Professional Documents
Culture Documents
تحصين قرار التفتيش
تحصين قرار التفتيش
وبالنظر لطبيعة وحجم هذه المسؤولية القيادية داخل المنظومة التربوية ،فإن هيئة التفتيش كانت دائما
مطالبة بتجديد وتطوير ممارستها التأطيرية والرقابية بما يالئم مهامها اإلستراتيجية المرحلية والراهنة.
لذلك ما فتئت الوزارة الوصية تحاول تعزيز هذه التوجهات والتدابير التفعيلية لتطوير أداء هذه الهيئة
في إطار استراتيجيتها القطاعية لتأهيل مواردها البشرية بشكل عام كمدخل أساسي لتجويد ديناميكية
اإلصالح التي أقرتها كل الوثائق اإلصالحية و خاصة الميثاق الوطني للتربية والتكوين من قبل ثم
الرؤية اإلستراتيجية لإلصالح 4000 / 4002و أخيرا مشروع قانون اإلطار رقم 20/04المتعلق
بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وما صاحب ذلك من إقرار لنصوص تشريعية جديدة حول
المهام المنوطة بهيئة التفتيش بقطاع التربية والتكوين حتى تقوم هذه الفئة اإلشرافية بنشاطها المهني
بشكل مؤسس معرفيا و تشريعيا و تربويا و أخالقيا.
إال أن المالحظ ولألسف بخصوص الممارسة الميدانية لهذا النشاط المهني اإلشرافي بشقيه اإلداري
والتربوي والتي من المفترض أن تتم في إطار تفاعالت مهنية عالئقية سليمة مع باقي الفاعلين
وخصوصا أطر التدريس ،أن هذه التفاعالت العالئقية تزيغ أحيانا عن جوهر تواجدها الوظائفي
والقيمي ،والذي من بين ركائزه إعمال الضمير المهني وثقافة احترام الواجب وتحمل المسؤولية من
الجانبين (المذكرة الوزارية عدد 24الصادرة بتاريخ 44مايو 4002بشأن ميثاق حسن سلوك الموظف
العمومي) .لذلك يضطر بعض الفاعلون التربويون من هيئة التدريس أحيانا إلى طلب تدخل جهات
رقابية أخرى لمخاصمة قرارات التفتيش الصادرة عن مفتشي التعليم إما عن طريق طلب إجراء تفتيش
مضاد أو عن طريق رفع طعن قضائي ضد تقارير التفتيش مع ما يترتب عن ذلك من تبعات نفسية
ومهنية وقانونية على الجانبين سنأتي على تبيانها في متن هذه الورقة.
و بالنظر لرزمانة أحكام اإللغاء الصادرة عن القضاء اإلداري في حق العديد من تقارير التفتيش في
منظومة التربية والتكوين والتي غالبا ما يتم مخاصمتها لعلة انتفاء شرعيتها وتجاوزها للسلطة ،يقع
موضوع تحصين تقارير التفتيش اليوم في صميم التفكير المؤسساتي داخل المنظومة ،كما يعتبر من
بين االنشغاالت الجوهرية التي تفرض راهنيتها المستمرة بالنسبة لطبيعة اإلشكاالت القانونية والتربوية
سنشير لهذه األطر بأطر التفتيش أو ب "هيئة التفتيش التربوي" كما هو متداول في الساحة التعليمية المغربية 0
"تطوير مهنة ومهام التفتيش التربوي" رأي المجلس األعلى للتعليم رقم ،00/2ص400002 2
1
(بل واألخالقية أحيانا) التي ترافق ممارسة هيئة التفتيش الختصاصاتها ومهامها داخل المنظومة الوطنية
للتربية والتكوين بالبالد .لذلك ما فتئ موضوع تحصين قرارات التفتيش يحظى باهتمام واسع سواء من
طرف اإلدارة المركزية أو من طرف مكونات طيف التفتيش المنتمية للقطاع لما يأخذه استصدار هذه
التقارير من حيز مهم من النشاط اإلداري والتربوي اليومي للسيدات والسادة المفتشين في القطاع.
و إلن كان موضوع تحصين تقارير التفتيش كقرارات إدارية يقع اليوم في صميم التفكير المؤسساتي
داخل المنظومة (مذكرة رقم 04بتاريخ 4يونيو )4004و يستأثر بحيز هام من النقاش القانوني
الموسع على مستوى البحوث المنجزة في شعب القانون اإلداري بكليات الحقوق ،فما زالت مساهمات
الجسم التربوي عموما و هيئة التفتيش على الخصوص في الموضوع محتشمة رغم وجود بعض
البحوث المعزولة جدا في الزمان و المكان (خاصة بالمركز الوطني لتكوين مفتشي التعليم) و التي غالبا
ما يتحكم في متنها الهاجس التربوي عوض التأصيل القانوني ألركان القرار اإلداري.
تأسيسا على ذلك ،فقد بات من المنطقي بل ومن الضروري أن يتم إيالء موضوع تحصين تقارير
التفتيش الصادرة عن هيئة التفتيش ما يستحقه من اهتمام سواء بمركزي تكوين المفتشين أو على مستوى
الوحدات التنظيمية الخاصة بهيئة التفتيش على مستوى األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ومديرياتها
اإلقليمية .من هذا المنطلق ،يتناول هذا المقال موضوع تحصين تقارير التفتيش الصادرة عن مفتشي
التعليم كقرارات إدارية صادرة عن القطاع مساهمة منا في إغناء النقاش حول الموضوع من داخل
هيئة التفتيش مستعينين في ذلك بمنهجية المعالجة البنيوية و التحليل القانوني من منطلق االقتناع المتقاسم
أن تحصين تقرير التفتيش و التدبير المحكم لمختلف أركانه البيداغوجية و القانونية من شأنه أن يسهم
في الرفع من فعاليته و مشروعيته الداخلية و الخارجية فضال عما سيترتب عن ذلك من انعكاسات
إيجابية على حسن سير المرفق اإلداري العمومي و منتوجه الوثائقي من جهة ثانية.
اإلشكالية
بالرغم من المنظور أو األفق القانوني الطموح الذي رسمه المشرع بشأن ضرورة تحصين القرارات
اإلدارية و من ضمنها تقارير التفتيش ( أنظر مثال ق القانون رقم 00.00بشأن إلزام اإلدارات العمومية
والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها اإلدارية) بالشكل الذي يمكن به نقل هذا االجراء إلى ارتقاء نوعي
بفعالية و مشروعية تقارير التفتيش المنجزة من طرف السيدات و السادة المفتشين ،فإن هذا التوجيه
حسب المذكرة الوزارية رقم 04بتاريخ 4يونيو 4004لم يتم احترامه في كثير من الحاالت مما
يفسر الرواج الذي تعرفه المنازعات القضائية الناجمة عن الطعن في تقارير التفتيش أمام المحاكم
اإلدارية على صعيد المملكة.
أمام هذا الوضع يجد الباحث نفسه أمام إشكال يتمثل في التوتر الحاصل بين نمطين من الخطاب
المصاحب لهذا الوضع0
-خطاب تشريعي تنظيمي وتربوي صادر عن اإلدارة المركزية يرى أن تحصين الفاعلية القانونية
والبيداغوجية لتقارير التفتيش كقرارات إدارية ضرورة حتمية لها انعكاساتها على صورة اإلدارة
والمؤسسة التعليمية وعلى التزاماتها اتجاه المرتفقين داخليا وخارجيا .لذلك يدعو هذا الخطاب إلى
التفكير في ضبط استصدار تقارير التفتيش كنشاط اداري بالشكل الذي ينقله من مجرد نشاط آلي روتيني
غير مؤصل قانونا عقب الزيارات الصفية التي يجريها السيدات والسادة المفتشون إلى آلية إدارية
وبيداغوجية فاعلة للتوجيه والتأطير والتقويم بل وحتى المحاسبة والمساءلة المرتبطة بالمسؤولية.
2
-خطاب ثان صادر غالبا عن السيدات والسادة األساتذة الذين تضرروا بشكل أو بآخر (أو يعتقدون
بذلك) من بعض تقارير التفتيش الصادرة بحقهم والذين ينتقدون مضامين بل وحتى الجدوى من وراء
هذه التقارير ويرون فيها أحيانا سلطة تعسفية تناقض غايتها المنشودة مما يخلقه هذا التجاوز من آثار
سلبية على نفسية ومردودية هيئة التدريس ،وبالتالي على قدرة استدماجهم لمختلف التوجيهات التربوية
الصادرة عن هيئة التأطير والمراقبة وعن الوزارة الوصية.
البد إذن ونحن بصدد التأصيل النظري المعتمد في طرحنا الحالي لتحصين تقارير التفتيش في جوانبه
التشريعية بما له من عالقة مع تحصين القرارات اإلدارية بشكل عام أن نذكر بأن هاجس تحصين
تقارير التفتيش كقرارات إدارية قد عرف تغييرا نوعيا في الحدة المنهجية كما تأسست عليها فلسفة
القانون اإلطار ،20-04ذلك أنه طرح يتغذى أوال من متطلبات تجديد ومهننة الممارسة اإلشرافية
لرجال ونساء هيئة التفتيش في القطاع بقدر ما تغذيه ثانيا متطلبات ومقتضيات التحديث اإلداري للمرفق
العام ودواعي تجويد األداء المهني للسادة المفتشين .إال أنه وبالرغم من أخد القانون اإلطار بمبدأ مهننة
أداء المفتشين وفق دالئل مرجعية للكفايات والمهام وربط كل ذلك بمبدأ تقييم )(valorisation
المسؤوليات التربوية واإلدارية للسيدات والسادة المفتشين (المادة -04باب الموارد البشرية من القانون
اإلطار ،)20-04في انسجام مع توصيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين والرؤية اإلستراتيجية ،فإن
هذه النصوص مجتمعة لم تتمكن من بسط سبل تحقيق هذه المبادئ على أرض الواقع .فمثال حينما
يتحدث القانون اإلطار عن ضرورة اعتماد دالئل مرجعية لمهام وكفايات أطر هيئة التفتيش بالقطاع
فإنه ال يرفع اللبس الذي يلف آليات التنزيل الفعلي لهذا الورش .كذلك كيف نفسر دعوة هذه األطر
المرجعية مجتمعة إلى ضرورة ممارسة هيئة التفتيش لمهامها الرقابية وفق دالئل مرجعية للكفايات ومع
ذلك يتم حرمان مفتشي التوجيه والتخطيط والمصالح المادية والمالية من حقها في ممارسة مهامها
المشروعة بل على العكس من ذلك تجد اإلدارة المركزية تنزع عنها هذا الحق بل ومكتسباتها السابقة
عندما يدعو إلى تقزيم أدوارها ضمن لجان مختلطة على مستوى المديريات اإلقليمية.
انطالقا من هذا المعطى (غياب استراتيجية تكوينية واضحة قادرة على ضبط الكفايات المهنية األساسية
لممارسة هيئة التفتيش لمهامها المحورية في القطاع والتي من ضمنها تحصين تقارير التفتيش الصادرة
عنها ضد كل مسببات الحياد عن المشروعية) تبقى مسألة تحصين تقارير التفتيش واحدة من اإلشكاليات
األفقية الكبرى والحاسمة للمنظومة الوطنية للتربية والتكوين بالمغرب والتي يمكن تلخيص سماتها في
اإلشكاالت الثالثة اآلتية0
أ /تقارير تفتيش قائمة على تقييم لحظي ( )momentanéلعناصر صفية متعددة (تفاعالت عالئقية،
استعمال الوسائل الديداكتيكية ،تحقق األهداف ،منهجية الحصة المقدمة ،نوعية الوثائق التربوية)... ،
وما يصاحب ذلك من تكلفة نفسية بالنسبة للمدرس في سبيل تقديم أداء مقنع منهجيا ووثائقيا.
ب /تقارير تفتيش غير موحدة منهجيا وتنظيميا بل وحتى لغويا ،سواء بين التخصصات المختلفة أو
حتى داخل نفس التخصص.
د /تقارير تفتيش قائمة على االنتصار أحيانا كثيرة لسلطة المفتش التقديرية وما يصاحب ذلك من عيوب
في المشروعية الداخلية والخارجية لبعض تقارير التفتيش.
3
أمام هذا النوع من اإلشكاالت المصاحبة الستصدار تقارير التفتيش في القطاع يجب التذكير بأن إشكالية
تحصين تقارير التفتيش تبقى من أشد اإلشكاليات األفقية تعقيدا وحساسية على مستوى منظومة التربية
والتكوين لما يمكنها أن تثيره أوال من حساسيات مهنية بين السيدات والسادة المفتشين والسيدات والسادة
األساتذة ،وثانيا لما يمكن أن يكون لهذه الحساسيات من آثار تربوية ونفسية وقانونية بالنسبة للمفتشين
والمدرسين على حد السواء.
بناء على ما سبق ،ارتأينا في هذا المقال الوقوف عند دراسة إشكالية تحصين قرارات التفتيش الصادرة
عن مفتش التعليم من منظور القضاء اإلداري والنصوص القانونية المؤطرة له وواقع الممارسة اإلدارية
والتربوية لمفتش التعليم في المغرب بما يجعل هذه التقارير كفيلة بتحقيق وظائفها التكوينية واإلدارية
المشروعة قانونا .وقد اعتمدنا في تفكيك إشكالية المقال على مداخل متعددة من أجل الوقوف على مدى
احترام عنصر المشروعية في اصدار قرارات التفتيش وأثر ذلك على مشروعية تقرير التفتيش .لذلك
عمدنا إلى طرح تساؤالت فرعية تسمح باإلحاطة بالضوابط التنظيمية والقانونية المؤطرة إلصدار
تقارير التفتيش وباالختالالت التي يمكن أن تشوب الممارسة اإلشرافية المرافقة لها .كما اجتهدنا في
التعريف بآليات الرقابة اإلدارية على قرارات التفتيش وذلك بناء على مجموعة من المفاهيم المفتاحية
المؤطرة لعمل المحاكم اإلدارية في الموضوع ،ونخص بالذكر مفاهيم القرار اإلداري والطعن القضائي
والمشروعية والسلطة التقديرية وتجاوز السلطة.
لإلجابة عن السؤال المحوري أعاله ،يمكن تفريعه إلى التساؤالت النوعية التالية0
ما مفهوم تقرير التفتيش من زاوية االجتهاد اإلداري والقانوني وما وظائفه على مستوى منظومة )0
التربية والتكوين؟
ما هي اإلشكاالت القانونية والتربوية التي تعيب فعالية تقارير التفتيش الصادرة عن هيئة )4
التفتيش داخل منظومة التربية والتكوين من منظور القضاء االداري؟
ما هي آليات رقابة القضاء اإلداري على مشروعية تقارير التفتيش؟ )0
ما هي شروط تحصين فاعلية ومشروعية تقارير التفتيش الصادرة عن مفتشي التعليم؟ )2
انطالقا من هذه التساؤالت الفرعية ،فإننا سنحاول في مقالنا التطرق إلى العناصر التالية0
)0مفهوم تقرير التفتيش من زاوية التعريف اإلداري والقانوني ،وظائفه وعالقته بمفهوم السلطة
التقديرية الممنوحة لمفتش التعليم بقطاع التربية والتكوين.
)4اإلشكاالت القانونية والتربوية التي تعيب تقارير التفتيش والتي تعيب مشروعيتها من منظور
القضاء االداري.
)0آليات رقابة القضاء اإلداري على السلطة التقديرية الممنوحة لمفتش التعليم داخل منظومة
التربية والتكوين.
)2اقتراحات لتجاوز إشكاالت عيوب المشروعية في تقارير التفتيش ولتحصين فاعلية ومشروعية
التقارير الصادرة عن مفتشي التعليم.
4
أهمية العرض
ينطلق هذا المقال من سؤال جوهري وهو 0كيف السبيل إلى تحصين تقارير التفتيش الصادرة عن مفتشي
التعليم على مستوى الخطاب والواقع لالستفادة منها قدر اإلمكان في المجال التربوي واالداري؟ من هنا
فإن أهمية هذا العرض تنبع من خالل تبيان أهم مظاهر وعيوب المشروعية التي تعتري الكثير من
تقارير التفتيش على ضوء االجتهادات اإلدارية و القضائية في الموضوع .كما تنبع أهمية هذا العرض
انطالقا من كونه يقدم اقتراحات عملية طموحة لكل الفاعلين التربويين وخاصة مفتشي التعليم بحكم
مسؤوليتهم المباشرة في التعاطي مع الجوانب التربوية والبيداغوجية والقانونية لهذه التقارير من أجل
اإلستفادة من التأطير التشريعي والقانوني الذي يقدمه االجتهاد اإلداري والقضائي في الموضوع قصد
تحصين هذه التقارير وتمكينها من تحقيق الغرض الذي وضعت من أجله على مستوى المنظومة ككل.
أهداف العرض
هناك إجماع اليوم سواء من طرف دوائر القرار اإلداري والتربوي داخل منظومة التربية والتكوين أو
من طرف المفتشين المشكلين للطيف التربوي واإلداري بهيئة التفتيش حول ضرورة ضمان الحد
األقصى لفاعلية تقرير التفتيش كشرط أساسي لضمان مشروعيته وتحقيق الغرض منه .انطالقا من هذا
المعطى تروم هذه الورقة تقديم بعض عناصر التأمل حول مسألة تحصين تقارير التفتيش الصادرة عن
مفتشي التعليم مع التساؤل حول شروطه القانونية والبيداغوجية المؤسسة له والتي ستساعدنا حتما على
تالفي كل مسببات المنازعات اإلدارية المرافقة له وعلى تفادي استصدار تقارير تفتيش ال تقوم على
مبدأ صون المصلحة الفضلى لمنظومة التربية والتكوين .من منظورنا المتواضع ،فإن العمل على تحقيق
هذا الهدف يتماشى ومقاصد وأهداف المنظور الحديث للتأطير التربوي واإلداري بشكل عام ،اقتناعا
منا بأهمية تقارير التفتيش في توفير قاعدة بيانات غنية حول األداء المهني للموظفين في القطاع وفي
فهم امتداداه اإليجابية والسلبية على اإلنجاز الجيد للمرفق العام.
تجسيد لهذا المبدأ ،فإننا نسعى من خالل مقالنا هذا المساهمة في تأسيس ثقافة قانونية صلبة تساعد مفتش
التعليم من جهة على استصدار تقارير تفتيش فعالة ومحصنة ،ومن جهة أخرى نأمل المساهمة بهذا
العمل في تعزيز ثقافة إشرافية قائمة على االنضباط لقواعد األخالقيات المهنية كآلية مرجعية لاللتزام
والتوافق بين مفتش التعليم وباقي الفاعلين التربويين من شأنها ترسيخ قيم وقائية تدعم مقاصد تقارير
التفتيش المتطابقة مع روح المقتضيات القانونية والتربوية الجاري بها العمل .وال شك أن االلتزام بهذا
الهدف الذي يشكل عنصرا من المنظومة العامة لإلشراف التربوي واإلداري سيساهم في تدعيم ثقافة
المرفق العام القائمة على إعمال روح المسؤولية ،وبالتالي الرفع من فعالية ومشروعية تقارير التفتيش
في القطاع ،حيث أن التشبع بثقافة المرفق العام خالل إنتاج تلك التقارير تقتضي بالضرورة التقيد بمبدأ
المشروعية بحيث يكون تقرير التفتيش مطابقا للقواعد القانونية الجاري بها العمل من جهة ويكون
التجرد والموضوعية وخدمة الصالح العام أساس اتخاذ كل القرارات من جهة ثانية.
5
حدود العرض
تعتبر هذه الورقة المتواضعة مجرد مقاربة تأملية تحاول أن تسلط الضوء على بعض عيوب المشروعية
التي تطبع بعض تقارير التفتيش الصادرة عن مفتشي التعليم انطالقا من تجربتنا المتواضعة كمفتش
للتعليم الثانوي التأهيلي .ونحن بذلك ال ندعي اإلحاطة بكل أبعاد ومسببات هذه العيوب كما تظهر من
خالل افتحاصنا للعديد من تقارير التفتيش في القطاع وال تقديم أجوبة عن مجموع األسئلة القائمة في
السياقين القانوني والتربوي المرتبطين بظروف استصدار هذا النوع من التقارير .كما أننا لن ندخل في
أي نقاش جانبي يهم تقارير الزيارة بحكم أن تقرير زيارة المفتش ال تمنح فيه نقطة التفتيش ،وبالتالي ال
يعتبر قرارا إداريا من شأنه التأثير في المركز القانوني للموظف عمال بمقتضيات المادة 40من القانون
رقم 00-20المنظم للمحاكم اإلدارية ،وهو بذلك ال يستوجب الطعن القضائي أمام المحاكم اإلدارية.
كل األمل أن يسهم هذا المجهود المتواضع في إثارة االنتباه لمختلف جوانب تجاوز السلطة في استصدار
تقارير التفتيش من منظور قانوني شمولي يستحضر كافة تلك األبعاد ويهيئ شروط ضمان فاعلية
ومشروعية تقرير التفتيش لتمكين رجال ونساء هيئة التفتيش خاصة الجدد منهم من تملك فعال آلليات
تدبير هذا النشاط اإلداري والتربوي بما يساهم في تحقيق غاياته المشروعة.
قبل االبتعاد شيئا في هذا التأمل يجب التذكير بأن المجهود األكبر الصادر عن هيئة التفتيش حول
موضوع تحصين تقارير التفتيش غالبا ما تم في إطار بحوث التخرج من مركز تكوين مفتشي التعليم
والتي تبقى لألسف بعيدة عن ثقافة التقاسم مع باقي المفتشين باستثناء تقاسم بعض اآلراء الشخصية
المناسباتية والتي غالبا ما تتم داخل فضاءات التواصل االجتماعي دون استحضار األركان القانونية
التي تؤطرها مما يفقد هذا النوع من التأمل فاعليته الفكرية والعقالنية .وبالتالي وبالنظر العتمادنا على
بعض هذه التأمالت في إطار استجالئنا لآلراء المتوافرة حول الموضوع لربما يمكن تحول بعض
خالصات عرضنا هذا للمساءلة المنهجية والنظرية.
إضافة إلى ما سبق ،أال يجب التذكير بأن أية مخاصمة قضائية لتقارير التفتيش الصادرة عن مفتشي
التعليم هي معقدة وحساسة في نفس الوقت لما يمكنها أن تثيره من حساسيات وأحيانا من نزاعات مهنية
جانبية؟ من المنطقي إذن أن نقر بصعوبة معالجة هكذا إشكالية في ظل الغموض المرافق للسلطة
التقديرية المخولة قانونا لرجال ونساء التفتيش داخل منظومة التربية والتكوين والستراتيجيات ضبطها
على مستوى تكوين المفتشين األساس وكذا في ظل الغموض الذي يعتري التجسيد العملي لتلك
اإلستراتيجية على مستوى الممارسة وهو ما يفرض علينا الوقوف مسبقا عند مفهوم القرار االداري في
سبيل التمهيد لتقديم إجابات مقنعة حول إشكالية تحصينه.
6
.1تحديد المفاهيم
.1.1مفهوم القرار االداري
إلن اختلفت التعاريف المقدمة من طرف فقهاء القانون بشأن مفهوم القرار االداري خاصة فيما يتعلق
ببعض جزئياته ،فإن الفقهاء متفقون بشأن جوهر ماهيته .3فمفهوم القرار اإلداري يشير في أدبيات
االجتهاد اإلداري عامة إلى كل قرار يفصح فيه مصدر القرار عن إرادته المنفردة والملزمة بمقتضى
ما له من سلطة عامة مستمدة من النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل ،وذلك بقصد
اصدار حكم قد يساهم في إنشاء أو تعديل أو إلغاء أحد المراكز القانونية للمعني بالقرار متى كان ذلك
ممكنا وجائزا قانونيا وبما يحفظ لإلدارة الحق في تحقيق مصلحة المرفق العامة.
انطالقا من هذا التحديد المفاهيمي ،واعتبارا لكون تقرير التفتيش الصادر عن مفتشي التعليم في قطاع
التربية والتكوين يعتبر قرارا إداريا صرفا ،يمكن أن نستشف ثالث خصائص أساسية لتقرير التفتيش.
وبالمناسبة ،سنعمد إلى استغالل هذا التحديد المفاهيمي وهذه الخصائص أثناء مناقشتنا لعينة من تقارير
التفتيش التي اعتمدناها قصد التوضيح .أولى خصائص تقرير التفتيش أنه يعتبر قرارا إداريا صادرا
عن اإلرادة المنفردة للمفتش .أما الخاصية الثانية فهي أنه قرار إداري منشأ آلثار قانونية ،وذلك لقدرته
على تغير المراكز القانونية القائمة لمن صدر بحقه القرار (مثال أثر النقطة في حظوظ الترقي في
الدرجة باالختيار) .فتقرير التفتيش ،والذي يبقى من أهم مظاهر نشاط وامتيازات السلطة التي يتمتع بها
مفتشو التعليم يستمد أهميته من كونه يبقى قادرا على إنشاء حق لمدرس (مثال الترقي) أو تعديله أو
إلغائه أو إلزامه بواجبات معينة .الخاصية الثالثة المالزمة لتقرير التفتيش (والتي تتولد عن الخاصيتين
األولى والثانية) تتمثل في كونه يبقى خاضعا كأي قرار إداري آخر لرقابة القضاء اإلداري وقابال للطعن
القضائي شكال وموضوعا متى تم احترام اإلجراءات الشكلية لرفع الطعن.
تأسيسا على ما سبق ،ما يميز قرار التفتيش هو أنه متى ما أصدر من طرف مفتش التعليم فقد صار
كيانا مستقال في ذاته يتم الحكم على عيوبه وشرعيته بناء على شروط ومعايير موضوعية مستمدة من
القانون وعلى الوقائع المادية المؤسسة له (من قبيل شروط االختصاص والشكل والغاية مثال) .هذا ال
يعني بالضرورة استبعاد القضاء الحكم على العناصر الذاتية المرتبطة بنية أو سيكولوجية مصدر القرار
(المفتش) .وحتى لو سلمنا أحيانا بصعوبة استخالص قاضي اإللغاء لعيوب بعض قرارات التفتيش
انطالقا من ظروف الوقائع المتضمنة بها ،فقد يبحث أحيانا في نية مصدر القرار ،فإن استشف منها
(أي نية مصدر قرار التفتيش) غرضا معيبا كان ذلك بمثابة قرينة تدين مشروعية الغرض الموضوعي
في القرار وليس في إرادة متخذ القرار.
من الضروري أن نؤكد هنا على معطى هام يتمثل في كون تقارير التفتيش الصادرة عن هيئة التفتيش
التابعة لوزارة التربية الوطنية تعتبر قرارات إدارية بالمفهوم الذي يمنحه القضاء اإلداري للقرارات
اإلدارية باعتبار أثرها النافذ على المركز القانوني للمعنيين بها .وألنها كذلك ،فقرارات التفتيش تبقى
قابلة للمراقبة القضائية عن طريق الطعن فيها من ناحية المشروعية الداخلية تحت علة االنحراف في
استعمال السلطة أو الخطأ القانوني أو المادي.
3الدكتور عمار عوابدي 0كتاب القانون اإلداري-ديوان المطبوعات الجامعية ،الطبعة الثالثة دار العلوم و النشر و التوزيع
7
وتجدر اإلشارة في هذا الشأن إلى أن استصدار تقارير التفتيش يأخذ حيزا هاما من النشاط اإلداري
والتربوي لهيئة التفتيش .فتبعا لالختصاصات العامة الموكولة على سبيل المثال لمفتش التعليم الثانوي،
يكلف مفتش التعليم الثانوي حسب المادة 0من المرسوم رقم 4.72.424الصادر في 2أكتوبر 0072
بشان النظام األساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية في موضوع مهنة ومهام مفتشي التعليم
بالتأطير والمراقبة التربوية ألطر التعليم الثانوي والمؤسسات التعليمية العمومية والخاصة ومؤسسات
تكوين األطر وكذا بتتبع تكوين واستكمال خبرات هذه األطر (من بين مهام أخرى ،وهي نفس المهام
والوظائف التي تكرر ورودها في الوثيقة اإلطار لتنظيم التفتيش – ابريل .) 4002تأسيسا على هذا
التكليف أناط المشرع بمفتشي التعليم مهمة تقدير كفاءة أطر التدريس عن طريق اجراء زيارات تفتيش
صفية داخل مناطقهم اإلشرافية ينتج عنها بالضرورة تحرير تقارير تفتيش ومنح نقطة عددية للمعنيين
بزيارة التفتيش.
أرتباطا بهذه المهمة ،أناط المشرع بمفتش التعليم تنقيط أطر التدريس المستوفين للشروط النظامية
الخاصة بالترقية في الرتبة والدرجة .وما يميز عملية التنقيط (سواء الخاصة بزيارات التفتيش أو
بالتنقيط للترقي) هو كون المفتش يحظى فيها بسلطة تقديرية واسعة وإن كان تقدير أداء المدرسين
المهني يجب أن يكون نشاطا ممعيرا يتأسس على معايير وشروط محددة كالتي تصاحب مثال بطاقات
الترقية في الدرجة باالختيار (المردودية وحسن السلوك .)....حتى أن المبدأ القانوني العام في مجال
الرقابة القضائية على ترقية الموظفين هو أنه "ال معقب للقضاء على حرية اإلدارة في ترقية موظفيها،
ما لم يشب قرار الترقية انحراف في استعمال السلطة" .فالقضاء وإن كان له حق مراقبة مشروعية
قرارات التفتيش بالبحث في الجوانب المقيدة في أركانها فإن هذا الحق يصبح ضيقا ألنه يدخل ضمن
االختصاص التقديري العام للمفتش .فما هو مجال هذه السلطة وما هي حدودها القانونية؟
8
وقد أجمعت االجتهادات الفقهية على مستوى ضبط ممارسة السلطة التقديرية المخولة قانونا لهيئة
التفتيش أثناء ممارستها لنشاطها التربوي واإلداري داخل المنظومة الوطنية للتربية والتكوين ببالدنا
على أن مفتش التعليم يتمتع بمجال واسع لممارسة سلطته التقديرية .إال أن ممارسة هذه السلطة كما
أشرنا سابقا وإن كان األصل فيها سالمة هدفها فإنها تبقى خاضعة لرقابة القضاء اإلداري متى كانت
مشوبة بعيب تجاوز السلطة ،ويجب أن تمارس في إطار القانون .لذلك فهذه السلطة تبقى خاضعة لرقابة
القضاء اإلداري بغية ضمان السير المنتظم للمؤسسة التعليمية كمرفق إداري وتحقيق المصلحة العامة
التي تمثل الغاية األسمى من كل نشاط إداري من جهة وحماية الحقوق الفردية لألساتذة من جهة ثانية.
في هذا الصدد ،فقد أوكل المشرع للمحاكم اإلدارية اختصاصات مهمة تتمثل في البت في طلبات إلغاء
القرارات الصادرة عن مفتشي التعليم بسبب عيب تجاوز السلطة ،والذي يتحقق بمنطوق المادة 40من
القانون رقم 20/00المحدث للمحاكم اإلدارية عندما يصدر قرار إداري من جهة غير مختصة أو لعيب
في شكله أو النحراف في السلطة أو النعدام التعليل أو لمخالفة القانون بما يشكل تجاوزا في استعمال
السلطة ،يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية المختصة.
الطعن في القرار اإلداري دعوى يرفعها صاحب الشأن من المدرسين أو غيرهم ممن خضعوا لزيارة
تفتيش نظامية أمام المحكمة المختصة طالبا ً إلغاء القرار اإلداري النهائي لسبب مخالفته للقانون من
حيث قواعد االختصاص أو الشكل أو اإلجراءات أو الخطأ في تفسير القانون واإلنحرافات وإساءة
إستعمال السلطة .وما يميز دعوى الطعن في تقرير التفتيش كقرار إداري أنها تروم فحص مشروعية
تقرير التفتيش بصرف النظر عن الحقوق الشخصية لرافع الطعن ،لكونها اختصاما ً للقرار اإلداري غير
المشروع بقصد حماية مبدأ المشروعية وخضوع تقرير التفتيش المطعون فيه لحكم القانون.4
وحيث إن الهدف الرئيسي من إخضاع تقرير التفتيش كقرار إداري للقانون وللرقابة القضائية هو تأمين
الحماية لحقوق المدرسين ضد تعسف السلطات الممنوحة لرجل التفتيش ،فدعوى الطعن كغيرها من
الدعاوى تسعى إلى حماية المراكز القانونية الذاتية ألصحاب الشأن من اإلعتداء عليها من قبل الجهة
التي أصدرت القرار .لذلك يعتبر الطعن في تقارير التفتيش وسيلة فعالة لممارسة الرقابة على عمل
مفتش التعليم وعلى اإلدارة بشكل عام وإجبار هذه األطراف على احترام القانون وخضوعها لمبدأ
المشروعية ،وهو ما يفسر اتخاذ المشرع لكل الضمانات القانونية إلحاطة هذا الطعن بإجراءات خاصة
تميزه عن الدعوى المدنية ،مثل رفع التظلم للجهة اإلدارية واشتمال عريضة الطعن على بيانات تختلف
أو تزيد عن بيانات الدعوى المدنية ،كما حدد المشرع مددا ً محددة لرفع الطعن.
البد من التذكير في هذا الشأن بأن اإلجراءات المسطرية المتبعة في رفع الطعون اإلدارية الخاصة
بتقارير التفتيش تستوجب أوال رفع تظلم إداري بشأنها طلبا للجواب اإلداري حول الموضوع و أن يتم
ثانيا تقديم الطعن القضائي وفق شكليات تقديم الطعون و التي منها أن يكون الطعن مقدما من ذي صفة
(أستاذ ممارس) و مصلحة (أستاذ تضرر من القرار) و ضد من يجب قانونا (المفتش الذي أصدر
القرار) و داخل األجل القانوني المنصوص عليه بالمادة 40من القانون رقم 00/20المحدث للمحاكم
اإلدارية مما يتعين قبوله شكال (ستون يوما ابتداء من تاريخ تسلم نسخة من تقرير التفتيش).
9
بعد استيفاء الطعن القضائي المرفوع أمام أنظار قاضي اإللغاء لهذه الشكليات يقوم قاضي اإللغاء
بفحص مشروعية قرار التفتيش الداخلية و الخارجية كما سنوضح ذلك انطالقا من عينة تقارير التفتيش
التي سنناقشها الحقا على سبيل المثال في هذا المقال و ذلك عن طريق التحقق أوال من صحة الوقائع
المدونة بتقرير التفتيش موضوع الطعن القضائي من حيث وجودها المادي من عدمه و عن طريق
التحقق ثانيا من سالمة اإلجراءات القانونية المتبعة من طرف مفتش المادة عبر التأكد من مدى احترامه
للقوانين المؤطرة إلجراء التفتيش المرتبطة بمهام و اختصاصات المفتش .غاية افتحاص القاضي
اإلداري لهذين العنصرين (الوجود المادي للوقائع واحترام القوانين المؤطرة إلجراء المفتيش) إنما يتم
للتحقق من مدى خدمة تقرير التفتيش للغاية التي وضع من أجلها من عدمها والتي لن تتحقق إال باحتكام
سلطة المفتش التقديرية لواقعية ومعقولية األسباب الداعية التخاذ أية قرارات في حق المعنيين بزيارات
التفتيش (مثال اتخاذ قرار تخفيض نقطة التفتيش) وإال كان هذا التقدير مشوبا باإلنحراف في استعمال
السلطة .ما نستخلصه من هذا المعطى هو أنه ال يمكن حد أو مخاصمة قرار التفتيش قضائيا من ناحية
المشروعية الداخلية إال بإثبات عيب االنحراف في السلطة أو تقديم أدلة على وقوع خطأ قانوني ومادي
واضح في تصرف المفتش ،وهي العيوب التي عادة ما تتأسس عليها األحكام القضائية في حق قرارات
التفتيش المعيبة.
وإلن كان تحقيق الغاية هو جوهر تحقق المشروعية في قرار التفتيش ،فإن هذه المشروعية لن تتحقق
إال بشرط ضمان الفعالية .وفعالية تقرير التفتيش كقرار إداري تجد تبريرها في سالمة العالقة البنيوية
بين عناصره الثالثة والمتمثلة في أسبابه ومحله والغرض أو الغاية منه .أو لنقل في مدى المالءمة
الموجودة بين أسبابه ومحله .ويقصد في القانون اإلداري بمحل قرار التفتيش بصفته قرارا إداريا األثر
المباشر الذي يحدثه هذا القرار مباشرة سواء بإنشاء مركز قانوني أو تعديله أو إنهائه .بالمقابل يحيد
ويزيغ تقرير التفتيش عن مشروعية إذا كان تقدير المالءمة فيه من الفداحة والوضوح ما ال يمكن
الحديث معه آنذاك عن تحقق ألي غرض .يبقى التأكيد في هذا الباب على أن التحقق من فعالية تقرير
التفتيش ومشروعيته على ضوء هذا الثالوث ال يتم بفحص مشروعية كل ركن على حدة ،وإنما يتم
بفحص شرعية العالقة بين كل األركان القانونية الثالثة والتي ال يمكن أن تتحقق إال بمالءمة بعضها
مع البعض كما سنوضح بتفصيل في الفقرات التالية من خالل مناقشتنا لجملة من عيوب المشروعية
التي تسم عينة من تقارير التفتيش التي اعتمدناها لهذا الغرض.
10
.1عيوب تقارير التفتيش :أمثلة للتوضيح
المثال األول :قرار تفتيش صادر عن مفتش مادة اإلجتماعيات نموذجا (حالة تخفيض النقطة)
لنأخذ مثال تقرير تفتيش صادر عن مفتش مادة اإلجتماعيات على إثر زيارة تفتيش قام بها ألستاذ التعليم
الثانوي التأهيلي يعمل في منطقته التربوية و التي اتخذ قررا على إثرها بتخفيض نقطة التفتيش الممنوحة
لألستاذ بانتقاص 4نقط (من 17/20إلى ( 10/20علما أن النقطة األصلية ( )17/20منحت لألستاذ
بناء على تقرير تفتيش صادر عن مفتش سابق .بعد تسلمه لنسخة من تقرير التفتيش تقدم األستاذ أوال
بتظلم إلى السيد المدير اإلقليمي مطالبا بإجراء تفتيش مضاد عليه لمعاينة أعماله التربوية وتنقيطه من
جديد إال أنه لم يتوصل برد عن تظلمه .تقدم األستاذ بعد ذلك بواسطة دفاعه بمقال لدى كتابة الضبط
بالمحكمة اإلدارية عرض فيه أن السيد المفتش التربوي قام بزيارة تفتيش خفض على إثرها النقطة التي
كانت لديه بانتقاص 4نقط دون مبرر قانوني أو واقعي وأنه لم يتم التفاعل مع تظلمه وطلبه من طرف
الجهة اإلدارية الوصية ملتمسا من المحكمة إلغاء التقرير الصادر عن المفتش المؤطر نظرا لوجود
شطط في استعمال السلطة خاصة أنه كان مقترحا للترقية الداخلية وقتها.
استنادا على نسخة من تقرير التفتيش الذي توصل به األستاذ ،علل السيد المفتش التربوي قراره .0
بتخفيض نقطة األستاذ بكونه ( )0ال يحضر اللقاءات التربوية المنظمة على صعيد المنطقة
التربوية و ( )4ال يحترم التوجيهات التربوية الخاصة بالمراقبة المستمرة (عدم تسليم فروض
المراقبة المستمرة لإلدارة) و ( )0يتغيب كثيرا عن مقر العمل و ( )2يصدر تصرفات غير
سوية داخل الفصل .كما أن تقرير السيد المفتش ال يتضمن أية مالحظات تخص الدرس موضوع
الزيارة.
بناء على محتويات ملف األستاذ اإلداري ،ال يتوفر األستاذ على أية تقارير زيارة صفية سابقة .4
من طرف السيد المفتش رغم قيام هذا األخير بإجراء زيارة صفية سابقا لألستاذ بفارق سبعة
أشهر عن زيارة التفتيش (الملف اإلداري الخاص بالطاعن يتضمن تقارير زيارة وتفتيش من
مفتش سابق ،كلها تنوه بعمل األستاذ).
بناء على إفادة السيد رئيس المؤسسة التعليمية لم يطلع السيد المفتش الجديد على ملف األستاذ .0
أو يلتقي بالسيد مدير المؤسسة التعليمية بتاريخ زيارة التفتيش رغم تواجد السيد مدير المؤسسة
بمكتبه .كما أن السيد رئيس المؤسسة نوه بسلوك األستاذ المهني داخل المؤسسة التعليمية (منح
األستاذ المعني نقطة 20/40في بطاقة التنقيط الخاصة بالترقية باالختيار( .
بناء على شهادة زمالء األستاذ تم إثبات وجود نزاع شخصي بين السيد المفتش واألستاذ مرده .2
إلى خصام وقع أثناء أيام تكوينية بين الطرفين مرده تشكيك السيد المفتش العلني في شواهد
الدكتوراه التي بحوزة بعض أساتذة المادة ما اعتبره األستاذ قذفا في تكوينه األكاديمي (نسخة
من بيان لهيئة نقابية في الموضوع).
11
لنخاصم اآلن تقرير السيد المفتش التربوي موضوع الطعن القضائي وذلك من منظور اجتهادات القضاء
اإلداري في الموضوع ولنحاول الحكم على مشروعية قرار التفتيش انطالقا من األركان البنيوية التي
أشرنا إليها أعاله (السبب والمحل والغرض) .من أجل ذلك سنعمد إلى مناقشة مدى جواز محل قرار
التفتيش الصادر عن السيد المفتش التربوي في حق الطاعن من الناحية القانونية ومدى تناسب محل
قرار التفتيش وأسبابه المادية والقانونية (إن وجدت)؟ قصدنا من جهة أن نقدم توضيحا بخصوص
األمور التي يقوم بها قاضي اإللغاء في إطار ممارسة الرقابة القضائية عند مخاصمة تقرير التفتيش
موضوع الطعن القضائي ومن جهة أخرى وهي األهم تبيان أهم مظاهر وعيوب المشروعية التي
تعتري الكثير من تقارير التفتيش في قطاع التربية والتكوين (وهي بالمناسبة أمثلة عن العيوب التي
صدرت بحقها رزمانة من األحكام القضائية في مجال دعاوى اإللغاء المتعلقة بقرارات التفتيش في
القطاع) .أملنا أيضا أن تكون هذه المالحظات مرجعية صلبة لتقديم اقتراحات عملية لتقوية الجوانب
التربوية والبيداغوجية والقانونية لتقارير التفتيش الصادرة عن مفتشي التعليم وبالتالي تحصين هذه
التقارير وتمكينها من تحقيق الغرض الذي وضعت من أجله على مستوى المنظومة ككل.
قبل ذلك ،من الضروري أن نؤكد على أمرين هامين بخصوص هذه النازلة خاصة وأننا نتناول
الموضوع من وجهة نظر القضاء اإلداري ومن المهم أن نذكر ببعض الشكليات واإلجراءات المسطرية
الواجب احترامها في هذا الشأن سواء من جهة الطاعن أو من جهة المدعى عليه لما لها من تأثير مباشر
على قبول دعوى الطعن وعلى الحكم القضائي النهائي (على األقل شكال) بشأن القضية المطروحة0
.0احترم الطاعن الشكليات و اإلجراءات المسطرية القبلية لرفع الطعن القضائي حيث تقدم أوال
بتظلم إداري و بطلب تفتيش مضاد لجهة اإلختصاص (الوزارة الوصية من خالل مراسلة
المديرية اإلقليمية) عمال بالقاعدة القانونية التي تقول أن المنازعة في النقطة التي يمنحها مفتش
التعليم ال تكون مبررة إال عن طريق المطالبة بإجراء تفتيش مضاد يعتبر بمثابة المطالبة بحق
اإلستفادة من تحكيم خارجي (عادة من طرف مفتش آخر غير الذي أجرى التفتيش موضوع
الطعن أو لجنة تفتيش في إطار انتداب من طرف الجهة المختصة سواء المديرية اإلقليمية أو
األكاديمية الجهوية للتربية و التكوين أو وزارة التربية الوطنية ،مع تحديد موضوع االنتداب
وفقا للمسطرة القانونية الجاري بها العمل في هذا الشأن).
.4تقدم األستاذ بطعن قضائي داخل األجل القانوني (داخل أجل ستين يوما) و لجهة اإلختصاص
(المحكمة اإلدارية) بحكم كون المحاكم اإلدارية حسب مقتضيات القانون رقم 00-20المحدث
بموجبه هذه المحاكم تختص بالبث ابتدائيا في طلبات إلغاء القرارات اإلدارية بسبب تجاوز
السلطة (المادة ،)7و بحكم كون كل قرار إداري صدر لعيب في شكله أو النحراف في السلطة
أو النعدام التعليل أو لمخالفة القانون ،يشكل تجاوزا في استعمال السلطة ،يحق للمتضرر الطعن
فيه أمام الجهة القضائية اإلدارية المختصة (المادة .)40
أخذا بعين اإلعتبار هذه المالحظات فإن المتفحص والمحلل لسرد الوقائع التي ضمنها السيد المفتش
التربوي تقريره تبعا لزيارته الصفية لألستاذ المعني بزيارة التفتيش ،يستخلص بيسر أن هناك ثالث
عيوب تعتري قرار التفتيش الصادر عن السيد المفتش باعتبارها كلية عيوبا وأوجها لمخالفة القانون0
عيب مخالفة القاعدة القانونية وعيب السبب وعيب اإلنحراف في استعمال السلطة (الغلو) .فما الذي
نعنيه بهذه العيوب وما هي أوجه تحققها في تقرير التفتيش الصادر عن السيد مفتش المادة؟
12
أوال :عيب مخالفة القاعدة القانونية
من المتعارف عليه في الفقه اإلداري المرتبط بدعاوى إلغاء قرارات التفتيش الصادرة عن مفتشي
منظومة التربية والتكوين أنه من اإلجراءات الهامة التي يعتمدها القضاء اإلداري لمخاصمة مشروعية
تقارير التفتيش باعتبارها قرارات إدارية أن يفحص مدى موافقة تقرير التفتيش من حيث موضوعه
لمضمون القواعد القانونية المعمول بها في مجال المراقبة التربوية .بالمقابل ،فإنه يعتبر من أسباب
الطعن بوجه خاص أن يتضمن تقرير التفتيش خرقا ً أو مخالفة للقانون واإلجراءات النظامية الصادرة
عن الجهات الوصية في مجال اختصاص مفتش التعليم.
تبعا لذلك ،ومن خالل توصيف الحيثيات التي أسس عليها السيد المفتش قراره نالحظ أوال أن السيد
المفتش قام بزيارة تفتيش لألستاذ المعني أرسل بعدها تقرير تفتيش ال يتضمن أية مالحظات تهم الدرس
الذي قدمه األستاذ أو وثائقه التربوية .بالمقابل تضمن تقرير التفتيش فقرتين تشيران إلى أن األستاذ
( )0ال يحضر اللقاءات التربوية المنظمة على صعيد المنطقة التربوية و ( )4يتغيب كثيرا عن مقر
العمل و ( )0يصدر تصرفات غير سوية داخل الفصل و ( )2ال يحترم التوجيهات التربوية الخاصة
بالمراقبة المستمرة .لم يتم اإلشارة كذلك في تقرير التفتيش ألثر هذه "المخالفات" المنسوبة لألستاذ على
العملية التعليمية التعلمية داخل الفصل الدراسي أو على سير المقرر الدراسي أو على الدرس موضوع
المالحظة.
بالنظر إلى المالحظات أعاله كما تم سردها في تقرير السيد المفتش يمكننا أن نعيب على قرار التفتيش
الصادر في حق األستاذ كخطوة أولى مخالفته المباشرة للقاعدة القانونية المعمول بها في مجال المراقبة
التربوية كما أوردها المشرع في المذكرة الوزارية رقم 422الصادرة بتاريخ 40دجنبر 0070في
شأن مراقبة الوثائق المدرسية .تنص هذه المذكرة على ضرورة أن يخصص المفتشون خالل زيارات
التفتيش الصفية وقتا كافيا لمراقبة وافتحاص وثائق المدرسين التعليمية مع إبداء مالحظاتهم وتوجيهاتهم
بشأنها واعتبارها ضمن العناصر التي يستند إليها في تنقيط األساتذة .في نفس اإلطار فقد نصت المذكرة
الوزارية رقم 74بتاريخ 40مايو 0074في توجيهها الثالث المتعلق بتحديد مهام التفتيش على أن تقييم
مردودية المدرس و الذي يعتبر أحد أوجه مراقبة المفتشين لسير الدراسة داخل األقسام يجب أن يتأسس
على عناصر مادية تهم أوال تقييم الدرس المقدم من طرف األستاذ و ثانيا على مراقبة الوثائق التربوية
الخاصة بالمدرس ( دفاتر النصوص و دفاتر التالميذ و ملفات التمارين و أوراق التنقيط و الفروض)،
باإلضافة للعناصر المعنوية و المتمثلة في أية عناصر أخرى قد يراها المفتش بحكم سلطته التقديرية
مناسبة و ذات أهمية للدرس .كما أن المذكرة الوزارية رقم د 0074-4-بتاريخ 44يناير0074
(والمستندة على المذكرة رقم 024بتاريخ 02نونبر )0074والمذكرة الوزارية رقم 002الصادرة
بتاريخ 40شتنبر 4002في موضوع تنظيم التفتيش التربوي للتعليم الثانوي نصت على أن يكون
التقويم شموليا وموضوعيا مبنيا على التأطير والتشجيع واإلرشاد وهو ما ال يمكن أن يتم دون إجراء
زيارات تأطيرية قبلية تروم تتبع سير العملية التربوية التعليمية وسير إيقاعات التعلم الصفية وغيرها
من العناصر الجوهرية.
13
إال أنه يجب التذكير بأمر هام بخصوص مقتضيات النصوص التنظيمية المذكورة أعاله و هو أنه و إن
خولت مفتش التعليم هامشا كبيرا لتعزيز تقديره بأية عناصر أخرى قد يراها ذات أهمية بحكم سلطته
التقديرية فقد شددت بالمقابل على أهمية أن تكون هذه العناصر التقديرية اإلضافية مستوفية أوال لركن
اإلطراد (أي التالزم في الثبوت ،مع اعتبار اإلطراد في المنطق يوجب الحكم لوجود العلة) و ثانيا لركن
اإلرتباط و ذلك بأن تكون الوقائع المسجلة في تقرير التفتيش أسبابا رئيسية مؤثرة بشكل مباشر على
العملية التعليمية المرصودة وقت الزيارة الصفية ،و إال اعتبرت مجرد متغيرات تشويش تعيب فعالية
التقرير و تحد من مشروعية أي قرار يمكن أن يبنى عليها.
خالفا للمقتضيات التنظيمية التي أتت بها المراجع الرسمية أعاله ،فقد تصرف السيد المفتش خارج
الضوابط الشرعية وتجاهل بشكل مباشر القاعدة القانونية التي تنص على أن عملية تنقيط المدرس خالل
زيارات التفتيش يجب أن تستند على تقدير موضوعي لمجموع عناصر األداء التربوي والمهني المالحظ
خالل الزيارة بشكل مباشر 0أي أن تتأسس النقطة العددية التي يمنحها المفتش لألستاذ المعني بزيارة
التفتيش على تقدير فعالية المدرس اإلنتاجية وغيرها مما له عالقة بالمردودية واألداء التربوي لألستاذ.
على عكس ذلك ،تجاهل السيد المفتش في تقريره اإلشارة إلى هذه العناصر (الوثائق التربوية والدرس
المقدم) واستند على عناصر فاقدة لركني اإلطراد واإلرتباط .قد يكون مبررا ومشروعا أن يشير تقرير
التفتيش لتغيبات األستاذ إن وجدت على أساس أن يوضح أثرها على سير الدراسة وتحقق األهداف
مثال ،إال أن الحكم على تغيبات األستاذ كمؤشر عن طبيعة سلوكه المهني داخل المؤسسة دون ربط هذه
التغيبات بالنشاط التربوي الصفي وبمردودية األستاذ أو درجة استفادة المتعلمين من زمن التعلمات
الصفية معيب من عدة زوايا.
فمن جهة يدخل هذا اإلجراء ضمن اختصاصات رئيس المؤسسة باعتباره المسؤول الشرعي عن
التنظيم التربوي والسير العادي للمؤسسة التعليمية وبالخصوص غيابات المدرسين .فالمرسوم
رقم 1367-05-2الصادر في 40من شوال 4( 0244ديسمبر )4002بتحديد مسطرة تنقيط
وتقييم موظفي اإلدارات العمومية و طبقا لمقتضيات الفصلين 47و 02من الظهير الشريف رقم 008-
58-1الصادر في 2شعبان 42( 0044فبراير )0027ينص على أن تنقيط الموظف وتقييم نشاطه
المهني يتم من طرف رئيس المؤسسة التعليمية وفق الشروط والكيفيات المحددة في هذا المرسوم حيث
يمنح كل أستاذ سنويا نقطة عددية من 0إلى ،40وذلك بناء على عناصر التنقيط الخمسة و التي من
بينها سلوكه المهني و مواظبته (الباب األول الخاص بالتنقيط ،المادة .)4موازاة مع ذلك ،أوكلت
المذكرة الوزارية رقم 022الصادرة بتاريخ 04شتنبر 4000في موضوع تأمين الزمن المدرسي
وزمن التعلم وفي إطار إرساء ثقافة الرصد والتتبع بالمؤسسات التعليمية (أوكلت) مهمة ضبط وتسجيل
تغيبات المدرسين واستثمارها لرئيس المؤسسة واعتبرته مدخال أساسيا من مجموع المداخل المعتمدة
في بناء عدة تأمين الزمن المدرسي .ارتباطا مع ذلك ،أوكل المشرع تنقيط عنصر غيابات المدرسين
في إطار التنقيط الخاص بالترقية في الدرجة للسادة رؤساء المؤسسات التعليمية وليس للمفتشين كما
تشير لذلك مثال المذكرة رقم 002-40بتاريخ 04أبريل 4040في شأن الترشيح للترقي في الدرجة
باالختيار برسم سنة .4040
14
ما يستشف من المرجعيات القانونية أعاله هو أن مهمة تقييم األداء الصفي للمدرس والتي جعلها المشرع
من اختصاص هيئة المراقبة التربوية ال يمكن أن تتم إال استنادا على معايير موضوعية تهم أساسا فعالية
المدرسين اإلنتاجية ومردوديتهم وأدائهم التربوي .وبالتالي فإن تنقيط السيد المفتش للطاعن بناء على
عنصر الغياب هو في الحقيقة اعتداء واضح من طرفه على اختصاصات رئيس المؤسسة التعليمية ،ما
يجعل من قرار تخفيض نقطة األستاذ استنادا على تغيباته المفترضة عن مقر العمل قرارا معيبا بسبب
خطأ عدم االختصاص الموضوعي وبالتالي باطال النعدام مشروعيته.
لن نناقش هنا مدى كون مخالفة السيد المفتش للقاعدة القانونية المتعلقة بالمراقبة التربوية مخالفة عمدية
أم غير عمدية ،إال أن قرار التفتيش الصادر عنه في الحقيقة يبقى معيبا ليس فقط لمخالفته قاعدة قانونية
جوهرية في مجال المراقبة التربوية أو العتماده قرائن تدين اختصاصه الموضوعي ،ولكنه معيب أيضا
بسبب انتفاء الوجود المادي والقانوني للوقائع التي تأسس عليها باألساس ،وهو ما سنوضحه فيما يلي
من خالل مناقشة وجه آخر من أوجه مخالفة قرار التفتيش أعاله للقانون وهو عيب السبب.
ثانيا :عيب السبب
من المتعارف عليه قانونا أن من مقتضيات مبدأ المشروعية في تقرير التفتيش أن يكون أي قرار متخذ
من طرف السيد المفتش من خالل هذا التقرير موافقا ً من حيث الموضوع لمضمون القواعد القانونية
المؤطرة للقيام بالمهام الموكولة إليه ،وبالتالي يعتبر من أسباب الطعن بوجه خاص أن يتضمن قرار
السيد المفتش خرقا ً أو مخالفة للقانون والقواعد القانونية الجاري بها العمل .ولعل الرأي المستقر فقها
وقضاء أن عدم قيام تقرير التفتيش كقرار إداري عن أية حالة واقعية أو قانونية دفعت إلى إصداره
يجعل القرار مشوبا بعيب السبب ،فيكون بذلك جديرا باإللغاء.
بناء على هذه القاعدة القانونية ،وبالنظر لطبيعة المالحظات التي أسس عليها السيد المفتش قراره
بتخفيض نقطة التفتيش الخاصة بالطاعن نتسائل 0ما مدى مشروعية الوقائع أو الظروف المادية التي
دفعت السيد المفتش الصدار تقريره؟
إن المتفحص للحيثيات التي أسس عليها السيد المفتش قراره بتخفيض نقطة األستاذ المعني بزيارة
التفتيش يالحظ أن قرار التفتيش الصادر في حق الطاعن معيب أيضا لتخلف ركن السبب .ونظرا لكون
عيب التسبيب أو التعليل المتمثل في تخلف ركن السبب في تقرير التفتيش يبقى من بين أبرز مسببات
الطعن فيه وإلغائه قضائيا ،فإن تقرير السيد المفتش معيب من ناحيتين .فمن جهة ،فقرار تخفيض نقطة
التفتيش غير معلل قانونا لعدم قيامه على عناصر قانونية وواقعية كافية من داخل الفصل تبرر إصداره
أو تحمل السيد المفتش على التدخل قصد إصدار قراره .فالمفتش قام بتخفيض نقطة األستاذ إدعا ًء بأن
األستاذ ال يولي اهتماما للتوجيهات التربوية المقدمة سلفا في حين أنه ال وجود إلثبات هذه التوجيهات
بدليل عدم وجود أي تقرير زيارة سابق من المفتش يوضح هذه التوجيهات رغم قيام المفتش بإجراء
زيارة صفية لألستاذ سابقا .كما أنه من بين الوقائع الواردة بتقرير السيد المفتش أن األستاذ يخل بواجباته
الوظيفية دون أن يوضح السيد المفتش الوقائع المادية التي تساهم في إثبات صحة ذلك .على العكس من
ذلك ،يتوفر األستاذ على تقارير زيارة وتفتيش من مفتش سابق كلها تنوه بأدائه المهني ،وهو ما عززه
السيد مدير المؤسسة بتقديمه إلفادة موثقة تم تضمينها بملف الدعوة .فخلو ملف األستاذ اإلداري من أية
مخالفات مهنية موثقة يعتبر قرينة واضحة تعزز طعنه القضائي ضد تقرير السيد المفتش .واعتبارا
لكون القرينة في تعريف القانون اإلداري تعتبر استخالصا ألمر مجهول من أمر معلوم على أساس أنه
إذا تحقق وجود هذا األمر المعلوم كان الغالب وجود هذا األمر المجهول ،فإن وجود ما ادلى به ذوو
15
الشأن في حضور الطاعن من تقارير إيجابية في ملف األستاذ يؤخذ قرينة قاطعة ودليل إثبات على
حسن سلوكه المهني.
من جهة أخرى ،يبقى تقرير التفتيش الصادر في حق الطاعن معيب من حيث جهة تسبيبه ألن قرار
تخفيض نقطة التفتيش تأسس على أسباب غير مشروعة .فالمشرع وفي إطار ضمان إجراء تقييم
موضوعي لألداء المهني الصفي للمدرسين قدد حدد عناصر معينة يجب أن يسند إليها مفتش التعليم في
إصدار تقارير التفتيش التي يقوم بها .فإذا استند المفتش في إصدار تقريره إلى أسباب غير تلك التي
حددها الشرع فإن قراره يكون مستحقا لإللغاء لعدم مشروعيته.
استنادا على هذا المعطى ،و في إطار سعي القضاء للبحث في مدى مشروعية تقرير التفتيش المطعون
فيه وفي أصولية أسبابه القانونية وانسجامه مع متطلبات الصالح العام فإن القاضي اإلداري وفي مجال
بسط رقابته على السلطة التقديرية الممنوحة للسيد المفتش لم يكتف بالتأكد من كون السبب موجودا
حقيقة (تغيبات األستاذ مثال) بل بحث في مدى كونه صحيحا ومبررا التخاذ قرار تخفيض نقطة التفتيش
الخاصة بالطاعن ألنه وإن كان السيد المفتش كقاعدة عامة غير ملزم بتسبيب قراره ،فإنه بمقابل ذلك
ملزم بأن يبني قراره على أسباب صحيحة وحقيقية.
بقي أن نشير في هذا الشأن إلى أمر هام في مجال فحص ركن السبب أال وهو طبيعة األسباب التي
يمكن أن تكون على غاية األهمية للحكم على مشروعية تقرير التفتيش بين أيدينا .فالسيد المفتش أسس
حكمه من زاوية نظره على أسباب هي في تقديره أسباب صحيحة ومشروعة .أي أنها األسباب الدافعة
التخاذ قرار تخفيض نقطة التفتيش .لكن والحال هذه ومن منظور قاضي اإللغاء هذه األسباب غير
مشروعة إذ تبين أن األسباب الدافعة أو الرئيسية التي حذت بالسيد المفتش التخاذ قراره هو الخصام
الذي حدث أيام الدورة التكوينية والتي هدد فيها المفتش علنا األستاذ الطاعن ،ما يجعل من الوقائع
المتضمنة بتقرير التفتيش الصادر عنه أسبابا بعيدة عن واقع األمر وبالتالي تصبح أسبابا معيبة وغير
صحيحة .وطالما هناك أسباب أخرى هي األسباب الدافعة أو الرئيسية في إصدار القرار فهي سند
قانوني آخر يبرر الحكم بإلغاء قرار السيد المفتش.
نختم مالحظاتنا حول عيب التسبيب الذي بسطنا جوانبه أعاله بالتذكير بأن رقابة القضاء اإلداري على
ركن السبب في الحالة التي نناقشها اآلن تتخذ منحيين رقابيين .فمن ناحية يسعى القاضي اإلداري كأول
درجات الرقابة القضائية على ركن السبب في تقرير التفتيش لبسط رقابته على الوجود المادي للوقائع
التي ا ستند عليها السيد المفتش التخاذ قراره بتخفيض نقطة األستاذ (موجودة أم غير موجودة ،دافعة أم
ثانوية) .كما أن قرار تخفيض نقطة التفتيش الممنوحة للطاعن صدر باالستناد إلى أسباب تبين أنها غير
صحيحة وظهر من أوراق الدعوى أن هناك أسباب أخرى هي الدافع ،لذلك كان تقرير التفتيش جديرا
باإللغاء النتفاء الوقائع المادية والقانونية التي استند عليها .فما قام به قاضي اإللغاء في الدعوى
المعروضة علينا هو أنه تحقق أوال من وجود الوقائع التي استند إليها السيد المفتش في إصدار قراره
فتبين من خالل البحث أن هذه الوقائع معيبة وال تؤدي منطقيا إلى القرار المتخذ ،وهي قرينة واضحة
على أن السيد المفتش قد أخطأ في تكييفه القانوني لهذه الوقائع مما يبرر الحكم بإلغاء القرار المتخذ في
حق األستاذ الطاعن لوجود عيب في تسبيب القرار.
16
من ناحية أخرى ،وباإلضافة إلى ممارسة رقابته على الوجود المادي وعلى الوصف القانوني للوقائع،
توخى قاضي اإللغاء فحص مدى مالئمة أو تناسب قرار السيد المفتش والوقائع التي دفعت إلى إصداره
لقراره رغم أن األصل أن ال تمتد رقابة القضاء اإلداري لتشمل البحث في مدى تناسب الوقائع التي
استند عليها السيد المفتش مع القرار الذي اتخذه بناء عليها (أي تخفيض نقطة األستاذ) الن تقدير أهمية
الوقائع وخطورتها مسألة تدخل في ضمن نطاق السلطة التقديرية للسيد المفتش .كما أن قاضي اإللغاء
لم يقم ببسط رقابته على عنصر التناسب إال ألن مشروعية أي قرار التفتيش تبقى رهينة أال يشوب
التقرير غلو أو عدم مالئمة بين الوقائع أو األخطاء المهنية والقرارات المتخذة من طرف السيد المفتش
في شأنها.
من جهة أخرى ومما ال شك فيه ،إذا كانت عالقة المفتش باألساتذة التابعين له على مستوى منطقته
التربوية هي عالقة قانونية ،فإنه ينتج عنها بالضرورة تقرير عن كل زيارة صفية لألستاذ المعني
بالزيارة .فالمفتش تجاهل القاعدة القانونية واألخالقية التي تنص على أسبقية التوجيه واإلرشاد والتأطير
على التقييم والجزاء .لذلك تنص المذكرة الوزارية رقم 002بتاريخ 40شتنبر 4002على أن يحرر
المفتش عقب كل زيارة صفية تقرير زيارة يتضمن مالحظاته بشأن األداء المهني لألستاذ باإلضافة
لتوجيهاته ال تربوية لمساعدة المدرس في تذليل الصعوبات الديداكتيكية والبيداغوجية المرصودة ،وهو
ما يدخل في إطار التأطير التربوي الذي لم يستفد منه الطاعن بشكل مستمر .تبعا لذلك ،فإن قيام السيد
المفتش بزيارة صفية لألستاذ الطاعن دون إصدار أي تقرير زيارة بشأنه وتخفيض نقطة األستاذ خالل
زيارة التفتيش بدعوى مخالفته للتوجيهات التربوية الخاصة بالمادة دون تبرير لوجود هذه التوجيهات
ودون سابق إنذار أو توجيه موثق من المفتش يجعل تصرف المفتش غير مبرر ومخالف للقانون.
ارتباطا مع ذلك ،تقرن المذكرة الوزارية رقم 002بتاريخ 40شتنبر 4002في موضوع تنظيم
التفتيش التربوي للتعليم الثانوي كل تقويم موضوعي ألداء المدرسين بكمية ونوعية الزيارات الصفية
التي يجب أن يقوم بها المؤطر التربوي على مستوى منطقة التفتيش المسندة اليه .كما أن هذه الزيارات
حسب هذه المذكرة تبقى من أدوات استكشاف واقع السيرورة التعليمية ،ومن وسائل توفير شروط
تحسين الجودة بالمؤسسة التعليمية .لذلك يعتبر من أخالقيات التأطير التربوي أنه عند رصد حاالت
تربوية أثناء الزيارات الصفية قد يراها المؤطر التربوي بحسب سلطته التقديرية ال تستجيب لما هو
مطلوب قانونا أن يتم دراسة الحالة كحالة تربوية وتقديم مقترحات عملية لمعالجتها تربويا بدل اللجوء
للزجر والعقاب دون توافر شروطه ومسبباته .لذلك أكد المجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي
في الوثيقة اإلصالحية (الرؤية اإلستراتيجية لإلصالح -4000/4002المادة )22على أهمية تأطير
األساتذة وتنشيطهم ومواكبتهم بكل وسائل الدعم والتكوين والمساعدة البيداغوجية مع السهر على التنمية
المستمرة لكفاياتهم المهنية من زيارات التأطير والتوجيه واإلرشاد قبل اصدار أي قرار زجري بحقهم.
وحتى وإن استحق أي موظف التأديب بسبب إخالله بواجباته المهنية فإنه وحسب حيثيات قرار المجلس
االعلى رقم 42الصادر 00ماي 0047ومقتضيات الفصلين 44و 44من ظهير 42فبراير 0027
المعد بمثابة النظام االساسي العام للوظيفة العمومية فإنه ال مناص من ضرورة احترام الضمانات
التأديبية الممنوحة شرعا للموظف قبل اتخاذ أية عقوبة ضده .وحيث ال يوجد بالملف اإلداري الخاص
بالطاعن ما يثبت هذا التوجيه والتأطير المنصوص عليه قانونا قبل صدور قرار تخفيض النقطة في
17
حقه ،مع عدم صحة الوقائع المتضمنة بتقرير التفتيش فإن قرار التفتيش المطعون فيه يبقى مشوبا
بالشطط في استعمال السلطة.
حتى لو سلمنا جدال بكون غيابات المدرس إن وجدت قد تؤثر سلبا على مردوديته أو فعالية نشاطه
التربوي أو على مردودية المتعلمين ،كان من األجدر بالمفتش القيام بأمرين هامين على سبيل إثباث
حسن النية 0أوال أن يوضح من خالل تقريره األثر السلبي المالحظ لهذه التغيبات على سير العملية
التعليمية التعلمية أو على تغطية المقرر الدراسي أو على مردودية النشاط التعلمي ،وهو ما لم يشر إليه
في تقريره .ثانيا أن يتأكد من الوجود الفعلي لهذه التغيبات بحيث كان عليه مثال اإلتصال برئيس المؤسسة
للتأكد من مدى مواظبة المدرس كعنصر من عناصر الحكم على سلوكه المهني ،وهو ما لم يقم به أيضا.
على العكس من ذلك ،فقد خالف السيد المفتش اإلجراءات المسطرية الشكلية التي نصت عليها المذكرة
رقم 004بتاريخ 7يونيو 0002بشأن العالقات بين السادة المفتشين ورؤساء المؤسسات التعليمية
وذلك بالتوجه مباشرة لقسم األستاذ دون المرور بالسيد مدير المؤسسة رغم تواجد هذا األخير وقت
الزيارة الصفية.
أما بخصوص االدعاء بتغيب األستاذ عن اللقاءات التربوية المنظمة داخل المنطقة التربوية فقد أثبت
الطاعن عدم صحته بإدالئه بشواهد طبية سليمة تبرر سبب عدم إمكانية حضوره للندوتين التربويتين
المنظمتين من طرف السيد المفتش ،وهو ما يفسر قانونا لصالح األستاذ استنادا لوجود ما يسمى بالقوة
القاهرة والتي حالت دون قيامه بواجباته الوظيفية المعتادة .لذلك ال يمكن محاسبة الطاعن على عدم
حضوره اللقاءات التربوية ألنه أثبت من خالل الشواهد الطبية المسلمة لإلدارة وجود قوة قاهرة (مرض)
تمنعه من االلتحاق بعمله أو حضور أي لقاء تربوي خاص بالمادة .وصلة بالموضوع ،أثبت الطاعن
أن أساتذة المادة لم يتوصلوا بأية دعوة رسمية من السيد المفتش عن طريق السلم اإلداري لحضور
اللقائين التربويين ،رغم إطالع السيد مدير المؤسسة المنتظم على بريد المراسالت الخاص بالمؤسسة،
بل كانت الدعوة فقط عن طريق مكالمة هاتفية في الموضوع وذلك يومين فقط عن التاريخ الفعلي لتنظيم
الندوتين ،و هو ما فيه ضرب لما تقتضيه النصوص التشريعية المنظمة للتراسل اإلداري التي تترك
حيزا زمنيا كافيا للتواصل و اإلشعار .أضف الى ذلك خلو الملف اإلداري الخاص باألستاذ من أية
استفسارات أو تنبيهات حول سلوكات غير إدارية أو تغيبات غير مبررة أو من رخص طبية تؤشر على
تملصه من واجباته المهنية .يبقى أن نشير إلى كون الشواهد الطبية التي أدلى بها األستاذ تم اعتبارها
سندات رسمية صادرة عن السلطات الصحية المختصة في حدود اختصاصها ،كما أنها تحترم الشكليات
القانونية التي تنص عليها القوانين المنظمة للرخص .لذلك كانت مستندات رسمية وأدلة إثبات قوية
عززت ملف الطاعن ضد ادعاءات السيد المفتش وكانت قرائن واضحة تدين السيد المفتش بالشطط في
استعمال السلطة واإلخالل بالواجب والخطأ المهني.
حتى لو سلمنا بصحة اإلدعاء الوارد بتقرير التفتيش بخصوص تغيبات األستاذ عن اللقاءات التربوية،
فالسيد المفتش لم يطبق فحوى المذكرة رقم 400بتاريخ 42دجنبر 0000في موضوع الندوات
التربوية والتي تنص على ضرورة إخبار المديرية بتغيب األساتذة عن اللقاءات التربوية التخاذ
اإلجراءات الالزمة .فاألستاذ لم يتوصل بأي استفسار من المديرية حول هذه الغيابات المفترضة وبالتالي
فالدفع بغير ذلك أمام القضاء يعتبرعيبا لمخالفته القواعد الشكلية أو اإلجراءات اإلدارية الجوهرية التي
حددها المشرع في هذا الباب .ومن المعلوم أن مخالفة القواعد الشكلية أو اإلجرائية الجوهرية يعتبر من
العيوب الفادحة التي تسم تقرير التفتيش بين أيدينا ألن المفتش كان عليه على األقل أخذ رأي مدير
المؤسسة أو إجراء تحقيق قبل توقيع الجزاء على المدرس.
18
من جهة أخرى ،فإن تحجج المفتش في إصدار قراره بتخفيض نقطة األستاذ بكون هذا األخير ال يسلم
أوراق التحرير الخاصة بفروض المراقبة المستمرة لإلدارة ال يرقى أن يكون مؤشرا جوهريا على
المخالفة األخالقية والوظيفية الجسيمة من طرف األستاذ ألن عدم تسليم الفروض لإلدارة و إن كانت
من األمور التي يجب على كل مدرس تفاديها داخل المؤسسة التعليمية ال تضر بالعمل و ال بالمتعلمين.
وبالتالي فإن اعتبار تصرف األستاذ عمال مستوجبا للتأديب هو مؤشر واضح على عدم صحة التكييف
القانوني للوقائع وفي نفس الوقت مظهر آخر لعيب السبب .وهذا يعني أن اعتماد حجة عدم تسليم
الفروض لإلدارة من بين الوقائع المادية التي أوردها التقرير وإن كانت ثابتة ال تؤدي لزوما لكون
سلوك المدرس غير مهني ضار بالمصلحة العامة .لذلك فقرار تخفيض النقطة استنادا على هذا المعطى
قرار باطل لعدم صحة التكييف القانوني للوقائع الصادرة من الموظف.
تأسيسا على هذه القرائن مجتمعة ،نالحظ عدم التناسب بين قرار المفتش (تخفيض النقطة) واألسباب
التي استند عليها .وبالتالي فإن انتفاء هذا التناسب ونتيجة لتخلف الوجود المادي للوقائع التي ضمنها
المفتش تقريره ولعدم توافر األسباب (الحالة الواقعية أو القانونية 0وقائع مادية تؤشر على مخالفة األستاذ
الموظف للواجبات األخالقية والوظيفية المفروضة عليه داخل المؤسسة التعليمية) يجعل قرار التفتيش
معيبا وحتم بإصدار قرار ببطالنه استنادا لعيب السبب .أي أن سبب القرار الصادر عن المفتش لم يكن
صحيحا ألن النتيجة التي انتهى إليها لم تكن مستخلصة استخالصا سائغا من أصول تنتجها (مادية أو
قانونية) بل كانت مستخلصة من أصول غير موجودة أو ال تنتجها وهو ما يجعل القرار فاقدا لركن
السبب ومستوجبا لإللغاء .وفي نظر القاضي اإلداري فإن كل قرار تفتيش ال يجد له سندا من الحقيقة
الواقعية وال تتالئم الوقائع الواردة به ومحله فانه يزيغ عن تحقيق الهدف منه ويعتبر تعسفا في استعمال
السلطة مما يصبح معه قرارا إداريا باطال فاقدا للشرعية على أساس بطالن ركنين من أركانه المنطقية
والقانونية وعناصر شرعيته (السبب والغرض).
أخذا بعين اإلعتبار المالحظات المسجلة أعاله يجب التنبيه إلى أمر هام عند استصدار تقارير التفتيش
المقرونة بتخفيض النقطة الممنوحة لألساتذة و هو أن يوضح السيد المفتش في تقريره األسس الحقيقية
الغير المتناقضة و الثابتة التخاذ قراره بتخفيض نقطة مدرس ما و التي منها مثال مضامين تقارير زيارة
سابقة لألستاذ المعني بالقرار تتضمن وقائع ثابتة و صحيحة قد تدل على إخالله بواجباته المهنية متبوعة
بالتوجيهات التربوية لمعالجة هذه اإلختالالت و ذلك في عالقة مباشرة بالمعايير التربوية و القانونية
المعمول بها في تدريس المادة المعنية .شاهدنا في ذلك الحكم رقم 4004/40بتاريخ 4004/02/00
الصادر عن المحكمة اإلدارية بوجدة في قضية مفتش التعليم اإلبتدائي ،والذي من خالله تم الطعن في
تقرير التفتيش الصادر عنه بسبب تخفيض نقطة األستاذ دون التأكد من مالءمة التقدير مع الوقائع المادية
الثابتة المبررة له والتي تعتبر بحق الركيزة األساسية التي تعطي قرار التفتيش صبغته القانونية السليمة
بناء على القانون رقم 20/00المحدث للمحاكم اإلدارية.
19
لعل هذا العيب (السبب) هو ما دفع المشرع في القطاع إلصدار المذكرة رقم 04بتاريخ 4يونيو
4004للتشديد على ضرورة العمل على تحصين القرارات اإلدارية المتخذة في القطاع لما لوحظ من
تقصير من خالل دراسة أنجزت من طرف مصالح الوزارة الوصية حول األحكام القضائية الصادرة
في مواجهة قطاع التربية الوطنية .فقد أصدرت المحاكم اإلدارية عددا كبيرا من أحكامها تنصب على
إلغاء القرارات اإلدارية النتفاء مبدأ الشرعية ،والذي يبقى من أهم شروط تحقيق المصلحة العامة
للمرفق العام .وهذا ما يثبت أن تقرير التفتيش كقرار إداري يبقى دائما قابال للطعن القضائي متى كان
مشوبا باالنحراف عن السلطة أو تجاوزها ،مع التذكير أن تجاوز المفتش التربوي للسلطة بمفهوم المادة
40من القانون رقم 20/00المحدث للمحاكم اإلدارية يقع حينما يصدر المفتش التربوي تقرير تفتيش
مع وجود عيب في شكله أو انحراف في السلطة أو النعدام في التعليل أو لمخالفة القانون بما يشكل
تجاوزا في استعمال السلطة ،يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية المختصة.
لذا ،وبهدف تحصين تقارير التفتيش الصادرة عن مفتشي التعليم بصفتها قرارات إدارية يترتب عنها
آثار قانونية ،وحتى ال يشوبها أي عيب من عيوب الشرعية المذكورة أعاله ،وطبقا لمقتضيات القانون
رقم 00.00بشأن إلزام اإلدارات العمومية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها اإلدارية ،فقد أصبح
من الالزم على المفتش اتخاذ كافة االحتياطات الالزمة عند صياغته لتقاريره ،تالفيا للدخول في متاهات
اإلجراءات والمساطر التي تتطلبها مواكبة القضايا أمام المحاكم اإلدارية ،باإلضافة إلى ما يشكله إلغاء
القرارات الصادرة عن المفتشين من مساس بمصداقية ونزاهة سلطتهم التقديرية بل بنزاهة و مصداقية
المرفق العمومي ككل .وتأسيسا عليه ،فإن قرارات اإللغاء الصادرة بحق بعض قرارات المفتشين
التربويين العاملين بالمقاطعات االشرافية يعتبر خدشا لكفاءاتهم المهنية ومسا بمصداقية عملهم التربوي
وبالسلطة التقديرية التي خولها المشرع لهم .وفي هذا اإلطار ،البد من التأكيد على المسؤولية اإلدارية
الملقاة على عاتق كل مفتش كموظف يقتضي مركزه اإلداري إصدار تقارير تفتيش تتفادى كل مسببات
المنازعات اإلدارية من أجل تحقيق التدبير األمثل لمختلف الوضعيات اإلدارية للموظفين مع الحرص
على تطبيق القانون والتقيد بمبدأ المشروعية واحترام النصوص التشريعية والتنظيمية والضوابط
المتعلقة بزيارات التفتيش و الترقية و التأهيل المهني و البحث و التقصي ،مادامت المنازعات الناجمة
عنها هي األكثر رواجا أمام المحاكم اإلدارية.لذلك ،فالضرورة إذا تدعو إلى إخضاع تقارير التفتيش
للضوابط القانونية المتعارف عليها في صياغة و استصدار القرارات االدارية ،سواء تلك التي يفرضها
القانون أو االجتهاد اإلداري ،تجنبا إللغائها بدعوى الشطط في استعمال السلطة.
20
ثالثا :عيب اإلنحراف في استعمال السلطة والغلو في التقدير
إذا كنا سابقا قد تطرقنا لبسط أوجه عيب السبب المرتبط بالوقائع المادية والقانونية التي دعت السيد
المفتش التخاذ قراره ،فإننا في إطار بسطنا ألوجه عيب االنحراف بالسلطة التي تسم تقرير السيد المفتش
سنعمد لمناقشة عيب آخر مرتبط جوهريا معه وهو العيب في الغاية أو الهدف الذي يسعى السيد المفتش
بصفته مصدر القرار إلى تحقيقه .لذلك إذا كنا في معرض مناقشتنا لعيب السبب قد انشغلنا بعناصر
ذات طبيعة موضوعية متصلة بالقانون أو بالوقائع المادية من داخل الحصة فإننا في معرض مناقشتنا
لعيب اإلنحراف في استعمال السلطة سنكون مجبرين على التطرق للبواعث السيكولوجية الحقيقية
الكامنة وراء اتخاذ القرار.
قبل ذلك ،ال بد من التذكير أن السلطة التقديرية التي يتمتع بها مفتش التعليم ما هي إال وسيلة أوجدها
المشرع للمساهمة في صون المصلحة العامة للمرفق العمومي .لذلك فإذا انحرف مفتش التعليم في
استعمال هذه السلطة باتخاذ قرارات لتحقيق أهداف تتعارض مع هذه المصلحة العامة فإن قراره يكون
مشوبا ً بعيب إساءة استعمال السلطة أو االنحراف بها ويعد هذا العيب من أسباب الطعن باإللغاء في حق
الكثير من تقارير التفتيش في القطاع.
بالرجوع لتقرير التفتيش الصادر في حق الطاعن ،وأخذا بعين اإلعتبار الوقائع التي ضمنها السيد
المفتش تقريره والعيوب المقترنة بها والتي بسطناها لحد اآلن يمكننا أن نعيب على السيد المفتش إساءة
استعمال السلطة الموكولة إليه في مجال اختصاصه ،وذلك ألنه استعمل صالحياته لتحقيق غاية غير
تلك التي حددها القانون حتى وإن كان من الصعب على القاضي اإلداري التحقق من النية الحقيقية
لمصدر التقرير .وطالما اتضح من خالل البحث الذي قامت به المحكمة عدم وجود أسباب صحيحة
وواضحة في تقرير التفتيش تبرر اتخاذ قرار تخفيض نقطة التفتيش ،كانت هذه العيوب كافية لكي تغني
قاضي اإللغاء عن البحث في البواعث النفسية الضامرة المقترنة بنية السيد المفتش.
تبعا لذلك ،فإن اتخاذ السيد المفتش لقرار تخفيض نقطة التفتيش بناء على أسباب غير صحيحة مؤشر
واضح على زيغ تقرير التفتيش عن خدمة المصلحة العامة وعلى كون السيد المفتش اتخذ قرارا لتحقيق
مصلحة شخصية ال تمت للمصلحة العامة بصلة ما يمكن اعتباره صورة على إساءة استعمال المفتش
للسلطة الموكولة إليه قانونا .و إذا كان المشرع قد حدد هدفا ً خاصا ً يجب أن يسعى مفتش التعليم لتحقيقه
من خالل إجراء زيارات التفتيش و هو الوقوف على مدى اإللتزام بالتوجيهات التربوية و التنظيمية في
مجال التخصص ضمانا لحسن استفادة المتعلم من زمن التعلم ،فإن السيد المفتش قد خالف من خالل
تقريره و قراره هذا الهدف ولو تذرع بأنه قد قصد تحقيق المصلحة العامة ،وهذا ما يعرف بمبدأ مخالفة
تخصيص األهداف و التي تعتبر مبررا كافيا ألن يكون قرار التفتيش مشوبا ً بعيب االنحراف بالسلطة
وجديرا ً باإللغاء .و قد كان األستاذ الطاعن ذكيا بما فيه الكفاية لتقديم كل المستندات التي سعى من
خاللها إلثبات هذا العيب (شهادة مدير المؤسسة مثال) ألن األصل في عيب االنحراف بالسلطة أن يقع
عبء إثباته على عاتق من يدعيه وال يجوز للمحكمة أن تتصدى لهذا العيب من تلقاء نفسها ،ال سيما
وأن القرارات اإلدارية تتمتع بقرينة المشروعية وعلى من يدعي مخالفتها للمشروعية إثبات ذلك .غير
أنه في حالة األستاذ الذي نناقش فإن ملف الدعوى به من األوراق والمستندات ما يؤدي إلى إثبات
اإلساءة أو االنحراف بالسلطة ،لذلك كان من السهل على القاضي أن يحكم بإلغاء القرار دون أن يحمل
األستاذ عبئ إقامة الدليل على وقوع االنحراف.
21
إضافة لكون قرار التفتيش الذي اعتمدناه سالفا يعتبر قرارا إداريا باطال فاقدا للشرعية على أساس
بطالن أحد عناصر شرعيته أو أركانه المنطقية والقانونية (السبب والغاية) وذلك بقرينة افتقاده السند
من الحقيقة الواقعية وعدم تالئم الوقائع الواردة به ومحله ،فهو أيضا معيب بوجود قرينة أخرى وهي
الغلو ،مما يجعله يزيغ عن تحقيق الهدف منه ويعتبر انحرافا في استعمال السلطة .ونذكر هنا أنه يقصد
بعيب االنحراف بالسلطة إساءة استعمال المفتش للسلطة التقديرية المخولة له شرعا وذلك بأن يستخدم
سلطاته لتحقيق غرض غير الذي وضعه المشرع .وإذا كان المفتش غير ملزم أمام القاضي اإلداري
بدرجة معينة من تحقق الغرض ،فإنه بالتبعية يكون حرا في تقدير مالءمة مضمون قراره ،ولكن في
حدود تحقق الغرض بغض النظر عن درجة ذلك التحقق ،والقاضي اإلداري تبعا لذلك ال يلغي القرار
إال إذا كان سوء تقدير المالءمة فيه من الفداحة والوضوح ما ال يمكن الحديث معه آنذاك عن تحقق ألي
غرض ،وهذا هو لب نظرية الخطأ الواضح في التقدير أو الغلو فيه.
لذلك وفي عالقة مباشرة بتقرير التفتيش بين أيدينا يرتبط عيب االنحراف بالسلطة بركن الغاية في
قرار التفتيش ،ذلك أن المفتش قام باستخدام سلطته التقديرية بقصد االنتقام الشخصي وليس حرصا على
المصلحة العامة ،وهو ما أثبته الطاعن حيث قدم الدالئل على وجود نزاع شخصي بينه وبين السيد
المفتش .فالمفتش قام بتخفيض النقطة مبررا تصرفه بحرصه على مصلحة المتعلمين وعلى المصلحة
العامة في حين أن الباعث الحقيقي هو االنتقام من األستاذ .إال أن عدم صحة الوقائع المذكورة في تقرير
التفتيش وتناقضها يجعله مشوبا باإلنحراف في استعمال السلطة .ويظهر هذا اإلنحراف في كون السيد
المفتش استخدم سلطته لتحقيق أغراض تجانب مبدأ تخصيص األهداف حيث اتخذ قرارا لحماية أغراض
غير التي قصدها المشرع من منحه سلطته التقديرية .كما يظهر انحراف هذه السلطة من خالل ممارسة
المفتش الختصاص ال يدخل في اإلختصاصات التي عهدها النظام إليه حيث اتخذ قرارا ً بالحكم على
أهلية المدرس النفسية (القيام بتصرفات غير سوية داخل الفصل مع عدم ذكرها أو تبيانها) في حين أن
هذا اإلجراء ليس من سلطته وإنما من اختصاص السلطة الصحية.
لذلك فقد تحقق عيب الغاية في تقرير التفتيش موضوع مناقشتنا عندما أصدر المفتش قرارا تأديبيا يهدف
لغاية او غرض غير تلك التي يقتضيها القانون .وهو عيب موضوعي يتعلق بالبواعث واالهداف غير
المشروعة التي تأسس عليها تقرير التفتيش والتي يصبح على عاتق القضاء مهمة اكتشافها وإثباتها .
القاعدة هنا ان المفتش ليس حرا في اختيار الغاية من تصرفاته بل عليه ان يلتزم بالغرض الذي حدده
المشرع الختصاصاته .فاذا خالف المفتش الغاية المحددة أصبح قراره مشوبا بعدم المشروعية التسامه
بعيب االنحراف في استعمال السلطة .وبالتالي كان من السهل إثبات سوء النية في تقدير السيد المفتش
أخذا بعين اإلعتبار عدم صحة الوقائع المذكورة في تقرير التفتيش وتناقضها مع التقارير السابقة في
حق األستاذ مما جعل منه قرارا كيديا معيبا في غايته ومشوبا باإلنحراف في استعمال السلطة
وباإلنحراف عن المصلحة العامة.
ومن تم فالقضاء اإلداري وهو في سبيل التحقق من مدى شرعية قرار التفتيش الصادر عن مفتش المادة
وفي إطار إعمال مقتضيات القانون المنظم للتفتيش التربوي بعد النعي عليه بوسيلة عدم المالءمة يملك
حق مراقبة مدى تناسب القرار المتخذ في حق الطاعن (تخفيض نقطة التفتيش) مع األفعال المنسوبة
إليه ،ذلك أن المفتش كرجل إدارة في ممارسته الختصاصاته المنوطة به يجب أن يخضع في تصرفاته
وقراراته ولو اتخذت في إطار سلطته التقديرية إلى المبررات الواقعية والقانونية التي تبرر قراراته
22
ومالءمتها مع األفعال المنسوبة للطاعن .لذلك فقرار تخفيض النقطة بهذا الشكل يعتبر سلوكا مشوبا
بالشطط والتعسف علما بأن االجتهاد القضائي اعتبر االنحراف في استعمال السلطة موجبا إللغاء
قرارات التفتيش في مثل هذه النوازل.
من جهة أخرى فإن قرار خصم سبع نقط دفعة واحدة تعتبر عقوبة جد قاسية في حق األستاذ بالنظر
أوال لغياب أي إثبات لالختالالت المضمنة بتقرير التفتيش ،وثانيا لعدم تالءم تقدير الجزاء ونوع "الخطأ"
المرتكب من طرف األستاذ ،هذا إن سلمنا جدال بارتكاب األستاذ أخطاء مهنية جسيمة تتوجب الزجر
(والمقصود بالخطأ هنا هو اإلخالل باإللتزامات المشروعة اتجاه المرفق) .ثم إن مثل هذه "العقوبة"
(تخفيض النقطة) ال يمكن أن يكون لها أي أثر إيجابي على تأديب الموظف المخل بالتزاماته المهنية
من جهة وال على حسن سير المرفق العمومي من جهة ثانية .بل على العكس من ذلك ال يمكن إال أن
تؤدي إلى عدم االطمئنان في نفسية األستاذ وعدم تحمسه ألداء العمل بالشكل المطلوب ،مما يتعارض
كليا مع الهدف الذي خلق المشرع من أجله التأطير التربوي وتنقيط الموظفين.
إن غلو العقوبة التأديبية الصادرة في حق األستاذ والمتمثلة في تخفيض نقطته بسبع نقط دفعة واحدة
وعدم مالءمة ذلك مع مسببات هذا التقدير ال تعتبر في حد ذاتها علة بطالن قرار التفتيش وانتفاء
شرعيته بل أن علة الغائه هي عيب انحراف استعمال السلطة والذي يبقى عيبا موضوعيا بارزا من
عيوب تجاوز السلطة .وبما أنه كذلك فهو ال يخدم تحقيق المصلحة العامة التي تبقى الهدف األول
واألخير من وراء تقرير التفتيش كقرار إداري في نظر قاضي الشرعية .حتى أن المحكمة اإلدارية قد
أوضحت هذا االتجاه في حيثيات حكمها بأن المحكمة تملك سلطة مراقبة مدى مالءمة القرار المتخذ في
حق الطاعن بالنظر للمخالفات المنسوبة إليه إعماال لمقتضيات القانون األساسي للوظيفة العمومية الذي
يفرض مراعاة مبدأ تناسب اختيار العقوبة مع درجة المخالفة إن وجدت.
نستخلص من هذه النازلة أنه وإن كانت مسألة تنقيط األستاذ الطاعن تدخل ضمن السلطة التقديرية
للمفتش إال أن ذلك يبقى مقيدا بعدم اإلنحراف في استعمال هذه السلطة .ونظرا لما يترتب عن هذه النقطة
من تأثير على الوضع اإلعتباري والمادي لألستاذ ،كان علة السيد المفتش اللجوء في حالة تسجيل وقائع
مادية تؤشر على تدني مستوى األداء التربوي إلى الوسائل التربوية من قبيل المواكبة والتتبع أمال في
تأهيل المدرس أوال ومن خالل ذلك كسب رهان العالقة التربوية المبنية على الثقة واإلحترام المتبادل
ثانيا .من جهة أخرى نستخلص أن نقطة التفتيش تبقى دائما قابلة للطعن القضائي إذا ما تبين بشكل
واضح سوء استعمال مفتش التعليم لسلطته التقديرية مع التذكير بكون المنازعة في النقطة التي يمنحها
مفتش التعليم ال تكون مبررة إال عن طريق المطالبة بإجراء تفتيش مضاد أوال ومراعاة آجال الطعن
ثانيا .لذلك فنقطة التفتيش ينبغي أن تمنح بناء على تقويم الكفاءة التربوية للمدرس عبر تقييم موضوعي
للعناصر التي حددها المشرع كما أشرنا إليها سابقا بشكل ال يتجاوز فيه السيد المفتش القيام بمهامه
حسب ما يحدده له النظام األساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية وكذا المذكرات التنظيمية.
23
المثال الثاني :الخطأ في تفسير القاعدة القانونية
على إثر توصل السيد مفتش مادة اللغة الفرنسية بتكليف من السيد المدير اإلقليمي استنادا على مكالمة
هاتفية من مدير إحدى الثانويات التأهيلية يطلب فيها السيد المدير اإلقليمي التدخل بعد توصله بمجموعة
من الشكايات من طرف أولياء األمور ضد أحد مدرسي المادة بالمؤسسة الذي التحق بالمؤسسة في
إطار تكليف لسد الخصاص و التي تؤاخذ األستاذ بعدم اعتماد المقرر الرسمي في تدريس المادة و عدم
تصحيح فروض المراقبة المستمرة و توزيع مطبوعات ذات طابع تجاري على التالميذ خارج نطاق
المقرر الدراسي الرسمي ،قام السيد المفتش بزيارة تفتيش لألستاذ المعني فحرر على إثرها تقرير تفتيش
مصحوب بتخفيض للنقطة ومنحه نقطة 02/40بعد أن كانت .02/40
أفاد السيد المفتش في تقرير التفتيش الذي استلمه األستاذ أنه عند زيارته للقسم الذي يدرس به الطاعن،
وجد األستاذ يشتغل بوثائق "غير سليمة" ،رغم أنه لم يوضح في متن تقريره المقصود بهذه العبارة.
عارض الطاعن مالحظات السيد المفتش مؤكدا أن الوثائق التي كان يشتغل بها تتماشى وأهداف وكذلك
مضمون المقرر الدراسي الرسمي ،وأن السيد المفتش قد افتحص وثيقتين من الوثائق التي كانت بحوزته
وقت إجراء الزيارة دون أن يناقش مضمون الحصة أو يطلع على دفتر النصوص أو جذاذة الدرس،
وإنما قام بمطالبته باعتماد المقرر الرسمي فقط .كما أن السيد المفتش طلب من األستاذ إمداده بأوراق
التحرير الخاصة بآخر فرض كتابي محروس قام به مع القسم موضوع الزيارة ،إال أن األستاذ لم يتوفر
حينها إال على نسخة من الفرض و أخبر المفتش أنه احتفظ بأوراق التحرير بالمنزل لحين اإلنتهاء من
استثمار نتائجها .أضاف األستاذ أن السيد المفتش تفحص دفتر أحد التالميذ كان جالسا بالقرب منه
وعاتب األستاذ على عدم كفاية الدروس المدونة بدفاتر التالميذ خاصة وتزامن الزيارة مع نهاية
األسدوس األول من السنة الدراسية كما عاتبه على عدم تقيده بالتوجيهات التي أمدهم بها خالل آخر
لقاء تربوي بخصوص طريقة إجراء فروض المراقبة المستمرة .بعد ذلك استفسر المفتش تلميذتين أمام
باقي التالميذ حول القيمة المالية للوثائق التي يمدهم بها األستاذ وعن كيفية حصولهم عليها وغادر
القاعة.
تقدم األستاذ بعد تسلمه لقرار التفتيش بتظلم للسيد المدير اإلقليمي يعرض فيه أن السيد المفتش زاره
خالل حصة دراسية مقدمة لفائدة قسم األولى بكالوريا علوم إنسانية لم تستغرق إال ربع ساعة كما أكد
ذلك السيد الحارس العام الذي أفاد أنه اصطحب السيد المفتش إلى قسم األستاذ في حدود الساعة العاشرة
و 02دقيقة .أضاف األستاذ أن تقرير التفتيش يتضمن مالحظات ال أساس لها من الصحة تمس شخصه
(الحصول كموظف في قطاع التعليم على ربح مادي من المطبوعات أثناء مزاولته لعمله) وتوبخه على
عدم اإللتزام بالتوجيهات التربوية المقدمة من طرف السيد المفتش أثناء اللقاءات التربوية والتي تخص
عدم اعتماد المقررات الرسمية في تدريس المادة باإلضافة إلى التأخر في إنجاز المقرر الدراسي
والمراقبة المستمرة ومنحه نقطة 02/40بعد أن كانت .02/40لذلك طالب بإجراء تفتيش مضاد
وبإنصافه .إال أنه بدل إجراء تفتيش مضاد قرر السيد المدير اإلقليمي تشكيل لجنة إقليمية إلجراء بحث
حول الملف موضوع التظلم إلجراء بحث حول الملف موضوع التظلم للتأكد من الوقائع حيث تم
اإلستماع لألستاذ ولزمالئه ولعينة من المتعلمين ومراقبة دفاترهم وكذا المطبوعات التي يمدهم بها أستاذ
المادة.
24
شهادات التالميذ حسب محضر اللجنة اإلقليمية تؤكد أن األستاذ فعال يمدهم بوثائق تخص المادة إال أنه
ال يأخذ ماال مقابل تلك الوثائق بل أن التالميذ يحصلون على الوثائق عن طريق مكتبة توجد بقرب
المؤسسة مقابل الثمن العادي للطبع خاصة أنهم مقبلون على اجتياز اإلمتحان الجهوي نهاية السنة
الدراسية .أكد أساتذة المادة الذين تم اإلستماع إليهم أن الوثائق التي يشتغل بها األستاذ هي من اجتهاده
الخاص وأنها وثائق تتماشى ومضمون المقرر الدراسي الرسمي وتعد وثائق تربوية داعمة.
عارض األستاذ ما قامت به اللجنة رغم أنها لم توجه له أية انتقادات تؤكد التهم التي وجهت له .كما أنه
في معرض حديثه ألفراد اللجنة اإلقليمية شدد على كون عبء إثباث ما يدعيه أولياء األمور في حقه
يقع عليهم وليس على األستاذ ،وبما أنهم لم يدلوا بأي حجة تؤكد ما جاء في شكايتهم ،تبقى بالتالي مجرد
إدعاء .ورغم حصوله على وعد من السيد المفتش بإجراء زيارة تفتيش أخرى الحقا متشبثا بمنازعة
النقطة التي منحها المفتش قضائيا عن طريق طلب التفتيش المضاد ،مبررا قراره بكون النقطة الممنوحة
له تبقى سارية المفعول رغم خالصات اللجنة اإلقليمية .ألجل ذلك تقدم بطعن قضائي ملتمسا إلغاء قرار
التفتيش الصادر عن مفتش المادة بعلة سوء استعمال السلطة التقديرية والتي منحته نقطة تفتيش بعيدا
عن أي تقويم موضوعي لكفاءته التربوية.
بالرجوع مرة أخرى للمالحظات المسجلة بتقرير السيد المفتش ،واستنادا على خالصات اللجنة اإلقليمية
وشهادات التالميذ وزمالء األستاذ الطاعن يتبين أن تقرير التفتيش الصادر عن مفتش المادة جاء مخالفا
للقانون ألنه عمد إلى اتخاذ قرار تخفيض نقطة التفتيش بناء على تفسير خاطئ للقواعد القانونية .فمن
جهة ،فإن قيام األستاذ بإعداد وتوزيع مطبوعات على تالمذته والذي اعتبره المفتش وسيلة للحصول
الغير المشروع على دخل مادي آخر ال يعد في الحقيقة إخالال من األستاذ بواجباته المهنية ألن
المطبوعات التي بحوزة التالميذ لم يكن الهدف منها تحقيق ربح مادي أو عدم التقيد بالمضامين واألهداف
التربوية المحددة في البرامج الدراسية الخاصة بتالميذ السلك الثانوي التأهيلي ،بل على العكس من ذلك
هي في الحقيقة اجتهاد من األستاذ لدعم المتعلمين وتأهيلهم الجتياز اإلمتحان الجهوي الموحد نهاية
السنة .أال يعتبر المساهمة في إنتاج وثائق داعمة للمقررات الدراسية مؤشرا على البحث و اإلبتكار
التي تعتبر معايير مهمة في تنقيط موظفي القطاع؟ ثم و الحال هذه ،ألم يكن من األجدر تقديم التوضيحات
الالزمة التي توضح مدى احترام هذه الوثائق لألهداف و المضامين و التوجيهات الخاصة بالمادة بدل
اإلكتفاء بالنعي عليها بعدم سالمتها البيداغوجية؟ ومن ثم فإن قرار معاقبة األستاذ بتخفيض نقطة التفتيش
استنادا على هذا العنصر يعد خطأ في تفسير النص الذي يحظر ممارسة الموظف العمومي ألي نشاط
مدر للدخل إلى جانب التدريس ألن ما قام به الموظف يخرج عن إطار هذا الحظر.
من جهة أخرى ،وارتباطا بالمالحظة التي تعيب على األستاذ احتفاظه بأوراق تحرير التالميذ الخاصة
بالمراقبة المستمرة وعدم تسليمها لإلدارة خالفا لما تنص عليه النصوص النظامية المعمول بها في هذا
الشأن ،فإن هذا اإلدعاء يحتم على المفتش أن يفسر معنى اإلحتفاظ .فاحتفاظ األستاذ بأوراق التحرير
ليس احتفاظا نهائيا مضرا بالمصلحة العامة ألن األستاذ قام فقط بأخذ أوراق التحرير إلى منزله إلتمام
األعمال المكلف بها وإعادتها إلى اإلدارة الحقا .وبالتالي فإن تصرفه ال يعد مخالفة للنص بحظر
االحتفاظ باألوراق ،وقد أخطأ المفتش في فهم وتفسير القاعدة النظامية الخاصة باإلحتفاظ ووقع جزاء
على األستاذ ما يجعل قراره باطال لعيب في محل القرار.
25
إن ارتكاب المفتش لخطأ تفسير القانون وقع عندما أعطى -سواء بحسن أو سوء نية -معنى غير المعنى
الذي قصده المشرع بالقاعدة القانونية أو النص النظامي المعمول به لالحتفاظ ولمزاولة الموظف
العمومي لنشاط جانبي مدر للدخل .والراجح أن ذلك راجع لمحاولة إلباس القاعدة القانونية معنى مخالفا
لجوهرها حيث قام السيد المفتش بتأويلها إلى معان غير التي وضعت من أجلها .ارتباطا بهذا الخطأ،
كثيرة هي القرارات اإلدارية التي صدرت بحقها قرارات باإللغاء بسبب مخالفتها للقواعد القانونية وذلك
إما ألن مصدر القرار ليس له علم بوجود هذه القواعد القانونية أو بسبب عدم مواكبته للتشريعات
المرتبطة بالحاالت التي يصدر بشأنها قرارات إدارية .في حالة تقرير التفتيش الذي نخاصمه فإن القاعدة
القانونية واضحة تماما بما ال يحتمل الخطأ في التفسير ومع ذلك تعمد المفتش تفسيرها بشكل خاطئ
مما اختلط معه عيب المحل في هذه الحالة بعيب الغاية.
وحتى وإن أجزنا أن يقوم السيد المفتش بتفسير النصوص القانونية في حالة اإلقرار بغموضها فيجب
أن يتم ذلك بحسن نية وليس بسوء نية وإال كان معه خطأ في التفسير 0فهل مثال اإلحتفاظ بأوراق
التحرير لبضع الوقت من أجل الدراسة واإلستثمار وعدم موافاة إدارة المؤسسة بأوراق التحرير التالميذ
مصحوبة بالنقط المستحقة في كل األنشطة التقويمية لوضعها رهن إشارة المفتشين وأولياء التالميذ
يتنافى مع واجب تسليمها لإلدارة؟ أضف لذلك أن األستاذ لم تثبت عليه أية تصرفات تتعارض مع
القواعد الشرعية والنظامية والعرفية الصحيحة داخل المؤسسة التعليمية سواء في مؤسسته األصلية أو
في مؤسسة التكليف .لذلك لم يكن من الصواب اتخاذ قرار تخفيض نقطة األستاذ في غياب أسانيد
ومبررات مقنعة وهو ما يجعل القرار باطال لعيب في المحل نتج عنه الخطأ في تفسير النظام.
باإلضافة لما أشرنا إليه أعاله حول تفسير القواعد القانونية بشأن خاطئ والذي يبقى عيبا آخر من
عيوب شرعية تقرير التفتيش ،فإن قرار تخفيض نقطة األستاذ اعتمادا على كونه ال يحترم التوجيهات
التربوية المقدمة من المفتش خالل اللقاءات التربوية يبقى قرارا معيبا وباطال ألن التوجيهات التربوية
التي قدمها المفتش في حقيقة األمر نفسها مخالفة للنصوص النظامية المتعلقة بالمراقبة المستمرة الخاصة
بالمادة .وبالتالي فإذا كان السيد المفتش يعيب على األستاذ مسألة التنفيذ فقد نسي أن التنفيذ المنصوص
عليه قانونا مقيد بعدم مخالفة القواعد النظامية المطبقة في مجال المراقبة المستمرة .فالسيد المفتش طلب
من األساتذة على مستوى المنطقة التربوية المسندة إليه أن يتقيدوا في إعداد فروض المراقبة المستمرة
بنموذج من إعداده الخاص رغم أنه مخالف لما تنص عليه المذكرة الوزارية رقم 024-02الصادرة
بتاريخ 04نونبر 4004في موضوع التوجيهات المتعلقة بتنظيم التقويم التربوي بالسلك الثانوي
التأهيلي لمادة اللغة الفرنسية ،و المستندة على المذكرة رقم 024الصادرة بتاريخ 04نونبر 4004في
موضوع التقويم التربوي بالسلك الثانوي التأهيلي عموما ،و التي تشدد على ضرورة استحضار
مقتضيات اإلطار المرجعي لإلمتحان الموحد الخاص بالمادة باعتبارها وثيقة رسمية تضبط المضامين
الدراسية المقررة و الكفايات و المهارات و القدرات المسطرة لكل مستوى و بالتالي موجهات لبناء
الفروض الكتابية المحروسة .إال أن السيد المفتش و خالفا للتوجيهات الواردة في المذكرة يعيب على
األستاذ كونه لم يلتزم بما قدمه كمفتش للمادة رغم مخالفته الصريحة لمقتضيات المذكرة أعاله ،فقد
طالب السيد المفتش أساتذة المادة بإنجاز فرضين شفويين و احتساب معدلهما فقط كمكمل لمعدل الفروض
الكتابية في حين أن المذكرة تتحدث عن احتساب األنشطة الشفهية كعنصر فقط ضمن باقي األساليب
المعتمدة في المراقبة المستمرة و التي تتضمن باإلضافة للفروض الكتابية المحروسة ( )70%األنشطة
الشفهية مشاركة المتعلمين داخل الفصل الدراسي ومراقبة دفاترهم ،كما تتضمن األنشطة التي يطلب
26
من التالميذ إنجازها خارج الصف الدراسي ،سواء بصفة فردية ،أو في إطار مجموعات ،كالبحوث و
األعمال التطبيقية و إعداد الملفات (.)40%
ما يستشف من هذه التوضيحات هو أن السيد المفتش وعوضا عن تنظيم لقاءات تربوية لفائدة األساتذة
كوسيلة للسهر على تأطير تطبيق مقتضيات المذكرة أعاله واإللتزام بتوجيهاتها على النحو األكمل ،فهو
لم يوليها ما تستحقه من عناية لتوفير شروط تطبيقها السليم في دائرة اختصاصه .خالفا لذلك ،لم يقم
أستاذ المادة إال بالتقيد بموجهات المذكرة أعاله وتطبيق مقتضياتها في تتبع أعمال التالميذ وتقوية
تحصيلهم ،باعتماد مختلف الصيغ المنصوص عليها أعاله بغرض إعدادهم الجتياز اإلمتحانات الموحدة
بنجاح.
باإلضافة لما أشرنا إليه أعاله بخصوص الخطأ في تفسير القواعد القانونية أو مخالفتها أصال ،يمكننا
أن نضيف وجهين آخرين من أوجه مخالفة تقرير التفتيش الصادر عن مفتش المادة للقانون .فمن جهة
فإن تقرير التفتيش الصادر في حق األستاذ معيب من حيث مخالفته للقواعد الشكلية و اإلجرائية
الجوهرية المعتمدة في اجراء زيارات التفتيش حيث أنه لم يتبع اإلجراءات التي حددتها المذكرة الوزارية
رقم د 0074-4-بتاريخ 44يناير( 0074و المستندة على المذكرة رقم 024بتاريخ 02نونبر
)0074و التي تنص على تقييم موضوعي للمضمون التربوي للدرس موضوع الزيارة و على افتحاص
وثائق األستاذ ،و هو ما لم يتم احترامه لكون زيارة التفتيش لم تدم إال ربع ساعة فقط مما يجعل معه
قرار المفتش بتنقيط األستاذ بناء على معايير غير التي أوجبها المشرع قرارا باطال ،خاصة أن المخالفة
هنا و إن لم تكن عن عمد فهي لألسف تبقى مخالفة قاعدة شكلية جوهرية (أساسية) مما يترتب عليها
بطالن القرار.
من جهة ثانية ،فإن قرار تخفيض نقطة األستاذ بدعوى تأخره الكبير في إنجاز المقرر الدراسي وعدم
كفاية الدروس المدونة بدفاتر التالميذ أغفل كون األستاذ التحق بالمؤسسة فقط لشهر ونصف في إطار
تكليف لتعويض أستاذة في رخصة والدة وهي المسؤولة عن التأخر في إنجاز المقرر قانونا .فاألستاذ
حل محل األستاذة نظاما لظرف وجيز وجد معه األستاذة متأخرة في إنجاز المقرر وبالتالي فإن قرار
تخفيض النقطة في حقه يكون باطال ألن الحال محل موظف أثناء غيابه ال يكون مسؤوال عن عمل
األصيل طبقا للقواعد النظامية للحلول.
كخالصة للمالحظات التي سقناها أعاله بخصوص تقرير التفتيش الصادر عن مفتش مادة اللغة
الفرنسية ،يصبح قرار التفتيش معيب في فحواه ومضمونه ألنه أوال ارتكز على تفسير خاطئ للقواعد
القانونية المعمول بها في مجال المراقبة التربوية الخاصة بالمادة .وبالتالي فمحل القرار أو األثر القانوني
المترتب على قرار التفتيش والمتمثل في تخفيض نقطة األستاذ غير جائز من الناحية القانونية تشريعيا ً
ألنه خالف النصوص التنظيمية المؤطرة للمادة (المذكرة الوزارية رقم )024-02وعرفا ً ألنه وإن تم
جدال ثبوت ارتكاب خطأ مهني من طرف الطاعن فالمعمول به عرفا هو نهج سبيل التوجيه واإلرشاد
أوال قبل التوبيخ بل حتى أخالقيا ألن تنقيط مدرس بناء على زيارة لم تدم إال ربع ساعة ال يبث بأية
صلة ألخالقيات مهنة التفتيش التربوي .لذلك ففي هذه الحالة يكون قرار التفتيش الصادر عن المفتش
غير مشروع ويكون القرار الناتج عنه بتخفيض نقطة التفتيش بالتالي باطالً .فقانونا ،ال ينبغي للمفتش
في اتخاذه ألي قرار أن يتجاوز في القيام بمهامه ما يحدده له النظام األساسي الخاص بموظفي وزارة
التربية الوطنية وكذا المذكرات التنظيمية .كما أنه وإن متعه المشرع بهامش كبير في إعمال سلطته
التقديرية خاصة في مجال تنقيط األساتذة ،فإن ذلك يبقى مقيدا بعدم اإلنحراف في استعمال هذه السلطة
نظرا لما يترتب عن هذه النقطة من تأثير على الوضع اإلعتباري لألستاذ.
27
تأسيسا على هذه المالحظات نستنتج أن تقرير التفتيش موضوع الطعن غير مرتكز على أسس قانونية
سليمة وأن الوقائع المادية والقانونية المتضمنة فيه توحي على أن المفتش قد تحامل على الطاعن بشأن
كفاءته التعليمية ،وأن المالحظات المسجلة بشأنه خالل زيارة التفتيش تبقى مجرد ادعاء ال يوجد في
الواقع ما يثبته ،وبالتالي تبقى النقطة الممنوحة لألستاذ غير مبررة ،مما يعني أن قرار تخفيض النقطة
يبقى معيبا في مشروعيته ويتعين إلغائه.
ما يالحظ من خالل عملية التنقيط التي باشرها السيد المفتش لتنقيط األستاذ المقترح للترقية في الدرجة
هو أنه تصرف بشكل مخالف للشروط التي حددها القانون لمباشرة عملية تنقيط األساتذة المقترحين
للترقية في الدرجة .فالمذكرة رقم 002-40الصادرة بتاريخ 04أبريل 4040في شأن الترقي في
الدرجة باالختيار برسم سنة 4040تنص على أن إنجاز هذه الترقية يجب أن يتم في إطار النصوص
التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل ،وذلك بمراعاة العناصر التالية :إنجاز األعمال المرتبطة
بالوظيفة والمردودية والسلوك المهني والقدرة على التنظيم والقدرة على المساهمة في البحث التربوي
مع مراعاة المؤشرات الدالة على كل معيار .وكمثال على ذلك يدخل ضمن معيار إنجاز األعمال
المرتبطة بالوظيفة إتقان إنجاز المهام الموكولة للموظف (ة) واحترام مجاالت التخصص والدينامية
والسرعة في اإلنجاز واالهتمام الدائم بتحسين األداء والرفع من اإلنتاجية ،وتوظيف جميع اإلمكانات.
أما تنقيط عنصر المردودية ودائما حسب منطوق المذكرة أعاله فيتم من خالل مدى تحقيق الموظف
لنتائج مرضية ومقنعة وفعالـة ،وتحقيقه لألهداف المسطرة.
على خالف النص التشريعي والتنظيمي المنظم لتنقيط األساتذة المقترحين للترقية في الدرجة أعاله ،فقد
عمد السيد مفتش المادة إلى تنقيط األستاذ المعني بالترقية اعتمادا على شبكة تنقيط من إنتاجه الشخصي
والتي ضمنها معايير مختلفة عن المعايير المنصوص عليها في المرسوم المنظم للترقية وفي بطاقة
تنقيط الموظفين المرشحين للترقية ،حيث قام بإجراء زيارة تفتيش لألستاذ ولم يعتمد في عملية التنقيط
إال على الحصة التي حضرها في حضور األستاذ المعني بالترقية .بعد ذلك قام السيد المفتش بمنح
األستاذ نقطة تفتيش ( )07/20و بوضع نفس النقطة العددية المحصل عليها انطالقا من شبكته الخاصة
ببطاقة تنقيط األستاذ المسلمة من المديرية اإلقليمية عبر توزيع النقطة الكلية ( )07/20التي منح لألستاذ
خالل زيارة التفتيش على العناصر الخمسة الواردة ببطاقة الترقية مع إخبار المعني باألمر بالعملية أمام
زمالئه مبررا قراره بأن األستاذ يرفض المساهمة و اإلنخراط في األنشطة اإلشعاعية الخاصة بالمادة
على مستوى المنطقة التربوية ،و الذي ضرب له كمثال رفض مشاركة األستاذ في إجراء بحث أكاديمي
ميداني يخص مدى تأثير نوعية التكوين األكاديمي الجامعي لمدرسي التربية البدنية و الرياضية على
نوعية اإلختيارات الديداكتيكية أثناء إجراء حصص المادة.
28
كمالحظة أولية على هذه الحيثيات ،يتضح أن السيد المفتش من خالل البوح بهذه الدوافع أمام زمالء
الطاعن قد سقط في خطأ مهني جسيم أال وهو عدم كتمان السر المهني ،وتشويه سمعة األستاذ والتشكيك
في مهنيته بعلة عدم مساهمته وانخراطه في األنشطة اإلشعاعية ،وقدرته على المساهمة في البحث
التربوي .إال أن السيد المفتش لم ينتبه إال أن المذكرة التنظيمية قد نبهت إلى أمر هام خاص بتنقيط
عنصر البحث واالبتكار حيث أوضحت أن هذا العنصر ال يستوجب أن يقدم األستاذ بحوث أكاديمية أو
تقارير ميدانية وإنما أن يتبين من خالل الحصص التي يجريها داخل فضاء المؤسسة التعليمية اعتماد
منهجية مبدعة للرفع من نتائج ممارسته الميدانية ومن انعكاساتها اإليجابية على العملية التعليمية
التعلمية.
فحسب منطوق المذكرة الوزارية رقم 4-07الصادرة بتاريخ 0يونيو 0007في شأن حماية سر المهنة
فقد سقط السيد المفتش في هذا الخطأ المهني الجسيم عندما أفصح لزمالء الطاعن عن بعض األسرار
المهنية الخاصة باألستاذ وقام بانتقاد عمله ومردوديته وعاب عليه تقصيره في اداء واجبه ،وهو ما يعد
في نظر القانون قذفا وتشهيرا بالطاعن ،والذي ال تجيزه االعراف وال االخالق المهنية حتى ولو كان
ما يعاب على الطاعن ثابتا وصحيحا .كما أن السيد المفتش لم يلتزم بأحكام الفصل 07من الظهير
الشريف رقم 0.27.007بتاريخ 2شعبان 42(0044فبراير )0027بشأن النظام االساسي العام
للوظيفة العمومية ،والذي ينص على أن كل موظف يكون ملزما بكتم سر المهنة في كل ما يخص
االعمال واالخبار التي يعلمها اثناء تأدية مهامه او بمناسبة مزاولتها .ويدخل في هذا المنع تبليغ محتوى
الملفات اإلدارية الخاصة بالموظفين للغير بصفة مخالفة للنظام .لذلك كان من الالزم أن يتصرف السيد
المفتش بصفته مسؤوال ،وفي إطار المشروعية إذ ال يحق له افشاء اسرار المهنة الخاصة باألساتذة
الذين يشتغلون في منطقته التربوية وتحت إشرافه .وبالتالي فإن إفشاء السر المهني فيه اخالل بواجب
التحفظ المفروض على المفتش ككل موظف آخر ،ما يجعله تحت طائلة القانون الجنائي والتأديبي حيث
اطلع بحكم مهامه على خصوصيات مهنية تخص الطاعن وعمد إلى افشائها حتى ولو بدون نية
االضرار.
أما بخصوص عملية التنقيط التي اعتمدها السيد المفتش فيتضح أنه قد ارتكب خطأ في تطبيق القانون.
وقد تحقق هذا العيب المبطل لقراره اإلداري ألنه طبق القاعدة النظامية المعمول بها في إجراء زيارات
التفتيش العادية على واقعة تختلف عن تلك التي قصدها المنظم في مجال تنقيط وترقية الموظفين والتي
خصص لها معايير ومؤشرات لم تتجاوز عنصري الدرس والوثائق التربوية لتشمل عناصر أكثر عمقا
وشمولية.
فإذا كان المشرع قد حدد هدفا ً خاصا ً يجب أن يسعى مفتش التعليم لتحقيقه من خالل إجراء زيارات
التفتيش وهو الوقوف على مدى اإللتزام بالتوجيهات التربوية والتنظيمية في مجال التخصص ضمانا
لحسن استفادة المتعلم من زمن التعلم ،فإن السيد المفتش قد خالف من خالل تقريره وقراره هذا الهدف
ولو تذرع بأنه قد قصد تحقيق المصلحة العامة ،وهذا ما يعرف بمبدأ مخالفة تخصيص األهداف والتي
تعتبر مبررا كافيا ألن يكون قرار التفتيش مشوبا ً بعيب االنحراف بالسلطة وجديرا ً باإللغاء.
29
ارتباطا بهذا العيب ،يمكننا أن نعيب على تقرير التفتيش الصادر عن مفتش المادة إساءة استعمال
اإلجراءات الموصى بها في تنقيط األساتذة المرشحين للترقية في الدرجة .وقد حصلت هذه الحالة من
االنحراف عندما استبدل السيد المفتش اإلجراءات اإلدارية الالزمة للتنقيط بإجراءات أخرى لتحقيق
الهدف الذي سعت إليه اإلدارة .وربما لجأ السيد المفتش إلى هذا األسلوب إما ألنه اعتقد أن اإلجراء
الذي اتبعه سليم من منطلق تقديره الخاص أو ألنه سعى إلى التهرب من اإلجراءات المطولة أو المعايير
المعقدة والمبهمة الواردة ببطاقة التنقيط واستبدالها بعناصر أخرى يراها أكثر دقة وفاعلية .أيا ً كانت
التبريرات التي يمكن أن تكون وراء اتخاذ السيد المفتش لقراره بشأن الطاعن فإنه قانونا قد خالف
اإلجراءات التي حددها القانون مما يجعل من تصرفه هذا تصرفا مشوبا ً بعيب إساءة السلطة في صورة
االنحراف باإلجراءات.
لذلك من الضروري أن نذكر بخصوص هذا الشأن أنه وبوجود رقابة قضائية على األخطاء الواضحة
في التقديرات الصادرة عن السيدات والسادة مفتشي التعليم ،يبقى من المهم أن تلتزم تقارير التفتيش
الصادرة عن المفتشين بالمنطق والعقل السليم وأال يسيء المفتش عن عمد أو غير عمد استخدام السلطة
التقديرية التي يتمتع بها أو يعمد إلى مخالفة اإلجراءات التي أوجدها المشرع .كما أنه من المهم أن ننبه
إلى أن الذي يهم قاضي الشرعية عند بحثه عن معيار الخطأ الواضح في التقييم الوارد في تقرير التفتيش
ليس البحث في مدى الخطأ الذي سقط فيه المفتش وال في خطورته ،ولكن في درجة عدم انضباطه
لإلجراءات وعدم كفاية عوامل التعليل التي قدمها التقرير واعتمدها المفتش في تقديره .وبالتالي فإن
منح األستاذ نقطة تفتيش معينة أو نقطة عددية خاصة في بطاقة الترقية حتى وإن كانت النقطة جيدة
يجب أن يقوم على أسبابه الكافية المبررة له أو الداعية له لتحقق مالءمة مضمون تقرير التفتيش مع
أسبابه الداعية له بما تساهم من خالله هذه المالءمة من حماية لمبدأ شرعية تقرير التفتيش ومن عقلنة
للنشاط التربوي واإلداري الذي قام به المفتش.
من جهة أخرى ،فتغيب السيد المفتش عن حضور جلسات االستماع بعد التوصل باالستدعاء وإحجامه
عن الجواب رغم اإلنذار الموجه من المحكمة كان سببا كافيا لصدور قرار بإلغاء قرار التفتيش الصادر
عنه .مرد ذلك أن التغيب عن حضور جلسات االستماع وإحجامه عن الجواب اعتبر في نظر قاضي
الشرعية موافقة على الوقائع المبينة في مقال الطاعن .شاهدنا الحكم الذي أصدرته المحكمة اإلدارية
بوجدة بناء على القانون رقم 20.00المؤرخ في 44ربيع األول 0202الموافق 0000/00/00
المحدثة بموجبه المحاكم اإلدارية وكذلك الحكم رقم 00/200الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط
والملف رقم ،07/40حكم 07/002بتاريخ 0007/04/00بالمحكمة اإلدارية بوجدة والتي اعتبرت
مجتمعة أن عدم وجوب المدعي عليه عن المقال وعن استدعائه وإنذاره بالجواب يعتبر موافقة على
الوقائع المبينة في مقال الطعن وبالتالي يشكل سببا إللغاء القرار .وحيث إن الفقرة 0من الفصل 044
بمقتضى المادة 4من قانون 00/20واضحة بهذا الشأن ،فإنه يعتبر المطلوب ضده النقض في الطعون
الرامية إلى إلغاء قرارات التفتيش الصادرة عن مفتشي التعليم للشطط في استعمال السلطة والذي لم
يجب عن المقال موافقا على الوقائع المبنية فيه.
فجلسات البحث والخبرة التي تقررها المحاكم هي في الحقيقة فرصة لمفتش التعليم ولممثل اإلدارة بصفة
عامة لتوضيح موقفهم من القرار المطعون فيه ،وبالتالي تمكين القضاة المقررين من اإللمام بعناصر
النازلة .فكما تنص عليه مقتضيات الفصل 044من قانون المسطرة المدنية والذي بمقتضاه يتم
االستجابة لمطالب المدعي في حالة عدم الرد عليها ،يشكل سكوت اإلدارة أو إحجام المفتش عن
اإلستجابة في هذه الحالة ،وعدم حضوره رغم إنذاره قانونيا ،إقرارا قضائيا بمادية طلب الطعن .لذلك
30
نبهت المذكرة رقم ،04الصادرة بتاريخ 6يونيو 4004في شأن تحصين القرارات اإلدارية إلى أن
المثير في أغلب هذه حاالت الطعن القضائي ضد القرارات اإلدارية أنها تكون لفائدة المدرسين ،ال
لوجود شطط فعلي ،ولكن ألن االدارة التربوية ال تجيب عن مراسالت الجهات القضائية إال قليال ،وقد
ال يحضر عنها من يمثلها أمام المحاكم ،فتكون هذه األخيرة منسجمة مع مقتضيات القانون عندما تصدر
أحكامها بناء على ما بين أيديها من مستندات ووثائق ومقاالت أدلى بها الطرف المدعي .تأسيسا على
كل هذه الحيثيات ،فقرار السيد مفتش التربية البدنية والرياضية يعتريه عيب مخالفة القانون ألن محل
القرار معيب شرعا في فحواه أو مضمونه وألن األثر القانوني المترتب عليه (أي على قرار المفتش)
غير جائز ومخالف للقانون المكتوب بل غير جائز عرفا أيضا.
كما أشرنا إلى ذلك سلفا فمن المتعارف عليه في قضايا اإللغاء المرفوعة أمام المحاكم اإلدارية ضد
تقارير التفتيش الصادرة عن مفتشي التعليم أنه متى كان محل هذه التقارير معيبا فالتقرير يصبح بحكم
القانون غير مشروع ومخالف للنظام وبالتالي مستوجبا للبطالن .بالمقابل ،لكي يكون تقرير التفتيش
كقرار إداري مشروعا يجب أن يكون محله ممكنا شرعا والحال أن محل قرار السيد مفتش المادة غير
جائز قانونا أصال ألن عملية تنقيط الطاعن تمت وفق تصرف غير نظامي وغير منصوص عليه شرعا.
وإذا كان مصدر القيد في حالة سلطة المفتش المقيدة يجد سنده في القاعدة القانونية التي تحدد اإلجراء
الواجب اتخاذه فإن العيب الذي سقط فيه السيد المفتش هو خرقه للقاعدة القانونية المتصلة بتنقيط
الموظفين المستوفين لشروط الترقية في الدرجة .لذلك وجب التنبيه في هذا الباب أنه في مجال مثل هذا
فإن السلطة التي نتحدث عنها مقيدة وليست تقديرية ألن اإلجراء محسوم تشريعيا ،وبالتالي عدم تحري
السيد المفتش حدا أدنى من المالءمة كان سببا كافيا لجعل تقريره معيبا وال يحقق الغرض من إصداره.
استنادا لهذه الحيثيات ،قضت المحكمة بقبول الطعن من حيث الشكل والمضمون وحكمت بإلغاء النقطة
الممنوحة للطاعن بتقرير التفتيش مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية.
31
لذلك يبقي مشكل عدم تحصين قرارات التفتيش من بين مسببات الكثير من االختالالت
) (dysfonctionnementعلى مستوى منظومة التربية والتكوين بالمغرب.
ولعل من بين الخالصات األساسية التي يجب التأكيد عليها في هذا المقال هو أن تحصين تقارير التفتيش
اليهم المفتشين الممارسين وحدهم بل هو شان يهم كذلك مركزي تكوين المفتشين وعلى هذا المستوى
ينبغي دراسته وتعميق النقاش حوله ولو تطلب األمر تنظيم ورشات وندوات علمية وتوظيف شبكة
الدراسة التي تعتمد على المعارف في علوم التربية والعلوم القانونية .فتحصين القرارات اإلدارية عموما
على قدر كبير من التعقيد والحساسية مما يستوجب خلق تصور مناسب يساعد على تحقيق نتائج تتسم
بالنجاعة والفاعلية على مستوى استصدارها.
في الحقيقة ،إن عالج مسألة تحصين تقرير التفتيش ال يمس السيدات والسادة المفتشين وحدهم وإنما
يمس أيضا المؤسسات التكوينية الرسمية التي تشرف على تكوينهم األكاديمي والميداني عامة وذلك
بإعادة النظر في مضمون بعض المجزوءات المدرسة بمركزي التكوين بما يساهم في اكتساب خريجي
المركزين لثقافة قانونية رصينة في تواز مع ما تلزمه مهامهم اليومية والعامة بكل الوسائل المؤدية لذلك
والكفيلة بتحقيقه .إال أنه وخالفا لذلك ،فالمالحظ هو أن الكثير من مفتشي التعليم ولألسف يمارسون هذه
المهام بما يمكن أن نسميه براغماتية آلية مباشرة ً تعرضهم أحيانا كثيرة لالنتقاد وحتى المسائلة اإلدارية
والقضائية.
والبد من التأكيد في هذا الشأن على أن ما يمنح هيئه التفتيش التربوي وضعها الرمزي هو سلطتها
الفكرية والتي ال يمكن أن تحضر باحترام باقي الفاعلين داخل واقع التداول التربوي واإلداري إال إدا
كانت سلطة مؤسسة على ثقافة قانونية صلبة وذلك العتبارات ال تتعلق بالعوامل المهنية فحسب وإنما
أيضا العتبارات علمية ومعرفية وأخالقية.
في رأينا المتواضع ،فال يمكن لهذه السلطة الرمزية أن تخدم المصلحة الفضلى لمنظومة التربية والتكوين
إال بقدر ما يضفيه إطار التفتيش من قيمة على تلك السلطة وبمقدار ما تؤديه من وظيفة تكوينية ورقابية
عبر إنتاج تقارير التفتيش.
إضافة لكل ما سبق يحق التساؤل عن الكلفة الرمزية لو حاذت هذه السلطة عن وظائفها المحورية من
خالل تقارير تفتيش فاقدة للفعالية والمشروعية وبالتالي مستوجبة للمخاصمة اإلدارية والقضائية .إذا
كان األمر مرتبط بضرورة تحصين تقارير التفتيش بصفتها قرارات إدارية صرفه ،فإن هذا يتطلب
إعادة النظر في كيفية استصدارها أخذا بعين االعتبار كل مسببات الطعن القضائي التي حاولنا بسطها
في هذه الورقة.
أملنا أن يتم التعامل مع تقارير التفتيش ال كمجرد روتين إداري تفرضه متطلبات القيام بالمهام الموكولة
لهيئة التفتيش ،بل أن يتم التعامل مع تقارير التفتيش انطالقا من التفكير في أركانها البنيوية و القانونية
الستصدارها على نحو يجعلها أكثر قدرة على المساهمة في عملية التأهيل اإلداري و التربوي للموارد
البشرية العاملة في القطاع .العمل خالف ذلك ال يمكن إال أن يساهم في توسيع الهوة المهنية التي تزداد
عمقا بين هيئة التفتيش وهيئة التدريس مع ما يترتب عنها من تنافر وجودي وتمزق في النسيج التربوي
للمنظومة ككل.
ال حاجة للتأكيد في مقابل ذلك على ما يترتب تحصين قرارات التفتيش من صون للحقوق أوال بالنسبة
للمعنيين بها وثانيا من تجويد لألداء المهني بالنسبة ألطر التفتيش التربوي وثالثا من تخليق الممارسة
التدبيرية للرأسمال البشري والتي تعد من المؤشرات الدالة في تقييم المردودية الداخلية والخارجية
32
لمنظومة التربية والتكوين بالمغرب .وباإلضافة إلى هذا االنعكاس المزدوج لتحصين تقارير التفتيش
يمكن إضافة تكاليف نفسية على الجانبين (مفتشين ومدرسين) .فما تمتصه الطعون القضائية من كلفة
نفسية إنما يتم على حساب العالقات المهنية في أهون األضرار أما في أقصاها وأعمقها فقد يكون نواة
ما يتشكل في عمق العملية التعليمية من رفض داخلي لنسق التأطير التربوي كال أو جزءا مستمرة
التبلور في مظاهر شتى في الزمان والمكان.
المراجع المعتمدة:
المراسيم و الظهائر:
الظهير الشريف رقم 0.27.007بتاريخ 2شعبان 42(0044فبراير )0027بشان النظام .0
االساسي العام للوظيفة العمومية.
المرسوم رقم 1367-05-2الصادر في 40من شوال 4( 0244ديسمبر )4002بتحديد .4
مسطرة تنقيط وتقييم موظفي اإلدارات العمومية.
ظهير شريف رقم 0.00.442صادر في 44من ربيع األول 00( 0202سبتمبر )0000 .0
بتنفيذ القانون رقم 20.00المحدث بموجبه محاكم إدارية - .منشور بالجريدة الرسمية عدد
2727
المرسوم رقم 4.04.20بتاريخ 18جمادى األولى 0( 0202نونبر )0000تطبيقا ألحكام .2
القانون رقم 41.90المحدثة بموجب محاكم إدارية
ظهير شريف رقم 0-04-404صادر في 04من جمادى األولى 40( 0240يوليو )4004 .2
بتنفيذ القانون رقم 00-00بشأن إلزام اإلدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات
العمومية بتعليل قراراتها اإلدارية.
المذكرات الوزارية:
.0المذكرة رقم 26بتاريخ 06يونيو 2006في شأن تحصين القرارات اإلدارية.
.4المذكرة رقم 002-40بتاريخ 04أبريل 4040في شأن الترشيح للترقي في الدرجة باالختيار
برسم سنة 4040
.0المذكرة رقم 004بتاريخ 7يونيو 0002بشأن العالقات بين السادة المفتشين و رؤساء
المؤسسات التعليمية .
.2المذكرة رقم 400بتاريخ 42دجنبر 0000في موضوع الندوات التربوية .إخبار المديرية
بتغيب األساتذة التخاذ اإلجراءات الالزمة.
.2المذكرة الوزارية عدد 24الصادرة بتاريخ 44مايو 4002بشأن ميثاق حسن سلوك الموظف
العمومي.
.4المذكرة الوزارية رقم 4-07الصادرة بتاريخ 0يونيو 0007في شأن حماية سر المهنة
.4المذكرة الوزارية رقم 022الصادرة بتاريخ 04شتنبر 4000في موضوع تأمين الزمن
المدرسي و زمن التعلم.
.7المذكرة الوزارية رقم 422الصادرة بتاريخ 40دجنبر 0070في شأن مراقبة الوثائق
المدرسية.
.0المذكرة رقم 74الصادرة بتاريخ 40ماي 0074في شأن التفتيش التربوي
.00المذكرة الوزارية رقم 002الصادرة بتاريخ 40شتنبر 4002في موضوع تنظيم التفتيش
التربوي للتعليم الثانوي.
.00المذكرة رقم 04بتاريخ 4يونيو 4004في شأن تحصين القرارات اإلدارية.
.04المذكرة الوزارية رقم 024-02الصادرة بتاريخ 04نونبر 4004في موضوع التوجيهات
المتعلقة بتنظيم التقويم التربوي بالسلك الثانوي التأهيلي لمادة اللغة الفرنسية.
33
.00المذكرة رقم 024الصادرة بتاريخ 04نونبر 4004في موضوع التقويم التربوي بالسلك
الثانوي التأهيلي
مراجع أخرى
الوثيقة اإلطار لتنظيم التفتيش – ابريل 4002
الطماوي سليمان .النظرية العامة للقرارات اإلدارية ،د.ط ،دار الفكر العرب ،القاهرة 4004
34
35