You are on page 1of 14

‫مَوعِدٌ مَعَ الْــمَلِكِ!


‫لألستاذة أناهيد السمريي حفظها اهلل‬

‫‪1‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫أخواتنا الفاضالت‪ ،‬إليكم سلسلة تفاريغ من دروس أستاذتنا‬


‫الفاضلة أناهيد السميري حفظها هللا‪ ،‬وفّق هللا بعض األخوات‬
‫ن األستاذة بنشرها‪ ،‬ونسأل هللا أن‬ ‫لتفريغها‪ ،‬وسمحت له ّ‬
‫ه)‬ ‫عـ ْلـ ٌ‬
‫م ُيـ ْنـ َتـ َفــ ُع بِــ ِ‬ ‫ينفع بها‪ ،‬وهي تنزل في مدونة ( ِ‬
‫‪/!#/http://tafaregdroos.blogspot.com‬‬

‫تنبيهات هامة‪:‬‬

‫‪ -‬منهجنا الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح‪.‬‬


‫‪ -‬هذه التفاريغ من اجتهاد الطالبات ولم تطلع عليه األستاذة‬
‫حفظها هللا‪ ،‬أما الدروس المعتمدة من األستاذة فهي موجودة‬
‫في شبكة مسلمات قسم (شذرات من دروس األستاذة‬
‫أناهيد)‬
‫‪/http://www.muslimat.net‬‬

‫‪ -‬الكمال هلل عز وجل‪ ،‬فكتابه هو الكتاب الوحيد الكامل السالم‬


‫من الخطأ‪ ،‬فما ظهر لكم من صواب فمن هللا وحده‪ ،‬وما ظهر‬
‫لكم فيه من خطأ فمن أنفسنا والشيطان‪ ،‬ونستغفر هللا‪..‬‬

‫وهللا الموفق لما يحب ويرضا‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على سيدنا حممد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫تفرقنا بعده تفرقًا‬


‫مرحوما‪ ،‬وأن جيعل ّ‬
‫ً‬ ‫يسر لنا هذا اللقاء‪ ،‬ونسأله تعاىل أن جيعل اجتماعنا‬
‫احلمد هلل الذي ّ‬
‫معصوما‪ ،‬اللهم آمني‪.‬‬
‫ً‬

‫هذه كلمات بسيطة أذ ّكركم فيها باملشهد العظيم الذي ستنتقلون إليه!‬

‫يوم عرفة!‬

‫يوم أن يباهي امللك سبحانه وتعاىل هبؤالء اخللق الذين أتوا إليه طائعني منكسرين منذلني!‬

‫أول مقاصد هذا احلج كما تعلمون‪ :‬التقوى‪ ،‬وكلنا حنفظ قوله تعاىل‪{ :‬وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} وحنفظ‬

‫يضا أول سورة احلج الذي وصف فيها احلج‪{ :‬يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا}‬
‫أ ً‬
‫ماذا تفعل؟ {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ولَكِنَّ عَذَابَ‬

‫اللَّهِ شَدِيدٌ} احملشر العظيم األكرب صورته الصغرى هي احلج ‪.‬‬

‫لذالك أول سورة احلج أتت ثالث كلمات‪:‬‬

‫‪ .1‬اتَّقُوا‬

‫‪ .2‬رَبَّكُمْ‬

‫‪ .3‬إِنَّ زَلْزلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ‬

‫هي نفس هذه الكلمات اليت ستكون طريقك هنا يف احلج‪ ،‬فمطلوب منك أن تتقي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫سورة البقرة ‪171 :‬‬
‫‪2‬‬
‫سورة احلج ‪1،2 :‬‬

‫‪3‬‬
‫التقوى هلا عامودين‪:‬‬

‫‪ .1‬معرفة الرب‬
‫‪ .2‬وذكر الدار اآلخرة‬

‫إذا عرف العبد ربه وبقي يف باله لقاء ربه يف اآلخرة؛ البد تكون النتيجة أنه سيتقي ربه‪.‬‬

‫من اليوم إىل عشية عرفة حتتاج أن جتمع قلبك على األمرين‪ ،‬سنتكلم عن أحد أعظم أمسائه سبحانه وتعاىل‪ ،‬وهذا‬
‫دائما يف سورة الناس‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪{ :‬قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ} وأنت اآلن‬
‫االسم نردده ً‬
‫مدعوة من الملك!‬
‫ّ‬

‫اللقاء هبذا امللك سبحانه سيكون عشية عرفة‪ ،‬بعدما نصلي الظهر والعصر‪ ،‬سينزل امللك إىل السماء الدنيا! مث‬
‫ينظر إىل عبيده‪ ،‬ينظر إىل قلوهبم وليس إىل أبداهنم! فإذا رأى قلوب خاشعة منكسرة ذليلة‪ ،‬باهى هبا املالئكة!!‬

‫فمن الملك الذي سنلقاه؟!‬

‫هذا الملك وصف نفسه في آيات كثيرة‪ ،‬ومن أعظم املواطن آية سورة احلشر‪ ،‬يقول اهلل تعاىل عن نفسه‪{ :‬هُوَ‬

‫اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ( ) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}‬

‫ملاذا ال إله إال اهلل؟ ألنه امللك سبحانه‬

‫اإلله‬

‫يعين تؤّهله القلوب وحتبّه وتعظّمه‪ ،‬األلوهية أتت من الوله‪ ،‬ش ّدة احملبة مع شدة التعظيم‪ ،‬ملاذا ال إله إال اهلل‪ ،‬ملاذا ال‬
‫أحب وال أعظم إال اهلل‪ ،‬ملاذا أمأل قليب مبحبة اهلل وتعظيمه مث أضع (ال) حارسة على قليب؟‬

‫ألن اهلل ال مثيل له‪ ،‬ملك ال مثيل له‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ما هي وصوفات هذا امللك؟ وصف نفسه بأنه {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ}‬

‫‪1‬‬
‫سورة الناس ‪1،2،3 :‬‬
‫‪2‬‬
‫سورة احلشر ‪22،23،22 :‬‬

‫‪4‬‬
‫فانظر إىل صفاته‪:‬‬

‫القدّوس‬

‫أبدا‪ ،‬أي أنك عبد لملك كل صفاته صفات كمال‪ ،‬ال يأيت‬ ‫منزه عن النقص ً‬
‫يعين كل صفاته صفات كمال‪ّ ،‬‬
‫منزه عن كل نقص‬
‫الشيطان فيوسوس لك ويقع يف قلبك شعور بنقص يف صفاته‪ ،‬بل امللك الذي يعاملك ق ّدوس ّ‬
‫وعيب‪ ،‬وهذا امللك القدوس الذي يعاملك صفاته كلها صفات كمال بل هو‬

‫السالم‬

‫تعرف السالم الذي تقوله بعد كل صالة‪(( :‬اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّالَمُ وَمِنْكَ السَّالَمُ))‪ 1‬يعين يا رب يا ملك أنا أعلم أن كل‬

‫صفاتك كمال‪ ،‬وكمالك سامل‪ ،‬من أي وجه؟ سالم أن تكون أي صفة كمال فيها نقص‪.‬‬

‫اخللق هبم صفات كمال‪ ،‬هناك قضاة وصفهم أهنم أهل عدل‪ ،‬لكن هل عدهلم ‪%111‬؟ هناك أشخاص هبم‬
‫صفة الكرم‪ ،‬لكن هل كرمهم ‪%111‬؟ ال‪ ،‬إذن كل اخللق وإن وصفوا بالكمال لكن صفات كماهلم ليست ساملة‬
‫من النقص‪.‬‬

‫أما ربك امللك الذي أنت عبد له‪ ،‬ق ّدوس كل صفاته كمال‪ ،‬وصفات كماله ساملة من أي نقص‪ ،‬فال يظلم مثقال‬
‫ذرة!‬

‫فأنت يف عشية عرفة ستالقي هذا امللك! الذي هو كامل الصفات‬

‫ستالقي هذا امللك الذي صفاته الكاملة ساملة من كل نقص وعيب‬

‫ستالقي مل ًكا مؤمنًا مؤمن لعباده من كل خوف‬

‫املؤمن‬

‫‪ّ ‬‬
‫يؤمن عباده املخاوف‪.‬‬
‫‪ ‬مؤمن مص ّدق لعباده كل ما وعدهم‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫الصالة وب يان صفته‪)1332 /‬‬
‫"صحيح مسلم" (كتاب املساجد ‪ /‬باب استحباب الذكر ب عد َّ‬

‫‪5‬‬
‫‪ o‬قال لنا‪{ :‬ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}‪ 1‬فلو دعوته ال بد أن امللك سيستجيب لك‪.‬‬

‫‪ o‬قال‪{ :‬ولَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}‪ 2‬فلو شكرته ال بد أن امللك سيزيدك‪.‬‬

‫‪ o‬قال‪{ :‬وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}‪ 3‬إن اتقيته ال بد جيعل لك خمرجا! هلذا يقول ابن عباس‪" :‬لو انطبقت السماء‬

‫على األرض جيد املتقي بابًا خيرج منه!" ألن اهلل تعاىل قال‪{ :‬وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}‪.‬‬

‫هذا من متام إميانك أنه ملك مؤمن‪ ،‬يؤمنك من كل املخاوف‪ ،‬ملك مؤمن مصدق لنفسه مصدق لوعده‪ ،‬إذا وعدك‬
‫أبدا ‪.‬‬
‫هذا امللك ال خيلف وعده ً‬

‫فأنت يف عشية عرفة موعدك مع اللقاء هبذا امللك!‬

‫أبدا ال تظن فيه سوءًا‪،‬‬


‫فاستع ّد بكل ما تعلمه من وصفه أنه إذا وعدك ال خيلف‪ ،‬فإذا دعوته وهو وعدك باإلجابة ً‬
‫ال بد أن جييبك ولو بعد حني‪ ،‬بل إنه يق ّدر من األقدار ألطفها ليأيت مرادك وأنت يف أحسن حال!‬

‫أال ترى يوسف عليه السالم وأبوه يعقوب ملا رأى الرؤية أتت هذه الرؤية يف أحسن حال هلم كلهم؟! فهذا ربك‬
‫اللطيف اخلبري‪ ،‬هذا امللك الذي يدبّر األمور من أجل أن يصل إليك اخلري‪ ،‬امللك الذي أنت على موعد معه ما‬
‫وصفه؟‬

‫امليهمنن‬

‫يعلم خفاياك‪ ،‬قد ال تنطق مبا تريد‪ ،‬لكنه ينظر إليك وإىل ما قام يف قلبك‪ ،‬وهلذا إذا علمت أن امللك ال ينظر إىل‬
‫ظاهرك {إِنْ تَكُونُوا صَالِحِنيَ} يف قلوبكم {فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِنيَ غَفُورًا}‪ 2‬هذا امللك الذي تعامله ال ينظر إىل لونك‪ ،‬ال‬
‫تطهر قدر ما‬
‫ملستواك االجتماعي‪ ،‬وال ملستواك الثقايف‪ ،‬إمنا ينظر إىل ما قام يف قلبك‪ ،‬فلما تذهب للقاء امللك ال ّ‬
‫تكبريا؛ ليطهر قلبك‪ ،‬ليدخل اإلميان‪ ،‬فل ّما تلقاه‬
‫كرب ً‬ ‫استغفارا و ّليب تلبية و ّ‬
‫ً‬ ‫تطهر قلبك‪ ،‬وهلذا اعمل أعماالً واستغفر‬
‫ّ‬
‫ينظر إىل قلبك وهو خايل!‬

‫‪1‬‬
‫غافر ‪31 :‬‬
‫‪ 2‬إبراهيم ‪7 :‬‬
‫‪ 3‬الطالق ‪2 :‬‬
‫‪ 2‬اإلسراء ‪22 :‬‬

‫‪6‬‬
‫كررها‪ ،‬ولينظر اهلل عز وجل إىل قلب ‪-‬وهو‬ ‫وهلذا من أعظم االستعدادات لعشية عرفة ( التوبة ) ّ‬
‫كرر التوبة ّ‬
‫امللك املهيمن‪ -‬ينظر إىل خفايا قلبك وأنت ال تبطن إال إرادة رضاه!‬

‫جاهدا إىل هذا الرضا‪ ،‬اسعى بكل ما متلك‪،‬‬


‫ألسنا طفنا حول الكعبة وسعينا؟ طف بقلبك حول رضاه‪ ،‬واسعى ً‬
‫يستحق أن تتقي مساخطه؛ هو‬
‫ّ‬ ‫عده أنك إذا عدت إىل بلدك تكن من أهل التقوى‪ ،‬فهو أهل التقوى‪ ،‬فهو أهل‬
‫أهل أن يقع يف قلبك اخلوف أن تفعل فعالً فال يرضاه‪.‬‬

‫أحدا‪ ،‬ألست تبغض أن تفعل فعالً فتسقط من عينه؟ اهلل عز وجل أهل للتقوى‪ ،‬أهل‬
‫انظر لنفسك عندما حتب ً‬
‫أن ختاف أن تفعل فعالً فيغضب عليك‪ ،‬فتخرج من محى امللك! وإذا خرجت من محى امللك إىل محى من‬
‫ستخرج؟! لن ينفعك أحد‪ ،‬ليس لك إال اهلل‪.‬‬

‫فإذا بلغت – نسأل اهلل أن يبلغنا أمجعني وحنن يف أحسن حال يف قلوبنا ‪ -‬عشية عرفة‬

‫‪ o‬استع ّد هلا‪(( ،‬تَعَرَّفْ إِلَى اهللِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ))‬
‫‪1‬‬

‫تطهر؛ قلبك ألن امللك الذي ستلقاه مهيمن مطلع على اخلفايا‪ ،‬مطلع على‬
‫‪ o‬استع ّد لعشية عرفة بأن ّ‬
‫اخلبايا‪ ،‬مطلع على ما يف قلبك‪ ،‬ال ينظر إىل ظاهرك‪ ،‬ينظر إىل ما قام يف القلب ((أال وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً‬

‫إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ))‪(( ،2‬إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ ولَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ))‬

‫فطهر القلب الذي هو حمط نظر الرب‪.‬‬


‫ّ‬

‫ال تذهب لتقابل امللك وأنت ظاهرك حسن وباطنك فيه من سوء الظن باهلل! من سوء الظن باخللق! من األحقاد‬
‫من األغالل! ال تذهب وأنت هبذه الصورة‪ ،‬إمنا طهر قلبك هلل‪ ،‬فأنت على لقاء بامللك املهيمن‪ .‬وهذا امللك‬
‫سبحانه وتعاىل املهيمن‬

‫‪ 1‬رواه أمحد يف مسنده‪ ،‬تعليق شعيب األرنؤوط ‪ :‬صحيح ‪.‬‬


‫‪ 2‬رواه مسلم ‪ /‬أخذ احلالل وترك الشبهات‪2113 /‬‬
‫‪ 3‬رواه مسلم ‪ /‬حترمي ظلم املسلم وخذله واحتقاره ودمه ‪2321/‬‬

‫‪7‬‬
‫العزيز‬

‫من هذا الذي بيده أن ينفع اهلل أو يضره؟! إذا ذهبت إىل لقائه ال تظن أنك تكثّر اجلمع‪ ،‬فاهلل عز وجل له‬
‫مالئكة يطوفون حول البيت العتيق‪ ،‬حول البيت املعمور يف السماء يدخل هذا البيت املعمور كم؟ سبعون ألف‬
‫كل يوم ال يعودون إليه مرة أخرى!! فاهلل عز وجل غين عن عبادتك‪ ،‬أنت الفقري إليه‪.‬‬

‫أال ترى موسى استقر حتت الشجرة فقال‪{ :‬رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِريٌ}‪ 1‬فأعاده اهلل إىل دياره معه الزوج‬
‫واألبناء!‬

‫بالذل واالنكسار إليه واحلاجة إىل امللك‪،‬‬


‫فأظهر فقرك للملك‪ ،‬فإذا كان هو امللك فنحن العبيد‪ ،‬ال بد أن نشعر ّ‬
‫وإذا مل تظهر ذلّك وانكسارك مللك هذا صفاته البد {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ}‪ 2‬البد أنك على أبواب العبيد‬

‫كسريا‬
‫بدا ً‬ ‫ستقف وستتلقى منهم اإلهانات! ألنه {مَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} أما ّ‬
‫عزك وفخرك فأن تكون ع ً‬
‫منذال بني يدي امللك‪ ،‬امللك املهيمن العزيز الذي ال يبلغ أحد من اخللق نفعه فينفعه‪ ،‬وال يبلغ أحد من اخللق‬
‫فيضره‪ ،‬من هذا الذي نفع ربه من هذا؟! كل العباد إليه فقراء‪ ،‬وهو سبحانه وتعاىل عن كل العباد غين‪،‬‬ ‫ضره ّ‬ ‫ّ‬
‫مأدبته سبحانه وتعاىل صنعها وأرسل حممد صلى اهلل عليه وسلم داعيًا إليها‪ ،‬فاجلنة مأدبته والنيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم داعي إىل هذه املأدبة‪ ،‬واخلسران هو من ترك باب الوصول إىل هذه املأدبة!‬

‫غدا‪ ،‬كيف‬
‫فإذا عرفت من ستلقى‪ ،‬من املؤكد أنك ستستعد؛ ألنه إذا قيل لكم امللك يريدكم أو األمري يريدكم ً‬
‫تبيتون ليلتكم؟ لن تناموا! مضطربني ماذا سنقول ماذا يريد‪..‬؟!‬

‫فإذا كان ملك امللوك وعدكم يف هذه العشية اللقاء‪ ،‬فكيف ستستعد القلوب وهي منتقلة تقول‪ :‬لبيك لبيك أنا‬
‫مستجيب!‬

‫مث إن لبيك هذه ليست أي كلمة‪ ،‬لبيك هذه ال تقولينها إال ملن حتبني‪ ،‬فهي جتمع ثالثة مفاهيم عظيمة‪:‬‬

‫‪ .1‬احملبة‬
‫‪ .2‬واالنقياد‬

‫‪1‬‬
‫القصص ‪22 :‬‬
‫‪2‬‬
‫احلج ‪11 :‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ .3‬واالستجابة‬

‫يعين أنا أحبك وأي أمر تأمرين به فأنا مستجيبة أتيت لندائك يارب وأنا حمبة مستجيبة منقادة‪ ،‬أعدك أن أبقى‬
‫على طاعتك‪ ،‬ال أستجيب هذه االستجابة مث أنتكس‪.‬‬

‫فلذلك عندما تقرأ يف سورة احلج قوله تعاىل‪{ :‬وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ} يعين كان بإميانه حمفوظ يف‬

‫السماء‪ ،‬فلما يتشتت قلبه ويتمزع {فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}‪. 1‬‬

‫ولذلك احذر مث احذر مث احذر! أن تأيت عشية يوم عرفة وأنت مل تعرف امللك الذي سوف تلقاه! أو قلبك‬
‫مشتت مع العبيد! ألنه كما أخرب سبحانه وتعاىل يف سورة الزمر {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَالً رَّجُالً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُالً‬

‫سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَالً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}‪ 2‬ضرب لنا مثل عجيب‪ ،‬ضرب لنا مثل لعبدين‪:‬‬

‫‪ .1‬واحد له شركاء متشاكسون‪ ،‬كان العرب يشرتي جمموعة رجال عبد واحد‪ ،‬يعين ساداته عشرة تقريبًا‪،‬‬
‫وهؤالء العشرة على رأي واحد أم متشاكسون؟ متشاكسون‪ ،‬يرضي هذا ويغضب هذا‪ ،‬يرضي هذا‬
‫يغضب ذاك!‬
‫‪ .2‬وعبد ثاين لسيد واحد‪.‬‬

‫مث يسألك ربنا‪ :‬هل يستويان؟ ماذا ستجيب؟ ال يستويان لذلك بعدها‪{ :‬الْحَمْدُ لِلَّهِ} فكأنه يقال لك‪ :‬أنت‬
‫عندما تلقى ربك امللك‬

‫عبدا فيه شركاء متشاكسون يف تلك العشية (تلفونات ومكاملات وتذهب هلذا وتكلم هذا‬
‫‪ )1‬إما أنك تكون ً‬
‫اعا‬
‫اعا أمز ً‬
‫وتشاور هذا وتفكر يف كذا‪ )..‬إما يكون قلبك فيه شركاء متشاكسون أمز ً‬
‫‪ )2‬وإما أنك تكون لواحد‪ ،‬مللك واحد‪.‬‬

‫عبدا للشركاء املتشاكسون‪ ،‬واجعل نفسك‬


‫فاحذر أن تذهب هذه العشية وأنت من صنف الشركاء املتشاكسون‪ً ،‬‬
‫يف تلك العشية قلب جمموع على ملك واحد‪ ،‬إذا كان اهلل هو امللك فمن حنن؟ العبيد‪ ،‬إذا كان اهلل هو امللك‬

‫‪ 1‬احلج ‪31 :‬‬


‫‪ 2‬الزمر ‪21 :‬‬

‫‪9‬‬
‫القدوس السالم املؤمن املهيمن العزيز الذي ال حاجة له بعبادتنا‪ ،‬حنن نكون العبيد الفقراء املنكسرين بني يديه‪ ،‬مث‬
‫اعلم أن هذا امللك‪:‬‬

‫اجلبّار‬

‫إذا انكسر قلبك من اجلبّارين جربك وقصمهم! فهو وحده جبّار القلوب‪ ،‬فكلنا جئنا بآالمنا وأحزاننا ونقائصنا‪ ،‬ال‬
‫جربا لكسرك‪ ،‬ما جيربك إال اجلبار! ولو اجتمع أهل األرض‬
‫جربا لقلبك وال ً‬
‫تطرق بابًا غري بابه‪ ،‬ال تسأل أحد ً‬
‫شديدا؟! ليس هنالك ركنًا‬
‫كلهم على أن يقصموك‪ ،‬قصمهم اجلبّار سبحانه وتعاىل‪ ،‬فماذا تريد؟! أال تريد ركنًا ً‬
‫وتردد امسه وتقول‪{ :‬قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} ألست تقول أنه صمدك‬
‫شديدا إال ركن امللك الذي تعرفه ّ‬
‫ً‬
‫وملجؤك وموالك؟!‬

‫ألست تكرر على نفسك أنه وحده ال شريك له أنت أتيت ملبيًا له؟ يعين ال تقول كالم بلسانك وهو غري موجود‬
‫جبنانك‪ ،‬أنت تقول ((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ)) مل يأت قليب ألحد غريك‪.‬‬

‫ال تطوف وأنت تفكر يف فالن وفالن! وال يكن طوافك –خاصة طواف الوداع الذي فيه املشاكل!– تطوف‬
‫وأنت تفكر يف الطيارة ويف السيارة ويف اهلدايا يف فالن!! ال‪ ،‬طف وأنت تدور حول رضاه‪ ،‬قلبك معلق به‪ ،‬طواف‬
‫اإلفاضة هذا من املفرتض أن يكون خمتلف عن طواف القدوم‪ ،‬خمتلف عن طواف العمرة؛ ألنك قابلت امللك!‬

‫قابلت امللك يف احلل يف عرفة‪ ،‬فكأنك وقفت خارج باب امللك‪ ،‬فأنت تقف عند بابه تطلبه يباهي بك وأنت آيت‬
‫طاهر القلب‬

‫مث أذن لك باإلزدالف بالقرب فدخلت مزدلفة‬

‫مث ذهبت إىل مىن مكان المىن! فماذا فعلت؟ أرقت الدماء تقربًا إليه سبحانه‬

‫مث أذن لك بعد هذا الطهر أن تطوف حول بيته‪ ،‬أن تسعى طلبًا لرضاه‪ ،‬فال بد أن يكون طواف اإلفاضة خمتلف‬
‫عن طواف القدوم‬

‫‪ 1‬اإلخالص ‪2 ،1 :‬‬
‫‪" 2‬صحيح البخاري" (كتاب احلج‪ /‬باب التلبية‪.)1221 /‬‬

‫‪11‬‬
‫يوم العيد الذي هو اليوم العاشر هذا أعظم أيام الدنيا‪(( ،‬أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ))‪ 1‬نأكل ونشرب لكي نذكر ربنا‪،‬‬
‫فقربه فسمح له بالقرب‪ ،‬فلما اقرتب مسح له بأن يأكل ويشرب‬
‫عبدا قابل امللك فرضي عنه ّ‬
‫نتقوى‪ ،‬وكأ ّن ً‬
‫لكي ّ‬
‫ويتهنأ‪.‬‬

‫انظري ألهل اجلنة ‪-‬نسأل اهلل العظيم من فضله‪ -‬يدخلون اجلنة ضحى‪ ،‬كما أن أهل املوقف يصلون مىن ضحى!‬
‫جدا‪ ،‬ال نصل مىن إال ضحى‪ ،‬وضحى هذا موعد‬
‫يعين أننا لو اتبعنا السنة وبتنا يف مزدلفة ودعونا حىت إذا يسفر ً‬
‫دخول أهل اجلنة –نسأل اهلل من فضله‪ -‬للجنة‪.‬‬

‫مث إن أهل اجلنة يفعلون هذه الثالث أفعال‪ :‬يأكلون يشربون يذكرون‪ ،‬يفعلون هذه األفعال الثالثة‪ ،‬بل إهنم يلهموا‬
‫الذكر كما يلهموا الن فس!‬

‫ذكرا من ذي قبل‪ ،‬ال نفعل كما نفعل يف رمضان عندما‬


‫فكن يف هذا اليوم العظيم الذي هو اليوم العاشر أكثر ً‬
‫يقولون لنا أن ليلة سبعة وعشرين أرجى ليلة للقدر‪ ،‬فيقومون الناس إىل ليلة ‪ 27‬يعبدون اهلل وبقية األيام يتوقفون‬
‫عن العبادة! هذا يوم العاشر يف احلديث ((أَعْظَمُ األَيَّامِ عِنْدَ اهللِ يَوْمُ النَّحْرِ ‪ ،‬ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ))‪ 2‬يوم القر هو يوم‪ 11‬يوم أن‬
‫تكربه وتعظّمه‪ ،‬بعدما‬
‫الهجا‪ ،‬فماذا تقول يف الذكر واللهج؟ ّ‬
‫ذاكرا ً‬
‫نستقر‪ ،‬أكثر عمل يف هذا اليوم بقاء لسانك ً‬
‫قابلت امللك سبحانه القدوس السالم املؤمن املهيمن العزيز اجلبار‪ ،‬بعدما قابلته أكيد أنك علمت أن امللك‬

‫املتكبّر‬

‫متكرب عن كل نقص‪ ،‬فأكيد بعدما قابلت امللك ستكثر من كلمة اهلل أكرب؛ ملا رأيت من آثار كربيائه‬
‫كبري عظيم‪ّ ،‬‬
‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬فكان اليوم العاشر يوم التكبري الذي ال ينفض‪.‬‬

‫ال تشتغلوا عن الذكر‪ ،‬اعلموا أن احلجاج يقصرون الصالة وال يصلون العيد‪،‬كل هذا حىت يشتغلوا مبناسك احلج‪،‬‬
‫ال تظن أنه ينتهي حجك عندما تنفر من مىن وخترج‪ ،‬فكثري من املخيمات يقعون يف أخطاء‪ ،‬تشغل احلجاج عن‬
‫العمل العظيم يف اليوم العاشر‪ ،‬اليوم العاشر هذا يوم عبادة‪ ،‬يوم ذكر‪ ،‬كل واشرب ال بأس‪ ،‬لكن ال يتوقف‬
‫لسانك عن تكبريه‪ ،‬عن تعظيمه‪ ،‬قد علمت أن امللك هو املتكرب‪ ،‬املفروض تعود أكثر له ذكًرا‪ ،‬أكثر له شكًرا‪،‬‬
‫انكسارا‪ ،‬ذهبت فقابلت امللك‪ ،‬وعدت على يقني أن امللك الذي أنت عبد له ما وصفه؟‬
‫ً‬ ‫أكثر رقّةً‪ ،‬أكثر‬

‫‪ 1‬رواه مسلم (كتاب الصيام‪ /‬باب حترمي صوم أيَّام التَّشريق)‪.‬‬


‫‪ 2‬رواه اإلمام أمحد وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫يكربه‪ ،‬علمت من‬
‫مبتكرب آخر اسم‪ ،‬بقي لسانك ّ‬
‫قدوس سالم مؤمن مهيمن عزيز جبار متكرب‪ ،‬انظري خرجت ّ‬
‫أعماال لذاك اليوم‪.‬‬
‫هو امللك فبقي لسانك يكربه‪ ،‬اعمل ً‬

‫وغدا ‪ 1‬إن شاء اهلل نسأل اهلل أن جيمعنا أمجعني يف جنات النعيم وأن جيعل يوم عرفة على اجلميع‬
‫اليوم حنن يف ‪ً ،7‬‬
‫غدا عندما تذهبون إىل مىن‪ ،‬وعليكم‬
‫يوم خري وبركة‪ ،‬استعد من اآلن اذكر‪ّ ،‬ليب‪ ،‬إذا كنتم متمتعني فالتلبية ستكون ً‬
‫ييسر‬
‫أعماال من أجل أن يكون اجلزاء أن ّ‬
‫بالتكبري التكبري‪ ،‬أما القارن واملفرد فاآلن التلبية‪ ،‬قم الليل‪ ،‬سبّح‪ ،‬امجع ً‬
‫ذاكرا! مث‬
‫اهلل لك مجع قلبك عشية يوم عرفة‪ ،‬ال تكن متشتتًا بعد ذلك تريد أن جتد نفسك يوم عرفة باكيًا داعيًا ً‬
‫أكثر يف ذلك اليوم من ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ ولَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))‪.‬‬

‫أما هذا الذكر فهو ذكر ودعاء‪ ،‬ما وجه أنه ذكر ودعاء؟ كأنك تقول أنا اآلن بني يدي امللك‪ ،‬نضرب هذا املثال‪:‬‬

‫لو قيل لك‪ :‬ادخل على امللك واطلب منه أعلى رقم تعرفه‪ ،‬أنت تعرف مليون‪ ،‬قال لك ماذا تريد؟ قلت له‬
‫مليون‪ ،‬وآخر أفهم منك دخل عليه وقال له أنا سأطلب منك ما يناسب عظمتك‪ ،‬فأيهما أبلغ يف الطلب؟‬
‫الثاين‪.‬‬

‫فهذا مثل وقوفنا عند باب امللك سبحانه‪ ،‬واحد يقول ال إله يل أطلبه وال أسأله وال انكسر بني يديه وال أفتقر إال‬
‫إليه‪ ،‬أنا ليس يل غريك يارب‪ ،‬أعطيين مبا يناسب عظمتك وحكمتك ووصوف كمالك‪ ،‬هذا يف ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ‬

‫لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ ولَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) تقول له أنا أعلم أنه ليس يل إله إال أنت‪ ،‬وأعلم أنك على‬
‫كل شيء قدير‪ ،‬وأعلم أنك مطلع على ما قام يف قليب‪ ،‬فأعطين ما يناسبين‪ ،‬وآخر يوصف له‪ ،‬يارب بييت وزوجي‬
‫وأوالدي‪ !..‬فرق‪ ،‬وهذا ال مينع‪ ،‬اطلب ما شئت‪ ،‬لكن ال بد أن تعرف الكمال بقاء ماذا؟ قوله‪(( :‬خَيْرُ الدُّعَاءِ‬

‫دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ‪ ،‬وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي‪ :‬الَ إِلَهَ إِالَّ اللَّهُ وَحْدَهُ الَ شَرِيكَ لَهُ‪ ،‬لَهُ الْمُلْكُ ولَهُ احلَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ‬

‫قَدِيرٌ ))‪ 1‬ألن هذا فيه اعرتاف أنه هو وحده الذي يدلك على الصواب‪ ،‬هو وحده الذي يق ّدر لك اخلري‪ ،‬هو‬
‫وحده الذي يعطيك فيبارك لك‪ ،‬يعطيك فال يفتنك مبا أعطاك‪.‬‬

‫‪ 1‬رواه الرتمذي (كتاب الدعوات‪ /‬باب ِف دعاء ي وم عرفة)‪ ،‬وحسنه األلباين‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫وأما الطمع فهو الطمع يف مغفرته سبحانه وتعاىل! وأما الطمع فأن حتسن لنا اخلواتيم‪ ،‬وأما الطمع فهو أن نلقى‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم على احلوض ال ن ّرد عنه‪ ،‬وأما الطمع يف أن جناوز الصراط وندخل إىل اجلنات ونكون‬
‫يف الفردوس األعلى ‪-‬نسأل اهلل من فضله‪.-‬‬

‫فاجعل مطامعك عالية‪ ،‬وامجع الدنيا كلها يف كلمتني {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ‬

‫مستغفرا مثنيًا على امللك‪ ،‬يذهلك أنك بني يديه‪،‬‬


‫ً‬ ‫الهجا‬ ‫النَّارِ} امجع كل الدنيا يف هذه كلمتني‪ ،‬وابقى ً‬
‫ذاكرا ً‬
‫انظري يف سورة احلج ماذا حيصل {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} فكأنه يقال لك يف يوم لقاء امللك‬
‫اذهل عن كل شيء‪ ،‬وال بد أن يقع يف قلبك تعظيمه‪ ،‬البد أن تكون ممن آمن بالغيب وعلم يقينًا أنه نزل إىل‬
‫السماء الدنيا سبحانه يف هذه العشية‪ ،‬فرتى بعني بصريتك ق ربه سبحانه وتعاىل وكمال صفاته‪ ،‬ولكن ليس كل‬
‫قلب يرى! وإمنا القلوب تنقسم على قسمني‪ :‬قلب بصري ‪ ،‬وقلب أعمى‪ .‬والبصر عند الناس متفاوت‪ ،‬فنسأل اهلل‬
‫تعاىل أن يبصر قلوبنا ويرينا عظمته سبحانه وتعاىل يف كل شيء وجيمع علينا قلبونا يف ذلك املوقف ‪.‬‬

‫وأخريا‪ :‬اخرت لنفسك من تكون من هؤالء األربعة الذين وصفوا يف سورة البقرة يف أواخر الكالم عن احلج‪ ،‬وصف‬
‫اهلل الناس بأربعة أصناف ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫‪{ )1‬فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}‬
‫‪2‬‬
‫‪{ )2‬وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}‬
‫‪2‬‬
‫‪{ )3‬وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ ألَدُّ الْخِصَامِ }‬

‫يعين هذا واحد له صورتان صورة أمام الناس طائع حمب منكسر وهو من الداخل كذاب ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ )2‬نأيت اآلن للصورة الكاملة {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}‬

‫‪1‬‬
‫البقرة ‪211 :‬‬
‫‪2‬‬
‫احلج ‪2 :‬‬
‫‪3‬‬
‫البقرة ‪211 :‬‬
‫‪2‬‬
‫البقرة ‪211 :‬‬
‫‪2‬‬
‫البقرة ‪212 :‬‬
‫‪3‬‬
‫البقرة ‪217 :‬‬

‫‪13‬‬
‫لن يكلفك فوق طاقتك فاخرت لنفسك من تكون من هؤالء األربعة يف احلج وبعده‪ ،‬واعلم أنه ال بأس بأن تطلب‬
‫كمل نفسك بإرادة اآلخرة؛ ألن الدنيا كلها غمضة عني‪ ،‬وأكيد أنك تسمع عن‬
‫الدنيا باآلخرة ال بأس‪ ،‬ولكن ّ‬
‫موت الفجأة‪ ،‬هذا مات حبادث‪ ،‬هذا مات وهو شاب‪ ،‬هذا مات وهو عريس‪ ..‬هذه األخبار ملاذا ال تثقب‬
‫القلوب؟! وحنن نعلم أنه مجيعنا طريقنا واحد وإن اختلفت صوره‪ ،‬وليس معىن ذلك أنك ال تطلب الدنيا‪ ،‬اطلب‬
‫وامجع الدنيا كلها يف كلمة واحدة (آتنا يف الدنيا حسنة) مث أبقي فكرك يف اآلخرة‪ ،‬ولذلك انظر إىل الثالث‬
‫الدعوات {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} ثلث‪ ،‬والباقي {وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}‪ ,‬مث رقّي نفسك أن‬

‫تكون من {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}‪.‬‬

‫انتهى اللقاء وهلل احلمد‪.‬‬

‫‪14‬‬

You might also like