به إىل الرابعة فقالوا له مثل ذلك مث عرج به إىل السماء اخلامسة فقالوا مثل‬
‫ذلك مث ع رج به إىل الس ماء السادسة فق الوا له مثل ذلك مث ع رج به إىل الس ماء الس ابعة‬
‫فق الوا له مثل ذلك كل مساء فيها أنبي اء قد مساهم ف وعيت منهم إدريس يف الثانية وه ارون‬
‫يف الرابعة وآخر يف اخلامسة مل أحفظ امسه وإب راهيم يف السادسة وموسى يف الس ابعة‬
‫بتفض يل كالم اهلل فق ال موسى رب مل أظن أن ترفع علي أح دا مث عال به ف وق ذلك مبا ال‬
‫يعلمه إال اهلل حىت ج اء س درة املنتهى ودنا الجب""ار رب الع""زة فت""دلى حىت ك ان منه ق اب‬
‫قوسني أو أدىن فأوحى اهلل فيما أوحى إليه مخسني صالة على أمتك كل يوم وليلة مث هبط‬
‫حىت بلغ موسى فاحتبسه موسى فق ال يا حممد م اذا عهد إليك ربك ق ال عهد إيل مخسني‬
‫ص الة كل ي وم وليلة ق ال إن أمتك ال تس تطيع ذلك ف ارجع فليخفف عنك ربك وعنهم‬
‫فالتفت النيب‪   ‬صلى اهلل عليه وسلم‪   ‬إىل جربيل كأنه يستشريه يف ذلك فأشار إليه جربيل‬
‫أن نعم إن ش ئت فعال به إلى الجب" " ""ار فق" " ""ال وهو مكانه يا رب خفف عنا ف إن أميت ال‬
‫تستطيع هذا فوضع عنه عشر صلوات مث رجع إىل موسى فاحتبسه فلم يزل يردده موسى‬
‫إىل ربه حىت ص ارت إىل مخس ص لوات مث احتبسه موسى عند اخلمس فق ال يا حممد واهلل‬
‫لقد راودت بين إسرائيل قومي على أدىن من هذا فضعفوا فرتكوه فأمتك أضعف أجسادا‬
‫وقلوبا وأب دانا وأبص ارا وأمساعا ف ارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النيب ص لى‬
‫اهلل عليه وس لم إىل جربيل ليشري عليه وال يك ره ذلك جربيل فرفعه عند اخلامسة فق ال يا‬
‫رب إن أميت ضعفاء أجسادهم وقلوهبم وأمساعهم وأبداهنم فخفف عنا فقال اجلبار يا حممد‬
‫ق ال لبيك وس عديك ق ال إنه ال يب دل الق ول ل دي كما فرضت عليك يف أم الكت اب ق ال‬
‫فكل حس نة بعشر أمثاهلا فهي مخس ون يف أم الكت اب وهي مخس عليك فرجع إىل موسى‬
‫فق ال كيف فعلت فق ال خفف عنا أعطانا بكل حس نة عشر أمثاهلا ق ال موسى قد واهلل‬
‫راودت بين إس رائيل على أدىن من ذلك ف رتكوه ارجع إىل ربك فليخفف عنك أيضا ق ال‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يا موسى قد واهلل استحييت من ريب مما اختلفت إليه قال‬
‫فاهبط باسم اهلل قال واستيقظ وهو يف مسجد احلرام‪.‬‬
‫ولنا مالحظات ومناقشات" تدور حول أحاديث اإلسراء‪ ،‬نوجز بعضها فيما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬اع رتض البعض على ق وهلم "وقد أرسل إلي ه" بأنه ي دل على أهنم مل يكون وا‬
‫يعلمون بأنه ص ار نبي ا‪ ،‬وه ذا ال جيوز يف حق املالئك ة‪ ،‬يريد أن يق ول أن احلديث يض عف‬
‫بذلك!؟‬
‫واجلواب‪ :‬ق ال ابن حجر يف الفتح(‪":)7/209‬قوله (فاس تفتح)‪ ،‬تق دم الق ول فيه يف‬
‫أول الص الة وأن ق وهلم "أرسل إلي ه" أي للع روج‪ ،‬وليس املراد أصل البعث ألن ذلك ك ان‬
‫قد اشتهر يف امللكوت األعلى‪ .‬وقيل سألوه تعجبا من نعمة اهلل عليه بذلك أو استبشارا به‪،‬‬
‫وقد علم وا أن بش را ال ي رتقى ه ذا ال رتقي إال ب إذن اهلل تع اىل وأن جربيل ال يص عد مبن مل‬
‫يرسل إليه‪ .‬وقيل احلكمة يف سؤال املالئكة"وقد بعث إليه" أن اهلل أراد إطالع نبيه على أنه‬
‫ث إليه ف دل على أهنم ك انوا يعرف ون أن ذلك‬ ‫مع روف عند املأل األعلى‪ ،‬ألهنم ق الوا َأوبُعِ َ‬
‫سيقع له‪ ،‬وإال لكانوا يقولون ومن حممد‪ ،‬مثال‪".‬اهـ‬
‫ثانيا‪ :‬قول سيدنا موسى عليه السالم‪ ":‬غالما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر‬
‫ممن ي ""دخلها" من أم ""تي" ‪ ،‬كيف يص در مثل ه ذا الق ول من نيب وهو ي دل على احلس د‪.‬‬
‫وكيف يطلق على سيدنا حممد عليه السالم اسم الغالم وهو أفضل اخللق أمجعني؟!‬
‫أظن أحدا‬
‫اجلواب‪ :‬قال ابن حجر يف الفتح(‪":)7/211‬ويف رواية شريك عن أنس مل َّ‬
‫علي‪ ،‬ويف حديث أيب سعيد "قال موسى‪:‬يزعم بنو إسرائيل أين أكرم على اهلل وهذا‬ ‫يُْرفَ ُع َّ‬
‫علي‪ ،‬ولكن معه أمته‬‫أكرم على اهلل مين" زاد األموي يف روايته"ولو كان هذا وحده هان َّ‬
‫وهم أفضل األمم عند اهلل" ويف رواية أيب عبي دة بن عبداهلل بن مس عود عن أبيه أنه "م َّر‬
‫مبوسى عليه الس الم وهو يرفع ص وته فيق ول‪:‬أكرمته وفض لته‪ ،‬فق ال جربي ل‪:‬ه ذا موس ى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومن يع اتب‪ .‬ق ال يع اتب ربه في ك‪ .‬قلت‪ :‬ويرفع ص وته على رب ه‪ .‬ق ال‪:‬إن اهلل قد‬
‫ع رف له حدت ه"‪ .‬ويف ح ديث ابن مس عود عند احلارث وأيب يعلى وال بزار"ومسعت ص وتا‬
‫وتذمرا‪ ،‬فسألت جربيل فقال هذا موسى‪ ،‬قلت على من تذمره‪ .‬قال‪ :‬على ربه‪ .‬قلت على‬
‫ربه؟! قال إنه يعرف ذلك منه"‪.‬‬
‫قال العلماء مل يكن بكاء موسى حسدا‪ ،‬معاذ اهلل‪ ،‬فإن احلسد يف ذلك لعامل منزوع‬
‫عن آح اد املؤم نني فكيف مبن اص طفاه اهلل تع اىل‪ ،‬بل ك ان أس فا على ما فاته من األجر‬
‫ال ذي ي رتتب عليه رفع الدرجة بس بب ما وقع من أمته من ك ثرة املخالفة املقتض ية لتنقيص‬
‫أج ورهم املس تلزم لتنقيص أج ره‪ ،‬ألن لكل نيب مثل أجر كل مناتبع ه‪ ،‬وهلذا ك ان من اتبعه‬
‫من أمته يف العدد دون من اتبع نبينا ‪ ‬مع طول مدهتم بالنسبة هلذه األمة‪.‬‬
‫وأما قوله "غالم" فليس على س بيل النقص‪ ،‬بل على س بيل التنويه بق درة اهلل وعظيم‬
‫كرمه إذ أعطى ملن ك ان يف ذلك السن ما مل بعطه أح دا قبله ممن هو أسن من ه‪ .‬ونقل عن‬
‫العارف باهلل تعاىل ابن أيب مجرة قوله‪ :‬وأما قوله "هذا الغالم" فأشار إىل صغر سنه بالنسبة‬
‫إليه‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬قي ل‪ :‬ختص يص موسى عليه الس الم باالس تدراك ومراجعة النيب ‪ ‬ي دل على أن‬
‫هذا احلديث من اإلسرائيليات‪.‬‬
‫اجلواب‪ :‬هذا باطل‪ ،‬فإن احلكمة يف ذلك كما نقله ابن حجر عن القرطيب (‪)7/212‬‬
‫لعلها لك ون أمة موسى كلفت من الص لوات مبا مل تكلف به غريها من األمم‪ ،‬فثقلت‬
‫عليهم فأش فق موسى على أمة حممد من مثل ذل ك‪ .‬ويشري إىل ذلك قوله "إين قد ج ربت‬
‫الن اس قبل ك"انتهى‪ .‬وق ال غ ريه لعلها من جهة أنه ليس يف األنبي اء من له أتب اع أك ثر من‬
‫موسى وال من له كتاب أكرب وال أمجع لألحكام من هذه اجلهة مضاهيا للنيب ‪ ‬فناسب أن‬
‫يتمىن أن يك ون له مثل ما أنعم عليه من غري زواله عن ه‪ .‬وناسب أن يطلعه على ما وقع له‬
‫وينصحه فيما يتعلق به‪" .‬اهـ‬
‫وأما بك اؤه فلما أن اهلل تع اىل جعل الرمحة يف قل وب األنبي اء أك ثر ما جعل يف قل وب‬
‫غريهم‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬ق ال بعض هم إننا ال نفهم معىن لألهنار األربعة ووصف اث نني منها بالب اطنني‬
‫واثنني بالظاهرين‪ .‬فذلك يدل على أن احلديث ليس بصحيح أو فيه شك‪.‬‬
‫اجلواب‪ :‬وأما األهنار األربعة فلو افرتضنا أننا ال نعرف معنامها فال يستلزم ذلك بطالن‬
‫احلديث‪ .‬ولعل املعىن أهنما باطنان أي ميران من حتت سطح األرض‪ ،‬والظاهران خالفهما‪.‬‬
‫أو يكون الباطنان داللة على أن اجلنة فيها أفضل مما يف احلياة الدنيا لعزة الباطن‪ ،‬وكشف‬
‫الظاهر‪ .‬وقد جياب أيضا بأن ه ذين النهرين أي الفرات والنيل من أهنار اجلن ة‪ ،‬وحكمهما‬
‫ليس نفس حكم أهنار ال دنيا‪ ،‬ف إن الف رات والنيل وإن كانا ينبع ان من منطقة معينة من‬
‫األرض يف ال دنيا‪ ،‬ف إن ال واردين يف احلديث ليسا مها عني ما جندمها يف ال دنيا‪ ،‬بل مسيا‬
‫بأمسائهما‪ .‬ف إن قيل فكيف يطلق على هنر من أهنار اآلخ رة امسا لنهر يف ال دنيا؟ واجلواب‪:‬‬
‫إن ذلك غري مس تنكر ف إن الفاكهة يف اآلخ رة هلا أمساء هي عني األمساء اليت يف ال دنيا‬
‫ك العنب وال تني وحىت احلنظل وإن ك ان م را يف ال دنيا‪ ،‬فالتش ابه إمنا هو يف األمساء فق ط‪.‬‬
‫وقد ورد يف ح ديث البخ اري عن أيب هري رة ‪ ":‬ف إذا س ألتم اهلل فاس ألوه الف ردوس فإنه‬
‫أوسط اجلنة وأعلى اجلنة أراه فوقه ع رش ال رمحن ومنه تفجر أهنار اجلنة ق ال حممد بن فليح‬
‫عن أبيه وفوقه عرش الرمحن"‪.‬فهذا دليل على أن منبع األهنار يف اآلخرة هو العرش‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬اعرتض على ما ورد يف بعض الروايات من ألفاظ التديل والدنو واملكان‪.‬‬
‫واجلواب‪ :‬ق ال اإلم ام ال بيهقي يف األمساء والص فات ص‪ 440‬بع دما أورد ح ديث‬
‫اإلس راء واملع راج‪":‬رواه البخ اري يف الص حيح عن عبد العزيز بن عبد اهلل عن س ليمان بن‬
‫بالل‪ ،‬ورواه مس لم عن ه ارون بن س عيد األيلي عن ابن وهب‪ ،‬ومل يسق متنه وأح ال به‬
‫على رواية ث ابت عن أنس رضي اهلل عن ه‪ ،‬وليس يف رواية ث ابت عن أنس لفظ ال دنو‬
‫والت ديل وال لفظ املك ان‪ .‬وروى ح ديث املع راج ابن ش هاب الزه ري عن أنس بن مالك‬
‫رضي اهلل عنه وقت ادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعص عة‪ ،‬ليس يف ح ديث واحد‬
‫منهما ش يء من ذل ك‪ .‬وقد ذكر ش ريك بن عبد اهلل بن أيب منر يف روايته ه ذه ما يس تدل‬
‫على أنه مل حيفظ احلديث كما ينبغي له من نس يانه ما حفظه غ ريه‪ ،‬ومن خمالفته يف‬
‫مقامات األنبياء الذين رآهم يف السماء من هو أحفظ منه‪".‬اهـ‬
‫وقد علم أن الت ديل ال جيوز نس بته إىل اهلل تع اىل‪ ،‬ألنه من ص فات املخل وقني كجربيل‬
‫عليه الس الم كما مض ى‪ .‬وأما ما قد ي رد حنو دار اهلل فهو مبعىن ال دار اليت دورها ألوليائه‬
‫وهي اجلنة‪ .‬وكما يقال بيت اهلل وحرم اهلل‪.‬‬
‫وأما ما ورد من املك ان فق ال اخلط ايب كما نقله عنه ال بيهقي يف األمساء والص فات‬
‫‪":442‬ويف احلديث لفظة أخ رى تف رد هبا ش ريك أيضا مل ي ذكرها غ ريه‪ ،‬وهي قوله وهو‬
‫مكانه‪ .‬واملكان ال يضاف إىل اهلل سبحانه‪ ،‬إمنا هو مكان النيب ‪ ‬ومقامه األول الذي أقيم‬
‫فيه‪.‬‬
‫[‪   )]71[(]71[]71‬روى اإلمام البخاري‪ :‬عن أيب هريرة رضي اهلل تعاىل عنه عن‬
‫النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ما بني بييت ومن ربي روضة من ري اض اجلنة ومن ربي على‬
‫حوضي‪.‬‬
‫وروى أيضا عن عقبة بن ع امر أن النيب ص لى اهلل عليه وس لم خ رج يوما فص لى على‬
‫أهل أحد ص الته على امليت مث انص رف إىل املنرب فق ال إين َف َرطُ ُك ْم وأنا ش هيد عليكم إين‬
‫واهلل ألنظر إىل حوضي اآلن وإين قد أعطيت خ زائن مف اتيح األرض وإين واهلل ما أخ اف‬
‫بعدي أن تشركوا ولكن أخاف أن تنافسوا فيها‪.‬‬
‫قال يف الصحاح‪ :‬وال َف َر ُط بالتحريك الذي يتقدم الوارد َة فيهيء هلم األرسان والدِّالءَ‬
‫احلياض ويستقي هلم‪ .‬وهو َف َع ٌل مبعىن فاعل‪ ،‬مثل َتبَ ٍع مبعىن تابع‪.‬يقال رجل َف َر ٌط‬
‫َ‬ ‫ويَ ُد ُر هلم‬
‫وقوم َفَر ٌط‪".‬أهـ‬
‫وروى ال بيهقي يف س ننه الك ربى عن كعب بن عج رة ق ال ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل‬
‫عليه وسلم إنه سيكون أمراء فمن صدقهم بكذهبم وأعاهنم على ظلمهم فليس مين ولست‬
‫منه وال ي رد على حوضي ومن مل يص دقهم على ك ذهبم ومل يعنهم على ظلمهم فهو مين‬
‫وأنا منه ويرد على حوضي‪.‬‬
‫قال اإلمام السعد يف شرح النسفية‪":‬واحلوض حق لقوله تعاىل إنا أعطيناك الكوثر"اهـ‬
‫‪ ،‬وعارضه احملشي العالمة اخلي ايل فق ال‪ :‬يشري إىل أن الك وثر هو احلوض واألصح أنه غ ريه‬
‫فإنه هنر يف اجلنة واحلوض يف املوق ف‪.‬اهـ ورمبا يؤيد ما قاله اخلي ايل ح ديث الرس ول عليه‬
‫الس الم ال ذي أخرجه الرتم ذي عن مسرة رضي اهلل عنه ق ال ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم "إن لكل نيب حوض ا‪ ،‬وإهنم ليتب اهون أيهم أك ثر وارد‪ ،‬وإين ألرجو أن أك ون‬
‫أك ثرهم واردة‪".‬اهـ ورمبا يك ون األق رب أن احلوض يف املوقف وهو مصب النهر ال ذي يف‬
‫اجلنة‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ق ال الس يوطي يف الب دور الس افرة يف أم ور اآلخ رة ص‪" :239‬ق ال ال دارقطين ق ال‬
‫علماؤنا كل من ارتد عن دين اهلل أو أح دث فيه ما ال يرض اه اهلل تع اىل ومل ي أذن به فهو‬
‫من املط رودين عن احلوض وأش دهم ط ردا من خ الف مجاعة املس لمني‪ ،‬ك اخلوارج‬
‫والروافض واملعتزلة على اختالف فرقهم فهؤالء كلهم مبدلون‪ ،‬وكذلك الظلمة املسرفون‬
‫يف اجلود والظلم وطمس احلق وإذالل أهله واملعلن ون للكب ائر املس تخفون باملعاصي ومجاعة‬
‫أهل الزيغ والب دع‪ ،‬مث الط رد قد يك ون يف ح ال ويقرب ون بعد املغف رة إن ك ان التب ديل يف‬
‫األعم ال‪ ،‬ومل يكن يف العقائ د‪ ،‬وقد يق ال‪ :‬إن أهل الكب ائر ي ردون ويش ربون‪ ،‬وإذا دخل وا‬
‫النار بعد ذلك مل يعذبوا بالعطش‪.‬‬
‫وه ذا على ما اخت اره من ق ال إن احلوض قبل الص راط وال ذي رجحه القاضي عي اض‬
‫إن احلوض جبانب اجلنة ينصب فيه املاء من النهر ال ذي داخلها ‪ ،‬فلو ك ان قبل الص راط‬
‫خلالف الن ار بينه وبني املاء ال ذي يصب من الك وثر‪ ،‬ق ال ‪ :‬وأما ما أورد عليه من ح ديث‬
‫أن مجاعة ي دفعون عن احلوض بعد أن ي ردوه‪ ،‬وي ذهب هبم إىل الن ار فجوابه أهنم يقرب ون‬
‫من احلوض حبيث يرونه ويرون فيدفعون يف النار‪ ،‬قبل أن خيلصوا من بقية الصراط‪.‬اهـ‪.‬‬
‫([‪        )]72‬أصل الش فاعة يف اللغة كما ق ال اجلوهري من الش فع وهو خالف‬
‫الوتْ ِر‪ ،‬وهو الزوج‪ ،‬وقال واستشفعته إىل فالن أي سألته أن يشفع يل إليه‪ ،‬وتشفعت إليه‬ ‫َ‬
‫يف فالن فش فَّعين فيه تش فيعا‪.‬اهـ‪ .‬وأما الفي ومي فقد زاد ت دقيقا يف معناها فق ال يف‬
‫مص باحه‪":‬ش فعت الش يء من ب اب نفع ض ممته إىل الف رد‪ .‬وش فعت يف األمر ش فعا‬
‫وش فعاعة ط البت بوس يلة أو ذم ام‪ ،‬واسم الفاعل ش فيع واجلمع ش فعاءمثل ك رمي وكرم اء‬
‫وشافع أيضا‪".‬اهـ‬
‫ومن هنا فإننا ميكن أن نرجع املعىن الش رعي للش فاعة إىل األصل اللغ وي‪ ،‬وال يك ون‬
‫من ب اب النقل عن املع ىن‪ ،‬بل هو اس تعمال يف أصل املورد‪ ،‬ف إن الش فاعة يف الع رف كما‬
‫قال البيجوري ص‪":186‬سؤال اخلري من الغري للغري‪ ،‬وشفاعة املوىل عبارة عن عفوه‪".‬اهـ ‪.‬‬
‫وأصل الش فاعة ثابتة يف الش رع وقد نص اإلم ام التفت ازاين يف ش رح العقائد النس فية ص‬
‫‪ 175‬أن أصل العفو والش فاعة ث ابت باألدلة القطعية من الكت اب والس نة واإلمجاع‪ .‬وق ال‬
‫اإلمام السيوطي يف البدور السافرة يف أمور اآلخرة ص‪":343‬أخرج الشيخان عن عمر بن‬
‫اخلط اب رضي اهلل تع اىل عنه أنه خطب فق ال‪ :‬إنه س يكون يف ه ذه األمة ق وم يك ذبون‬
‫ب الرجم وبال دجال‪ ،‬ويك ذبون بطل وع الش مس من مغرهبا‪ ،‬ويك ذبون ع ذاب الق رب‪،‬‬
‫ويكذبون الشفاعة ويكذبون بقوم خيرجون من النار بعدما امتحشوا"اهـ‪.‬‬
‫وهي على أقس ام كما ق ال الش يخ أمحد ال دردير يف ش رحه على خريدته ص‪ 70‬على‬
‫أن واع‪ :‬األول‪ :‬ش فاعته ‪ ‬يف فصل القض اء إلراحة اخللق من ط ول الوق وف مش قته وهي‬
‫خمتصة به ‪ . ‬الثاني شفاعته يف إدخال قوم اجلنة بغري حساب قال النووي وهي خمتصة به‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬الشفاعة فيمن يستحق دخول النار أن ال يدخلها‪ ،‬قال عياض وليست خمتصة به‪،‬‬
‫وت ردد الن ووي أي ألنه مل ي رد تص ريح ب ذلك‪ .‬الرابع‪ :‬الش فاعة يف إخ راج ق وم من الن ار‬
‫ويشاركه فيها األنبياء واملالئكة وصاحلو املؤمنني‪ .‬الخامس‪ :‬الشفاعة يف زيادة الدرجات‪.‬‬
‫وجوز النووي اختصاصها به عليه الصالة والسالم‪ .‬السادس‪ :‬الشفاعة يف ختفيف العذاب‬
‫عمن اس تحق اخلل ود يف الن ار كما يف حق أيب ط الب‪ ،‬ففي الص حيح أنا أول ش افع وأول‬
‫مش فع وإنه ذكر عن ده عمه أبو ط الب فق ال لعله تنفعه ش فاعيت فيجعل يف ضحض اح من‬
‫نار‪ .‬اهـ قلت‪:‬وحديث شفاعته يف أيب طالب رواه اإلمام البخاري عن أيب سعيد اخلدري‬
‫رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫قلت ودليل النوع األول من الشفاعة ما رواه اإلمام البخاري عن أيب هريرة رضي اهلل‬
‫تعاىل عنه قال كنا مع النيب صلى اهلل عليه وسلم يف دعوة فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه‬
‫فنهس منها هنسة وقال أنا سيد القوم يوم القيامة هل تدرون مب جيمع اهلل األولني واآلخرين‬
‫يف صعيد واحد فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي وتدنو منهم الشمس فيقول بعض الناس‬
‫أال ت رون إىل ما أنتم فيه إىل ما بلغكم أال تنظ رون إىل من يش فع لكم إىل ربكم فيق ول‬
‫بعض الن اس أب وكم آدم فيأتونه فيقول ون يا آدم أنت أبو البشر خلقك اهلل بي ده ونفخ فيك‬
‫من روحه وأمر املالئكة فس جدوا لك وأس كنك اجلنة أال تش فع لنا إىل ربك أال ت رى ما‬
‫حنن فيه وما بلغنا فيق ول ريب غضب غض با مل يغضب قبلة مثله وال يغضب بع ده مثله‬
‫وهناين عن الش جرة فعص يته نفسي نفسي اذهب وا إىل غ ريي اذهب وا إىل ن وح في أتون نوحا‬
‫فيقول ون يا ن وح أنت أول الرسل إىل أهل األرض ومساك اهلل عب دا ش كورا أما ت رى إىل ما‬
‫حنن فيه أال ت رى إىل ما بلغنا أال تش فع لنا إىل ربك فيق ول ريب غضب الي وم غض با مل‬
‫يغضب قبلة مثله وال يغضب بع ده مثله نفسي نفسي ائت وا النيب ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫في أتوين فأس جد حتت الع رش فيق ال يا حممد ارفع رأسك واش فع تش فع وسل تعطه ق ال‬
‫حممد بن عبيد ال أحفظ سائره‪ .‬قلت‪ :‬وتكملة احلديث كما يف رواية أخرى للبخاري عن‬
‫أيب هري رة‪" :‬ف أرفع رأسي ف أقول أميت يا رب أميت يا رب فيق ال يا حممد أدخل من أمتك‬
‫من ال حساب عليهم من الباب األمين من أبواب اجلنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك‬
‫من األب واب مث ق ال وال ذي نفسي بي ده إن ما بني املص راعني من مص اريع اجلنة كما بني‬
‫مكة ومحري أو كما بني مكة وبصرى"‪.‬‬
‫ق ال الس يوطي يف الب دور الس افرة ص‪":347‬وأخ رج الش يخان عن ج ابر بن عبداهلل‬
‫مسعت رس ول اهلل ‪ ‬يق ول إن اهلل تب ارك وتع اىل خيرج قوما من الن ار بالش فاعة في دخلهم‬
‫اجلنة‪".‬‬
‫وق ال أيضا يف ص‪":346‬وأخ رج أمحد والط رباين بس ند ال ب أس به عن عب ادة بن‬
‫الص امت عن النيب ‪ ‬ق ال ‪":‬إن اهلل تب ارك وتع اىل ق ال يا حممد إين مل أبعث نبيا وال رس وال‬
‫إال وقد س ألين مس ألة أعطيتها إي اه‪ ،‬فسل يا حممد تع ط‪ .‬قلت مس أليت ش فاعيت ألميت ي وم‬
‫القيامة‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬يا رسول اهلل وما الشفاعة‪ .‬قال‪:‬أقول يا رب شفاعيت اليت اختبأت‬
‫عندك‪ ،‬فيقول الرب تعاىل‪ :‬نعم‪ ،‬فيخرج ريب بقية أميت من النار فيدخلهم اجلنة‪".‬اهـ‬
‫([‪        )]73‬هذا إشارة إىل ما روي عن النيب صلى اهلل عليه وسلم يف ذلك‪ ،‬ومنه‬
‫ما رواه البخ اري عن أيب هري رة أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال لكل نيب دع وة‬
‫مس تجابة ي دعو هبا وأريد أن أخت بئ دع ويت ش فاعة ألميت يف اآلخ رة‪ .‬وعن أنس عن النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم قال كل نيب سأل سؤال أو قال لكل نيب دعوة قد دعا هبا فاستجيب‬
‫فجعلت دعويت شفاعة ألميت يوم القيامة‪.‬‬
‫ويف سنن الرتمذي عن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لكل نيب‬
‫دعوة مستجابة وإين اختبأت دعويت شفاعة ألميت وهي نائلة إن شاء اهلل من مات منهم ال‬
‫يش رك باهلل ش يئا ق ال أبو عيسى ه ذا ح ديث حسن ص حيح‪ .‬ولفظه عند احلاكم يف‬
‫املستدرك عن أيب ذر رضي اهلل تعاىل عنه قال طلبت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ليلة‬
‫فوجدته قائما يصلي فأطال الصالة مث قال أوتيت الليلة مخسا مل يؤهتا نيب قبلي أرسلت إىل‬
‫األمحر واألسود قال جماهد اإلنس واجلن ونصرت بالرعب فريعب العدو وهو على مسرية‬
‫شهر وجعلت يل األرض مسجدا وطهورا وأحلت يل الغنائم ومل حتل ألحد قبلي وقيل يل‬
‫سل تعطه فاختبأهتا ش فاعة ألميت فهي نائلة من مل يش رك باهلل ش يئا ه ذا ح ديث ص حيح‬
‫على شرط الشيخني ومل خيرجاه هبذه السياقة إمنا أخرجا ألفاظا من احلديث متفرقة‪.‬‬
‫وهذا احلديث عند الكثري من احلفاظ كالبيهقي والطرباين وابن ماجه وغريهم‪.‬‬
‫([‪        )]74‬أخبار الشفاعة كثرية جدا‪ ،‬منها ما رواه البخاري عن جابر بن عبد‬
‫اهلل رضي اهلل تع اىل عنهما أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال من ق ال حني يس مع‬
‫الن داء اللهم رب ه ذه ال دعوة التامة والص الة القائمة آت حمم دا الوس يلة والفض يلة وابعثه‬
‫مقاما حممودا الذي وعدته حلت له شفاعيت يوم القيامة رواه محزة بن عبد اهلل عن أبيه عن‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬وهذا احلديث رواه البيهقي أيضا عن جابر‪.‬‬
‫وروى احلاكم عن ج ابر بن عبد اهلل رضي اهلل تع اىل عنهما أن رس ول اهلل ص لى اهلل‬
‫عليه وس لم تال ق ول اهلل عز وجل وال يش فعون إال ملن ارتضى فق ال ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫إن شفاعيت ألهل الكبائر من أميت هذا حديث صحيح على شرط الشيخني ومل خيرجاه‪.‬‬
‫وروى البيهقي يف سننه الكربى عن عبد اهلل بن عمرو قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وس لم إذا مسعتم املؤذن ي ؤذن فقول وا كما يق ول وص لوا على فإنه ليس أحد يص لى‬
‫على صالة إال صلى اهلل عليه وسلم عشرا وسلوا اهلل يل الوسيلة فإن الوسيلة منزلة يف اجلنة‬
‫ال ينبغي أن تك ون إال لعبد من عب اد اهلل وأرجو أن أكونه ومن س أهلا يل حلت له ش فاعيت‬
‫ي وم القيامة وأخربنا أبو احلسن بن إس حاق ال بزار أنا أبو حممد ثنا أبو حيىي ثنا املق ري ثنا‬
‫حي وة أنا كعب بن علقمة أنه مسع عبد ال رمحن بن جبري يق ول أنه مسع عبد اهلل بن عمر‬
‫ويق ول أنه مسع النيب ص لى اهلل عليه وس لم يق ول إذا مسعتم املؤذن مث ح دثنا املق ري حنو‬
‫حديثه عن س عيد بن أيب أي وب وأخربنا أبو عبد اهلل احلافظ ثنا أبو عبد اهلل حممد بن‬
‫يعق وب ثنا حممد بن إمساعيل أنا حممد بن س لمة املرادي ثنا عبد اهلل بن وهب عن حي وة‬
‫وسعيد بن أيب أيوب وغريمها عن كعب بن علقمة فذكره بإسناده ومعناه وقال وأرجو أن‬
‫أك ون أنا هو فمن س أل يل الوس يلة حلت له ش فاعيت رواه مس لم عن حممد بن س لمة‬
‫املرادي‪.‬‬
‫وروى ابن حبان يف صحيحه عن عوف بن مالك قال عرس بنا رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وس لم ذات ليلة ف افرتش كل رجل منا ذراع راحلته ق ال ف انتبهت يف بعض الليل ف إذا‬
‫ناقة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ليس قدامها أحد فانطلقت أطلب رسول هلل صلى اهلل‬
‫عليه وس لم ف إذا مع اذ بن جبل وعبد اهلل بن قيس قائم ان فقلت أين رس ول اهلل ص لى اهلل‬
‫عليه وس لم فق اال ال ن دري غري أنا مسعنا ص وتا ب أعلى ال وادي ف إذا مثل ه دير ال رحى ق ال‬
‫فلبثنا يسريا مث أتانا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال إنه أتاين من ريب آت فيخربين بأن‬
‫ي دخل نصف أميت اجلنة وبني الش فاعة وإين اخ رتت الش فاعة فق الوا يا رس ول اهلل ننش دك‬
‫باهلل والصحبة ملا جعلتنا من أهل شفاعتك قال فأنتم من أهل شفاعيت قال فلما ركبوا قال‬
‫فإين أشهد من حضر أن شفاعيت ملن مات ال يشرك باهلل شيئا من أميت‪.‬‬
‫وروى ابن حب ان عن أيب هري رة أنه مسعه يق ول‪ :‬س ألت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم قلت يا رسول اهلل ماذا رد إليك ربك يف الشفاعة قال والذي نفس حممد بيده لقد‬
‫ظننت أنك أول من يس ألين عن ذلك من أميت ملا رأيت من حرصك على العلم وال ذي‬
‫نفس حممد بي ده ملا يهمين من انقص افهم على أبواب اجلنة أهم عن دي من متام ش فاعيت هلم‬
‫وش فاعيت ملن ش هد أن ال إله إال اهلل خملصا وأن حمم دا رس ول اهلل يص دق لس انه قلبه وقلبه‬
‫لسانه‪.‬‬
‫واألحاديث يف الشفاعة كثرية جدا‪ .‬وسيأيت مزيد على ذلك يف الكالم على الصراط‬
‫بتوفيق اهلل تعاىل‪.‬‬
‫([‪        )]75‬روى احلاكم يف املس تدرك عن أيب بن كعب رضي اهلل تع اىل عنه يف‬
‫قوله عز وجل {وإذ أخذ ربك من بين آدم من ظه ورهم ذري اهتم وأش هدهم على أنفس هم‬
‫إىل} قوله تع اىل {أفتهلكنا مبا فعل املبطل ون} ق ال مجعهم له يومئذ مجيعا ما هو ك ائن إىل‬
‫ي وم القيامة فجعلهم أرواحا مث ص ورهم واس تنطقهم فتكلم وا وأخذ عليهم العهد وامليث اق‬
‫وأش هدهم على أنفس هم ألست ب ربكم ق الوا بلى ش هدنا أن تقولوا يوم القيامة أنا كنا عن‬
‫ه ذا غ افلني أو تقول وا إمنا أش رك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بع دهم أفتهلكنا مبا فعل‬
‫املبطلون قال فإين أشهد عليكم السماوات السبع واألرضني السبع وأشهد عليكم آباكم‬
‫آدم أن تقول وا ي وم القيامة مل نعلم أو تقول وا إنا كنا عن ه ذا غ افلني فال تش ركوا يب ش يئا‬
‫فإين أرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتيب فقالوا نشهد إنك‬
‫ربنا وإهلنا ال رب لنا غ ريك وال إله لنا غ ريك ورفع هلم أب وهم آدم فنظر إليهم ف رأى فيهم‬
‫الغين والفقري وحسن الص ورة وغري ذلك فق ال رب لو س ويت بني عب ادك فق ال أين أحب‬
‫أن أشكر ورأى فيهم األنبياء مثل السرج وخصوا مبيثاق آخر بالرسالة والنبوة فذلك قوله‬
‫عز وجل {وإذ أخ ذنا من النب يني ميث اقهم ومنك ومن ن وح} اآلية وهو قوله تع اىل{ف أقم‬
‫وجهك للدين حنيفا فطرت اهلل اليت فطر الناس عليها ال تبديل خللق اهلل}وذلك قوله {هذا‬
‫ن ذير من الن ذر األوىل} وقوله {وما وج دنا ألك ثرهم من عهد وإن وج دنا أك ثرهم‬
‫لفاس قني} وهو قوله { مث بعثنا من بع ده رسال إىل ق ومهم فج اءوهم بالبين ات فما ك انوا‬
‫ليؤمنوا مبا كذبوا من قبل } كان يف علمه مبا أقروا به من يكذب به ومن يصدق به فكان‬
‫روح عيسى من تلك األرواح اليت أخذ عليها امليث اق يف زمن آدم فأرسل ذلك ال روح إىل‬
‫مرمي حني {انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاختذت من دوهنم حجابا فأرسلنا إليها روحنا‬
‫فتمثل هلا بش را س ويا} إىل قوله {مقض يا} فحملته ق ال محلت ال ذي خاطبها وهو روح‬
‫عيسى عليه الس الم ق ال أبو جعفر فح دثين الربيع بن أنس عن أيب العالية عن أيب بن كعب‬
‫قال دخل من فيها هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه‪.‬‬
‫ورواه أمحد يف مسنده عن أيب بن كعب يف قول اهلل عز وجل{وإذ أخذ ربك من بين‬
‫آدم من ظه ورهم ذري اهتم وأش هدهم على أنفس هم } اآلية ق ال مجعهم فجعلهم أرواحا مث‬
‫صورهم فاستنطقهم فتكلموا مث أخذ عليهم العهد وامليثاق وأشهدهم على أنفسهم ألست‬
‫بربكم قال فإين أشهد عليكم السماوات السبع واألرضني السبع وأشهد عليكم أباكم آدم‬
‫عليه السالم أن تقولوا يوم القيامة مل نعلم هبذا اعلموا أنه ال إله غريي وال رب غريي فال‬
‫تشركوا يب شيئا اىن سأرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتيب‬
‫ق الوا ش هدنا بأنك ربنا وإهلنا ال رب لنا غ ريك ف أقروا ب ذلك ورفع عليهم آدم ينظر إليهم‬
‫فرأى الغىن والفقري وحسن الصورة ودون ذلك فقال رب لوال سويت بني عبادك قال اىن‬
‫أحببت ان ش كر ورأى األنبي اء فيهم مش عل الس رج عليهم الن ور خص وا مبيث اق آخر يف‬
‫الرس الة والنب وة وهو قوله تع اىل { وإذ أخ ذنا من النب يني ميث اقهم } إىل قوله { عيسى بن‬
‫مرمي } كان يف تلك األرواح فأرسله إىل مرمي فحدث عن أيب انه دخل من فيها‪.‬‬
‫وروى احلاكم يف املس تدرك عن عبد ال رمحن بن قت ادة الس لمي وك ان من أص حاب‬
‫النيب‪   ‬صلى اهلل عليه وسلم‪   ‬قال مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول خلق اهلل‬
‫آدم مث خلق اخللق من ظهره مث قال هؤالء للجنة وال أبايل وهؤالء للنار وال أبايل قال فقيل‬
‫يا رس ول اهلل فعلى م اذا نعمل ق ال على موافقة الق در ه ذا ح ديث ص حيح قد اتفقا على‬
‫االحتج اج برواته عن آخ رهم إىل الص حابة وعبد ال رمحن بن قت ادة من بين س لمة من‬
‫الص حابة وقد احتجا مجيعا بزهري بن عم رو عن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم وليس له‬
‫راو غري أيب عثم ان النه دي وك ذلك احتج البخ اري حبديث أيب س عيد بن املعلى وليس له‬
‫راو غري حفص بن عاصم‪.‬‬
‫ويف ص حيح ابن حب ان عن عبد ال رمحن بن قت ادة الس لمي وك ان من أص حاب النيب‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم ق ال مسعت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يق ول خلق اهلل آدم مث‬
‫أخذ اخللق من ظهره فقال هؤالء يف اجلنة وال أبايل وهؤالء يف النار وال أبايل قال قائل يا‬
‫رسول اهلل فعلى ماذا نعمل قال على مواقع القدر‪ .‬ورواه أيضا اإلمام أمحد يف مسنده‪.‬‬
‫وروى احلاكم يف مس نده‪  ‬أن عمر بن اخلط اب رضي اهلل تع اىل عنه س ئل عن ه ذه‬
‫اآلية وإذ أخذ ربك من بين آدم من ظهورهم ذرياهتم فقال عمر بن اخلطاب مسعت رسول‬
‫اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يق ول إن اهلل خلق آدم مث مسح ظه ره بيمينه فاس تخرج منه ذرية‬
‫فق ال خلقت ه ؤالء للجنة وبعمل أهل اجلنة يعمل ون مث مسح ظه ره فاس تخرج منه ذرية‬
‫فق ال خلقت ه ؤالء للن ار وبعمل أهل الن ار يعمل ون فق ال رجل يا رس ول اهلل ففيم العمل‬
‫ق ال إن اهلل إذا خلق العبد للجنة اس تعمله بعمل أهل اجلنة حىت ميوت على عمل أهل اجلنة‬
‫فيدخل اجلنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حىت ميوت على عمل أهل النار‬
‫فيدخل النار هذا حديث صحيح على شرط الشيخني ومل خيرجاه‪.‬‬
‫وروى ابن حبان يف صحيحه عن أيب هريرة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‬
‫كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو ميجسانه قال أبو حامت قوله صلى‬
‫اهلل عليه وس لم كل مول ود يولد على الفط رة أراد به على الفط رة اليت فط ره اهلل عليها جل‬
‫وعال يوم أخرجهم من صلب آدم لقوله جل وعال فطرة اهلل اليت فطر الناس عليها ال تبديل‬
‫خللق اهلل يق ول ال تب ديل لتلك اخللقة اليت خلقهم هلا إما جلنة وإما لن ار حيث أخ رجهم من‬
‫ص لب آدم فق ال ه ؤالء للجنة وه ؤالء للن ار أال ت رى أن غالم اخلضر ق ال ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم طبعه اهلل ي وم طبعه ك افرا وهو بني أب وين مؤم نني ف أعلم اهلل ذلك عب ده اخلضر ومل‬
‫لم على ما ذكرنا يف غري موضع من‬ ‫لى اهلل عليه وس‬ ‫يعلم ذلك كليمه موسى ص‬
‫كتبن ا‪.‬قلت‪ :‬وه ذا احلديث رواه أيضا اإلم ام أمحد وأبو داود وغريمها‪ ،‬ونصه كما يف موطأ‬
‫اإلم""ام مالك" عن مس لم بن يس ار اجله ين‪   ‬ان عمر بن اخلط اب س ئل عن ه ذه اآلي ة{وإذ‬
‫أخذ ربك من بين آدم من ظه ورهم ذريتهم وأش هدهم على أنفس هم ألست ب ربكم ق الوا‬
‫بلى ش هدنا أن تقول وا ي وم القيامة إنا كنا عن ه ذا غ افلني}فق ال عمر بن اخلط اب مسعت‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وس لم يس أل عنها فق ال رسول اهلل صلى اهلل عليه وس لم إن اهلل‬
‫تبارك وتعاىل خلق آدم مث مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤالء للجنة‬
‫وبعمل أهل اجلنة يعمل ون مث مسح ظه ره فاس تخرج منه ذرية فق ال خلقت ه ؤالء للن ار‬
‫وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل يا رسول اهلل ففيم العمل قال فقال رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وس لم إن اهلل إذا خلق العبد للجنة اس تعمله بعمل أهل اجلنة حىت ميوت على عمل‬
‫من أعم ال أهل اجلنة فيدخله به اجلنة وإذا خلق العبد للن ار اس تعمله بعمل أهل الن ار حىت‬
‫ميوت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫([‪        )]76‬ه ذا إش ارة إىل احلديث ال ذي رواه البخ اري عن عم ران ق ال قلت يا‬
‫رسول اهلل فيما يعمل العاملون قال كل ميسر ملا خلق له‪.‬‬
‫ويف الرتمذي عن عمر بن اخلطاب قال ملا نزلت هذه اآلية { فمنهم شقي وسعيد }‬
‫سألت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقلت يا نيب اهلل فعلى ما نعمل على شيء قد فرغ‬
‫منه أو على ش يء مل يف رغ منه ق ال بل على ش يء قد ف رغ منه وج رت به األقالم يا عمر‬
‫ولكن كل ميسر ملا خلق له وه ذا ح ديث حسن غ ريب من ه ذا الوجه ال نعرفه إال من‬
‫حديث عبد اهلل بن عمر‪.‬‬
‫ويف الس نن الك ربى لل بيهقي عن عم ران بن حصني ق ال قيل يا رس ول اهلل أعلم أهل‬
‫اجلنة من النار قال نعم قال ففيم يعمل العاملون قال كل ميسر ملا خلق له‪.‬‬
‫ويف املعجم الكبري للطرباين طلحة بن عبد اهلل بن عبد الرمحن بن أيب بكر عن أبيه قال‬
‫مسعت أيب قال مسعت أبا بكر الصديق رضي اهلل تعاىل عنه يقول قلت يا رسول اهلل أنعمل‬
‫على أمر قد فرغ منه أم على أمر مؤتنف قال بل على أمر قد فرغ منه قلت ففيم العمل يا‬
‫رسول اهلل قال كل ميسر ملا خلق له‪.‬‬
‫ولفظ اإلم ام مس لم يف ص حيحه عن عم ران بن حصني ق ال قيل يا رس ول اهلل أعلم‬
‫أهل اجلنة من أهل النار قال فقال نعم قال قيل ففيم يعمل العاملون قال كل ميسر ملا خلق‬
‫له‪.‬‬
‫ق ال اإلم ام ابن حجر يف (‪ ":)11/493‬ويف كت اب االعتص ام قوله ق ال رجل هو‬
‫عم ران بن حصني راوي اخلرب بينه عبد ال وارث بن س عيد عن يزيد الرشك عن عم ران بن‬
‫حصني ق ال قلت يا رس ول اهلل ف ذكره وس يأيت موص وال يف اواخر كت اب التوحيد وس أل‬
‫عن ذلك اخ رون وس يأيت مزيد بسط فيه يف شر ح ديث علي قريبا قوله أيع رف أهل اجلنة‬
‫من أهل الن ار يف رواية محاد بن زيد عن يزيد عند مس لم بلفظ اعلم بضم العني واملراد‬
‫بالس ؤال معرفة املالئكة أو من اطلعه اهلل على ذلك واما معرفة العامل أو من ش اهده فإمنا‬
‫يع رف بالعمل قوله فلم يعمل الع املون يف رواية محاد ففيم وهو اس تفهام واملعىن إذا س بق‬
‫القلم ب ذلك فال حيت اج العامل اىل العمل ألنه سيصري اىل ما ق در له قوله ق ال كل يعمل ملا‬
‫خلق له أو ملا ييسر له ويف رواي الكش ميهين يسر بضم أوله وكسر املهملة الثقيلة ويف‬
‫رواية محاد املش ار إليها ق ال كل ميسر ملا خلق له وقد ج اء ه ذا الكالم األخري عن مجاعة‬
‫من الص حابة هبذا اللفظ يزي دون على العش رة سأشري إليها يف آخر الب اب ال ذي بلى ال ذي‬
‫يليه منها ح ديث أيب ال درداء عند أمحد بس ند حسن بلفظ كل ام رئ مهيأ ملا خلق له ويف‬
‫احلديث إش ارة إىل أن املآل حمج وب عن املكلف فعليه أن جيتهد يف عمل ما أمر به ف إن‬
‫علمه أم ارة إىل ما ي ؤول إليه أم ره غالبا وان ك ان بعض هم قد خيتم له بغري ذلك كما ثبت‬
‫يف ح ديث بن مس عود وغ ريه لكن ال اطالع له على ذلك فعليه أن يب ذل جه ده وجياهد‬
‫نفسه يف عمل الطاعة ال ي رتك وك وال إىل ما ي ؤول إليه أم ره فيالم على ت رك املأمور‬
‫ويس تحق العقوبة وقد ت رجم بن حب ان حبديث الب اب ما جيب على املرء من التش مري يف‬
‫الطاع ات وان ج رى قبلها ما يك ره اهلل من احملظ ورات وملس لم من طريق أيب األس ود عن‬
‫عمران انه قال له أرأيت ما يعمل الناس اليوم أشيء قضى عليهم ومضى فيهم من قدر قد‬
‫س بق أو فيما يس تقبلون مما أت اهم به ن بيهم وثبتت احلجة عليهم فق ال ال بل ش يء قضى‬
‫عليهم ومضى فيهم وتص ديق ذلك يف كت اب اهلل عز وجل ونفس وما س واها فأهلمها‬
‫فجورها وتقواها وفيه قصة أليب األسود الدؤيل مع عمران وفيه قوله له أيكون ذلك ظلما‬
‫فقال ال كل شيء خلق اهلل وملك يده فال يسأل عما يفعل قال عياض أورد عمران على‬
‫أيب األسود شبهة القدرية من حتكمهم على اهلل ودخوهلم بآرائهم يف حكمه فلما أجابه مبا‬
‫دل على ثباته يف ال دين ق واه ب ذكر اآلية وهي حد ألهل الس نة وقوله كل ش يء خلق اهلل‬
‫وملكه يشري إىل أن املالك األعلى اخلالق اآلمر ال يع رتض عليه إذا تص رف يف ملكه مبا‬
‫يشاء وامنا يعرتض على املخلوق املأمور"‪.‬اهـ‬
‫‪ ‬وق ال أيضا يف الفتح (‪" :)13/522‬قوله ب اب ق ول اهلل تع اىل ولقد يس رنا الق رآن‬
‫للذكر فهل من مدكر قيل املراد بالذكر األذكار واالتعاظ وقيل احلفظ وهو مقتضى قول‬
‫جماهد قوله وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم كل ميسر ملا خلق له فذكره موصوال يف الباب‬
‫من حديث علي قوله وقال جماهد يسرنا القرآن بلسانك هوناه عليك يف رواية غري أيب ذر‬
‫هونا قراءته عليك وهو بفتح اهلاء وال واو وتش ديد الن ون من الته وين وقد وص له الفري ايب‬
‫عن ورق اء عن بن أيب جنيع عن جماهد يف قوله تع اىل ولقد يس رنا الق رآن لل ذكر ق ال هون اه‬
‫قال بن بطال تيسري القرآن تسهيله على لسان القارىء حىت يسارع اىل قراءته فرمبا سبق‬
‫لس انه يف الق راءة فيج اوز احلرف اىل ما بع ده وحيذف الكلمة حرصا على ما بع دها انتهى‬
‫ويف دخول هذا يف املراد نظر كبري قوله وقال مطر الورق ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل‬
‫من مدكر قال هل من طالب علم فيعان عليه وقع هذا التعليق عند أيب ذر عن الكشميهين‬
‫وحده وثبت أيضا للجرجاين عن الفربري ووصله الفرياين عن ضمرة بن زمعة عن عبد اهلل‬
‫بن ش وذب عن مطر وأخرجه أبو بكر بن أيب عاصم يف كت اب العلم من طريق ض مرة مث‬
‫ذكر ح ديث عم ران بن حصني قلت يا رس ول اهلل فيما يعمل الع املون ق ال كل ميسر ملا‬
‫خلق له وهو خمتصر من ح ديث س بق يف كت اب الق در فيه عن عم ران ق ال ق ال رجل يا‬
‫رس ول اهلل أيع رف أهل اجلنة من أهل الن ار ق ال نعم ق ال فلم يعمد الع املون وقد تق دم‬
‫ش رحه هن اك ويزيد ش يخ عبد ال وارث فيه هو املع روف بالرشك وتق دم هن اك من رواية‬
‫شعبة قال حدثنا يزيد الرشك فذكره وحديث علي رضي اهلل عنه وفيه وما منكم من أحد‬
‫إال كتب مقع ده من الن ار أومن اجلنة وتق دم ش رحه هن اك أيضا وفيه ويف ح ديث عم ران‬
‫الذي قبله كل ميسر قال الشيخ أبو حممد بن أيب مجرة يف شرح حديث أيب سعيد املذكور‬
‫يف ب اب كالم اهلل مع أهل اجلنة فيه ن داء اهلل تع اىل ألهل اجلنة لقرينة ج واهبم بلبيك‬
‫وس عديك واملراجعة بقوله هل رض يتم وق وهلم وما لنا ال نرضى وقوله أال أعطيكم أفضل‬
‫وق وهلم يا ربنا وأي ش يء أفضل وقوله أحل عليكم رض واين ف ان ذلك كله ي دل على انه‬
‫س بحانه وتع اىل هو ال ذي كلمهم وكالمه ق دمي أزيل ميسر بلغة الع رب والنظر يف كيفيته‬
‫ممن وع وال نق ول ب احللول يف احملدث وهي احلروف وال انه دل عليه وليس مبوج ود بل‬
‫اإلميان بأنه منزل حق ميسر باللغة العربية صدق وباهلل التوفيق قال الكرماين حاصل الكالم‬
‫اهنم ق الوا إذا ك ان األمر مق درا فلن رتك املش قة يف العمل ال ذي من أجلها مسي ب التكليف‬
‫وحاصل اجلواب ان كل من خلق لش يء يسر لعمله فال مش قة مع التيسري وق ال اخلط ايب‬
‫أرادوا أن يتخذوا ما سبق حجة يف ترك العمل فأخربه إن هنا أمرين ال يبطل أحدمها اآلخر‬
‫ب اطن وهو ما اقتض اه حكم الربوبية وظ اهر وهو الس مة الالزمة حبق العبودية وهو ام ارة‬
‫للعاقبة فبني هلم أن العمل يف العاجل يظهر أثره يف اآلجل وان الظاهر ال يرتك للباطن قلت‬
‫وكأن مناسبة هذا الباب ملا قبله من جهة االشرتاك يف لفظ التيسري واهلل أعلم"‪.‬اهـ‬
‫([‪    )]77‬رواه اإلمام البخاري يف صحيحه عن سهل أن رجال من أعظم املسلمني غناء‬
‫عن‪   ‬املس لمني يف غ زوة غزاها مع النيب ص لى اهلل عليه وس لم فنظر النيب ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم فق ال من أحب أن ينظر إىل الرجل من أهل الن ار فلينظر إىل ه ذا فأتبعه رجل من‬
‫الق وم وهو على تلك احلال من أشد الن اس على املش ركني حىت ج رح فاس تعجل املوت‬
‫فجعل ذبابة سيفه بني ثدييه حىت خرج من بني كتفيه فأقبل الرجل إىل النيب صلى اهلل عليه‬
‫وس لم مس رعا فق ال أش هد أنك رس ول اهلل فق ال وما ذاك ق ال قلت لفالن من أحب أن‬
‫ينظر إىل رجل من أهل النار فلينظر إليه وكان من أعظمنا غناء عن املسلمني فعرفت أنه ال‬
‫ميوت على ذلك فلما ج رح اس تعجل املوت فقتل نفسه فق ال النيب ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫عند ذلك إن العبد ليعمل عمل أهل الن ار وإنه من أهل اجلنة ويعمل عمل أهل اجلنة وإنه‬
‫من أهل النار األعمال باخلواتيم‪.‬‬
‫وهو عن س هل بن س عد أيضا يف املعجم الكبري للط رباين‪ .‬ورواه الط رباين عنه أيضا بلفظ‬
‫ق ال‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم إن الرجل ليعمل فيما ي رى الن اس بعمل أهل‬
‫اجلنة وإنه من أهل الن ار وإنه ليعمل فيما ي رى الن اس بعمل أهل الن ار وإنه من أهل اجلنة‬
‫وإمنا األعمال باخلواتيم‪.‬‬
‫ويف صحيح ابن حبان عن عائشة أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال إمنا األعمال باخلواتيم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫([‪        )]78‬روى البخاري عن أنس بن مالك عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‬
‫إن اهلل عز وج ل‪   ‬وكل ب الرحم ملكا يق ول يا رب نطفة يا رب علقة يا رب مض غة ف إذا‬
‫أراد أن يقضي خلقه قال أذكر أم أنثى شقي أم سعيد فما الرزق واألجل فيكتب يف بطن‬
‫أم ه‪ .‬وله يف رواية أخ رى عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال إن اهلل وكل يف ال رحم‬
‫ملكا فيقول يا رب نطفة يا رب علقة يا رب مضغة فإذا أراد أن خيلقها قال يا رب أذكر‬
‫يا رب أنثى يا رب شقي أم سعيد فما الرزق فما األجل فيكتب كذلك يف بطن أمه‪.‬‬
‫ويف املعجم الصغري للطرباين عن عبد اهلل بن مسعود حدثنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وهو الصادق املصدوق إن خلق أحدكم جيمع يف بطن أمه أربعني يوما مث يكون علقة مثل‬
‫ذلك مث يكون مضغة مثل ذلك مث يأيت امللك فيكتب شقي أو سعيد ذكر أو أنثى مل يروه‬
‫عن بن عون إال عبيد اهلل بن سفيان‪ .‬وزاد يف رواية أخرى عنه ويكتب امللك مث يقول أي‬
‫رب ش قي أو س عيد فيقضي اهلل عز وجل ويكتب امللك مث يق ول أي رب أجله ورزقه‬
‫وأثره فيقضي‪   ‬اهلل عز وجل‪   ‬ويكتب امللك‪.‬‬
‫ويف مس ند اإلم ام أمحد ن ج ابر ق ال ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم إذا اس تقرت‬
‫النطفة يف ال رحم أربعني يوما أو أربعني ليلة بعث إليها ملكا فيق ول يا رب ما رزقه فيق ال‬
‫له فيقول يا رب ما أجله فيقال له فيقول يا رب ذكر أو أنثى فيعلم فيقول يا رب شقي أم‬
‫سعيد فيعلم‪ .‬وفيه قريب من هذا اللفظ عن أنس أيضا‪.‬‬
‫ويف س نن أيب داود عبد اهلل بن مس عود ق ال ح دثنا رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم وهو‬
‫الصادق املصدوق إن خلق أحدكم جيمع يف بطن أمه أربعني يوما مث يكون علقة مثل ذلك‬
‫مث يك ون مض غة مثل ذلك مث يبعث إليه ملك في ؤمر ب أربع كلم ات فيكتب رزقه وأجله‬
‫وعمله مث يكتب ش قي أو س عيد مث ينفخ فيه ال روح ف إن أح دكم ليعمل بعمل أهل اجلنة‬
‫حىت ما يك ون بينه وبينها إال ذراع أو قيد ذراع فيس بق عليه الكت اب فيعمل بعمل أهل‬
‫الن ار في دخلها وإن أح دكم ليعمل بعمل أهل الن ار حىت ما يك ون بينه وبينها إال ذراع أو‬
‫قيد ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل اجلنة فيدخلها‪.‬‬
‫([‪        )]79‬روى ابن أيب عاصم يف اآلح اد واملث اين عن قيس بن عب اد ق ال ص لى‬
‫بنا عمار رضي اهلل تعاىل عنه صالة كأهنم أنكروها فقالوا له يف ذلك فقال أمل أمت الركوع‬
‫والس جود ق الوا بلى ق ال أما أين قد دع وت ب دعاء مسعته من رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على اخللق أحييين ما كانت احلياة خريا يل وتوفين إذا‬
‫علمت الوف اة خ ريا يل اللهم إين أس ألك كلمة اإلخالص يف الرضا والغضب والقصد يف‬
‫الغىن والفقر وخش يتك يف الغيب والش هادة وأس ألك الرضا بالق در وأس ألك نعيما ال ينفذ‬
‫وق رة عني ال تنقطع ول ذة العيش بعد املوت ول ذة النظر إىل وجهك وش وقا إىل لقائك‬
‫وأعوذ بك من ضراء مضرة وفتنة مضلة اللهم زينا بزينة اإلميان واجعلنا هداة مهتدين‪.‬‬
‫وروى الرتمذي يف جامعه الصحيح عن علي قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ال ي ؤمن عبد حىت ي ؤمن ب أربع يش هد أن ال إله إال اهلل وأين حممد رس ول اهلل بعثين ب احلق‬
‫ويؤمن باملوت وبالبعث بعد املوت ويؤمن بالقدر حدثنا حممود بن غيالن حدثنا النضر بن‬
‫مشيل عن ش عبة حنوه إال أنه ق ال ربعي عن رجل عن علي ق ال أبو عيسى ح ديث أيب داود‬
‫عن ش عبة عن دي أصح من ح ديث النضر روى غري واحد عن منص ور عن ربعي عن علي‬
‫حدثنا اجلارودي قال مسعت وكيعا يقول بلغنا أن ربعيا مل يكذب يف اإلسالم كذبة‪.‬‬
‫وح دث الرتم ذي عن عبد الواحد بن س ليم ق ال ق دمت مكة فلقيت عط اء بن رب اح‬
‫فقلت له يا أبا حممد إن أهل البصرة يقولون يف القدر قال يا بين أتقرأ القرآن قلت نعم قال‬
‫فاقرأ الزخرف قال فقرأت { حم والكتاب املبني إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه‬
‫يف أم الكت اب ل دينا لعلي حكيم }فق ال أت دري ما أم الكت اب قلت اهلل ورس وله أعلم ق ال‬
‫فإنه كت اب كتبه اهلل قبل أن خيلق الس ماوات وقبل أن خيلق األرض فيه إن فرع ون من أهل‬
‫الن ار وفيه { تبت ي دا أيب هلب وتب}ق ال عط اء فلقيت الوليد بن عب ادة بن الص امت‬
‫صاحب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فسألته ما كان وصية أبيك عند املوت قال دعاين‬
‫أيب فقال يل يا بين اتق اهلل واعلم أنك لن تتقي اهلل حىت تؤمن باهلل وتؤمن بالقدر كله خريه‬
‫وشره فإن مت على غري هذا دخلت النار إين مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‬
‫إن أول ما خلق اهلل القلم فق ال اكتب فق ال ما أكتب ق ال اكتب الق در ما ك ان وما هو‬
‫كائن إىل األبد قال أبو عيسى وهذا حديث غريب من هذا الوجه‪.‬‬
‫وروى اإلم ام الرتم ذي عن أيب هري رة أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم وقف على‬
‫أن اس جل وس فق ال أال أخ ربكم خبريكم من ش ركم ق ال فس كتوا فق ال ذلك ثالث م رات‬
‫فق ال رجل بلى يا رس ول اهلل أخربنا خبرينا من ش رنا ق ال خ ريكم من ي رجى خريه وي ؤمن‬
‫ش ره وش ركم من ال ي رجى خ ريه وال ي ؤمن ش ره ق ال أبو عيسى ه ذا ح ديث حسن‬
‫صحيح‪.‬‬
‫وروى الرتم ذي أيضا عن حيىي بن يعمر ق ال أول من تكلم يف الق در معبد اجلهين ق ال‬
‫فخ رجت أنا ومحيد بن عبد ال رمحن احلم ريي حىت أتينا املدينة فقلنا لو لقينا رجال من‬
‫أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم فسألناه عما أحدث هؤالء القوم قال فلقيناه يعين عبد‬
‫اهلل بن عمر وهو خ ارج من املس جد ق ال فاكتنفته أنا وص احيب ق ال فظننت أن ص احيب‬
‫س يكل الكالم إيل فقلت يا أبا عبد ال رمحن إن قوما يق رؤون الق رآن ويتقف رون العلم‬
‫ويزعمون أن ال قدر وأن األمر أنف قال فإذا لقيت أولئك فأخربهم أين منهم برئ وأهنم‬
‫مين برءاء والذي حيلف به عبد اهلل لو أن أحدهم أنفق مثل أحد ذهبا ما قبل ذلك منه حىت‬
‫يؤمن بالقدر خريه وشره قال مث أنشأ حيدث فقال قال عمر بن اخلطاب كنا عند رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم فجاء رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ال يرى عليه‬
‫أثر الس فر وال يعرفه منا أحد حىت أتى النيب ص لى اهلل عليه وس لم ف ألزق ركبته بركبته مث‬
‫ق ال يا حممد ما اإلميان ق ال أن ت ؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورس له والي وم اآلخر والق در‬
‫خريه وشره قال فما اإلسالم قال شهادة أن ال إله إال اهلل وأن حممدا عبده ورسوله وإقام‬
‫الصالة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان قال فما اإلحسان قال أن تعبد اهلل كأنك‬
‫ت راه فإنك إن مل تكن ت راه فإنه ي راك ق ال يف كل ذلك يق ول له ص دقت ق ال فتعجبنا منه‬
‫يس أله ويص دقه ق ال فمىت الس اعة ق ال ما املس ئول عنها ب أعلم من الس ائل ق ال فما أمارهتا‬
‫ق ال أن تلد األمة ربتها وأن ت رى احلف اة الع راة العالة أص حاب الش اء يتط اولون يف البني ان‬
‫ق ال عمر فلقيين النيب ص لى اهلل عليه وس لم بعد ذلك بثالث فق ال يا عمر هل ت دري من‬
‫الس ائل ذاك جربيل أت اكم يعلمكم مع امل دينكم ح دثنا أمحد بن حممد أخربنا بن املب ارك‬
‫أخربنا كهمس بن احلسن هبذا اإلسناد حنوه حدثنا حممد بن املثىن حدثنا معاذ بن معاذ عن‬
‫كهمس هبذا اإلس ناد حنوه مبعن اه ويف الب اب عن طلحة بن عبيد اهلل وأنس بن مالك وأيب‬
‫هريرة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح قد روي من غري وجه حنو هذا عن عمر‬
‫وقد روي هذا احلديث عن بن عمر عن النيب صلى اهلل عليه وسلم والصحيح هو بن عمر‬
‫عن عمر عن النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬قلت‪ :‬روى هذا احلديث النسائي يف الكربى ويف‬
‫اجملتىب من السنن‪ .‬والطرباين يف املعجم الكبري‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا احلديث عند أيب داود أيضا‪ ،‬وابن ماجه‬
‫وروى احلاكم يف املستدرك عن علي بن أيب طالب عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‬
‫ال ي ؤمن العبد حىت ي ؤمن ب أربع حىت يش هد أن ال إله إال اهلل وأين رس ول اهلل بعثين ب احلق‬
‫وي ؤمن ب البعث بعد املوت وي ؤمن بالق در ه ذا ح ديث ص حيح على ش رط الش يخني وقد‬
‫قصر بروايته بعض أصحاب الثوري وهذا عندنا مما ال يعبأ‪.‬‬
‫وروى احلاكم أيضا عن نافع قال كان البن عمر صديق من أهل الشام يكاتبه فكتب‬
‫إليه عبد اهلل بن عمر أنه بلغين أنك تكلمت يف ش يء من الق در فإي اك أن تكتب إيل ف إين‬
‫مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول إنه سيكون يف أميت أقوام يكذبون بالقدر هذا‬
‫حديث صحيح على شرط مسلم فقد احتج بأيب صخر محيد بن زياد ومل خيرجاه‪.‬‬
‫وروى الطرباين يف املعجم األوسط عن جابر بن مسرة قال مسعت رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وس لم يق ول أخ وف ما أخ اف على أميت االستس قاء ب األنواء وحيف الس لطان‬
‫وتك ذيب بالق در مل ي رو ه ذا احلديث عن فطر إال حممد وال ي روى عن ج ابر بن مسرة إال‬
‫هبذا اإلسناد‪.‬‬
‫وله عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫لن ي ؤمن عبد حىت ي ؤمن بالق در خ ريه وش ره ويعلم أن ما أص ابه لن يكن ليخطئه وما‬
‫أخطأه مل يكن ليصيبه مل يرو هذا احلديث عن منصور بن زيد إال عبد اهلل بن جعفر‪.‬‬
‫وله يف املعجم الكبري عن خباب بن األرت قال بعثين رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫مبعثا فقلت يا رسول اهلل إنك تبعثين بعيدا وأنا أشفق عليك قال وما بلغ من شفقتك علي‬
‫قلت أص بح فال أظنك متسي وأمسي فال أظنك تص بح ق ال يا خب اب مخس إن فعلت هبن‬
‫رأيتين وإن مل تفعل هبن مل ترين فقلت يا رسول اهلل وما هن قال تعبد اهلل ال تشرك به شيئا‬
‫وإن قطعت وح رقت وت ؤمن بالق در قلت يا رس ول اهلل وما اإلميان بالق در ق ال تعلم أن ما‬
‫أصابك مل يكن ليخطئك وأن ما أخطأك مل يكن ليصيبك وال تشرب اخلمر فإن خطيئتها‬
‫تق رع اخلطايا كما أن ش جرهتا تعلق الش جر وبر وال ديك وإن أم راك أن خترج من ال دنيا‬
‫وتعتصم حببل اجلماعة ف إن يد اهلل على اجلماعة يا خب اب إنك إن رأيتين ي وم القيامة مل‬
‫تفارقين‪.‬‬
‫وله يف املعجم الكبري عن عط اء بن أيب رب اح عن عم رو بن ش عيب ق ال كنت عند‬
‫س عيد بن املس يب جالسا ف ذكروا‪   ‬أن أقواما يقول ون ق در اهلل كل ش يء ما خال األعم ال‬
‫قال فواهلل ما رأيت سعيد بن املسيب غضب غضبا أشد منه حىت هم بالقيام مث سكن فقال‬
‫تكلموا به أما واهلل لقد مسعت فيهم حديثا كفاهم به شرا وحيهم أو يعلمون فقلت يرمحك‬
‫اهلل يا أبا حممد وما هو قال فنظر إيل وقد سكن بعض غضبه فقال حدثين رافع بن خديج‬
‫أنه مسع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول يكون قوم من أميت يكفرون باهلل وبالقرآن‬
‫وهم ال يش عرون كما كف رت اليه ود والنص ارى ق ال قلت جعلت ف داك يا رس ول اهلل‬
‫وكيف ذاك قال يقرون ببعض القدر ويكفرون ببعضه قال قلت مث ما يقولون قال يقولون‬
‫اخلري من اهلل والشر من إبليس فيق رون على ذلك كت اب اهلل ويكف رون ب القرآن بعد اإلميان‬
‫واملعرفة فما يلقى أميت منهم من الع داوة والبغض اء واجلدال أولئك زنادقة ه ذه األمة يف‬
‫زم اهنم يك ون ظلم الس لطان فين اهلم من ظلم وحيف وأث رة مث يبعث اهلل عز وجل طاعونا‬
‫فيفين عامتهم مث يكون اخلسف فما أقل ما ينجو منهم املؤمن يومئذ قليل فرحه شديد غمه‬
‫مث يك ون املسخ فيمس خ‪   ‬اهلل عز وجل عامة أولئك ق ردة وخن ازير مث خيرج ال دجال على‬
‫أثر ذلك قريبا مث بكى رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم حىت بكينا لبكائه قلنا ما يبكيك‬
‫ق ال رمحة هلم األش قياء ألن فيهم املتعبد ومنهم اجملتهد مع أهنم ليس وا ب أول من س بق إىل‬
‫ه ذا الق ول وض اق حبمله ذرعا إن عامة من هلك من بين إس رائيل بالتك ذيب بالق در قلت‬
‫جعلت فداك يا رسول اهلل فقل يل كيف اإلميان بالقدر قال تؤمن باهلل وحده وإنه ال ميلك‬
‫معه أحد ض را وال نفعا وت ؤمن باجلنة والن ار وتعلم أن اهلل عز وجل خالقهما قبل خلق‬
‫اخللق مث خلق خلقه فجعلهم من ش اء منهم للجنة ومن ش اء منهم للن ار ع دال ذلك منه‬
‫وكل يعمل ملا فرغ له وهو صائر إىل ما فرغ منه قلت صدق اهلل ورسوله‪.‬‬
‫وله يف املعجم الكبري عن أيب األسود الدؤيل قال خاصمت القدرية فأحرجوين فأتيت‬
‫عم ران بن احلصني اخلزاعي ص احب رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم فقلت يا أبا جنيد‬
‫خاص مت القدرية ف أحرجوين فهل من ح ديث حتدثين لعل اهلل ينفعين به ق ال لعلي لو‬
‫حدثتك حديثا لبست عليه أذنيك كأنك مل تسمعه فقلت إمنا جئت لذلك فقال لو أن اهلل‬
‫عذب أهل السماء وأهل األرض عذهبم وهو غري ظامل ولو أدخلهم يف رمحته كانت رمحته‬
‫أوسع هلم من ذن وهبم ف إذا هو كما ق ال‪   ‬اهلل عز وجل يع ذب من يش اء ويغفر ملن يش اء‬
‫فمن ع ذب فهو احلق ومن رحم فهو احلق ولو ك انت اجلب ال ألح دكم ذهبا أو ورقا‬
‫فأنفقها يف س بيل اهلل مث مل ي ؤمن بالق در خ ريه وش ره مل ينتفع ب ذلك ف أتيت عبد اهلل بن‬
‫مسعود فسألته فقال عبد اهلل أليب بن كعب يا أبا املنذر حدثه فقال أيب يا أبا عبد ال رمحن‬
‫حدثه فح دث بن مس عود مبثل ح ديث عم ران بن حصني عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫وعلى آله وسلم تسليما كثريا طيبا مباركا فيه‪.‬‬
‫ويف سنن ابن ماجه عن بن الديلمي قال وقع يف نفسي شيء من هذا القدر خشيت‬
‫أن يفسد علي ديين وأم ري ف أتيت أيب بن كعب فقلت أبا املن ذر إنه قد وقع يف نفسي‬
‫شيء من هذا القدر فخشيت على ديين وأمري فحدثين من ذلك بشيء لعل اهلل أن ينفعين‬
‫به فق ال لو أن اهلل ع ذب أهل مساواته وأهل أرضه لع ذهبم وهو غري ظ امل هلم ولو رمحهم‬
‫لك انت رمحته خ ريا هلم من أعم اهلم ولو ك ان لك مثل جبل أحد ذهبا أو مثل جبل أحد‬
‫تنفقه يف س بيل اهلل ما قبل منك حىت ت ؤمن بالق در فتعلم أن ما أص ابك مل يكن ليخطئك‬
‫وأن ما أخط أك مل يكن ليص يبك وأنك إن مت على غري ه ذا دخلت الن ار وال عليك أن‬
‫تأيت أخي عبد اهلل بن مسعود فتسأله فأتيت عبد اهلل فسألته فذكر مثل ما قال أيب وقال يل‬
‫وال عليك أن تأيت حذيفة فأتيت حذيفة فسألته فقال مثل ما قاال وقال ائت زيد بن ثابت‬
‫فاسأله فأتيت زيد بن ثابت فسألته فقال مسعت رسول اهلل‪   ‬صلى اهلل عليه وسلم‪   ‬يقول‬
‫لو أن اهلل ع ذب أهل مساواته وأهل أرضه لع ذهبم وهو غري ظ امل هلم ولو رمحهم لك انت‬
‫رمحته خ ريا هلم من أعم اهلم ولو ك ان لك مثل أحد ذهبا أو مثل جبل أحد ذهبا تنفقه يف‬
‫س بيل اهلل ما قبله منك حىت ت ؤمن بالق در كله فتعلم أن ما أص ابك مل يكن ليخطئك وما‬
‫أخطأك مل يكن ليصيبك وأنك إن مت على غري هذا دخلت النار‪.‬‬
‫واألحاديث واآلثار يف هذا الباب كثرية وما ذكرناه يكفي بتوفيق اهلل تعاىل‪.‬‬
‫([‪        )]80‬روى البخاري عن أيب هريرة رضي اهلل تعاىل عنه قال قلت يا رسول‬
‫اهلل إين رجل ش اب وأنا أخ اف على نفسي العنت وال أجد ما أت زوج به النس اء فس كت‬
‫عين مث قلت مثل ذلك فسكت عين مث قلت مثل ذلك فسكت عين مث قلت مثل ذلك فقال‬
‫النيب ص لى اهلل عليه وس لم يا أبا هري رة جف القلم مبا أنت الق ف اختص على ذلك أو ذر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وه ذا احلديث يف س نن ال بيهقي الك ربى وق ال عنه ح ديث ص حيح‪ .‬ويف اجملتىب من‬
‫السنن للنسائي وصححه‪.‬‬
‫وروى الرتمذي يف اجلامع الصحيح عن عبد الواحد بن سليم قال قدمت مكة فلقيت‬
‫عط اء بن رب اح فقلت له يا أبا حممد إن أهل البص رة يقول ون يف الق در ق ال يا بين أتق رأ‬
‫الق رآن قلت نعم ق ال ف اقرأ الزخ رف ق ال فق رأت { حم والكت اب املبني إنا جعلن اه قرآنا‬
‫عربيا لعلكم تعقل ون وإنه يف أم الكت اب ل دينا لعلي حكيم }فق ال أت دري ما أم الكت اب‬
‫قلت اهلل ورس وله أعلم ق ال فإنه كت اب كتبه اهلل قبل أن خيلق الس ماوات وقبل أن خيلق‬
‫األرض فيه إن فرع ون من أهل الن ار وفيه {تبت ي دا أيب هلب وتب }ق ال عط اء فلقيت‬
‫الوليد بن عب ادة بن الص امت ص احب رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم فس ألته ما ك ان‬
‫وصية أبيك عند املوت قال دعاين أيب فقال يل يا بين اتق اهلل واعلم أنك لن تتقي اهلل حىت‬
‫تؤمن باهلل وتؤمن بالقدر كله خريه وشره فإن مت على غري هذا دخلت النار إين مسعت‬
‫رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يق ول إن أول ما خلق اهلل القلم فق ال اكتب فق ال ما‬
‫أكتب ق ال اكتب الق در ما ك ان وما هو ك ائن إىل األبد ق ال أبو عيسى وه ذا ح ديث‬
‫غ ريب من ه ذا الوج ه‪ .‬وفي لفظ آخر ‪ :‬فلقيت عط اء بن أيب رب اح فقلت له يا أبا حممد‬
‫إن أناسا عندنا يقولون يف القدر فقال عطاء لقيت الوليد بن عبادة بن الصامت قال حدثين‬
‫أيب ق ال مسعت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يق ول إن أول ما خلق اهلل القلم فق ال له‬
‫اكتب فجرى مبا هو كائن إىل األبد ويف احلديث قصة قال هذا حديث حسن‪.‬‬
‫وروى الرتم ذي عن عبد اهلل بن ال ديلمي ق ال مسعت عبد اهلل بن عم رو يق ول مسعت‬
‫رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يق ول إن اهلل عز وجل خلق خلقه يف ظلمة ف ألقى عليهم‬
‫من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على‬
‫علم اهلل قال أبو عيسى هذا حديث حسن‪ .‬وهذا احلديث عند احلاكم يف املستدرك ولكن‬
‫طويل وقال إن مجيع رواته احتجوا هبم وال يعلم له علة‪.‬‬
‫ق ال الس يوطي يف ال ديباج على مس لم(‪ :)6/13‬جفت به األقالم أي اليت كتبته يف‬
‫الل وح احملف وظ أي متت كتابته وامتنعت يف الزي ادة والنقص ان ق ال العلم اء وكت اب اهلل‬
‫ولوحه وقلمه والص حف املذكورة يف األح اديث كل ذلك مما جيب اإلميان به وأما كيفية‬
‫ذلك وصفتها فعلمها إىل اهلل تعاىل وجرت به املقادير قال أبو املظفر السمعاين سبيل معرفة‬
‫ه ذا الب اب التوقيف من الكت اب والس نة دون حمض القي اس وجمرد العق ول فمن ع دل عن‬
‫التوقيف فيه ضل وت اه يف حبار احلرية ومل يبلغ ش فاء النفس ومل يصل إىل ما يطمئن إليه‬
‫القلب ألن القدر سر من أسرار اهلل تعاىل ضربت دونه األستار اختص اهلل تعاىل به وحجبه‬
‫عن عق ول اخللق ومع ارفهم ملا علمه من احلكمة وأوجب لنا أن نقف حيث حد لنا وال‬
‫نتج اوزه وقد ط وى اهلل علم الق در عن الع امل فلم يعلمه نيب مرسل وال ملك مق رب وقيل‬
‫إن سر القدر ينكشف هلم إذا دخلوا اجلنة وال ينكشف قبل دخوهلا‪.‬اهـ‬
‫وروى احلاكم يف مستدركه (‪ )2/405‬قال حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن‬
‫س عيد بن جبري عن ابن عب اس رضي اهلل تع اىل عنهما وقربن اه جنيا ق ال مسع ص ريف القلم‬
‫حني كتب يف اللوح هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه‪.‬‬
‫وفيه عن بن عب اس رضي اهلل تع اىل عنهما ق ال أول ما خلق اهلل القلم خلقه من هجا‬
‫قبل األلف والالم فتص ور قلما من ن ور فقليل له أجر يف الل وح احملف وظ ق ال يا رب مباذا‬
‫ق ال مبا يك ون إىل ي وم القيامة فلما خلق اهلل اخللق وكل ب اخللق حفظة حيفظ ون عليهم‬
‫أعماهلم فلما قامت القيامة عرضت عليهم أعماهلم وقيل هذا كتابنا ينطق عليكم باحلق إنا‬
‫كنا نستنسخ ما كنتم تعملون عرض بالكتابني فكانا سواء قال بن عباس ألستم عربا هل‬
‫تكون النسخة إال من كتاب هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه‪.‬‬
‫وفيه أيضا عن ابن عب اس رضي اهلل تع اىل عنهما ق ال إن أول ش يء خلقه اهلل القلم‬
‫فقال له اكتب فقال وما أكتب فقال القدر فجرى من ذلك اليوم مبا هو كائن إىل أن تقوم‬
‫الس اعة ق ال وك ان عرشه على املاء ف ارتفع خبار املاء ففتقت منه الس ماوات مث خلق الن ون‬
‫فبس طت األرض عليه واألرض على ظهر الن ون فاض طرب الن ون فم ادت األرض ف أثبتت‬
‫باجلب ال ف إن اجلب ال تفخر على األرض ه ذا ح ديث ص حيح على ش رط الش يخني ومل‬
‫خيرجاه‪.‬‬
‫وفيه أيضا عن ابن عب اس رضي اهلل تع اىل عنهما ق ال أه دي إىل النيب ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم بغلة أه داها له كس رى فركبها حببل من ش عر مث أردفين خلفه مث س ار يب مليا مث‬
‫التفت فق ال يا غالم قلت لبيك يا رس ول اهلل ق ال احفظ اهلل حيفظك احفظ اهلل جتده‬
‫أمامك تع رف إىل اهلل يف الرخ اء يعرفك يف الش دة وإذا س ألت فاس أل اهلل وإذا اس تعنت‬
‫فاستعن باهلل قد مضى القلم مبا هو كائن فلو جهد الناس أن ينفعوك مبا مل يقضه اهلل لك مل‬
‫يق دروا عليه ولو جهد الن اس أن يض روك مبا مل يكتبه اهلل عليك مل يق دروا عليه ف إن‬
‫اس تطعت أن تعمل بالصرب مع اليقني فافعل ف إن مل تس تطع فاصرب ف إن يف الصرب على ما‬
‫تكرهه خ ريا كث ريا واعلم أن مع الصرب النصر واعلم أن مع الك رب الف رج واعلم أن مع‬
‫العسر اليسر ه ذا ح ديث كبري ع ال من ح ديث عبد امللك بن عمري عن ابن عب اس رضي‬
‫اهلل تع اىل عنهما إال أن الش يخني رضي اهلل تع اىل عنهما مل خيرجا ش هاب بن خ راش وال‬
‫القداح يف الصحيحني وقد روي احلديث بأسانيد عن بن عباس غري هذا‪.‬‬
‫ويف املعجم الكبري للطرباين عن سراقة بن مالك قال قلت يا رسول اهلل أنعمل على ما‬
‫قد جف به القلم وجرت به املقادير أو ألمر مستقبل قال يا سراقة اعمل ملا جف به القلم‬
‫وجرت به املقادير فإن كال ميسر‪.‬‬
‫([‪        )]81‬ورد ذكر العرش يف القرآن يف عدة مواضع‪ ،‬نوردها لك هنا‬
‫يف س ورة األع راف(إن ربكم اهلل ال ذي خلق الس ماوات واألرض يف س تة أي ام مث‬
‫اس توى على الع رش يغشي الليل النه ار يطلبه حثيثا والش مس والقمر والنج وم مس خرات‬
‫بأمره أال له اخللق واألمر تبارك اهلل رب العاملني[‪)]54‬‬
‫ويف التوب ة(ف إن تول وا فقل حسيب اهلل ال إله إال هو عليه ت وكلت وهو رب الع رش‬
‫العظيم[‪)]129‬‬
‫ويف سورة يونس(إن ربكم اهلل الذي خلق السماوات واألرض يف ستة أيام مث استوى‬
‫على الع رش ي دبر األمر ما من ش فيع إال من بعد إذنه ذلكم اهلل ربكم فاعب دوه أفال‬
‫تذكرون[‪)]3‬‬
‫ويف س ورة الرع د(اهلل ال ذي رفع الس ماوات بغري عمد تروهنا مث اس توى على الع رش‬
‫وس خر الش مس والقمر كل جيري ألجل مس مى ي دبر األمر يفصل اآلي ات لعلكم بلق اء‬
‫ربكم توقنون[‪)]2‬‬
‫ويف س ورة اإلس راء(قل لو ك ان معه آهلة كما يقول ون إذا البتغ وا إىل ذي الع رش‬
‫سبيال[‪)]42‬‬
‫الرحيم‪    ‬طه [‪ ]1‬ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى[‪]2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرمحن َ‬
‫ويف سورة طه(ب ْس م اهلل َ‬
‫إال ت ذكرة ملن خيش ى[‪ ]3‬ت نزيال ممن خلق األرض والس ماوات العلى[‪ ]4‬ال رمحن على‬
‫العرش استوى[‪ ]5‬له ما يف السماوات وما يف األرض وما بينهما وما حتت الثرى[‪ ]6‬وإن‬
‫جتهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى[‪)]7‬‬
‫ويف س ورة األنبي اء(لو ك ان فيهما آهلة إال اهلل لفس دتا فس بحان اهلل رب الع رش عما‬
‫يصفون[‪)]22‬‬
‫ويف سورة املؤمنون(قل ملن األرض ومن فيها إن كنتم تعلمون[‪ ]84‬سيقولون هلل قل‬
‫أفال تذكرون[‪ ]85‬قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم[‪ ]86‬سيقولون هلل‬
‫قل أفال تتق ون[‪ ]87‬قل من بي ده ملك وت كل ش يء وهو جيري وال جيار عليه إن كنتم‬
‫تعلمون[‪ ]88‬سيقولون هلل قل فأىن تسحرون[‪)]89‬‬
‫ويف سورة املؤمنون أيضا(أفحسبتم أمنا خلقناكم عبثا وأنكم إلينا ال ترجعون[‪]115‬‬
‫فتعاىل اهلل امللك احلق ال إله إال هو رب العرش الكرمي[‪)]116‬‬
‫ويف سورة الفرقان(وتوكل على احلي الذي ال ميوت وسبح حبمده وكفى به بذنوب‬
‫عباده خبريا[‪ ]58‬الذي خلق السماوات واألرض وما بينهما يف ستة أيام مث استوى على‬
‫العرش الرمحن فاسأل به خبريا[‪)]59‬‬
‫ويف سورة النم ل(إين وجدت امرأة متلكهم وأوتيت من كل شيء وهلا عرش عظيم[‬
‫‪ ]23‬وجدهتا وقومها يسجدون للشمس من دون اهلل وزين هلم الشيطان أعماهلم فصدهم‬
‫عن الس بيل فهم ال يهت دون[‪ ]24‬أال يس جدوا هلل ال ذي خيرج اخلبء يف الس ماوات‬
‫واألرض ويعلم ما ختفون وما تعلنون[‪ ]25‬اهلل ال إله إال هو رب العرش العظيم[‪)]26‬‬
‫ويف س ورة الس جدة(اهلل ال ذي خلق الس ماوات واألرض وما بينهما يف س تة أي ام مث‬
‫استوى على العرش ما لكم من دونه من ويل وال شفيع أفال تتذكرون[‪)]4‬‬
‫ويف سورة غافر(وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أهنم أصحاب النار[‪]6‬‬
‫الذين حيملون العرش ومن حوله يسبحون حبمد رهبم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا‬
‫ربنا وسعت كل شيء رمحة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب اجلحيم[‬
‫‪)]7‬‬
‫ويف س ورة غ افر(رفيع ال درجات ذو الع رش يلقي ال روح من أم ره على من يش اء من‬
‫عباده لينذر يوم التالق[‪)]15‬‬
‫ويف س ورة الزخ رف(قل إن ك ان لل رمحن ولد فأنا أول العاب دين[‪ ]81‬س بحان رب‬
‫السماوات واألرض رب العرش عما يصفون[‪)]82‬‬
‫الرحيم‪     ‬سبح هلل ما يف السماوات واألرض وهو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرمحن َ‬
‫ويف سورة احلديد(ب ْسم اهلل َ‬
‫العزيز احلكيم[‪ ]1‬له ملك الس ماوات واألرض حييي ومييت وهو على كل ش يء ق دير[‪]2‬‬
‫هو األول واآلخر والظ اهر والب اطن وهو بكل ش يء عليم[‪ ]3‬هو ال ذي خلق الس ماوات‬
‫واألرض يف س تة أي ام مث اس توى على الع رش يعلم ما يلج يف األرض وما خيرج منها وما‬
‫ي نزل من الس ماء وما يع رج فيها وهو معكم أين ما كنتم واهلل مبا تعمل ون بص ري[‪ ]4‬له‬
‫ملك السماوات واألرض وإىل اهلل ترجع األمور[‪)]5‬‬
‫ويف سورة التكوير(إنه لقول رسول كرمي[‪ ]19‬ذي قوة عند ذي العرش مكني[‪)]20‬‬
‫ويف سورة الربوج(إن بطش ربك لشديد[‪ ]12‬إنه هو يبدئ ويعيد[‪ ]13‬وهو الغفور‬
‫الودود[‪ ]14‬ذو العرش اجمليد[‪ ]15‬فعال ملا يريد[‪)]16‬‬
‫([‪        )]82‬والكرسي قد ورد ذكره يف القرآن يف مواضع‬
‫قوله تعاىل يف سورة البقرة(اهلل ال إله إال هو احلي القيوم ال تأخذه سنة وال نوم له ما‬
‫يف الس ماوات وما يف األرض من ذا ال ذي يش فع عن ده إال بإذنه يعلم ما بني أي ديهم وما‬
‫خلفهم وال حييط ون بش يء من علمه إال مبا ش اء وسع كرس يه الس ماوات واألرض وال‬
‫يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم[‪)]255‬‬
‫([‪        )]83‬ورد إثبات أن إبراهيم عليه السالم خليل اهلل يف القرآن‪ ،‬فقد قال اهلل‬
‫تع اىل يف س ورة النس اء(ومن أحسن دينا ممن أس لم وجهه هلل وهو حمسن واتبع ملة إب راهيم‬
‫حنيفا واختذ اهلل إب راهيم خليال [‪ .)]125‬وورد أن اهلل كلم موسى تكليما يف النس اء أيضا‬
‫فقال جل من قائل(ورسال قد قصصناهم عليك من قبل ورسال مل نقصصهم عليك وكلم‬
‫اهلل موسى تكليم ا[‪ ،)]164‬ويف س ورة األع راف(وملا ج اء موسى مليقاتنا وكلمه ربه ق ال‬
‫رب أرين أنظر إليك ق ال لن ت راين ولكن انظر إىل اجلبل ف إن اس تقر مكانه فس وف ت راين‬
‫فلما جتلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى ص عقا فلما أف اق ق ال س بحانك تبت إليك‬
‫وأنا أول املؤمنني[‪.)]143‬‬
‫ورد إثبات أن سيدنا إبراهيم عليه السالم هو خليل اهلل تعاىل يف عدة أحاديث منها ما‬
‫رواه اإلم ام البخ اري عن أنس يف ح ديث الش فاعة أن النيب عليه الس الم ق ال في ه‪ ":‬ولكن‬
‫ائتوا إبراهيم خليل الرمحن فيأتون إبراهيم"‪ ،‬وقد رواه اإلمام مسلم يف صحيحه عن معبد‬
‫بن هالل الع نزي ق ال انطلقنا إىل أنس بن مالك وتش فعنا بث ابت فانتهينا إليه وهو يص لي‬
‫الض حى فاس تأذن لنا ث ابت ف دخلنا عليه وأجلس ثابتا معه على س ريره فق ال له يا أبا محزة‬
‫إن إخوانك من أهل البصرة يسألونك أن حتدثهم حديث الشفاعة قال حدثنا حممد صلى‬
‫اهلل عليه وسلم قال إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إىل بعض فيأتون آدم فيقولون‬
‫له اش فع ل ذريتك فيق ول لست هلا ولكن عليكم ب " ""إبراهيم" عليه الس " ""الم فإنه خليل اهلل‬
‫في أتون إب راهيم فيق ول لست هلا ولكن عليكم مبوسى عليه الس الم فإنه كليم اهلل في ؤتى‬
‫موسى فيق ول لست هلا ولكن عليكم بعيسى عليه الس الم فإنه روح اهلل وكلمته في ؤتى‬
‫عيسى فيق ول لست هلا ولكن عليكم مبحم د‪   ‬ص لى اهلل عليه وس لم‪   ‬ف أوتى ف أقول أنا‬
‫ويف رواية أخ رى ملس لم عن أيب هري رة وأبو مالك عن ربعي عن حذيفة ق اال ق ال‬
‫رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم جيمع اهلل تب ارك وتع اىل الن اس فيق وم املؤمن ون حىت تزلف‬
‫هلم اجلنة في أتون آدم فيقول ون يا أبانا اس تفتح لنا اجلنة فيق ول وهل أخ رجكم من اجلنة إال‬
‫خطيئة أبيكم آدم لست بصاحب ذلك اذهبوا إىل ابين إبراهيم خليل اهلل قال فيقول إبراهيم‬
‫لست بص احب ذلك إمنا كنت خليال من وراء وراء اعم دوا إىل موسى ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم ال ذي كلمه اهلل تكليما في أتون موس ى‪   ‬ص لى اهلل عليه وس لم‪   ‬فيق ول لست‬
‫بص احب ذلك اذهب وا إىل عيسى كلمة اهلل وروحه فيق ول عيسى ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫لست بصاحب ذلك فيأتون حممدا صلى اهلل عليه وسلم فيقوم فيؤذن له"‪.‬‬
‫([‪        )]84‬روى اإلمام البخاري عن أبا هريرة رضي اهلل تعاىل عنه قال ملا تويف‬
‫رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم وك ان أبو بكر رضي اهلل تع اىل عنه وكفر من كفر من‬
‫الع رب فق ال عمر رضي اهلل تع اىل عنه كيف تقاتل الن اس وقد ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل‬
‫عليه وس لم أم رت أن أقاتل الن اس حىت يقول وا ال إله إال اهلل فمن قاهلا فقد عصم مين ماله‬
‫ونفسه إال حبقه وحس ابه على اهلل فق ال واهلل ألق اتلن من ف رق بني الص الة والزك اة ف إن‬
‫الزك اة حق املال واهلل لو منع وين عناقا ك انوا يؤدوهنا إىل رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫لق اتلتهم على منعها ق ال عمر رضي اهلل تع اىل عنه فواهلل ما هو إال أن قد ش رح اهلل ص در‬
‫أيب بكر رضي اهلل تعاىل عنه فعرفت أنه احلق‪.‬‬
‫([‪        )]85‬روى إسحاق بن راهويه يف مسنده عن عائشة قالت ما كان رسول‬
‫اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يب وح به أن إميانه على إميان جربيل وميكائيل أخربنا العالء بن‬
‫عبد اجلب ار عن ن افع بن عمر اجلمحي وك ان ثقة عن بن أيب مليكة ق ال يقولون إميان فالن‬
‫كإميان فالن أترون إميان فهدان مثل إميان جربيل وكان رجال متهما بالشراب أخربنا حممد‬
‫بن أعني قال قال بن املبارك وذكر له اإلميان فقال قوم يقولون إمياننا مثل جربيل وميكائيل‬
‫إما فيه زي ادة إما فيه نقص ان هو مثله س واء وجربيل رميا ص ار مثل الوضع من خ وف اهلل‬
‫تعاىل وذكر أشباه ذلك قال فقيل له إن قوما يقولون إن سفيان الثوري حني كان يقول إن‬
‫شاء اهلل كان ذاك منه شك فقال بن املبارك أترى سفيان كان يسبقين يف وحدانية الرب أو‬
‫يف حممد‪   ‬صلى اهلل عليه وسلم‪   ‬إمنا كان استثناء يف قبول إميانه وما هو عند اهلل قال بن‬
‫أعني قال بن املبارك واالستثناء ليس بشك أال ترى إىل قول اهلل لتدخلن املسجد احلرام إن‬
‫شاء اهلل آمنني وعلم أهنم داخلون قال لو أن رجال قال هذا هنار إن شاء اهلل ما كان شكا‬
‫ق ال وق ال ش يبان البن املب ارك يا أبا عبد ال رمحن ما تق ول فيمن ي زين ويش رب اخلمر وحنو‬
‫ه ذا أم ؤمن هو ق ال بن املب ارك ال أخرجه من اإلميان فق ال على كرب السن ص رت مرجئا‬
‫فقال له بن املبارك يا أبا عبد اهلل إن املرجئة ال تقبلين أنا أقول اإلميان يزيد املرجئة ال تقول‬
‫ذلك واملرجئة تقول حسناتنا متقبلة وأنا ال أعلم تقبلت مين حسنة وقال غري بن أعني قال‬
‫له بن املب ارك وما أحوجك إىل أن تأخذ س بورجة فتج الس العلم اء ق ال إس حاق وأخ ربين‬
‫عدة أمحد بن زهري وعدة ممن شهد بن املبارك بالري فقال له املستملي يا أبا عبد الرمحن‬
‫أن ها هنا قوما يقول ون اإلميان ال يزيد فس كت عبد اهلل حىت س أله ثالثا فأجابه فق ال ال‬
‫تعجبين ه ذه الكلمة منكم أن ها هنا قوما ينبغي أن يك ون أم ركم مجعا ق ال وق ال نا عبد‬
‫اهلل بن ش وذب عن حممد بن جح ادة عن س لمة بن كهيل عن هزيل بن ش رحبيل ق ال ق ال‬
‫عمر بن اخلط اب لو وزن إميان أيب بكر الص ديق بإميان أهل األرض ل رجحهم بلى أن‬
‫اإلميان يزيد بلى أن اإلميان يزيد ثالثا قال بن املبارك مل أجد بدرا من اإلقرار بزيادة اإلميان‬
‫إزاء كتاب اهلل قال إسحاق واملرجئة طائفة من اجلهمية قال إسحاق وقد مضت السنة من‬
‫رس ول اهلل‪   ‬ص لى اهلل عليه وس لم‪   ‬ب أن أهل اجلنة ي رون رهبم وهو من أعظم نعم أهل‬
‫اجلنة وقوله وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة يقول يومئذ مشرقة إىل اهلل ناظرة إىل اجلنة‬
‫وإمنا معىن قول من قال تنتظر الثواب وال يرون رهبم يوم القيامة قبل دخول اجلنة أال ترى‬
‫إىل جماهد حني فسر اآلية فس ره على معىن ما وص فنا ق ال إىل رهبا ن اظرة ق ال ينظ رون‬
‫الثواب تفسري اآلية جييء على أوجه وهي نواظر يوم القيامة فتجيء اآلية مصدقة ملعىن اآلية‬
‫األخ رى وهي يف الظ اهر عند من جيهل تأويلها فح الف لآلخر كما جهل من س أل بن‬
‫عباس عن قوله فال أنساب بينهم يومئذ وال يتساءلون وعن قوله فأقبل بعضهم على بعض‬
‫يتساءلون وكان يف الظاهر إحدامها خمالفة لألخرى فأجابه بن عباس بأهنما مؤتلفتان فسر‬
‫قوله فال أنس اب بينهم يومئذ وال يتس اءلون ق ال ه ذه النفخة األوىل إذا مل يبق على وجه‬
‫األرض مل يكن بينهم يومئذ نسب وق ال إذا أدخل وا اجلنة أقبل بعض هم على بعض‬
‫يتساءلون فتبني أن معىن االيتني معىن واحد وكان يف الظاهر خالفا حىت أن بن عباس قال‬
‫للسائل ما أشبه عليك من حنو ذلك من القرآن فهو كما وصفنا فلذلك قلنا أن قول اهلل ال‬
‫تدركه األبص ار وهو ي درك األبص ار يف ال دنيا وتص ديق ذلك ما ق الت عائشة من زعم أن‬
‫حمم دا رأى ربه فقد ك ذب ألن اهلل ال تدركه األبص ار وهو ي درك األبص ار فقد حتقق عند‬
‫من عقل عن‪   ‬اهلل عز وج ل‪   ‬أن عائشة فس رت ه ذه اآلية على ال دنيا وتفس رها املبتدعة‬
‫على أهنا يف ال دنيا واآلخ رة فأس قطوا معىن ه ذه اآلية وج وه يومئذ ناض رة إىل رهبا ن اظرة‬
‫وبني ما وص فنا يف ق ول اهلل كال إهنم عن رهبم يومئذ حملجوب ون ف أزال ذلك عن الكف ار‬
‫وثبتت اآلية ألهل اجلنة ولقد قيل البن املبارك أن فالنا فسر اآليتني ال تدركه األبصار وهو‬
‫ي درك األبص ار وقوله وج وه يومئذ ناض رة إىل رهبا ن اظرة على أهنا خمالفة لألخ رى فل ذلك‬
‫أرى الوقف يف الرؤية فق ال بن املب ارك جهل الش يخ معىن اآلية اليت ق ال اهلل ال تدركه‬
‫األبصار وهو يدرك األبصار ليست مبخالفة وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة ألن هذه يف‬
‫الدنيا وتلك يف اآلخرة حىت إنه قال ال تفشوا هذا عن الشيخ تدعيه اجلهمية ورآه منه غلطا‬
‫ولو مل يكن فيما وص فنا إال ما س أل موسى ربه الرؤية يف ال دنيا ملا ك ان قد علم أن أهل‬
‫اجلنة ي رون رهبم فيس أل ربه أن يريه يف ال دنيا ف بني اهلل له ق ال انظر إىل اجلبل ف إن اس تقر‬
‫مكانه فسوف ت راين فلما جتلى ربه للجبل س اخ اجلبل ومل يقو على نظر الرب ق ال موسى‬
‫سبحانك تبت إليك وأنا أول من آمن بك أن ال يراك أحد يف الدنيا قبل يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫([‪        )]86‬ق ال اهلل تع اىل يف س ورة يوس ف(يا بين اذهب وا فتحسس وا من يوسف‬
‫وأخيه وال تيأسوا من روح اهلل إنه ال ييأس من روح اهلل إال القوم الكافرون[‪.)]87‬‬
‫([‪        )]87‬روى اإلم ام مس لم يف ص حيحه عن أس امة بن زيد وه ذا ح ديث بن‬
‫أيب ش يبة ق ال بعثنا رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم يف س رية فص بحنا احلرق ات من جهينة‬
‫ف أدركت رجال فق ال ال إله إال اهلل فطعنته فوقع يف نفسي من ذلك فذكرته للنيب ص لى اهلل‬
‫عليه وس لم فق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم أق ال ال إله إال اهلل وقتلته ق ال قلت يا‬
‫رس ول اهلل إمنا قاهلا خوفا من الس الح ق ال أفال ش ققت عن قلبه حىت تعلم أقاهلا أم ال فما‬
‫زال يكررها علي حىت متنيت أين أس لمت يومئذ ق ال فق ال س عد وأنا واهلل ال أقتل مس لما‬
‫حىت يقتله ذو البطني يعين أسامة قال قال رجل أمل يقل اهلل { وقاتلوهم حىت ال تكون فتنة‬
‫ويكون الدين كله هلل } فقال سعد قد قاتلنا حىت ال تكون فتنة وأنت وأصحابك تريدون‬
‫أن تقاتلوا حىت تكون فتنة‪.‬‬
‫ويف املستدرك للحاكم عن أسامة بن زيد رضي اهلل تعاىل عنهما قال بعثين رسول اهلل‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم يف س رية يف أن اس من أص حابه فاس تبقنا أنا ورجل من األنص ار إىل‬
‫الع دو فحملت على رجل فلما دن وت منه كرب فطعنته فقتلته ورأيت أنه إمنا فعل ذلك‬
‫ليح رز دمه فلما رجعنا س بقين إىل النيب ص لى اهلل عليه وس لم فق ال يا رس ول اهلل ال ف ارس‬
‫خري من فارس كم إنا اس تلحقنا رجال فس بقين إليه فكرب فلم مينعه ذلك أن قتله فق ال النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم يا أسامة ما صنعت اليوم فقلت محلت على رجل فكرب فرأيت أنه إمنا‬
‫فعل ليح رز دمه فقتلته فق ال كيف بعد اهلل أكرب فهال ش ققت عن قلبه فقلت ما ق ال فلم‬
‫ي زل يق ول يل يومئذ فال أقاتل رجال يق ول اهلل أكرب مما هناين عنه حىت ألق اه ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫([‪        )]88‬ق ال اهلل تع اىل يف س ورة النح ل(من كفر باهلل من بعد إميانه إال من‬
‫أك ره وقلبه مطمئن باإلميان ولكن من ش رح ب الكفر ص درا فعليهم غضب من اهلل وهلم‬
‫عذاب عظيم[‪.)]106‬‬
‫وروى اإلمام البخاري يف صحيحه عن أيب هريرة قال كان النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ب ارزا يوما للن اس فأت اه جربيل فق ال ما اإلميان ق ال أن ت ؤمن باهلل ومالئكته وبلقائه ورس له‬
‫وت ؤمن ب البعث ق ال ما اإلس الم ق ال اإلس الم أن تعبد اهلل وال تش رك به وتقيم الص الة‬
‫وتؤدي الزكاة املفروضة وتصوم رمضان قال ما اإلحسان قال أن تعبد اهلل كأنك تراه فإن‬
‫مل تكن تراه فإنه يراك قال مىت الساعة قال ما املسؤول عنها بأعلم من السائل وسأخربك‬
‫عن أش راطها إذا ول دت األمة رهبا وإذا تط اول رع اة اإلبل البهم يف البني ان يف مخس ال‬
‫يعلمهن إال اهلل مث تال النيب ص لى اهلل عليه وس لم {إن اهلل عن ده علم الس اعة} اآلية مث أدبر‬
‫فق ال ردوه فلم ي روا ش يئا فق ال ه ذا جربيل ج اء يعلم الن اس دينهم ق ال أبو عبد اهلل جعل‬
‫ذلك كله من اإلميان‪.‬‬
‫وأخ رج البخ اري عن حممد بن جبري عن أبيه ق ال مسعت النيب ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫يقرأ يف املغرب بالطور وذلك أول ما وقر اإلميان يف قليب‪.‬‬
‫([‪        )]89‬قال تعاىل يف سورة األنفال(وما هلم أال يعذهبم اهلل وهم يصدون عن‬
‫املس جد احلرام وما ك انوا أولي اءه إن أولي اؤه إال املتق ون ولكن أك ثرهم ال يعلم ون[‬
‫اب وهو يت وىل‬ ‫‪.)]34‬وق ال تع اىل يف س ورة األع راف(إن وليِّ َي اهللُ ال ذي ن َّز َل الكت َ‬
‫الصاحلني[‪)]196‬‬
‫([‪        )]90‬روى ابن حب ان يف ص حيحه عن ج ابر أن النيب ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫ق ال ش فاعيت ألهل الكب ائر من أم يت‪ .‬ورواه احلاكم يف املس تدرك عن ج ابر بن عبد اهلل‬
‫رضي اهلل تع اىل عنهما أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم تال ق ول‪   ‬اهلل عز وجل (وال‬
‫يشفعون إال ملن ارتضى) فقال صلى اهلل عليه وسلم إن شفاعيت ألهل الكبائر من أميت هذا‬
‫حديث صحيح على شرط الشيخني ومل خيرجاه‪.‬‬
‫وهو يف سنن أيب داود ويف الرتمذي عن أنس بن مالك‪ .‬ورواه غريهم‪.‬‬
‫ويف مس ند أيب يعلى عن يزيد الرقاشي عن أنس ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫شفاعيت ألهل الكبائر من أميت قال فقال تصديق هذا يف القرآن قال فقرأ علينا إن جتتنبوا‬
‫كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم س يئاتكم ون دخلكم م دخال كرميا فهؤالء الذين جيتنبون‬
‫الكبائر وهؤالء الذين واقعوا الكبائر بقيت هلم شفاعة حممد صلى اهلل عليه وسلم قال فقال‬
‫يزيد ألنس صدقت‪.‬‬
‫([‪        )]91‬روى البخ اري يف ص حيحه عن عب ادة بن الص امت رضي اهلل تع اىل‬
‫عنه قال كنا عند النيب صلى اهلل عليه وسلم يف جملس فقال بايعوين على أن ال تشركوا باهلل‬
‫ش يئا وال تس رقوا وال تزن وا وق رأ ه ذه اآلية كلها فمن ويف منكم ف أجره على اهلل ومن‬
‫أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارته ومن أصاب من ذلك شيئا فسرته اهلل عليه إن‬
‫شاء غفر له وإن شاء عذبه‪.‬‬
‫ويف س نن أيب داود عن عط اء بن يس ار عن عبد اهلل بن الص ناحبي ق ال زعم أبو حممد‬
‫أن ال وتر واجب فق ال عب ادة بن الص امت ك ذب أبو حممد أش هد أين مسعت رس ول اهلل‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم يق ول مخس ص لوات افرتض هن اهلل تع اىل‪   ‬من أحسن وض وءهن‬
‫وص الهن ل وقتهن وأمت رك وعهن وخش وعهن ك ان له على اهلل عهد أن يغفر له ومن مل‬
‫يفعل فليس له على اهلل عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه‪ .‬ورواه أيضا اإلمام البيهقي يف‬
‫سننه الكربى‪ ،‬ويف مسند اإلمام أمحد‬
‫([‪        )]92‬روى اإلم ام البخ اري يف ص حيحه عن أيب س عيد اخلدري رضي اهلل‬
‫تع اىل عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ي دخل أهل اجلنة اجلنة وأهل الن ار الن ار مث‬
‫يق ول اهلل تع اىل أخرج وا من ك ان يف قلبه مثق ال حبة من خ ردل من إميان فيخرج ون منها‬
‫قد اس ودوا فيلق ون يف هنر احليا أو احلي اة شك مالك فينبت ون كما تنبت احلبة يف ج انب‬
‫السيل أمل تر أهنا خترج صفراء ملتوية قال وهيب حدثنا عمرو احلياة وقال خردل من خري‪.‬‬
‫وروى البخاري يف الصحيح عن عبد اهلل رضي اهلل تعاىل عنه قال النيب صلى اهلل عليه‬
‫إين ألعلم آخر أهل الن ار خروجا منها وآخر أهل اجلنة دخ وال رجل خيرج من الن ار حب وا‬
‫فيق ول اهلل اذهب فادخل اجلنة فيأتيها فيخيل إليه أهنا مألى ف ريجع فيق ول يا رب وج دهتا‬
‫مألى فيقول اذهب فادخل اجلنة فيأتيها فيخيل إليه اهنا مألى فريجع فيقول يا رب وجدهتا‬
‫مألى فيق ول اذهب فادخل اجلنة ف إن لك مثل ال دنيا وعش رة أمثاهلا أو إن لك مثل عش رة‬
‫أمث ال ال دنيا فيق ول أتس خر مين أو تض حك مين وأنت امللك فلقد رأيت رس ول اهلل ص لى‬
‫اهلل عليه وسلم ضحك حىت بدت نواجذه وكان يقال ذلك أدىن أهل اجلنة منزلة‪.‬‬
‫ويف ح ديث الش فاعة الطويل ال ذي رواه البخ اري عن أنس بن مال ك‪ ،‬بعد أن حيمد‬
‫النيب عليه الصالة والسالم ربه مبحامد وخيرج أناسا من النار‪ ،‬يقول صلى اهلل عليه وسلم‪":‬‬
‫فأقول يا رب ما بقي يف النار إال من حبسه القرآن ووجب عليه اخللود قال النيب صلى اهلل‬
‫عليه وس لم خيرج من الن ار من ق ال ال إله إال اهلل وك ان يف قلبه من اخلري ما ي زن ش عرية مث‬
‫خيرج من النار من قال ال إله إال اهلل وكان يف قلبه من اخلري ما ي زن ب رة مث خيرج من النار‬
‫من قال ال إله إال اهلل وكان يف قلبه ما يزن من اخلري ذرة"‪.‬‬
‫([‪        )]93‬ذك ره اخلطيب يف ت اريخ بغ داد (‪ ":)6/402‬عن بن عمر ان رس ول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال صلوا خلف من قال ال اله اال اهلل وصلوا على من قال ال اله‬
‫اال اهلل"‪.‬‬
‫ق ال ال زيلعي يف نصب الراي ة(‪ ":)2/26‬ق ال عليه الس الم ص لوا خلف كل بر وف اجر‬
‫قلت أخرجه ال دارقطين يف س ننه عن معاوية بن ص احل عن العالء بن احلارث عن مكح ول‬
‫عن أيب هريرة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال صلوا خلف كل بر وفاجر وصلوا‬
‫على كل بر وف اجر وجاه دوا مع كل بر وف اجر انتهى ق ال ال دارقطين مكح ول مل يس مع‬
‫من أيب هري رة ومن دونه ثق ات انتهى ومن طريق ال دارقطين رواه بن اجلوزي يف العلل‬
‫املتناهية وأعله مبعاوية بن صاحل مع ما فيه من االنقطاع وتعقبه بن عبد اهلادي وقال إنه من‬
‫رج ال الص حيح انتهى واحلديث رواه أبو داود يف س ننه يف كت اب اجله اد وض عفه ب أن‬
‫مكحوال مل يسمع من أيب هريرة ولفظه قال اجلهاد واجب عليكم مع كل أمري برا كان أو‬
‫ف اجرا والص الة واجبة عليكم خلف كل مس لم ب را ك ان أو ف اجرا وإن عمل الكب ائر‬
‫والصالة واجبة على كل مسلم برا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر انتهى ومن طريق أيب‬
‫داود رواه ال بيهقي يف املعرفة وق ال إس ناده ص حيح إال أن فيه انقطاعا بني مكح ول وأيب‬
‫هريرة وله طريق آخر عند الدارقطين عن عبد اهلل بن حممد بن حيىي بن عروة عن هشام بن‬
‫عروة عن أيب صاحل السمان عن أيب هريرة مرفوعا سيليكم من بعدي وال الرب بربه والفاجر‬
‫بفج وره فامسعوا له وأطيع وا فيما وافق احلق وص لوا وراءهم ف إن أحس نوا فلكم وهلم وإن‬
‫اساءوا فلكم وعليهم انتهى ومن طريق الدارقطين رواه بن اجلوزي يف العلل وأعله بعبد اهلل‬
‫ه ذا ق ال أبو ح امت م رتوك احلديث وق ال بن حب ان ال حيل كتب حديثه ق ال بن اجلوزي‬
‫وسئل أمحد عن حديث صلوا خلف كل بر وفاجر فقال ما مسعنا به انتهى"‬
‫وق ال ابن حجر يف تلخيص احلب ري(‪ )2/35‬عن ح ديث "ص لوا خلف كل بر‬
‫وف اجر"‪ ":‬ق ال العقيلي ليس يف ه ذا املنت إس ناد يثبت ونقل بن اجلوزي عن أمحد أنه س ئل‬
‫عنه فق ال ما مسعنا هبذا وق ال ال دارقطين ليس فيها ش يء يثبت ولل بيهقي يف ه ذا الب اب‬
‫أح اديث كلها ض عيفة غاية الض عف وأصح ما فيه ح ديث مكح ول عن أيب هري رة على‬
‫إرساله وقال أبو أمحد احلاكم هذا حديث منكر"‬
‫([‪    )]94‬السيف هنا كناية عن القتل‪ ،‬وقد ورد النهي عن قتل املسلم إال حبق اإلسالم‪.‬‬
‫وه ذا املعىن مش هور‪ .‬ومن ذلك قوله عليه الص الة والس الم‪" ،‬أم رت أن أقاتل الن اس حىت‬
‫يقولوا ال إله إال اهلل‪ ،‬فإذا قالوها عصموا مين دماءهم وأمواهلم إال حبقها"‪.‬‬
‫([‪        )]95‬روى اإلمام مسلم يف صحيحه عن علقمة بن وائل احلضرمي عن أبيه‬
‫قال سأل سلمة بن يزيد اجلعفي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال يا نيب اهلل أرأيت إن‬
‫قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ومينعونا حقنا فما تأمرنا فأعرض عنه مث سأله فأعرض عنه‬
‫مث سأله يف الثانية أو يف الثالثة فجذبه األشعث بن قيس وقال امسعوا وأطيعوا فإمنا عليهم ما‬
‫محلوا وعليكم ما محلتم‪.‬وهو يف الرتمذي‪ ،‬وسنن البيهقي الكربى‪،‬ويف املعجم الكبري‬
‫ويف مسند اإلمام أمحد عن ابن مسعود أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال كيف بك يا‬
‫عبد اهلل إذا ك ان عليكم أم راء يض يعون الس نة وي ؤخرون الص الة عن ميقاهتا ق ال كيف‬
‫ت أمرين يا رس ول اهلل ق ال تس ألين بن أم عبد كيف تفعل ال طاعة ملخل وق يف معص ية‪   ‬اهلل‬
‫عز وجل‪.‬‬
‫ويف مس ند اإلم ام أمحد أيض ا‪ :‬ح دثنا عبد اهلل ح دثين أيب ثنا يزيد يعىن بن ه ارون أنا‬
‫هشام عن حممد قال جاء رجل إىل عمران بن حصني وحنن عنده فقال استعمل احلكم بن‬
‫عم رو الغف اري على خراس ان فتمن اه عم ران حىت ق ال له رجل من الق وم أال ن دعوه لك‬
‫فقال له ال مث قام عمران فلقيه بني الناس فقال عمران إنك قد وليت أمرا من أمر املسلمني‬
‫عظيما مث أمره وهناه ووعظه مث قال هل تذكر يوم قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ال‬
‫طاعة ملخلوق يف معصية اهلل تبارك وتعاىل قال احلكم نعم قال عمران اهلل أكرب‪.‬‬
‫([‪        )]96‬قال اهلل تعاىل(وأطيعوا اهلل وأطيعوا الرسول وأويل األمر منكم)‬
‫([‪        )]97‬ق ال العالمة ال ربيت‪":‬إمنا ذكر ه ذا لئال يقع يف الشك فيما ذكرنا من‬
‫العقائد عن دما يش تبه عليه ش يء‪ ،‬أو يعرتيه س ؤال وال ميكن دفع ه‪ ،‬فحينئذ جيب عليه أن‬
‫يف وض أمر ذلك وعلمه إىل اهلل فإنه هو الع امل حبق ائق األش ياء‪ ،‬ال يع زب عن علمه مثق ال‬
‫ذرة يف الس ماء وال يف األرض‪ ،‬وال ميكن للبشر معرفة كنه دق ائق األش ياء وحقائقها إال‬
‫بتعليم وإهلام من اهلل‪ ،‬ف إن املالئكة مع ص فاء ج واهرهم اع رتفوا ب العجز عن العلم من‬
‫ذواهتم‪ ،‬حيث ق الوا(ال علم لنا إال ما علمتن ا) فكيف البشر مع ش واغلهم عن التوجه إىل‬
‫جناب القدس‪ ،‬وقد قال تعاىل(وما أوتيتم من العلم إال قليال)‪".‬اهـ‬
‫([‪        )]98‬ق ال الب ابريت يف ش رحه‪":‬إمنا ذكر ه ذا ردا على أهل ال رفض ف إهنم‬
‫أنك روا ج واز املسح على اخلفني‪ ،‬وه ذا وإن ك ان من أحك ام الفقه لكنه ملا اش تهرت فيه‬
‫اآلث ار أحلقه بالعقائد دفعا إلنك ار املنك رين‪ ،‬ق ال أبو احلسن الك رخي‪:‬إين ألخشى الكفر‬
‫على من ال يرى املسح على اخلفني‪".‬اهـ‬
‫وبعد ه ذا التوض يح ف إن العجب ي زداد من ج رأة الس قاف ومس ارعته إىل الق ول عند‬
‫تعليقه على ه ذه الفق رة ص‪":646‬ال معىن إلي راد ه ذه املس ألة يف كتب العقائ د‪ ،‬وإمنا‬
‫مكاهنا يف ب اب املسح على اخلفني يف كت اب الطه اة من كتب الفق ه‪ ،‬ويف مس ائل الفقه‬
‫اجملمع عليها ما هو أوىل أن ي ورده هنا لو قَبِْلن ا‪  ‬ط رح أمث ال ه ذه املس ألة هن ا‪ ،‬مثل قولنا‬
‫ونرى أن صالة الصبح ركعتني وأن يف كل ركعة ركوع واحد وسجود واحد وسجدتني‬
‫…إخل‪ ،‬فتنبه"‪.‬اهـ‬
‫أق ول‪ :‬قد تنبهن ا‪ ،‬ورأينا أنك مل تتنب ه‪ ،‬والعجب من إطالق مثل ه ذا االع رتاض هنا‬
‫هبذه اجلرأة‪ ،‬مع أن كل من تكلم على عقي دة الطح اوي فإنه ذكر وجه إي راد ه ذه املس ألة‬
‫هنا‪ ،‬بل إن صاحب العقائد النسفية قد ذكر هذه املسألة هنا‪ ،‬بل وذكر غريها من املسائل‬
‫الفقهية لنفس السبب الذي وضحناه حنن ومل تتنبه إليه أنت‪ .‬فهل كان النسفي والتفتازاين‬
‫شارح النسفية ال يعرفون أن موقع هذه املسائل إمنا هو يف الفقه؟؟!‬
‫وما أحسن ما ذكره اإلمام السعد التفتازاين يف شرحه على العقائد النسفية يف مسألة‬
‫التك وين ص‪ 134‬من الطبعة العثماني ة‪":‬ولكنه ينبغي للعاقل أن يتأمل يف أمث ال ه ذه‬
‫املباحث ال ينسب إىل الراسخني من علماء األصول ما يكون استحالته بديهية ظاهرة على‬
‫من له أدىن متي يز‪ ،‬بل يطلب لكالمهم حممال ص حيحا يص لح حمال ل نزاع العلم اء واختالف‬
‫العقالء‪".‬اهـ فهذا الكالم على اختصاره قاعدة يف هذا الباب‪ ،‬مل يتنبه إليه الشيخ السقاف‬
‫يف أكثر الكتاب‪.‬واهلل تعاىل هو املوفق إىل الصواب‪ ،‬وإليه املرجع واملآب‪.‬‬
‫([‪        )]99‬ق ال الب ابريت يف ش رحه‪":‬إمنا ق ال مع أويل األم ر‪ ،‬ألن احلج واجله اد‬
‫متعلقان بالسفر واجتماع العساكر والقوافل‪ ،‬وال بد فيه من ضابط يضبط أمور الناس عند‬
‫اختالفهم ويق اوم الع دو وحيسم م ادة الس راق‪ ،‬فلو مل يكن فيهم أمري يقع اخللل يف أك ثر‬
‫األمور‪ ،‬فيحتاجون إىل من يرجعون إليه يف األمور ويطيعونه ويكون نافذ األمر فيهم‪ ،‬وهو‬
‫الس لطان أو نوابه من األم راء‪ ،‬س واءا ك ان ب را أو ف اجرا‪ ،‬ألن العص مة ليست بش رط يف‬
‫األمري‪ ،‬فإذا كان فيه نفع عام وانتظام مصلحة الرعية يصلح لإلمامة وإن كان فاجرا‪ ،‬فإن‬
‫فجوره ال يضر إال نفسه‪".‬اهـ‬
‫وال يفهم من كالم املص نف أن اإلم ام ش رط يف احلج واجله اد‪ ،‬بل غاية ما يري ده هنا‬
‫أن اإلمام إن كان فاجرا فإن ذلك ال يقدح يف جواز احلج معه أو مع من ينيبه‪ .‬وكذلك‬
‫اجلهاد‪.‬‬
‫ويف ص حيح مس لم عن جرير بن عبد اهلل ق ال رأيت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫يل وي ناص ية ف رس بإص بعه وهو يق ول اخليل معق ود بنواص يها اخلري إىل ي وم القيامة األجر‬
‫والغنيمة‪ .‬وهو يف السنن الكربى للبيهقي‪.‬‬
‫ويف سنن البيهقي الكربى عن أنس بن مالك رضي اهلل تعاىل عنه قال قال رسول اهلل‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم‪   ‬ثالث من أصل اإلميان الكف عمن ق ال ال إله إال اهلل ال يكف ره‬
‫ب ذنب وال خيرجه من اإلس الم بعمل واجله اد م اض منذ بعثين اهلل عز وجل إىل أن يقاتل‬
‫آخر أميت الدجال ال يبطله جور جائر وال عدل عادل واإلميان باألقدار وحديث مكحول‬
‫عن أيب هريرة عن النيب صلى اهلل عليه وسلم اجلهاد واجب عليكم مع كل أمري برا كان أو‬
‫فاجرا قد مضى يف باب اإلمامة وكتاب اجلنائز‪.‬‬
‫واعلم أنه مل يشرتط أحد من الفقهاء املعتربين جلواز احلج أن يكون األمري موجودا‪.‬‬
‫وبعد ذلك ف إن لك أن تتعجب مما قاله الس قاف يف تعليقه على ه ذه الفق رة ص‬
‫‪":647‬اعلم أنه ليس من ش رط مضي احلج واجله اد أن يكونا مع أويل األمر من املس لمني‬
‫سواء برهم وفاجرهم‪".‬اهـ مث قال إصرارا منه على الغلط يف حق هؤالء‪ ":‬ومسلمو الدول‬
‫الغري اإلس المية كمس لمي فرنسا وال نرويج وأمريكا وأش باهها حتت راية أي أمري‬
‫سيحجون‪ ،‬برا كان أو فاجرا‪ ،‬وبأي دليل يتم التعيني؟؟!!‬
‫لذا نرى أن هذا الذي قاله املصنف رمحه اهلل تعاىل غري صواب فضال عن أن ما ذكره‬
‫ليس مناسبا يف أبواب العقائد‪ .‬والظاهر أن الزمن الذي كانوا يعيشون فيه اضطرهم لقول‬
‫ذلك تقلي دا ملن ك ان قبلهم ممن أثر فيهم الفكر األم وي مث فكر اجلب ابرة العباس يني ال ذين‬
‫هنجوا نفسه النهج يف هذه القضية‪ ،‬واملكَْرهُ له أحكام وهلل يف خلقه شئون!!"اهـ‬
‫ُ‬
‫انتهى كالمه ويا ليته ما قال ه‪ ،‬وما أعظم الش أن يف ش أنه‪ ،‬وما يف كالمه من مفاسد‬
‫وهتجمات وحتامالت‪ ،‬وانسياق وراء عاطفته ال خيفى على عاقل‪.‬واهلل املستعان‪.‬‬
‫([‪      )]100‬قال تعاىل(ما يلفظ من قول إال لديه رقيب عتيد)‬
‫([‪      )]101‬ق ال تع اىل يف س ورة الس جدة(وق الوا أئ ذا ض للنا يف األرض أئنا لفي‬
‫خلق جديد بل هم بلق اء رهبم ك افرون[‪ ]10‬قل يتوف اكم ملك املوت ال ذي وكل بكم مث‬
‫إىل ربكم ترجعون[‪.)]11‬‬
‫([‪      )]102‬روى اإلم ام البخ اري يف ص حيحه عن ع روة بن الزبري عن عائشة‬
‫زوج النيب صلى اهلل عليه وسلم أخربته أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان يدعو يف‬
‫الصالة اللهم إين أعوذ بك من عذاب القرب وأعوذ بك من فتنة املسيح الدجال وأعوذ بك‬
‫من فتنة احمليا وفتنة املم ات اللهم إين أع وذ بك من املأمث واملغ رم فق ال له قائل ما أك ثر ما‬
‫تستعيذ من املغرم فقال إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف وعن الزهري قال‬
‫أخربين عروة أن عائشة رضي اهلل تعاىل عنها قالت مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫يستعيذ يف صالته من فتنة الدجال‪.‬‬
‫ويف ص حيح البخ اري أيضا عن عائشة زوج النيب ص لى اهلل عليه وس لم أن يهودية‬
‫ج اءت تس أهلا فق الت هلا أع اذك اهلل من ع ذاب القرب فس ألت عائشة رضي اهلل تع اىل عنها‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أيعذب الناس يف قبورهم فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وس لم عائ ذا باهلل من ذلك مث ركب رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ذات غ داة مركبا‬
‫فخسفت الشمس فرجع ضحى فمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بني ظهراين احلجر مث‬
‫قام يصلي وقام الناس وراءه ‪..‬ويف آخره … مث رفع فسجد وانصرف فقال ما شاء اهلل أن‬
‫يقول مث أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القرب‪.‬‬
‫وقال البخاري يف صحيحه(‪ ":)1/461‬باب ما جاء يف عذاب القرب وقوله تعاىل ( إذ‬
‫الظاملون يف غمرات املوت واملالئكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم جتزون عذاب‬
‫اهلون ) هو اهلوان واهلون الرفق وقوله جل ذك ره (س نعذهبم م رتني مث ي ردون إىل ع ذاب‬
‫عظيم )‪  ‬وقوله تعاىل (وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا‬
‫ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب)"اهـ‬
‫ويف ص حيح البخ اري عن عائشة ق الت دخلت علي عج وزان من عجز يه ود املدينة‬
‫فقالتا يل إن أهل القب ور يع ذبون يف قب ورهم فك ذبتهما ومل أنعم أن أص دقهما فخرجتا‬
‫ودخل علي النيب ص لى اهلل عليه وس لم فقلت له يا رس ول اهلل إن عج وزين وذك رت له‬
‫فقال صدقتا إهنم يعذبون عذابا تسمعه البهائم كلها فما رأيته بعد يف صالة إال تعوذ من‬
‫عذاب القرب‪.‬‬
‫ويف ص حيح مس لم عن ط اوس ق ال مسعت أبا هري رة يق ول ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل‬
‫عليه وس لم ع وذوا باهلل من ع ذاب اهلل ع وذوا باهلل من ع ذاب القرب ع وذوا باهلل من فتنة‬
‫املسيح الدجال عوذوا باهلل من فتنة احمليا واملمات‪.‬‬
‫ويف رواية عن أيب هري رة عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم أنه ك ان يتع وذ من ع ذاب‬
‫القرب وعذاب جهنم وفتنة الدجال‪.‬رواه مسلم يف صحيحه‪.‬‬
‫واعلم أن األدلة على ثبوت عذاب القرب كثرية‪ ،‬واملراد بعذاب القرب أعم من أن يكون‬
‫عذابا فقط يف القرب بل احلياة الربزخية وهي احلياة املتوسطة بني الدنيا واآلخرة‪ ،‬وكما أنه‬
‫يوجد عذاب يف القرب فإنه كذلك يوجد نعيم فيه‪ .‬كما سيأيت بيانه الحقا‪ .‬قال البقاعي يف‬
‫كت اب سر ال روح ص‪":245‬واعلم أن ع ذاب القرب هو ع ذاب ال ربزخ فكل ميت أراد‬
‫تعذيبه ناله ما أراده من ه‪ ،‬قُرِب َ أو مل يُ ْقَب ْر‪ ،‬لو ص لب أو غ رق يف البحر ولو أكلته ال دواب‪،‬‬
‫أو حرق حىت صار رمادا‪ ،‬وذري يف الريح فسبحان ذي القدرة الشاملة والعظمة الباهرة‬
‫الكاملة‪.‬اهـ‬
‫ق ال اإلم ام أبو املعني النس في يف التبص رة(‪":)2/763‬أثبت مجه ور األمة ع ذاب القرب‬
‫واإلنعام يف القرب وسؤال منكر ونكري لورود الدالئل‬
‫َ‬ ‫للكافرين ولبعض العصاة من املؤمنني‪،‬‬
‫الس معية يف ذل ك"‪ ،‬مث ق ال بعد أن ذكر بعض األدلة من الق رآن والس نة"وأنك رت اجلهمية‬
‫وبعض املعتزلة ذلك"‪.‬اهـ‬
‫فال ذي أنكر ع ذاب القرب ونعيمه هم اجلهمية وبعض املعتزل ة‪ ،‬ومل ينكر مجيع املعتزلة‬
‫ع ذاب الق رب‪ ،‬ويؤيد ه ذا النقل ما قاله القاضي عبد اجلب ار يف ش رح األص ول اخلمسة ص‬
‫‪":730‬فصل يف عذاب القرب‪ ،‬ومجلة ذلك أنه ال خالف فيه بني األمة‪ ،‬إال شيء حيكى عن‬
‫ض رار بن عم رو وك ان من أص حاب املعتزلة مث التحق ب اجملربة‪ ،‬وهلذا ت رى ابن الراون دي‬
‫يشنع علينا ويقول إن املعتزلة ينكرون عذاب القرب وال يقرون به"اهـ‪ ،‬فالذي ينكر عذاب‬
‫القرب من املعتزلة إذن هو ض رار‪ ،‬وتأمل حكاية ع دم وج ود خالف يف ع ذاب القرب من‬
‫القاضي عبد اجلب ار‪ ،‬فال تغرت بعد ذلك مبن زعم أن املعتزلة أي مجيعهم ينك رون ذل ك‪ ،‬بل‬
‫ال جيوز نس بة ذلك إليهم أص ال‪ ،‬إال مع اإلش ارة إىل أن مجه ورهم أثبت ه‪.‬ونقل ابن املرتضى‬
‫يف كت اب القالئد ص‪ 128‬إنك ار ع ذاب القرب عن بشر املريسي وض رار وابن كام ل‪.‬‬
‫وأثبت لألكثر إثباته‪ .‬وهذا موافق لقول أيب املعني النسفي‪.‬‬
‫([‪      )]103‬وردت هذه اللفظة ضمن حديث طويل يف كتاب الرتمذي ولكن قد‬
‫ق ال عن ه‪ ":‬ق ال أبو عيسى ه ذا ح ديث حسن غ ريب ال نعرفه إال من ه ذا الوج ه"‪ .‬وعلى‬
‫كل األح وال فإنه مل ي رد الع ذاب إال على أص حاب الكف ر‪ ،‬أو الكب ائر‪ ،‬فيفهم من ه ذا أن‬
‫غريهم يف نعيم‪.‬‬
‫([‪      )]104‬سوف نفصل الكالم على مسألة الصراط خالفا لغريها من املسائل ملا‬
‫حدث من تشكيك فيها يف هذا الزمان مما سنشري إليه فيما يلي بتوفيق اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وأول ما نبدأ به هو بيان موقف الفرق اإلسالمية من الصراط وذلك أخذا من كتبهم‬
‫مذهب أهل السنة في الصراط‪":‬‬
‫فأما أهل الس نة فقد أثبت وا أصل الص راط واختلف وا يف كيفيت ه‪ ،‬فإثب ات أص له كما هو‬
‫م ذكور يف كالم املص نف أعاله‪ ،‬ومش هور يف كتب أهل الس نة‪.‬ق ال العالمة ال بيجوري يف‬
‫حاش يته على اجلوهرة ص‪ 180‬بعد أن ذكر أن الص راط لغة الطريق الواض ح‪" :‬وش رعا‬
‫جسر ممدود على منت جهنم ي رده األول ون واآلخ رون حىت الكف ار‪ ،‬خالفا للحليمي حيث‬
‫ذهب إىل أهنم ال ميرون علي ه‪ ،‬ولعله أراد الطائفة اليت ت رمى يف جهنم من املوقف بال‬
‫صراط‪ ،‬ومشل ما ذكر النبيني والصديقني‪ ،‬ومن يدخل اجلنة بغري حساب وكلهم ساكتون‬
‫إال األنبي اء فيقول ون اللهم س لم س لم‪ ،‬كما يف الص حيح‪ .‬ويف بعض الرواي ات أنه أدق من‬
‫الش عرة وأحد من الس يف‪ ،‬هو املش هور‪ ،‬ون ازع يف ذلك العز بن عبد الس الم والش يخ‬
‫الق رايف وغريمها كالب در والزركش ي‪ ،‬ق الوا‪:‬وعلى ف رض ص حة ذلك فهو حمم ول على غري‬
‫ظاهره بأن يؤول بأنه كناية عن شدة املشقة‪ ،‬وحينئذ فال ينايف ما ورد من األحاديث الدالة‬
‫على قيام املالئكة على جنبيه وكون الكالليب فيه‪ ،‬زاد القرايف والصحيح أنه عريض وفيه‬
‫طريق ان ميىن ويس رى‪ ،‬فأهل الس عادة يس لك هبم ذات اليمني‪ ،‬وأهل الش قاوة يس لك هبم‬
‫ذات الشمال‪ ،‬وفيه طاقات كل طاقة منها تنفذ إىل طبقة من طبقات جهنم‪ ،‬وقال بعضهم‬
‫إنه يدق ويتسع حبسب ضيق النور وانتشاره‪ ،‬فعرض صراط كل أحد بقدر انتشار نوره‪،‬‬
‫فإن نور كل إنسان ال يتعداه إىل غريه‪ ،‬فال ميشي أحد يف نور أحد‪ ،‬ومن هنا كان دقيقا‬
‫يف حق ق وم وعريضا يف حق آخ رين" مث ق ال‪":‬واتفقت عليه الكلمة يف اجلمل ة‪ ،‬أي بقطع‬
‫النظر عن إبقائه على ظاهره كما هو مذهب أهل السنة‪ ،‬وصرفه عنه كما هو مذهب كثري‬
‫من املعتزل ة‪ ،‬ف إهنم ذهب وا إىل أن املراد به ط رق اجلنة وطريق الن ار‪ .‬وقيل املراد به األدلة‬
‫الواضحة‪".‬اهـ‬
‫وهذا الكالم على طوله يبني حاصل األقوال يف مسألة الصراط‪.‬‬
‫مذهب المعتزلة‪:‬‬
‫وأما بيان حاصل مذهب املعتزلة فال يقوم به حق القيام إال أحد أئمتهم املشهود هلم‪،‬‬
‫وال أحد أوىل ب ذلك من القاضي عبد اجلب ار‪ ،‬فقد ق ال يف ش رح األص ول اخلمسة ص‬
‫‪ ":737‬ومن مجلة ما جيب اإلقرار به واعتقاده‪ ،‬الصراط‪ ،‬وهو طريق بني اجلنة والنار يتسع‬
‫على أهل اجلنة ويضيق على أهل النار إذا راموا املرور عليه‪ ،‬وقد دل عليه القرآن‪ ،‬قال اهلل‬
‫تع اىل(إه دنا الص راط املس تقيم ص راط ال ذين أنعمت عليهم)‪ ،‬فلس نا نق ول فيه ما يقوله‬
‫احلش وية من أن ذلك أدق من الش عر وأحد من الس يف‪ ،‬وأن املكلفني يكلف ون اجتي ازه‬
‫واملرور ب ه‪ ،‬فمن اجت ازه فهو من أهل اجلن ة‪ ،‬ومن مل ميكنه ذلك فهو من أهل الن ار‪ ،‬ف إن‬
‫تلك الدار ليست بدار تكلي ف‪ ،‬حىت يصح إيالم املؤمن وتكليفه املرور على ما هذا سبيله‬
‫يف الدقة واحلدة‪ ،‬وأيضا فقد ذكرنا أن الص راط هو الطري ق‪ ،‬وما وص فوه ليس من الطريق‬
‫بسبيل‪ ،‬ففسد كالمهم فيه‪.‬‬
‫وقد حكى يف الكتاب عن كثري من مشاخينا أن الصراط إمنا هو األدلة الدالة على هذه‬
‫الطاع ات اليت من متسك هبا جنا وأفضى هبا إىل اجلنة ‪ ،‬واألدلة الدالة على املعاصي اليت من‬
‫ركبها هل ك‪ ،‬واس تحق من اهلل تع اىل الن ار‪ .‬وذلك مما ال وجه ل ه‪ ،‬ألن فيه محال لكالم اهلل‬
‫تع اىل على ما ليس يقتض يه ظ اهره‪ ،‬وقد كررنا الق ول يف أن كالم اهلل تع اىل مهما أمكن‬
‫محله على حقيقته فذلك هو الواجب دون أن يصرف عنه إىل اجملاز‪.‬‬
‫وعلى أنا ال نع رف من األص حاب من ذكر ذلك إال ش يئا حيكى عن عب اد‪ ،‬أن‬
‫الص راط إمنا هو األدلة الدالة على وج وب ه ذه الواجب ات والتمسك هبا‪ ،‬وقبح ه ذه‬
‫املقبح ات واالجتن اب منه ا‪ ،‬والفائ دة يف أن جعل اهلل تع اىل إىل دار اجلنة طريقا ح ال ما‬
‫ذكرنا‪ ،‬هو لكي يتعجل به للمؤمن مسرة وللكافر غما‪ ،‬وليضمنه اللطف على ما سبق يف‬
‫نظائره‪.‬‬
‫وأح وال القيامة وكيفية اإلع ادة‪ ،‬أكرب من أن حيتمله ه ذا املوضع فنقتصر منها على‬
‫ه ذا املق دار‪ ،‬ونس أل اهلل الس المة عن عذابه والف وز بثوابه إن س ائله ال خييب‪ ،‬وهو ق ريب‬
‫جميب‪ .‬اهـ‬
‫فه ذا هو ق ول املعتزلة من الص راط كما يوض حه أحد أكرب علم ائهم‪ ،‬وت راه يس تنكر‬
‫على من أول الصراط بأنه األدلة‪ .‬فتحصل من هذا أن مجهور املعتزلة على إثبات الصراط‪،‬‬
‫ال على نفيه كما يظنه بعض القاصرين‪.‬‬
‫مذهب اإلباضية‪:‬‬
‫وقد حكى م ذهب اإلباض ية الس املي كما يف مش ارق أن وار العق ول(‪ )2/129‬فق ال‬
‫بعد أن ذكر قول األشاعرة يف إثبات الصراط وأنه جسر‪":‬وهذا كله ممكن‪ ،‬وليست املسألة‬
‫من ب اب ال دين‪ ،‬فقد ذهب إىل مثل ما ذهب وا إليه بعض أص حابنا‪ ،‬منهم الش يخ ه ود بن‬
‫حمكم القاسم الربادي والشيخ إمساعيل يف القناطر وقطب األئمة يف اهليميان وجامع الشمل‬
‫ومع ول اس تدالل الق ائلني باجلس رية قوله تع اىل(فاس تبقوا الص راط ف أىن يبص رون)‪ ،‬وقوله‬
‫تعاىل(فاهدوهم إىل صراط احلجيم‪ ،‬وقفوهم إهنم مسئولون)…مث قال… والذي يظهر يل‬
‫إبقاء األحاديث على أصلها من غري تعرض لردها على راويها وتفويض أمره إىل اهلل‪ ،‬فمن‬
‫ص دقها من غري قطع بكفر من خالفه فيها فقد أحسن ظنه ب الراوي وال ب أس عليه إن ش اء‬
‫اهلل‪".‬اهـ‪ ،‬واحلاصل واهلل أعلم أن اجلمه ور من اإلباض ية على نفي الص راط باالعتم اد على‬
‫كالم الس املي‪ ،‬وأن بعض أئمتهم ق الوا ب ه‪ ،‬واملس ألة عند اجلميع ليست من األص ول‬
‫القطعية‪ ،‬على كل األحوال‪.‬‬
‫مذهب الشيعة في الصراط‪:‬‬
‫ق ال الش يخ الطوسي املت وىف يف س نة ‪460‬هـ يف كتابه االقتص اد يف االعتق اد ص‬
‫‪":222‬وأما الصراط فقال قوم إنه طريق أهل اجلنة والنار‪ ،‬وأنه يتسع ألهل اجلنة ويتسهل‬
‫هلم س لوكه ويض يق على أهل الن ار ويشق عليهم س لوكه‪ ،‬وق ال آخ رون املراد به احلجج‬
‫واألدلة املفرقة بني أهل اجلنة والن ار املم يزة بينهم"اهـ ومل يوضح بالتحديد ق ول الش يعة‬
‫املختار ولكن ظاهر كالمه هو وجود خالف بينهم‪.‬‬
‫ولكن قد نص العالمة جعفر السبحاين على مذهبهم فيه يف كتابه املسمى باإلهليات (‬
‫‪ ،)2/766‬وذلك بع دما ذك را بعض الكالم عن مفه وم الص راط مطلق ا‪":‬ويف ض وء ه ذا‬
‫يت بني أن هلل س بحانه يف ه ذه النش أة الدنيوية ص راطني‪ ،‬أح دمها تكويين يف س لوكه كم ال‬
‫املوج ود وبق اؤه‪ ،‬واآلخر تش ريعي خيتص باإلنس ان فيه ف وزه وس عادته‪ .‬نعم ويس تظهر من‬
‫الذكر احلكيم ويدل عليه صريح الروايات وجود صراط آخر يف النشأة األخروية يسلكه‬
‫كل مؤمن وكافر"اخل‪ .‬وهذا تصريح منه بأن احلق وجود الصراط‪.‬‬
‫وقال العالمة الطوسي يف جتريد االعتقاد ص‪ 338‬مع شرح احللي‪":‬وسائر السمعيات‬
‫من امليزان والصراط واحلساب وتطاير الكتب مكنة دل السمع على ثبوهتا فيجب التصديق‬
‫هبا"اهـ وأي ده جالل ال دين احللي على ذلك يف ش رحه مع زي ادة بي ان اخلالف يف ص ورته‬
‫كما سبق‪.‬‬
‫وبعد فقد ذكرنا لك طائفة من أق وال الف رق اإلس المية يف الص راط‪ ،‬وب ان لك أن‬
‫املذهب احلق عند غ الب الطوائف والق ول املعترب هو إثب ات الص راط‪ ،‬ولو أخ ذنا نس بة من‬
‫خالف يف ذلك إىل من أثبته‪ ،‬مل يتجاوز ذلك نسبة ضئيلة باملائة‪ ،‬ال يلتفت إليها‪.‬‬
‫ولكن املتفق عليه عند مجيع الفرق هو جواز وجود الصراط ومن خالف ومل يقل أحد‬
‫باس تحالة ذل ك‪ ،‬ومن خ الف فيه الص راط فإمنا حمل خالفه ك ان يف وق وع ذلك اجلائز‪.‬‬
‫وحىت من خالف فإنه مل جيزم باملخالفة بل صرح بأن كالمه عبارة عن ترجيح منه‪.‬‬
‫فاحلاصل أن املعتمد عند مجاهري الفرق اإلسالمية إمنا هو إثبات الصراط مع االختالف‬
‫يف صورته‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫الشروع في ذكر األدلة الدالة على الصراط‪":‬‬
‫أما اآليات" القرآنية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬قوله تع اىل يف س ورة الفاحتة(اه دنا الص راط املس تقيم (‪ )6‬ص راط ال ذين أنعمت‬
‫عليهم غري املغض وب عليهم وال الض الني (‪ ،))7‬قد اس تدل هبا على الص راط القاضي عبد‬
‫اجلبار كما سبق ذكره‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬ويف سورة املؤمنون(وإن الذين ال يؤمنون باآلخرة عن الصراط لناكبون (‪))74‬‬
‫ص رون (‬ ‫ثالثا‪:‬ويف سورة يس(ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستَب ُقوا الصراط فأىن يب ِ‬
‫ُْ‬ ‫َ‬
‫‪))66‬‬
‫رابعا‪:‬ويف سورة الصافات(من دون اهلل فاهدوهم إىل صراط اجلحيم (‪))23‬‬
‫خامسا‪:‬ويف سورة مرمي(وإن منكم إال واردها كان على ربك حتما مقضيا (‪))71‬‬
‫ق ال العالمة أبو الس عود يف تفس ريه ‪":)5/276‬أي واص لها وحاضر دوهنا مير هبا‬
‫املؤمنون وهي خامدة وتنهار بغريهم‪ ،‬وعن جابر أنه صلى اهلل عليه وسلم سئل عنه فقال‬
‫إذا دخل أهل اجلنة اجلنة ق ال بعض هم لبعض أليس قد وع دنا ربنا أن ن رد الن ار‪ ،‬فيق ال هلم‬
‫قد وردمتوها وهي خام دة‪ ،‬وأما قوله تع اىل أؤلئك عنها مبع دون‪ ،‬ف املراد به اإلبع اد عن‬
‫عذاهبا‪ .‬وقيل ورودها اجلواز على الصراط املمدود عليها"اهـ‬
‫قال الواحدي يف الوسيط (‪":)3/192‬قال ابن زيد ‪ :‬ورود املسلمني النار‪:‬العبور على‬
‫اجلسر‪ ،‬وورود الكافرين أن يدخلوها"‪.‬اهـ‬
‫وأما األحاديث النبوية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ما رواه اإلمام البخاري عن عن أيب هريرة أن الناس قالوا يا رسول اهلل هل نرى‬
‫ربنا يوم القيامة فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هل تضارون يف القمر ليلة البدر قالوا‬
‫ال يا رس ول اهلل ق ال فهل تض ارون يف الش مس ليس دوهنا س حاب ق الوا ال يا رس ول اهلل‬
‫قال فإنكم ترونه كذلك جيمع اهلل الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبع‬
‫من ك ان يعبد الش مس الش مس ويتبع من ك ان يعبد القمر القمر ويتبع من ك ان يعبد‬
‫الطواغيت الطواغيت وتبقى هذه األمة فيها شافعوها أو منافقوها شك إبراهيم فيأتيهم اهلل‬
‫فيق ول أنا ربكم فيقول ون ه ذا مكاننا حىت يأتينا ربنا ف إذا جاءنا ربنا عرفن اه في أتيهم اهلل يف‬
‫ص ورته اليت يعرف ون فيق ول أنا ربكم فيقول ون أنت ربنا فيتبعونه ويض رب الص راط بني‬
‫ظه ري جهنم ف أكون أنا وأميت أول من جييزها وال يتكلم يومئذ إال الرسل ودع وى الرسل‬
‫يومئذ اللهم س لم س لم ويف جهنم كالليب مثل ش وك الس عدان هل رأيتم الس عدان ق الوا‬
‫نعم يا رس ول اهلل ق ال فإهنا مثل ش وك الس عدان غري أنه ال يعلم ما ق در عظمها إال اهلل‬
‫ختطف الن اس بأعم اهلم فمنهم املؤمن يبقى بعمله أو املوبق بعمله أو املوثق بعمله ومنهم‬
‫املخ ردل أو اجملازى أو حنوه مث يتجلى حىت إذا ف رغ اهلل من القض اء بني العب اد وأراد أن‬
‫خيرج برمحته من أراد من أهل النار أمر املالئكة أن خيرجوا من النار من كان ال يشرك باهلل‬
‫ش يئا ممن أراد اهلل أن يرمحه ممن يش هد أن ال إله إال اهلل فيعرف وهنم يف الن ار ب أثر الس جود‬
‫تأكل النار بن آدم إال أثر السجود حرم اهلل على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من‬
‫النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء احلياة فينبتون حتته كما تنبت احلبة يف محيل السيل مث‬
‫يف رغ اهلل من القض اء بني العب اد ويبقى رجل مقبل بوجهه على الن ار هو آخر أهل الن ار‬
‫دخ وال اجلنة فيق ول أي رب اص رف وجهي عن الن ار فإنه قد قش بين رحيها وأحرقين‬
‫ذكاؤها فيدعو اهلل مبا شاء أن يدعوه مث يقول اهلل هل عسيت إن أعطيت ذلك أن تسألين‬
‫غريه فيقول ال وعزتك ال أسألك غريه ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء فيصرف اهلل‬
‫وجهه عن النار فإذا أقبل على اجلنة ورآها سكت ما شاء اهلل ان يسكت مث يقول أي رب‬
‫قدمين إىل باب اجلنة فيقول اهلل له ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن ال تسألين غري‬
‫ال ذي أعطيت أب دا ويلك يا بن آدم ما أغ درك فيق ول أي رب وي دعو اهلل حىت يق ول هل‬
‫عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غريه فيقول ال وعزتك ال أسألك غريه ويعطي ما شاء‬
‫من عه ود ومواثيق فيقدمه إىل ب اب اجلنة ف إذا ق ام إىل ب اب اجلنة انفهقت له اجلنة ف رأى ما‬
‫فيها من احلربة والس رور فيس كت ما ش اء اهلل أن يس كت مث يق ول أي رب أدخلين اجلنة‬
‫فيق ول اهلل ألست قد أعطيت عه ودك ومواثيقك أن ال تس أل غري ما أعطيت فيق ول ويلك‬
‫يا بن آدم ما أغدرك فيقول أي رب ال أكونن أشقى خلقك فال يزال يدعو حىت يضحك‬
‫اهلل منه فإذا ضحك منه قال له ادخل اجلنة فإذا دخلها قال اهلل له متنه فسأل ربه ومتىن حىت‬
‫إن اهلل ليذكره يقول كذا وكذا حىت انقطعت به األماين قال اهلل ذلك لك ومثله معه قال‬
‫عط اء بن يزيد وأبو س عيد اخلدري مع أيب هري رة ال ي رد عليه من حديثه ش يئا حىت إذا‬
‫ح دث أبو هري رة أن اهلل تب ارك وتع اىل ق ال ذلك لك ومثله معه ق ال أبو س عيد اخلدري‬
‫وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة قال أبو هريرة ما حفظت إال قوله ذلك لك ومثله معه قال‬
‫أبو س عيد اخلدري أش هد أين حفظت من رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم قوله ذلك لك‬
‫وعشرة أمثاله قال أبو هريرة فذلك الرجل آخر أهل اجلنة دخوال اجلنة‪.‬‬
‫ورواه احلاكم بلفظ فيه بعض االختالف‪ ،‬ال من جهة الص راط‪ .‬ورواه النس ائي يف‬
‫السنن الكربى‪ .‬ويف الرتمذي عن أيب هريرة‪.‬واإلمام أمحد يف مسنده‪.‬‬
‫ثاني ا‪ :‬ويف ص حيح مس لم عن أيب عاصم يعين حممد بن أيب أي وب ق ال ح دثين يزيد‬
‫الفقري قال‪   ‬كنت قد شغفين رأي من رأي اخلوارج فخرجنا يف عصابة ذوي عدد نريد أن‬
‫حنج مث خنرج على الناس قال فمررنا على املدينة فإذا جابر بن عبد اهلل حيدث القوم جالس‬
‫إىل سارية عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال فإذا هو قد ذكر اجلهنميني قال فقلت‬
‫له يا ص احب رس ول اهلل ما ه ذا ال ذي حتدثون واهلل يق ول { إنك من ت دخل الن ار فقد‬
‫أخزيته } و { كلما أرادوا أن خيرج وا منها أعي دوا فيها } فما ه ذا ال ذي تقول ون ق ال‬
‫فق ال أتق رأ الق رآن قلت نعم ق ال فهل مسعت مبق ام حممد عليه الس الم يعين ال ذي يبعثه اهلل‬
‫فيه قلت نعم قال فإنه مقام حممد صلى اهلل عليه وسلم احملمود الذي خيرج اهلل به من خيرج‬
‫قال مث نعت وضع الصراط ومر الناس عليه قال وأخاف أن ال أكون أحفظ ذاك قال غري‬
‫أنه قد زعم أن قوما خيرج ون من الن ار بعد أن يكون وا فيها ق ال يعين فيخرج ون ك أهنم‬
‫عي دان السماسم ق ال في دخلون هنرا من أهنار اجلنة فيغتس لون فيه فيخرج ون ك أهنم‬
‫الق راطيس فرجعنا قلنا وحيكم أت رون الش يخ يك ذب على رس ول اهلل‪   ‬ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم‪   ‬فرجعنا فال واهلل ما خرج منا غري رجل واحد أو كما قال أبو نعيم‪.‬‬
‫ثالث ا‪:‬ويف ص حيح مس لم عن أيب هري رة وأبو مالك عن ربعي عن حذيفة ق اال ق ال‬
‫رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم جيمع اهلل تب ارك وتع اىل الن اس فيق وم املؤمن ون حىت تزلف‬
‫هلم اجلنة في أتون آدم فيقول ون يا أبانا اس تفتح لنا اجلنة فيق ول وهل أخ رجكم من اجلنة إال‬
‫خطيئة أبيكم آدم لست بصاحب ذلك اذهبوا إىل ابين إبراهيم خليل اهلل قال فيقول إبراهيم‬
‫لست بص احب ذلك إمنا كنت خليال من وراء وراء اعم دوا إىل موسى ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم ال ذي كلمه اهلل تكليما في أتون موسى ص لى اهلل عليه وس لم فيق ول لست بص احب‬
‫ذلك اذهب وا إىل عيسى كلمة اهلل وروحه فيق ول عيسى ص لى اهلل عليه وس لم لست‬
‫بصاحب ذلك فيأتون حممدا صلى اهلل عليه وسلم فيقوم فيؤذن له وترسل األمانة والرحم‬
‫فتقومان جنبيت الصراط ميينا ومشاال فيمر أولكم كالربق قال قلت بأيب أنت وأمي أي شيء‬
‫كمر ال ربق ق ال أمل ت روا إىل ال ربق كيف مير ويرجع يف طرفة عني مث كمر ال ريح مث كمر‬
‫الطري وشد الرجال جتري هبم أعماهلم ونبيكم قائم على الصراط يقول رب سلم سلم حىت‬
‫تعجز أعمال العباد حىت جييء الرجل فال يستطيع السري إال زحفا قال ويف حافيت الصراط‬
‫كالليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكدوس يف النار والذي نفس‬
‫أيب هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفا‪.‬‬
‫وهو يف املستدرك عن حذيفة وأيب هريرة بسند قال فيه احلاكم ‪ :‬هذا حديث صحيح‬
‫على شرط الشيخني ومل خيرجاه‪.‬‬
‫رابع ا‪ :‬ويف ص حيح مس لم أيضا عن عائشة ق الت س ألت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم عن قوله عز وجل{ يوم تبدل األرض غري األرض والسموات }فأين يكون الناس‬
‫يومئذ يا رسول اهلل فقال على الصراط‪.‬‬
‫ورواه الرتم ذي وق ال‪ :‬ه ذا ح ديث حسن ص حيح وروي من غري ه ذا الوجه عن‬
‫عائشة‪ .‬وابن ماجه عنها أيضا‪.‬‬
‫ورواه الرتمذي بلفظ آخر عن عائشة أهنا قالت يا رسول اهلل { واألرض مجيعا قبضته‬
‫ي وم القيامة والس موات مطوي ات بيمينه }‪   ‬ف أين املؤمن ون يومئذ ق ال على الص راط يا‬
‫عائشة هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫وهو يف ص حيح ابن حب ان عن عائشة عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم أهنا س ألته عن‬
‫قوله { يوم تبدل األرض غري األرض والسموات وبرزوا هلل الواحد القهار } فأين يكون‬
‫الناس يومئذ فقال على الصراط قالت قلت يا رسول اهلل بن جدعان كان يف اجلاهلية يصل‬
‫ال رحم ويطعم املسكني فهل ذاك نافعه ق ال ال ينفعه مل يقل يوما رب اغفر يل خطيئيت يوم‬
‫الدين‪.‬‬
‫ورواه أيضا احلاكم يف املستدرك‪.‬والدارمي يف سننه‪.‬ورواه اإلمام امحد يف مسنده‪.‬‬
‫ويف مس ند اإلم ام أمحد رواية عن عائشة بلفظ آخر عن القاسم بن الفضل ق ال ق ال‬
‫احلسن قالت عائشة يا رسول اهلل { يوم تبدل األرض غري األرض والسموات } أين الناس‬
‫قال ان هذا لشيء ما سألين عنه أحد من أميت قبلك الناس على الصراط‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬ويف صحيح ابن حبان عن أيب سعيد اخلدري عن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ق ال ليمر الن اس على جسر جهنم وعليه حسك وكالليب وخط اطيف ختطف الن اس ميينا‬
‫ومشاال وجبنبتيه مالئكة يقولون اللهم سلم سلم فمن الناس من مير مثل الريح ومنهم من مير‬
‫مثل الف رس اجملرى ومنهم من يس عى س عيا ومنهم من ميشى مش يا ومنهم من حيبو حب وا‬
‫ومنهم من يزحف زحفا فأما أهل الن ار ال ذين هم أهلها فال ميوت ون وال حيي ون واما أن اس‬
‫فيؤخ ذون ب ذنوب وخطايا فيحرق ون فيكون ون فحما مث ي ؤذن يف الش فاعة فيؤخ ذون‬
‫ضبارات ضبارات فيقذفون على هنر من اهنار اجلنة فينبتون كما تنبت احلبة يف محيل السيل‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم اما رأيتم الصبغاء شجرة تنبت يف الفضاء فيكون من‬
‫آخر من اخرج من النار رجل على شفتها فيقول يا رب صرف وجهي عنها فيقول عهدك‬
‫وذمتك ال تسألين غريها قال وعلى الصراط ثالث شجرات فيقول يا رب حولىن اىل هذه‬
‫الشجرة آكل من مثرها وأكون يف ظلها فيقول عهدك وذمتك ال تسألين شيئا غريها قال مث‬
‫يرى أخرى أحسن منها فيقول يا رب حولىن إىل هذه آكل من مثرها وأكون يف ظلها قال‬
‫فيقول عهدك وذمتك ال تسألين غريها مث يرى أخرى أحسن منها فيقول يا رب حولىن اىل‬
‫هذه آكل من مثارها وأكون يف ظلها قال مث ي رى سواد الناس ويس مع كالمهم فيق ول يا‬
‫رب أدخلىن اجلنة قال أبو نضرة اختلف أبو سعيد ورجل من أصحاب النيب صلى اهلل عليه‬
‫وس لم فق ال أح دمها فيدخله اجلنة فيعطى ال دنيا ومثلها وق ال اآلخر في دخل اجلنة فيعطى‬
‫ال دنيا وعش رة امثاهلا ق ال أبو ح امت رضي اهلل تع اىل عنه هك ذا ح دثنا أبو يعلى وعلى‬
‫الصراط ثالث شجرات وامنا هو على جانب الصراط ثالث شجرات‪.‬‬
‫ورواه احلاكم يف املستدرك‪.‬‬
‫سادسا‪:‬ويف صحيح ابن حبان عن أنس بن مالك عن عبد اهلل بن مسعود عن رسول‬
‫اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪   ‬إن آخر من ي دخل اجلنة رجل ميشى على الص راط فهو‬
‫يكبو مرة وتسفعه النار أخرى حىت إذا جاوزها التفت إليها فيقول تبارك الذي جناىن منها‬
‫فواهلل لقد أعط اين ش يئا ما أعط اه أح دا من الع املني ق ال مث ترفع له ش جرة فيق ول يا رب‬
‫ادنىن منها لعلي اس تظل بظلها وأش رب من مائها ق ال فيق ول اهلل يا بن آدم لعلي ان‬
‫أعطيتكه س ألتىن غريها فيق ول ال يا رب ويعاه ده ان ال يفعل وهو يعلم انه فاعله ملا ي رى‬
‫مما ال صرب له عليه فيدنيه منها فيس تظل بظلها ويش رب من مائها مث ترفع له ش جرة أخ رى‬
‫هي أحسن من األوىل فيقول يا رب ادنىن منها ألستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول أمل‬
‫تعاه دىن ان ال تس ألين غريها فيق ول بلى يا رب ولكن ادنىن منها ألس تظل بظلها وأش رب‬
‫من مائها فيعاه ده ان ال يس أله غريها فيدنيه منها ويعلم انه سيس أله غريها ملا ي رى ما ال‬
‫صرب له عليه قال فرتفع له شجرة أخرى عند باب اجلنة هي أحسن من األوليني فيقول يا‬
‫رب ادنىن منها ألس تظل بظلها واش رب من مائها فيق ول أمل تعاه دىن ان ال تس ألين غريها‬
‫فيق ول بلى يا رب ولكن ادنىن منها ف إذا انا منها مسع اص وات أهل اجلنة فيق ول يا رب‬
‫ادخلىن اجلنة فيقول اهلل جل وعال أيرضيك يا بن آدم ان أعطيك الدنيا ومثلها معها فيقول‬
‫أتس تهزىء يب وأنت رب الع املني فيق ول ما اس تهزىء بك ولكنىن على ما أش اء ق ادر ق ال‬
‫فكان بن مسعود إذا ذكر قوله أتستهزىء يب ضحك مث قال أال تسألوىن مما اضحك فقيل‬
‫مما تضحك فقال كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إذا ذكر ذلك ضحك‪.‬‬
‫ورواه اإلمام أمحد يف املسند عن عبد اهلل بن مسعود‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬ويف صحيح ابن حبان عن أيب هريرة قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ي ؤتى ب املوت ي وم القيامة فيوقف على الص راط املس تقيم فيق ال يا أهل اجلنة فينطلق ون‬
‫خائفني وجلني ان خيرجوا من مكاهنم الذي هم فيه مث يقال يا أهل النار فينطلقون فرحني‬
‫مستبشرين ان خيرجوا من مكاهنم الذي هم فيه فيقال هل تعرفون هذا فيقولون نعم ربنا‬
‫هذا املوت فيأمر به فيذبح على الصراط مث يقال للفريقني كالمها خلود وال موت فيه ابدا‪.‬‬
‫وه ذا احلديث رواه احلاكم يف املس تدرك‪ ،‬وابن ماجه يف س ننه‪ .‬ورواه اإلم ام أمحد يف‬
‫مسنده‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬روى احلاكم يف املستدرك عليه وسلم شعار املسلمني على الصراط يوم القيامة‬
‫اللهم سلم سلم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ومل خيرجاه‪.‬‬
‫تاس عا‪ :‬ويف املس تدرك على الص حيحني للح اكم عن أيب األح وص عن عبد اهلل رضي‬
‫اهلل تعاىل عنه وإن منكم إال واردها قال الصراط على جهنم مثل حد السيف فتمر الطائفة‬
‫األوىل ك الربق والثانية ك الريح والثالثة ك أجود اخليل والرابعة ك أجود اإلبل والبه ائم مث‬
‫ميرون واملالئكة تق ول رب س لم س لم ه ذا ح ديث ص حيح على ش رط الش يخني ومل‬
‫خيرجاه‪.‬‬
‫عاشرا‪ :‬روى احلاكم يف املستدرك عن سامل بن أيب اجلعد عن عبد اهلل رضي اهلل تعاىل‬
‫عنه والفجر ق ال قسم إن ربك لباملرص اد م رور الص راط ثالثة جس ور جسر عليه األمانة‬
‫وجسر عليه الرحم وجسر عليه الرب عز وجل هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه‪.‬‬
‫احلادي عش ر‪ :‬يف احلاكم أيضا عن أيب س عيد اخلدري رضي اهلل تع اىل عنه عن النيب‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪   ‬ليحبس أهل اجلنة بع دما جياوزون الص راط على قنط رة فيؤخذ‬
‫لبعضهم من بعض مظاملهم اليت تظاملوها يف الدنيا حىت إذا هذبوا ونقوا أذن يف دخول اجلنة‬
‫فألحدهم أعرف مبنزله يف اآلخرة منه مبنزله كان يف الدنيا قال قتادة قال أبو عبيدة بن عبد‬
‫اهلل بن مسعود ما يشبه إال أهل مجعة انصرفوا من مجعتهم هذا حديث صحيح اإلسناد ومل‬
‫خيرجاه‪.‬‬
‫الث اين عش ر‪ :‬عن احلسن عن عائشة رضي اهلل تع اىل عنها ق الت ذك رت الن ار فبكيت‬
‫فق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ما لك يا عائشة ق الت ذك رت الن ار فبكيت فهل‬
‫تذكرون أهليكم يوم القيامة فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أما يف ثالث مواطن فال‬
‫ي ذكر أحد أح دا حىت يعلم أخيف ميزانه أم يثقل وعند الكتب حىت يق ال ه اؤم أق رءوا‬
‫كتابيه حىت يعلم أين يقع كتابه أيف ميينه أم يف مشاله أو من وراء ظه ره وعند الص راط إذا‬
‫وضع بني ظه ري جهنم حافت اه كالليب كث رية وحسك كثري حيبس اهلل هبا من ش اء من‬
‫خلقه حىت يعلم أينجو أم ال هذا حديث صحيح إسناده على شرط الشيخني لوال إرسال‬
‫فيه بني احلسن وعائشة على أنه قد ص حت الرواي ات أن احلسن ك ان ي دخل وهو صيب‬
‫منزل عائشة‪   ‬رضي اهلل تعاىل عنها وأم سلمة‪.‬‬
‫الثالث عشر‪ :‬رواه احلاكم يف املستدرك عن أيب عثمان عن سلمان عن النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم قال يوضع امليزان يوم القيامة فلو وزن فيه السماوات واألرض لوسعت فتقول‬
‫املالئكة يا رب ملن ي زن ه ذا فيق ول‪   ‬اهلل تع اىل‪   ‬ملن ش ئت من خلقي فتق ول املالئكة‬
‫س بحانك ما عب دناك حق عبادتك ويوضع الص راط مثل حد املوسى فتق ول املالئكة من‬
‫جتيز على ه ذا فيق ول من ش ئت من خلقي فيق ول س بحانك ما عب دناك حق عبادتك ه ذا‬
‫حديث صحيح على شرط مسلم ومل خيرجاه‪.‬‬
‫الرابع عشر‪ :‬رواه اإلمام الرتمذي يف اجلامع الصحيح عن النضر بن أنس بن مالك عن‬
‫أبيه قال سألت النيب صلى اهلل عليه وسلم أن يشفع يل يوم القيامة فقال أنا فاعل قال قلت‬
‫يا رس ول اهلل فأين أطلبك ق ال اطلبىن أول ما تطلبين على الصراط قال قلت فإن مل ألقاك‬
‫على الص راط ق ال ف اطلبىن عند امليزان قلت ف إن مل ألقك عند امليزان ق ال ف اطلبين عند‬
‫احلوض ف إين ال أخطىء ه ذه الثالث املواطن ق ال أبو عيسى ه ذا ح ديث حسن غ ريب ال‬
‫نعرفه اال من هذا الوجه‪.‬ورواه اإلمام أمحد يف مسنده‪.‬‬
‫اخلامس عشر‪ :‬ما رواه اإلمام أمحد عن أنس قال حدثين نيب اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫إين لق ائم أنتظر أميت تعرب عن الص راط إذ ج اءين عيسى فق ال ه ذه األنبي اء قد جاءتك يا‬
‫حممد يش تكون أو ق ال جيتمع ون إليك وي دعون‪   ‬اهلل عز وج ل‪   ‬أن يف رق مجع األمم إىل‬
‫حيث يش اء اهلل لغم ما هم فيه واخللق ملجم ون يف الع رق وأما املؤمن فهو عليه كالزكمة‬
‫وأما الكافر فيتغشاه املوت قال قال عيسى انتظر حىت أرجع إليك قال فذهب نيب اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم حىت قام حتت العرش فلقى ما مل يلق ملك مصطفى وال نيب مرسل فأوحي‬
‫اهلل عز وجل إىل جربيل اذهب إىل حممد فقل له ارفع رأسك سل تعط واش فع تش فع ق ال‬
‫فشفعت يف أميت أن اخرج من كل تسعة وتسعني إنسانا واحدا قال فما زلت أتردد على‬
‫ريب عز وجل فال أق وم مقاما اال ش فعت حىت أعط اين اهلل عز وجل من ذلك ان ق ال يا‬
‫حممد أدخل من أمتك من خلق اهلل عز وجل من ش هد انه ال إله إال اهلل يوما واح دا خملصا‬
‫ومات على ذلك‪.‬‬
‫الس ادس عش ر‪ :‬ويف مش ند اإلم ام أمحد عن عقبة بن ص هبان ق ال مسعت أبا بك رة عن‬
‫النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪   ‬حيمل الن اس على الص راط ي وم القيامة فتق ادع هبم جنبة‬
‫الصراط تقادع الفراش يف النار قال فينجى اهلل تبارك وتعاىل برمحته من يشاء قال مث يؤذن‬
‫للمالئكة والنبيني والشهداء أن يشفعوا فيشفعون وخيرجون ويشفعون وخيرجون ويشفعون‬
‫وخيرجون وزاد عفان مرة فقال أيضا ويشفعون وخيرجون من كان يف قلبه ما يزن ذرة من‬
‫إميان‪.‬‬
‫الثامن عشر‪ :‬روى اإلمام مسلم عن‪  ‬أبو أمساء الرحيب أن ثوبان موىل رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم حدثه قال‪   ‬كنت قائما عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فجاء حرب من‬
‫أحب ار اليه ود فق ال الس الم عليك يا حممد فدفعته دفعة ك اد يص رع منها فق ال مل ت دفعين‬
‫فقلت أال تق ول يا رس ول اهلل فق ال اليه ودي إمنا ن دعوه بامسه ال ذي مساه به أهله فق ال‬
‫رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم إن امسى حممد ال ذي مساين به أهلي فق ال اليه ودي جئت‬
‫أسألك فقال له رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أينفعك شيء إن حدثتك قال أمسع بأذين‬
‫فنكت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم بع ود معه فق ال سل فق ال اليه ودي أين يك ون‬
‫الناس{يوم تبدل األرض غري األرض والسماوات} فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫هم يف الظلمة دون اجلسر ق ال فمن أول الن اس إج ازة ق ال فق راء امله اجرين ق ال اليه ودي‬
‫فما حتفتهم حني يدخلون اجلنة قال زيادة كبد النون قال فما غذاؤهم على أثرها قال ينحر‬
‫هلم ثور اجلنة الذي كان يأكل من أطرافها قال فما شراهبم عليه قال من عني فيها تسمى‬
‫سلسبيال قال صدقت قال وجئت أسألك عن شيء ال يعلمه أحد من أهل األرض إال نيب‬
‫أو رجل أو رجالن ق ال ينفعك إن ح دثتك ق ال أمسع ب أذين ق ال جئت أس ألك عن الولد‬
‫قال ماء الرجل أبيض وماء املرأة أصفر فإذا اجتمعا فعال مين الرجل مين املرأة أذكرا بإذن‬
‫اهلل وإذا عال مين املرأة مين الرجل آنثا ب إذن اهلل ق ال اليه ودي لقد ص دقت وإنك لنيب مث‬
‫انصرف فذهب فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لقد سألين هذا عن الذي سألين عنه‬
‫ومايل علم بشيء منه حىت أتاين اهلل به‪.‬‬
‫وه ذا احلديث يف ص حيح ابن خزمية أيض ا‪ ،‬وابن حب ان‪،‬والس نن الك ربى للنس ائي‪،‬ويف‬
‫سنن البيهقي الكربى وع زيادات‪ ،‬ويف املعجم الكبري للطرباين‪،‬وكذلك املعجم األوسط‪،‬‬
‫وق ال ابن حجر يف فتح الب اري(‪ ":)11/377‬وأما ما أخرجه مس لم عن عائشة أهنا‬
‫س ألت الن يب‪   ‬ص لى اهلل عليه وس لم‪   ‬عن ه ذه اآلية ي وم تب دل األرض غري األرض أين‬
‫يك ون الن اس حينئذ ق ال على الص راط ويف رواية الرتم ذي على جسر جهنم وألمحد من‬
‫طريق بن عباس عن عائشة على منت جهنم واخرج مسلم أيضا من حديث ثوبان مرفوعا‬
‫يكون ون يف الظلمة دون اجلسر فقد مجع بينها ال بيهقي ب أن املراد باجلسر الص راط كما‬
‫س يأيت بيانه يف ترمجة مس تقلة وأن يف قوله على الص راط جمازا لك وهنم جياوزونه ألن يف‬
‫حديث ثوبان زيادة يتعني املصري إليها لثبوهتا"اهـ‬
‫التاسع عش ر‪ :‬روى ابن حب ان يف ص حيحه عن أيب س عيد اخلدري عن النيب ص لى اهلل‬
‫عليه وس لم ق ال ليمر الن اس على جسر جهنم وعليه حسك وكالليب وخط اطيف ختطف‬
‫الن اس ميينا ومشاال وجبنبتيه مالئكة يقول ون اللهم س لم س لم فمن الن اس من مير مثل ال ريح‬
‫ومنهم من مير مثل الفرس اجملرى ومنهم من يسعى سعيا ومنهم من ميشى مشيا ومنهم من‬
‫حيبو حبوا ومنهم من يزحف زحفا…اخل‪.‬‬
‫ورواه اإلمام أمحد‪ ،‬وأبو يعلى يف مسنده‪.‬‬
‫ويف املستدرك للحاكم عن جماهد قال قال يل بن عباس‪   ‬أتدري ما سعة جهنم قلت‬
‫ال ق ال أجل واهلل ما ت دري أن بني ش حمة أذن أح دهم وبني عاتقه مس رية س بعني خريفا‬
‫أودية القيح والدم قلت له أهنار قال ال بل أودية مث قال أتدري ما سعة جهنم قلت ال قال‬
‫أجل واهلل ما ت دري ح دثتين عائشة رضي اهلل تع اىل عنها أهنا س ألت رس ول اهلل ص لى اهلل‬
‫عليه وس لم عن ق ول اهلل عز وجل { واألرض مجيعا قبض ته ي وم القيامة والس ماوات‬
‫مطويات بيمينه } قلت فأين الناس يومئذ يا رسول اهلل قال على جسر جهنم هذا حديث‬
‫صحيح اإلسناد ومل خيرجاه هبذه السياقة‪.‬‬
‫وهو يف السنن الكربى للنسائي‪،‬والرتمذي‪ .‬وأمحد‪.‬‬
‫ويف سنن أيب داود عن سهل بن معاذ بن أنس اجلهين عن أبيه عن النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم قال من محى مؤمنا من منافق أراه قال بعث اهلل ملكا حيمي حلمه يوم القيامة من نار‬
‫جهنم ومن رمى مس لما بش يء يريد ش ينه به حبسه اهلل على جسر جهنم حىت خيرج مما‬
‫قال‪.‬‬
‫ورواه اإلمام أمحد يف مسنده‪،‬ويف املعجم الكبري للطرباين‬
‫ويف املعجم الكبري عن أيب وائل ش قيق بن س لمة ان عمر بن اخلط اب رضي اهلل تع اىل‬
‫عنه استعمل بشر بن عاصم على صدقات هوازن فتخلف بشر فلقيه عمر فقال ما خلفك‬
‫أما لنا عليك مسع وطاعة قال بلى ولكن مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول من‬
‫ويل شيئا من أمر املسلمني أتى به يوم القيامة حىت يوقف على جسر جهنم فإن كان حمسنا‬
‫جتاوز وإن كان مسيئا اخنرق به اجلسر فهوى فيه سبعني خريفا قال فخرج عمر رضي اهلل‬
‫تع اىل عنه كئيبا حزينا فلقيه أبو ذر فق ال م ايل أراك كئيبا حزينا ق ال ما مينعين أن أك ون‬
‫كئيبا حزينا وقد مسعت بشر بن عاصم يقول مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‬
‫من ويل ش يئا من أمر املس لمني أتى به ي وم القيامة حىت يوقف على جسر جهنم ف إن ك ان‬
‫حمس نا جتاوز وإن ك ان مس يئا اخنرق به اجلسر فه وى فيه س بعني خريفا ق ال أبو ذر وما‬
‫مسعته من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ال قال أشهد أين مسعت رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم يقول من ويل أحدا من الناس أتى به يوم القيامة حىت يوقف على جسر جهنم‬
‫ف إن ك ان حمس نا جتاوز وإن ك ان مس يئا اخنرق به اجلسر فه وى فيه س بعني خريفا وهي‬
‫س وداء مظلمة ف أي احلديثني أوجع لقلبك ق ال كالمها قد أوجع قليب فمن يأخ ذها مبا فيها‬
‫وق ال أبو ذر من س لت اهلل أنفه وألصق خ ده ب األرض أما إنا ال نعلم إال خ ريا وعسى إن‬
‫وليتها من ال يعدل فيها أن ال تنجو من إمثها‪.‬‬
‫ورواه أيضا عن قيس بن عاصم عن أبيه‪ .‬وهو يف اآلحاد واملثاين للضحاك‪.‬‬
‫العش رون‪ :‬ق ال الكت اين يف نظم املتن اثر من احلديث املت واتر ص‪ ":243‬أح اديث‬
‫الصراط وامليزان وإنطاق اجلوارح وتطاير الصحف وأهوال املوقف‪ ،‬وأحوال اجلنة والنار‪،‬‬
‫نقل ال ربزيل عن ش رح اإلرش اد أهنا مت واترة‪ ،‬ونقله عنه أبو علي بن رح ال يف ش رحه‬
‫ملختصر خليل‪ ،‬ويف الشهاب على الشفا يف الكالم على حديث الشفاعة الكربى على قوله‬
‫في ه‪ ،‬وت أيت األمانة وال رحم‪ ،‬فتقوم ان على جنيب الص راط ما نص ه‪ :‬ويف ه ذا وحنوه مما بلغ‬
‫حد الت واتر املعن وي رد على املعتزلة املنك رين للص راط‪ ،‬كما بني يف الكتب الكالمية ‪.‬اهـ‬
‫وانظر ال در املنث ور ل دى قوله (وال وزن يومئذ احلق) فقد ذكر فيه هن اك كث ريا من أح اديث‬
‫امليزان‪".‬اهـ‬
‫فه ذا نقل للت واتر املعن وي ألح اديث الص راط‪ .‬وحق هلا أن تك ون ك ذلك‪ ،‬واملنصف‬
‫يقر ب ذلك خاصة بع دما قررنا له ما مضى من األح اديث والرواي ات ال واردة يف الص راط‪،‬‬
‫وأقوال فرق اإلسالم املعتربة‪ .‬واهلل املوفق‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬واألحاديث يف الصراط أكثر من ذلك‪ ،‬فكان األصل أن تبقى على ظاهرها‪،‬‬
‫ملا كان ممكنا غري مستحيل عقال‪ .‬وإن كان بعض األحاديث ضعيفا‪ ،‬فإهنا إذا كانت بتلك‬
‫الكثرة فإن املعىن املشرتك بينها‪ ،‬وهو وجود جلسر يسمى الصراط‪ ،‬وذلك بغض النظر عن‬
‫حقيقة شكله وصورته‪ ،‬يتقوى بال ريب‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫وحنن ما كنا لنطيل يف هذه املسألة الفرعية يف االعتقاد‪ ،‬لوال أن جترأ البعض على نفي‬
‫ذلك معتم دا على أدلة وش به واهية ال تص لح لالعتم اد عليها يف ه ذا اجملال‪ ،‬فق دمنا ما‬
‫مضى‪ ،‬توضيحا ألصل املسألة‪ ،‬ومتهيدا لبيان ضعف كالمه‪.‬‬
‫الشروع يف نقد كالم السقاف‪:‬‬
‫لقد تكلم الش يخ الس قاف على مس ألة الص راط يف ش رح العقي دة الطحاوي ة‪ ،‬وحنن‬
‫سنبني خالصة ما ذكره هنا ونشري إىل مواضع الضعف يف كالمه‪.‬‬
‫أوال‪ :‬قال السقاف يف ص‪":539‬قضية الصراط مبعىن أنه جسر ممدود على منت جهنم‬
‫أدق من الش عرة وأحد من الس يف مير عليه الن اس واح دا واح دا فمنهم من يق ع‪  ‬عنه‬
‫فيسقط يف النار‪ ،‬ومنهم من ينجو وعليه كالليب مثل شوك السعدان ختطف الناس فيقعون‬
‫يف النار‪ ،‬قضية مرجوحة"اهـ‬
‫اجلواب‪ :‬أطلق السقاف على هذه القضايا مبجموعها‪ ،‬أهنا مرجوحة‪ ،‬أي ضعيفة‪ ،‬أي‬
‫أن غريها نفيها أق وى منه ا‪ ،‬ف إن قصد بالرجح ان الرجح ان عن ده‪ ،‬ف ذلك ال يس تلزم‬
‫الرجحان يف نفس األمر‪ ،‬وإن قصد الرجحان عند أئمة اإلسالم من خمتلف الفرق‪ ،‬فقد بينا‬
‫أن ه ذا غلط بل إن مجاهري املس لمني يثبت ون الص راط‪ ،‬وإن قصد بالرجح ان أن األح اديث‬
‫ال واردة فيها ض عيفة‪ ،‬فقد بينا أن كث ريا منه صحيح‪ ،‬نعم منها ض عيف‪ ،‬ولكن هك ذا شأن‬
‫غ الب املنق والت‪ ،‬منها ض عيق ومنها ص حيح‪ ،‬ولو أجزنا ألنفس نا أن ن رد الص حيح ألجل‬
‫الض عيف‪ ،‬مل يثبت ش يء من األح اديث‪ .‬وإن قصد أن بعض ه ذه القض ايا ض عيف‪ ،‬فقد‬
‫يس لم ل ه‪ ،‬ولكن كالمه ال يفيد جمرد ذل ك‪ ،‬بل يفيد الق ول بض عف مجيع ه ذه القض ايا‪،‬‬
‫وهذا باطل‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬قوله يف ص‪"539‬كون الصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف‪ ،‬مل يأت يف‬
‫القرآن الكرمي أن الصراط أدق من الشعرة…"اخل‪.‬‬
‫اجلواب‪:‬الصحيح أن هذه الفكرة‪ ،‬قد اختلف حوهلا العلماء‪ ،‬وصرح الكثري منهم أهنا‬
‫رمبا ال تثبت‪ ،‬وبعضهم صرح بنفيها‪ ،‬وبعضهم قال ال مانع منها‪ .‬فاخلالف حاصل حوهلا‪.‬‬
‫وهذا أمر ثابت قبل وجود السقاف وبعد وجوده‪ .‬أما قوله أهنا مل ترد يف القرآن‪ ،‬فقد بناه‬
‫على وج وب ذكر كل عقي دة نصا ب القرآن‪ ،‬وه ذا ال يس لم ل ه‪ ،‬كما سنشري إليه الحق ا‪،‬‬
‫وقد خالف هو هذا األصل الذي قرره كما سنبينه أيضا‪.‬‬
‫ولكن ال ذي ميكن أن يق ال هن ا‪ ،‬أنه حىت لو ف رض أن ه ذا األمر من ازع فيه ا‪ ،‬فهل‬
‫جيوز لنا أن ننفي فك رة الص راط من األص ل‪ ،‬إنه من ال بني بنفسه أن ه ذه الطريقة من‬
‫التفكري باطلة‪ ،‬فاالختالف يف وصف الشيء‪ ،‬ال يستلزم انتفاء أصله‪ .‬ولو سلك الناس هذا‬
‫املسلك‪ ،‬الستلزم نفي كثري من األصول الدينية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬قوله يف ص‪" 230‬إن الصراط يف لغة العرب هو الطريق الواسع السهل…اخل"‪.‬‬
‫أق ول‪ :‬إن العلم اء كما بينا قد اختلف وا يف أن الص راط هل هو واسع أو ض يق‪ ،‬أو إنه‬
‫يتسع ويضيق حبسب أعمال اإلنسان الصاحلة‪ ،‬وجمرد كون معىن الصراط لغة كما ذكر‪ ،‬ال‬
‫يستلزم نفي أصل الصراط شرعا‪.‬‬
‫رابعا‪:‬قوله يف ص‪":544‬أن الصراط مبعىن أنه جسر منصوب على منت جهنم أو فوقها‬
‫أو بني حافتيها مل يرد يف القرآن الكرمي‪ ،‬الذي هو األصل يف معرفة العقائد"اهـ‬
‫أق ول‪ :‬قد بينا أن الص راط ليس من أص ول العقائ د‪ ،‬بل هو أمر ج زئي‪ ،‬وكونه مل ي رد‬
‫ص راحة يف الق رآن‪ ،‬قد يس لم ملن ين ازع يف داللة اآلي ات اليت ذكرناها في ه‪ ،‬ولكن الق ول‬
‫بع دم وروده على اإلطالق‪ ،‬أي إطالق الق ول بع دم وروده أمر آخ ر‪ ،‬ف إن ه ذا مع ارض‬
‫بداللة الق رآن عليه ولو باإلش ارة‪ ،‬خصوصا إذا ورد من األح اديث ما يفسر تلك اآلي ات‬
‫بالص راط وبأنه جسر على جهنم‪ ،‬كما أوردنا س ابقا‪ ،‬فاآلية احملتملة إذا ورد ح ديث‬
‫صحيح يف تفسريها تصبح دليال على ذلك وال ريب‪ .‬فإطالق قوله بعد ورود ذلك باطل‪.‬‬
‫مث إن الس قاف نفسه مل يس تطع أن يثبت احلوض بآية ص رحية من الق رآن بل اعتمد‬
‫على األحاديث الواردة فيه‪ ،‬وادعاؤه أن الكوثر هو عني احلوض باطل‪ ،‬كما أشرنا إليه يف‬
‫حمل ه‪ ،‬بل الك وثر هو هنر يف اجلنة يصب يف احلوض‪ ،‬فثب وت احلوض باحلديث‪ ،‬وثب وت‬
‫الكوثر بالقرآن‪ ،‬فلم يعارض هنا إثبات الصراط باحلديث مع إشارة القرآن عليه باآليات‬
‫السابقة؟؟‬
‫ف إن ادعى أن األح اديث ال واردة يف احلوض مت واترة‪ ،‬فقد نقلنا س ابقا أن األح اديث‬
‫ال واردة يف الص راط مت واترة ب املعىن‪ ،‬والت واتر املعن وي حجة كما ال خيفى‪ ،‬كت واتر ع ذاب‬
‫القرب ب املعىن‪ ،‬وهل ورد ذكر ع ذاب القرب يف الق رآن ص راحة أم إن ما ورد فيه هو دالالت‬
‫وإش ارات إلي ه‪ ،‬وإن ك انت أق وى من دالالهتا على الص راط‪ ،‬فاحلاصل أنه ال يوجد نص‬
‫علي ه‪ ،‬كما يري ده الس قاف‪ .‬بل ع ذاب القرب وارد باحلديث أص الة‪ ،‬وهو يثبت مع اين‬
‫القرآن‪.‬‬
‫وحماولة السقاف إرجاع فكرة الصراط إىل أصل يهودي حماولة فاشلة‪ ،‬لورودها عن‬
‫النيب عليه السالم بأحاديث صحيحة‪ ،‬وبطرق خمتلفة‪ ،‬كما مضى بيانه‪ .‬وكون هذه الفكرة‬
‫قد وردت عند اليهود ال يستلزم أهنا باطلة‪ ،‬فافهم‪.‬‬
‫خامس ا‪ :‬قوله يف ص ‪":551‬إن األح اديث اليت وردت يف الص راط هي أح اديث‬
‫آحاد‪ ،‬ال تفيد إال الظن‪ ،‬وهي معارضة بقطعي الدالالت كما سرتى إن شاء اهلل تعاىل"اهـ‬
‫أق ول‪ :‬لو تنزلنا عن الق ول ب أن األح اديث ال واردة فيه مت واترة ب املعىن‪ ،‬وس لمنا أهنا‬
‫آح اد‪ ،‬فإننا ال نس لم أهنا غريبة أو قليلة أو ليست مش هورة‪ ،‬ومعل وم أن األح اديث إن‬
‫ك انت آح ادا مش هورة‪ ،‬فإهنا تفيد العلم النظ ري كما نص عليه أهل الس نة‪ .‬ومعل وم أيضا‬
‫أهنا ليس كل ح ديث آح اد فإنه ال يفيد إال الظن‪ ،‬بل بعض أح اديث اآلح اد تفيد القطع‬
‫بالقرائن الواردة‪ .‬وال ريب أن األحاديث الواردة يف الصراط أكثر من أن تطبق عليها هذه‬
‫القاعدة(أي إهنا آحاد وبالتايل فال تفيد إال الظن) مبثل هذا األسلوب الظاهري اجللف‪.‬‬
‫وأما قوله إهنا معارضة بقطعي الدالالت‪ ،‬فهو غري صحيح كما سرتى الحقا‪.‬‬
‫وأما ادع اؤه بعد ذلك يف ص‪ "551‬وعم دة اس تدالهلم على اجلسر ذي الكالليب هو‬
‫ح ديث أيب هري رة وأيب س عيد‪..‬اخل"اهـ ‪ ،‬كالم باطل ال قيمة ل ه‪ ،‬وذلك بع دما رأينا‬
‫األحاديث الكثرية اليت زردت يف الصراط‪ .‬أقول‪ :‬وحىت لو كان عمدة استدالهلم على هذا‬
‫رد احلديث ب املرة‪،‬‬ ‫احلديث‪ ،‬وفيه بعض األم ور املردودة‪ ،‬كما ق ال‪ ،‬ف إن ه ذا ال يس تلزم َّ‬
‫كما أشرنا إليه يف كالمنا على اإلسراء واملعراج‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬قوله يف ص‪":555‬تنص فكرة اجلسر الذي فوق جهنم على أن الناس ميرون‬
‫عليه ويكونون قريبني من النار بل ميرون ما بني حافتيها فيجوزون عليها من فوقها‪ ،‬وهذه‬
‫الفكرة تعارض ما هو مقرر يف القرآن الكرمي من أن املؤمنني ال يقربون من نار جهنم وال‬
‫يسمعون صوهتا"اهـ‬
‫أق ول‪ :‬ه ذا الكالم ض عيف‪ ،‬ف إن ك ون املؤم نني ميرون ن ف وق جهنم على اجلس ر‪،‬‬
‫بس رعات ختلفة حىت إن منهم ك الربق‪ ،‬وتتف اوت م راتب س رعاهتم‪ ،‬يفيد أهنم ليس كلهم‬
‫يت أذون من الن ار عند م رورهم‪ ،‬فإنه ال خيفى على عاق ل‪ ،‬أنه كلما ازدادت س رعة الواحد‬
‫فإنه رمبا ال حيس ب أي أثر من آث ار الن ار علي ه‪ .‬وال يعترب ه ذا تع ذيبا ل ه‪ ،‬بل إنعاما من اهلل‬
‫مر عليها هبذه السرعة‪.‬‬
‫تعاىل أن َّ‬
‫وأما إن أراد أنه يفهم من القرآن أن سائر املؤمنني ال يقرتبون من النار وال يسمعون‬
‫حسيس ها‪ ،‬ف إن ه ذا باطل خمالف ملا ورد أن من املؤم نني من يع ذب بالن ار‪ ،‬وأن ع ذاهبم‬
‫متفاوت‪ ،‬قد يطول وقد يقصر‪.‬‬
‫واحلاصل أن قوله تع اىل (إن ال ذين س بقت هلم منا احلسىن أولئك عنها مبع دون‪ ،‬ال‬
‫يسمعون حسيسها) خمصوص ببعض املؤمنني‪ ،‬وال يسلم أن املراد منه عدم مساع حسيسها‬
‫ب املرة‪ ،‬ملا ورد يف بعض األح اديث أن املؤم نني ي رون الن ار‪ ،‬ويعرف ون ما فيها من الع ذاب‪،‬‬
‫ولو ك ان جمرد مساع حسيس ها ع ذابا حىت يك ون معارضا لآلي ة‪ ،‬ملا مسع األنبي اء حسيس ها‬
‫باملرة‪ ،‬ملا أهنم ال يعذبون‪ ،‬ولكن الذي يدرك معاين الكالم وطريقة القرآن يف التعبري‪ ،‬يفهم‬
‫أن املراد أهنم ال يسمعون حسيسها مساع تعذيب‪.‬‬
‫س ابعا‪:‬قوله يف ص ‪":555‬فك رة الص راط مبعىن اجلسر املم دود على منت جهنم بني‬
‫حافتيها فيها من اهللع واخلوف والفزع ما ال يستطيع أحد أن ينفيه حىت عن األنبياء الذين‬
‫يقولون كما جاء يف ذلك احلديث‪:‬اللهم سلم سلم"اهـ‬
‫أقول‪:‬أما أن فكرة الصراط فيها هلع وخوف‪ ،‬فمسلم‪ ،‬ولكن الثابت أيضا أن اخلوف‬
‫منه يتف اوت بق در األعم ال‪ ،‬وأن املرور عليه إمنا يك ون حبسب األعم ال اليت يق دمها‬
‫اإلنس ان يف احلي اة ال دنيا‪ ،‬ال حبسب امله ارة يف ال ركض كما يت وهم الس قاف‪ ،‬ومن يوجه‬
‫هذا االعرتاض‪ ،‬فإن هذا االعرتاض إمنا يدل على سذاجة قائله‪ ،‬وعدم معرفته بأحوال أمور‬
‫اآلخرة‪.‬وأهنا ال تقاس بأمور الدنيا‪.‬‬
‫وأما أن األنبي اء يقول ون س لم س لم‪ ،‬فمس لم‪ ،‬ولكن ما أدراك أهنم يقول ون ذلك‬
‫ألنفسهم أي ألهنم خيافون على أنفسهم السقوط يف النار؟! هذا ال خيطر على بال عاقل‪،‬‬
‫بل يقولون ذلك خوفا على أمتهم‪ ،‬فإهنم يطلبون السالمة ألمتهم‪ ،‬وأتباعهم‪.‬‬
‫مث إن وق وع احلوف يف حالة ووقت وعني ال خيالف ع دم وقوعه يف أك ثر وغ الب‬
‫األوقات‪ .‬فافهم‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬وأما قوله بأن فكرة الصراط تفيد التساوي يف اخلوف بني املؤمنني والكافرين‬
‫كما نصل عليه يف ص‪ ،556‬فهذا قريب من التحريف لألحاديث الواردة يف ذلك‪ ،‬وهي‬
‫تفيد التفريق بني م رور الن اس علي ه‪ ،‬فمج رد تف اوهتم يف ذلك يفيد تف اوهتم يف اخلوف‪،‬‬
‫وجمرد علم املؤمن بأنه م ؤمن خاصة أن ذلك يك ون بعد احلس اب وع رض األعم ال‪ ،‬يفيد‬
‫عدم تساويهم مع الكافرين يف اخلوف‪ .‬وبعد فإن خوف كل واحد من الصراط إمنا يكون‬
‫بق در أعماله الباطلة واملخالفة ألوامر اهلل تع اىل يف احلي اة ال دنيا‪ ،‬كما هو املق رر يف أح وال‬
‫اآلخرة‪ ،‬وحياة الربزخ‪.‬‬
‫ثامنا‪:‬قوله ص‪":556‬تنص فكرة الصراط على أن الناس ميرون على الصراط ال ذي هو‬
‫جسر جهنم واح دا واح دا وليس وا مجاع ات‪ ،‬وه ذا أيضا خمالف ملا ج اء يف الق رآن الك رمي‬
‫ب بالن اس من أرض احلس اب واحملشر إىل اجلنة والن ار أفواجا أفواجا وزم را‬ ‫من أنه يُ ْذ َه ُ‬
‫زم را‪ ،‬ق ال اهلل تع اىل(ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم مبا يفعل ون‪ ،‬وس يق ال ذين‬
‫كفروا إىل جهنم زمرا"اهـ‬
‫أق ول‪ :‬ليست كل األح اديث تفيد ذل ك‪ ،‬بل يف بعض ها ما يفيد أهنم ميرون على‬
‫الصراط مجاعات‪ .‬مث إن ما أفاد منها ذلك‪ ،‬ال يعارض اآليات اليت أشار إليها‪ ،‬فإن املعىن‬
‫رمبا يكون أهنم بعد أن يسقطوا عن الصراط يساقون بالصورة اليت ذكرت‪.‬‬
‫مث إن اآليات ال تدل على أهنم يساقون مباشرة إىل جهنم من أرض احملشر واحلساب‪،‬‬
‫بل إمنا تفيد أهنم يساقون إليها بعد ذلك‪ ،‬ومطلق البعدية يقبل توسط الصراط خاصة أنه ال‬
‫يق ال عنه أنه موقف وأرض بل هو حالة انتقالية عارضة ال دائم ة‪ ،‬فالس وق من أرض‬
‫احلس اب واحملشر إىل جهنم إذا ك ان عن طريق الص راط فال تع ارض بل هو مط رد مع‬
‫اآليات‪.‬‬
‫تاس عا‪ :‬قوله يف ص‪":556‬تنص فك رة الص راط ال ذي هو جسر على منت جهنم أن‬
‫كيفية دخ ول الن ار تتم بالس قوط من ه ذا اجلسر املنص وب على حافتيها واهلوي يف الن ار‪،‬‬
‫وهذا خمالف ملا هو مقرر يف القرآن الكرمي من أن دخول النار يتم مبجيء الكفار والعصاة‬
‫إىل أبواهبا مثل جميء املؤم نني إىل أب واب اجلنة وال دخول فيها بعدئ ذ‪ ،‬ق ال اهلل تع اىل(وس يق‬
‫الذين كفروا إىل جهنم زمرا حىت إذا جاؤوها فتحت أبواهبا"اهـ‬
‫أق ول‪ :‬ه ذا غري مع ارض لألح اديث‪ ،‬واملعارضة لو حتققت غري قطعي ة‪ .‬إذ رمبا يك ون‬
‫السوق إىل جهنم الوارد يف اآليان بعد سقوطهم عن الصراط‪.‬‬
‫وأيضا فإنه ال يوجد دليل على أن جميء الكف ار والعص اة إىل أب واب جهنم هو مثل‬
‫جميء املؤم نني إىل أب واب اجلن ة‪ ،‬بل ال وارد هو مطلق اجمليء‪ ،‬وه ذا ال يس تلزم املماثل ة‪ ،‬بل‬
‫األصل هنا هو ع دم التماث ل‪ ،‬الختالف أح وال الف ريقني‪ ،‬كما ال خيفى‪ ،‬ف إن ك ان ك ون‬
‫املؤمنني مكرمني‪ ،‬وهذا يستلزم أن يأتوا اجلنة مشيا مثال أو يف حالة معينة‪ ،‬فإن هذا يستلزم‬
‫أن الكافرين يأتون النار يف حالة ختالف حالة املؤمنني‪ ،‬وكل من هذا يسمى جميئا‪ ،‬كما ال‬
‫خيفى على عاقل‪.‬‬
‫املار عليه ال يعرف‬
‫عاشرا‪:‬قوله يف ص‪"557‬تفيد فكرة الصراط الذي هو جسر بأن َّ‬
‫مصريه…‪.‬إىل قوله… وهذا أيضا مضاد وخمالف ملا تقرر يف القرآن الكرمي ويف األحاديث‬
‫الصحيحة األخرى من أن املؤمن وغريه من ساعة موته يعرف مصريه"‪.‬اهـ‬
‫أق ول‪ :‬كالمه ه ذا م َّر‪  ‬بي ان بعض ما فيه س ابقا‪ ،‬فهو فيه تك رار‪ ،‬ولكن نزيد هنا‬
‫فنقول‪ :‬املؤمن العاصي‪ ،‬وال خيلو مؤمن من معصية ولو من الصغائر لعدم عصمة مجيعهم‪،‬‬
‫هل جيزم أيضا ب أن اهلل تع اىل س وف يغفر له ذل ك؟؟ من اجللي أنه ال يق ول هبذا قائ ل‪ ،‬وال‬
‫أظن أن السقاف يقوا بذلك أيضا‪ ،‬فإذا تقرر هذا‪ ،‬فلم ال يكون اخلوف عند املرور على‬
‫الصراط إمنا هو نتيجة لعدم معرفة حصول املغفرة‪ ،‬بل إن هذا هو ظاهر األحاديث الكثرية‬
‫الواردة يف الصراط‪ ،‬وإذا كان كذلك فما قال السقاف باطل مجلة وتفصال‪.‬‬
‫هذا هو حاصل ما قال السقاف‪ ،‬قد بينا بطالنه وأنه ال يقوى على نفي الص راط من‬
‫األصل‪ ،‬وأن ما فهمه من القرآن وتوهم أن فهمه قطعي‪ ،‬قد بينا أنه ال قوى أما نقد سريع‬
‫من حنو ما قمنا به هنا‪ ،‬فكيف لو كان اجملال كافيا للتفصيل!؟‬
‫هذا وقد أعرضنا عن ذكر كثري من األخطاء واملغالطات اليت وقع فيها السقاف أثناء‬
‫مناقش ته لفك رة الص راط كما يق ول‪ .‬وه ذه املغالط ات أن واع منها جتاهل أح اديث كث رية‬
‫واردة‪ ،‬ومنها قطعه ألق وال بعض العلم اء يف الص راط‪ ،‬ومع اين اآلي ات‪ ،‬ومنها ع دم ذك ره‬
‫حلقيقة أق وال الف رق اإلس المية يف ه ذه املس ألة‪ ،‬ومنها أس لوبه ال ذي ال يليق اتباعه يف مثل‬
‫هذه املباحث‪ ،‬وغري ذلك‪ .‬ورجونا أن يكون يف هذه املناقشة السريعة املختصرة ملا قاله يف‬
‫الصراط‪ ،‬كفاية عن الرد عليه تفصيال يف ما أحملنا إليه‪.‬واهلل املوفق‪.‬‬
‫([‪      )]105‬ورد الق رآن ب امليزان فقد ق ال اهلل تع اىل(فأما من ثقلت موازينه فهو يف‬
‫عيشة راض ية‪ ،‬وأما من خفت موازينه فأمه هاوي ة)‪ .‬وق ال تع اىل يف س ورة األنبي اء(ونضع‬
‫املوازين القسط لي وم القيامة فال تظلم نفس ش يئا وإن ك ان مثق ال حبة من خ ردل أتينا هبا‬
‫وكفى بنا حاسبني[‪.)]47‬‬
‫روى اإلم ام البخ اري عن أيب هري رة عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال كلمت ان‬
‫خفيفتان على اللسان ثقيلتان يف امليزان حبيبتان إىل الرمحن سبحان اهلل العظيم سبحان اهلل‬
‫وحبمده‪.‬‬
‫ويف صحيح مسلم عن أيب مالك األشعري قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫الطه ور ش طر اإلميان واحلمد هلل متأل امليزان وس بحان اهلل واحلمد هلل متآلن أو متأل ما بني‬
‫الس ماوات واألرض والص الة ن ور والص دقة بره ان والصرب ض ياء والق رآن حجة لك أو‬
‫عليك كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها‪.‬‬
‫ويف ص حيح ابن حب ان عن أيب س لمى راعي رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ولقيته‬
‫بالكوفة يف مسجدها قال مسعت رسول اهلل‪   ‬صلى اهلل عليه وسلم‪   ‬يقول بخ بخ وأشار‬
‫بي ده خبمس ما أثقلهن يف امليزان س بحان اهلل واحلمد هلل وال إله إال اهلل واهلل أكرب والولد‬
‫الصاحل يتوىف للمرء املسلم فيحتسبه‪.‬‬
‫ورواه أيضا احلاكم يف املستدرك‪.‬‬
‫ويف مستدرك احلاكم عن سلمان عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال يوضع امليزان يوم‬
‫القيامة فلو وزن فيه الس ماوات واألرض لوس عت فتق ول املالئكة يا رب ملن ي زن ه ذا‬
‫فيق ول اهلل تع الىلمن ش ئت من خلقي فتق ول املالئكة س بحانك ما عب دناك حق عبادتك‬
‫ويوضع الص راط مثل حد املوسى فتق ول املالئكة من جتيز على ه ذا فيق ول من ش ئت من‬
‫خلقي فيقول سبحانك ما عبدناك حق عبادتك هذا حديث صحيح على شرط مسلم ومل‬
‫خيرجاه‪.‬‬
‫ويف صحيح ابن حبان عن عبد اهلل بن عمرو قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫خصلتان ال حيصيهما عبد إال دخل اجلنة ومها يسري ومن يعمل هبما قليل يسبح اهلل أحدكم‬
‫يف دبر كل ص الة عش را وحيم ده عش را ويك ربه عش را فتلك مخس ون ومئة باللس ان وألف‬
‫ومخس مائة يف امليزان وإذا أوى إىل فراشه يس بح ثالثا وثالثني وحيمد ثالثا وثالثني ويكرب‬
‫أربعا وثالثني فتلك مائة باللس ان وألف يف امليزان ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬
‫فأيكم يعمل يف يوم وليلة ألفني ومخس مائة سيئة قال عبد اهلل بن عمرو ورأيت رسول اهلل‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم يعق دهن بي ده ق ال فقيل يا رس ول اهلل وكيف ال حيص يها ق ال ي أيت‬
‫أحدكم الشيطان وهو يف صالته فيقول اذكر كذا اذكر كذا ويأتيه عند منامه فينومه قال‬
‫محاد بن زيد كان أيوب حدثنا عن عطاء بن السائب هبذا احلديث فلما قدم عطاء البصرة‬
‫قال لنا أيوب قد قدم صاحب حديث التسبيح فاذهبوا فامسعوه منه‪.‬‬
‫وفيه أيضا عن أم الدرداء عن أىب الدرداء عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ان اثقل‬
‫ما وضع يف ميزان املؤمن يوم القيامة خلق حسن وان اهلل يبغض الفاحش البذئ‪.‬‬
‫ورواه أبو داود يف سننه‪.‬‬
‫وروى الرتم ذي يف س ننه النضر بن أنس بن مالك عن أبيه ق ال س ألت النيب ص لى اهلل‬
‫عليه وسلم أن يشفع يل يوم القيامة فقال أنا فاعل قال قلت يا رسول اهلل فأين أطلبك قال‬
‫اطلبىن أول ما تطلبين على الصراط قال قلت فإن مل ألقاك على الصراط قال فاطلبىن عند‬
‫امليزان قلت فإن مل ألقك عند امليزان قال فاطلبين عند احلوض فإين ال أخطىء هذه الثالث‬
‫املواطن قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب ال نعرفه اال من هذا الوجه‪.‬‬
‫فاحلاصل أن أصل امليزان ث ابت‪ ،‬وأما ص فته وص ورته فال تثبت بطريق قطعي‪ ،‬فال‬
‫ينبغي اجلزم بصورة معينة له‪.‬‬
‫([‪  )]106‬واألدلة النقلية على كون اهلل تعاىل خالقا لكل شيء كثرية‪ ،‬منها قوله تعاىل يف‬
‫سورة الرعد(قل من رب السماوات واألرض قل اهلل قل أفاختذمت من دونه أولياء ال ميلكون‬
‫ألنفسهم نفعا وال ضرا قل هل يستوي األعمى والبصري أم هل تستوي الظلمات والنور أم‬
‫جعلوا هلل شركاء خلقوا كخلقه فتشابه اخللق عليهم قل اهلل خالق كل شيء وهو الواحد‬
‫القه ار[‪ ،)]16‬وقوله تع اىل يف س ورة الزم ر(اهلل خ الق كل ش يء وهو على كل ش يء‬
‫وكيل[‪ )]62‬ويف سورة فاطر(يا أيها الناس اذكروا نعمة اهلل عليكم هل من خالق غري اهلل‬
‫ي رزقكم من الس ماء واألرض ال إله إال هو ف أىن تؤفك ون[‪،)]3‬ويف س ورة غ افر(ذلكم اهلل‬
‫ربكم خ الق كل ش يء ال إله إال هو ف أىن تؤفك ون[‪)]62‬ويف س ورة النح ل(أفمن خيلق‬
‫كمن ال خيلق أفال تذكرون[‪،)]17‬ويف النحل أيضا(والذين يدعون من دون اهلل ال خيلقون‬
‫ش يئا وهم خيلق ون[‪ ،)]20‬ف أنت ت رى أيها الق ارئ كيف أثبت اهلل تع اىل لنفسه اخللق يف‬
‫آي ات‪ ،‬ونف اه عن غ ريه يف آي ات أخ رى‪ ،‬فثبت من ه ذا حصر اخللق يف اهلل تع اىل‪ .‬وبعد‬
‫ذلك ال جيوز أن يدعي واحد لنفسه القدرة على اخللق مطلقا‪.‬‬
‫وهل حصر اخللق يف اهلل تع اىل يل زم منه أن العب اد كلهم جمب ورون على أفع اهلم؟ قلن ا‪ :‬ه ذا‬
‫سؤال ناتج عن سوء فهم‪ ،‬وضيق فكر‪ ،‬فاخللط بني مفهوم اجلرب واخللق‪ ،‬واشرتاط االختيار‬
‫باخللق‪ ،‬هو السبب يف ذلك‪ .‬وحترير هذا احملل‪ ،‬أن نقول‪ ،‬إن اخللق هو اإلجياد بعد العدم‪،‬‬
‫واملخلوق هو املوجود بعد العدم‪ .‬واالختيار هو حصول إرادة الفعل فيك‪ ،‬وال يشرتط يف‬
‫االختي ار أن ختلق أنت الفع ل‪ ،‬بل لو اوج ده لك غ ريك وأنت اخرتته فق ط‪ ،‬لصح أن يق ال‬
‫إنك ال ذي اخ رتت ه ذا الفع ل‪ ،‬وصح نس بة الفعل إليك على طريق الكس ب‪ ،‬مع أنك مل‬
‫توج ده‪ .‬فكونك خمت ارا ال يش رتط له أن تك ون خالق ا‪ ،‬بل العكس هو الص حيح‪ ،‬أي إذا‬
‫س لمنا أنك خ الق‪ ،‬فيجب أن تك ون خمت ارا‪ ،‬ألن ش رط اخللق هو االختي ار‪ ،‬وال يق ال إن‬
‫شرط االختيار هو اخللق‪.‬فافهم هذا‪.‬‬
‫فاإلنس ان خمت ار وليس خالق ا‪ ،‬فهو خمت ار ألفعاله وليس خالقا هلا‪ .‬وال ي رتتب على ذلك‬
‫كونه جمب ورا‪ ،‬ألن اجلرب هو حص ول الفعل على خالف اإلرادة‪ ،‬وهنا مل حيصل الفعل إال‬
‫على وف اق اإلرادة‪ ،‬فكيف يق ال إن الن اس جمب ورون‪ .‬ولكن غاية ما وقع هو أن اإلنس ان‬
‫ليس هو ال ذي خلق الفع ل‪ ،‬بل اهلل هو ال ذي خلق ه‪ ،‬وأما اإلنس ان فهو ال ذي اكتس به‪.‬‬
‫فالفعل منسوب إىل اإلنسان كسبا‪ ،‬وإىل اهلل تعاىل خلقا‪.‬قاالهلل تعاىل يف سورة القرة(تلك‬
‫أمة قد خلت هلا ما كس بت ولكم ما كس بتم وال تس ألون عما ك انوا يعمل ون[‪،)]134‬‬
‫ويف البق رة أيض ا(يا أيها ال ذين آمن وا أنفق وا من طيب ات ما كس بتم ومما أخرجنا لكم من‬
‫األرض وال تيمم وا اخلبيث منه تنفق ون ولس تم بأخذيه إال أن تغمض وا فيه واعلم وا أن اهلل‬
‫غين محي د[‪ ،)]267‬الحظ كيف نسب اهلل تع اىل الكسب إىل اإلنس ان يف اآلية األوىل‪،‬‬
‫رأيت كيف نسب اخللق إىل ذاته اجلليلة يف اآليات السابقة‪ ،‬وتأمل كيف قال (أنفقوا‬ ‫وقد َ‬
‫من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من األرض) فاهلل تعاىل نسب اإلخراج من األرض‬
‫إىل ذات ه‪ ،‬ونسب لإلنس ان الكس ب‪ .‬ف دل ذلك على أن اإلنس ان ال خيل ق‪.‬وق ال تع اىل يف‬
‫سورة البقرة(ال يؤاخذكم اهلل باللغو يف أميانكم ولكن يؤاخذكم مبا كسبت قلوبكم واهلل‬
‫غفور حليم[‪،)]225‬وأيضا(واتقوا يوما ترجعون فيه إىل اهلل مث توىف كل نفس ما كسبت‬
‫وهم ال يظلم ون[‪،)]281‬وأيضا (ال يكلف اهلل نفسا إال وس عها هلا ما كس بت وعليها ما‬
‫اكتس بت ربنا ال تؤاخ ذنا إن نس ينا أو أخطأنا ربنا وال حتمل علينا إص را كما محلته على‬
‫ال ذين من قبلنا ربنا وال حتملنا ما ال طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارمحنا أنت موالنا‬
‫فانص رنا على الق وم الك افرين[‪ ،)]286‬فقد نسب اهلل تع اىل إىل اخللق أهنم ال يطيق ون إال‬
‫الكسب‪ ،‬وقد نفى عنهم اخللق يف اآليات السابقة‪ ،‬فدل ذلك على أهنم ال يطيقون اخللق‪،‬‬
‫وقال يف آخرها(وال حتملنا ما ال طاقة لنا به) وقد عرفت أن اخللق ال يطيقون اخللق‪ ،‬وما‬
‫نسب إىل ط اقتهم إمنا هو الكس ب‪ .‬وقد أعلمنا اهلل تع اىل يف س ورة إب راهيم أن اجلزاء ال‬
‫يك ون إال على الكسب فق ال(ليج زي اهلل كل نفس ما كس بت إن اهلل س ريع احلس اب[‬
‫‪ ،)]51‬فدل ذلك على أن اخللق ليس شرطا يف التكليف‪ ،‬بل الكسب هو الشرط فيه‪ .‬وما‬
‫ذكرناه هنا فيه كفاية ملن يريد اهلداية‪.‬‬
‫وقد جلأ العلماء من أهل السنة إىل مفهوم الكسب الذي هو غري مفهوم اخللق‪ ،‬ملا رأوه من‬
‫آيات عديدة يف القرآن الكرمي‪ ،‬تنسب إىل اهلل تعاىل اخللق‪ ،‬وتنفي اخللق عن غري اهلل تعاىل‪،‬‬
‫وآيات تنسب الكسب إىل العبد‪ ،‬فعلموا أن العبد فاعل على سبيل الكسب‪ ،‬وأن اهلل تعاىل‬
‫فاعل ال على سبيل الكسب بل على سبيل اخللق‪ .‬وعلموا أن الكسب ليس خلقا‪ ،‬وعلموا‬
‫أن الكسب كاف يف ترتب الثواب والعقاب‪ ،‬بل كاف يف ترتب التكاليف على اإلنسان‪.‬‬
‫وحاصل معىن الكسب هو أن اهلل تع اىل ملا علم منذ األزل ما س وف يفعله اإلنس ان من‬
‫أفع ال‪ ،‬وذلك كله على حسب إرادت ه‪ ،‬ويف األوق ات املعينة بعد وج وده‪ ،‬فإنه ج َّل ش أنه‬
‫خيلق للعبد الفعل الذي علم أنه سوف يريده‪ ،‬فالفعل يكون بإجياد اهلل تعاىل‪ ،‬وكسب من‬
‫العبد‪ ،‬فيكون فيه شبه الوصف للعبد‪ ،‬وأما اهلل تعاىل فال يتصف مطلقا بفعل من أفعاله‪ .‬بل‬
‫أفعاله تأيت نتيجة صفاته‪ .‬وهلذا فإن اهلل إذا علم أن العبد سوف خيتار الكفر فإنه خيلقه له‪،‬‬
‫ويودعه فيه يف الوقت الذي علم أنه خيتاره‪ ،‬فيصبح الكفر صفة من صفات العبد ال صفة‬
‫من ص فات اهلل تع اىل‪ ،‬فاهلل تع اىل هو موجد الكف ر‪ ،‬ولكن على وف اق ما أراده العب د‪.‬‬
‫وك ذلك إذا علم اهلل تع اىل أن العبد خيت ار اإلميان‪ ،‬فإنه خيلقه ل ه‪ ،‬فيصري العبد مؤمن ا‪ ،‬واهلل‬
‫تع اىل خ الق اإلميان‪ ،‬فال ذي ينسب إليه اإلميان والكفر على س بيل الكسب إمنا هو العب د‪،‬‬
‫الشر‪،‬‬
‫وأما اهلل تعاىل فينسب إليه ذلك على سبيل اخللق واإلجياد‪ .‬وكذلك إذا أراد اإلنسان َّ‬
‫أو اخلري‪.‬‬
‫وال يل زم من ذلك أن يك ون اهلل تع اىل ش ريرا ألن الش رير هو من يتصف بالش ر‪ ،‬ال من‬
‫يوج ده‪ ،‬واإلنس ان هو ال ذي يتصف بالش ر‪ ،‬الكتس ابه ل ه‪ ،‬وأما اهلل تع اىل فهو خالق ه‪ ،‬فال‬
‫يكتسب شيئا من أفعاله‪ ،‬الستحالة اتصافه تعاىل بصفة حادثة‪ .‬هذا كله على القول بأن‬
‫الشر حقيقة موج ود‪ ،‬وأما على الق ول ب أن الشر ال يوجد يف نفس األمر بل إمنا هو ص فة‬
‫اعتبارية منسوبة للعبد‪ ،‬فال إشكال هنا مطلقا‪.‬‬
‫ويعرب أهل الس نة عن الكسب ب أن اهلل تع اىل خيلق الفعل يف العبد عند إرادة العبد اإلتي ان‬
‫بالفعل‪ ،‬وخيلق له كذلك القدرة املصاحبة لفعله‪ ،‬فقدرة العبد وفعله متالزمان وليس الفعل‬
‫موج ودا بإجياد قدرت ه‪ ،‬بل قدرته وفعله موج ودان بإجياد ق درة اهلل تع اىل‪ ،‬وذلك كله على‬
‫حسب تعلق علم اهلل األزيل‪.‬‬
‫([‪      )]107‬هذه العبارة من كالم اإلمام الطحاوي هلا موقع خطري ومعىن جليل‪،‬‬
‫مل َأر من تصدى للكشف عنه إال أقل القليل‪ .‬وقد تقدم بعض اجملسمة إىل االعرتاض عليها‬
‫من أصلها‪ ،‬وأبطلوا معناها الذي فهموه ‪ ،‬ومل يكلفوا أنفسهم بالنظر لعل املصنف قد قصد‬
‫أم را آخ ر‪ .‬وها حنن نقصد إىل ذكر م واقفهم املختلفة من ه ذه العب ارة‪ ،‬مث نأتيك ب الكالم‬
‫احملقق فيها واهلل املوفق‪.‬‬
‫أما الشيخ حسن السقاف‪ ،‬فلم يتعرض هلذه العبارة‪ ،‬شأنه دائما يف األمور اليت حتتاج‬
‫مر عليها كأهنا مل تكن‪ .‬ووجه العجب من تصرف السقاف أنه هو‬ ‫إىل فهم ودقة نظر‪ ،‬بل َّ‬
‫املتصدي واملدعي لالجتهاد يف هذا الباب‪.‬‬
‫وأما ابن ب از‪ ،‬فقد ق ال بكل ج رأة يف التعليق على ه ذه العب ارة‪ :‬ه ذا غري ص حيح بل‬
‫املكلف ون يطيق ون أك ثر مما كلفهم به س بحانه ولكنه عز وجل لطف بعب اده ويسر عليهم‬
‫ومل جيعل عليهم يف دينهم حرجا فضال منه وإحسانا‪ ،‬واهلل ويل التوفيق‪".‬اهـ‬
‫فهذه عبارته وسوف يأيت كالمنا عليها‪ ،‬ونقد ما فيها‪.‬‬
‫وأما الش يخ عبداهلل اهلرري يف كتابه إظه ار العقي دة الس نية بش رح العقي دة الطحاوي ة‪،‬‬
‫فقد ق ال يف ص‪":205‬اجلملة األوىل معناها ظ اهر(يقصد قوله ومل يكلفهم اهلل تع اىل إال ما‬
‫يُ ِطْي ُق ون)‪ ،‬أي ليس للعب اد أن يلزم وهم إال ما كلفهم اهلل ب ه‪ ،‬فيطيق ون يف اجلملة األوىل‬
‫بضم الياء وكسر الطاء‪ ،‬وأما الثانية فيتعني قراءهتا بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الياء اليت‬
‫بع دها(أي وال يُطَيَّق ون)‪ ،‬وال يصح معىن ه ذه اجلملة الثانية إال على ه ذا الوجه لظه ور‬
‫فس اده‪ ،‬ألن املعىن على ذلك ينحل إىل أن العب اد ال يس تطيعون أن يفعلوا س وى ما كلفهم‬
‫اهلل ب ه‪ ،‬والواقع أن العب اد ق ادرون على أن خيالفوا ما كلفهم به وذلك ح ال أك ثر البش ر‪،‬‬
‫وهذا التحقيق مما فتح اهلل به‪ ،‬ومل َنر شارحا عرج عليه وهلل احلمد‪".‬اهـ‬
‫فكالم اهلرري فيه ن وع ُح ْس ٍن‪ ،‬وحماولة طيبة لتفسري ه ذه العب ارة‪ .‬وأما حنن ف إن لنا‬
‫كالما قد ذكرن اه يف ما كتبن اه على اعرتاض ات ابن ب از على العقي دة الطحاوي ة‪ ،‬يف س نة‬
‫‪1991‬للميالد‪ .‬وها حنن نذكره هنا لفائدته‪ ،‬مع رجاء أن نكون فيه من املصيبني‪.‬‬
‫واحلق أن املعىن ال ذي اقرتحه الش يخ اهلرري جي د‪ ،‬ولكنه متكل ف‪ ،‬وعلى كل‬
‫األح وال‪ ،‬فإنه قد ب ذل جه دا بع دما الحظ اإلش كال ال ذي ميكن أن ينشأ عن عب ارة‬
‫الطحاوي هذه‪ ،‬فاقرتح هذا احلل‪.‬‬
‫ولكن قد ظهر يل بعد الفكر أن عب ارة الطح اوي ه ذه إذا ك انت مبنية على أن معىن‬
‫التكليف هو املش قة‪ ،‬ف إن ظ اهر الفكر قد ينتج عنه أن اإلنس ان يطيق أك ثر مما كلفه به اهلل‬
‫تع اىل‪ ،‬وذلك ألنه ال شك أن اإلنس ان ميكن أن يص لي زي ادة عن الص لوات اخلمس ة‪،‬‬
‫وي زكي زي ادة عن ما فرضه الش رع‪ ،‬وهك ذا‪ ،‬فيك ون اهلل بن اءا على ه ذا املعىن قد لطف‬
‫بالعب اد ومل يكلفهم مجيع ما يطيق ون‪ .‬ولكن ه ذا املعىن ظ اهري عن دي‪ .‬وال يناسب تتمة‬
‫كالم الطح اوي‪ ،‬فإنه قد جعل ه ذه العب ارة تفس ريا لقولنا ال ح ول وال ق وة إال باهلل‪ .‬وإذا‬
‫كانت هي كذلك فال جيوز أن يراد بالتكليف املشقة فقط‪ ،‬بل ما هو شامل هلا ولغريها‪،‬‬
‫في دخل حتت التكليف مجيع األحك ام الش رعية اخلمس ة‪ ،‬ف التوفيق يك ون يف ال واجب‬
‫واملندوب واملباح وليس فقط يف الواجبات‪.‬‬
‫واعتمادا على هذه املقدمة نقول‪:‬‬
‫عم أن واع األحك ام الش رعية اخلمسة وهي الوج وب واحلرمة‬ ‫التكليف إذا أطلق َّ‬
‫ص َّو َر من مراتب الطلب‬
‫والندب والكراهة واإلباحة‪ ،‬وهذه تشتمل على كل ما ميكن أن يُتَ َ‬
‫يف الش رائع‪ .‬ومن املعل وم أن الش رائع أن زلت حلكمة وعاقبة محي دة‪ ،‬ملص لحة اخللق أمجعني‪،‬‬
‫وذلك لتوصل اإلنس ان وغ ريه إىل كم ال وج وده‪،‬ف إذا وقف املكلف عند ح دود الش رع‪،‬‬
‫ووقف يف كل ن وع من أن واع األحك ام حسب مرتبته ف أذ ب الواجب على أنه واجب‬
‫وباملندوب على أنه مندوب وباملباح على أنه مباح إىل آخره‪ ،‬فإنه يصل إىل كمال وجوده‬
‫على حسب طاقته ووسعه‪ ،‬وبالتدريج‪.‬‬
‫فأوامر اهلل تعاىل ومطلوباته من عبيده تعلقت بكل شيء مما يتصور أن يتلبس اإلنسان‬
‫به‪ ،‬أو يكون له مدخل يف حياته يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫ومبا أن أوامر اهلل تعاىل عامة التعلق‪ ،‬واهلل تعاىل ال يأمر إال مبا يرضى‪ ،‬وإذا أمر أمر به‬
‫على الوجه ال ذي يرض اه‪ ،‬وال ينهى إال عما ال حيب‪ ،‬وإذا هنى هنى على الوجه ال ذي‬
‫أحب‪ .‬وال نتصور أمرا خارجا عن أوامر اهلل ونواهيه له مدخل يف الرسالة والشرائع‪.‬‬
‫فيتحصل مما مضى أن الش ره ال ذي أنزله اهلل تع اىل ال يتص ور فيه نقص وال قص ور‪،‬‬
‫وهذا معلوم من الدين بالضرورة‪.‬‬
‫واهلل ال ي أمر العب اد إال مبا يطيق ون‪ ،‬وما ي أمرهم به ال يك ون ش را‪ ،‬فيتحصل لنا من‬
‫الشر ال يطيقه العباد‪ ،‬وما يظهر لنا من اإلنسان حني يشرب اخلمر أنه‬ ‫هاتني الكلمتني أن َّ‬
‫يطيق ه‪ ،‬فه ذه إاطقة ظاهرية ومؤقتة غري معت ربة‪ ،‬وذو العقل الس ليم ال يلتفت إليه ا‪ ،‬ألن‬
‫حاصل ش رب اخلمر هو هالك اجلس د‪ ،‬واإلنس ان ال يطيق هالك نفس ه‪ ،‬والش رور إمنا هي‬
‫نقصان يف وجود املوجود‪ ،‬واملوجود ال يطيق عدم بعضه‪ ،‬ألن اإلطاقة فعل يتعلق مبوجود‪،‬‬
‫واملع دوم ليس بش يء فال تتعلق به إطاق ة‪ ،‬هلذا ق رر احملقق ون من علم اء األص ول أنه ال‬
‫تكليف إال بفعل‪ ،‬فالفعل وجودي مطلقا‪.‬‬
‫ومما مضى يت بني ذو التحقيق أن كالم من اع رتض على الطح اوي يف ه ذه العب ارة‬
‫باطل‪ ،‬مجلة وتفصيال‪.‬‬
‫ومن الوج وه اليت ميكن أن يت بني هبا بطالن كالم املعرتض ني‪ :‬أهنم يقول ون ب أن اخللق‬
‫يطيق ون أك ثر مما كلفهم‪ ،‬ولكنه مل يكلفهم ب ه‪ ،‬إذن يوجد ش يء ميكن أن يتعلق به حكم‬
‫شرعي ولكن الشرع ال يطاله وال يتعلق به‪ ،‬وهذا تصريح بنقصان الشريعة‪.‬‬
‫وأيضا ه ذا ال ذي مل يكلفهم به الش رع‪ ،‬إما أن يكون خ ريا أو ش را‪ ،‬ف إن ك ان ش را‪،‬‬
‫فيل زم أن يرضى اهلل بالشر على ق وهلم‪ ،‬وهو باط ل‪ ،‬وإن ك ان خ ريا‪ ،‬وهم يطيقون ه‪ ،‬فع دم‬
‫تكليفهم به بل عدم داللته هلم عليه مناف للحكمة ولكون الشريعة كاملة‪ ،‬وهذا قدح يف‬
‫احلضرة العلية‪ ،‬وهو كفر‪.‬‬
‫عز وجل لطف…اخل‪ ،‬فأقول‪ :‬لطف اهلل إمنا ميكن يف عدم تكليف‬ ‫وأما قوهلم ولكنه َّ‬
‫العب اد ما ال يطيق ون‪ ،‬ال يف ع دم تكليفهم مبا يوص لهم إىل كم اهلم‪ ،‬ف التكليف تش ريف‪،‬‬
‫وعدم التكليف مبا يدخل حتت الطاقة يضاد التشريف‪ ،‬فأين يذهب اللطف؟!‬
‫([‪      )]108‬احلَنْي ُ هو اهلالك واحملن ة‪ .‬ويف بعض النسخ (تق دس عن كل س وء‬
‫وشنْي ٍ ) والشني هو النقص والعيب‪ .‬ويف بعضها (تقدس عن كل سوء)‪.‬‬ ‫َ‬
‫([‪      )]109‬ملا كان الظلم هو إعطاء الشيء غري ما يستحق‪ ،‬وكان كل ما سوى‬
‫اهلل تعاىل ال حق له ثابت إال بتثبيت اهلل تعاىل له‪ ،‬فإن الظلم منفي عن اهلل تعاىل مطلقا‪.‬‬
‫وأما ما يع ده اهلل تع اىل لعب اده‪ ،‬فإنه ال خيلف ه‪ ،‬ولكن ه ذا ال يك ون حقا هلم ثابتا إال‬
‫بتثبيت اهلل تعاىل له‪.‬واهلل تعاىل ال خيلف وعده‪.‬‬
‫([‪      )]110‬قال الشيخ الغنيمي يف شرحه على العقيدة الطحاوية بعد أن ذكر أن‬
‫دعاء األحياء فيه منفعة لألموات‪":‬وقد توارث السلف له‪ ،‬فلو مل يكن لألموات نفع فيه‪،‬‬
‫ملا ك ان له مع ىن‪ ،‬وق ال عليه الص الة والس الم‪":‬ما من ميث يص لي عليه أمة من املس لمني‬
‫يبلغون مائة‪ ،‬كلهم يشفعون له إال شفعوا فيه"‪ ،‬وعن سعد بن عبادة أنه قال يا رسول اهلل‬
‫إن أم س عد م اتت‪ ،‬ف أي ص دقة أفض ل‪ ،‬ق ال املاء‪ .‬فحفر ب ئرا وق ال ه ذه ألم س عد‪.‬‬
‫واألحاديث واآلثار يف هذا الباب أكثر من أن حتصر‪".‬اهـ‬
‫وه ذا الكالم قد نقله الغ نيمي عن الس عد يف ش رح العقائد النس فية كما نب ه‪ ،‬وتكملة‬
‫كالمه هناك‪":‬وقال عليه الصالة والسالم الدعاء يرد البالء‪ ،‬والصدقة تطفئ غضب الرب‪،‬‬
‫وقال عليه السالم إن العامل واملتعلم إذا مرا على قرية فإن اهلل تعاىل يرفع العذاب عن مقربة‬
‫تلك القرية أربعني يوما‪".‬اهـ‬
‫([‪      )]111‬ذكر العالمة الطح اوي ه ذا هن ا‪ ،‬لئال يت وهم مت وهم أن ال دعاء ي ؤثر‬
‫بنفسه‪ ،‬بل اهلل تعاىل هو الذي يستجيب للدعاء‪ ،‬فاألثر إمنا هو صادر من اهلل تعاىل‪ ،‬وهو‬
‫الذي يقضي احلاجات‪ .‬وهذا املعىن واضح‪.‬‬
‫([‪      )]112‬معىن احلَنْي ِ هو اهلالك‪ .‬كما مضى‪.‬‬
‫ملا ثبت أن اهلل تع اىل هو املوج ود ال واجب الوج ود‪ ،‬وثبت أن كل ما س واه فإمنا هو‬
‫ممكن الوج ود‪ ،‬فقد ل زم أن كل ما س وى اهلل تع اىل فهو حمت اج إىل اهلل تع اىل‪ ،‬وال ميكن أن‬
‫يس تغين كل ما س واه عنه طرفة عني‪ ،‬وإال ألص بح من أهل اهلالك‪ ،‬وه ذا مط ابق ملا ق رره‬
‫أئمة الكالم من أن املمكن حمتاج إىل اهلل تعاىل حال اإلجياد‪ ،‬وبعد ذلك‪ ،‬أي إنه حمتاج إىل‬
‫اهلل تعاىل الستمرار وجوده أيضا‪.‬‬
‫([‪      )]113‬روى اإلم ام البخ اري يف ص حيحه عن فاطمة عن أمساء ق الت أتيت‬
‫عائشة وهي تص لي فقلت ما ش أن الن اس فأش ارت إىل الس ماء ف إذا الن اس قي ام فق الت‬
‫س بحان اهلل قلت آية فأش ارت برأس ها أي نعم فقمت حىت جتالين الغشي فجعلت أصب‬
‫على رأسي املاء فحمد اهلل عز وجل النيب ص لى اهلل عليه وس لم وأثىن عليه مث ق ال ما من‬
‫ش يء مل أكن أريته إال رأيته يف مق امي حىت اجلنة والن ار ف أوحي إيل أنكم تفتن ون يف‬
‫قب وركم مثل أو ق ريب ال أدري أي ذلك ق الت أمساء من فتنة املس يح ال دجال يق ال ما‬
‫علمك هبذا الرجل فأما املؤمن أو املوقن ال أدري بأيهما ق الت أمساء فيق ول هو حممد‬
‫رس ول اهلل جاءنا بالبين ات واهلدى فأجبنا واتبعنا هو حممد ثالثا فيق ال من ص احلا قد علمنا‬
‫إن كنت ملوقنا به وأما املن افق أو املرت اب ال أدري أي ذلك ق الت أمساء فيق ول ال أدري‬
‫مسعت الناس يقولون شيئا فقلته‪.‬‬
‫ويف البخ اري أيضا عن جماهد ق ال كنا عند بن عب اس رضي اهلل تع اىل عنهما ف ذكروا‬
‫ال دجال أنه ق ال مكت وب بني عينيه ك افر فق ال بن عب اس مل أمسعه ولكنه ق ال أما موسى‬
‫كأين أنظر إليه إذ احندر يف الوادي يليب‪.‬‬
‫وفيه عن أيب بك رة رضي اهلل تع اىل عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ال ي دخل‬
‫املدينة رعب املسيح الدجال هلا يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان‪.‬‬
‫وفيه أيضا أنس بن مالك رضي اهلل تعاىل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ليس‬
‫من بلد إال سيطؤه الدجال إال مكة واملدينة ليس له من نقاهبا نقب إال عليه املالئكة صافني‬
‫حيرسوهنا مث ترجف املدينة بأهلها ثالث رجفات فيخرج اهلل كل كافر ومنافق‪.‬‬
‫ويف البخ اري عبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة أن أبا س عيد اخلدري رضي اهلل تع اىل عنه‬
‫قال حدثنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حديثا طويال عن الدجال فكان فيما حدثنا به‬
‫أن قال يأيت الدجال وهو حمرم عليه أن يدخل نقاب املدينة ينزل بعض السباخ اليت باملدينة‬
‫فيخرج إليه يومئذ رجل هو خري الناس أو من خري الناس فيقول أشهد أنك الدجال الذي‬
‫حدثنا عنك رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حديثه فيقول الدجال أرأيت إن قتلت هذا مث‬
‫أحييته هل تشكون يف األمر فيقولون ال فيقتله مث حيييه فيقول حني حيييه واهلل ما كنت قط‬
‫أشد بصرية مين اليوم فيقول الدجال أقتله فال أسلط عليه‪.‬‬
‫وقد روي يف الدجال أحاديث غري هذه‪.‬‬
‫([‪      )]114‬روى اإلم ام مس لم يف ص حيحه عن عبد اهلل بن عم رو ق ال حفظت‬
‫من رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ح ديثا مل أنسه بعد مسعت رس ول اهلل ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم يقول إن أول اآليات خروجا طلوع الشمس من مغرهبا وخروج الدابة على الناس‬
‫ضحى وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فاألخرى على إثرها قريبا‪.‬‬
‫ويف ص حيح مس لم عن أيب هري رة أن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ب ادروا‬
‫باألعمال ستا طلوع الشمس من مغرهبا أو الدخان أو الدجال أو الدابة أو خاصة أحدكم‬
‫أو أمر العامة‪.‬‬
‫وروى احلاكم يف املس تدرك عن قيس بن س عد عن أيب الطفيل ق ال كنا جلوسا عند‬
‫حذيفة فذكرت الدابة فقال حذيفة رضي اهلل تعاىل عنه إهنا خترج ثالث خرجات يف بعض‬
‫البوادي مث تكمن مث خترج يف بعض القرى حىت يذعروا وحىت هتريق فيها األمراء الدماء مث‬
‫تكمن قال فبينما الناس عند أعظم املساجد وأفضلها وأشرفها حىت قلنا املسجد احلرام وما‬
‫مساه إذ ارتفعت األرض ويه رب الن اس ويبقى عامة من املس لمني يقولون إنه لن ينجينا من‬
‫أمر اهلل شيء فتخرج فتجلو وجوههم حىت جتعلها كالكواكب الدرية وتتبع الناس جريان‬
‫يف الرب اع ش ركاء يف األم وال وأص حاب يف اإلس الم ه ذا ح ديث ص حيح على ش رط‬
‫الشيخني ومل خيرجاه‪.‬‬
‫ويف املس تدرك عن أيب هري رة رضي اهلل تع اىل عنه عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‬
‫خترج الدابة ومعها عصى موسى وخ امت س ليمان فتجلو وجه املؤمن بالعصى وختطم أنف‬
‫الكافر باخلامت حىت أن أهل اخلوان جيتمعون فيقولون هلذا يا مؤمن ويقولون هلذا يا كافر‪.‬‬
‫ويف املس تدرك عن أيب الزع راء ق ال كنا عند عبد اهلل بن مس عود رضي اهلل تع اىل عنه‬
‫فذكر عنده الدجال فقال عبد اهلل بن مسعود تفرتقون أيها الناس خلروجه على ثالث فرق‬
‫فرقة تتبعه وفرقة تلحق ب أرض آبائها مبن ابت الش يح وفرقة تأخذ شط الف رات يق اتلهم‬
‫ويقاتلونه حىت جيتمع املؤمن ون بق رى الش ام فيبعث ون إليهم طليعة فيهم ف ارس على ف رس‬
‫أشقر وأبلق قال فيقتتلون فال يرجع منهم بشر قال سلمة فحدثين أبو صادق عن ربيعة بن‬
‫ناجذ أن عبد اهلل بن مسعود قال فرس أشقر قال عبد اهلل ويزعم أهل الكتاب أن املسيح‬
‫ي نزل إليه ق ال مسعته ي ذكر عن أهل الكت اب ح ديثا غري ه ذا مث خيرج ي أجوج وم أجوج‬
‫فيمرح ون يف األرض فيفس دون فيها مث ق رأ عبد اهلل وهم من كل ح دب ينس لون ق ال مث‬
‫يبعث اهلل عليهم دابة مثل ه ذا النغف فتلج يف أمساعهم ومن اخرهم فيموت ون منها فتننت‬
‫األرض منهم فيج أر إىل اهلل فريسل م اء يطهر األرض منهم ق ال مث يبعث اهلل رحيا فيها‬
‫زمهرير ب اردة فلم ت دع على وجه األرض مؤمنا إال كفته تلك ال ريح ق ال مث تق وم الس اعة‬
‫على ش رار الن اس مث يق وم امللك بالص ور بني الس ماء واألرض فينفخ فيه والص ور ق رن فال‬
‫يبقى خلق يف الس ماوات واألرض إال م ات إال من ش اء ربك مث يك ون بني النفخ تني ما‬
‫شاء اهلل أن يكون فليس من بين آدم خلق إال منه شيء قال فريسل اهلل ماء من حتت العرش‬
‫كمين الرج ال فتنبت حلم اهنم وجثم اهنم من ذلك املاء كما ينبت األرض من ال ثرى مث ق رأ‬
‫عبد اهلل واهلل ال ذي أرسل الري اح فتثري س حابا فس قناه إىل بلد ميت فأحيينا به األرض بعد‬
‫موهتا كذلك النشور قال مث يقوم ملك بالصور بني السماء واألرض فينفخ فيه فينطلق كل‬
‫نفس إىل جسدها حىت يدخل فيه مث يقومون فيحيون حياة رجل واحد قياما لرب العاملني‬
‫ق ال مث يتمثل اهلل تع اىل إىل اخللق فيلق اهم فليس أحد يعبد من دون اهلل ش يئا إال وهو‬
‫مرف وع له يتبعه ق ال فيلقى اليه ود فيق ول من تعب دون ق ال فيقول ون نعبد عزي را ق ال هل‬
‫يس ركم املاء فيقول ون نعم إذ ي ريهم جهنم كهيئة الس راب ق ال مث ق رأ عبد اهلل وعرض نا‬
‫جهنم يومئذ للكافرين عرضا قال مث يلقى النصارى فيقول من تعبدون فيقولون املسيح قال‬
‫فيقول هل يسركم املاء قال فيقولون نعم قال فرييهم جهنم كهيئة السراب مث كذلك ملن‬
‫ك ان يعبد من دون اهلل ش يئا ق ال مث ق رأ عبد اهلل وقف وهم إهنم مس ؤولون ق ال مث يتمثل اهلل‬
‫تعاىل للخلق حىت مير على املسلمني قال فيقول من تعبدون فيقولون نعبد اهلل وال نشرك به‬
‫شيئا فينتهرهم مرتني أو ثالثا فيقول من تعبدون فيقولون نعبد اهلل وال نشرك به شيئا قال‬
‫فيقول ون هل تعرف ون ربكم ق ال فيقول ون س بحانه إذا اع رتف لنا عرفن اه ق الف فعند ذلك‬
‫يكشف عن ساق فال يبقى مؤمن إال خر هلل ساجدا ويبقى املنافقون ظهورهم طبقا واحدا‬
‫كأمنا فيها الس فافيد ق ال فيقول ون ربنا فيق ول قد كنتم ت دعون إىل الس جود وأنتم س املون‬
‫قال مث يأمر بالصراط فيضرب على جهنم فيمر الناس كقدر أعماهلم زمرا كلمح الربق مث‬
‫كمر ال ريح مث كمر الطري مث كأس رع البه ائم مث ك ذلك حىت مير الرجل س عيا مث مش يا مث‬
‫يك ون آخ رهم رجال يتلبط على بطنه ق ال فيق ول أي رب ملاذا أبط أت يب فيق ول مل أبطأ‬
‫بك إمنا أبطأ بك عملك قال مث يأذن اهلل تعاىل يف الشفاعة فيكون أول شافع روح القدس‬
‫جربي ل‪   ‬ص لى اهلل عليه وس لم‪   ‬مث إب راهيم خليل اهلل مث موسى مث عيسى عليهما الص الة‬
‫والس الم ق ال مث يق وم ن بيكم رابعا ال يش فع أحد بع ده فيما يش فع فيه وهو املق ام احملم ود‬
‫ال ذي ذك ره اهلل تب ارك وتع اىل عسى أن يبعثك ربك مقاما حمم ودا ق ال فليس من نفس إال‬
‫وهي تنظر إىل بيت يف اجلنة أو بيت يف الن ار ق ال وهو ي وم احلس رة ق ال ف ريى أهل الن ار‬
‫البيت الذي يف اجلنة مث يقال لو عملتم قال فتأخذهم احلسرة قال ويرى أهل اجلنة البيت يف‬
‫الن ار فيق ال ل وال أن من اهلل عليكم ق ال مث يش فع املالئكة والن بيون والش هداء والص احلون‬
‫واملؤمنون فيشفعهم اهلل قال مث يقول اهلل أنا أرحم الرامحني فيخرج من النار أكثر مما أخرج‬
‫من مجيع اخللق برمحته ق ال مث يق ول أنا أرحم ال رامحني ق ال مث ق رأ عبد اهلل ما س لككم يف‬
‫س قر ق الوا مل نك من املص لني ومل نك نطعم املس كني وكنا خنوض مع اخلائضني وكنا‬
‫نك ذب بي وم ال دين ق ال فعقد عبد اهلل بي ده أربعا مث ق ال هل ت رون يف ه ؤالء من خري ما‬
‫ي نزل فيها أحد فيه خري ف إذا أراد اهلل عز وجل أن ال خيرج منها أحد غري وج وههم‬
‫وأل واهنم ق ال فيجئ الرجل فينظر وال يع رف أح دا فيناديه الرجل فيق ول يا فالن أنا فالن‬
‫فيقول ما أعرفك فعند ذلك يقول ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظاملون فيقول عند ذلك‬
‫اخس ئوا فيها وال تكلم ون ف إذا ق ال ذلك أطبقت عليهم فال خيرج منهم بشر ه ذا ح ديث‬
‫صحيح على شرط الشيخني ومل خيرجاه‪.‬‬
‫ويف املس تدرك أيضا عن أيب زرعة بن عم رو بن جرير ق ال جلس إىل م روان ثالثة نفر‬
‫باملدينة فسمعوه حيدث عن اآليات أوهلا خروج الدجال فقام النفر من عند مروان فجلسوا‬
‫إىل عبد اهلل بن عم رو فح دثوه مبا ق ال م روان فق ال عبد اهلل مل يقل م روان ش يئا مسعت‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول إن أول اآليات خروجا طلوع الشمس من مغرهبا أو‬
‫الدابة أيهما كانت أوال فاألخرى على أثرها قريبا مث نشأ حيدث قال وذلك أن الشمس إذا‬
‫غربت أتت حتت العرش فسجدت واستأذنت يف الرجوع فلم يرد عليها شيء قال مث تعود‬
‫تستأذن يف الرجوع فلم يرد عليها شيء قال يا رب ما أبعد املشرق من يل بالناس حىت إذا‬
‫كان الليل أتت فاستأذنت فقال هلا اطلعي من مكانك قال وكان عبد اهلل يقرأ الكتب فقرأ‬
‫وذلك ي وم ال ينفع إمياهنا نفسا مل تكن آمنت من قبل أو كس بت يف إمياهنا خ ريا ه ذا‬
‫حديث صحيح على شرط الشيخني ومل خيرجاه‪.‬‬
‫([‪      )]115‬روى احلاكم يف املس تدرك عن أيب هري رة ق ال ق ال رس ول اهلل ص لى‬
‫اهلل عليه وس لم من أتى عرافا أو كاهنا فص دقه فيما يق ول فقد كفر مبا أن زل على حممد‬
‫صلى اهلل عليه وسلم هذا حديث صحيح على شرطهما مجيعا من حديث بن سريين ومل‬
‫خيرج اه وح دث البخ اري عن إس حاق عن روح عن ع وف عن خالس وحممد عن أيب‬
‫هريرة قصة موسى أنه آدر‪.‬‬
‫وهو يف سنن البيهقي الكربى بلفظ عن أيب هريرة رضي اهلل تعاىل عنه قال قال رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪   ‬من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه مبا يقول فقد كفر مبا أنزل على‬
‫حممد‪.‬‬
‫ورواه اإلمام أمحد هبذا اللفظ عنه وعن احلسن‪ ،‬وإسحاق بن راهويه‪.‬‬
‫ويف مسند أيب يعلى عبد اهلل أنه قال من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا فسأله فصدقه‬
‫مبا يقول فقد كفر مبا أنزل على حممد صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫وهذا عن عبد اهلل بن مسعود يف األوسط للطرباين وغريه‪.‬‬
‫وهذا املعىن كثري يف السنة‪.‬‬

You might also like