You are on page 1of 6

‫المحور السادس‪ :‬التنسيق الضريبي الدولي‪.

‬‬
‫يدخل التنسيق الضرييب يف اطار العمل على إحداث تقارب يف السياسات الضريبية وجتنب املنافسة الضريبية الضارة هبدف حتقيق التكامل االقتصادي‪ ،‬و تشجيع االستثمار‬
‫بشكل حيقق مصاحل كل دولة‪.‬‬
‫أوال‪ .‬مفهوم التنسيق الضريبي‪:‬تضمنت الدراسات االقتصادية اليت تناولت هذا املوضوع العديد من التعاريف من بينها‪:‬‬
‫‪ .1‬التعريف األول‪ ":‬يقوم التنسيق الضرييب بني الدول على إزالة أوجه االختالف بني النظم و التشريعات الضريبية‪ ،‬حبيث تصبح متناغمة و متناسقة و متقاربة يف خمتلف‬
‫اجملاالت الضريبية‪ ،‬و من أمهها‪ :‬قواعد حتديد الواقعة املنشئة للضريبة‪ ،‬و أحوال و شروط منح اإلعفاءات الضريبية‪ ،‬و معدالت الضرائب‪".‬‬
‫‪ .2‬التعريف الثاني‪ ":‬يعين السعي إىل إزالة أهم أوجه االختالف بني النظم و التشريعات الضريبية حبيث تبتعد عن التناقض و تصبح متقاربة يف خمتلف اجلوانب‪.‬وقد يتسع جمال‬
‫التنسيق‪ ،‬و قد يقتصر على جانب أو جوانب قليلة‪".‬‬
‫‪ .3‬التعريف الثالث‪ ":‬التنسيق الضرييب هو جمموعة القواعد و االتفاقيات و التعاقدات املربمة بني عدة دول‪ ،‬هبدف إزالة التناقضات فيما بينها و اليت تعرفها أنظمتها الضريبية‬
‫املختلفة‪ ،‬و منعها من اإلضرار بالتكامل االقتصادي‪".‬‬
‫‪ .4‬التعريف الرابع‪ ":‬التنسيق الضرييب هو جمموعة اإلجراءات اليت هتدف إىل ختليص الضريبة من آثارها غري املالئمة لتنمية العالقات االقتصادية واملالية الدولية‪ ،‬وحماولة خلق‬
‫ظروف مشاهبة لتلك اليت توجد يف اقتصاد موحد تسوده املنافسة‪ ،‬وتتمتع فيه السلع ورؤوس األموال واألفراد حبرية االنتقال‪ ،‬مما يساعد على التخصيص األمثل للموارد‪".‬‬
‫تأسيسا على التعاريف السابقة ميكن استنتاج أن التنسيق الضرييب يشمل ما يلي‪ - :‬التعديل اجلزئي والتدرجيي لألنظمة الضريبية الوطنية املختلفة‪ ،‬اليت تعرف اختالفا‬
‫يف اهلياكل و تباينا يف األعباء الضريبية اليت تقرها؛ ‪ -‬يستهدف التنسيق الضرييب حتقيق التقارب يف توزيع األعباء الضريبية بني الدول األعضاء‪ ،‬حتقيقا ملبدأ العدالة الضريبية‪ ،‬و‬
‫جتنبا لظاهريت التهرب و االزدواج الضريبيني؛ ‪ -‬إزالة العقبات و احلواجز الضريبية اليت ميكن أن حتد من املنافسة بني الدول‪.‬‬
‫ثانيا‪ .‬نطاق التنسيق الضريبي ‪ :‬ال يقتصر التنسيق الضرييب على اجملال الدويل‪ ،‬حيث ميكن أن يكون التنسيق مطلوبا حمليا أو داخل الدولة الواحدة‪:‬‬
‫‪ .1‬على المستوى المحلي‪ :‬كما هو احلال يف الدول الفيدرالية اليت متنح كال من احلكومة الفيدرالية و حكومات الواليات أو األقاليم احلق يف فرض الضريبة‪ .‬و قد يقتصر‬
‫جمال التنسيق الضرييب على أنواع حمددة من الضرائب و قد يكون شامال لكل الضرائب‪.‬‬
‫‪ .2‬على المستوى الدولي‪ :‬ينطلق التنسيق الضرييب بإبرام الدول التفاقيات و معاهدات قصد إزالة التناقض بني نظمها الضريبية‪ ،‬و يشمل اجملاالت التالية‪ - :‬أساليب حتديد‬
‫الواقعة املنشئة للضريبة‪ ،‬األوعية الضريبية‪ ،‬و مستوى معدالت الضرائب؛ ‪ -‬ظروف و شروط منح املزايا الضريبية‪ ،‬و أساليب مكافحة الغش الضرييب‪.‬‬
‫ثالثا‪ .‬أهداف التنسيق الضريبي ‪ :‬اهلدف من التنسيق الضرييب هو‪ - :‬جتنب االنعكاسات السلبية للمنافسة الضريبية الضارة؛ ‪ -‬حتقيق حيادية الضريبة اجتاه االستثمار‬
‫والتجارة الدوليني‪ ،‬بواسطة التنسيق و إزالة العوائق أمام انتقال األشخاص والسلع و رؤوس األموال بني الدول املعنية بالتنسيق‪ ،‬ومن مث تشجيع االستثمارات املشرتكة وتنميتها‪.‬‬
‫ختتلف هذه األهداف تبعا ملستوى العالقات االقتصادية بني الدول من جهة و املدى الزمين من جهة أخرى‪.‬‬
‫كما أن للتنسيق الضرييب جمموعة من األهداف األخرى ميكن تلخيصها يف اجلدول املوايل‪:‬‬
‫األهداف يف املدى الطويل‬ ‫األهداف يف املدى القصري‬
‫‪ -‬التوجه حنو التكامل االقتصادي؛‬ ‫‪ -‬جذب أكرب قدر من االستثمارات الدولية للدولة املضيفة؛‬
‫‪ -‬التنسيق يف السياسات املالية و النقدية؛‬ ‫‪ -‬تقدمي تسهيالت تـؤدي إىل عملية تراكم رأس املال؛‬
‫‪ -‬زيادة حجم التجارة البينية؛‬ ‫‪ -‬احلصول على حصة من حجم األموال املتاحة لالستثمار الدويل؛‬
‫‪ -‬زيادة حجم االستثمار املشرتك؛‬ ‫‪ -‬توفري قاعدة لبناء أسواق املال و البورصات احمللية؛‬
‫‪ -‬القضاء على التضخم؛‬ ‫‪ -‬توفري فرص املنافسة مع الدول الصناعية الكربى؛‬
‫‪ -‬ختفيض أسعار املنتجات ملا يسمح بالتصدير الدويل؛‬ ‫‪ -‬حتقيق تكامل اقتصادي يف شكل مشروعات مشرتكة جديدة؛‬
‫‪ -‬جذب مزيد من االستثمارات؛‬ ‫‪ -‬تشجيع توطن رأس املال احمللي؛‬
‫‪ -‬استقرار مناخ االستثمار؛‬ ‫‪ -‬االستفادة من مزايا مثيلة من الدول األعضاء يف التنسيق؛‬
‫‪ -‬حتسني العائد على االستثمار؛‬ ‫‪ -‬تشجيع التجارة البينية؛‬
‫‪ -‬توظيف عوامل اإلنتاج احمللية؛‬ ‫‪ -‬حتسني مناخ االستثمار‪.‬‬
‫‪ -‬حتقيق مزايا اإلنتاج الكبري؛‬
‫‪ -‬االستخدام األمثل للموارد املتاحة‪.‬‬
‫رابعا‪ .‬آليات و أساليب التنسيق الضريبي‪ :‬حيتاج التنسيق الضرييب الدويل إىل عدد من اآلليات اليت تضمن جناحه‪ ،‬تتمثل يف وجود هياكل ومؤسسات ضريبية‪ ،‬وخطط عمل‬
‫وعقود قانونية تسهر على التطبيق العملي ملخطط التنسيق الضرييب‪.‬‬
‫‪ .1‬االتفاقيات الضريبية‪ :‬تعد أكثر اآلليات استخداما يف هذا اجملال‪:‬‬
‫أ‪ .‬هدف االتفاقيات‪:‬هتدف االتفاقية الضريبية إىل‪ - :‬تفادي االزدواج الضرييب؛ ‪ -‬مكافحة التهرب الضرييب؛ ‪ -‬إرساء قواعد التعاون يف اجملال الضرييب‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫لذلك فهي تعرب عن سعي كل طرف فيها لتحقيق مبدأ العدالة واملساواة يف فرض الضريبية من خالل جتنب اآلثار السلبية لكل من االزدواج والتهرب الضريبيني‪ ،‬والعمل‬
‫على ترقية وتشجيع االستثمار‪.‬‬
‫ب‪ .‬أشكال اتفاقيات التنسيق الضريبي‪ :‬قد يكون هذا التنسيق من خالل‪ - :‬اتفاقية عامة اقتصادية أو جتارية تتضمن بعض بنودها ما يتعلق بالتنسيق الضرييب بني الدول؛‬
‫‪ -‬اتفاقية خاصة باجلانب الضرييب ف قط‪ ،‬مثل اتفاقيات جتنب االزدواج الضرييب عن طريق منح تسهيالت للمستثمرين بإعفائهم من الضرائب على األرباح‪.‬‬
‫‪.2‬اإلدارات واألجهزة الضريبية فوق القطرية‪ :‬حيث يقتضي التنسيق بني الدول يف اجملال الضرييب‪ ،‬تعاونا وثيقا بني أجهزهتا الضريبية‪ ،‬يشمل تبادل املعلومات واخلربات‪،‬‬
‫تقريب التشريعات و املصطلحات وطرق املعامالت‪.‬‬
‫‪ .1.2‬أشكال تعاون اإلدارات واألجهزة الضريبية‪ :‬يعد التعاون بني اإلدارات الضريبية كشكل من أشكال التنسيق الضرييب أداة فعالة ملكافحة ظاهريت التهرب واالزدواج‬
‫الضريبني الدوليني نتيجة املعطيات اليت توفرها هذه األجهزة‪ ،‬وعلى املستوى الدويل هناك العديد من املشاريع املتعلقة بالتعاون والتنسيق الضرييب الدويل املرتكزة على مدخل‬
‫اإلدارة الضريبية منها‪:‬‬
‫‪ -‬االتفاق الثنائي الخاص بالتعاون اإلداري في تحديد الوعاء الضريبي ‪ :‬يهدف إىل تبادل املعلومات املتعلقة باإليرادات اخلاضعة للضريبية بني الدول املتعاقدة يف ظل‬
‫احرتام كل دولة لسيادهتا الضريبية يف حدود إقليمها‪.‬‬
‫‪ -‬االتفاق الخاص بالتعاون اإلداري في تحصيل الضرائب‪ :‬يهدف إىل متكني الدول املتعاقدة من جباية ديوهنا الضريبية يف إقليم الدول األخرى‪ ،‬شريطة أن تكون مستحقة‬
‫األداء و حتصل طبقا لقوانني الدولة املطلوب منها للك‪.‬‬
‫ويتوجب على الدول املتعاقدة أن تنشئ يف ما بينها جملسا أعلى للضرائب تعهد اليه مهمة دراسة العقبات اإلدارية و التنظيمية اليت تعيق التنسيق الضرييب‪ ،‬فضال عن العمل‬
‫على حتسني األداء الضرييب و تعبيئة املوارد املالية مبا خيدم األهداف التنموية للدول األعضاء‪ .‬مع إخضاعه لسلطة اجلهة املشرفة على التكتل أو االحتاد‪ ،‬حبيث تكون له‬
‫الصالحية القانونية يف وضع القرارات والتعليمات امللزمة‪ ،‬و مراقبة التشريعات الداخلية للدول مبا يضمن تنفيذ التنسيق على حنو فعال‪.‬‬
‫‪ .2.2‬صعوبات التعاون اإلداري‪ :‬يواجه إبرام االتفاقيات اخلاصة بالتعاون اإلداري يف اجملال الضرييب عدة صعوبات منها‪:‬‬
‫‪ -‬عدم تكافؤ مزايا الدول المتعاقدة‪ :‬نتيجة قبول مبدأ التعاون الضرييب اإلداري‪ ،‬للك أن الدول اليت تتوفر على نظم ضريبية فعالة و عادلة قد ال تشعر حباجة ماسة ملكافحة‬
‫التهرب و االزدواج الضريبيني اليت يتيحها التعاون اإلداري؛‬
‫‪ -‬تباين أسس وأهداف النظم الضريبية‪ :‬حيد من فرص التعاون اإلداري بينها‪ ،‬حيث يصعب حتقيق تعاون ضرييب سليم بني دول ختتلف على املستوى الضرييب واالقتصادي‬
‫والسياسي؛‬
‫‪ -‬التحفظ في تقديم المعطيات االقتصادية‪ :‬تتيح االتفاقيات الضريبية يف جمال التعاون اإلداري طلب معلومات عن بعض أوجه النشاط االقتصادي‪ ،‬ما ينجم عنه إفشاء‬
‫بعض األسرار االقتصادية كإفشاء األسرار املهنية‪ ،‬و املعلومات اخلاصة باألرصدة النقدية و األوراق املالية و غريها‪ ،‬األمر الذي قد ال يلقى قبوال لدى كافة الدول‪.‬‬
‫يف اإليرادات الضريبية‪:‬‬ ‫‪ .3‬الصناديق التعويضية‪ :‬قد يتطلب تنسيق التشريعات و النظم الضريبية إنشاء صندوق تعويضي لتصحيح االختالل‬
‫‪ .1.3‬تمويل الصندوق‪ :‬ميول الصندوق من قبل الدول األعضاء وفق نظرية القدرة على الدفع أو من خالل فرض رسم مجركي لفائدة هذا الصندوق؛‬
‫‪ .2.3‬هدف الصندوق‪ :‬اهل دف من إنشاء هذا الصندوق هو تعويض الدول اليت قد تتضرر من عملية التنسيق و تعرف اخنفاضا حادا يف إيراداهتا الضريبية‪.‬‬
‫خامسا‪ .‬اآلثار االقتصادية للتنسيق الضريبي‪ :‬ميكن أن حيقق التنسيق الضرييب مجلة من املنافع أو اإلجيابيات‪،‬كما قد يتسبب يف احلاق الضرر ببعض الدول‪.‬‬
‫‪ .1‬اآلثار االيجابية ‪ :‬تتمثل أبرز اآلثار االجيابية اليت ميكن أن حيدثها التنسيق الضرييب يف‪:‬‬
‫‪ 1.1‬التقليل من حجم التشوهات االقتصادية ‪ :‬تعمل االختالفات يف القواعد الضريبية اليت تطبقها الدول أحاديا على تشويه االقتصاد العاملي‪ ،‬ألهنا تؤثر على قرارات‬
‫املنتجني و امل ستهلكني‪ ،‬حبيث ال تصبح الضريبة حيادية بالقدر املطلوب لضمان التبادل احلر للسلع و اخلدمات و رأس املال‪،‬و من بني هذه التشوهات‪:‬‬
‫ا) في مجال الضرائب على االستهالك‪ :‬يؤدي فرض الضريبة على القيمة املضافة على السلع و اخلدمات املستهلكة داخل الدولة مبعدالت خمتلفة تبعا لنوع أو طبيعة السلعة‬
‫أو اخلدمة أو على سلع أو خدمات دون غريها إىل التأثري على التدفقات التجارية من و إىل هذه الدولة‪ .‬و فرض الضريبية هبذه الكيفية حيدث تغيريات يف أسعار‬
‫االستهالك؛ مما يؤثر على قرارات الشراء و منه االستهالك بالزيادة أو النقصان‪ ،‬وبالتايل التأثري على مستويات الرفاهية االقتصادية للمستهلكني‪ .‬و سينعكس للك على‬
‫إعادة ختصيص موارد اجملتمع بني أوجه االنتاج املختلفة بشكل ال يكون بالضرورة أمثال‪ .‬و ينتج عن عدم التنسيق تباعد أو احنراف األسعار احلدية للمنتجات البديلة على‬
‫املستوى العاملي؛‬
‫ب)‪ -‬في مجال الضرائب على الدخل‪ :‬قد تفرض هذه الضريبة على أساس مبدأ مصدر الدخل‪ ،‬ما ينجم عنه إخضاع الشركات اليت حتقق دخال يف الدولة بصرف النظر‬
‫عن مكان إقامتها‪ ،‬يف الوقت الذي قد ختضع هذه الشركات للضريبة مرة أخرى يف الدول اليت تعترب مقيمة فيها‪ ،‬كون هذه الدول تطبق مبدأ عاملية اإليراد‪ ،‬و من مث تتعرض‬
‫الزدواج ضرييب يقلل من العائد و يزيد من تكلفة االستثمار‪ ،‬األمر الذي يؤثر على قرار االستثمار‪.‬‬
‫يتضح التشوه يف احلاالت السابقة من خالل مقارنة أسعار املنتجات نتيجة تأثرها بتلك القواعد الضريبية مع األسعار البديلة هلذه املنتجات فيما لو كان التنسيق الضرييب‬
‫موجودا بني هذه الدول‪ ،‬ما يعين أن غياب التنسيق الضرييب يؤدي إىل عدم كفاءة ختصيص موارد العامل نتيجة تباعد أو احنراف األسعار احلدية للمنتجات البديلة‪ .‬و مع للك‬

‫‪16‬‬
‫هناك من يرى أن االختالف يف معدالت ضرائب الدخل و ال سيما الضريبة على أرباح الشركات ميكن أن يكون مقبوال إلا كانت هذه املعدالت منخفضة و تعوض التشوه‬
‫املتوقع على ختصيص املوارد‪.‬‬
‫‪ 2.1‬التقليص من التأثيرات الخارجية السلبية للضريبة ‪ :‬إن قيام أية دولة بصفة منفردة باختيار املعدالت الضريبية اليت متكنها من حتقيق أعلى مستوى من الرفاهية‪ ،‬سوف‬
‫يؤثر على مستويات الرفاهية يف الدول األخرى‪ ،‬و هو ما يعرف بالتأثريات اخلارجية للضريبة و اليت من أمهها‪:‬‬
‫ا‪ .‬التأثير على رفاهية المجتمع‪ :‬عند قيام دولة من الدول بفرض ضرائب انتاج مبعدالت منخفضة عن تلك املطبقة يف دولة أخرى‪ ،‬سيؤدي للك إىل تسهيل جذب االستثمار‬
‫إليها‪ ،‬ما قد يؤدي إىل خ سائر يف رفاهية الدولة الثانية نتيجة ما يعرف باغتصاب وعاء الضريبة‪ ،‬رغم أن هذا األثر السليب مل يؤخذ يف حسبان الدولة األوىل عند اختال‬
‫قرارها متجاهلة الكفاءة االقتصادية الدولية‪ .‬وقد يؤدي تنافس الدولتني على حتسني ظروفهما االقتصادية إىل مزيد من االختالف يف مستوى معدالت الضرائب و العمل‬
‫على ختفيضها إىل حد تفرضه املنافسة الضريبية‪ ،‬لذا من الضروري جلوئهما إىل التنسيق الضرييب بينهما للحد من االختالف يف معدالت الضريبة‪ .‬و التنسيق الضرييب ال‬
‫يعين بالضرورة تبين مبدأ توحيد املعدالت‪ ،‬حيث ميكن اإلبقاء على الضريبية املختلفة بني الدول األعضاء‪ ،‬إلا توفرت هلا خيارات احلد من التأثريات السلبية للمنافسة‬
‫الضريبية‪،‬من توفري الوعاء الضرييب املالئم و القواعد القانونية الواضحة‬
‫ب‪ .‬التأثير على األسعار و التكاليف‪ :‬الدول لات االقتصاد القوي ميكنها تصدير أوعيتها الضريبية إىل اخلارج ألهنا قادرة على فرض ضرائب على وارداهتا من الدول‪ ،‬ما يزيد‬
‫كلفة مؤسساهتا مبقدار الضرائب الداخلة يف االنتاج‪ .‬و نظرا للمركز االحتكاري للدول القوية يف السوق العاملي بإمكان مؤسساهتا إعادة تصدير ضريبة الواردات املفروضة‬
‫عليها يف صورة ارتفاع يف أسعار السلع املصدرة إىل اخلارج؛ و من مث نقل العبء الضرييب إىل املستهلك األجنيب‪.‬‬
‫ج‪ .‬التأثير على العبء الضريبي للمؤسسات‪:‬إن التأثريات اخلارجية للضريبة تبدو جلية أكثر على الشركات من خالل أثر السياسة الضريبية اليت تطبقها دولة معينة على‬
‫الدول األخرى‪ ،‬فإلا كان عبء الضريبة على الشركات يف هذه ا لدولة مرتفعا نسبيا عن بقية الدول‪ ،‬ساهم للك يف انتقال وعاء الضريبة إىل الدول اليت ينخفض فيها‬
‫العبء‪ ،‬ما يتولد عنه تدفقات خارجية لرأس املال من الدول لات العبء الضرييب املرتفع إىل الدول لات العبء املنخفض‪.‬‬
‫‪ 3.1‬تخفيض الكلفة اإلدارية للضريبة ‪ :‬يعمل التنسيق الضرييب على ختفيض التكاليف االدارية للضريبة بالنسبة لدإدارة الضريبية و املكلف بالضريبة‪:‬‬
‫ا‪ .‬بالنسبة لإلدارة الضريبية‪ :‬تتقلص كلفتها لعدم احلاجة إىل البحث عن معامالت ضريبية خمتلفة يف كل دولة كما هو احلال يف حالة غياب التنسيق الضرييب‪ ،‬سواء ما تعلق‬
‫بتحديد الدخل أو حتديد التكاليف و غريها؛‬
‫ب‪ .‬النسبة للممول‪ :‬يتحمل كلفة أقل؛ خبالف ما لو كانت األنظمة و اإلجراءات الضريبية يف الدول لات الصلة بنشاطه االقتصادي متباينة و متعددة‪،‬و ينعكس هذا‬
‫التخفيض على كلفة املنتجات‪ ،‬مما خيفض أسعارها و يرفع قدرهتا على التسويق اخلارجي‪.‬‬
‫‪.2‬اآلثار السلبية ‪ :‬يعترب اخنفاض احلصيلة الضريبية لبعض الدول‪ ،‬و عدم مالئمة برنامج التنسيق الضرييب للظروف االقتصادية لبعض الدول األخرى‪ ،‬و ما ينجم عن للك من‬
‫تشوه يف هياكلها االنتاجية أبرز اآلثار السلبية للتنسيق الضرييب ما مل يتم تداركها‪:‬‬
‫‪ 1.2‬انخفاض الحصيلة الضريبية لدى بعض الدول‪ :‬يرتتب عن التنسيق الضرييب إحداث تعديالت يف التشريعات الضريبية الوطنية للدول األعضاء يف التكتل‪ ،‬ما ينجم عنه‬
‫زيادة يف املعدالت الضريبية لبعضها‪ ،‬و ختفيضا يف معدالت الضرائب لدى دول أخرى‪ ،‬إضافة إىل تعديل قواعد حتديد الوعاء الضرييب؛ ما يوفر إيرادات ضريبية أكثر مما‬
‫كانت حتصله بعض الدول قبل التنسيق‪ ،‬و يضيع على بعض الدول جزءا من حصيلتها الضريبية السابقة‪ ،‬و هذا يعين أن التنسيق الضرييب يؤدي إىل إعادة ختصيص أو‬
‫توزيع اإليرادات الضريبية بني الدول األعضاء‪ ،‬فيمكن أن تتضرر الدول املعتمدة بصفة أساسية على اإليرادات الضريبية يف متويل ميزانيتها العامة‪.‬غري أن هذا الضرر قد‬
‫يكون على املدى القصري؛ فبعض الدول اليت خفضت معدالهتا الضريبية ميكن ان تستفيد من تدفقات رؤوس األموال اليها أكثر من لي قبل‪ ،‬األمر الذي يؤدي اىل‬
‫التوسع األفقي للوعاء الضرييب‪ ،‬ما ينتج عنه زيادة احلصيلة الضريبية يف املدى الطويل‪ .‬كما أن الزيادة يف املعدالت الضريبية اليت تعرفها بعض الدول ال تعين بالضرورة زيادة‬
‫احلصيلة؛ بل قد يؤدي للك اىل نقصاهنا حبسب منطق قانون الفر‪.‬‬
‫‪ .2.2‬تشوه بنية االقتصاد المحلي ‪:‬رغم مسامهة التنسيق الضرييب يف احلد من التشوه الناتج عن املنافسة الضريبية على املستوى الدويل‪ ،‬إال انه قد يتسبب يف التشوه‬
‫االقتصادي داخل الدولة أو الدول األعضاء‪ ،‬و أبرز مظاهره‪:‬‬
‫ا‪ .‬مجاالت االنفاق العام وأهميته‪ :‬إن جماالت االنفاق العام وأمهيته ختتلف من دولة إىل أخرى‪ ،‬ومن مث تتباين األساليب الضريبية املالئمة لضمان متويل هذا االنفاق‪ ،‬األمر‬
‫الذي يتعارض مع هدف التنسيق الضرييب خاصة يف ظل اختالف مستويات التنمية االقتصادية بني الدول املتكتلة؛‬
‫ب‪ .‬اختالف أولويات االنفاق العام بين الدول‪ :‬ففي حني خختصص النسبة العظمى منه يف الدول املتقدمة للنفقات االجتماعية و الصحية‪ ،‬ختصص حكومات الدول النامية‬
‫معظمه للخدمات االقتصادية و الدفاع و التعليم؛‬
‫ج‪ .‬تباين سبل زيادة اإليرادات الضريبية بين الدول‪ :‬فالدول املتقدمة تركز على الضرائب املباشرة‪ ،‬بينما تركز الدول النامية على الضرائب غري املباشرة على السلع و اخلدمات‬
‫و الضرائب على التجارة اخلارجية‪.‬‬
‫مع للك تزداد أمهية التنسيق الضرييب يف ظل توسع قيام التكتالت االقتصادية و ما أدى إليه من تقليل يف أمهية السياسات املالية املستقلة لكل دولة على حدى وفقا‬
‫ملصاحلها الذاتية‪ ،‬لتحل حملها السياسات املالية التبادلية بني الدول ملا هلذه األخرية من منافع‪ ،‬حيث تعمل على ختفيض الضغط الذي تتعرض له الدولة اليت ختفض املعدالت‬

‫‪17‬‬
‫الضريبية جلذب االستثمارات إليها حيث تضطر يف كل مرة إىل االستمرار يف التخفيض ملواجهة املواقف املماثلة للدول األخرى يف إطار املنافسة الضريبية حنو القاع‪ ،‬إضافة إىل‬
‫ما توفره هذه السياسة من تفعيل لقدرة اإلد ارات الضريبية على التعاون لتحصيل الضريبة و مكافحة التهرب الضرييب‪ ،‬و تقليل االزدواج الضرييب الدويل‪.‬‬

‫المحور السابع‪ :‬الجنات الضريبية‪.‬‬


‫أوال‪ .‬مفهوم الجنات الضريبية‪ :‬يرتبط مصطلح اجلنات الضريبية باألنظمة الضريبية هلذه الدول ‪ ،‬وقد تعددت املصطلحات تطلق على هذه الدول فهناك من يطلق عليها‬
‫اسم امللجأ الضرييب"‪." Refuge Fiscal‬والبعض اآلخر يفضل تسميتها بالواحة الضريبية"‪ "Oasis Fiscal‬باعتباره أكثر مالئمة من مصطلح اجلنات الضريبية‪ ،‬أو دول‬
‫اإلجازات الضريبية ‪ "Vacances Fiscales "،‬أما الدول األجنلوسكسونية فأطلقت عليها اسم " ‪ ،" Tax Haven‬أي اجلنات الضريبية‪.‬‬
‫رغم تباين التسميات يبقى مصطلح اجلنات الضريبية األكثر شيوعا ‪ ،‬وتعرف اجلنات الضريبية على أهنا إقليم وطين تكون فيه االقتطاعات الضريبية يف جمموعها أقل من‬
‫غريها يف أي مكان آخر‪ ،‬وحيث يصل األمر من الناحية العملية إىل عدم وجود ضريبة على اإلطالق‪.‬‬
‫‪ -‬كما تعرف على أهنا دول أو أقاليم تتمتع بسيادة ضريبية كاملة ‪ ،‬وباستقاللية سياسية وإدارية ‪ ،‬تتميز بضعف معدل الضرائب أو انعدامه ‪ ،‬غياب الرقابة على أسعار‬
‫الصرف ‪ ،‬السر املصريف وكذا ضرورة توفر نظام بنكي ومايل فعال"‪.‬‬
‫ثانيا‪.‬خصائص الجنات الضريبية‪ :‬تتميز اجلنات الضريبية جبملة من اخلصائص نذكر من بينها‪:‬‬
‫‪ .1‬معدل ضريبة منخفض أو معدوم ‪ :‬من أهم خصائص اجلنات الضريبية احلوافز· وامليزات اليت مينحها التشريع الضرييب فيما يتعلق بالضرائب املفروضة على الدخول‬
‫رؤوس األموال واملعامالت وهو ما يعد عامل جذب لرؤوس األموال األجنبية اليت تساهم يف التنمية االقتصادية لدول اجلنات الضريبية واليت عادة ما تكون دول صغرية ال جتد‬
‫أمامها وسيلة لتحقيق التنمية إال عن طريق إقرار معدالت ضريبية منخفضة أو معدومة‪.‬‬
‫‪ .2‬االستقرار السياسي ‪ ،‬االقتصادي ‪ ،‬القانوني واالجتماعي ‪ :‬يعد استقرار هذه· العوامل من أهم عناصر جناح اجلنات الضريبية ‪ ،‬إل البد من متتع دول اجلنات الضريبية‬
‫بأكرب قدر ممكن من االستقرار يف كافة اجملاالت ‪ ،‬أي جيب أن تتوفر على األمان وضمان االستثمارات ‪ ،‬أن ختلو من أي حركات سياسية أو تغريات مفاجئة يف التشريعات‬
‫القانونية اليت من شأهنا تعطيل مصاحل املستثمرين‪.‬‬
‫‪ .3‬السرية ‪:‬العنصر الثالث الذي جيب توفره يف دول اجلنات الضريبية وهو السرية· خاصة فيما يتعلق مبعامالت البنوك واملعامالت التجارية‪.‬‬
‫تسعى الشركات متعددة اجلنسيات إىل التعامل مع البنوك على أعلى مستوى من الكفاءة والسرية باعتبار أن كافة معامالت هذه الشركات من إيداعات وقروض تتم بواسطة‬
‫البنوك ‪ ،‬وعليه تعمد الشركات إىل التعامل مع تلك اليت تضمن هلا سرية املعامالت البنكية والتجارية ‪ ،‬هذه السرية اليت عادة ما تتجسد يف شكل إبرام عقد بني املتعامل والبنك‬
‫الذي يلتزم مبقتضى هذا العقد ضمان سرية املعامالت املالية للعميل‪.‬‬
‫خيشى معظم املستثمرون اإلفصاح عن مداخيلهم احملققة خارج الدولة األم مما يدفعهم للجوء إىل هذه اجلنات اليت توفر هلم ضمان سرية معامالهتم البنكية والتجارية ‪ ،‬لذى‬
‫تعد هذه السري عامل أساسي البد من أن يتوفر يف دول اجلنات الضريبية ‪ ،‬ليس فقط عندما يتعلق األمر بتحويالت املتهربني من الضريبة بل أولئك أيضا الذين حياولون جتنب‬
‫املعدالت الضريبية املرتفعة وكذا التحفظ على حياهتم اخلاصة بعدم إفصاحهم عن مداخيلهم احلقيقية ‪ ،‬ومثال للك سويسرا اليت تعد أكثر اجلنات الضريبية متيزا يف قطاع البنوك‬
‫وسرية املعامالت البنكية‪.‬‬
‫‪ .4‬قوة العملة الوطنية ‪:‬ويقصد هبا أن تكون العملة الوطنية على قدر كبري من· االستقرار ولات ثقل على املستوى الدويل ‪ ،‬كما جيب أن تكون قابلة للتحويل‪.‬‬
‫تعد اجلنات الضريبية أكرب ملجأ لالستثمارات األجنبية ومن مث فان أي أرباح أو دخول سيتم حتويلها إىل البلد األصلي مما يستوجب عدم وجود عوائق أو مشكالت أمام هذه‬
‫التحويالت ‪ ،‬لذا يقتصر تطبيق الرقابة على النقد على رعايا دول اجلنات الضريبية دون األجانب الذين يستفيدون من غياب هذه الرقابة‪ ،‬وهو ما يشجعهم‬
‫على االستثمار هبذه الدول‪.‬‬
‫‪ .5‬اتصاالت ومواصالت حديثة ‪ :‬غالبية اجلنات الضريبية دول صغرية احلجم ال· يتجاوز عدد سكاهنا مليون نسمة ‪ ،‬تتميز مبوقع جغرايف معروف على املستوى الدويل‬
‫يساعدها يف جذب االستثمارات األجنبية ‪ ،‬دون أن ننسى ضرورة امتالكها لشبكة واسعة ومتقدمة من وسائل املواصالت واالتصاالت وخطوط طريان متقدمة‬
‫جتعل من السهل االتصال بني الشركة األم وفروعها‪.‬‬
‫متثل اخلصائص السابقة للجنات الضريبية أرضا خصبة ومناخا مالئما لنشاط الشركات متعددة اجلنسيات واليت تعمد إىل إنشاء فروع هلا يف هذه الدول هبدف االستفادة‬
‫بأكرب قدر من املميزات واإلعفاءات اليت مينحها النظام الضرييب هلذه اجلنات‪.‬‬

‫ثالثا‪.‬أنواع الجنات الضريبية‪ :‬ميكن تصنيف اجلنات الضريبية إىل‪:‬‬


‫‪ .1‬دول وأقاليم لات ضرائب معدومة وتتميز بغياب الضرائب على دخل األشخاص الطبيعيني أو املعنويني‪ ،‬حقوق الشركات والضريبة على رأس املال‪ .‬وال تدفع‬
‫الشركات األجنبية إال حقوق التسجيل‪.‬وليس هلذه الدول اتفاقيات ضريبية لتفادي االزدواج الضرييب وإن وجدت فهي قليلة‪.‬‬
‫‪ .2‬دول وأقاليم لات مستوى ضرييب منخفض أو لات ضرائب مفروضة على أساس قاعدة إقليمية حمدودة وميكن أن تقابل يف هذه الدول أو األقاليم الضريبة على‬
‫الربح مبعدالت منخفض ضرائب احلق العام‪.‬واهلدف من للك استقطاب االستثمارات األجنبية املباشرة للمسامهة يف التنمية االقتصادية للبلد‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫وقد تكون الضريبة يف هذه الدول أو األقاليم ضريبة إحالل سنوية تقوم بتعويض وتغطية غياب الضريبة على أرباح الشركات‪ ،‬تفرض هذه الضريبة على األشخاص‬
‫املعنويني مبعدالت منخفضة‪.‬وميكن أن تكون فيها الضرائب على الشركات عابرة احلدود حمفزة جدا‪.‬إل ال تفرض الضرائب إال على األنشطة الداخلية‪ ،‬وتكون‬
‫معدومة أو منخفضة على األنشطة اخلارجية‪.‬‬
‫‪ .3‬دول وأقاليم متنح مزايا ضريبية لبعض املؤسسات أو األنشطة‪ ،‬وميكن أن متنح اجلنات الضريبية مزايا تفضيلية تصل إىل درجة اإلغراق الضرييب‪.‬‬
‫رابعا‪.‬االنعكاسات السلبية لوجود الجنات الضريبية ‪ :‬تؤدي املزايا اجلبائية التفضيلية اليت تقدمها اجلنات الضريبية‪ ،‬إىل‪:‬‬
‫‪ -‬هتديد التوازن املايل بني دول العامل‪ ،‬حيث يفضل أصحاب الثروات هتريب أمواهلم و أرباحهم و كذلك االستثمار يف البلدان اليت تقدم هلم أفضل املزايا و االعفاءات‬
‫الضريبية‪ ،‬مما يرتتب عنه جمموعة من االنعكاسات السلبية على اقتصادات الدول لات الضغط الضرييب املتوسط أو املرتفع؛‬
‫‪ -‬املخاطر األمنية‪ ،‬خاصة من املنظمات االجرامية الدولية و التنظيمات االرهابية اليت تستغل اخلدمات البنكية اليت تلتزم باحلماية املطلقة للمعلومات و املعطيات حول‬
‫التحويالت البنكية لتمويل عملياهتا يف باقي بلدان العامل‪ ،‬هذه املعطيات دفعت املنتظم الدويل من خالل منظمة التعاون و التنمية االقتصادية لبلورة جمموعة من االجراءات‬
‫للحد من ظاهرة اجلنات الضريبية‪.‬‬
‫‪ -‬اخنفاض حاد و كبري يف املوارد اجل بائية‪ ،‬فصغر مساحة البلدان املصنفة كجنات الضريبية و قلة عدد سكاهنا ميكنها من عدم فرض ضرائب كثرية و مرتفعة‪ ،‬يف حني أن‬
‫الدول األخرى ستجد نفسها مرغمة ملنع هتريب األموال و األرباح خارج تراب الدولة على سن جمموعة من اإلعفاءات الضريبية على الشركات و األفراد خاصة األثرياء مما‬
‫سيضعف موارها اجلبائية و جيعلها غري قادرة على اجناز الربامج احلكومية يف اجملاالت االجتماعية و البنية التحتية‪ ،‬و هو ما يفاقم األوضاع االجتماعية خاصة يف الدول‬
‫النامية اليت تعاين أصال من نقص يف املوارد املالية‪.‬‬
‫‪ -‬تشكل اجلنات الضريبية علبة سوداء للجرمية املنظمة الدولية‪ ،‬من خالل توفريها لوسائل وآليات قانونية قادرة على التغاضي عن مصدر هذه األموال و عن هوية أصحاهبا‪،‬‬
‫كما أهنا ترفض التعاون مع الدول األخرى للقيام بتحقيقات جبائية أو جنائية تتعلق هبذه األموال‪ ،‬فهي تقوم بدور الوسيط بني شبكة التحويالت املالية الدولية الشرعية و‬
‫هذه األموال اجملهولة املصدر أو لات املصدر املشبوه‪ .‬فهي تساهم يف تفشي االرتشاء على املستوى الدويل و متويل املنظمات االجرامية و التنظيمات االرهابية‬
‫‪ -‬فاجلنات الضريبية متنح خاصية السر البنكي‪ ،‬و احلماية املطلقة للعمليات املالية و التجارية اليت متكن من إبقاء هوية املالكني و املستفيدين من التحويالت املالية جمهولة‪،‬‬
‫حيث أن امتناع هذه الدول عن التعاون مع بقية بلدان العامل شكل عائقا يكفل احلماية للمتهربني من الضرائب و أصحاب الثروات لات املصدر غري املعروف‪.‬‬
‫‪ -‬تشكل اجلنات الضريبية ماللا آمنا إلخفاء األموال املتحصلة من عمليات االرتشاء الضخمة‪ ،‬من خالل اخلدمات اليت تقدمها البنوك عن طريق تغيري مسار األموال عدة‬
‫مرات و تغيري مصدرها و إنشاء شركات ومهية و صفقات غري حقيقية هبدف تبييض مصدر تلك األموال ‪.‬‬
‫‪ -‬يؤدي وجود اجلنات الضريبية اىل تزايد خماطر األزمات االقتصادية العا ملية‪ ،‬فهي تغري مسار املدخرات العاملية و تعمل على تركيزها يف مناطق معينة‪ ،‬كما تسهل تداول‬
‫األموال بدون مراقبة‪ ،‬كما جتعل من البيانات احملاسبية و النتائج املالية للشركات‪ ،‬خاصة املتعددة اجلنسية غري دقيقة و اليت تشكل يف أغلب األحيان االساس الذي تعتمد‬
‫عليه بعض ا لشركات إلعالن إفالسها املتعمد للتهرب من أداء املستحقات الضريبية و الديون و غريها من االلتزامات‪ ،‬كما تؤدي بسبب التداول السريع لرؤوس األموال‬
‫بدون مراقبة إىل تنامي هروب األموال من الدول النامية مما يؤثر على النمو االقتصادي هلذه البلدان‪.‬‬
‫خامسا‪ .‬وسائل الحد من تنامي ظاهرة الجنات الضريبية‬
‫لقد أصبحت املنافسة اجلبائية الضارة اليت تقوم هبا اجلنات الضريبية من خالل االعفاءات و املزايا الضريبية اليت تقدمها من أجل تشجيع حتويل األموال و املشاريع من‬
‫بلدان االقامة اىل مراكزها املالية‪ ،‬هاجس البلدان املتقدمة والنامية على حد السواء‪ ،‬خاصة بعد األزمة االقتصادية لسنة ‪.2002‬‬
‫بعد حتديد املعايري اليت من خالهلا ميكن تصنيف الدول اليت تعترب جنات الضريبية و متييزها عن غريها من الدول اليت تطبق سياسات جبائية غري ضارة‪ ،‬عملت منظمة‬
‫التعاون والتنمية االقتصادية على اختال جمموعة من اال جراءات هبدف دفع هذه الدول للتعاون اجلبائي و االخنراط يف آليات التعاون اجلبائي الدويل‪ ،‬حيث ميكن للبلدان اليت مت‬
‫تصنيفها كجنات ضريبية أن تندمج يف املنظومة الدولية من جديد و خترج من الئحة اجلنات الضريبية و تصنف ضمن الئحة الدول املتعاونة جبائيا‪.‬‬
‫ويف هذا االطار أصدرت منظمة التعاون والتنمية االقتصادية سنة ‪ 1992‬جمموعة من التوصيات‪ ،‬هتدف من خالهلا إىل عزل هذه الدول و دفعها حتت تأثري الضغط لتغيري‬
‫سياساهتا اجلبائية التفضيلية واالخنراط يف التعاون اجلبائي الدويل حملاربة التهرب الضرييب الدويل و تبييض األموال‪.‬‬
‫عملية إقصاء هذه الدول تتم على مرحلتني‪ ،‬ففي املرحلة األوىل يتم اختال تدابري ردعية يف مواجهة اجلنات الضريبية‪ ،‬ويف مرحلة ثانية يتم إصدار الئحة للدول اليت تصنف‬
‫كجنات ضريبية‪.‬‬
‫التــدابير الــردعيــة‪ :‬من أجل عزل وإقصاء الدول اليت يتم تصنيفها كجنات ضريبية‪ ،‬عمل تقرير منظمة التعاون و التنمية االقتصادية على اختال جمموعة من اإلجراءات‬ ‫‪.1‬‬
‫من أجل حماربتها و تقليص آثارها على االقتصاد العاملي‪:‬‬
‫أ‪ .‬ففي مرحلة أوىل ينبغي على الدول غري املصنفة كجنات ضريبية االمتناع عن إقامة عالقات جبائية مع اجلنات الضريبية‪ ،‬حيث تقرتح منظمة التعاون والتنمية االقتصادية‪،‬‬
‫فسخ االتفاقيات اليت تربط بني الدول واجلنات الضريبية و عدم إبرام أية اتفاقيات جبائية جديدة معها‪.‬‬
‫ويهدف هذا اإلجراء إىل ابعاد اجلنات الضريبية بشكل كامل من العالقات الضريبية الدولية‪ ،‬وهو إجراء القى انتقادات عديدة‪ ،‬بالنظر‪:‬‬
‫‪ -‬لالنعكاسات الدبلوماسية والسياسية له على العالقات الدولية؛‬
‫‪19‬‬
‫كما أن قطع احلوار مع هذه الدول ال يساعد على إجياد حلول مناسبة إلشكالية اجلنات الضريبية‪ ،‬بل يتعدى األمر للك ليصبح هلذا اإلجراء مفعول عكسي‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫حيث سيزيد من إقبال الشركات واألفراد على اجلنات الضريبية‪ ،‬رغبة يف االستفادة من انقطاع التعاون الذي كان يتم من خالل االتفاقيات املربمة ولو بشكل‬
‫رمزي بني بلدان اإلقامة و بلدان االستقبال‪.‬‬
‫ب‪ .‬ومن جهة ثانية‪ ،‬فإن التقرير يدعو الدول اليت ترتبط بعالقات خاصة سياسية أو اقتصادية أو غريها مع دول مصنفة كجنات ضريبية‪ ،‬أن تعمل على أن ال تساهم هذه‬
‫العالقات يف تشجيع املنافسة الضريبية الضارة‪ ،‬و يقصد هبذا اإلجراء الدول اليت لديها حدود ترابية مع دولة أو دول مصنفة كجنات الضريبية‪.‬‬
‫ت‪ .‬كما تضمنت التوصيات اليت مت إصدارها حملاربة اجلنات الضريبية إجراءات أخرى‪ ،‬أبرزها‪:‬‬
‫‪ ‬التقليص من اإلعفاءات الضريبية للدخول األجنبية؛‬
‫‪ ‬تبادل املعلومات املتعلقة بالعمليات املالية الدولية اليت تتم فوق تراهبا؛‬
‫‪ ‬مالئمة التشريعات الوطنية هلذه البلدان يف ما يتعلق بالولوج للمعلومات البنكية مع املعايري الدولية يف هذا اجملال‪.‬‬
‫نشر الئحة الجنات الضريبية‪ :‬شكل تأسيس املنتدى الدويل للشفافية وتبادل املعلومات ألهداف جبائية‪ ،‬نقلة نوعية ملنظمة التعاون والتنمية االقتصادية‪ ،‬حيث عهد‬ ‫‪.2‬‬
‫هلذا املنتدى القيام بتقييم دائم لألنظمة الضريبية من أجل الكشف عن الدول اليت تطبق سياسات ضريبية ضارة ومن مث حتديد الدول اليت ينبغي تصنيفها كجنات‬
‫ضريبية من خالل املعايري املستخلصة من عملية التقييم لنظامها اجلبائي‪ ،‬و القيام بعد للك بإعداد الئحة باجلنات الضريبية املوجودة‪.‬‬
‫و تساعد هذه الالئحة الدول األخرى على تطبيق التدابري الردعية ضد اجلنات الضريبية من أجل عزهلا واحلد من أضرارها‪ ،‬و هي الئحة ليست دائمة‪ ،‬حيث يعمل‬
‫املنتدى على حتيينها كل ما دعت إىل للك الضرورة‪.‬‬
‫و يف هذا اإلطار مت إصدار أول الئحة تضم الدول اليت تتوفر فيها املعايري لتصنيفها كجنات الضريبية يف تقرير صدر سنة ‪ ،2000‬تضم (‪ )33‬مخسة و ثالثون دولة‪.‬‬
‫غري أن هذا التقرير يوضح أن اهلدف من هذه الالئحة ليس اختال تدابري ردعية ضد هذه الدول و إمنا فقط دفعها إلزالة املمارسات اجلبائية الضارة من تشريعاهتا و‬
‫التعاون مع بقية الدول يف اجملال اجلبائي‪.‬‬
‫والعنصر اآلخر املهم يف هذا التقرير‪ ،‬يكمن يف اقرتاح إجراءات ميكن من خالهلا للدول املصنفة كجنات ضريبية أن تلتزم بالقضاء على مجيع املزايا اجلبائية التفضيلية‬
‫الضارة اليت تقدمها للمستثمرين أفرادا وشركات‪ ،‬وهي إجراءات يف حال االلتزام بالعمل هبا‪ ،‬يتم إزالة الدولة من الئحة اجلنات الضريبية عن طريق عملية التحيني الدورية‬
‫اليت يقوم هبا املنتدى‪.‬‬
‫كما صدر تقرير آخر سنة ‪ ،2002‬عمل على تقييم التقدم احلاصل يف حماربة املنافسة اجلبائية الضارة اليت تقوم هبا اجلنات الضريبية‪ ،‬باإلضافة لذلك عمل هذا التقرير‬
‫على وضع أسس التعاون اجلبائي الدويل بني الدول األعضاء يف منظمة التعاون و التنمية االقتصادية و الدول غري األعضاء يف هذه املنظمة‪.‬‬
‫وعقب قمة جمموعة العشرين ‪ G20‬لسنة ‪ ، 2002‬عملت منظمة التعاون والتنمية االقتصادية واملنتدى الدويل للشفافية وتبادل املعلومات ألهداف جبائية على متييز‬
‫الدول املتعاونة جبائيا والدول غري املتعاونة من خالل االتفاقات اليت تربمها مع غريها من دول العامل بشأن تبادل املعلومات اجلبائية‪ ،‬وهي نفس املقاربة اليت أعتمدها‬
‫القانون الضرييب الفرنسي يف حتديد الدول غري املتعاونة جبائيا وبالتايل فرض معاملة جبائية خاصة مع األفراد و املؤسسات حسب مصدر أو وجهة حتويالهتم و عملياهتم‬
‫املالية‪.‬‬
‫وبصفة عامة‪ ،‬فقد شكلت التقارير السنوية و التوصيات الصادرة عن هذه املنظمة عامال مهما دفع العديد من البلدان املصنفة كجنات ضريبية إلعادة مالءمة‬
‫قوانينها الوطنية اليت تتضمن مزايا ضريبية و خدمات قانونية تسهل إخفاء الثروات و األموال املتأتية من مصادر مشبوهة أو غري معروفة‪ ،‬و هو ما شكل نقلة نوعية‬
‫بالنسبة لالقتصاد العاملي‪ ،‬حيث شرعت العديد من ا لدول اليت كانت تعترب إىل وقت قريب جنات ضريبية يف توقيع اتفاقيات لتبادل املعلومات اجلبائية‪ ،‬كما عملت على‬
‫التخفيف من صرامة تطبيق مبدأ كتمان السر البنكي يف إطار التعاون اجلبائي الدويل‪.‬‬

‫‪20‬‬

You might also like