You are on page 1of 35

‫تحصين قرار التفتيش التربوي في ظل الرقابة القضائية على‬

‫ممارسة مفتش التعليم لسلطته التقديرية‬


‫عبد النبي البدري – مفتش التعليم الثانوي (مادة اللغة اإلنجليزية)‬
‫مديرية العرائش‬
‫تضطلع هيئة التفتيش التربوي‪ 1‬بقطاع التربية والتكوين بمسؤوليات كبرى في تفعيل مقتضيات إصالح‬
‫المنظومة الوطنية للتربية والتكوين وفي تطوير الوظائف األساسية للمدرسة المغربية ونجاعتها‬
‫الداخلية‪ .2‬كما أن هذه الهيئة تشكل حلقة مركزية ورافعة أساسية لالرتقاء المستمر بجودة العملية التربوية‬
‫التكوينية داخل المؤسسات التعليمية وذلك اعتبارا لألدوار التي ما فتئ يضطلع بها المفتشون في مجال‬
‫التأطير والتكوين والتقويم والمراقبة والبحث العلمي بما يساهم في بناء وتطوير مؤشرات المضمون‬
‫البيداغوجي للمنظومة وفي تحسين سبل تدبيرها اإلداري والمالي والتربوي (الوثيقة اإلطار لتنظيم‬
‫التفتيش – ابريل ‪ 4002‬والرؤية اإلستراتيجية لإلصالح ‪ – 4000/4002‬المادة ‪.)24‬‬

‫وبالنظر لطبيعة وحجم هذه المسؤولية القيادية داخل المنظومة التربوية‪ ،‬فإن هيئة التفتيش كانت دائما‬
‫مطالبة بتجديد وتطوير ممارستها التأطيرية والرقابية بما يالئم مهامها اإلستراتيجية المرحلية والراهنة‪.‬‬
‫لذلك ما فتئت الوزارة الوصية تحاول تعزيز هذه التوجهات والتدابير التفعيلية لتطوير أداء هذه الهيئة‬
‫في إطار استراتيجيتها القطاعية لتأهيل مواردها البشرية بشكل عام كمدخل أساسي لتجويد ديناميكية‬
‫اإلصالح التي أقرتها كل الوثائق اإلصالحية و خاصة الميثاق الوطني للتربية والتكوين من قبل ثم‬
‫الرؤية اإلستراتيجية لإلصالح ‪ 4000 / 4002‬و أخيرا مشروع قانون اإلطار رقم ‪ 20/04‬المتعلق‬
‫بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وما صاحب ذلك من إقرار لنصوص تشريعية جديدة حول‬
‫المهام المنوطة بهيئة التفتيش بقطاع التربية والتكوين حتى تقوم هذه الفئة اإلشرافية بنشاطها المهني‬
‫بشكل مؤسس معرفيا و تشريعيا و تربويا و أخالقيا‪.‬‬

‫إال أن المالحظ ولألسف بخصوص الممارسة الميدانية لهذا النشاط المهني اإلشرافي بشقيه اإلداري‬
‫والتربوي والتي من المفترض أن تتم في إطار تفاعالت مهنية عالئقية سليمة مع باقي الفاعلين‬
‫وخصوصا أطر التدريس‪ ،‬أن هذه التفاعالت العالئقية تزيغ أحيانا عن جوهر تواجدها الوظائفي‬
‫والقيمي‪ ،‬والذي من بين ركائزه إعمال الضمير المهني وثقافة احترام الواجب وتحمل المسؤولية من‬
‫الجانبين (المذكرة الوزارية عدد ‪ 24‬الصادرة بتاريخ ‪ 44‬مايو ‪ 4002‬بشأن ميثاق حسن سلوك الموظف‬
‫العمومي)‪ .‬لذلك يضطر بعض الفاعلون التربويون من هيئة التدريس أحيانا إلى طلب تدخل جهات‬
‫رقابية أخرى لمخاصمة قرارات التفتيش الصادرة عن مفتشي التعليم إما عن طريق طلب إجراء تفتيش‬
‫مضاد أو عن طريق رفع طعن قضائي ضد تقارير التفتيش مع ما يترتب عن ذلك من تبعات نفسية‬
‫ومهنية وقانونية على الجانبين سنأتي على تبيانها في متن هذه الورقة‪.‬‬

‫و بالنظر لرزمانة أحكام اإللغاء الصادرة عن القضاء اإلداري في حق العديد من تقارير التفتيش في‬
‫منظومة التربية والتكوين والتي غالبا ما يتم مخاصمتها لعلة انتفاء شرعيتها وتجاوزها للسلطة‪ ،‬يقع‬
‫موضوع تحصين تقارير التفتيش اليوم في صميم التفكير المؤسساتي داخل المنظومة‪ ،‬كما يعتبر من‬
‫بين االنشغاالت الجوهرية التي تفرض راهنيتها المستمرة بالنسبة لطبيعة اإلشكاالت القانونية والتربوية‬

‫سنشير لهذه األطر بأطر التفتيش أو ب "هيئة التفتيش التربوي" كما هو متداول في الساحة التعليمية المغربية‬ ‫‪0‬‬

‫"تطوير مهنة ومهام التفتيش التربوي" رأي المجلس األعلى للتعليم رقم ‪ ،00/2‬ص‪400002‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1‬‬
‫(بل واألخالقية أحيانا) التي ترافق ممارسة هيئة التفتيش الختصاصاتها ومهامها داخل المنظومة الوطنية‬
‫للتربية والتكوين بالبالد‪ .‬لذلك ما فتئ موضوع تحصين قرارات التفتيش يحظى باهتمام واسع سواء من‬
‫طرف اإلدارة المركزية أو من طرف مكونات طيف التفتيش المنتمية للقطاع لما يأخذه استصدار هذه‬
‫التقارير من حيز مهم من النشاط اإلداري والتربوي اليومي للسيدات والسادة المفتشين في القطاع‪.‬‬

‫و إلن كان موضوع تحصين تقارير التفتيش كقرارات إدارية يقع اليوم في صميم التفكير المؤسساتي‬
‫داخل المنظومة (مذكرة رقم ‪ 04‬بتاريخ ‪ 4‬يونيو ‪ )4004‬و يستأثر بحيز هام من النقاش القانوني‬
‫الموسع على مستوى البحوث المنجزة في شعب القانون اإلداري بكليات الحقوق‪ ،‬فما زالت مساهمات‬
‫الجسم التربوي عموما و هيئة التفتيش على الخصوص في الموضوع محتشمة رغم وجود بعض‬
‫البحوث المعزولة جدا في الزمان و المكان (خاصة بالمركز الوطني لتكوين مفتشي التعليم) و التي غالبا‬
‫ما يتحكم في متنها الهاجس التربوي عوض التأصيل القانوني ألركان القرار اإلداري‪.‬‬

‫تأسيسا على ذلك‪ ،‬فقد بات من المنطقي بل ومن الضروري أن يتم إيالء موضوع تحصين تقارير‬
‫التفتيش الصادرة عن هيئة التفتيش ما يستحقه من اهتمام سواء بمركزي تكوين المفتشين أو على مستوى‬
‫الوحدات التنظيمية الخاصة بهيئة التفتيش على مستوى األكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ومديرياتها‬
‫اإلقليمية‪ .‬من هذا المنطلق‪ ،‬يتناول هذا المقال موضوع تحصين تقارير التفتيش الصادرة عن مفتشي‬
‫التعليم كقرارات إدارية صادرة عن القطاع مساهمة منا في إغناء النقاش حول الموضوع من داخل‬
‫هيئة التفتيش مستعينين في ذلك بمنهجية المعالجة البنيوية و التحليل القانوني من منطلق االقتناع المتقاسم‬
‫أن تحصين تقرير التفتيش و التدبير المحكم لمختلف أركانه البيداغوجية و القانونية من شأنه أن يسهم‬
‫في الرفع من فعاليته و مشروعيته الداخلية و الخارجية فضال عما سيترتب عن ذلك من انعكاسات‬
‫إيجابية على حسن سير المرفق اإلداري العمومي و منتوجه الوثائقي من جهة ثانية‪.‬‬
‫اإلشكالية‬
‫بالرغم من المنظور أو األفق القانوني الطموح الذي رسمه المشرع بشأن ضرورة تحصين القرارات‬
‫اإلدارية و من ضمنها تقارير التفتيش ( أنظر مثال ق القانون رقم ‪ 00.00‬بشأن إلزام اإلدارات العمومية‬
‫والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها اإلدارية) بالشكل الذي يمكن به نقل هذا االجراء إلى ارتقاء نوعي‬
‫بفعالية و مشروعية تقارير التفتيش المنجزة من طرف السيدات و السادة المفتشين‪ ،‬فإن هذا التوجيه‬
‫حسب المذكرة الوزارية رقم ‪ 04‬بتاريخ ‪ 4‬يونيو ‪ 4004‬لم يتم احترامه في كثير من الحاالت مما‬
‫يفسر الرواج الذي تعرفه المنازعات القضائية الناجمة عن الطعن في تقارير التفتيش أمام المحاكم‬
‫اإلدارية على صعيد المملكة‪.‬‬
‫أمام هذا الوضع يجد الباحث نفسه أمام إشكال يتمثل في التوتر الحاصل بين نمطين من الخطاب‬
‫المصاحب لهذا الوضع‪0‬‬
‫‪ -‬خطاب تشريعي تنظيمي وتربوي صادر عن اإلدارة المركزية يرى أن تحصين الفاعلية القانونية‬
‫والبيداغوجية لتقارير التفتيش كقرارات إدارية ضرورة حتمية لها انعكاساتها على صورة اإلدارة‬
‫والمؤسسة التعليمية وعلى التزاماتها اتجاه المرتفقين داخليا وخارجيا‪ .‬لذلك يدعو هذا الخطاب إلى‬
‫التفكير في ضبط استصدار تقارير التفتيش كنشاط اداري بالشكل الذي ينقله من مجرد نشاط آلي روتيني‬
‫غير مؤصل قانونا عقب الزيارات الصفية التي يجريها السيدات والسادة المفتشون إلى آلية إدارية‬
‫وبيداغوجية فاعلة للتوجيه والتأطير والتقويم بل وحتى المحاسبة والمساءلة المرتبطة بالمسؤولية‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -‬خطاب ثان صادر غالبا عن السيدات والسادة األساتذة الذين تضرروا بشكل أو بآخر (أو يعتقدون‬
‫بذلك) من بعض تقارير التفتيش الصادرة بحقهم والذين ينتقدون مضامين بل وحتى الجدوى من وراء‬
‫هذه التقارير ويرون فيها أحيانا سلطة تعسفية تناقض غايتها المنشودة مما يخلقه هذا التجاوز من آثار‬
‫سلبية على نفسية ومردودية هيئة التدريس‪ ،‬وبالتالي على قدرة استدماجهم لمختلف التوجيهات التربوية‬
‫الصادرة عن هيئة التأطير والمراقبة وعن الوزارة الوصية‪.‬‬
‫البد إذن ونحن بصدد التأصيل النظري المعتمد في طرحنا الحالي لتحصين تقارير التفتيش في جوانبه‬
‫التشريعية بما له من عالقة مع تحصين القرارات اإلدارية بشكل عام أن نذكر بأن هاجس تحصين‬
‫تقارير التفتيش كقرارات إدارية قد عرف تغييرا نوعيا في الحدة المنهجية كما تأسست عليها فلسفة‬
‫القانون اإلطار ‪ ،20-04‬ذلك أنه طرح يتغذى أوال من متطلبات تجديد ومهننة الممارسة اإلشرافية‬
‫لرجال ونساء هيئة التفتيش في القطاع بقدر ما تغذيه ثانيا متطلبات ومقتضيات التحديث اإلداري للمرفق‬
‫العام ودواعي تجويد األداء المهني للسادة المفتشين‪ .‬إال أنه وبالرغم من أخد القانون اإلطار بمبدأ مهننة‬
‫أداء المفتشين وفق دالئل مرجعية للكفايات والمهام وربط كل ذلك بمبدأ تقييم )‪(valorisation‬‬
‫المسؤوليات التربوية واإلدارية للسيدات والسادة المفتشين (المادة ‪-04‬باب الموارد البشرية من القانون‬
‫اإلطار ‪ ،)20-04‬في انسجام مع توصيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين والرؤية اإلستراتيجية‪ ،‬فإن‬
‫هذه النصوص مجتمعة لم تتمكن من بسط سبل تحقيق هذه المبادئ على أرض الواقع‪ .‬فمثال حينما‬
‫يتحدث القانون اإلطار عن ضرورة اعتماد دالئل مرجعية لمهام وكفايات أطر هيئة التفتيش بالقطاع‬
‫فإنه ال يرفع اللبس الذي يلف آليات التنزيل الفعلي لهذا الورش‪ .‬كذلك كيف نفسر دعوة هذه األطر‬
‫المرجعية مجتمعة إلى ضرورة ممارسة هيئة التفتيش لمهامها الرقابية وفق دالئل مرجعية للكفايات ومع‬
‫ذلك يتم حرمان مفتشي التوجيه والتخطيط والمصالح المادية والمالية من حقها في ممارسة مهامها‬
‫المشروعة بل على العكس من ذلك تجد اإلدارة المركزية تنزع عنها هذا الحق بل ومكتسباتها السابقة‬
‫عندما يدعو إلى تقزيم أدوارها ضمن لجان مختلطة على مستوى المديريات اإلقليمية‪.‬‬
‫انطالقا من هذا المعطى (غياب استراتيجية تكوينية واضحة قادرة على ضبط الكفايات المهنية األساسية‬
‫لممارسة هيئة التفتيش لمهامها المحورية في القطاع والتي من ضمنها تحصين تقارير التفتيش الصادرة‬
‫عنها ضد كل مسببات الحياد عن المشروعية) تبقى مسألة تحصين تقارير التفتيش واحدة من اإلشكاليات‬
‫األفقية الكبرى والحاسمة للمنظومة الوطنية للتربية والتكوين بالمغرب والتي يمكن تلخيص سماتها في‬
‫اإلشكاالت الثالثة اآلتية‪0‬‬
‫أ‪ /‬تقارير تفتيش قائمة على تقييم لحظي (‪ )momentané‬لعناصر صفية متعددة (تفاعالت عالئقية‪،‬‬
‫استعمال الوسائل الديداكتيكية‪ ،‬تحقق األهداف‪ ،‬منهجية الحصة المقدمة‪ ،‬نوعية الوثائق التربوية‪)... ،‬‬
‫وما يصاحب ذلك من تكلفة نفسية بالنسبة للمدرس في سبيل تقديم أداء مقنع منهجيا ووثائقيا‪.‬‬
‫ب‪ /‬تقارير تفتيش غير موحدة منهجيا وتنظيميا بل وحتى لغويا‪ ،‬سواء بين التخصصات المختلفة أو‬
‫حتى داخل نفس التخصص‪.‬‬
‫د‪ /‬تقارير تفتيش قائمة على االنتصار أحيانا كثيرة لسلطة المفتش التقديرية وما يصاحب ذلك من عيوب‬
‫في المشروعية الداخلية والخارجية لبعض تقارير التفتيش‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫أمام هذا النوع من اإلشكاالت المصاحبة الستصدار تقارير التفتيش في القطاع يجب التذكير بأن إشكالية‬
‫تحصين تقارير التفتيش تبقى من أشد اإلشكاليات األفقية تعقيدا وحساسية على مستوى منظومة التربية‬
‫والتكوين لما يمكنها أن تثيره أوال من حساسيات مهنية بين السيدات والسادة المفتشين والسيدات والسادة‬
‫األساتذة‪ ،‬وثانيا لما يمكن أن يكون لهذه الحساسيات من آثار تربوية ونفسية وقانونية بالنسبة للمفتشين‬
‫والمدرسين على حد السواء‪.‬‬
‫بناء على ما سبق‪ ،‬ارتأينا في هذا المقال الوقوف عند دراسة إشكالية تحصين قرارات التفتيش الصادرة‬
‫عن مفتش التعليم من منظور القضاء اإلداري والنصوص القانونية المؤطرة له وواقع الممارسة اإلدارية‬
‫والتربوية لمفتش التعليم في المغرب بما يجعل هذه التقارير كفيلة بتحقيق وظائفها التكوينية واإلدارية‬
‫المشروعة قانونا‪ .‬وقد اعتمدنا في تفكيك إشكالية المقال على مداخل متعددة من أجل الوقوف على مدى‬
‫احترام عنصر المشروعية في اصدار قرارات التفتيش وأثر ذلك على مشروعية تقرير التفتيش‪ .‬لذلك‬
‫عمدنا إلى طرح تساؤالت فرعية تسمح باإلحاطة بالضوابط التنظيمية والقانونية المؤطرة إلصدار‬
‫تقارير التفتيش وباالختالالت التي يمكن أن تشوب الممارسة اإلشرافية المرافقة لها‪ .‬كما اجتهدنا في‬
‫التعريف بآليات الرقابة اإلدارية على قرارات التفتيش وذلك بناء على مجموعة من المفاهيم المفتاحية‬
‫المؤطرة لعمل المحاكم اإلدارية في الموضوع‪ ،‬ونخص بالذكر مفاهيم القرار اإلداري والطعن القضائي‬
‫والمشروعية والسلطة التقديرية وتجاوز السلطة‪.‬‬
‫لإلجابة عن السؤال المحوري أعاله‪ ،‬يمكن تفريعه إلى التساؤالت النوعية التالية‪0‬‬
‫ما مفهوم تقرير التفتيش من زاوية االجتهاد اإلداري والقانوني وما وظائفه على مستوى منظومة‬ ‫‪)0‬‬
‫التربية والتكوين؟‬
‫ما هي اإلشكاالت القانونية والتربوية التي تعيب فعالية تقارير التفتيش الصادرة عن هيئة‬ ‫‪)4‬‬
‫التفتيش داخل منظومة التربية والتكوين من منظور القضاء االداري؟‬
‫ما هي آليات رقابة القضاء اإلداري على مشروعية تقارير التفتيش؟‬ ‫‪)0‬‬
‫ما هي شروط تحصين فاعلية ومشروعية تقارير التفتيش الصادرة عن مفتشي التعليم؟‬ ‫‪)2‬‬

‫انطالقا من هذه التساؤالت الفرعية‪ ،‬فإننا سنحاول في مقالنا التطرق إلى العناصر التالية‪0‬‬
‫‪ )0‬مفهوم تقرير التفتيش من زاوية التعريف اإلداري والقانوني‪ ،‬وظائفه وعالقته بمفهوم السلطة‬
‫التقديرية الممنوحة لمفتش التعليم بقطاع التربية والتكوين‪.‬‬
‫‪ )4‬اإلشكاالت القانونية والتربوية التي تعيب تقارير التفتيش والتي تعيب مشروعيتها من منظور‬
‫القضاء االداري‪.‬‬
‫‪ )0‬آليات رقابة القضاء اإلداري على السلطة التقديرية الممنوحة لمفتش التعليم داخل منظومة‬
‫التربية والتكوين‪.‬‬
‫‪ )2‬اقتراحات لتجاوز إشكاالت عيوب المشروعية في تقارير التفتيش ولتحصين فاعلية ومشروعية‬
‫التقارير الصادرة عن مفتشي التعليم‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫أهمية العرض‬
‫ينطلق هذا المقال من سؤال جوهري وهو‪ 0‬كيف السبيل إلى تحصين تقارير التفتيش الصادرة عن مفتشي‬
‫التعليم على مستوى الخطاب والواقع لالستفادة منها قدر اإلمكان في المجال التربوي واالداري؟ من هنا‬
‫فإن أهمية هذا العرض تنبع من خالل تبيان أهم مظاهر وعيوب المشروعية التي تعتري الكثير من‬
‫تقارير التفتيش على ضوء االجتهادات اإلدارية و القضائية في الموضوع‪ .‬كما تنبع أهمية هذا العرض‬
‫انطالقا من كونه يقدم اقتراحات عملية طموحة لكل الفاعلين التربويين وخاصة مفتشي التعليم بحكم‬
‫مسؤوليتهم المباشرة في التعاطي مع الجوانب التربوية والبيداغوجية والقانونية لهذه التقارير من أجل‬
‫اإلستفادة من التأطير التشريعي والقانوني الذي يقدمه االجتهاد اإلداري والقضائي في الموضوع قصد‬
‫تحصين هذه التقارير وتمكينها من تحقيق الغرض الذي وضعت من أجله على مستوى المنظومة ككل‪.‬‬
‫أهداف العرض‬
‫هناك إجماع اليوم سواء من طرف دوائر القرار اإلداري والتربوي داخل منظومة التربية والتكوين أو‬
‫من طرف المفتشين المشكلين للطيف التربوي واإلداري بهيئة التفتيش حول ضرورة ضمان الحد‬
‫األقصى لفاعلية تقرير التفتيش كشرط أساسي لضمان مشروعيته وتحقيق الغرض منه‪ .‬انطالقا من هذا‬
‫المعطى تروم هذه الورقة تقديم بعض عناصر التأمل حول مسألة تحصين تقارير التفتيش الصادرة عن‬
‫مفتشي التعليم مع التساؤل حول شروطه القانونية والبيداغوجية المؤسسة له والتي ستساعدنا حتما على‬
‫تالفي كل مسببات المنازعات اإلدارية المرافقة له وعلى تفادي استصدار تقارير تفتيش ال تقوم على‬
‫مبدأ صون المصلحة الفضلى لمنظومة التربية والتكوين‪ .‬من منظورنا المتواضع‪ ،‬فإن العمل على تحقيق‬
‫هذا الهدف يتماشى ومقاصد وأهداف المنظور الحديث للتأطير التربوي واإلداري بشكل عام‪ ،‬اقتناعا‬
‫منا بأهمية تقارير التفتيش في توفير قاعدة بيانات غنية حول األداء المهني للموظفين في القطاع وفي‬
‫فهم امتداداه اإليجابية والسلبية على اإلنجاز الجيد للمرفق العام‪.‬‬

‫تجسيد لهذا المبدأ‪ ،‬فإننا نسعى من خالل مقالنا هذا المساهمة في تأسيس ثقافة قانونية صلبة تساعد مفتش‬
‫التعليم من جهة على استصدار تقارير تفتيش فعالة ومحصنة‪ ،‬ومن جهة أخرى نأمل المساهمة بهذا‬
‫العمل في تعزيز ثقافة إشرافية قائمة على االنضباط لقواعد األخالقيات المهنية كآلية مرجعية لاللتزام‬
‫والتوافق بين مفتش التعليم وباقي الفاعلين التربويين من شأنها ترسيخ قيم وقائية تدعم مقاصد تقارير‬
‫التفتيش المتطابقة مع روح المقتضيات القانونية والتربوية الجاري بها العمل‪ .‬وال شك أن االلتزام بهذا‬
‫الهدف الذي يشكل عنصرا من المنظومة العامة لإلشراف التربوي واإلداري سيساهم في تدعيم ثقافة‬
‫المرفق العام القائمة على إعمال روح المسؤولية‪ ،‬وبالتالي الرفع من فعالية ومشروعية تقارير التفتيش‬
‫في القطاع‪ ،‬حيث أن التشبع بثقافة المرفق العام خالل إنتاج تلك التقارير تقتضي بالضرورة التقيد بمبدأ‬
‫المشروعية بحيث يكون تقرير التفتيش مطابقا للقواعد القانونية الجاري بها العمل من جهة ويكون‬
‫التجرد والموضوعية وخدمة الصالح العام أساس اتخاذ كل القرارات من جهة ثانية‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫حدود العرض‬
‫تعتبر هذه الورقة المتواضعة مجرد مقاربة تأملية تحاول أن تسلط الضوء على بعض عيوب المشروعية‬
‫التي تطبع بعض تقارير التفتيش الصادرة عن مفتشي التعليم انطالقا من تجربتنا المتواضعة كمفتش‬
‫للتعليم الثانوي التأهيلي‪ .‬ونحن بذلك ال ندعي اإلحاطة بكل أبعاد ومسببات هذه العيوب كما تظهر من‬
‫خالل افتحاصنا للعديد من تقارير التفتيش في القطاع وال تقديم أجوبة عن مجموع األسئلة القائمة في‬
‫السياقين القانوني والتربوي المرتبطين بظروف استصدار هذا النوع من التقارير‪ .‬كما أننا لن ندخل في‬
‫أي نقاش جانبي يهم تقارير الزيارة بحكم أن تقرير زيارة المفتش ال تمنح فيه نقطة التفتيش‪ ،‬وبالتالي ال‬
‫يعتبر قرارا إداريا من شأنه التأثير في المركز القانوني للموظف عمال بمقتضيات المادة ‪ 40‬من القانون‬
‫رقم ‪ 00-20‬المنظم للمحاكم اإلدارية‪ ،‬وهو بذلك ال يستوجب الطعن القضائي أمام المحاكم اإلدارية‪.‬‬
‫كل األمل أن يسهم هذا المجهود المتواضع في إثارة االنتباه لمختلف جوانب تجاوز السلطة في استصدار‬
‫تقارير التفتيش من منظور قانوني شمولي يستحضر كافة تلك األبعاد ويهيئ شروط ضمان فاعلية‬
‫ومشروعية تقرير التفتيش لتمكين رجال ونساء هيئة التفتيش خاصة الجدد منهم من تملك فعال آلليات‬
‫تدبير هذا النشاط اإلداري والتربوي بما يساهم في تحقيق غاياته المشروعة‪.‬‬
‫قبل االبتعاد شيئا في هذا التأمل يجب التذكير بأن المجهود األكبر الصادر عن هيئة التفتيش حول‬
‫موضوع تحصين تقارير التفتيش غالبا ما تم في إطار بحوث التخرج من مركز تكوين مفتشي التعليم‬
‫والتي تبقى لألسف بعيدة عن ثقافة التقاسم مع باقي المفتشين باستثناء تقاسم بعض اآلراء الشخصية‬
‫المناسباتية والتي غالبا ما تتم داخل فضاءات التواصل االجتماعي دون استحضار األركان القانونية‬
‫التي تؤطرها مما يفقد هذا النوع من التأمل فاعليته الفكرية والعقالنية‪ .‬وبالتالي وبالنظر العتمادنا على‬
‫بعض هذه التأمالت في إطار استجالئنا لآلراء المتوافرة حول الموضوع لربما يمكن تحول بعض‬
‫خالصات عرضنا هذا للمساءلة المنهجية والنظرية‪.‬‬

‫إضافة إلى ما سبق‪ ،‬أال يجب التذكير بأن أية مخاصمة قضائية لتقارير التفتيش الصادرة عن مفتشي‬
‫التعليم هي معقدة وحساسة في نفس الوقت لما يمكنها أن تثيره من حساسيات وأحيانا من نزاعات مهنية‬
‫جانبية؟ من المنطقي إذن أن نقر بصعوبة معالجة هكذا إشكالية في ظل الغموض المرافق للسلطة‬
‫التقديرية المخولة قانونا لرجال ونساء التفتيش داخل منظومة التربية والتكوين والستراتيجيات ضبطها‬
‫على مستوى تكوين المفتشين األساس وكذا في ظل الغموض الذي يعتري التجسيد العملي لتلك‬
‫اإلستراتيجية على مستوى الممارسة وهو ما يفرض علينا الوقوف مسبقا عند مفهوم القرار االداري في‬
‫سبيل التمهيد لتقديم إجابات مقنعة حول إشكالية تحصينه‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ .1‬تحديد المفاهيم‬
‫‪ .1.1‬مفهوم القرار االداري‬

‫إلن اختلفت التعاريف المقدمة من طرف فقهاء القانون بشأن مفهوم القرار االداري خاصة فيما يتعلق‬
‫ببعض جزئياته‪ ،‬فإن الفقهاء متفقون بشأن جوهر ماهيته‪ .3‬فمفهوم القرار اإلداري يشير في أدبيات‬
‫االجتهاد اإلداري عامة إلى كل قرار يفصح فيه مصدر القرار عن إرادته المنفردة والملزمة بمقتضى‬
‫ما له من سلطة عامة مستمدة من النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل‪ ،‬وذلك بقصد‬
‫اصدار حكم قد يساهم في إنشاء أو تعديل أو إلغاء أحد المراكز القانونية للمعني بالقرار متى كان ذلك‬
‫ممكنا وجائزا قانونيا وبما يحفظ لإلدارة الحق في تحقيق مصلحة المرفق العامة‪.‬‬

‫انطالقا من هذا التحديد المفاهيمي‪ ،‬واعتبارا لكون تقرير التفتيش الصادر عن مفتشي التعليم في قطاع‬
‫التربية والتكوين يعتبر قرارا إداريا صرفا‪ ،‬يمكن أن نستشف ثالث خصائص أساسية لتقرير التفتيش‪.‬‬
‫وبالمناسبة‪ ،‬سنعمد إلى استغالل هذا التحديد المفاهيمي وهذه الخصائص أثناء مناقشتنا لعينة من تقارير‬
‫التفتيش التي اعتمدناها قصد التوضيح‪ .‬أولى خصائص تقرير التفتيش أنه يعتبر قرارا إداريا صادرا‬
‫عن اإلرادة المنفردة للمفتش‪ .‬أما الخاصية الثانية فهي أنه قرار إداري منشأ آلثار قانونية‪ ،‬وذلك لقدرته‬
‫على تغير المراكز القانونية القائمة لمن صدر بحقه القرار (مثال أثر النقطة في حظوظ الترقي في‬
‫الدرجة باالختيار)‪ .‬فتقرير التفتيش‪ ،‬والذي يبقى من أهم مظاهر نشاط وامتيازات السلطة التي يتمتع بها‬
‫مفتشو التعليم يستمد أهميته من كونه يبقى قادرا على إنشاء حق لمدرس (مثال الترقي) أو تعديله أو‬
‫إلغائه أو إلزامه بواجبات معينة‪ .‬الخاصية الثالثة المالزمة لتقرير التفتيش (والتي تتولد عن الخاصيتين‬
‫األولى والثانية) تتمثل في كونه يبقى خاضعا كأي قرار إداري آخر لرقابة القضاء اإلداري وقابال للطعن‬
‫القضائي شكال وموضوعا متى تم احترام اإلجراءات الشكلية لرفع الطعن‪.‬‬

‫تأسيسا على ما سبق‪ ،‬ما يميز قرار التفتيش هو أنه متى ما أصدر من طرف مفتش التعليم فقد صار‬
‫كيانا مستقال في ذاته يتم الحكم على عيوبه وشرعيته بناء على شروط ومعايير موضوعية مستمدة من‬
‫القانون وعلى الوقائع المادية المؤسسة له (من قبيل شروط االختصاص والشكل والغاية مثال)‪ .‬هذا ال‬
‫يعني بالضرورة استبعاد القضاء الحكم على العناصر الذاتية المرتبطة بنية أو سيكولوجية مصدر القرار‬
‫(المفتش)‪ .‬وحتى لو سلمنا أحيانا بصعوبة استخالص قاضي اإللغاء لعيوب بعض قرارات التفتيش‬
‫انطالقا من ظروف الوقائع المتضمنة بها‪ ،‬فقد يبحث أحيانا في نية مصدر القرار‪ ،‬فإن استشف منها‬
‫(أي نية مصدر قرار التفتيش) غرضا معيبا كان ذلك بمثابة قرينة تدين مشروعية الغرض الموضوعي‬
‫في القرار وليس في إرادة متخذ القرار‪.‬‬

‫من الضروري أن نؤكد هنا على معطى هام يتمثل في كون تقارير التفتيش الصادرة عن هيئة التفتيش‬
‫التابعة لوزارة التربية الوطنية تعتبر قرارات إدارية بالمفهوم الذي يمنحه القضاء اإلداري للقرارات‬
‫اإلدارية باعتبار أثرها النافذ على المركز القانوني للمعنيين بها‪ .‬وألنها كذلك‪ ،‬فقرارات التفتيش تبقى‬
‫قابلة للمراقبة القضائية عن طريق الطعن فيها من ناحية المشروعية الداخلية تحت علة االنحراف في‬
‫استعمال السلطة أو الخطأ القانوني أو المادي‪.‬‬

‫‪3‬الدكتور عمار عوابدي‪ 0‬كتاب القانون اإلداري‪-‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الطبعة الثالثة دار العلوم و النشر و التوزيع‬
‫‪7‬‬
‫وتجدر اإلشارة في هذا الشأن إلى أن استصدار تقارير التفتيش يأخذ حيزا هاما من النشاط اإلداري‬
‫والتربوي لهيئة التفتيش‪ .‬فتبعا لالختصاصات العامة الموكولة على سبيل المثال لمفتش التعليم الثانوي‪،‬‬
‫يكلف مفتش التعليم الثانوي حسب المادة ‪ 0‬من المرسوم رقم ‪ 4.72.424‬الصادر في ‪ 2‬أكتوبر ‪0072‬‬
‫بشان النظام األساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية في موضوع مهنة ومهام مفتشي التعليم‬
‫بالتأطير والمراقبة التربوية ألطر التعليم الثانوي والمؤسسات التعليمية العمومية والخاصة ومؤسسات‬
‫تكوين األطر وكذا بتتبع تكوين واستكمال خبرات هذه األطر (من بين مهام أخرى‪ ،‬وهي نفس المهام‬
‫والوظائف التي تكرر ورودها في الوثيقة اإلطار لتنظيم التفتيش – ابريل ‪ .) 4002‬تأسيسا على هذا‬
‫التكليف أناط المشرع بمفتشي التعليم مهمة تقدير كفاءة أطر التدريس عن طريق اجراء زيارات تفتيش‬
‫صفية داخل مناطقهم اإلشرافية ينتج عنها بالضرورة تحرير تقارير تفتيش ومنح نقطة عددية للمعنيين‬
‫بزيارة التفتيش‪.‬‬

‫أرتباطا بهذه المهمة‪ ،‬أناط المشرع بمفتش التعليم تنقيط أطر التدريس المستوفين للشروط النظامية‬
‫الخاصة بالترقية في الرتبة والدرجة‪ .‬وما يميز عملية التنقيط (سواء الخاصة بزيارات التفتيش أو‬
‫بالتنقيط للترقي) هو كون المفتش يحظى فيها بسلطة تقديرية واسعة وإن كان تقدير أداء المدرسين‬
‫المهني يجب أن يكون نشاطا ممعيرا يتأسس على معايير وشروط محددة كالتي تصاحب مثال بطاقات‬
‫الترقية في الدرجة باالختيار (المردودية وحسن السلوك‪ .)....‬حتى أن المبدأ القانوني العام في مجال‬
‫الرقابة القضائية على ترقية الموظفين هو أنه "ال معقب للقضاء على حرية اإلدارة في ترقية موظفيها‪،‬‬
‫ما لم يشب قرار الترقية انحراف في استعمال السلطة"‪ .‬فالقضاء وإن كان له حق مراقبة مشروعية‬
‫قرارات التفتيش بالبحث في الجوانب المقيدة في أركانها فإن هذا الحق يصبح ضيقا ألنه يدخل ضمن‬
‫االختصاص التقديري العام للمفتش‪ .‬فما هو مجال هذه السلطة وما هي حدودها القانونية؟‬

‫‪ .1.2‬السلطة التقديرية ورقابة القضاء اإلداري‬


‫تنقسم السلطات الممنوحة لمفتش التعليم إلى سلطتين‪ 0‬مقيدة وتقديرية‪ .‬تكون سلطة المفتش مقيدة متى‬
‫كان ملزما قانونا باتباع إجراءات تنظيمية ومسطرية واضحة ومحددة في إنجاز المهام الموكولة إليه‬
‫دون أن يكون له حرية تقدير التصرف فيها‪ .‬فلكي يتم مثال اجراء امتحان تأهيل مهني ألستاذ متدرب‬
‫يجب أن يتم ذلك بناء على تقييم أداء األستاذ بناء على وضعيات مهنية وعناصر تقييمية وإجراءات‬
‫مسطرية محددة بمرسوم لبلوغ الهدف المحدد من اإلدارة‪ .‬بناء على ذلك‪ ،‬ال يجوز للمفتش والحالة هذه‬
‫أن يعمل على خالف ما بينه القانون من أوضاع معينة لمباشرة هذا العمل وإال عد تصرفه باطال‬
‫لمخالفته للقانون‪.‬‬
‫بالمقابل‪ ،‬فقد ترك المشرع في حاالت أخرى لمفتش التعليم قدرا من الحرية للتصرف والتقدير الذي‬
‫يراه مالئما وفقا للظروف المصاحبة لتلك الحاالت دون معقب عليها بشرط أال تتعارض هذه السلطة‬
‫مع األهداف التي رسمتها اإلدارة لصون الصالح العام وأال تعرقل حسن سير العمل اإلداري‪ .‬وبموجب‬
‫هذه السلطة التقديرية خول المشرع مفتش التعليم سلطة اتخاذ المواقف حسب ما يرتئيه مناسبا للحاالت‬
‫والوضعيات المهنية التي تدخل في صميم مهامه اليومية شرط االلتزام بتحقيق غايتها المشروعة وإال‬
‫أصبحت مشوبة بعيب إساءة السلطة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫وقد أجمعت االجتهادات الفقهية على مستوى ضبط ممارسة السلطة التقديرية المخولة قانونا لهيئة‬
‫التفتيش أثناء ممارستها لنشاطها التربوي واإلداري داخل المنظومة الوطنية للتربية والتكوين ببالدنا‬
‫على أن مفتش التعليم يتمتع بمجال واسع لممارسة سلطته التقديرية‪ .‬إال أن ممارسة هذه السلطة كما‬
‫أشرنا سابقا وإن كان األصل فيها سالمة هدفها فإنها تبقى خاضعة لرقابة القضاء اإلداري متى كانت‬
‫مشوبة بعيب تجاوز السلطة‪ ،‬ويجب أن تمارس في إطار القانون‪ .‬لذلك فهذه السلطة تبقى خاضعة لرقابة‬
‫القضاء اإلداري بغية ضمان السير المنتظم للمؤسسة التعليمية كمرفق إداري وتحقيق المصلحة العامة‬
‫التي تمثل الغاية األسمى من كل نشاط إداري من جهة وحماية الحقوق الفردية لألساتذة من جهة ثانية‪.‬‬
‫في هذا الصدد‪ ،‬فقد أوكل المشرع للمحاكم اإلدارية اختصاصات مهمة تتمثل في البت في طلبات إلغاء‬
‫القرارات الصادرة عن مفتشي التعليم بسبب عيب تجاوز السلطة‪ ،‬والذي يتحقق بمنطوق المادة ‪ 40‬من‬
‫القانون رقم ‪ 20/00‬المحدث للمحاكم اإلدارية عندما يصدر قرار إداري من جهة غير مختصة أو لعيب‬
‫في شكله أو النحراف في السلطة أو النعدام التعليل أو لمخالفة القانون بما يشكل تجاوزا في استعمال‬
‫السلطة‪ ،‬يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية المختصة‪.‬‬

‫‪ .1.2‬القرار اإلداري محل الطعن القضائي‬

‫الطعن في القرار اإلداري دعوى يرفعها صاحب الشأن من المدرسين أو غيرهم ممن خضعوا لزيارة‬
‫تفتيش نظامية أمام المحكمة المختصة طالبا ً إلغاء القرار اإلداري النهائي لسبب مخالفته للقانون من‬
‫حيث قواعد االختصاص أو الشكل أو اإلجراءات أو الخطأ في تفسير القانون واإلنحرافات وإساءة‬
‫إستعمال السلطة‪ .‬وما يميز دعوى الطعن في تقرير التفتيش كقرار إداري أنها تروم فحص مشروعية‬
‫تقرير التفتيش بصرف النظر عن الحقوق الشخصية لرافع الطعن‪ ،‬لكونها اختصاما ً للقرار اإلداري غير‬
‫المشروع بقصد حماية مبدأ المشروعية وخضوع تقرير التفتيش المطعون فيه لحكم القانون‪.4‬‬
‫وحيث إن الهدف الرئيسي من إخضاع تقرير التفتيش كقرار إداري للقانون وللرقابة القضائية هو تأمين‬
‫الحماية لحقوق المدرسين ضد تعسف السلطات الممنوحة لرجل التفتيش‪ ،‬فدعوى الطعن كغيرها من‬
‫الدعاوى تسعى إلى حماية المراكز القانونية الذاتية ألصحاب الشأن من اإلعتداء عليها من قبل الجهة‬
‫التي أصدرت القرار‪ .‬لذلك يعتبر الطعن في تقارير التفتيش وسيلة فعالة لممارسة الرقابة على عمل‬
‫مفتش التعليم وعلى اإلدارة بشكل عام وإجبار هذه األطراف على احترام القانون وخضوعها لمبدأ‬
‫المشروعية‪ ،‬وهو ما يفسر اتخاذ المشرع لكل الضمانات القانونية إلحاطة هذا الطعن بإجراءات خاصة‬
‫تميزه عن الدعوى المدنية‪ ،‬مثل رفع التظلم للجهة اإلدارية واشتمال عريضة الطعن على بيانات تختلف‬
‫أو تزيد عن بيانات الدعوى المدنية‪ ،‬كما حدد المشرع مددا ً محددة لرفع الطعن‪.‬‬
‫البد من التذكير في هذا الشأن بأن اإلجراءات المسطرية المتبعة في رفع الطعون اإلدارية الخاصة‬
‫بتقارير التفتيش تستوجب أوال رفع تظلم إداري بشأنها طلبا للجواب اإلداري حول الموضوع و أن يتم‬
‫ثانيا تقديم الطعن القضائي وفق شكليات تقديم الطعون و التي منها أن يكون الطعن مقدما من ذي صفة‬
‫(أستاذ ممارس) و مصلحة (أستاذ تضرر من القرار) و ضد من يجب قانونا (المفتش الذي أصدر‬
‫القرار) و داخل األجل القانوني المنصوص عليه بالمادة ‪ 40‬من القانون رقم‪ 00/20‬المحدث للمحاكم‬
‫اإلدارية مما يتعين قبوله شكال (ستون يوما ابتداء من تاريخ تسلم نسخة من تقرير التفتيش)‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫بعد استيفاء الطعن القضائي المرفوع أمام أنظار قاضي اإللغاء لهذه الشكليات يقوم قاضي اإللغاء‬
‫بفحص مشروعية قرار التفتيش الداخلية و الخارجية كما سنوضح ذلك انطالقا من عينة تقارير التفتيش‬
‫التي سنناقشها الحقا على سبيل المثال في هذا المقال و ذلك عن طريق التحقق أوال من صحة الوقائع‬
‫المدونة بتقرير التفتيش موضوع الطعن القضائي من حيث وجودها المادي من عدمه و عن طريق‬
‫التحقق ثانيا من سالمة اإلجراءات القانونية المتبعة من طرف مفتش المادة عبر التأكد من مدى احترامه‬
‫للقوانين المؤطرة إلجراء التفتيش المرتبطة بمهام و اختصاصات المفتش‪ .‬غاية افتحاص القاضي‬
‫اإلداري لهذين العنصرين (الوجود المادي للوقائع واحترام القوانين المؤطرة إلجراء المفتيش) إنما يتم‬
‫للتحقق من مدى خدمة تقرير التفتيش للغاية التي وضع من أجلها من عدمها والتي لن تتحقق إال باحتكام‬
‫سلطة المفتش التقديرية لواقعية ومعقولية األسباب الداعية التخاذ أية قرارات في حق المعنيين بزيارات‬
‫التفتيش (مثال اتخاذ قرار تخفيض نقطة التفتيش) وإال كان هذا التقدير مشوبا باإلنحراف في استعمال‬
‫السلطة‪ .‬ما نستخلصه من هذا المعطى هو أنه ال يمكن حد أو مخاصمة قرار التفتيش قضائيا من ناحية‬
‫المشروعية الداخلية إال بإثبات عيب االنحراف في السلطة أو تقديم أدلة على وقوع خطأ قانوني ومادي‬
‫واضح في تصرف المفتش‪ ،‬وهي العيوب التي عادة ما تتأسس عليها األحكام القضائية في حق قرارات‬
‫التفتيش المعيبة‪.‬‬
‫وإلن كان تحقيق الغاية هو جوهر تحقق المشروعية في قرار التفتيش‪ ،‬فإن هذه المشروعية لن تتحقق‬
‫إال بشرط ضمان الفعالية‪ .‬وفعالية تقرير التفتيش كقرار إداري تجد تبريرها في سالمة العالقة البنيوية‬
‫بين عناصره الثالثة والمتمثلة في أسبابه ومحله والغرض أو الغاية منه‪ .‬أو لنقل في مدى المالءمة‬
‫الموجودة بين أسبابه ومحله‪ .‬ويقصد في القانون اإلداري بمحل قرار التفتيش بصفته قرارا إداريا األثر‬
‫المباشر الذي يحدثه هذا القرار مباشرة سواء بإنشاء مركز قانوني أو تعديله أو إنهائه‪ .‬بالمقابل يحيد‬
‫ويزيغ تقرير التفتيش عن مشروعية إذا كان تقدير المالءمة فيه من الفداحة والوضوح ما ال يمكن‬
‫الحديث معه آنذاك عن تحقق ألي غرض‪ .‬يبقى التأكيد في هذا الباب على أن التحقق من فعالية تقرير‬
‫التفتيش ومشروعيته على ضوء هذا الثالوث ال يتم بفحص مشروعية كل ركن على حدة‪ ،‬وإنما يتم‬
‫بفحص شرعية العالقة بين كل األركان القانونية الثالثة والتي ال يمكن أن تتحقق إال بمالءمة بعضها‬
‫مع البعض كما سنوضح بتفصيل في الفقرات التالية من خالل مناقشتنا لجملة من عيوب المشروعية‬
‫التي تسم عينة من تقارير التفتيش التي اعتمدناها لهذا الغرض‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ .1‬عيوب تقارير التفتيش‪ :‬أمثلة للتوضيح‬
‫المثال األول‪ :‬قرار تفتيش صادر عن مفتش مادة اإلجتماعيات نموذجا (حالة تخفيض النقطة)‬
‫لنأخذ مثال تقرير تفتيش صادر عن مفتش مادة اإلجتماعيات على إثر زيارة تفتيش قام بها ألستاذ التعليم‬
‫الثانوي التأهيلي يعمل في منطقته التربوية و التي اتخذ قررا على إثرها بتخفيض نقطة التفتيش الممنوحة‬
‫لألستاذ بانتقاص ‪ 4‬نقط (من ‪ 17/20‬إلى ‪ ( 10/20‬علما أن النقطة األصلية (‪ )17/20‬منحت لألستاذ‬
‫بناء على تقرير تفتيش صادر عن مفتش سابق‪ .‬بعد تسلمه لنسخة من تقرير التفتيش تقدم األستاذ أوال‬
‫بتظلم إلى السيد المدير اإلقليمي مطالبا بإجراء تفتيش مضاد عليه لمعاينة أعماله التربوية وتنقيطه من‬
‫جديد إال أنه لم يتوصل برد عن تظلمه‪ .‬تقدم األستاذ بعد ذلك بواسطة دفاعه بمقال لدى كتابة الضبط‬
‫بالمحكمة اإلدارية عرض فيه أن السيد المفتش التربوي قام بزيارة تفتيش خفض على إثرها النقطة التي‬
‫كانت لديه بانتقاص ‪ 4‬نقط دون مبرر قانوني أو واقعي وأنه لم يتم التفاعل مع تظلمه وطلبه من طرف‬
‫الجهة اإلدارية الوصية ملتمسا من المحكمة إلغاء التقرير الصادر عن المفتش المؤطر نظرا لوجود‬
‫شطط في استعمال السلطة خاصة أنه كان مقترحا للترقية الداخلية وقتها‪.‬‬

‫مالحظات أولية حول النازلة‪:‬‬

‫استنادا على نسخة من تقرير التفتيش الذي توصل به األستاذ‪ ،‬علل السيد المفتش التربوي قراره‬ ‫‪.0‬‬
‫بتخفيض نقطة األستاذ بكونه (‪ )0‬ال يحضر اللقاءات التربوية المنظمة على صعيد المنطقة‬
‫التربوية و (‪ )4‬ال يحترم التوجيهات التربوية الخاصة بالمراقبة المستمرة (عدم تسليم فروض‬
‫المراقبة المستمرة لإلدارة) و (‪ )0‬يتغيب كثيرا عن مقر العمل و (‪ )2‬يصدر تصرفات غير‬
‫سوية داخل الفصل‪ .‬كما أن تقرير السيد المفتش ال يتضمن أية مالحظات تخص الدرس موضوع‬
‫الزيارة‪.‬‬
‫بناء على محتويات ملف األستاذ اإلداري‪ ،‬ال يتوفر األستاذ على أية تقارير زيارة صفية سابقة‬ ‫‪.4‬‬
‫من طرف السيد المفتش رغم قيام هذا األخير بإجراء زيارة صفية سابقا لألستاذ بفارق سبعة‬
‫أشهر عن زيارة التفتيش (الملف اإلداري الخاص بالطاعن يتضمن تقارير زيارة وتفتيش من‬
‫مفتش سابق‪ ،‬كلها تنوه بعمل األستاذ)‪.‬‬
‫بناء على إفادة السيد رئيس المؤسسة التعليمية لم يطلع السيد المفتش الجديد على ملف األستاذ‬ ‫‪.0‬‬
‫أو يلتقي بالسيد مدير المؤسسة التعليمية بتاريخ زيارة التفتيش رغم تواجد السيد مدير المؤسسة‬
‫بمكتبه‪ .‬كما أن السيد رئيس المؤسسة نوه بسلوك األستاذ المهني داخل المؤسسة التعليمية (منح‬
‫األستاذ المعني نقطة ‪ 20/40‬في بطاقة التنقيط الخاصة بالترقية باالختيار( ‪.‬‬
‫بناء على شهادة زمالء األستاذ تم إثبات وجود نزاع شخصي بين السيد المفتش واألستاذ مرده‬ ‫‪.2‬‬
‫إلى خصام وقع أثناء أيام تكوينية بين الطرفين مرده تشكيك السيد المفتش العلني في شواهد‬
‫الدكتوراه التي بحوزة بعض أساتذة المادة ما اعتبره األستاذ قذفا في تكوينه األكاديمي (نسخة‬
‫من بيان لهيئة نقابية في الموضوع)‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫لنخاصم اآلن تقرير السيد المفتش التربوي موضوع الطعن القضائي وذلك من منظور اجتهادات القضاء‬
‫اإلداري في الموضوع ولنحاول الحكم على مشروعية قرار التفتيش انطالقا من األركان البنيوية التي‬
‫أشرنا إليها أعاله (السبب والمحل والغرض)‪ .‬من أجل ذلك سنعمد إلى مناقشة مدى جواز محل قرار‬
‫التفتيش الصادر عن السيد المفتش التربوي في حق الطاعن من الناحية القانونية ومدى تناسب محل‬
‫قرار التفتيش وأسبابه المادية والقانونية (إن وجدت)؟ قصدنا من جهة أن نقدم توضيحا بخصوص‬
‫األمور التي يقوم بها قاضي اإللغاء في إطار ممارسة الرقابة القضائية عند مخاصمة تقرير التفتيش‬
‫موضوع الطعن القضائي ومن جهة أخرى وهي األهم تبيان أهم مظاهر وعيوب المشروعية التي‬
‫تعتري الكثير من تقارير التفتيش في قطاع التربية والتكوين (وهي بالمناسبة أمثلة عن العيوب التي‬
‫صدرت بحقها رزمانة من األحكام القضائية في مجال دعاوى اإللغاء المتعلقة بقرارات التفتيش في‬
‫القطاع)‪ .‬أملنا أيضا أن تكون هذه المالحظات مرجعية صلبة لتقديم اقتراحات عملية لتقوية الجوانب‬
‫التربوية والبيداغوجية والقانونية لتقارير التفتيش الصادرة عن مفتشي التعليم وبالتالي تحصين هذه‬
‫التقارير وتمكينها من تحقيق الغرض الذي وضعت من أجله على مستوى المنظومة ككل‪.‬‬
‫قبل ذلك‪ ،‬من الضروري أن نؤكد على أمرين هامين بخصوص هذه النازلة خاصة وأننا نتناول‬
‫الموضوع من وجهة نظر القضاء اإلداري ومن المهم أن نذكر ببعض الشكليات واإلجراءات المسطرية‬
‫الواجب احترامها في هذا الشأن سواء من جهة الطاعن أو من جهة المدعى عليه لما لها من تأثير مباشر‬
‫على قبول دعوى الطعن وعلى الحكم القضائي النهائي (على األقل شكال) بشأن القضية المطروحة‪0‬‬
‫‪ .0‬احترم الطاعن الشكليات و اإلجراءات المسطرية القبلية لرفع الطعن القضائي حيث تقدم أوال‬
‫بتظلم إداري و بطلب تفتيش مضاد لجهة اإلختصاص (الوزارة الوصية من خالل مراسلة‬
‫المديرية اإلقليمية) عمال بالقاعدة القانونية التي تقول أن المنازعة في النقطة التي يمنحها مفتش‬
‫التعليم ال تكون مبررة إال عن طريق المطالبة بإجراء تفتيش مضاد يعتبر بمثابة المطالبة بحق‬
‫اإلستفادة من تحكيم خارجي (عادة من طرف مفتش آخر غير الذي أجرى التفتيش موضوع‬
‫الطعن أو لجنة تفتيش في إطار انتداب من طرف الجهة المختصة سواء المديرية اإلقليمية أو‬
‫األكاديمية الجهوية للتربية و التكوين أو وزارة التربية الوطنية‪ ،‬مع تحديد موضوع االنتداب‬
‫وفقا للمسطرة القانونية الجاري بها العمل في هذا الشأن)‪.‬‬
‫‪ .4‬تقدم األستاذ بطعن قضائي داخل األجل القانوني (داخل أجل ستين يوما) و لجهة اإلختصاص‬
‫(المحكمة اإلدارية) بحكم كون المحاكم اإلدارية حسب مقتضيات القانون رقم ‪ 00-20‬المحدث‬
‫بموجبه هذه المحاكم تختص بالبث ابتدائيا في طلبات إلغاء القرارات اإلدارية بسبب تجاوز‬
‫السلطة (المادة ‪ ،)7‬و بحكم كون كل قرار إداري صدر لعيب في شكله أو النحراف في السلطة‬
‫أو النعدام التعليل أو لمخالفة القانون‪ ،‬يشكل تجاوزا في استعمال السلطة‪ ،‬يحق للمتضرر الطعن‬
‫فيه أمام الجهة القضائية اإلدارية المختصة (المادة ‪.)40‬‬

‫أخذا بعين اإلعتبار هذه المالحظات فإن المتفحص والمحلل لسرد الوقائع التي ضمنها السيد المفتش‬
‫التربوي تقريره تبعا لزيارته الصفية لألستاذ المعني بزيارة التفتيش‪ ،‬يستخلص بيسر أن هناك ثالث‬
‫عيوب تعتري قرار التفتيش الصادر عن السيد المفتش باعتبارها كلية عيوبا وأوجها لمخالفة القانون‪0‬‬
‫عيب مخالفة القاعدة القانونية وعيب السبب وعيب اإلنحراف في استعمال السلطة (الغلو)‪ .‬فما الذي‬
‫نعنيه بهذه العيوب وما هي أوجه تحققها في تقرير التفتيش الصادر عن السيد مفتش المادة؟‬

‫‪12‬‬
‫أوال‪ :‬عيب مخالفة القاعدة القانونية‬
‫من المتعارف عليه في الفقه اإلداري المرتبط بدعاوى إلغاء قرارات التفتيش الصادرة عن مفتشي‬
‫منظومة التربية والتكوين أنه من اإلجراءات الهامة التي يعتمدها القضاء اإلداري لمخاصمة مشروعية‬
‫تقارير التفتيش باعتبارها قرارات إدارية أن يفحص مدى موافقة تقرير التفتيش من حيث موضوعه‬
‫لمضمون القواعد القانونية المعمول بها في مجال المراقبة التربوية‪ .‬بالمقابل‪ ،‬فإنه يعتبر من أسباب‬
‫الطعن بوجه خاص أن يتضمن تقرير التفتيش خرقا ً أو مخالفة للقانون واإلجراءات النظامية الصادرة‬
‫عن الجهات الوصية في مجال اختصاص مفتش التعليم‪.‬‬

‫تبعا لذلك‪ ،‬ومن خالل توصيف الحيثيات التي أسس عليها السيد المفتش قراره نالحظ أوال أن السيد‬
‫المفتش قام بزيارة تفتيش لألستاذ المعني أرسل بعدها تقرير تفتيش ال يتضمن أية مالحظات تهم الدرس‬
‫الذي قدمه األستاذ أو وثائقه التربوية‪ .‬بالمقابل تضمن تقرير التفتيش فقرتين تشيران إلى أن األستاذ‬
‫(‪ )0‬ال يحضر اللقاءات التربوية المنظمة على صعيد المنطقة التربوية و (‪ )4‬يتغيب كثيرا عن مقر‬
‫العمل و (‪ )0‬يصدر تصرفات غير سوية داخل الفصل و (‪ )2‬ال يحترم التوجيهات التربوية الخاصة‬
‫بالمراقبة المستمرة‪ .‬لم يتم اإلشارة كذلك في تقرير التفتيش ألثر هذه "المخالفات" المنسوبة لألستاذ على‬
‫العملية التعليمية التعلمية داخل الفصل الدراسي أو على سير المقرر الدراسي أو على الدرس موضوع‬
‫المالحظة‪.‬‬

‫بالنظر إلى المالحظات أعاله كما تم سردها في تقرير السيد المفتش يمكننا أن نعيب على قرار التفتيش‬
‫الصادر في حق األستاذ كخطوة أولى مخالفته المباشرة للقاعدة القانونية المعمول بها في مجال المراقبة‬
‫التربوية كما أوردها المشرع في المذكرة الوزارية رقم ‪ 422‬الصادرة بتاريخ ‪ 40‬دجنبر ‪ 0070‬في‬
‫شأن مراقبة الوثائق المدرسية‪ .‬تنص هذه المذكرة على ضرورة أن يخصص المفتشون خالل زيارات‬
‫التفتيش الصفية وقتا كافيا لمراقبة وافتحاص وثائق المدرسين التعليمية مع إبداء مالحظاتهم وتوجيهاتهم‬
‫بشأنها واعتبارها ضمن العناصر التي يستند إليها في تنقيط األساتذة‪ .‬في نفس اإلطار فقد نصت المذكرة‬
‫الوزارية رقم ‪ 74‬بتاريخ ‪ 40‬مايو‪ 0074‬في توجيهها الثالث المتعلق بتحديد مهام التفتيش على أن تقييم‬
‫مردودية المدرس و الذي يعتبر أحد أوجه مراقبة المفتشين لسير الدراسة داخل األقسام يجب أن يتأسس‬
‫على عناصر مادية تهم أوال تقييم الدرس المقدم من طرف األستاذ و ثانيا على مراقبة الوثائق التربوية‬
‫الخاصة بالمدرس ( دفاتر النصوص و دفاتر التالميذ و ملفات التمارين و أوراق التنقيط و الفروض)‪،‬‬
‫باإلضافة للعناصر المعنوية و المتمثلة في أية عناصر أخرى قد يراها المفتش بحكم سلطته التقديرية‬
‫مناسبة و ذات أهمية للدرس‪ .‬كما أن المذكرة الوزارية رقم د‪ 0074-4-‬بتاريخ ‪ 44‬يناير‪0074‬‬
‫(والمستندة على المذكرة رقم ‪ 024‬بتاريخ ‪ 02‬نونبر ‪ )0074‬والمذكرة الوزارية رقم ‪ 002‬الصادرة‬
‫بتاريخ ‪ 40‬شتنبر ‪ 4002‬في موضوع تنظيم التفتيش التربوي للتعليم الثانوي نصت على أن يكون‬
‫التقويم شموليا وموضوعيا مبنيا على التأطير والتشجيع واإلرشاد وهو ما ال يمكن أن يتم دون إجراء‬
‫زيارات تأطيرية قبلية تروم تتبع سير العملية التربوية التعليمية وسير إيقاعات التعلم الصفية وغيرها‬
‫من العناصر الجوهرية‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫إال أنه يجب التذكير بأمر هام بخصوص مقتضيات النصوص التنظيمية المذكورة أعاله و هو أنه و إن‬
‫خولت مفتش التعليم هامشا كبيرا لتعزيز تقديره بأية عناصر أخرى قد يراها ذات أهمية بحكم سلطته‬
‫التقديرية فقد شددت بالمقابل على أهمية أن تكون هذه العناصر التقديرية اإلضافية مستوفية أوال لركن‬
‫اإلطراد (أي التالزم في الثبوت‪ ،‬مع اعتبار اإلطراد في المنطق يوجب الحكم لوجود العلة) و ثانيا لركن‬
‫اإلرتباط و ذلك بأن تكون الوقائع المسجلة في تقرير التفتيش أسبابا رئيسية مؤثرة بشكل مباشر على‬
‫العملية التعليمية المرصودة وقت الزيارة الصفية‪ ،‬و إال اعتبرت مجرد متغيرات تشويش تعيب فعالية‬
‫التقرير و تحد من مشروعية أي قرار يمكن أن يبنى عليها‪.‬‬

‫خالفا للمقتضيات التنظيمية التي أتت بها المراجع الرسمية أعاله‪ ،‬فقد تصرف السيد المفتش خارج‬
‫الضوابط الشرعية وتجاهل بشكل مباشر القاعدة القانونية التي تنص على أن عملية تنقيط المدرس خالل‬
‫زيارات التفتيش يجب أن تستند على تقدير موضوعي لمجموع عناصر األداء التربوي والمهني المالحظ‬
‫خالل الزيارة بشكل مباشر‪ 0‬أي أن تتأسس النقطة العددية التي يمنحها المفتش لألستاذ المعني بزيارة‬
‫التفتيش على تقدير فعالية المدرس اإلنتاجية وغيرها مما له عالقة بالمردودية واألداء التربوي لألستاذ‪.‬‬
‫على عكس ذلك‪ ،‬تجاهل السيد المفتش في تقريره اإلشارة إلى هذه العناصر (الوثائق التربوية والدرس‬
‫المقدم) واستند على عناصر فاقدة لركني اإلطراد واإلرتباط‪ .‬قد يكون مبررا ومشروعا أن يشير تقرير‬
‫التفتيش لتغيبات األستاذ إن وجدت على أساس أن يوضح أثرها على سير الدراسة وتحقق األهداف‬
‫مثال‪ ،‬إال أن الحكم على تغيبات األستاذ كمؤشر عن طبيعة سلوكه المهني داخل المؤسسة دون ربط هذه‬
‫التغيبات بالنشاط التربوي الصفي وبمردودية األستاذ أو درجة استفادة المتعلمين من زمن التعلمات‬
‫الصفية معيب من عدة زوايا‪.‬‬

‫فمن جهة يدخل هذا اإلجراء ضمن اختصاصات رئيس المؤسسة باعتباره المسؤول الشرعي عن‬
‫التنظيم التربوي والسير العادي للمؤسسة التعليمية وبالخصوص غيابات المدرسين‪ .‬فالمرسوم‬
‫رقم ‪ 1367-05-2‬الصادر في ‪ 40‬من شوال ‪ 4( 0244‬ديسمبر ‪ )4002‬بتحديد مسطرة تنقيط‬
‫وتقييم موظفي اإلدارات العمومية و طبقا لمقتضيات الفصلين ‪ 47‬و‪ 02‬من الظهير الشريف رقم ‪008-‬‬
‫‪ 58-1‬الصادر في ‪ 2‬شعبان ‪ 42( 0044‬فبراير ‪ )0027‬ينص على أن تنقيط الموظف وتقييم نشاطه‬
‫المهني يتم من طرف رئيس المؤسسة التعليمية وفق الشروط والكيفيات المحددة في هذا المرسوم حيث‬
‫يمنح كل أستاذ سنويا نقطة عددية من ‪ 0‬إلى ‪ ،40‬وذلك بناء على عناصر التنقيط الخمسة و التي من‬
‫بينها سلوكه المهني و مواظبته (الباب األول الخاص بالتنقيط‪ ،‬المادة ‪ .)4‬موازاة مع ذلك‪ ،‬أوكلت‬
‫المذكرة الوزارية رقم ‪ 022‬الصادرة بتاريخ ‪ 04‬شتنبر ‪ 4000‬في موضوع تأمين الزمن المدرسي‬
‫وزمن التعلم وفي إطار إرساء ثقافة الرصد والتتبع بالمؤسسات التعليمية (أوكلت) مهمة ضبط وتسجيل‬
‫تغيبات المدرسين واستثمارها لرئيس المؤسسة واعتبرته مدخال أساسيا من مجموع المداخل المعتمدة‬
‫في بناء عدة تأمين الزمن المدرسي‪ .‬ارتباطا مع ذلك‪ ،‬أوكل المشرع تنقيط عنصر غيابات المدرسين‬
‫في إطار التنقيط الخاص بالترقية في الدرجة للسادة رؤساء المؤسسات التعليمية وليس للمفتشين كما‬
‫تشير لذلك مثال المذكرة رقم ‪ 002-40‬بتاريخ ‪ 04‬أبريل ‪ 4040‬في شأن الترشيح للترقي في الدرجة‬
‫باالختيار برسم سنة ‪.4040‬‬

‫‪14‬‬
‫ما يستشف من المرجعيات القانونية أعاله هو أن مهمة تقييم األداء الصفي للمدرس والتي جعلها المشرع‬
‫من اختصاص هيئة المراقبة التربوية ال يمكن أن تتم إال استنادا على معايير موضوعية تهم أساسا فعالية‬
‫المدرسين اإلنتاجية ومردوديتهم وأدائهم التربوي‪ .‬وبالتالي فإن تنقيط السيد المفتش للطاعن بناء على‬
‫عنصر الغياب هو في الحقيقة اعتداء واضح من طرفه على اختصاصات رئيس المؤسسة التعليمية‪ ،‬ما‬
‫يجعل من قرار تخفيض نقطة األستاذ استنادا على تغيباته المفترضة عن مقر العمل قرارا معيبا بسبب‬
‫خطأ عدم االختصاص الموضوعي وبالتالي باطال النعدام مشروعيته‪.‬‬

‫لن نناقش هنا مدى كون مخالفة السيد المفتش للقاعدة القانونية المتعلقة بالمراقبة التربوية مخالفة عمدية‬
‫أم غير عمدية‪ ،‬إال أن قرار التفتيش الصادر عنه في الحقيقة يبقى معيبا ليس فقط لمخالفته قاعدة قانونية‬
‫جوهرية في مجال المراقبة التربوية أو العتماده قرائن تدين اختصاصه الموضوعي‪ ،‬ولكنه معيب أيضا‬
‫بسبب انتفاء الوجود المادي والقانوني للوقائع التي تأسس عليها باألساس‪ ،‬وهو ما سنوضحه فيما يلي‬
‫من خالل مناقشة وجه آخر من أوجه مخالفة قرار التفتيش أعاله للقانون وهو عيب السبب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬عيب السبب‬
‫من المتعارف عليه قانونا أن من مقتضيات مبدأ المشروعية في تقرير التفتيش أن يكون أي قرار متخذ‬
‫من طرف السيد المفتش من خالل هذا التقرير موافقا ً من حيث الموضوع لمضمون القواعد القانونية‬
‫المؤطرة للقيام بالمهام الموكولة إليه‪ ،‬وبالتالي يعتبر من أسباب الطعن بوجه خاص أن يتضمن قرار‬
‫السيد المفتش خرقا ً أو مخالفة للقانون والقواعد القانونية الجاري بها العمل‪ .‬ولعل الرأي المستقر فقها‬
‫وقضاء أن عدم قيام تقرير التفتيش كقرار إداري عن أية حالة واقعية أو قانونية دفعت إلى إصداره‬
‫يجعل القرار مشوبا بعيب السبب‪ ،‬فيكون بذلك جديرا باإللغاء‪.‬‬
‫بناء على هذه القاعدة القانونية‪ ،‬وبالنظر لطبيعة المالحظات التي أسس عليها السيد المفتش قراره‬
‫بتخفيض نقطة التفتيش الخاصة بالطاعن نتسائل‪ 0‬ما مدى مشروعية الوقائع أو الظروف المادية التي‬
‫دفعت السيد المفتش الصدار تقريره؟‬
‫إن المتفحص للحيثيات التي أسس عليها السيد المفتش قراره بتخفيض نقطة األستاذ المعني بزيارة‬
‫التفتيش يالحظ أن قرار التفتيش الصادر في حق الطاعن معيب أيضا لتخلف ركن السبب‪ .‬ونظرا لكون‬
‫عيب التسبيب أو التعليل المتمثل في تخلف ركن السبب في تقرير التفتيش يبقى من بين أبرز مسببات‬
‫الطعن فيه وإلغائه قضائيا‪ ،‬فإن تقرير السيد المفتش معيب من ناحيتين‪ .‬فمن جهة‪ ،‬فقرار تخفيض نقطة‬
‫التفتيش غير معلل قانونا لعدم قيامه على عناصر قانونية وواقعية كافية من داخل الفصل تبرر إصداره‬
‫أو تحمل السيد المفتش على التدخل قصد إصدار قراره‪ .‬فالمفتش قام بتخفيض نقطة األستاذ إدعا ًء بأن‬
‫األستاذ ال يولي اهتماما للتوجيهات التربوية المقدمة سلفا في حين أنه ال وجود إلثبات هذه التوجيهات‬
‫بدليل عدم وجود أي تقرير زيارة سابق من المفتش يوضح هذه التوجيهات رغم قيام المفتش بإجراء‬
‫زيارة صفية لألستاذ سابقا‪ .‬كما أنه من بين الوقائع الواردة بتقرير السيد المفتش أن األستاذ يخل بواجباته‬
‫الوظيفية دون أن يوضح السيد المفتش الوقائع المادية التي تساهم في إثبات صحة ذلك‪ .‬على العكس من‬
‫ذلك‪ ،‬يتوفر األستاذ على تقارير زيارة وتفتيش من مفتش سابق كلها تنوه بأدائه المهني‪ ،‬وهو ما عززه‬
‫السيد مدير المؤسسة بتقديمه إلفادة موثقة تم تضمينها بملف الدعوة‪ .‬فخلو ملف األستاذ اإلداري من أية‬
‫مخالفات مهنية موثقة يعتبر قرينة واضحة تعزز طعنه القضائي ضد تقرير السيد المفتش‪ .‬واعتبارا‬
‫لكون القرينة في تعريف القانون اإلداري تعتبر استخالصا ألمر مجهول من أمر معلوم على أساس أنه‬
‫إذا تحقق وجود هذا األمر المعلوم كان الغالب وجود هذا األمر المجهول‪ ،‬فإن وجود ما ادلى به ذوو‬

‫‪15‬‬
‫الشأن في حضور الطاعن من تقارير إيجابية في ملف األستاذ يؤخذ قرينة قاطعة ودليل إثبات على‬
‫حسن سلوكه المهني‪.‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬يبقى تقرير التفتيش الصادر في حق الطاعن معيب من حيث جهة تسبيبه ألن قرار‬
‫تخفيض نقطة التفتيش تأسس على أسباب غير مشروعة‪ .‬فالمشرع وفي إطار ضمان إجراء تقييم‬
‫موضوعي لألداء المهني الصفي للمدرسين قدد حدد عناصر معينة يجب أن يسند إليها مفتش التعليم في‬
‫إصدار تقارير التفتيش التي يقوم بها‪ .‬فإذا استند المفتش في إصدار تقريره إلى أسباب غير تلك التي‬
‫حددها الشرع فإن قراره يكون مستحقا لإللغاء لعدم مشروعيته‪.‬‬

‫استنادا على هذا المعطى‪ ،‬و في إطار سعي القضاء للبحث في مدى مشروعية تقرير التفتيش المطعون‬
‫فيه وفي أصولية أسبابه القانونية وانسجامه مع متطلبات الصالح العام فإن القاضي اإلداري وفي مجال‬
‫بسط رقابته على السلطة التقديرية الممنوحة للسيد المفتش لم يكتف بالتأكد من كون السبب موجودا‬
‫حقيقة (تغيبات األستاذ مثال) بل بحث في مدى كونه صحيحا ومبررا التخاذ قرار تخفيض نقطة التفتيش‬
‫الخاصة بالطاعن ألنه وإن كان السيد المفتش كقاعدة عامة غير ملزم بتسبيب قراره‪ ،‬فإنه بمقابل ذلك‬
‫ملزم بأن يبني قراره على أسباب صحيحة وحقيقية‪.‬‬

‫بقي أن نشير في هذا الشأن إلى أمر هام في مجال فحص ركن السبب أال وهو طبيعة األسباب التي‬
‫يمكن أن تكون على غاية األهمية للحكم على مشروعية تقرير التفتيش بين أيدينا‪ .‬فالسيد المفتش أسس‬
‫حكمه من زاوية نظره على أسباب هي في تقديره أسباب صحيحة ومشروعة‪ .‬أي أنها األسباب الدافعة‬
‫التخاذ قرار تخفيض نقطة التفتيش‪ .‬لكن والحال هذه ومن منظور قاضي اإللغاء هذه األسباب غير‬
‫مشروعة إذ تبين أن األسباب الدافعة أو الرئيسية التي حذت بالسيد المفتش التخاذ قراره هو الخصام‬
‫الذي حدث أيام الدورة التكوينية والتي هدد فيها المفتش علنا األستاذ الطاعن‪ ،‬ما يجعل من الوقائع‬
‫المتضمنة بتقرير التفتيش الصادر عنه أسبابا بعيدة عن واقع األمر وبالتالي تصبح أسبابا معيبة وغير‬
‫صحيحة‪ .‬وطالما هناك أسباب أخرى هي األسباب الدافعة أو الرئيسية في إصدار القرار فهي سند‬
‫قانوني آخر يبرر الحكم بإلغاء قرار السيد المفتش‪.‬‬

‫نختم مالحظاتنا حول عيب التسبيب الذي بسطنا جوانبه أعاله بالتذكير بأن رقابة القضاء اإلداري على‬
‫ركن السبب في الحالة التي نناقشها اآلن تتخذ منحيين رقابيين‪ .‬فمن ناحية يسعى القاضي اإلداري كأول‬
‫درجات الرقابة القضائية على ركن السبب في تقرير التفتيش لبسط رقابته على الوجود المادي للوقائع‬
‫التي ا ستند عليها السيد المفتش التخاذ قراره بتخفيض نقطة األستاذ (موجودة أم غير موجودة‪ ،‬دافعة أم‬
‫ثانوية)‪ .‬كما أن قرار تخفيض نقطة التفتيش الممنوحة للطاعن صدر باالستناد إلى أسباب تبين أنها غير‬
‫صحيحة وظهر من أوراق الدعوى أن هناك أسباب أخرى هي الدافع‪ ،‬لذلك كان تقرير التفتيش جديرا‬
‫باإللغاء النتفاء الوقائع المادية والقانونية التي استند عليها‪ .‬فما قام به قاضي اإللغاء في الدعوى‬
‫المعروضة علينا هو أنه تحقق أوال من وجود الوقائع التي استند إليها السيد المفتش في إصدار قراره‬
‫فتبين من خالل البحث أن هذه الوقائع معيبة وال تؤدي منطقيا إلى القرار المتخذ‪ ،‬وهي قرينة واضحة‬
‫على أن السيد المفتش قد أخطأ في تكييفه القانوني لهذه الوقائع مما يبرر الحكم بإلغاء القرار المتخذ في‬
‫حق األستاذ الطاعن لوجود عيب في تسبيب القرار‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬وباإلضافة إلى ممارسة رقابته على الوجود المادي وعلى الوصف القانوني للوقائع‪،‬‬
‫توخى قاضي اإللغاء فحص مدى مالئمة أو تناسب قرار السيد المفتش والوقائع التي دفعت إلى إصداره‬
‫لقراره رغم أن األصل أن ال تمتد رقابة القضاء اإلداري لتشمل البحث في مدى تناسب الوقائع التي‬
‫استند عليها السيد المفتش مع القرار الذي اتخذه بناء عليها (أي تخفيض نقطة األستاذ) الن تقدير أهمية‬
‫الوقائع وخطورتها مسألة تدخل في ضمن نطاق السلطة التقديرية للسيد المفتش‪ .‬كما أن قاضي اإللغاء‬
‫لم يقم ببسط رقابته على عنصر التناسب إال ألن مشروعية أي قرار التفتيش تبقى رهينة أال يشوب‬
‫التقرير غلو أو عدم مالئمة بين الوقائع أو األخطاء المهنية والقرارات المتخذة من طرف السيد المفتش‬
‫في شأنها‪.‬‬

‫من جهة أخرى ومما ال شك فيه‪ ،‬إذا كانت عالقة المفتش باألساتذة التابعين له على مستوى منطقته‬
‫التربوية هي عالقة قانونية‪ ،‬فإنه ينتج عنها بالضرورة تقرير عن كل زيارة صفية لألستاذ المعني‬
‫بالزيارة‪ .‬فالمفتش تجاهل القاعدة القانونية واألخالقية التي تنص على أسبقية التوجيه واإلرشاد والتأطير‬
‫على التقييم والجزاء‪ .‬لذلك تنص المذكرة الوزارية رقم ‪ 002‬بتاريخ ‪ 40‬شتنبر ‪ 4002‬على أن يحرر‬
‫المفتش عقب كل زيارة صفية تقرير زيارة يتضمن مالحظاته بشأن األداء المهني لألستاذ باإلضافة‬
‫لتوجيهاته ال تربوية لمساعدة المدرس في تذليل الصعوبات الديداكتيكية والبيداغوجية المرصودة‪ ،‬وهو‬
‫ما يدخل في إطار التأطير التربوي الذي لم يستفد منه الطاعن بشكل مستمر‪ .‬تبعا لذلك‪ ،‬فإن قيام السيد‬
‫المفتش بزيارة صفية لألستاذ الطاعن دون إصدار أي تقرير زيارة بشأنه وتخفيض نقطة األستاذ خالل‬
‫زيارة التفتيش بدعوى مخالفته للتوجيهات التربوية الخاصة بالمادة دون تبرير لوجود هذه التوجيهات‬
‫ودون سابق إنذار أو توجيه موثق من المفتش يجعل تصرف المفتش غير مبرر ومخالف للقانون‪.‬‬

‫ارتباطا مع ذلك‪ ،‬تقرن المذكرة الوزارية رقم ‪ 002‬بتاريخ ‪ 40‬شتنبر ‪ 4002‬في موضوع تنظيم‬
‫التفتيش التربوي للتعليم الثانوي كل تقويم موضوعي ألداء المدرسين بكمية ونوعية الزيارات الصفية‬
‫التي يجب أن يقوم بها المؤطر التربوي على مستوى منطقة التفتيش المسندة اليه‪ .‬كما أن هذه الزيارات‬
‫حسب هذه المذكرة تبقى من أدوات استكشاف واقع السيرورة التعليمية‪ ،‬ومن وسائل توفير شروط‬
‫تحسين الجودة بالمؤسسة التعليمية‪ .‬لذلك يعتبر من أخالقيات التأطير التربوي أنه عند رصد حاالت‬
‫تربوية أثناء الزيارات الصفية قد يراها المؤطر التربوي بحسب سلطته التقديرية ال تستجيب لما هو‬
‫مطلوب قانونا أن يتم دراسة الحالة كحالة تربوية وتقديم مقترحات عملية لمعالجتها تربويا بدل اللجوء‬
‫للزجر والعقاب دون توافر شروطه ومسبباته‪ .‬لذلك أكد المجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‬
‫في الوثيقة اإلصالحية (الرؤية اإلستراتيجية لإلصالح ‪-4000/4002‬المادة ‪ )22‬على أهمية تأطير‬
‫األساتذة وتنشيطهم ومواكبتهم بكل وسائل الدعم والتكوين والمساعدة البيداغوجية مع السهر على التنمية‬
‫المستمرة لكفاياتهم المهنية من زيارات التأطير والتوجيه واإلرشاد قبل اصدار أي قرار زجري بحقهم‪.‬‬
‫وحتى وإن استحق أي موظف التأديب بسبب إخالله بواجباته المهنية فإنه وحسب حيثيات قرار المجلس‬
‫االعلى رقم ‪ 42‬الصادر ‪ 00‬ماي ‪ 0047‬ومقتضيات الفصلين ‪ 44‬و‪ 44‬من ظهير ‪ 42‬فبراير ‪0027‬‬
‫المعد بمثابة النظام االساسي العام للوظيفة العمومية فإنه ال مناص من ضرورة احترام الضمانات‬
‫التأديبية الممنوحة شرعا للموظف قبل اتخاذ أية عقوبة ضده‪ .‬وحيث ال يوجد بالملف اإلداري الخاص‬
‫بالطاعن ما يثبت هذا التوجيه والتأطير المنصوص عليه قانونا قبل صدور قرار تخفيض النقطة في‬

‫‪17‬‬
‫حقه‪ ،‬مع عدم صحة الوقائع المتضمنة بتقرير التفتيش فإن قرار التفتيش المطعون فيه يبقى مشوبا‬
‫بالشطط في استعمال السلطة‪.‬‬

‫حتى لو سلمنا جدال بكون غيابات المدرس إن وجدت قد تؤثر سلبا على مردوديته أو فعالية نشاطه‬
‫التربوي أو على مردودية المتعلمين‪ ،‬كان من األجدر بالمفتش القيام بأمرين هامين على سبيل إثباث‬
‫حسن النية‪ 0‬أوال أن يوضح من خالل تقريره األثر السلبي المالحظ لهذه التغيبات على سير العملية‬
‫التعليمية التعلمية أو على تغطية المقرر الدراسي أو على مردودية النشاط التعلمي‪ ،‬وهو ما لم يشر إليه‬
‫في تقريره‪ .‬ثانيا أن يتأكد من الوجود الفعلي لهذه التغيبات بحيث كان عليه مثال اإلتصال برئيس المؤسسة‬
‫للتأكد من مدى مواظبة المدرس كعنصر من عناصر الحكم على سلوكه المهني‪ ،‬وهو ما لم يقم به أيضا‪.‬‬
‫على العكس من ذلك‪ ،‬فقد خالف السيد المفتش اإلجراءات المسطرية الشكلية التي نصت عليها المذكرة‬
‫رقم ‪ 004‬بتاريخ ‪ 7‬يونيو ‪ 0002‬بشأن العالقات بين السادة المفتشين ورؤساء المؤسسات التعليمية‬
‫وذلك بالتوجه مباشرة لقسم األستاذ دون المرور بالسيد مدير المؤسسة رغم تواجد هذا األخير وقت‬
‫الزيارة الصفية‪.‬‬

‫أما بخصوص االدعاء بتغيب األستاذ عن اللقاءات التربوية المنظمة داخل المنطقة التربوية فقد أثبت‬
‫الطاعن عدم صحته بإدالئه بشواهد طبية سليمة تبرر سبب عدم إمكانية حضوره للندوتين التربويتين‬
‫المنظمتين من طرف السيد المفتش‪ ،‬وهو ما يفسر قانونا لصالح األستاذ استنادا لوجود ما يسمى بالقوة‬
‫القاهرة والتي حالت دون قيامه بواجباته الوظيفية المعتادة‪ .‬لذلك ال يمكن محاسبة الطاعن على عدم‬
‫حضوره اللقاءات التربوية ألنه أثبت من خالل الشواهد الطبية المسلمة لإلدارة وجود قوة قاهرة (مرض)‬
‫تمنعه من االلتحاق بعمله أو حضور أي لقاء تربوي خاص بالمادة‪ .‬وصلة بالموضوع‪ ،‬أثبت الطاعن‬
‫أن أساتذة المادة لم يتوصلوا بأية دعوة رسمية من السيد المفتش عن طريق السلم اإلداري لحضور‬
‫اللقائين التربويين‪ ،‬رغم إطالع السيد مدير المؤسسة المنتظم على بريد المراسالت الخاص بالمؤسسة‪،‬‬
‫بل كانت الدعوة فقط عن طريق مكالمة هاتفية في الموضوع وذلك يومين فقط عن التاريخ الفعلي لتنظيم‬
‫الندوتين‪ ،‬و هو ما فيه ضرب لما تقتضيه النصوص التشريعية المنظمة للتراسل اإلداري التي تترك‬
‫حيزا زمنيا كافيا للتواصل و اإلشعار‪ .‬أضف الى ذلك خلو الملف اإلداري الخاص باألستاذ من أية‬
‫استفسارات أو تنبيهات حول سلوكات غير إدارية أو تغيبات غير مبررة أو من رخص طبية تؤشر على‬
‫تملصه من واجباته المهنية‪ .‬يبقى أن نشير إلى كون الشواهد الطبية التي أدلى بها األستاذ تم اعتبارها‬
‫سندات رسمية صادرة عن السلطات الصحية المختصة في حدود اختصاصها‪ ،‬كما أنها تحترم الشكليات‬
‫القانونية التي تنص عليها القوانين المنظمة للرخص‪ .‬لذلك كانت مستندات رسمية وأدلة إثبات قوية‬
‫عززت ملف الطاعن ضد ادعاءات السيد المفتش وكانت قرائن واضحة تدين السيد المفتش بالشطط في‬
‫استعمال السلطة واإلخالل بالواجب والخطأ المهني‪.‬‬

‫حتى لو سلمنا بصحة اإلدعاء الوارد بتقرير التفتيش بخصوص تغيبات األستاذ عن اللقاءات التربوية‪،‬‬
‫فالسيد المفتش لم يطبق فحوى المذكرة رقم ‪ 400‬بتاريخ ‪ 42‬دجنبر ‪ 0000‬في موضوع الندوات‬
‫التربوية والتي تنص على ضرورة إخبار المديرية بتغيب األساتذة عن اللقاءات التربوية التخاذ‬
‫اإلجراءات الالزمة‪ .‬فاألستاذ لم يتوصل بأي استفسار من المديرية حول هذه الغيابات المفترضة وبالتالي‬
‫فالدفع بغير ذلك أمام القضاء يعتبرعيبا لمخالفته القواعد الشكلية أو اإلجراءات اإلدارية الجوهرية التي‬
‫حددها المشرع في هذا الباب‪ .‬ومن المعلوم أن مخالفة القواعد الشكلية أو اإلجرائية الجوهرية يعتبر من‬
‫العيوب الفادحة التي تسم تقرير التفتيش بين أيدينا ألن المفتش كان عليه على األقل أخذ رأي مدير‬
‫المؤسسة أو إجراء تحقيق قبل توقيع الجزاء على المدرس‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬فإن تحجج المفتش في إصدار قراره بتخفيض نقطة األستاذ بكون هذا األخير ال يسلم‬
‫أوراق التحرير الخاصة بفروض المراقبة المستمرة لإلدارة ال يرقى أن يكون مؤشرا جوهريا على‬
‫المخالفة األخالقية والوظيفية الجسيمة من طرف األستاذ ألن عدم تسليم الفروض لإلدارة و إن كانت‬
‫من األمور التي يجب على كل مدرس تفاديها داخل المؤسسة التعليمية ال تضر بالعمل و ال بالمتعلمين‪.‬‬
‫وبالتالي فإن اعتبار تصرف األستاذ عمال مستوجبا للتأديب هو مؤشر واضح على عدم صحة التكييف‬
‫القانوني للوقائع وفي نفس الوقت مظهر آخر لعيب السبب‪ .‬وهذا يعني أن اعتماد حجة عدم تسليم‬
‫الفروض لإلدارة من بين الوقائع المادية التي أوردها التقرير وإن كانت ثابتة ال تؤدي لزوما لكون‬
‫سلوك المدرس غير مهني ضار بالمصلحة العامة‪ .‬لذلك فقرار تخفيض النقطة استنادا على هذا المعطى‬
‫قرار باطل لعدم صحة التكييف القانوني للوقائع الصادرة من الموظف‪.‬‬
‫تأسيسا على هذه القرائن مجتمعة‪ ،‬نالحظ عدم التناسب بين قرار المفتش (تخفيض النقطة) واألسباب‬
‫التي استند عليها‪ .‬وبالتالي فإن انتفاء هذا التناسب ونتيجة لتخلف الوجود المادي للوقائع التي ضمنها‬
‫المفتش تقريره ولعدم توافر األسباب (الحالة الواقعية أو القانونية‪ 0‬وقائع مادية تؤشر على مخالفة األستاذ‬
‫الموظف للواجبات األخالقية والوظيفية المفروضة عليه داخل المؤسسة التعليمية) يجعل قرار التفتيش‬
‫معيبا وحتم بإصدار قرار ببطالنه استنادا لعيب السبب‪ .‬أي أن سبب القرار الصادر عن المفتش لم يكن‬
‫صحيحا ألن النتيجة التي انتهى إليها لم تكن مستخلصة استخالصا سائغا من أصول تنتجها (مادية أو‬
‫قانونية) بل كانت مستخلصة من أصول غير موجودة أو ال تنتجها وهو ما يجعل القرار فاقدا لركن‬
‫السبب ومستوجبا لإللغاء‪ .‬وفي نظر القاضي اإلداري فإن كل قرار تفتيش ال يجد له سندا من الحقيقة‬
‫الواقعية وال تتالئم الوقائع الواردة به ومحله فانه يزيغ عن تحقيق الهدف منه ويعتبر تعسفا في استعمال‬
‫السلطة مما يصبح معه قرارا إداريا باطال فاقدا للشرعية على أساس بطالن ركنين من أركانه المنطقية‬
‫والقانونية وعناصر شرعيته (السبب والغرض)‪.‬‬

‫أخذا بعين اإلعتبار المالحظات المسجلة أعاله يجب التنبيه إلى أمر هام عند استصدار تقارير التفتيش‬
‫المقرونة بتخفيض النقطة الممنوحة لألساتذة و هو أن يوضح السيد المفتش في تقريره األسس الحقيقية‬
‫الغير المتناقضة و الثابتة التخاذ قراره بتخفيض نقطة مدرس ما و التي منها مثال مضامين تقارير زيارة‬
‫سابقة لألستاذ المعني بالقرار تتضمن وقائع ثابتة و صحيحة قد تدل على إخالله بواجباته المهنية متبوعة‬
‫بالتوجيهات التربوية لمعالجة هذه اإلختالالت و ذلك في عالقة مباشرة بالمعايير التربوية و القانونية‬
‫المعمول بها في تدريس المادة المعنية‪ .‬شاهدنا في ذلك الحكم رقم ‪ 4004/40‬بتاريخ ‪4004/02/00‬‬
‫الصادر عن المحكمة اإلدارية بوجدة في قضية مفتش التعليم اإلبتدائي‪ ،‬والذي من خالله تم الطعن في‬
‫تقرير التفتيش الصادر عنه بسبب تخفيض نقطة األستاذ دون التأكد من مالءمة التقدير مع الوقائع المادية‬
‫الثابتة المبررة له والتي تعتبر بحق الركيزة األساسية التي تعطي قرار التفتيش صبغته القانونية السليمة‬
‫بناء على القانون رقم ‪ 20/00‬المحدث للمحاكم اإلدارية‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫لعل هذا العيب (السبب) هو ما دفع المشرع في القطاع إلصدار المذكرة رقم ‪ 04‬بتاريخ ‪ 4‬يونيو‬
‫‪ 4004‬للتشديد على ضرورة العمل على تحصين القرارات اإلدارية المتخذة في القطاع لما لوحظ من‬
‫تقصير من خالل دراسة أنجزت من طرف مصالح الوزارة الوصية حول األحكام القضائية الصادرة‬
‫في مواجهة قطاع التربية الوطنية‪ .‬فقد أصدرت المحاكم اإلدارية عددا كبيرا من أحكامها تنصب على‬
‫إلغاء القرارات اإلدارية النتفاء مبدأ الشرعية‪ ،‬والذي يبقى من أهم شروط تحقيق المصلحة العامة‬
‫للمرفق العام‪ .‬وهذا ما يثبت أن تقرير التفتيش كقرار إداري يبقى دائما قابال للطعن القضائي متى كان‬
‫مشوبا باالنحراف عن السلطة أو تجاوزها‪ ،‬مع التذكير أن تجاوز المفتش التربوي للسلطة بمفهوم المادة‬
‫‪ 40‬من القانون رقم ‪ 20/00‬المحدث للمحاكم اإلدارية يقع حينما يصدر المفتش التربوي تقرير تفتيش‬
‫مع وجود عيب في شكله أو انحراف في السلطة أو النعدام في التعليل أو لمخالفة القانون بما يشكل‬
‫تجاوزا في استعمال السلطة‪ ،‬يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية المختصة‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬وبهدف تحصين تقارير التفتيش الصادرة عن مفتشي التعليم بصفتها قرارات إدارية يترتب عنها‬
‫آثار قانونية‪ ،‬وحتى ال يشوبها أي عيب من عيوب الشرعية المذكورة أعاله‪ ،‬وطبقا لمقتضيات القانون‬
‫رقم ‪ 00.00‬بشأن إلزام اإلدارات العمومية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها اإلدارية‪ ،‬فقد أصبح‬
‫من الالزم على المفتش اتخاذ كافة االحتياطات الالزمة عند صياغته لتقاريره‪ ،‬تالفيا للدخول في متاهات‬
‫اإلجراءات والمساطر التي تتطلبها مواكبة القضايا أمام المحاكم اإلدارية‪ ،‬باإلضافة إلى ما يشكله إلغاء‬
‫القرارات الصادرة عن المفتشين من مساس بمصداقية ونزاهة سلطتهم التقديرية بل بنزاهة و مصداقية‬
‫المرفق العمومي ككل‪ .‬وتأسيسا عليه‪ ،‬فإن قرارات اإللغاء الصادرة بحق بعض قرارات المفتشين‬
‫التربويين العاملين بالمقاطعات االشرافية يعتبر خدشا لكفاءاتهم المهنية ومسا بمصداقية عملهم التربوي‬
‫وبالسلطة التقديرية التي خولها المشرع لهم‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬البد من التأكيد على المسؤولية اإلدارية‬
‫الملقاة على عاتق كل مفتش كموظف يقتضي مركزه اإلداري إصدار تقارير تفتيش تتفادى كل مسببات‬
‫المنازعات اإلدارية من أجل تحقيق التدبير األمثل لمختلف الوضعيات اإلدارية للموظفين مع الحرص‬
‫على تطبيق القانون والتقيد بمبدأ المشروعية واحترام النصوص التشريعية والتنظيمية والضوابط‬
‫المتعلقة بزيارات التفتيش و الترقية و التأهيل المهني و البحث و التقصي‪ ،‬مادامت المنازعات الناجمة‬
‫عنها هي األكثر رواجا أمام المحاكم اإلدارية‪.‬لذلك‪ ،‬فالضرورة إذا تدعو إلى إخضاع تقارير التفتيش‬
‫للضوابط القانونية المتعارف عليها في صياغة و استصدار القرارات االدارية‪ ،‬سواء تلك التي يفرضها‬
‫القانون أو االجتهاد اإلداري‪ ،‬تجنبا إللغائها بدعوى الشطط في استعمال السلطة‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫ثالثا‪ :‬عيب اإلنحراف في استعمال السلطة والغلو في التقدير‬
‫إذا كنا سابقا قد تطرقنا لبسط أوجه عيب السبب المرتبط بالوقائع المادية والقانونية التي دعت السيد‬
‫المفتش التخاذ قراره‪ ،‬فإننا في إطار بسطنا ألوجه عيب االنحراف بالسلطة التي تسم تقرير السيد المفتش‬
‫سنعمد لمناقشة عيب آخر مرتبط جوهريا معه وهو العيب في الغاية أو الهدف الذي يسعى السيد المفتش‬
‫بصفته مصدر القرار إلى تحقيقه‪ .‬لذلك إذا كنا في معرض مناقشتنا لعيب السبب قد انشغلنا بعناصر‬
‫ذات طبيعة موضوعية متصلة بالقانون أو بالوقائع المادية من داخل الحصة فإننا في معرض مناقشتنا‬
‫لعيب اإلنحراف في استعمال السلطة سنكون مجبرين على التطرق للبواعث السيكولوجية الحقيقية‬
‫الكامنة وراء اتخاذ القرار‪.‬‬
‫قبل ذلك‪ ،‬ال بد من التذكير أن السلطة التقديرية التي يتمتع بها مفتش التعليم ما هي إال وسيلة أوجدها‬
‫المشرع للمساهمة في صون المصلحة العامة للمرفق العمومي‪ .‬لذلك فإذا انحرف مفتش التعليم في‬
‫استعمال هذه السلطة باتخاذ قرارات لتحقيق أهداف تتعارض مع هذه المصلحة العامة فإن قراره يكون‬
‫مشوبا ً بعيب إساءة استعمال السلطة أو االنحراف بها ويعد هذا العيب من أسباب الطعن باإللغاء في حق‬
‫الكثير من تقارير التفتيش في القطاع‪.‬‬
‫بالرجوع لتقرير التفتيش الصادر في حق الطاعن‪ ،‬وأخذا بعين اإلعتبار الوقائع التي ضمنها السيد‬
‫المفتش تقريره والعيوب المقترنة بها والتي بسطناها لحد اآلن يمكننا أن نعيب على السيد المفتش إساءة‬
‫استعمال السلطة الموكولة إليه في مجال اختصاصه‪ ،‬وذلك ألنه استعمل صالحياته لتحقيق غاية غير‬
‫تلك التي حددها القانون حتى وإن كان من الصعب على القاضي اإلداري التحقق من النية الحقيقية‬
‫لمصدر التقرير‪ .‬وطالما اتضح من خالل البحث الذي قامت به المحكمة عدم وجود أسباب صحيحة‬
‫وواضحة في تقرير التفتيش تبرر اتخاذ قرار تخفيض نقطة التفتيش‪ ،‬كانت هذه العيوب كافية لكي تغني‬
‫قاضي اإللغاء عن البحث في البواعث النفسية الضامرة المقترنة بنية السيد المفتش‪.‬‬
‫تبعا لذلك‪ ،‬فإن اتخاذ السيد المفتش لقرار تخفيض نقطة التفتيش بناء على أسباب غير صحيحة مؤشر‬
‫واضح على زيغ تقرير التفتيش عن خدمة المصلحة العامة وعلى كون السيد المفتش اتخذ قرارا لتحقيق‬
‫مصلحة شخصية ال تمت للمصلحة العامة بصلة ما يمكن اعتباره صورة على إساءة استعمال المفتش‬
‫للسلطة الموكولة إليه قانونا‪ .‬و إذا كان المشرع قد حدد هدفا ً خاصا ً يجب أن يسعى مفتش التعليم لتحقيقه‬
‫من خالل إجراء زيارات التفتيش و هو الوقوف على مدى اإللتزام بالتوجيهات التربوية و التنظيمية في‬
‫مجال التخصص ضمانا لحسن استفادة المتعلم من زمن التعلم‪ ،‬فإن السيد المفتش قد خالف من خالل‬
‫تقريره و قراره هذا الهدف ولو تذرع بأنه قد قصد تحقيق المصلحة العامة‪ ،‬وهذا ما يعرف بمبدأ مخالفة‬
‫تخصيص األهداف و التي تعتبر مبررا كافيا ألن يكون قرار التفتيش مشوبا ً بعيب االنحراف بالسلطة‬
‫وجديرا ً باإللغاء‪ .‬و قد كان األستاذ الطاعن ذكيا بما فيه الكفاية لتقديم كل المستندات التي سعى من‬
‫خاللها إلثبات هذا العيب (شهادة مدير المؤسسة مثال) ألن األصل في عيب االنحراف بالسلطة أن يقع‬
‫عبء إثباته على عاتق من يدعيه وال يجوز للمحكمة أن تتصدى لهذا العيب من تلقاء نفسها‪ ،‬ال سيما‬
‫وأن القرارات اإلدارية تتمتع بقرينة المشروعية وعلى من يدعي مخالفتها للمشروعية إثبات ذلك‪ .‬غير‬
‫أنه في حالة األستاذ الذي نناقش فإن ملف الدعوى به من األوراق والمستندات ما يؤدي إلى إثبات‬
‫اإلساءة أو االنحراف بالسلطة‪ ،‬لذلك كان من السهل على القاضي أن يحكم بإلغاء القرار دون أن يحمل‬
‫األستاذ عبئ إقامة الدليل على وقوع االنحراف‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫إضافة لكون قرار التفتيش الذي اعتمدناه سالفا يعتبر قرارا إداريا باطال فاقدا للشرعية على أساس‬
‫بطالن أحد عناصر شرعيته أو أركانه المنطقية والقانونية (السبب والغاية) وذلك بقرينة افتقاده السند‬
‫من الحقيقة الواقعية وعدم تالئم الوقائع الواردة به ومحله‪ ،‬فهو أيضا معيب بوجود قرينة أخرى وهي‬
‫الغلو‪ ،‬مما يجعله يزيغ عن تحقيق الهدف منه ويعتبر انحرافا في استعمال السلطة‪ .‬ونذكر هنا أنه يقصد‬
‫بعيب االنحراف بالسلطة إساءة استعمال المفتش للسلطة التقديرية المخولة له شرعا وذلك بأن يستخدم‬
‫سلطاته لتحقيق غرض غير الذي وضعه المشرع‪ .‬وإذا كان المفتش غير ملزم أمام القاضي اإلداري‬
‫بدرجة معينة من تحقق الغرض‪ ،‬فإنه بالتبعية يكون حرا في تقدير مالءمة مضمون قراره‪ ،‬ولكن في‬
‫حدود تحقق الغرض بغض النظر عن درجة ذلك التحقق‪ ،‬والقاضي اإلداري تبعا لذلك ال يلغي القرار‬
‫إال إذا كان سوء تقدير المالءمة فيه من الفداحة والوضوح ما ال يمكن الحديث معه آنذاك عن تحقق ألي‬
‫غرض‪ ،‬وهذا هو لب نظرية الخطأ الواضح في التقدير أو الغلو فيه‪.‬‬

‫لذلك وفي عالقة مباشرة بتقرير التفتيش بين أيدينا يرتبط عيب االنحراف بالسلطة بركن الغاية في‬
‫قرار التفتيش‪ ،‬ذلك أن المفتش قام باستخدام سلطته التقديرية بقصد االنتقام الشخصي وليس حرصا على‬
‫المصلحة العامة‪ ،‬وهو ما أثبته الطاعن حيث قدم الدالئل على وجود نزاع شخصي بينه وبين السيد‬
‫المفتش‪ .‬فالمفتش قام بتخفيض النقطة مبررا تصرفه بحرصه على مصلحة المتعلمين وعلى المصلحة‬
‫العامة في حين أن الباعث الحقيقي هو االنتقام من األستاذ‪ .‬إال أن عدم صحة الوقائع المذكورة في تقرير‬
‫التفتيش وتناقضها يجعله مشوبا باإلنحراف في استعمال السلطة‪ .‬ويظهر هذا اإلنحراف في كون السيد‬
‫المفتش استخدم سلطته لتحقيق أغراض تجانب مبدأ تخصيص األهداف حيث اتخذ قرارا لحماية أغراض‬
‫غير التي قصدها المشرع من منحه سلطته التقديرية‪ .‬كما يظهر انحراف هذه السلطة من خالل ممارسة‬
‫المفتش الختصاص ال يدخل في اإلختصاصات التي عهدها النظام إليه حيث اتخذ قرارا ً بالحكم على‬
‫أهلية المدرس النفسية (القيام بتصرفات غير سوية داخل الفصل مع عدم ذكرها أو تبيانها) في حين أن‬
‫هذا اإلجراء ليس من سلطته وإنما من اختصاص السلطة الصحية‪.‬‬

‫لذلك فقد تحقق عيب الغاية في تقرير التفتيش موضوع مناقشتنا عندما أصدر المفتش قرارا تأديبيا يهدف‬
‫لغاية او غرض غير تلك التي يقتضيها القانون‪ .‬وهو عيب موضوعي يتعلق بالبواعث واالهداف غير‬
‫المشروعة التي تأسس عليها تقرير التفتيش والتي يصبح على عاتق القضاء مهمة اكتشافها وإثباتها ‪.‬‬
‫القاعدة هنا ان المفتش ليس حرا في اختيار الغاية من تصرفاته بل عليه ان يلتزم بالغرض الذي حدده‬
‫المشرع الختصاصاته‪ .‬فاذا خالف المفتش الغاية المحددة أصبح قراره مشوبا بعدم المشروعية التسامه‬
‫بعيب االنحراف في استعمال السلطة‪ .‬وبالتالي كان من السهل إثبات سوء النية في تقدير السيد المفتش‬
‫أخذا بعين اإلعتبار عدم صحة الوقائع المذكورة في تقرير التفتيش وتناقضها مع التقارير السابقة في‬
‫حق األستاذ مما جعل منه قرارا كيديا معيبا في غايته ومشوبا باإلنحراف في استعمال السلطة‬
‫وباإلنحراف عن المصلحة العامة‪.‬‬

‫ومن تم فالقضاء اإلداري وهو في سبيل التحقق من مدى شرعية قرار التفتيش الصادر عن مفتش المادة‬
‫وفي إطار إعمال مقتضيات القانون المنظم للتفتيش التربوي بعد النعي عليه بوسيلة عدم المالءمة يملك‬
‫حق مراقبة مدى تناسب القرار المتخذ في حق الطاعن (تخفيض نقطة التفتيش) مع األفعال المنسوبة‬
‫إليه‪ ،‬ذلك أن المفتش كرجل إدارة في ممارسته الختصاصاته المنوطة به يجب أن يخضع في تصرفاته‬
‫وقراراته ولو اتخذت في إطار سلطته التقديرية إلى المبررات الواقعية والقانونية التي تبرر قراراته‬

‫‪22‬‬
‫ومالءمتها مع األفعال المنسوبة للطاعن‪ .‬لذلك فقرار تخفيض النقطة بهذا الشكل يعتبر سلوكا مشوبا‬
‫بالشطط والتعسف علما بأن االجتهاد القضائي اعتبر االنحراف في استعمال السلطة موجبا إللغاء‬
‫قرارات التفتيش في مثل هذه النوازل‪.‬‬

‫من جهة أخرى فإن قرار خصم سبع نقط دفعة واحدة تعتبر عقوبة جد قاسية في حق األستاذ بالنظر‬
‫أوال لغياب أي إثبات لالختالالت المضمنة بتقرير التفتيش‪ ،‬وثانيا لعدم تالءم تقدير الجزاء ونوع "الخطأ"‬
‫المرتكب من طرف األستاذ‪ ،‬هذا إن سلمنا جدال بارتكاب األستاذ أخطاء مهنية جسيمة تتوجب الزجر‬
‫(والمقصود بالخطأ هنا هو اإلخالل باإللتزامات المشروعة اتجاه المرفق)‪ .‬ثم إن مثل هذه "العقوبة"‬
‫(تخفيض النقطة) ال يمكن أن يكون لها أي أثر إيجابي على تأديب الموظف المخل بالتزاماته المهنية‬
‫من جهة وال على حسن سير المرفق العمومي من جهة ثانية‪ .‬بل على العكس من ذلك ال يمكن إال أن‬
‫تؤدي إلى عدم االطمئنان في نفسية األستاذ وعدم تحمسه ألداء العمل بالشكل المطلوب‪ ،‬مما يتعارض‬
‫كليا مع الهدف الذي خلق المشرع من أجله التأطير التربوي وتنقيط الموظفين‪.‬‬

‫إن غلو العقوبة التأديبية الصادرة في حق األستاذ والمتمثلة في تخفيض نقطته بسبع نقط دفعة واحدة‬
‫وعدم مالءمة ذلك مع مسببات هذا التقدير ال تعتبر في حد ذاتها علة بطالن قرار التفتيش وانتفاء‬
‫شرعيته بل أن علة الغائه هي عيب انحراف استعمال السلطة والذي يبقى عيبا موضوعيا بارزا من‬
‫عيوب تجاوز السلطة‪ .‬وبما أنه كذلك فهو ال يخدم تحقيق المصلحة العامة التي تبقى الهدف األول‬
‫واألخير من وراء تقرير التفتيش كقرار إداري في نظر قاضي الشرعية‪ .‬حتى أن المحكمة اإلدارية قد‬
‫أوضحت هذا االتجاه في حيثيات حكمها بأن المحكمة تملك سلطة مراقبة مدى مالءمة القرار المتخذ في‬
‫حق الطاعن بالنظر للمخالفات المنسوبة إليه إعماال لمقتضيات القانون األساسي للوظيفة العمومية الذي‬
‫يفرض مراعاة مبدأ تناسب اختيار العقوبة مع درجة المخالفة إن وجدت‪.‬‬

‫نستخلص من هذه النازلة أنه وإن كانت مسألة تنقيط األستاذ الطاعن تدخل ضمن السلطة التقديرية‬
‫للمفتش إال أن ذلك يبقى مقيدا بعدم اإلنحراف في استعمال هذه السلطة‪ .‬ونظرا لما يترتب عن هذه النقطة‬
‫من تأثير على الوضع اإلعتباري والمادي لألستاذ‪ ،‬كان علة السيد المفتش اللجوء في حالة تسجيل وقائع‬
‫مادية تؤشر على تدني مستوى األداء التربوي إلى الوسائل التربوية من قبيل المواكبة والتتبع أمال في‬
‫تأهيل المدرس أوال ومن خالل ذلك كسب رهان العالقة التربوية المبنية على الثقة واإلحترام المتبادل‬
‫ثانيا‪ .‬من جهة أخرى نستخلص أن نقطة التفتيش تبقى دائما قابلة للطعن القضائي إذا ما تبين بشكل‬
‫واضح سوء استعمال مفتش التعليم لسلطته التقديرية مع التذكير بكون المنازعة في النقطة التي يمنحها‬
‫مفتش التعليم ال تكون مبررة إال عن طريق المطالبة بإجراء تفتيش مضاد أوال ومراعاة آجال الطعن‬
‫ثانيا‪ .‬لذلك فنقطة التفتيش ينبغي أن تمنح بناء على تقويم الكفاءة التربوية للمدرس عبر تقييم موضوعي‬
‫للعناصر التي حددها المشرع كما أشرنا إليها سابقا بشكل ال يتجاوز فيه السيد المفتش القيام بمهامه‬
‫حسب ما يحدده له النظام األساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية وكذا المذكرات التنظيمية‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫المثال الثاني‪ :‬الخطأ في تفسير القاعدة القانونية‬
‫على إثر توصل السيد مفتش مادة اللغة الفرنسية بتكليف من السيد المدير اإلقليمي استنادا على مكالمة‬
‫هاتفية من مدير إحدى الثانويات التأهيلية يطلب فيها السيد المدير اإلقليمي التدخل بعد توصله بمجموعة‬
‫من الشكايات من طرف أولياء األمور ضد أحد مدرسي المادة بالمؤسسة الذي التحق بالمؤسسة في‬
‫إطار تكليف لسد الخصاص و التي تؤاخذ األستاذ بعدم اعتماد المقرر الرسمي في تدريس المادة و عدم‬
‫تصحيح فروض المراقبة المستمرة و توزيع مطبوعات ذات طابع تجاري على التالميذ خارج نطاق‬
‫المقرر الدراسي الرسمي‪ ،‬قام السيد المفتش بزيارة تفتيش لألستاذ المعني فحرر على إثرها تقرير تفتيش‬
‫مصحوب بتخفيض للنقطة ومنحه نقطة ‪ 02/40‬بعد أن كانت ‪.02/40‬‬

‫أفاد السيد المفتش في تقرير التفتيش الذي استلمه األستاذ أنه عند زيارته للقسم الذي يدرس به الطاعن‪،‬‬
‫وجد األستاذ يشتغل بوثائق "غير سليمة"‪ ،‬رغم أنه لم يوضح في متن تقريره المقصود بهذه العبارة‪.‬‬
‫عارض الطاعن مالحظات السيد المفتش مؤكدا أن الوثائق التي كان يشتغل بها تتماشى وأهداف وكذلك‬
‫مضمون المقرر الدراسي الرسمي‪ ،‬وأن السيد المفتش قد افتحص وثيقتين من الوثائق التي كانت بحوزته‬
‫وقت إجراء الزيارة دون أن يناقش مضمون الحصة أو يطلع على دفتر النصوص أو جذاذة الدرس‪،‬‬
‫وإنما قام بمطالبته باعتماد المقرر الرسمي فقط‪ .‬كما أن السيد المفتش طلب من األستاذ إمداده بأوراق‬
‫التحرير الخاصة بآخر فرض كتابي محروس قام به مع القسم موضوع الزيارة‪ ،‬إال أن األستاذ لم يتوفر‬
‫حينها إال على نسخة من الفرض و أخبر المفتش أنه احتفظ بأوراق التحرير بالمنزل لحين اإلنتهاء من‬
‫استثمار نتائجها‪ .‬أضاف األستاذ أن السيد المفتش تفحص دفتر أحد التالميذ كان جالسا بالقرب منه‬
‫وعاتب األستاذ على عدم كفاية الدروس المدونة بدفاتر التالميذ خاصة وتزامن الزيارة مع نهاية‬
‫األسدوس األول من السنة الدراسية كما عاتبه على عدم تقيده بالتوجيهات التي أمدهم بها خالل آخر‬
‫لقاء تربوي بخصوص طريقة إجراء فروض المراقبة المستمرة‪ .‬بعد ذلك استفسر المفتش تلميذتين أمام‬
‫باقي التالميذ حول القيمة المالية للوثائق التي يمدهم بها األستاذ وعن كيفية حصولهم عليها وغادر‬
‫القاعة‪.‬‬

‫تقدم األستاذ بعد تسلمه لقرار التفتيش بتظلم للسيد المدير اإلقليمي يعرض فيه أن السيد المفتش زاره‬
‫خالل حصة دراسية مقدمة لفائدة قسم األولى بكالوريا علوم إنسانية لم تستغرق إال ربع ساعة كما أكد‬
‫ذلك السيد الحارس العام الذي أفاد أنه اصطحب السيد المفتش إلى قسم األستاذ في حدود الساعة العاشرة‬
‫و‪ 02‬دقيقة‪ .‬أضاف األستاذ أن تقرير التفتيش يتضمن مالحظات ال أساس لها من الصحة تمس شخصه‬
‫(الحصول كموظف في قطاع التعليم على ربح مادي من المطبوعات أثناء مزاولته لعمله) وتوبخه على‬
‫عدم اإللتزام بالتوجيهات التربوية المقدمة من طرف السيد المفتش أثناء اللقاءات التربوية والتي تخص‬
‫عدم اعتماد المقررات الرسمية في تدريس المادة باإلضافة إلى التأخر في إنجاز المقرر الدراسي‬
‫والمراقبة المستمرة ومنحه نقطة ‪ 02/40‬بعد أن كانت ‪ .02/40‬لذلك طالب بإجراء تفتيش مضاد‬
‫وبإنصافه‪ .‬إال أنه بدل إجراء تفتيش مضاد قرر السيد المدير اإلقليمي تشكيل لجنة إقليمية إلجراء بحث‬
‫حول الملف موضوع التظلم إلجراء بحث حول الملف موضوع التظلم للتأكد من الوقائع حيث تم‬
‫اإلستماع لألستاذ ولزمالئه ولعينة من المتعلمين ومراقبة دفاترهم وكذا المطبوعات التي يمدهم بها أستاذ‬
‫المادة‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫شهادات التالميذ حسب محضر اللجنة اإلقليمية تؤكد أن األستاذ فعال يمدهم بوثائق تخص المادة إال أنه‬
‫ال يأخذ ماال مقابل تلك الوثائق بل أن التالميذ يحصلون على الوثائق عن طريق مكتبة توجد بقرب‬
‫المؤسسة مقابل الثمن العادي للطبع خاصة أنهم مقبلون على اجتياز اإلمتحان الجهوي نهاية السنة‬
‫الدراسية‪ .‬أكد أساتذة المادة الذين تم اإلستماع إليهم أن الوثائق التي يشتغل بها األستاذ هي من اجتهاده‬
‫الخاص وأنها وثائق تتماشى ومضمون المقرر الدراسي الرسمي وتعد وثائق تربوية داعمة‪.‬‬
‫عارض األستاذ ما قامت به اللجنة رغم أنها لم توجه له أية انتقادات تؤكد التهم التي وجهت له‪ .‬كما أنه‬
‫في معرض حديثه ألفراد اللجنة اإلقليمية شدد على كون عبء إثباث ما يدعيه أولياء األمور في حقه‬
‫يقع عليهم وليس على األستاذ‪ ،‬وبما أنهم لم يدلوا بأي حجة تؤكد ما جاء في شكايتهم‪ ،‬تبقى بالتالي مجرد‬
‫إدعاء‪ .‬ورغم حصوله على وعد من السيد المفتش بإجراء زيارة تفتيش أخرى الحقا متشبثا بمنازعة‬
‫النقطة التي منحها المفتش قضائيا عن طريق طلب التفتيش المضاد‪ ،‬مبررا قراره بكون النقطة الممنوحة‬
‫له تبقى سارية المفعول رغم خالصات اللجنة اإلقليمية‪ .‬ألجل ذلك تقدم بطعن قضائي ملتمسا إلغاء قرار‬
‫التفتيش الصادر عن مفتش المادة بعلة سوء استعمال السلطة التقديرية والتي منحته نقطة تفتيش بعيدا‬
‫عن أي تقويم موضوعي لكفاءته التربوية‪.‬‬

‫بالرجوع مرة أخرى للمالحظات المسجلة بتقرير السيد المفتش‪ ،‬واستنادا على خالصات اللجنة اإلقليمية‬
‫وشهادات التالميذ وزمالء األستاذ الطاعن يتبين أن تقرير التفتيش الصادر عن مفتش المادة جاء مخالفا‬
‫للقانون ألنه عمد إلى اتخاذ قرار تخفيض نقطة التفتيش بناء على تفسير خاطئ للقواعد القانونية‪ .‬فمن‬
‫جهة‪ ،‬فإن قيام األستاذ بإعداد وتوزيع مطبوعات على تالمذته والذي اعتبره المفتش وسيلة للحصول‬
‫الغير المشروع على دخل مادي آخر ال يعد في الحقيقة إخالال من األستاذ بواجباته المهنية ألن‬
‫المطبوعات التي بحوزة التالميذ لم يكن الهدف منها تحقيق ربح مادي أو عدم التقيد بالمضامين واألهداف‬
‫التربوية المحددة في البرامج الدراسية الخاصة بتالميذ السلك الثانوي التأهيلي‪ ،‬بل على العكس من ذلك‬
‫هي في الحقيقة اجتهاد من األستاذ لدعم المتعلمين وتأهيلهم الجتياز اإلمتحان الجهوي الموحد نهاية‬
‫السنة‪ .‬أال يعتبر المساهمة في إنتاج وثائق داعمة للمقررات الدراسية مؤشرا على البحث و اإلبتكار‬
‫التي تعتبر معايير مهمة في تنقيط موظفي القطاع؟ ثم و الحال هذه‪ ،‬ألم يكن من األجدر تقديم التوضيحات‬
‫الالزمة التي توضح مدى احترام هذه الوثائق لألهداف و المضامين و التوجيهات الخاصة بالمادة بدل‬
‫اإلكتفاء بالنعي عليها بعدم سالمتها البيداغوجية؟ ومن ثم فإن قرار معاقبة األستاذ بتخفيض نقطة التفتيش‬
‫استنادا على هذا العنصر يعد خطأ في تفسير النص الذي يحظر ممارسة الموظف العمومي ألي نشاط‬
‫مدر للدخل إلى جانب التدريس ألن ما قام به الموظف يخرج عن إطار هذا الحظر‪.‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬وارتباطا بالمالحظة التي تعيب على األستاذ احتفاظه بأوراق تحرير التالميذ الخاصة‬
‫بالمراقبة المستمرة وعدم تسليمها لإلدارة خالفا لما تنص عليه النصوص النظامية المعمول بها في هذا‬
‫الشأن‪ ،‬فإن هذا اإلدعاء يحتم على المفتش أن يفسر معنى اإلحتفاظ‪ .‬فاحتفاظ األستاذ بأوراق التحرير‬
‫ليس احتفاظا نهائيا مضرا بالمصلحة العامة ألن األستاذ قام فقط بأخذ أوراق التحرير إلى منزله إلتمام‬
‫األعمال المكلف بها وإعادتها إلى اإلدارة الحقا‪ .‬وبالتالي فإن تصرفه ال يعد مخالفة للنص بحظر‬
‫االحتفاظ باألوراق‪ ،‬وقد أخطأ المفتش في فهم وتفسير القاعدة النظامية الخاصة باإلحتفاظ ووقع جزاء‬
‫على األستاذ ما يجعل قراره باطال لعيب في محل القرار‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫إن ارتكاب المفتش لخطأ تفسير القانون وقع عندما أعطى ‪-‬سواء بحسن أو سوء نية ‪-‬معنى غير المعنى‬
‫الذي قصده المشرع بالقاعدة القانونية أو النص النظامي المعمول به لالحتفاظ ولمزاولة الموظف‬
‫العمومي لنشاط جانبي مدر للدخل‪ .‬والراجح أن ذلك راجع لمحاولة إلباس القاعدة القانونية معنى مخالفا‬
‫لجوهرها حيث قام السيد المفتش بتأويلها إلى معان غير التي وضعت من أجلها‪ .‬ارتباطا بهذا الخطأ‪،‬‬
‫كثيرة هي القرارات اإلدارية التي صدرت بحقها قرارات باإللغاء بسبب مخالفتها للقواعد القانونية وذلك‬
‫إما ألن مصدر القرار ليس له علم بوجود هذه القواعد القانونية أو بسبب عدم مواكبته للتشريعات‬
‫المرتبطة بالحاالت التي يصدر بشأنها قرارات إدارية‪ .‬في حالة تقرير التفتيش الذي نخاصمه فإن القاعدة‬
‫القانونية واضحة تماما بما ال يحتمل الخطأ في التفسير ومع ذلك تعمد المفتش تفسيرها بشكل خاطئ‬
‫مما اختلط معه عيب المحل في هذه الحالة بعيب الغاية‪.‬‬

‫وحتى وإن أجزنا أن يقوم السيد المفتش بتفسير النصوص القانونية في حالة اإلقرار بغموضها فيجب‬
‫أن يتم ذلك بحسن نية وليس بسوء نية وإال كان معه خطأ في التفسير‪ 0‬فهل مثال اإلحتفاظ بأوراق‬
‫التحرير لبضع الوقت من أجل الدراسة واإلستثمار وعدم موافاة إدارة المؤسسة بأوراق التحرير التالميذ‬
‫مصحوبة بالنقط المستحقة في كل األنشطة التقويمية لوضعها رهن إشارة المفتشين وأولياء التالميذ‬
‫يتنافى مع واجب تسليمها لإلدارة؟ أضف لذلك أن األستاذ لم تثبت عليه أية تصرفات تتعارض مع‬
‫القواعد الشرعية والنظامية والعرفية الصحيحة داخل المؤسسة التعليمية سواء في مؤسسته األصلية أو‬
‫في مؤسسة التكليف‪ .‬لذلك لم يكن من الصواب اتخاذ قرار تخفيض نقطة األستاذ في غياب أسانيد‬
‫ومبررات مقنعة وهو ما يجعل القرار باطال لعيب في المحل نتج عنه الخطأ في تفسير النظام‪.‬‬
‫باإلضافة لما أشرنا إليه أعاله حول تفسير القواعد القانونية بشأن خاطئ والذي يبقى عيبا آخر من‬
‫عيوب شرعية تقرير التفتيش‪ ،‬فإن قرار تخفيض نقطة األستاذ اعتمادا على كونه ال يحترم التوجيهات‬
‫التربوية المقدمة من المفتش خالل اللقاءات التربوية يبقى قرارا معيبا وباطال ألن التوجيهات التربوية‬
‫التي قدمها المفتش في حقيقة األمر نفسها مخالفة للنصوص النظامية المتعلقة بالمراقبة المستمرة الخاصة‬
‫بالمادة‪ .‬وبالتالي فإذا كان السيد المفتش يعيب على األستاذ مسألة التنفيذ فقد نسي أن التنفيذ المنصوص‬
‫عليه قانونا مقيد بعدم مخالفة القواعد النظامية المطبقة في مجال المراقبة المستمرة‪ .‬فالسيد المفتش طلب‬
‫من األساتذة على مستوى المنطقة التربوية المسندة إليه أن يتقيدوا في إعداد فروض المراقبة المستمرة‬
‫بنموذج من إعداده الخاص رغم أنه مخالف لما تنص عليه المذكرة الوزارية رقم ‪ 024-02‬الصادرة‬
‫بتاريخ ‪ 04‬نونبر ‪ 4004‬في موضوع التوجيهات المتعلقة بتنظيم التقويم التربوي بالسلك الثانوي‬
‫التأهيلي لمادة اللغة الفرنسية‪ ،‬و المستندة على المذكرة رقم ‪ 024‬الصادرة بتاريخ ‪ 04‬نونبر‪ 4004‬في‬
‫موضوع التقويم التربوي بالسلك الثانوي التأهيلي عموما‪ ،‬و التي تشدد على ضرورة استحضار‬
‫مقتضيات اإلطار المرجعي لإلمتحان الموحد الخاص بالمادة باعتبارها وثيقة رسمية تضبط المضامين‬
‫الدراسية المقررة و الكفايات و المهارات و القدرات المسطرة لكل مستوى و بالتالي موجهات لبناء‬
‫الفروض الكتابية المحروسة‪ .‬إال أن السيد المفتش و خالفا للتوجيهات الواردة في المذكرة يعيب على‬
‫األستاذ كونه لم يلتزم بما قدمه كمفتش للمادة رغم مخالفته الصريحة لمقتضيات المذكرة أعاله‪ ،‬فقد‬
‫طالب السيد المفتش أساتذة المادة بإنجاز فرضين شفويين و احتساب معدلهما فقط كمكمل لمعدل الفروض‬
‫الكتابية في حين أن المذكرة تتحدث عن احتساب األنشطة الشفهية كعنصر فقط ضمن باقي األساليب‬
‫المعتمدة في المراقبة المستمرة و التي تتضمن باإلضافة للفروض الكتابية المحروسة (‪ )70%‬األنشطة‬
‫الشفهية مشاركة المتعلمين داخل الفصل الدراسي ومراقبة دفاترهم‪ ،‬كما تتضمن األنشطة التي يطلب‬

‫‪26‬‬
‫من التالميذ إنجازها خارج الصف الدراسي‪ ،‬سواء بصفة فردية‪ ،‬أو في إطار مجموعات‪ ،‬كالبحوث و‬
‫األعمال التطبيقية و إعداد الملفات (‪.)40%‬‬
‫ما يستشف من هذه التوضيحات هو أن السيد المفتش وعوضا عن تنظيم لقاءات تربوية لفائدة األساتذة‬
‫كوسيلة للسهر على تأطير تطبيق مقتضيات المذكرة أعاله واإللتزام بتوجيهاتها على النحو األكمل‪ ،‬فهو‬
‫لم يوليها ما تستحقه من عناية لتوفير شروط تطبيقها السليم في دائرة اختصاصه‪ .‬خالفا لذلك‪ ،‬لم يقم‬
‫أستاذ المادة إال بالتقيد بموجهات المذكرة أعاله وتطبيق مقتضياتها في تتبع أعمال التالميذ وتقوية‬
‫تحصيلهم‪ ،‬باعتماد مختلف الصيغ المنصوص عليها أعاله بغرض إعدادهم الجتياز اإلمتحانات الموحدة‬
‫بنجاح‪.‬‬
‫باإلضافة لما أشرنا إليه أعاله بخصوص الخطأ في تفسير القواعد القانونية أو مخالفتها أصال‪ ،‬يمكننا‬
‫أن نضيف وجهين آخرين من أوجه مخالفة تقرير التفتيش الصادر عن مفتش المادة للقانون‪ .‬فمن جهة‬
‫فإن تقرير التفتيش الصادر في حق األستاذ معيب من حيث مخالفته للقواعد الشكلية و اإلجرائية‬
‫الجوهرية المعتمدة في اجراء زيارات التفتيش حيث أنه لم يتبع اإلجراءات التي حددتها المذكرة الوزارية‬
‫رقم د‪ 0074-4-‬بتاريخ ‪ 44‬يناير‪( 0074‬و المستندة على المذكرة رقم ‪ 024‬بتاريخ ‪ 02‬نونبر‬
‫‪ )0074‬و التي تنص على تقييم موضوعي للمضمون التربوي للدرس موضوع الزيارة و على افتحاص‬
‫وثائق األستاذ‪ ،‬و هو ما لم يتم احترامه لكون زيارة التفتيش لم تدم إال ربع ساعة فقط مما يجعل معه‬
‫قرار المفتش بتنقيط األستاذ بناء على معايير غير التي أوجبها المشرع قرارا باطال‪ ،‬خاصة أن المخالفة‬
‫هنا و إن لم تكن عن عمد فهي لألسف تبقى مخالفة قاعدة شكلية جوهرية (أساسية) مما يترتب عليها‬
‫بطالن القرار‪.‬‬
‫من جهة ثانية‪ ،‬فإن قرار تخفيض نقطة األستاذ بدعوى تأخره الكبير في إنجاز المقرر الدراسي وعدم‬
‫كفاية الدروس المدونة بدفاتر التالميذ أغفل كون األستاذ التحق بالمؤسسة فقط لشهر ونصف في إطار‬
‫تكليف لتعويض أستاذة في رخصة والدة وهي المسؤولة عن التأخر في إنجاز المقرر قانونا‪ .‬فاألستاذ‬
‫حل محل األستاذة نظاما لظرف وجيز وجد معه األستاذة متأخرة في إنجاز المقرر وبالتالي فإن قرار‬
‫تخفيض النقطة في حقه يكون باطال ألن الحال محل موظف أثناء غيابه ال يكون مسؤوال عن عمل‬
‫األصيل طبقا للقواعد النظامية للحلول‪.‬‬
‫كخالصة للمالحظات التي سقناها أعاله بخصوص تقرير التفتيش الصادر عن مفتش مادة اللغة‬
‫الفرنسية‪ ،‬يصبح قرار التفتيش معيب في فحواه ومضمونه ألنه أوال ارتكز على تفسير خاطئ للقواعد‬
‫القانونية المعمول بها في مجال المراقبة التربوية الخاصة بالمادة‪ .‬وبالتالي فمحل القرار أو األثر القانوني‬
‫المترتب على قرار التفتيش والمتمثل في تخفيض نقطة األستاذ غير جائز من الناحية القانونية تشريعيا ً‬
‫ألنه خالف النصوص التنظيمية المؤطرة للمادة (المذكرة الوزارية رقم ‪ )024-02‬وعرفا ً ألنه وإن تم‬
‫جدال ثبوت ارتكاب خطأ مهني من طرف الطاعن فالمعمول به عرفا هو نهج سبيل التوجيه واإلرشاد‬
‫أوال قبل التوبيخ بل حتى أخالقيا ألن تنقيط مدرس بناء على زيارة لم تدم إال ربع ساعة ال يبث بأية‬
‫صلة ألخالقيات مهنة التفتيش التربوي‪ .‬لذلك ففي هذه الحالة يكون قرار التفتيش الصادر عن المفتش‬
‫غير مشروع ويكون القرار الناتج عنه بتخفيض نقطة التفتيش بالتالي باطالً‪ .‬فقانونا‪ ،‬ال ينبغي للمفتش‬
‫في اتخاذه ألي قرار أن يتجاوز في القيام بمهامه ما يحدده له النظام األساسي الخاص بموظفي وزارة‬
‫التربية الوطنية وكذا المذكرات التنظيمية‪ .‬كما أنه وإن متعه المشرع بهامش كبير في إعمال سلطته‬
‫التقديرية خاصة في مجال تنقيط األساتذة‪ ،‬فإن ذلك يبقى مقيدا بعدم اإلنحراف في استعمال هذه السلطة‬
‫نظرا لما يترتب عن هذه النقطة من تأثير على الوضع اإلعتباري لألستاذ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫تأسيسا على هذه المالحظات نستنتج أن تقرير التفتيش موضوع الطعن غير مرتكز على أسس قانونية‬
‫سليمة وأن الوقائع المادية والقانونية المتضمنة فيه توحي على أن المفتش قد تحامل على الطاعن بشأن‬
‫كفاءته التعليمية‪ ،‬وأن المالحظات المسجلة بشأنه خالل زيارة التفتيش تبقى مجرد ادعاء ال يوجد في‬
‫الواقع ما يثبته‪ ،‬وبالتالي تبقى النقطة الممنوحة لألستاذ غير مبررة‪ ،‬مما يعني أن قرار تخفيض النقطة‬
‫يبقى معيبا في مشروعيته ويتعين إلغائه‪.‬‬

‫المثال الثالث‪ :‬الخطأ في تطبيق القاعدة القانونية‬


‫لنأخذ كمثال ثالث تقرير تفتيش صادر عن مفتش التربية البدنية والرياضية الذي قام بزيارة تفتيش‬
‫ألستاذ في منطقته التربوية قام على إثرها بتخفيض النقطة الممنوحة لألستاذ وذلك بانتقاص ثالث نقط‬
‫(من ‪ 00/40‬إلى ‪ )04/40‬مما دفع بالمعني باألمر لرفع تظلم اداري مطالبا بإجراء تفتيش مضاد‪ .‬بدل‬
‫ذلك‪ ،‬قام السيد مفتش المادة بزيارة صفية أخرى بعد شهرين من الزيارة األولى ومنح األستاذ نقطة‬
‫‪ ،07/40‬مما دفع األستاذ إلى رفع طعن قضائي في الموضوع طلبا إللغاء قرار التفتيش األخير الصادر‬
‫عن مفتش المادة خاصة أنه كان مقترحا للترقية الداخلية وقتها‪ .‬سياق الزيارة الصفية الثانية جاء متزامنا‬
‫مع طلب المديرية لملئ بطاقة الترقية الخاصة باألستاذ ألنه كان من ضمن المرشحين للترقية في‬
‫الدرجة‪ .‬لماذا إذن تقدم األستاذ بطعن قضائي ضد تقرير السيد المفتش؟‬

‫ما يالحظ من خالل عملية التنقيط التي باشرها السيد المفتش لتنقيط األستاذ المقترح للترقية في الدرجة‬
‫هو أنه تصرف بشكل مخالف للشروط التي حددها القانون لمباشرة عملية تنقيط األساتذة المقترحين‬
‫للترقية في الدرجة‪ .‬فالمذكرة رقم ‪ 002-40‬الصادرة بتاريخ ‪ 04‬أبريل ‪ 4040‬في شأن الترقي في‬
‫الدرجة باالختيار برسم سنة ‪ 4040‬تنص على أن إنجاز هذه الترقية يجب أن يتم في إطار النصوص‬
‫التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل‪ ،‬وذلك بمراعاة العناصر التالية‪ :‬إنجاز األعمال المرتبطة‬
‫بالوظيفة والمردودية والسلوك المهني والقدرة على التنظيم والقدرة على المساهمة في البحث التربوي‬
‫مع مراعاة المؤشرات الدالة على كل معيار‪ .‬وكمثال على ذلك يدخل ضمن معيار إنجاز األعمال‬
‫المرتبطة بالوظيفة إتقان إنجاز المهام الموكولة للموظف (ة) واحترام مجاالت التخصص والدينامية‬
‫والسرعة في اإلنجاز واالهتمام الدائم بتحسين األداء والرفع من اإلنتاجية‪ ،‬وتوظيف جميع اإلمكانات‪.‬‬
‫أما تنقيط عنصر المردودية ودائما حسب منطوق المذكرة أعاله فيتم من خالل مدى تحقيق الموظف‬
‫لنتائج مرضية ومقنعة وفعالـة‪ ،‬وتحقيقه لألهداف المسطرة‪.‬‬

‫على خالف النص التشريعي والتنظيمي المنظم لتنقيط األساتذة المقترحين للترقية في الدرجة أعاله‪ ،‬فقد‬
‫عمد السيد مفتش المادة إلى تنقيط األستاذ المعني بالترقية اعتمادا على شبكة تنقيط من إنتاجه الشخصي‬
‫والتي ضمنها معايير مختلفة عن المعايير المنصوص عليها في المرسوم المنظم للترقية وفي بطاقة‬
‫تنقيط الموظفين المرشحين للترقية‪ ،‬حيث قام بإجراء زيارة تفتيش لألستاذ ولم يعتمد في عملية التنقيط‬
‫إال على الحصة التي حضرها في حضور األستاذ المعني بالترقية‪ .‬بعد ذلك قام السيد المفتش بمنح‬
‫األستاذ نقطة تفتيش (‪ )07/20‬و بوضع نفس النقطة العددية المحصل عليها انطالقا من شبكته الخاصة‬
‫ببطاقة تنقيط األستاذ المسلمة من المديرية اإلقليمية عبر توزيع النقطة الكلية (‪ )07/20‬التي منح لألستاذ‬
‫خالل زيارة التفتيش على العناصر الخمسة الواردة ببطاقة الترقية مع إخبار المعني باألمر بالعملية أمام‬
‫زمالئه مبررا قراره بأن األستاذ يرفض المساهمة و اإلنخراط في األنشطة اإلشعاعية الخاصة بالمادة‬
‫على مستوى المنطقة التربوية‪ ،‬و الذي ضرب له كمثال رفض مشاركة األستاذ في إجراء بحث أكاديمي‬
‫ميداني يخص مدى تأثير نوعية التكوين األكاديمي الجامعي لمدرسي التربية البدنية و الرياضية على‬
‫نوعية اإلختيارات الديداكتيكية أثناء إجراء حصص المادة‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫كمالحظة أولية على هذه الحيثيات‪ ،‬يتضح أن السيد المفتش من خالل البوح بهذه الدوافع أمام زمالء‬
‫الطاعن قد سقط في خطأ مهني جسيم أال وهو عدم كتمان السر المهني‪ ،‬وتشويه سمعة األستاذ والتشكيك‬
‫في مهنيته بعلة عدم مساهمته وانخراطه في األنشطة اإلشعاعية‪ ،‬وقدرته على المساهمة في البحث‬
‫التربوي‪ .‬إال أن السيد المفتش لم ينتبه إال أن المذكرة التنظيمية قد نبهت إلى أمر هام خاص بتنقيط‬
‫عنصر البحث واالبتكار حيث أوضحت أن هذا العنصر ال يستوجب أن يقدم األستاذ بحوث أكاديمية أو‬
‫تقارير ميدانية وإنما أن يتبين من خالل الحصص التي يجريها داخل فضاء المؤسسة التعليمية اعتماد‬
‫منهجية مبدعة للرفع من نتائج ممارسته الميدانية ومن انعكاساتها اإليجابية على العملية التعليمية‬
‫التعلمية‪.‬‬

‫فحسب منطوق المذكرة الوزارية رقم ‪ 4-07‬الصادرة بتاريخ ‪ 0‬يونيو‪ 0007‬في شأن حماية سر المهنة‬
‫فقد سقط السيد المفتش في هذا الخطأ المهني الجسيم عندما أفصح لزمالء الطاعن عن بعض األسرار‬
‫المهنية الخاصة باألستاذ وقام بانتقاد عمله ومردوديته وعاب عليه تقصيره في اداء واجبه‪ ،‬وهو ما يعد‬
‫في نظر القانون قذفا وتشهيرا بالطاعن‪ ،‬والذي ال تجيزه االعراف وال االخالق المهنية حتى ولو كان‬
‫ما يعاب على الطاعن ثابتا وصحيحا‪ .‬كما أن السيد المفتش لم يلتزم بأحكام الفصل ‪ 07‬من الظهير‬
‫الشريف رقم‪ 0.27.007‬بتاريخ ‪ 2‬شعبان ‪42(0044‬فبراير ‪ )0027‬بشأن النظام االساسي العام‬
‫للوظيفة العمومية‪ ،‬والذي ينص على أن كل موظف يكون ملزما بكتم سر المهنة في كل ما يخص‬
‫االعمال واالخبار التي يعلمها اثناء تأدية مهامه او بمناسبة مزاولتها‪ .‬ويدخل في هذا المنع تبليغ محتوى‬
‫الملفات اإلدارية الخاصة بالموظفين للغير بصفة مخالفة للنظام‪ .‬لذلك كان من الالزم أن يتصرف السيد‬
‫المفتش بصفته مسؤوال‪ ،‬وفي إطار المشروعية إذ ال يحق له افشاء اسرار المهنة الخاصة باألساتذة‬
‫الذين يشتغلون في منطقته التربوية وتحت إشرافه‪ .‬وبالتالي فإن إفشاء السر المهني فيه اخالل بواجب‬
‫التحفظ المفروض على المفتش ككل موظف آخر‪ ،‬ما يجعله تحت طائلة القانون الجنائي والتأديبي حيث‬
‫اطلع بحكم مهامه على خصوصيات مهنية تخص الطاعن وعمد إلى افشائها حتى ولو بدون نية‬
‫االضرار‪.‬‬

‫أما بخصوص عملية التنقيط التي اعتمدها السيد المفتش فيتضح أنه قد ارتكب خطأ في تطبيق القانون‪.‬‬
‫وقد تحقق هذا العيب المبطل لقراره اإلداري ألنه طبق القاعدة النظامية المعمول بها في إجراء زيارات‬
‫التفتيش العادية على واقعة تختلف عن تلك التي قصدها المنظم في مجال تنقيط وترقية الموظفين والتي‬
‫خصص لها معايير ومؤشرات لم تتجاوز عنصري الدرس والوثائق التربوية لتشمل عناصر أكثر عمقا‬
‫وشمولية‪.‬‬

‫فإذا كان المشرع قد حدد هدفا ً خاصا ً يجب أن يسعى مفتش التعليم لتحقيقه من خالل إجراء زيارات‬
‫التفتيش وهو الوقوف على مدى اإللتزام بالتوجيهات التربوية والتنظيمية في مجال التخصص ضمانا‬
‫لحسن استفادة المتعلم من زمن التعلم‪ ،‬فإن السيد المفتش قد خالف من خالل تقريره وقراره هذا الهدف‬
‫ولو تذرع بأنه قد قصد تحقيق المصلحة العامة‪ ،‬وهذا ما يعرف بمبدأ مخالفة تخصيص األهداف والتي‬
‫تعتبر مبررا كافيا ألن يكون قرار التفتيش مشوبا ً بعيب االنحراف بالسلطة وجديرا ً باإللغاء‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ارتباطا بهذا العيب‪ ،‬يمكننا أن نعيب على تقرير التفتيش الصادر عن مفتش المادة إساءة استعمال‬
‫اإلجراءات الموصى بها في تنقيط األساتذة المرشحين للترقية في الدرجة‪ .‬وقد حصلت هذه الحالة من‬
‫االنحراف عندما استبدل السيد المفتش اإلجراءات اإلدارية الالزمة للتنقيط بإجراءات أخرى لتحقيق‬
‫الهدف الذي سعت إليه اإلدارة‪ .‬وربما لجأ السيد المفتش إلى هذا األسلوب إما ألنه اعتقد أن اإلجراء‬
‫الذي اتبعه سليم من منطلق تقديره الخاص أو ألنه سعى إلى التهرب من اإلجراءات المطولة أو المعايير‬
‫المعقدة والمبهمة الواردة ببطاقة التنقيط واستبدالها بعناصر أخرى يراها أكثر دقة وفاعلية ‪.‬أيا ً كانت‬
‫التبريرات التي يمكن أن تكون وراء اتخاذ السيد المفتش لقراره بشأن الطاعن فإنه قانونا قد خالف‬
‫اإلجراءات التي حددها القانون مما يجعل من تصرفه هذا تصرفا مشوبا ً بعيب إساءة السلطة في صورة‬
‫االنحراف باإلجراءات‪.‬‬
‫لذلك من الضروري أن نذكر بخصوص هذا الشأن أنه وبوجود رقابة قضائية على األخطاء الواضحة‬
‫في التقديرات الصادرة عن السيدات والسادة مفتشي التعليم‪ ،‬يبقى من المهم أن تلتزم تقارير التفتيش‬
‫الصادرة عن المفتشين بالمنطق والعقل السليم وأال يسيء المفتش عن عمد أو غير عمد استخدام السلطة‬
‫التقديرية التي يتمتع بها أو يعمد إلى مخالفة اإلجراءات التي أوجدها المشرع‪ .‬كما أنه من المهم أن ننبه‬
‫إلى أن الذي يهم قاضي الشرعية عند بحثه عن معيار الخطأ الواضح في التقييم الوارد في تقرير التفتيش‬
‫ليس البحث في مدى الخطأ الذي سقط فيه المفتش وال في خطورته‪ ،‬ولكن في درجة عدم انضباطه‬
‫لإلجراءات وعدم كفاية عوامل التعليل التي قدمها التقرير واعتمدها المفتش في تقديره‪ .‬وبالتالي فإن‬
‫منح األستاذ نقطة تفتيش معينة أو نقطة عددية خاصة في بطاقة الترقية حتى وإن كانت النقطة جيدة‬
‫يجب أن يقوم على أسبابه الكافية المبررة له أو الداعية له لتحقق مالءمة مضمون تقرير التفتيش مع‬
‫أسبابه الداعية له بما تساهم من خالله هذه المالءمة من حماية لمبدأ شرعية تقرير التفتيش ومن عقلنة‬
‫للنشاط التربوي واإلداري الذي قام به المفتش‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬فتغيب السيد المفتش عن حضور جلسات االستماع بعد التوصل باالستدعاء وإحجامه‬
‫عن الجواب رغم اإلنذار الموجه من المحكمة كان سببا كافيا لصدور قرار بإلغاء قرار التفتيش الصادر‬
‫عنه‪ .‬مرد ذلك أن التغيب عن حضور جلسات االستماع وإحجامه عن الجواب اعتبر في نظر قاضي‬
‫الشرعية موافقة على الوقائع المبينة في مقال الطاعن‪ .‬شاهدنا الحكم الذي أصدرته المحكمة اإلدارية‬
‫بوجدة بناء على القانون رقم ‪ 20.00‬المؤرخ في ‪ 44‬ربيع األول ‪ 0202‬الموافق ‪0000/00/00‬‬
‫المحدثة بموجبه المحاكم اإلدارية وكذلك الحكم رقم ‪ 00/200‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط‬
‫والملف رقم ‪ ،07/40‬حكم ‪ 07/002‬بتاريخ ‪ 0007/04/00‬بالمحكمة اإلدارية بوجدة والتي اعتبرت‬
‫مجتمعة أن عدم وجوب المدعي عليه عن المقال وعن استدعائه وإنذاره بالجواب يعتبر موافقة على‬
‫الوقائع المبينة في مقال الطعن وبالتالي يشكل سببا إللغاء القرار‪ .‬وحيث إن الفقرة ‪ 0‬من الفصل ‪044‬‬
‫بمقتضى المادة ‪ 4‬من قانون ‪ 00/20‬واضحة بهذا الشأن‪ ،‬فإنه يعتبر المطلوب ضده النقض في الطعون‬
‫الرامية إلى إلغاء قرارات التفتيش الصادرة عن مفتشي التعليم للشطط في استعمال السلطة والذي لم‬
‫يجب عن المقال موافقا على الوقائع المبنية فيه‪.‬‬
‫فجلسات البحث والخبرة التي تقررها المحاكم هي في الحقيقة فرصة لمفتش التعليم ولممثل اإلدارة بصفة‬
‫عامة لتوضيح موقفهم من القرار المطعون فيه‪ ،‬وبالتالي تمكين القضاة المقررين من اإللمام بعناصر‬
‫النازلة‪ .‬فكما تنص عليه مقتضيات الفصل ‪ 044‬من قانون المسطرة المدنية والذي بمقتضاه يتم‬
‫االستجابة لمطالب المدعي في حالة عدم الرد عليها‪ ،‬يشكل سكوت اإلدارة أو إحجام المفتش عن‬
‫اإلستجابة في هذه الحالة‪ ،‬وعدم حضوره رغم إنذاره قانونيا‪ ،‬إقرارا قضائيا بمادية طلب الطعن‪ .‬لذلك‬

‫‪30‬‬
‫نبهت المذكرة رقم ‪ ،04‬الصادرة بتاريخ ‪ 6‬يونيو ‪ 4004‬في شأن تحصين القرارات اإلدارية إلى أن‬
‫المثير في أغلب هذه حاالت الطعن القضائي ضد القرارات اإلدارية أنها تكون لفائدة المدرسين‪ ،‬ال‬
‫لوجود شطط فعلي‪ ،‬ولكن ألن االدارة التربوية ال تجيب عن مراسالت الجهات القضائية إال قليال‪ ،‬وقد‬
‫ال يحضر عنها من يمثلها أمام المحاكم‪ ،‬فتكون هذه األخيرة منسجمة مع مقتضيات القانون عندما تصدر‬
‫أحكامها بناء على ما بين أيديها من مستندات ووثائق ومقاالت أدلى بها الطرف المدعي‪ .‬تأسيسا على‬
‫كل هذه الحيثيات‪ ،‬فقرار السيد مفتش التربية البدنية والرياضية يعتريه عيب مخالفة القانون ألن محل‬
‫القرار معيب شرعا في فحواه أو مضمونه وألن األثر القانوني المترتب عليه (أي على قرار المفتش)‬
‫غير جائز ومخالف للقانون المكتوب بل غير جائز عرفا أيضا‪.‬‬

‫كما أشرنا إلى ذلك سلفا فمن المتعارف عليه في قضايا اإللغاء المرفوعة أمام المحاكم اإلدارية ضد‬
‫تقارير التفتيش الصادرة عن مفتشي التعليم أنه متى كان محل هذه التقارير معيبا فالتقرير يصبح بحكم‬
‫القانون غير مشروع ومخالف للنظام وبالتالي مستوجبا للبطالن‪ .‬بالمقابل‪ ،‬لكي يكون تقرير التفتيش‬
‫كقرار إداري مشروعا يجب أن يكون محله ممكنا شرعا والحال أن محل قرار السيد مفتش المادة غير‬
‫جائز قانونا أصال ألن عملية تنقيط الطاعن تمت وفق تصرف غير نظامي وغير منصوص عليه شرعا‪.‬‬
‫وإذا كان مصدر القيد في حالة سلطة المفتش المقيدة يجد سنده في القاعدة القانونية التي تحدد اإلجراء‬
‫الواجب اتخاذه فإن العيب الذي سقط فيه السيد المفتش هو خرقه للقاعدة القانونية المتصلة بتنقيط‬
‫الموظفين المستوفين لشروط الترقية في الدرجة‪ .‬لذلك وجب التنبيه في هذا الباب أنه في مجال مثل هذا‬
‫فإن السلطة التي نتحدث عنها مقيدة وليست تقديرية ألن اإلجراء محسوم تشريعيا‪ ،‬وبالتالي عدم تحري‬
‫السيد المفتش حدا أدنى من المالءمة كان سببا كافيا لجعل تقريره معيبا وال يحقق الغرض من إصداره‪.‬‬
‫استنادا لهذه الحيثيات‪ ،‬قضت المحكمة بقبول الطعن من حيث الشكل والمضمون وحكمت بإلغاء النقطة‬
‫الممنوحة للطاعن بتقرير التفتيش مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية‪.‬‬

‫خاتمة‪ :‬خالصات واقتراحات‬


‫إنطلقنا في هذا المقال من سؤال محوري حول فعالية ومشروعية تقرير التفتيش التربوي وهو كيف‬
‫يمكن تحصين تقرير التفتيش الصادر عن مفتش التعليم بشكل يجعل منه أداة لتجويد األداء المهني‬
‫للمدرسين بدل أن يكون حافزا للمخاصمة القضائية التي ال تخدم العملية التعليمية التعلمية‪ .‬وقد بينا‬
‫بعض األركان التي يجب أن تتوفر في تقرير التفتيش والشروط التي يجب توافرها لضمان مشروعيته‬
‫وبالتالي ضمان تحصينه ضد أية دعاوى قضائية قد تكون مكلفة مهنيا‪.‬‬
‫وقد حاولنا الدفاع عن فكرة مفادها أن تحصين تقرير التفتيش كقرار إداري يمكن أن تكون مدخال مهما‬
‫يساهم في تحقيق أمرين هامين وهما‪0‬‬
‫‪ / 1‬بناء منظومة مراقبة تربوية تجمع بين مقتضيات القوانين الجاري بها العمل في القطاع و متطلبات‬
‫التأطير التربوي المندمج‪.‬‬
‫‪ /4‬االنتقال بتقارير التفتيش كمجرد وثائق إدارية نحو آليات تقييم مهني مندمج مخطط له معرفيا‬
‫وبيداغوجيا وتشريعيا بما يساهم في حفز األداء المهني الفعال ألطر التفتيش‪.‬‬
‫وقد خلصنا إلى أن كل تقرير تفتيش غير محصن ال يمكن إال أن يسيء إلى منظومة المراقبة التربوية‬
‫ويفضي إلى اختالالت عالئقية مؤشرة على مراقبة تربوية غير سليمة‪.‬في مقابل ذلك أكدنا على أن‬
‫تحصين تقارير التفتيش يتطلب من هيئة المراقبة التربوية االبتعاد عن كل مسببات انتفاء المشروعية‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫لذلك يبقي مشكل عدم تحصين قرارات التفتيش من بين مسببات الكثير من االختالالت‬
‫)‪ (dysfonctionnement‬على مستوى منظومة التربية والتكوين بالمغرب‪.‬‬
‫ولعل من بين الخالصات األساسية التي يجب التأكيد عليها في هذا المقال هو أن تحصين تقارير التفتيش‬
‫اليهم المفتشين الممارسين وحدهم بل هو شان يهم كذلك مركزي تكوين المفتشين وعلى هذا المستوى‬
‫ينبغي دراسته وتعميق النقاش حوله ولو تطلب األمر تنظيم ورشات وندوات علمية وتوظيف شبكة‬
‫الدراسة التي تعتمد على المعارف في علوم التربية والعلوم القانونية‪ .‬فتحصين القرارات اإلدارية عموما‬
‫على قدر كبير من التعقيد والحساسية مما يستوجب خلق تصور مناسب يساعد على تحقيق نتائج تتسم‬
‫بالنجاعة والفاعلية على مستوى استصدارها‪.‬‬

‫في الحقيقة‪ ،‬إن عالج مسألة تحصين تقرير التفتيش ال يمس السيدات والسادة المفتشين وحدهم وإنما‬
‫يمس أيضا المؤسسات التكوينية الرسمية التي تشرف على تكوينهم األكاديمي والميداني عامة وذلك‬
‫بإعادة النظر في مضمون بعض المجزوءات المدرسة بمركزي التكوين بما يساهم في اكتساب خريجي‬
‫المركزين لثقافة قانونية رصينة في تواز مع ما تلزمه مهامهم اليومية والعامة بكل الوسائل المؤدية لذلك‬
‫والكفيلة بتحقيقه‪ .‬إال أنه وخالفا لذلك‪ ،‬فالمالحظ هو أن الكثير من مفتشي التعليم ولألسف يمارسون هذه‬
‫المهام بما يمكن أن نسميه براغماتية آلية مباشرة ً تعرضهم أحيانا كثيرة لالنتقاد وحتى المسائلة اإلدارية‬
‫والقضائية‪.‬‬

‫والبد من التأكيد في هذا الشأن على أن ما يمنح هيئه التفتيش التربوي وضعها الرمزي هو سلطتها‬
‫الفكرية والتي ال يمكن أن تحضر باحترام باقي الفاعلين داخل واقع التداول التربوي واإلداري إال إدا‬
‫كانت سلطة مؤسسة على ثقافة قانونية صلبة وذلك العتبارات ال تتعلق بالعوامل المهنية فحسب وإنما‬
‫أيضا العتبارات علمية ومعرفية وأخالقية‪.‬‬
‫في رأينا المتواضع‪ ،‬فال يمكن لهذه السلطة الرمزية أن تخدم المصلحة الفضلى لمنظومة التربية والتكوين‬
‫إال بقدر ما يضفيه إطار التفتيش من قيمة على تلك السلطة وبمقدار ما تؤديه من وظيفة تكوينية ورقابية‬
‫عبر إنتاج تقارير التفتيش‪.‬‬
‫إضافة لكل ما سبق يحق التساؤل عن الكلفة الرمزية لو حاذت هذه السلطة عن وظائفها المحورية من‬
‫خالل تقارير تفتيش فاقدة للفعالية والمشروعية وبالتالي مستوجبة للمخاصمة اإلدارية والقضائية‪ .‬إذا‬
‫كان األمر مرتبط بضرورة تحصين تقارير التفتيش بصفتها قرارات إدارية صرفه‪ ،‬فإن هذا يتطلب‬
‫إعادة النظر في كيفية استصدارها أخذا بعين االعتبار كل مسببات الطعن القضائي التي حاولنا بسطها‬
‫في هذه الورقة‪.‬‬
‫أملنا أن يتم التعامل مع تقارير التفتيش ال كمجرد روتين إداري تفرضه متطلبات القيام بالمهام الموكولة‬
‫لهيئة التفتيش‪ ،‬بل أن يتم التعامل مع تقارير التفتيش انطالقا من التفكير في أركانها البنيوية و القانونية‬
‫الستصدارها على نحو يجعلها أكثر قدرة على المساهمة في عملية التأهيل اإلداري و التربوي للموارد‬
‫البشرية العاملة في القطاع‪ .‬العمل خالف ذلك ال يمكن إال أن يساهم في توسيع الهوة المهنية التي تزداد‬
‫عمقا بين هيئة التفتيش وهيئة التدريس مع ما يترتب عنها من تنافر وجودي وتمزق في النسيج التربوي‬
‫للمنظومة ككل‪.‬‬
‫ال حاجة للتأكيد في مقابل ذلك على ما يترتب تحصين قرارات التفتيش من صون للحقوق أوال بالنسبة‬
‫للمعنيين بها وثانيا من تجويد لألداء المهني بالنسبة ألطر التفتيش التربوي وثالثا من تخليق الممارسة‬
‫التدبيرية للرأسمال البشري والتي تعد من المؤشرات الدالة في تقييم المردودية الداخلية والخارجية‬

‫‪32‬‬
‫لمنظومة التربية والتكوين بالمغرب‪ .‬وباإلضافة إلى هذا االنعكاس المزدوج لتحصين تقارير التفتيش‬
‫يمكن إضافة تكاليف نفسية على الجانبين (مفتشين ومدرسين)‪ .‬فما تمتصه الطعون القضائية من كلفة‬
‫نفسية إنما يتم على حساب العالقات المهنية في أهون األضرار أما في أقصاها وأعمقها فقد يكون نواة‬
‫ما يتشكل في عمق العملية التعليمية من رفض داخلي لنسق التأطير التربوي كال أو جزءا مستمرة‬
‫التبلور في مظاهر شتى في الزمان والمكان‪.‬‬
‫المراجع المعتمدة‪:‬‬
‫المراسيم و الظهائر‪:‬‬
‫الظهير الشريف رقم‪ 0.27.007‬بتاريخ ‪ 2‬شعبان ‪42(0044‬فبراير ‪ )0027‬بشان النظام‬ ‫‪.0‬‬
‫االساسي العام للوظيفة العمومية‪.‬‬
‫المرسوم رقم ‪ 1367-05-2‬الصادر في ‪ 40‬من شوال ‪ 4( 0244‬ديسمبر ‪ )4002‬بتحديد‬ ‫‪.4‬‬
‫مسطرة تنقيط وتقييم موظفي اإلدارات العمومية‪.‬‬
‫ظهير شريف رقم ‪ 0.00.442‬صادر في ‪ 44‬من ربيع األول ‪ 00( 0202‬سبتمبر ‪)0000‬‬ ‫‪.0‬‬
‫بتنفيذ القانون رقم‪ 20.00‬المحدث بموجبه محاكم إدارية‪ - .‬منشور بالجريدة الرسمية عدد‬
‫‪2727‬‬
‫المرسوم رقم ‪ 4.04.20‬بتاريخ ‪18‬جمادى األولى ‪ 0( 0202‬نونبر ‪ )0000‬تطبيقا ألحكام‬ ‫‪.2‬‬
‫القانون رقم ‪ 41.90‬المحدثة بموجب محاكم إدارية‬
‫ظهير شريف رقم ‪ 0-04-404‬صادر في ‪ 04‬من جمادى األولى ‪ 40( 0240‬يوليو ‪)4004‬‬ ‫‪.2‬‬
‫بتنفيذ القانون رقم ‪ 00-00‬بشأن إلزام اإلدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات‬
‫العمومية بتعليل قراراتها اإلدارية‪.‬‬
‫المذكرات الوزارية‪:‬‬
‫‪ .0‬المذكرة رقم ‪ 26‬بتاريخ ‪ 06‬يونيو ‪ 2006‬في شأن تحصين القرارات اإلدارية‪.‬‬
‫‪ .4‬المذكرة رقم ‪ 002-40‬بتاريخ ‪ 04‬أبريل ‪ 4040‬في شأن الترشيح للترقي في الدرجة باالختيار‬
‫برسم سنة ‪4040‬‬
‫‪ .0‬المذكرة رقم ‪ 004‬بتاريخ ‪ 7‬يونيو ‪ 0002‬بشأن العالقات بين السادة المفتشين و رؤساء‬
‫المؤسسات التعليمية ‪.‬‬
‫‪ .2‬المذكرة رقم ‪ 400‬بتاريخ ‪ 42‬دجنبر ‪ 0000‬في موضوع الندوات التربوية‪ .‬إخبار المديرية‬
‫بتغيب األساتذة التخاذ اإلجراءات الالزمة‪.‬‬
‫‪ .2‬المذكرة الوزارية عدد ‪ 24‬الصادرة بتاريخ ‪ 44‬مايو ‪ 4002‬بشأن ميثاق حسن سلوك الموظف‬
‫العمومي‪.‬‬
‫‪ .4‬المذكرة الوزارية رقم ‪ 4-07‬الصادرة بتاريخ ‪ 0‬يونيو ‪0007‬في شأن حماية سر المهنة‬
‫‪ .4‬المذكرة الوزارية رقم ‪ 022‬الصادرة بتاريخ ‪ 04‬شتنبر ‪ 4000‬في موضوع تأمين الزمن‬
‫المدرسي و زمن التعلم‪.‬‬
‫‪ .7‬المذكرة الوزارية رقم ‪ 422‬الصادرة بتاريخ ‪ 40‬دجنبر ‪ 0070‬في شأن مراقبة الوثائق‬
‫المدرسية‪.‬‬
‫‪ .0‬المذكرة رقم ‪ 74‬الصادرة بتاريخ ‪ 40‬ماي ‪ 0074‬في شأن التفتيش التربوي‬
‫‪ .00‬المذكرة الوزارية رقم ‪ 002‬الصادرة بتاريخ ‪ 40‬شتنبر ‪ 4002‬في موضوع تنظيم التفتيش‬
‫التربوي للتعليم الثانوي‪.‬‬
‫‪ .00‬المذكرة رقم ‪ 04‬بتاريخ ‪ 4‬يونيو ‪ 4004‬في شأن تحصين القرارات اإلدارية‪.‬‬
‫‪ .04‬المذكرة الوزارية رقم ‪ 024-02‬الصادرة بتاريخ ‪ 04‬نونبر ‪ 4004‬في موضوع التوجيهات‬
‫المتعلقة بتنظيم التقويم التربوي بالسلك الثانوي التأهيلي لمادة اللغة الفرنسية‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ .00‬المذكرة رقم ‪ 024‬الصادرة بتاريخ ‪ 04‬نونبر‪ 4004‬في موضوع التقويم التربوي بالسلك‬
‫الثانوي التأهيلي‬
‫مراجع أخرى‬
‫الوثيقة اإلطار لتنظيم التفتيش – ابريل ‪4002‬‬

‫الرؤية اإلستراتيجية لإلصالح ‪.4000/4002‬‬

‫قانون اإلطار رقم ‪ 20/04‬المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي‪.‬‬

‫الطماوي سليمان‪ .‬النظرية العامة للقرارات اإلدارية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دار الفكر العرب‪ ،‬القاهرة ‪4004‬‬

‫‪34‬‬
35

You might also like