You are on page 1of 8

299 - 292 :‫ص‬،‫ | القسم (ج) اآلداب و الفلسفة ص‬2021 ،02 ‫ العدد‬،13 ‫ اجمللد‬،‫األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‬

‫ املنصة اجلزائرية للمجالت العلمية‬ASJP ‫قوائم احملتويات متاحة على‬


‫األكادميية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‬
www.asjp.cerist.dz/en/PresentationRevue/552 :‫الصفحة الرئيسية للمجلة‬

‫سؤال العدالة واملواطنة عند جون رولز‬

The question of justice and citizenship for


JhonRawls
* ،1
‫أمعمر جلول خدة‬
.‫ الجزائر‬،‫ الشلف‬،‫ جامعة حسيبة بن بوعلي‬1

Key words: Abstract


Citizenship This research paper is taking place on the question of justice and citizenship in
contemporary Western philosophical and political thought and aims at analysing and
Citizen clarifying the vision of contemporary American philosopher John Rolls from these
Justice issues; That is because the concept of justice, like that of citizenship, no longer carries
in all modern rhetoric those old concepts. Indeed, contemporary global transformations
Democracy have forced the international community to produce new concepts that are in line with
Freedom. the pressing requirements of man, not at the level of the individual, but at the global level.
We chose Rolls as an important philosopher in Anglo-Saxon thought and contemporary
Western political philosophy, along with the German philosopher. Jürgen Habermas,
and undoubtedly Rolls, like other intellectuals and philosophers, was influenced by the
intellectual, political and social environment of his time, as he engaged in the formulation
and elaboration of an ethical political project entitled "Justice," a project philosophical
within the well-known American philosophical tradition "With pragmatism," in political
and social terms, this project reflects the "problem of justice" that American society has
been and continues to suffer from.

‫ملخص‬ ‫معلومات املقال‬


:‫تاريخ املقال‬
‫يجري الحديث في هذه الورقة البحثية حول سؤال العدالة والمواطنة في الفكر‬
‫ وتهدف هذه الدراسة إلى تحليل وتوضيح رؤية‬،‫الفلسفي والسياسي الغربي المعاصر‬ 2021-05-10 : ‫اإلرسال‬
‫الفيلسوف األمريكي المعاصر جون رولز من هاتين القضيتين؛ وذلك ألن مفهوم‬
‫العدالة مثله مثل مفهوم المواطنة لم يعد يحمل في مجمل الخطابات الحداثية تلك‬ 2021-06-14 : ‫القبول‬
‫ بل إن التحوالت العالمية المعاصرة فرضت على المجتمع الدولي‬،‫المفاهيم القديمة‬ :‫الكلمات املفتاحية‬
‫ بل‬،‫ ليس على مستوى الفرد‬،‫إنتاج مفاهيم جديدة تتماشى ومتطلبات اإلنسان الملحة‬
.‫وعلى المستوى العالمي‬ ‫المواطنة‬
‫وقد وقع اختيارنا على نموذج "رولز" باعتباره فيلسوفًا يحتل مكانة هامة في‬ ‫المواطن‬
‫ إلى جانب الفيلسوف‬،‫الفكر األنجلوساكسوني والفلسفة السياسية الغربية المعاصرة‬ ‫العدالة‬
‫أن رولز قد تأثر كغيره من المفكرين‬ّ ‫ ومما الشك فيه‬،"‫األلماني "يورغن هابرماس‬ ‫الديمقراطية‬
‫ حيث انخرط في صياغة‬،‫والفالسفة بالبيئة الفكرية والسياسية واالجتماعية لعصره‬
‫ وهو مشروع يندرج من‬،"‫وبلورة مشروع سياسي أخالقي كان عنوانه "العدالة‬ .‫الحرية‬
‫ ومن‬،"‫الناحية الفلسفية في إطار التقليد الفلسفي األمريكي المعروف "بالبراجماتزم‬
‫ فإن هذا المشروع يعبر عن "مشكلة العدالة" التي كان‬،‫الناحية السياسية واالجتماعية‬
.‫ومازال يعاني منها المجتمع األمريكي‬
* Corresponding author at : hassiba ben bouali University of Chlef- ALGERIA 292
Email : kheddadjelloul@gmail.com
‫م‪ .‬جلول خدة| األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ،13‬العدد ‪ | 2021 ،02‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪299 - 292 :‬‬

‫أن املُواطن هو ساكن املدينة اليت‬ ‫كان سائداً يف القديم‪ ،‬حيث ّ‬ ‫‪ .1‬مقدمة‬
‫ينتمي إليها‪ ،‬والوطن هو املكان الذي يقيم فيه الفرد وميارس‬
‫تعد مسألة املواطنة والعدالة من أهم القضايا يف تاريخ فيه خمتلف نشاطاته‪.‬‬
‫الفكر الفلسفي السياسي واألخالقي‪ ،‬وميكن القول أن بداية‬
‫حمركة وي َّ‬
‫ُسكن‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫الوطن‬ ‫«‬ ‫ّ‬
‫أن‬ ‫احمليط‪:‬‬ ‫القاموس‬ ‫يف‬ ‫وجاء‬ ‫البحث يف مثل هذه املسائل كان منذ القدم؛ أي منذ أن عرف‬
‫َط ُن‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫به‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫وط‬ ‫و‬‫َ‬ ‫أوطان‪.‬‬ ‫ج‪:‬‬ ‫والغنم‪،‬‬ ‫البقر‬ ‫ومربط‬ ‫اإلقامة‪،‬‬ ‫منزل‬ ‫اإلنسان اجلور والظلم والعدوان‪ ،‬وسعى من أجل اإلنصاف‬
‫اط ُن‬
‫ِ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫وم‬
‫َ‬ ‫‪.‬‬‫ً‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫ط‬‫َ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫اختذه‬ ‫‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ط‬‫َ‬ ‫و‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ْ‬
‫واس‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َّ‬
‫ط‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫و‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫و‬ ‫َ‪.‬‬
‫م‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫‪:‬‬ ‫َ‬
‫وواطن‬ ‫واملساواة‪- ،‬وهو سعي يعرب عن فطرة إنسانية‪ -‬إىل يومنا‬
‫هذا‪ .‬وعليه فإن تاريخ مفهوم العدالة واملواطنة مر بكثري مكة‪َ :‬م َوا ِق ُفهَا‪ ،‬و‪ -‬من احلرب‪ :‬مشاهدها‪ .‬وتوطن النفس‬
‫وموضع‬
‫ُ‬ ‫وتوطنها‪ :‬متهدها‪ .‬وامليطان‪ ،‬بالكسر‪ :‬الغاية‪،‬‬ ‫من املراحل‪ ،‬ويف كل مرحلة من هذه املراحل التارخيية متهيدها‪َّ .‬‬
‫األمر‪ :‬وافق ُه»‬
‫ُوطن لرتسل منه اخليل يف السباق‪ .‬وواطن ُه على ِ‬ ‫كان هلذين املفهومني أبعادا خمتلفة ومعاني متعددة‪ ،‬ومل ي َّ‬
‫تعد العدالة واملواطنة يف جممل اخلطابات احلداثية حتمل (الفريوز أبادي‪ ،2008 ،‬صفحة ‪.)1763‬‬
‫تلك املفاهيم القدمية والعريقة يف القدم فحسب‪ ،‬بل إن أما اجلرجاني فقد ع ّرف الوطن بقوله‪« :‬الوطن األصلي‪ :‬هو‬
‫موضع ينوي‬ ‫ٌ‬ ‫ووطن اإلقامة‪:‬‬‫ُ‬ ‫والبلد الذي هو فيه‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫التطورات واملتغريات اليت حدثت يف العامل املعاصر سياسياً مول ُد الرجل‪،‬‬
‫واقتصاديا واجتماعيا‪ ،‬بل وحتى علميا وتكنولوجيا قد فرضت أن يستق ّر فيه مخسة عشر يوماً‪ ،‬أو أكثر من غري أن يتخذه‬
‫على اجملتمع الدولي إنشاء مفاهيم جديدة تتجاوز املفاهيم سكنا» (اجلرجاني‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬صفحة ‪.)24‬‬
‫اط َن القوم‪ ،‬أي عاش معهم‬ ‫السابقة وتتماشى مع حاجيات اإلنسان امللحة‪ ،‬فالعدالة مثل فاملواطنة إذن «مشتقة من الفعل َو َ‬
‫املواطنة مل تعد مرتبطة بفكرة املساواة واإلنصاف واحملبة‬
‫يف وطن واحد‪ ،‬ومنه فاملُواطن هو الذي يتمتع باحلقوق اليت‬
‫وغريها من املفاهيم األخرى‪ ،‬بل أصبحت ترتبط جبودة‬
‫يتمتع بها أبناء دولته ومدينته»(صليبا‪ ،1982 ،‬صفحة ‪.)439‬‬
‫أن املعنى اللغوي للفظ املواطنة‬ ‫احلياة وإنسانية اإلنسانية والعدالة الكونية‪ ،‬يدل هذا التطور فكل هذه التعاريف تؤكد ّ‬
‫والتجديد‪ ،‬بل اإلبداع يف املفاهيم على أن حركية اجملتمعات‬
‫يرجع يف اشتقاقه إىل لفظ "الوطن"‪ ،‬وهو املكان الذي ينسب‬
‫مل تعد تسري بوترية بطيئة‪ ،‬بل إن العامل اليوم أصبح شبيها‬
‫إليه الشخص‪ ،‬فنقول مواطن جزائري ومواطن مصري‪ ،‬وهو‬
‫بقرية أو برقعة جغرافية حمدودة األطراف‪.‬‬
‫بهذا يدل على االنتساب إىل الوطن‪.‬‬
‫فإن لفظة املواطنة يف «اللغة العربية تستعمل كرتمجة‬ ‫ومن هنا ميكننا إثارة التساؤل اآلتي‪ :‬فما هي العدالة من منظور وعليه ّ‬
‫رولز؟ وما موقع فكرة املواطنة داخل هذه النظرية؟‬
‫للكلمة الفرنسية (‪ )Citoyenneté‬املشتقة من مدينة )‪،)Cité‬‬
‫واملدينة بناء حقوقي للمكان ومشاركة سياسية‪ .‬وتقابلها‬ ‫من املعلوم أن البحث يف أي مسألة أو قضية فكرية‪ -‬علمية‬
‫باإلجنليزية)‪ )Citizenship‬املشتقة من مفهوم املُواطن‬ ‫كانت أو فلسفية‪-‬يقتضي التأسيس هلا من خالل الضبط‬
‫)‪ ،)Citizen‬أي ذلك الفرد الذي ختاطبه القوانني والدساتري‬ ‫املفاهيمي أللفاظها ومصطلحاتها‪ ،‬ولذلك كان البد لنا ‪ -‬قبل‬
‫احلديثة‪ ،‬بغض النظر عن اجلنس أو الدين‪ ،‬أو العرق‪ ،‬أو‬ ‫الشروع يف عرض وحتليل إشكالية املواطنة والعدالة يف السياق‬
‫الطبقة» (أبو اجملد عبد اجلليل‪ ،2010 ،‬صفحة ‪.)11‬‬ ‫الفلسفي السياسي الغربي املعاصر‪ ،‬وبالتحديد عند الفيلسوف‬
‫األمريكي جون رولز‪ -‬أن نبدأ بتحديد املفهومني احملوريني أو والذي نريد أن نقف عنده هنا هو ّ‬
‫أن املواطنة املشتقة يف األصل‬
‫املركزيني اللذان تدور حوهلما هذه الدراسة آال وهما‪ :‬املواطنة من كلمة ‪ Civis‬اليونانية‪ ،‬أي املدينة هي صفة من اخرتاع املدن‬
‫اإلغريقية (‪ .)Cités grecques‬واألفراد الذين يتمتعون بها‬ ‫والعدالة‪.‬‬
‫هلم حق املشاركة يف إدارة الشؤون العامة‪ .‬ومبدؤها األساسي‬ ‫‪ .2‬مفهوم املواطنة والعدالة يف اللغة واالصطالح‬
‫يقضي بأن كل املواطنني سواسية أمام القانون ‪...‬ويساهمون‬
‫‪ .1.2‬مفهوم املواطنة لغة‬
‫إذن بطريقة متساوية يف اختاذ القرار السياسي‪ .‬وميكن‬
‫وطن‪ ،‬والوطن‪ :‬املنزل الذي للمواطنني أن جيتمعوا يف مكان وحيد من أجل مناقشة املسائل‬ ‫ْ‬ ‫املواطنة يف اللغة « مشتقة من‬
‫ُ‬
‫وأوطان الكربى اليت تهم املدينة ( احلروب؛ االنتخابات‪...‬اخل) (طالب‬ ‫موطن اإلنسان وحمله‪ ،‬واجلمع أوطان‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُتقيم فيه‪ ،‬وهو‬
‫َ‬
‫الغنم والبقر‪ :‬مرابضها وأماكنها اليت تأوي إليها‪َ ،‬و َوط َن باملكان مناد‪ ،2009 ،‬الصفحات ‪.)56- 55‬‬
‫فالن أرض كذا‬‫وط َن أَقامَ‪َ ،‬وأَ ْو َط َن ُه‪ :‬خّات َذ ُه َو َطناً‪ ،‬يقال‪ :‬أوطن ٌ‬
‫وأَ َ‬
‫أما الوطن فهو املكان الذي يعيش فيه اإلنسان ويتفاعل معه‪،‬‬ ‫وكذا‪ْ ،‬‬
‫ُقيم فيها‪ ،‬وأوطنت األرض‪،‬‬ ‫ال ومسكناً ي ُ‬ ‫أي اختذها حم ّ‬
‫أو هو تلك الرقعة اجلغرافية ذات حدود معلومة ينتمي إليها‬ ‫ُ‬
‫واملوطن مفعل‬ ‫ووطنتها توطيناً واستوطنتها‪ ،‬أي اختذتها وطناً‪،‬‬
‫اإلنسان ويرتبط بها عاطفيا ويتملكه شعور ضرورة محايتها‬
‫منه‪ ،‬ويسمى به املشهد من مشاهد احلرب‪ ،‬ومجعه مواطن‪،‬‬
‫والدفاع عنها من كل حماولة اعتداء عليها‪ .‬وهذا "االنتماء‬
‫ويف التنزيل العزيز‪  :‬لقد نصركم اهلل يف مواطن كثرية»(ابن‬
‫باحلب يستشعره‬‫للوطن" يراه البعض بأنه اجتاه إجيابي مدعم ُ‬
‫أن املُواطن هو‬
‫منظور‪ ،)1968( ،‬صفحة ‪.)451‬ومعنى هذا ّ‬
‫الفرد اجتاه وطنه‪.‬‬
‫ساكن األرض اليت اختذها وطناً‪ ،‬وهذا املعنى هو ذاته الذي‬

‫‪293‬‬
‫م‪ .‬جلول خدة| األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ،13‬العدد ‪ | 2021 ،02‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪299 - 292 :‬‬

‫مبدأ املساواة بني األفراد يف احلقوق والواجبات‪ ،‬وأسسها البعض‬ ‫‪ - 2.2‬اصطالحا‬


‫اآلخر على مبدأ التفاوت‪ .‬وأنصار مبدأ املساواة كثريون‪ :‬من‬
‫وتشري دائرة املعارف الربيطانية إىل املواطنة بأنها « عالقة‬
‫فالسفة القانون الطبيعي إىل فالسفة العقد االجتماعي إىل‬
‫بني فرد ودولة كما حُيددها قانون تلك الدولة‪ ،‬ومبا تتضمنه‬
‫املنظمات العاملية حلقوق اإلنسان إىل الثورات التنويرية إىل‬
‫تلك العالقة من واجبات وحقوق يف تلك الدولة» ‪(The New‬‬
‫الفلسفة االشرتاكية** بزعامة كارل ماركس (‪Karl.‬‬
‫‪.()Encyclopedia Britanica, p :332‬‬
‫‪ )Marx‬الذي يرى أنه العدالة بني أفراد اجملتمع بدون مساواة‬
‫حقيقية بينهم يف احلقوق والواجبات‪.‬‬ ‫كما تدل لفظة املواطنة يف موسوعة "السياسة" على‪ « :‬صفة‬
‫املُواطن الذي له حقوق وعليه واجبات تفرضها طبيعة انتمائه‬
‫ففالسفة القانون الطبيعي يؤسسون العدالة على مبدأ املساواة‬
‫إىل وطن وأهمها‪ :‬واجب اخلدمة العسكرية وواجب املشاركة‬
‫حتت مربر أن األفراد الذين كانوا يعيشون يف حالة الفطرة‬
‫املالية يف موازنة الدولة») الكيالي عبد الوهاب‪ ،2004 ،‬صفحة‬
‫كانوا يتمتعون مبساواة تامة وكاملة فيما بينهم‪ ،‬ومارسوا‬
‫‪ .)37‬فاالنتماء إىل الوطن شرط للحصول على صفة املواطنية‪.‬‬
‫حقوقهم الطبيعية على قدم املساواة وبدون تفرقة‪ .‬ويف هذا‬
‫ومن منظور علم االجتماع تدل لفظة املواطنة على «املكانة السياق يقول اخلطيب الروماني شيشرون ‪(Cicéron106-‬‬
‫أو العالقة االجتماعية اليت تقوم بني فرد طبيعي وجمتمع ‪43‬ق‪.‬م) ليس هناك شيئ أشبه بشيئ من اإلنسان باإلنسان‪،‬‬
‫سياسي‪-‬دولة‪-‬؛ ومن خالل هذه العالقة يقدم الطرف األول – فلنا مجيع عقل ولنا مجيعاً حواس‪ ،‬وإن اختلفنا يف العلم‬
‫املواطن – الوالء‪ ،‬ويتوىل الطرف الثاني احلماية» (غيث عاطف‪ ،‬فنحن متساوون يف القدرة على التعلم‪.‬‬ ‫ْ‬
‫‪ ،1995‬صفحة ‪)56‬‬
‫ومن القائلني مببدأ التفاوت يف الفلسفة الكالسيكية جند‪:‬‬
‫كما يُقصد باملواطنة «العضوية الكاملة واملتساوية يف اجملتمع أفالطون(‪428-347‬ق‪.‬م) (‪)platon‬وأرسطو(‪ 384-322‬ق‪.‬م)‬
‫أن كافة (‪)Aristote‬‬ ‫مبا يرتتب عليه من حقوق وواجبات‪ ،‬وهو ما يعين ّ‬
‫أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية بدون‬
‫لقد ذهب أفالطون إىل تقسيم اجملتمع إىل ثالث طبقات‪:‬‬
‫أدنى متييز قائم على أي معايري حتكمية مثل الدين أو اجلنس‬
‫طبقة احلكام‪ ،‬واجلنود‪ ،‬والعبيد‪ ،‬وهي طبقات متاثل مستويات‬
‫أو اللون أو املستوى االقتصادي أو االنتماء السياسي واملوقف‬
‫النفس اإلنسانية‪ :‬النفس العاقلة‪ ،‬والنفس الغاضبة‪ ،‬والنفس‬
‫الفكري» (نبيه نسرين‪،2008 ،‬صفحة ‪)14‬‬
‫الشهوانية‪ ،‬وهذا التقسيم يعود يف نظره إىل االختالف القائم‬
‫ال أن مفهوم املواطنة يدل على املكانة اليت بني األفراد يف القدرات واملواهب واملعرفة والفضيلة‪ .‬والعدالة‬‫وميكن القول إمجا ً‬
‫حيوزها الفرد داخل دولته ويرتتب عليها جمموعة من احلقوق يف نظره تتمثل يف احرتام هذا التمايز الطبقي املوضوعي‪ ،‬ولطل‬
‫وااللتزامات‪ ،‬وذلك على أساس قاعدة قانونية تربط بني طبقة من طبقات اجملتمع حقوقها اخلاصة‪.‬‬
‫املواطن والدولة من جانب واملواطن وسائر املواطنني من جانب‬
‫أما أرسطو‪ :‬فقد رأى أن بعض الناس يولدون عبيداً بالطبيعة‬
‫آخر‪ .‬وهي تعبري عن مشاركة الفرد يف حكم دولته عرب متتعه‬
‫وبعضهم اآلخر يولون أسياداً‪ ،‬أي "يولد السادة سادة والرقيق‬
‫حبقوقه والتزامه مبسؤولياته (مهران محدي‪ ،2012 ،‬صفحة ‪ .)540‬رقيقاً"‪ ،‬وهلذا فالعبيد اليصلحون إ ّ‬
‫ال للعبودية‪ ،‬وأن العبودية يف‬
‫نظره كما يف نظر اجملتمع اليوناني ضرورة طبيعية‪ ،‬وانطالقاً‬ ‫‪ .3.2‬املعنى اللغوي للعدالة‬
‫العدالة لغة كلمة مشتقة من اعتدل يعتدل اعتداال‪ ،‬مبعنى من هذه النظرة‪ ،‬فالعدل يوجب أن يوضع كل فرد يف مكانه‬
‫استقام‪ .‬واالستقامة هي امليل إىل احلق وعدم اتباع اهلوى‪ ،‬وقد الطبيعي الذي يليق به‪.‬‬
‫ُ‬
‫جاء يف اآلية القرآنية  واستقم كما أمرتَ (سورة الشورى‪ ،‬ويف الفلسفة احلديثة جند أن هيجل (‪)Hegel 1770-1831‬‬
‫اآلية‪ ،)15‬مبعنى املوافقة ألمر اهلل من غري إفراط وال تفريط‪ ،‬يؤكد على نفس املبدأ وهو التفاوت‪ ،‬لكن التفاوت الذي يقصده‬
‫هيجل هو التفاوت على مستوى األمم‪ ،‬فاألمة اليت تصل إىل‬ ‫وهي بهذا املعنى وسط بني رذيلتني‪.‬‬
‫وجاء يف لسان العرب إلبن منظور أن العدل ماقام يف النفوس الفكرة املطلقة حيق هلا أن متلك كل احلقوق وتسيطر على‬
‫أنه مستقيم‪ ،‬وهو ضد اجلور‪ ،‬عدل احلاكم يف احلكم يعدل العامل‪ ،‬فللقوي احلق وعلى الضعيف الواجب‪.‬‬
‫عدال وهو عادل من قوم عدول وعدل‪ ...‬وعدل ويف امساء اهلل ‪ -3‬العدالة واملواطنة من منظور جون رولز‬
‫سبحانه‪ :‬العدل وهو الذي ال مييل به اهلوى فيجور يف احلكم‪،‬‬
‫حيتل جون رولز*** مكانة هامة يف الفكر السياسي الغربي‬
‫وهو يف األصل مصدر مسيى به فوضع موضع العدل (ابن‬
‫املعاصر‪ ،‬حيث اشتهر بعمله األساسي "نظرية العدالة"****‬
‫منظور‪ ،1968 ،‬مادة َع َد َل)‪.‬‬
‫الذي أصدره سنة ‪1971‬م‪ ،‬وهو العمل الذي اعترب به رولز «‬
‫من بني أهم املنظرين املعاصرين للفلسفة السياسية‪ ،‬وتعترب‬ ‫‪ .4.2‬املعنى االصطالحي‬
‫اختلف الفالسفة يف حتديد مفهوم العدالة*‪ ،‬وذلك حبكم نظريته يف العدالة من النظريات اليت غريت مسار الفلسفة‬
‫اختالفهم يف املبدأ الذي تؤسس عليه‪ ،‬فقد أسسها البعض على السياسية وأعادت لسؤال األخالق املصداقية‪ ،‬باإلضافة إىل‬

‫‪294‬‬
‫م‪ .‬جلول خدة| األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ،13‬العدد ‪ | 2021 ،02‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪299 - 292 :‬‬

‫عليه املواطنون‪ ،‬وإذا قبل املواطنون هذا العقد وجب عليهم‬ ‫زعزعته للفلسفة النفعية الرائجة يف أمريكا »(علوش‪،2013 ،‬‬
‫طاعة القوانني املرتتبة عنه‪ ،‬ألن اجملتمع السياسي هو اجملتمع‬ ‫صفحة ‪ ،)81‬وهو العمل الذي « اعتربه هابرماس*****‬
‫الذي يرتبط فيه الناس بكونهم مواطنني‪ ،‬ويف هذا اإلطار يقول‬ ‫نقطة حتول يف الفلسفة السياسية املعاصرة »( علوش‪،‬‬
‫رولز‪ « :‬من املؤكد أن أي جمتمع إنساني ال ميكنه أن يؤسس‬ ‫‪ ،2013‬صفحة ‪ ، )78‬وهذا ما أكدته أيضا الباحثة الفرنسية‬
‫نظاما للتعاون ينخرط فيه األفراد –باملعنى الدقيق‪ -‬إراديا‪،‬‬ ‫جاكلني روس بقوهلا‪ « :‬تعد نظرية العدالة ‪ 1971‬جلون رولز‬
‫فكل فرد جيد نفسه منذ الوالدة يف وضعية معينة‪ ،‬ويف جمتمع‬ ‫أحد النصوص األكثر شهرة يف حقل الفلسفة األخالقية‬
‫معني‪ ،‬وطبيعة هذه الوضعية تؤثر ماديا على نظرته للحياة‪،‬‬ ‫والنظرية السياسية‪ ،‬وهو يف الواقع كتاب أخالق نظرية وفكر‬
‫ولكن اجملتمع الذي يقوم على العدالة كإنصاف‪ ،‬يقرتب إىل‬ ‫سياسي ال ينفصل » (روس جاكلني‪ ،2001 ،‬صفحة ‪.)96‬‬
‫أقصى حد ممكن من نظام للتعاون يتأسس على اإلرادة‪ ،‬ألنها‬ ‫ولقد قدم رولز يف هذا العمل دراسة حتليلية نقدية ملذهب‬
‫هي نفسها املبادئ اليت يرضى بها األفراد األحرار واملتساوون‪،‬‬ ‫املنفعة‪ ،‬وهو املذهب الذي يؤسس العدالة على مبدأ "املنفعة"‪،‬‬
‫ومتنح التفاقهم مهما كانت الظروف اإلنصاف‪ ،‬وبهذا املعنى‬ ‫حيث رفض رولز اختزال العدل يف "املنفعة" خالفاً لبنثام‬
‫فإن أعضاء هذا االتفاق‪ ،‬هم أفراد مستقلون‪ ،‬واإللزام الذي‬ ‫(‪ )1748-1832‬وجون استيوارت ميل (‪ ،)1806-1873‬وحاول‬
‫خيضعون له هو إلزام فرضوه على أنفسهم مبحض إرادتهم »‬ ‫تأسيس نظريته اخلاصة باجملتمع مبيله إىل املذهب التعاقدي‬
‫(‪)Rawls, 2009,p,39‬‬
‫(لوك‪ ،‬روسو‪ ،‬كانط)‪ ،‬وركز يف نظريته األخالقية والسياسية‬
‫وهذا العقد االجتماعي االفرتاضي (اخليالي) الذي يتحدث‬ ‫هذه على دراسة نظام وميكانيزمات اجملتمع والتبادالت اليت‬
‫عنه رولز ينطلق باجتماع املواطنني من أجل التفاهم حول‬ ‫حتدث فيه‪ ،‬ويف هذا اجملال يقول الباحث الغربي كوفيرت‬
‫توزيع احلقوق والثروات‪ ،‬ويف هذا اجملال تقول جاكلني روس‬ ‫صمويل‪ « :‬نظرية رولز ال تعد هجوما على مذهب املنفعة‬
‫يف عرض وصفها هلذه البداية‪ « :‬يتخيل رولز جتمع أشخاص‬ ‫العامة فحسب بل تطرح نفسها كبديل قوي هلا»(كورفيرت‪،‬‬
‫أحرار (وضع افرتاضي) اجتمعوا الختيار القواعد واملبادئ اليت‬ ‫‪ ،1988‬صفحة ‪.)114‬‬
‫ينبغي أن تقود بنية اجملتمع وبوجه أخص‪ ،‬توزيع اخلريات‬ ‫فما هي العدالة من منظور رولز؟ وما موقع فكرة املواطنة داخل هذه‬
‫األساسية‪ ،‬احلقوق واحلريات والثروات » (روس‪ ،2001،‬صفحة‬ ‫النظرية؟‬
‫‪ ،)98‬فما هي املبادئ اليت جيب أن تتأسس عليها العدالة ‪ -‬حسب‬
‫راولز‪ -‬واليت جتعل الفروقات مشروعة وغري متناقضة مع‬ ‫استهل رولز هذا العمل بتقديم تعريف للعدالة باعتبارها‬
‫فكرة املواطنة ومتكن املواطنني من ممارسة حقوقهم املشروعة‬ ‫قيمة أخالقية وسياسية مركزية معتربا إياها الفضيلة‬
‫يف ظل سلطة الدولة؟‬ ‫األوىل للمؤسسات قائال يف هذا السيــــاق‪ّ :‬‬
‫"إن العـــــدالة هي‬
‫أن احلقيقة‬‫الفضيـــلة األوىل للمؤسســــات االجتماعية‪ ،‬كما ّ‬
‫يتخيل رولز أن هذا االتفاق االجتماعي يفضي إىل اقرتاح‬ ‫هي الفضيلة األوىل لألنساق الفكرية" (‪.)Rawls, 2009, p,29‬‬
‫مبدأين عامني للعدالة‪ ،‬يشكالن كال متكامال‪ ،‬هما‪ « :‬األول‪ :‬لكل‬
‫كما حدّد يف عمله هذا اهلدف الرئيس منه بقوله‪ « :‬غاييت هي شخص احلق يف التمتع بأكرب قدر من احلرية »(‪Rawls,2009‬‬
‫أن أقدم مفهوما للعدالة أكثر مشولية وجتريدا من املفهوم ‪ ،)p,85‬وتتمثل هذه احلرية يف احلقوق األساسية للمواطنني‬
‫الشائع الذي قدمته نظرية العقد االجتماعي وغريها من كحرية التفكري والتعبري واملعتقد واملشاركة يف احلياة‬
‫النظريات األخرى للوك وروسو وكانط‪ ،‬لذلك جيب علينا السياسية‪ ،‬وحق إنشاء اجلمعيات والنقابات‪ ،‬واحلرية يف التجارة‬
‫ال نعتقد أن العقد األصلي مت تصميمه من أجل أن ننخرط واستثمار رؤوس األموال‪« .‬والثاني‪ :‬إن ال ّ‬ ‫أّ‬
‫المساواة االجتماعية‬
‫ونندمج يف جمتمع خاص أو من أجل أن ننشأ شكال خاصا واالقتصادية جيب أن تتأسس على شرطني أساسيني هما أ‪ّ -‬‬
‫إن‬
‫للحكومة‪ .‬إن الفكرة اليت ترشدنا أو باألحرى مبادئ العدالة توزيع الوظائف و الثروات جيب أن يتم يف ظروف من الفرص‬
‫المسـاواة جيب أن حتقق أكرب‬ ‫الصاحلة اليت يتأسس عليها اجملتمع وتكون موضوع التفاق املتكافئة للجميع‪ .‬وب‪ -‬إن ال ّ‬
‫أصلي‪ ،‬هي نفسها املبادئ اليت يرغب فيها األفراد األحرار مصلـحة ألعضاء اجملتمع األقل مكانة» (‪،)Rawls, 2009, p,85‬‬
‫المساواة وفق صيغة‬ ‫والعقالنيون ليعززوا بها مصاحلهم اخلاصة‪ ،‬ويتفقون على فاملبدأ الثاني يؤكد على تنظيم مظاهر ال ّ‬
‫اعتبارها موقف مبدئي للمساواة‪ ،‬ووفقا هلا حيددون املفاهيم توزيعية عادلة‪ ،‬تضمن مصلحة املواطنني األقل مكانة‪ ،‬بغية‬
‫األساسية جلمعياتهم‪ ،‬هذه املبادئ جيب أن تكون مبثابة قاعدة التخفيف من حدة التفاوت االجتماعي واالقتصادي السائد‬
‫لكل االتفاقات الالحقة‪ ،‬وحتدد أشكال التعاون االجتماعي اليت يف اجملتمعات الليربالية‪ ،‬وهكذا يتحقق التكامل بني مبدأي‬
‫تسمح هلم باالخنراط يف شكل احلكومة اليت بإمكانهم إقامتها‪ ،‬العدالة اللذين يقرتحهما رولز‪.‬‬
‫بهذه الكيفية ميكن اعتبار مبادئ العدالة اليت أنادي بها نظرية‬
‫ويصف نقطة البداية يف هذا االتفاق بقوله‪ « :‬وهكذا جيد الناس‬ ‫للعدالة كإنصاف »(‪.)Rawls, 2009, p,37‬‬
‫أنفسهم يف وضعية البدء خميرَّ ون بني مبدأين متعارضني‪،‬‬
‫وحتدث رولز يف هذا العمل عن عقد اجتماعي افرتاضي (وليس األول يقتضي املساواة يف توزيع احلقوق والواجبات‪ ،‬والثاني‬
‫عقدا تارخييا كما هو الشأن عند هوبز ولوك وروسو) يتفق‬
‫‪295‬‬
‫م‪ .‬جلول خدة| األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ،13‬العدد ‪ | 2021 ،02‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪299 - 292 :‬‬

‫أما جاكلني روس فإنها ترى أنها "نظرية الختلو من ضعف‪،‬‬ ‫الالمساواة االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬ويعتقد أن‬ ‫يفرتض َّ‬
‫وتتساءل‪ :‬كيف نستطيع االختيار يف ظل حجاب اجلهل؟ إنه‬ ‫التفاوت يف الثروة والسلطة هو العدالة‪)Rawls, 2009, p,41( ,‬‬
‫من العبث كما يقول راجشمان أن تطلب من إنسان ختيل‬ ‫وهكذا وصل رولز إىل مفرتق الطرق بني النظريتني‬
‫خطة حلياته إن كان جيهل من هو‪ .‬فإذا حرمنا من التقاليد‬ ‫االشرتاكية اليت تؤسس العدالة على املساواة والليربالية اليت‬
‫واجلماعات اليت ترفدنا بهويتنا مل يكن يف وسعنا اختيار أي‬ ‫تؤسسها على التفاوت‪ ،‬فهل مرجعيته الفلسفية الليربالية‬
‫شيء على اإلطالق"(روس‪ ،2001 ،‬صفحة ‪.)102‬‬ ‫وانتماؤه إىل جمتمع ليربالي جيعالنه يقدم نظرية ليربالية‬
‫خالصة للعدالة أو أنه سيتأثر ببعض مبادئ النظرية وخالفا لآلراء السابقة يرى مفكرون آخرون ومن بينهم املفكران‬
‫االجنليزيان بول ترينس (‪ )Terence Ball‬وبيالمي ريتشارد‬ ‫االشرتاكية ويدرجها يف نظريته هذه؟‬
‫اختلف وجهات نظر الباحثون يف تفسري نظرية راولز للعدالة‪ )Richard Billamy( ،‬أن نظرية العدالة لراولز هي نظرية‬
‫حيث يعتربها البعض جمرد نظرية تكرس املفهوم الليربالي جتمع بني النظريتني الليربالية واالشرتاكية‪ ،‬ويقوال يف هذا‬
‫للعدالة واعتربها البعض اآلخر نظرية اشرتاكية واعتربها اجملال‪ « :‬حمصلة العقد االجتماعي املفرتض الذي وضعه رولز‬
‫آخرون نظرية جتمع بني النظريتني االشرتاكية والليربالية‪ ،‬هو دولة دميقراطية اجتماعية حتفظ احلريات الليربالية‬
‫لكنها يف الوقت نفسه حتد من سيطرة اقتصاديات السوق من‬ ‫ولكل طرف من هؤالء مربراته‪.‬‬
‫أجل مصاحل الفقراء »(ترينس بول و بيلالمي ريتشارد‪،2010 ،‬‬
‫ويف هذا اجملال ميكن القول أن نظرية العدالة لرولز أثارت صفحة ‪ ،)188‬ومن جهة أخرى استطاع رولز أن جيمع بني‬
‫نقاشا واسعا بني املفكرين ليس داخل أمريكا فحسب بل يف تقليدين فلسفيني خمتلفني ومتعارضني يف جمال األخالق‪،‬‬
‫الغرب والعامل ككل‪ ،‬حيث اعتربها خصومه الليرباليون ويف هذا الصدد تقول الباحثة الفرنسية جاكلني روس‪« :‬‬
‫نكسة فكرية أمريكية‪ ،‬ويف مقدمة هؤالء املفكر األمريكي جنح رولز يف إقامة حوار بني كانط (أخالق الواجب) ومل‬
‫روبرت نوزيك (‪ )Robert Nozick‬الذي رأى أن نظرية رولز « (أخالق املنفعة)‪ ،‬وبذلك فهو حقق عمال أصيال وجمددا‪ ،‬جعل‬
‫تلغي التمايز واالختالف بني أفراد اجملتمع من ناحية النظر تقليدين متعارضني يلتقيان »( روس‪ ،2001،‬صفحة ‪)101‬‬
‫إليهم بوصفهم ذوات تسعى دائما إىل حتقيق أغراضها املسببة‬
‫وبعيداً عن التفسريات والتأويالت املختلفة لنظرية العدالة‬ ‫لسعادتها »( حممد عثمان‪ ،2014 ،‬الصفحات ‪.)284-285‬‬
‫عند رولز ميكننا القول أن نظرية العدالة الراولزية تأسست‬
‫وجممل القول حسب نوزيك وغريه من مفكري اليمني على خلفيات فكرية عديدة‪ ،‬فهي أوال حماولة لتجديد‬
‫الليربالي أن نظرية راولز تتناقض مع تقاليد اجملتمع األمريكي الليربالية السياسية ولتليني وتلطيف مجوحها مبا يتالءم مع‬
‫أن فلسفته‬‫الليربالي فكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا‪ ،‬بينما املبادئ األخالقية للعدالة كإنصاف (‪ ،)équité‬حيث ّ‬
‫اعتربها املفكرون من ذوي النزعة اجلماعانية يف أمريكا أمثال السياسية الليربالية تتموقع ما بني الليربالية الراديكالية وبني‬
‫ويل كميلكا (‪ )Will Kymlicka‬تكريسا لليربالية األمريكية اجلماعانية‪ ،‬فالليربالية الراديكالية تقوم على التوزيع العادل‬
‫ألن «غياب املساواة االقتصادية واالجتماعية وانقسام اجملتمع املستند على اخلصائص الفردية من لياقة واستعداد وجدارة‬
‫إىل أقلية مفرطة يف القدرة والثراء‪ ،‬مقابل أكثرية مفرطة وغريها‪ .‬ومبادئ ختصيص املصادر االقتصادية يف اجملتمع على‬
‫يف الفقر والضعف يؤثران سلبا يف املساواة املنصفة يف الفرص‪ ،‬األفراد‪ ،‬جيب أن تقوم على أساس هذه القيم الفردية‪ ،‬وكما هو‬
‫أن هذا النوع من الليربالية يقوم على احلرية املطلقة‪،‬‬ ‫فضال عن جعل احلريات واحلقوق السياسية وغري السياسية معلوم ّ‬
‫األساسية صورية‪ ،‬وبال معنى »( حممد عثمان‪ ،2014 ،‬صفحة أي الدعوة إىل عدم تدخل الدولة يف احلياة االقتصادية‪،‬‬
‫المساواة)‪ ،‬أما اجلماعانية‬‫والعدالة تتأسس على التفاوت (ال ّ‬ ‫‪.)309‬‬
‫ال بالقضاء‬‫ألن العدالة يف نظرهم ال تقوم إ ّ‬
‫وجممل القول حسب كميلكا وغريه من مفكري اليسار فتنادي باملساواة‪ّ ،‬‬
‫الليربالي أن « نظرية راولز ما هي إال برنامج سياسي انتخابي على الطبقية والتفاوت االجتماعي‪ ،‬وبناء على ذلك تكون‬
‫أن مجيع الناس‪ ،‬مهما تكن ظروفهم‪،‬‬ ‫للحزب الدميقراطي األمريكي الذي يعد رولز أحد ممثليه العدالة االجتماعية هي ّ‬
‫بامتياز يف اجملال الفكري يف مقابل احلزب اجلمهوري (اليمني ومهما يكن عملهم يف اجملتمع‪ ،‬ومهما تكن استعداداتهم‪ ،‬جيب‬
‫الليربالي احملافظ) الذي يعد نوزيك أحد ممثليه يف اجملال أن يعيشوا على حد سواء فاملساواة عنوان العدالة االجتماعية‪.‬‬
‫الفكري »( حممد عثمان‪ ،2014 ،‬صفحة ‪ ، )281‬أما الفيلسوف وانطالقا من هاتني النظريتني حول العدالة االجتماعية‬
‫األملاني يورغنهابرماس فرغم إعجابه بهذه النظرية واعتباره وكيفية حتقيقها‪ ،‬جاءت فلسفة رولز السياسية كحل بديل‬
‫إياها « نقطة حتول حمورية يف التاريخ املعاصر للفلسفة عن النفعية (نقد االجتاه النفعي) من جهة وحماولة لتجاوز‬
‫العملية »( حممد عثمان‪ ،2014 ،‬صفحة‪ ، )319‬فإنه اعتربها الليربالية اجلديدة واالشرتاكية املفلسة من جهة أخرى‪ ،‬ويف‬
‫جمرد يوتوبيا غري قابلة للتجسيد على أرض الواقع يف اجملتمع هذا السياق يقول الباحث اجلزائري مجال مفرج يف مقال له‬
‫الليربالي ويقرتح فكرة اجملتمع التواصلي كبديل هلا(حممد حتت عنوان نظرية العدالة عند جون رولز« لقد كان املنطلق‬
‫عثمان‪ ،2014 ،‬الصفحات من[‪.)]324 319‬‬
‫‪296‬‬
‫م‪ .‬جلول خدة| األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ،13‬العدد ‪ | 2021 ،02‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪299 - 292 :‬‬

‫له احلق أن يتحدث ويتصرف ويعرب عن نفسه حبرية وأن‬ ‫األول لنظرية العدالة الرولزية يتمثل يف الدخول يف تنافس‬
‫يندمج مع اآلخرين وأن يصوت يف االنتخابات‪ ،‬أي أن ميارس‬ ‫مع الفلسفة النفعية اليت كانت مسيطرة يف أمريكا‪ ،‬وذلك من‬
‫احلقوق املدنية والسياسية املوجودة يف الدميقراطيات الليربالية‬ ‫أجل إبراز ثغراتها‪ ،‬ألن الفلسفة النفعية أو الرباغماتية ال تبالي‬
‫المساواة‬ ‫»( ترينس وبيلالمي‪ ،2010 ،‬صفحة ‪ ،)188‬أما عن ال ّ‬ ‫بسعادة كل فرد‪ ،‬بل إنها تعامل مجيع األفراد معاملة واحدة»‪.‬‬
‫اليت تضمنها املبدأ الثاني لنظرية العدالة عند رولز فيوضحان‬ ‫(مفرج‪ ،2008 ،‬صفحة ‪.)130‬‬
‫ضرورتها بقوهلما‪ « :‬أما املبدأ الثاني فيتحكم يف توزيع املوارد‬‫كما ميكن الربط بني نظرية العدالة عند رولز واألوضاع اليت‬
‫االجتماعية واالقتصادية مثل الدخل والثروة‪ ،‬وكذلك الفرص‬ ‫شهدتها الواليات املتحدة األمريكية يف القرن املاضي‪ ،‬فال ميكن‬
‫العادلة وقد يفرتض من خيتار هذا املبدأ أن توزع هذه املوارد‬ ‫فهم كتاب "نظرية العدالة"(‪ )Théorie de la justice‬إذا مل‬
‫باملساواة أيضا‪ ،‬لكنه سرعان ما سريى أن هناك ظروفا أو أحواال‬ ‫نأخذ بعني االعتبار اهتزاز صورة الواليات املتحدة األمريكية‬
‫يكون فيها التوزيع دون مساواة ميزة للجميع‪ ،‬يف حال كون‬ ‫بعد حرب الفيتنام‪ ،‬كما ميكن أن منوضع أحباث هذا‬
‫المساواة االقتصادية حافزا ملن ينتجون السلع واخلدمات‬ ‫ال ّ‬
‫الفيلسوف ضمن مشكالت اجملتمع األمريكي املعاصر‪ ،‬فالسود‬
‫ليزيدوا من إنتاجهم‪ ،‬مما يؤدي إىل زيادة احلجم الكلي لإلنتاج‬ ‫كانوا يعانون من متييز عنصري يف كل جماالت احلياة‪ ،‬يف‬
‫بوجه عام‪ ،‬فمبدأ راولز الثاني يقول إن عدم املساواة املادية تكون‬
‫املدرسة والشارع واجلامعة وغريها‪ ...‬وقد ظهرت نتيجة ذلك‬
‫عادلة لو أنها تتيح أكرب قدر ممكن من الفوائد ألفقر أبناء‬ ‫الوضع حركة النضال من أجل نيل احلقوق املدنية واملطالبة‬
‫اجملتمع» (ترينسوبيلالمي‪ ،2010 ،‬صفحة ‪.)188‬‬ ‫فإن راولز عندما ألف كتابه هذا كان بال شك‬ ‫باملساواة‪ ،‬وعليه ّ‬
‫بعد أن تعرفنا على مفهوم العدالة الرولزية ننتقل اآلن إىل‬ ‫يفكر يف كل هذه األمور‪.‬‬
‫ويسعى هذا املشروع النظري عند رولز إىل خلق توازنات جديدة البحث عن مدى حضور فكرة املواطنة يف هذه النظرية‪ ،‬ويف‬
‫بني احلرية واملساواة على قواعد أخالقية للعدالة‪ ،‬حيث يطرح هذا اإلطار ميكن القول أن رولز قدم مفهوما سياسيا للعدالة‪،‬‬
‫راولز يف كتابه نظرية سياسية ذات منحى ليربالي‪ ،‬ولكن ألن املبادئ اليت صاغها يف نظريته تؤكد على حقوق املواطنة‬
‫مبراجعة املبادئ الليربالية على ضوء املبادئ األخالقية‪ ،‬ألن مبفهومها الليربالي « مفهوم العدالة يعد مبثابة القاعدة‬
‫العدالة متثل القاعدة األساسية لكل جمتمع منظم عقالنيا لتحديد كيفية توزيع املنافع األساسية على املواطنني مبا‬
‫يهدف إىل حتقيق النفع العام وينال رضا كل املتعاقدين يف ذلك احلقوق والفرص» (ديلو ستيفني‪ ،2003 ،‬صفحة‬
‫‪ ،)450‬ويتحدث راولز عن ما يسميه اجملتمع اجليد التنظيم‬ ‫املنضوين فيه حتت تعاقد ما‪.‬‬
‫وهو « اجملتمع الذي يتقبل فيه مجيع املواطنني مبادئ العدالة‬
‫ولكي تتضح مبادئ العدالة االجتماعية عند رولز‪ ،‬يقرتح » (ديلو ستيفني‪ ،2003 ،‬صفحة ‪ ، )457‬وحيصر رولز نظريته‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مذهبا تعاقديا خمالفا لنظرية العقد االجتماعي كما يف ما أمساه الدميقراطيات الدستورية « يف تطويره ملذهب‬
‫جندها عند توماس هوبز وجون لوك وجان جاك روسو‪ ،‬فهو الليربالية السياسية يشري رولز إىل ما يسميه "البناء األساسي"‬
‫ال يوافقهم على ما ذهبوا إليه من مذهب احلق الطبيعي‪ ،‬للدميقراطية الدستورية احلديثة‪ ،‬يتعلق هذا البناء باملؤسسات‬
‫أن راولس يطرح بعداً جديداً يف نظريته أمساه "حجاب السياسية واالجتماعية واالقتصادية واليت تشكل معا نظاما‬ ‫حيث ّ‬
‫اجلهل" (‪ ، )Voile d’ignorance)Rawls, page, 168‬يكون حيقق وحدة اجتماعية وتعاونا مستمرا بني املواطنني على‬
‫خلفه مشاركون متعاقدون‪ ،‬يقومون باختيار عقلي ويقوم خمتلف انتماءاتهم ومشاربهم من جيل آلخر » ( ديلو ستيفني‪،‬‬
‫اختيارهم عن جهل بالوظيفة االجتماعية أو املكانة اليت ‪ ،2003‬صفحة ‪.)461‬‬
‫سيحتلونها يف اجملتمع املستقبلي‪ ،‬وهذا املوقف الذي يتواجد‬
‫فيه املتعاقدون يسميه رولز باملوقف األصلي ‪ La position‬كما أكد الباحث العربي نور الدين علوش أيضا احلضور‬
‫‪)Rawls, 2009, p, 144(()Originelle‬ونفهم من هذا الطرح القوي لفكرة املواطنة يف نظرية العدالة الرولزية حني قال‪:‬‬
‫أن "حجاب اجلهل" هو الذي ميكن املتعاقدين من االختيار « هدف نظرية العدالة كإنصاف هو حتقيق جمتمع عادل‬ ‫ّ‬
‫العقالني ملبادئ العدالة دون النظر إىل أوضاعهم اخلاصة‪ ،‬أو يضمن ألفراده احلرية واملساواة‪ ،‬حبيث تكون احلدود املنصفة‬
‫للتعاون موضع توافق بني املواطنني أنفسهم » (علوش‪،2013 ،‬‬ ‫السعي لتحقيق مصاحلهم الشخصية الضيقة‪.‬‬
‫صفحة ‪ ،)83‬وهذا ما عرب عنه أيضا بصيغة أخرى بقوله‪:‬‬
‫وقد شرح املفكران االجنليزيان ترينس بول وريتشارد بيالمي «تهدف "نظرية العدالة" إلنشاء مواطنة مبنية على االتصال‬
‫هذا الوضع األصلي وحجاب اجلهل بقوهلما‪ « :‬من خيتار مبادئ واملشاركة والتعاضد» (علوش‪ ،2013 ،‬صفحة ‪.)84‬‬
‫العدالة عليه أن يعرف احلقائق العامة للحياة االجتماعية‬
‫وليس أن يعرف موقفه االجتماعي الشخصي‪ ،‬فمن خيتار وأكد الباحث العربي "حممد عثمان حممود" يف دراسته املتميزة‬
‫عليه أن خيتار مبدأين‪ ،‬األول يفضي بأن كل فرد له أن ينعم عن فلسفة العدالة عند رولز مدى حضور فكرة املواطنة يف هذه‬
‫بأعلى درجات احلرية الشخصية اليت تتسق مع حق غريه يف الفلسفة باعتبار أنه ال معنى للعدالة دون مواطنة وال معنى‬
‫أن يعيش حرية مساوية‪ ،‬مما يعين أن اجلميع ينبغي أن يكون للمواطنة دون عدالة‪ ،‬ويقول يف هذا السياق‪ « :‬يرى رولز أن‬

‫‪297‬‬
‫م‪ .‬جلول خدة| األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ،13‬العدد ‪ | 2021 ،02‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪299 - 292 :‬‬

‫يف بلورة فلسفة حداثية تساعد اإلنسان على فهم حقيقة‬ ‫أعضاء اجملتمع السياسي املنخرطني يف التعاون املستدام يعدون‬
‫وجوده يف خصم التسارع الزمين والتغريات الرهيبة يف زمن‬ ‫مواطنني باملعنى األمثل للمواطنة‪ ،‬فهم أحرار ومتساوون وأن‬
‫العوملة واحلرب ومن أهم تلك املفاهيم احلداثية عدالة‬ ‫من شأن العمل مبقتضى مبادئ العدالة السياسية اليت جيري‬
‫املناصفة )‪ ) Justice of Equity‬واملواطنة العاملية‪.‬‬ ‫االشتغال على تأكيدها جعل هذا املعنى متحققا يف الواقع ال‬
‫ولكن عدالة اإلنصاف الرولزية ال تعين املعنى القديم فقط‪ ،‬بل‬ ‫جمرد قول زائف [‪ ]...‬فاملواطنون ينخرطون يف هذا التعاون‬
‫تضيف إليه معنى االعتماد املتبادل‪ ،‬كما حيدث يف السوق‪ ،‬حيث‬ ‫بإرادة حرة وقناعة كاملة حول اخلريين االجتماعي والفردي‬
‫يعمل الفرد على حتقيق التكافؤ بني خمرجاته واستثماراته‪.‬‬ ‫احلاصلني فيه‪ ،‬وهم متساوون يف كل األعباء واملسؤوليات‬
‫ويقوم هذا النوع من العدالة على مبدأ احلق واملنفعة معاً‪،‬‬ ‫كما يف جين املنافع واخلريات»( حممد عثمان‪ ،2014 ،‬صفحة‬
‫فاإلنصاف يوجب احلكم على األشياء حبسب روح القانون‪ ،‬أما‬ ‫‪ ،)141‬ويواصل تأكيده االرتباط الوثيق بني العدالة واملواطنة‬
‫العدل فيوجب احلكم عليها بنص القانون‪.‬‬ ‫عند راولس بقوله‪ « :‬إن املواطنني يف اجملتمع الدميقراطي املثالي‬
‫يعدون مصدر شرعية املؤسسات السياسية واالقتصادية‪ ،‬وهم‬
‫تضارب املصاحل‬ ‫يطالبونها باألخذ مبفاهيم اخلري املشروطة مبفهوم العدالة‬
‫يعلن املؤلف أنه ليس لديه تضارب يف املصاحل‪.‬‬ ‫العام » (حممد عثمان‪،2014 ،‬صفحة ‪.)146‬‬
‫كما أشار حممد حممود عثمان يف دراسته هذه إىل القوتني التعليقات‬
‫األخالقيتني اليت جيب أن يتمتع بها املواطنون وتدفعهم إىل‬
‫*‪ -‬جيب التمييز بني مصطلح العدل ومصطلح العدالة؛‬
‫االخنراط يف تعاون يف فلسفة رولز‪ ،‬وهما املعقولية (احلس فالعدالة نوع من العدل وليست هي العدل‪ ،‬أو هي العدل مطبقاً‬
‫بالعدالة) والعقالنية (القدرة على حتصيل مفهوم اخلري)‬
‫على حالة خاصة‪ .‬والعدل بالقياس إىل العدالة يتسم بالتجريد‬
‫(حممد عثمان‪ ،2014 ،‬صفحة ‪ ،)143‬وذلك ألن (الوضع‬
‫والعمومية‪ ،‬فهو يعين باملبادئ العامة‪ ،‬يف الوقت الذي تهتم‬
‫األصلي) الذي يتحدث عنه رولز يتطلب ممثلني للمواطنني‬
‫فيه العدالة بالظروف اخلاصة لكل حالة‪ ،‬وتتكيف حبسب‬
‫يتصفون بصفة احلياد املطلق والرباءة من أي معرفة بأحواهلم‬
‫كل حالة وتستجيب لكل الدوافع األخالقية‪ ،‬كما أن العدل‬
‫واجملتمع الذي ميثلونه‪ ،‬ويقتضي أيضا مواطنني أحرار‬
‫يتسم بالصالبة والتشدد‪ ،‬يف حني متيل العدالة إىل العطف‬
‫ومتساويني ولديهم حس بالعدالة وهذا ما يسميه رولز (حجاب‬
‫والرمحة‪ ،‬ومتثل اإلنسانية يف القانون كونها تعمل على إزالة‬
‫اجلهل)‪.‬‬
‫املفارقات وختفيف ما يكون من حدّة وتشدد يف مضمون القواعد‬
‫ولعل املتتبع والقارئ ملضمون نظرية رولز يف العدالة يلحظ القانونية‪.‬‬
‫تعدد املرجعيات الفلسفية اليت نهل منها‪ ،‬وهي مرجعيات‬
‫**‪ -‬الفلسفة اإلشرتاكية‪ :‬تنسب إىل الفيلسوف وعامل‬
‫تتمركزحول الرتاث الفلسفي السياسي الغربي‪ ،‬فهو استقى‬
‫االقتصاد األملاني كارل ماركس (‪1883- 1813‬م) ذو نزعة‬
‫مفهوم العدالة التوزيعية من املعلم األول أرسطو‪ ،‬وأخذ عن‬
‫مادية‪ ،‬ويعترب مؤسس الشيوعية العلمية وزعيم الربوليتاريا‪،‬‬
‫كانط مفاهيم الكونية والعقل العملي الذي يعمل وفق اإلرادة‬
‫من أشهر مؤلفاته‪ :‬كتاب رأس املال‪.‬‬
‫اخلرية‪ ،‬وأخذ عن لوك وروسو فكرة التعاقد‪ ،‬كما استلهم من‬
‫التقاليد الثقافية والسياسية واألخالقية املوجودة يف األنظمة ***‪ -‬جون رولز (‪ :)J.Rawls) (2002-1905‬من أبرز‬
‫الدميقراطية الغربية مثل فكرة احلقوق الطبيعية واملدنية مفكري الفكر السياسي الليربالي يف أمريكا‪ ،‬حاول عرب مؤلفاته‬
‫املختلفة ترسيخ األسس اليت انبنت عليها النظرية الليربالية‬ ‫وفكرة املواطنة وغريها‪.‬‬
‫بأبعادها املختلفة مع تثمني األبعاد اإلنسانية العميقة يف‬
‫‪ -4‬خامتة‬
‫النظرية االشرتاكية أيضا‪ ،‬فمن الليربالية احتفظ مبطلب‬
‫وجممل القول حول نظرية العدالة عند رولز هو أنها نظرية احلرية الفردية وتنمية قدرات األنسان الذاتية‪ ،‬ومن‬
‫سياسية وأخالقية‪ ،‬ونظرية للمواطنةمبفهومها الليربالي االشرتاكية أبقى على جهودها من أجل بعث العدالة واملساواة‬
‫اإلصالحي‪ ،‬وال شك أنها نظرية أعطت نفسا جديداً للفكر بني البشر‪ ،‬من أهم أعماله‪ :‬العدالة والدميقراطية‪ ،‬الليربالية‬
‫السياسي واألخالقي املعاصر بإثارتها ألسئلة فلسفية هامة السياسية‪ ،‬نظرية العدالة‪.‬‬
‫حول العدالة واملساواة وال ّ‬
‫المساواة والليربالية والدميقراطية‬
‫****‪ -‬صدر هذا الكتاب بعنوانني خمتلفني‪ ،‬األول نظرية‬
‫واملواطنة‪ .‬وتعد هذه النظرية من وجهة نظر بعض الباحثني‬
‫يف العدالة (‪ )Théorie de la justice‬وهو الذي صدر سنة‬
‫األكادمييني أحد النصوص األكثر شهرة يف حقل الفلسفة‬
‫‪ ،1971‬والثاني هو العدالة كإنصاف‪ :‬إعادة صياغة (‪Une‬‬
‫األخالقية النظرية والسياسية ال يف العامل األجنلوسكسوني‬
‫‪reformulation de théorie de la justice : La justice comme‬‬
‫فقط‪ ،‬ولكن يف أوربا ككل‪.‬‬
‫‪ ) équité‬الذي صدر سنة ‪ ،2001‬حيث قام رولز مبراجعة‬
‫وخنلص أيضا مما سبق أن الفكر املعاصر قد اختص ببعض وتنقيح كتابه األول بعد املالحظات واالنتقادات اليت وجهت له‪،‬‬
‫املفاهيم اجلديدة عن العدالة واملواطنة وفق تنوع فكري ساهم ولكن رولز مل يتمكن من مراجعة كل كتابه خاصة الفصل‬
‫‪298‬‬
‫م‪ .‬جلول خدة| األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬اجمللد ‪ ،13‬العدد ‪ | 2021 ،02‬القسم (ج) اآلداب و الفلسفة‪ ،‬ص‪،‬ص‪299 - 292 :‬‬
‫‪ .17‬نسرين‪ ،‬عبد احلميد نبيه‪ ،)2008( ،‬مبدأ املواطنة بني اجلدل والتطبيق‪( ،‬د‪.‬‬ ‫الرابع واخلامس‪ ،‬إذ كان طريح الفراش ومريضا‪ ،‬والكتاب يف‬
‫ط)‪ ،‬مركز اإلسكندرية للكتاب‪.‬‬
‫صيغته الثانية هو الذي ترجم إىل اللغة العربية من طرف د‪.‬‬
‫‪ .18‬نورالدين‪،‬علوش‪ ،)2013( ،‬أعالم الفلسفة السياسية املعاصرة ط‪،1‬‬ ‫حيدر حاج إمساعيل يف إطار املنظمة العربية للرتمجة‪.‬‬
‫اجلزائر وبريوت‪ ،‬ابن النديم للنشر والتوزيع‪ ،‬ودار الروافد الثقافية‪.‬‬
‫*****‪ -‬يورغن هابرماس (‪). Jürgen Habermas) (1928-‬‬
‫‪19. Rawls, John, (2009), Théorie de la justice, Traduit de l’anglais par‬‬

‫‪Catherine Audard, édition point.‬‬


‫فيلسوف وعامل اجتماع أملاني معاصر‪ ،‬ميثل اجليل الثاني من‬
‫فالسفة مدرسة فرانكفورت‪ ،‬له أعمال فلسفية وسوسيولوجية‬
‫كثرية من أشهرها‪ :‬الفضاء العمومي‪ ،‬العلم والتقنية‬
‫كإيديولوجيا‪ ،‬املعرفة واملصلحة‪ ،‬القول الفلسفي للحداثة‪،‬‬
‫احلداثة وخطابها السياسي‪ ،‬األخالق والتواصل‪ ،‬نظرية الفعل‬
‫كيفية اإلستشهاد بهذا املقال حسب أسلوب ‪APA‬‬
‫التواصلي‪ ،‬احلق والدميقراطية‪ ،‬العقل واملشروعية‪.‬‬
‫املؤلف معمر جلول خدة‪ ،)2021( ،‬سؤال العدالة واملواطنة‬
‫‪ -‬املصادر واملراجع‬
‫عند جون رولز‪ ،‬جملة األكادميية للدراسات االجتماعية‬
‫‪ .1‬ابن منظور‪ ،)1968( ،‬لسان العرب‪ ،‬اجمللد ‪( ،13‬د‪.‬ط) بريوت‪ ،‬دار صادر‪.‬‬
‫واإلنسانية‪ ،‬اجمللد‪ ،13‬العدد ‪ ،02‬جامعة حسيبة بن بوعلي‬
‫‪ .2‬الشريف علي بن حممد‪ ،‬اجلرجاني‪( ،‬د‪ .‬ت)‪ ،‬التعريفات‪( ،‬د‪ .‬ط)‪ ،‬حتقيق‪ :‬بالشلف‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ص‪،‬ص‪299-292:‬‬
‫حممد علي أبو العباس‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬دار الطالئع للنشر والتوزيع والتصدير‪.‬‬
‫‪ .3‬بول‪ ،‬ترينس‪ ،‬و ريتشارد‪ ،‬بيلالمي‪ ،)2010( ،‬الفكر السياسي يف القرن‬
‫العشرين‪ ،‬اجمللد الثاني‪ ،‬سلسلة موسوعة كمربيدج للتاريخ‪ ،‬ترمجة مقلد مي‪،‬‬
‫املركز القومي للرتمجة‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .4‬رولز‪ ،‬جون‪ ،)2009( ،‬العدالة كإنصاف‪ :‬إعادة صياغة ط‪ ،1‬ترمجة حيدر‬
‫حاج إمساعيل‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة ومساهمة حممد بن راشد آل مكثوم‬
‫ومركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .5‬روس‪ ،‬جاكلني‪ ،)2001( ،‬الفكر األخالقي املعاصر‪( ،‬ب‪ .‬ط)‪ ،‬تر‪ :‬عادل العوا‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬عويدات للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ .6‬ستيفني‪ ،‬ديلو‪ ،)2003( ،‬التفكري السياسي والنظرية السياسية واجملتمع‬
‫املدني‪ ،‬ط‪ ،1‬ترمجة ربيع وهبه‪ ،‬القاهرة‪ ،‬اجمللس األعلى للثقافة‪.‬‬
‫‪ .7‬صليبا‪ ،‬مجيل‪ ،)1982( ،‬املعجم الفلسفي‪ ،‬ج‪ ،2‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪.1982‬‬
‫‪ .8‬طالب‪ ،‬مناد‪ ،)2009( ،‬مفهوما املواطنة والتسامح والتأصيل هلما من خالل‬
‫صحيفة املدينة املنوّرة‪ ،‬مشكالت فلسفية نهضوية معاصرة‪ ،‬اجلزائر‪،‬كنوز‬
‫احلكمة‪.‬‬
‫‪ .9‬عاطف‪ ،‬غيث‪ ،)1995( ،‬قاموس علم االجتماع‪( ،‬د‪ .‬ط) اإلسكندرية‪ ،‬دار املعرفة‬
‫اجلامعية‪.‬‬
‫‪ .10‬عبد اجلليل‪ ،‬أبو اجملد‪ ،)2010( ،‬مفهوم املواطنة يف الفكر العربي اإلسالمي‪،‬‬
‫(د‪ .‬ط)‪ ،‬املغرب‪ ،‬إفريقيا الشرق‪.‬‬
‫‪ .11‬عبدالقادر‪ ،‬بوعرفة‪ ،‬وبومدين‪ ،‬بوزيد‪ ،)2008( ،‬بوعرفة عبد القادر وبوزيد‬
‫بومدين‪ ،‬العدالة واإلنسان‪-‬أسئلة الواقع ورهانات املستقبل‪ ،‬ط‪ ،1‬اجلزائر‪ ،‬دار‬
‫آل الرضوان‪.‬‬
‫‪ .12‬عبدالوهاب‪ ،‬الكيالي‪ ،)2004( ،‬موسوعة السياسة‪ ،‬ج‪ 6‬ط‪ ،5‬املؤسسة العربية‬
‫للدراسات والنشر‪.‬‬
‫‪ .13‬عثمان‪ ،‬حممود حممد‪ ،)2014( ،‬العدالة االجتماعية الدستورية يف الفكر‬
‫الليربالي السياسي املعاصر‪ :‬حبث يف منوذج رولز بريوت‪ ،‬ط‪ ،1‬املركز العربي‬
‫لألحباث ودراسة السياسات‪.‬‬
‫‪ .14‬كورفيرت‪ ،‬صموييل‪ ،)1988( ،‬جون رولز‪ :‬نظرية يف العدل يف أعالم‬
‫الفلسفة السياسية املعاصرة‪ ،‬أنطوني دي كريسيت وكينيث مينوج‪ ،‬ترمجة‬
‫نصار عبداهلل‪ ،‬اهليئة املصرية للكتاب‪.‬‬
‫‪ .15‬جمد الدين بن يعقوب‪،‬الفريوز أبادي‪ ،)2008( ،‬القاموس احمليط‪( ،‬د‪ .‬ط)‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬آنس حممد الشامي وزكريا جابر أمحد‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار احلديث‪.‬‬
‫‪ .16‬مهران‪ ،‬محدي‪ ،)2012( ،‬املواطن واملواطنة يف الفكر السياسي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫االسكندرية‪ ،‬دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر‪.‬‬

‫‪299‬‬

You might also like