You are on page 1of 246

‫ظالل أطالنتس‬

‫عمار املصري‬

‫دار الكنزي للنشر والتوزيع‬

‫‪1‬‬
‫دارالكنزي للنشروالتوزيع‬

‫الطبعة األولى‬
‫الكتاب ‪ :‬ظالل أطالنتس‬ ‫املدير العام‬
‫تأليف ‪ :‬عمار المصري‬
‫تصنيف الكتاب ‪ :‬رواية‬
‫حممد صالح‬
‫مصمم الغالف ‪ :‬؟؟؟؟‬
‫إخراج ‪ :‬أحمد عبد الرحمن‬
‫المقاس ‪20 × 14‬‬
‫إشراف عام‬
‫رقم اإليداع ‪ :‬؟؟؟ ‪2017 /‬‬ ‫إيناس الدسوقي‬
‫الترقيم الدولي ‪978 - 977 - 6599 - ?? - ? :‬‬

‫‪All Rights Reserved‬‬


‫‪Alkanzy for Publishing and Distribution‬‬
‫‪+01003897918‬‬
‫‪Alkanzy.co@gmail.com‬‬
‫‪Facebook.com/Alkanzy.com‬‬
‫مجيع احلقوق حمفوظة للمؤلف‬

‫‪2‬‬
‫إهداء إىل‬

‫كل من ساعدني يف خروج هذا العمل إىل النور والفضل يعود هلم بعد‬
‫اهلل يف االنتهاء منه‪:‬‬
‫�اعدني طوال طريقي حتى‬ ‫– –أمح�‬
‫�د املهدي‪ :‬صديقي الكاتب الذي س�‬
‫انتهيت من العمل‪.‬‬
‫– –مصدق الطيب‪ :‬صديق الطفولة الذي قرأ العمل بكل نس�‬
‫�خه وكان‬
‫دائما ويعطيين األمل بأن ُأكمل‪.‬‬
‫يشجعين ً‬
‫– –عمر حممد‪ :‬صديقي العزيز الذي يساعدني ً‬
‫دائما ويشجعين وحيفزني‬
‫كلما يئست‪.‬‬
‫– –فريدة اجلوهري‪ :‬اليت س�‬
‫�اعدتين مساعدة كبرية خلروج هذا العمل‬
‫إىل النور‪.‬‬
‫�اعدوني بآرائهم‬
‫أيضا إىل مجيع أصدقائي وأقربائي الذين س�‬
‫وأهديها ً‬
‫ريا‪.‬‬
‫وتعليقاتهم اليت ساعدتين كث ً‬

‫‪3‬‬
4
‫‪1‬‬

‫يف عام ‪ - 2150‬القاهرة اجلديدة‪ -‬مصر‪.‬‬


‫�ور البالغ من العمر‬ ‫�تيقظ من النوم على صوت منبهه املزعج‪ ،‬ن�‬‫يس�‬
‫�عره قصري وناعم ومييل إىل اللون البين‪ ،‬وعيناه‬
‫عاما؛ ش�‬
‫�رين ً‬ ‫اثنني وعش�‬
‫�ى عليه‪ ،‬مع مسرة خفيفة يف‬ ‫�وداوان كاللؤلؤ‪ ،‬ومالحمه العربية تطغ�‬
‫س�‬
‫وجهه‪.‬‬
‫�اعرا بأنه مل ينم مبا فيه الكفاية‪ ،‬فتحامل على نفسه‬
‫تثاءب بقوة‪ ،‬ش� ً‬
‫�رير ليستعد ليوم جامعي جديد يف جامعة القاهرة‬ ‫رافعا جسده عن الس�‬
‫ً‬
‫مسرعا ليلحق‬
‫ً‬ ‫�تعدادات خرج‬‫اجلديدة‪ .‬بعد أن انتهى نور من كل االس�‬
‫�عتها احلمراء‬
‫�مس قد بزغت يف األفق لتلقي بأش�‬ ‫باحلافلة‪ ،‬فوجد الش�‬
‫�ى املدينة‪ ،‬معلنة عن بداية يوم جديد‪.‬‬
‫الدافئة عل�‬
‫وصل نور يف الوقت احملدد ‪ ..‬استقل احلافلة املعلقة للتنقل السريع‪،‬‬
‫�رع‬
‫موجها نظره إىل اخلارج عرب النافذة‪ ،‬وش�‬
‫ً‬ ‫ثم جلس على أحد املقاعد‬
‫يف تفقد الناس وهم يتجهون إىل مشاغلهم وواجباتهم اليومية‪ .‬السيارات‬
‫ير بنظام وتقوم بأعماهلا اليومية إلبقاء‬ ‫حتلق يف اهلواء والروبوتات تس�‬
‫النظام‪ .‬شعر نور بسأم‪ ،‬وقال بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫– –يوم ممل آخر‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫�ت احملدد‪ ،‬فدلف إىل‬ ‫�تطاع أن يصل يف الوق�‬‫انطلق إىل جامعته واس�‬
‫�م علوم الفضاء‪ ،‬وجلس يف مقعده املعتاد جبانب‬ ‫القسم اخلاص به‪ ،‬قس�‬
‫اضر‪ .‬كان يوسف أمسر البشرة‪،‬‬ ‫صديقه يوسف ليستمع إىل ما يقوله ُ‬
‫امل ِ‬
‫دائما‪ ،‬همس يوسف لنور قائ ًال‪:‬‬
‫شعره قصري ومموج‪ ،‬حيب املزاح واالبتسام ً‬
‫– –من اجليد أنك وصلت يف الوقت املناس�‬
‫�ب‪ ،‬سيتحدث عن موضوع يف‬
‫غاية األهمية‪.‬‬
‫– –هذا من حسن حظي ‪ ..‬واآلن فلنستمع ملا يقوله‪.‬‬
‫�دو عليه الذكاء‬
‫�ا ًبا يف الثالثينات من العمر‪ ،‬يب�‬
‫�ر ش�‬
‫كان احملاض�‬
‫�عره األسود الناعم ممشط إىل اخللف‬‫والفطنة‪ ،‬يرتدي نظارة طبية‪ ،‬وش�‬
‫ومالحمه اآلسيوية ال خيتلف عليها أحد‪ ..‬كان من اليابان وامسه (كينو)‪.‬‬
‫�ال كينو وهو يعرض صورة هولوجرامية لصورة روبوت كان قد مت‬ ‫ق�‬
‫إرساله إىل الفضاء يف رحلة إىل املشرتى‪ ،‬وعندما عاد حدث شيء غريب‪..‬‬
‫املاضر الفيديو كي يشاهده اجلميع رغم مشاهدتهم له آالف‬ ‫شغل ُ‬
‫املرات وحديثهم عنه الذي مل ينته حتى اآلن‪.‬‬
‫�ى األرض‪ ،‬وكانت‬‫تي كانت حتمل الروبوت عل�‬ ‫�ت املركبة ال�‬‫هبط�‬
‫مجيع اجلهات واملؤسسات يف انتظاره لتحتفل باالكتشافات اليت توصل‬
‫إليها هذا الروبوت‪ ،‬وكانت هناك تغطية إعالمية كبرية للحدث‪ .‬بينما‬
‫كان اخلرباء ينتظرون بفارغ الصرب ليحصلوا على امللفات يف رأسه كي‬
‫�ال‪ ،‬عندما خرج‬
‫�ئ أغرب من اخلي�‬ ‫�وا كل ما رآه وصوره‪ ،‬حدث ش�‬ ‫يعرف�‬
‫الروبوت من السفينة‪ ،‬قام مبحو كل البيانات من رأسه وهاجم البشر من‬
‫حوله وهو يردد هذه العبارة‪:‬‬
‫– –جيب تدمري البشر ‪ ..‬كل شيء سيهلك ‪ ..‬الدمار قادم‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫�رح ويوضح ويعطي فرضيات ملا حدث‪،‬‬
‫أوقف كينو الفيديو‪ ،‬وبدأ يش�‬
‫فقال بنربة هادئة فطنة‪:‬‬
‫�د حدث له يف الفضاء ‪ ..‬رمبا‬ ‫– –كما ترون فإن هناك ش�‬
‫�يئا غريبا ق�‬
‫قابل خملوقات غريبة قامت بربجمته ‪ ..‬رمبا تعطل لبقائه يف الفضاء‬
‫لفرتة طويلة ‪ ..‬ال أحد يعلم‪ ،‬ولكن ما حدث كان غري ًبا حق ًا‪ ،‬ورمبا‬
‫يفسر اختفاء السفينتني إينيكس ‪ 1‬وإينيكس‪ .. 2‬وبالطبع ما حدث‬
‫يف هذا الوقت أنه ‪..‬‬
‫صمت قلي ًال ليلتقط أنفاسه ثم كسر حاجز الصمت قائ ًال‪:‬‬
‫�يرتا للفضاء‪ ،‬اليت يقع مقرها يف مدينة‬‫�لت وكالة س�‬ ‫– –بعد أن أرس�‬
‫�فر جملرات أخرى‪،‬‬ ‫�فينة قادرة على الس�‬
‫�س اجلديدة‪ ،‬أول س�‬ ‫أطالنت�‬
‫وانطلقت يف الرحلة اليت اشتهرت يف األوساط وفى كل مكان‪ ،‬واليت‬
‫�دف منها اخلروج من جمرة درب التبانة والذهاب إىل جمرة‬ ‫كان اهل�‬
‫أندروميدا‪ ،‬واكتشاف ما إذا كانت هناك حياة أم ال‪ ،‬ولكن لسوء احلظ‬
‫متاما‪ ،‬فأرسل املقر سفينة أخرى‬
‫السفينة مل تعد‪ ،‬وفقد املقر إشارتها ً‬
‫للبحث عن األوىل والتوجه إىل اجملرة احملددة‪ ،‬ولكنها اختفت بدورها‬
‫أيضا‪ ،‬مما س� َّبب الكثري من اجللبة واملشاكل للمقر‪ ،‬ودفعوا الكثري‬
‫من التعويضات إىل األهالي‪ ،‬ولكن هذا مل يشف غليلهم على أبنائهم‪.‬‬
‫عدل من وضعية نظارته ثم استطرد قائ ًال‪:‬‬
‫�ذا جيعلنا نفكر ‪ ..‬هل كل هذه األحداث هي ُصدف بالفعل‪ ،‬أم‬ ‫– –وه�‬
‫أن هناك شيئا غريبا جيري يف الكون ال نعلمه بعد؟! رمبا تكون كل‬
‫�داث مرتبطة ببعضها البعض بطريقة ما ‪ ..‬من يعلم ‪..‬‬ ‫هذه األح�‬
‫لقد فقدت أخي احلبيب يف رحلة إينيكس ‪ 1‬فقد كان من املنضمني‬
‫جيدا عن أي‬
‫�اف والبحث ً‬ ‫�تخدام الروبوتات يف االستكش�‬ ‫إليها الس�‬

‫‪7‬‬
‫�ع أنتم تعرفون أخي‪ ،‬فهو من وضع قوانني‬ ‫مصدر للحياة ‪ ..‬بالطب�‬
‫أزميوف الثالثة للروبوتات وجعلها حقيقة ممكنة وليست جمرد خيال‬
‫علمي‪ ،‬مما جعل البشرية تنتقل ملرحلة أخرى من التقدم باستخدام‬
‫�ن أن الروبوتات قد تتمرد عليهم يف‬
‫�ر م�‬
‫اآلالت‪ ،‬فقد زال خوف البش�‬
‫�وم من األيام‪ ،‬ولكن أخي َّ‬
‫حل هذه املعضلة‪ ،‬واآلن هل يعلم أحدكم‬ ‫ي�‬
‫ما هي القوانني الثالثة؟‬
‫رفع نور يده قائ ًال‪:‬‬
‫بشري أو السكوت عما قد يسبب ًأذى له‪.‬‬
‫ّ‬ ‫– –ال جيوز آللي إيذاء‬
‫– –جيب على اآللي إطاعة أوامر البشر إال إذا تعارضت مع القانون األول‪.‬‬
‫�ا ال يتعارض ذلك مع‬ ‫– –جيب على اآلل�‬
‫�ي احملافظة على بقائه طامل�‬
‫القانونني األول والثاني‪.‬‬
‫أردف كينو قائ ًال‪:‬‬
‫– –أحسنت‪ ،‬وهذا حل معضلة التمرد لألبد‪ ،‬ولكن ما حدث هلذا الروبوت‬
‫�يء غريب ونادر للغاية ‪ ..‬على كل حال‬ ‫العائد من الفضاء هو ش�‬
‫لقد انتهت حماضرتنا‪.‬‬
‫�ارج‪ .‬وقف نور مع‬
‫�و احملاضرة‪ ،‬فانطلق الطالب إىل اخل�‬
‫أنهى كين�‬
‫يوس��ف يتبادالن أطراف احلديث‪ ،‬فقال نور‪:‬‬
‫– –يوم ممل آخر يف هذه احلياة‪.‬‬
‫رد يوسف ممازح ًا‪:‬‬
‫يوما مم ًال آخر‬
‫– –ال تزال بنفس نربتك املتشائمة الدائمة‪ ،‬ولكنه ليس ً‬
‫ألن لدي لك مفاجأة ستغري حياتك كلها‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫قطب نور حاجبيه قائ ًال‪:‬‬
‫– –ما هي هذه املفاجأة اليت ستغري حياتي‪ ،‬هل جنحت يف مادة الفلك؟!‬
‫قل لي فليس لدي وقت‪ ،‬أريد العودة إىل املنزل ُألكمل أحباثي‪.‬‬
‫ضحك يوسف قائ ًال‪:‬‬
‫– –ال ليس هذا بالطبع‪ ،‬لن ينجو أحد من هذه املادة‪،‬إنها مفاجأة أعظم‬
‫بكثري ‪..‬أال زلت يف أوهامك اليت تتعلق بأطالنتس املفقودة؟‬
‫قطب نور حاجبيه قائ ًال‪:‬‬
‫�ودة‪ ،‬والكثري من األدلة‬
‫�ت أوهاما‪ ،‬أنت تعلم بأنها كانت موج�‬ ‫– –ليس�‬
‫�فت يف غرب‬ ‫ير إىل هذا وأهمها هي األدلة واأللواح اليت اكتش�‬ ‫تش�‬
‫�ومرية وعندما مت‬ ‫وجدت قبل احلضارة الس�‬ ‫�ارة عتيقة ِ‬
‫مصر حلض� ٍ‬
‫فك اللغة‪ ،‬اكتشفوا إش��ارات كثرية تشري إىل أطالنتس املفقودة‪،‬‬
‫وأنها كانت متتلك علم ًا مل يتخيله أحد بعد‪ ،‬وأش�‬
‫�ارت األلواح إىل‬
‫حروب وقعت بني هذه احلضارة وبني حضارة أطالنتس‪ ،‬ولكن الكثري‬
‫�م علماء اآلثار طبيعة هذه‬‫�ن األدلة كانت مفقودة؛ وهلذا مل يعل�‬ ‫م�‬
‫�ي لبناء مدينة أطالنتس‬ ‫�بب الرئيس�‬ ‫أيضا كان الس�‬
‫احلرب‪ .‬وهذا ً‬
‫�اف األلواح‪ ،‬على كل حال جيب‬ ‫اجلديدة بالقرب من موقع اكتش�‬
‫أن أعلم ما ُكنية هذا العلم رمبا جيعلنا نتوصل للكثري من األشياء‬
‫�يئا!‬
‫اهلائلة اليت ال نعلم عنها ش�‬
‫تنهد يوسف مبلل وقال‪:‬‬
‫– –حسن ًا‪ ،‬حسن ًا‪ ،‬فلتفعل ما حيلو لك‪ ،‬ولكن على كل حال‪ ،‬أتذكر ما‬
‫قاله كينو منذ قليل عن بعثات الفضاء؟‬
‫– –نعم أذكره ‪ ..‬ماذا به؟‬

‫‪9‬‬
‫– –أتذكر اإلعالن القريب لوكالة سيرتا عن حاجتها ملتطوعني لرحلة‬
‫الفضاء اجلديدة للذهاب إىل أندروميدا مرة أخرى؟‬
‫– –نعم أذك�‬
‫�ره‪ ،‬لقد متنيت أن أتطوع فيها ولكن مل حيالفين احلظ ‪..‬‬
‫�ن تعجبت حق ًا من أنهم حاولوا من جديد بعد فش�‬
‫�لهم الذريع‬ ‫ولك�‬
‫�ائر الفادحة اليت تلت هذا الفشل‪.‬‬
‫واخلس�‬
‫بنربة ميلؤها احلماس‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫صمت يوسف قلي ًال ثم اندفع قائال‬
‫ريا وبعد مخس سنوات‪،‬‬ ‫– –نعم لقد فشلوا منذ مخس سنوات‪ ،‬ولكن وأخ ً‬
‫وفى عام ‪ 2050‬قررت سيرتا املخاطرة مرة أخرى وإرسال سفينة ثالثة‬
‫�اف جمرة أندروميدا‪ ،‬أو املرأة ا ُملسلسلة؛ وهلذا قررت‬
‫للفضاء الستكش�‬
‫�باب املتطوعني من مجيع أحناء‬ ‫�جيل للش�‬ ‫الوكالة فتح باب التس�‬
‫العامل‪ ،‬ولكن أتعلم ما هو اخلرب السعيد؟‬
‫– –ما هو؟!‬
‫أخرج يوسف تذكرتني من حقيبته وأراهما لنور‪ ،‬ثم قال حبماس‪:‬‬
‫بطلب لالنضمام إىل الرحلة بامسي وامسك‪ ،‬وتركتها‬ ‫ٍ‬ ‫– –لقد تقدمت‬
‫مفاجأة لك إن مت قبولنا‪ ،‬وهذا يعتمد على معدل الذكاء اجلامعي‬
‫وحمصلة الدرجات اليت حصلنا عليها‪ ..‬وأنا وأنت نتفوق دائم ًا يف هذا‬
‫األمر‪ ،‬ولكن مل أتوقع أنه سيتم قبولنا حقا!‬
‫وقف نور وقد اتسعت عيناه من الدهشة والسعادة‪ ،‬وقال يف محاس وقد‬
‫أمسك بكتف يوسف وأخذ يهزه بقوة‪:‬‬
‫– –أنت ال متزح أليس كذلك؟! هل حقا هذا ما حدث‪ ،‬أرجوك ال متزح معي‪.‬‬
‫– –ال أمزح ‪ ..‬أقسم لك‪ ،‬فكف عن هزي بقوة‪ ،‬وانظر إىل التذكرتني يف يدي‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫سحب نور التذكرتني من يده بسرعة وأخذ يتفقدهما بنهم‪ ،‬وارتسمت‬
‫�ف من قبل‪ ،‬فجلس نور على‬ ‫�امة كبرية على وجهه مل يرها يوس�‬‫ابتس�‬
‫أقرب مقعد له حماو ًال تهدئة اضطراب مشاعره من فرط احلماس‪ ،‬وقلبه‬
‫خيتلج بني ضلوعه‪ ..‬قال حبرية‪:‬‬
‫– –يا إهلي!! ال أصدق أنك فعلتها حقا! هذه أفضل هدية حصلت عليها‬
‫يف حياتي‪ ،‬ال أعرف ماذا أقول حقا‪.‬‬
‫عال قائ ًال‪:‬‬
‫بصوت ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ضحك يوسف‬
‫– –ال تقل شيئا‪ ،‬جهز نفسك فقط فالرحلة بعد ثالثة أيام ‪ ..‬سنذهب‬
‫إىل أطالنتس‪ ،‬ومن اجليد أننا نعيش يف مصر فأطالنتس جزء ال يتجزأ‬
‫من مصر وهلذا فإن الرحلة ستكون قصرية للغاية وهذا ما يسعدني‪.‬‬
‫هز نور رأسه قائ ًال‪:‬‬
‫– –بالطبع‪ ،‬سأذهب ألخرب عائليت بأمر سفري‪.‬‬
‫�ف‪ ،‬وهرول ناحية منزله حمتضن ًا تذكرة الس�‬
‫�فر بقوة‪،‬‬ ‫و َّدع نور يوس�‬
‫واحلماس يسري يف جس��ده وهو يقول بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫�عرت بأن الفضاء يناديين‪ ،‬ويغويين لإلحبار فيه‪ ،‬واكتشاف‬ ‫– –لطاملا ش�‬
‫�د مكاني هنا على‬ ‫�ع؛ فأنا مل أج�‬
‫�وت اهلل يف هذا الكون الشاس�‬‫ملك�‬
‫�ة والتفاهات اليت‬ ‫�س املليء باحلروب والكراهي�‬ ‫هذا الكوكب البائ�‬
‫�كل خاطئ وحتركهم‬ ‫�ي‪ ..‬اجلميع هنا يفهمون احلياة بش�‬ ‫ال تنته�‬
‫�اع واملصاحل‪ ،‬حروب ال تنتهي‪ ،‬دمار ال ينتهي‪ ،‬معاناة ال تنتهي‪،‬‬
‫األطم�‬
‫ولن تنتهي حتى ينتهي هذا الكوكب‪ ،‬لذا فإن سبيلي الوحيد للخالص‬
‫بعيدا حيث العجب العجاب‪ ،‬وحيث‬ ‫�ار ً‬‫من كل هذه اآلالم هو اإلحب�‬
‫سالم وهدوء وسكينة‪.‬‬‫ٍ‬ ‫تلتقي النجوم والكواكب‪ ،‬تسبح بال توقف يف‬
‫يرا جاء الوقت الذي أحقق فيه حلمي الذي انتظرته منذ زمن‪.‬‬ ‫وأخ� ً‬
‫‪11‬‬
‫�هول‬‫�ق نور إىل بيته الذي يقع يف منطقة معزولة حتيطها الس�‬ ‫انطل�‬
‫اخلالبة‪ ،‬فوالده حيب اهلدوء واالبتعاد عن البشر‪ ،‬وقد ورثها نور منه؛ وهلذا‬
‫بعيدا‬
‫وحيدا‪ ،‬ولكنه مل يكن ً‬
‫ً‬ ‫سهل مرتفع يقف بشموخ‬ ‫فإن منزهلم كان على ٍ‬
‫�رى واملوالت‪ ،‬فكان يبعد عنها بضعة أميال فقط‪ ،‬وكان‬ ‫عن البيوت األخ�‬
‫نور يفضل احلياة بهذه الطريقة‪ ،‬احلياة وسط الطبيعة مع اهلواء العليل‬
‫واهلدوء الرائع مع صوت الرياح وهي تداعب السهول لترتاقص يف تناغم‪.‬‬
‫انطلق بدراجته حنو السهل؛ حيث كان حيب اختيار الطريقة الصعبة‬
‫حتى حيافظ على لياقته وليونة جس��ده‪ ،‬وكان قرص الشمس األمحر‬
‫�اب اخلضراء‬‫�عته على الطريق ليمتزج لونه األمحر باألعش�‬ ‫يلقي بأش�‬
‫�عو ًرا بالراحة والسالم‪ ،‬وينذر باقرتاب الغروب‪.‬‬
‫ليضفي ش�‬
‫�هابني يف السماء يلمعان‪ ،‬ولكنه رأى‬
‫أثناء اقرتاب نور من البيت‪ ،‬ملح ش�‬
‫يرا وقد بدأت مالحمه تظهر‪ ،‬فبدا عليه القلق وقال‬ ‫أحدهما يقرتب كث� ً‬
‫بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫– –هل هذا نيزك؟ يبدو أنه يتوجه ناحية املنزل ‪ ..‬جيب أن ُأسرع‪.‬‬
‫مسرعا حنو البيت والقلق يضرب قلبه بقوة‪ ،‬فرأى‬ ‫ً‬ ‫انطلق يشق طريقه‬
‫�يء‪،‬‬‫�زك وهو يقرتب أكثر وأكثر وقد اتضحت مالحمه بعض الش�‬ ‫الني�‬
‫�ه مل ير إذا كان قد‬
‫�وت ارتطامه ُيد ِّوي من بعيد‪ ،‬ولكن�‬
‫�أة مسع ص�‬ ‫وفج�‬
‫�رعته ومحد اهلل أنه ليس هناك أحد يف‬ ‫ارتطم بالبيت أم ال‪ ،‬فأزاد من س�‬
‫البيت اليوم‪ .‬رأى نور بيته يف األفق ومل ميسسه شيء‪ ،‬فشعر بارتياح شديد‪،‬‬
‫�قط‪ ،‬فعرب‬‫�ن فضوله ال يزال حيثه على البحث عن النيزك الذي س�‬ ‫ولك�‬
‫�هول ليجتاز بيته وملح بعض األتربة‬
‫�ط الس�‬ ‫الطريق‪ ،‬ودخل بدراجته وس�‬
‫�قط يف‬ ‫اليت تتصاعد يف األفق‪ ،‬فانطلق حنوها‪ ،‬ولكنه ملح نيزكا آخر يس�‬
‫�قط أمامه سيشرح له كل شيء‪.‬‬ ‫مكان بعيد‪ ،‬فلم يكرتث له‪ ،‬فالذي س�‬‫ٍ‬

‫‪12‬‬
‫بعد دقائق من القيادة‪ ،‬وصل نور إىل موقع السقوط وهو يلهث بشدة وقد‬
‫ابتلت مالبسه بالعرق وأصبح ُمضل الشعر‪ ،‬فرأى حفرة عميقة أحدثها‬
‫�حابة األتربة اليت تغطيها تتالشى شيئ ًا فشيئ ًا حتى‬
‫النيزك وقد بدأت س�‬
‫�يئ ًا غري ًبا للغاية!!‬
‫ظهر النيزك أمامه‪ ،‬ولكنه مل يكن نيزكا! بل كان ش�‬
‫رأى نور أمامه كرة حديدية عمالقة متناسقة ويغطيها اللون األسود‪،‬‬
‫حبذر ليكتشف كنية هذا اجلسم اجملهول الغريب‪ ،‬وانتابته‬
‫ٍ‬ ‫فاقرتب منها‬
‫�يء يف العامل؛ قنبلة‬
‫�أن قد تكون هذه الكرة أي ش�‬
‫�دة قصرية‪ ،‬وفكر ب�‬‫رع�‬
‫�ن أقصى الفضاء وقد‬ ‫�فينة فضاء‪ ،‬جهازا غريبا جاء م�‬ ‫هيدروجينية‪ ،‬س�‬
‫تفنى البشرية بسببه‪ ،‬ولكن فضوله األكادميي غلب خوفه وخماوفه فأخذ‬
‫يلتف حول الكرة الضخمة اليت كانت تبدو وكأنها تتسع لغرفة كاملة‪،‬‬
‫�وداء ملساء للغاية‪.‬‬‫�يء‪ ،‬كانت جمرد كرة س�‬ ‫ولكنه مل ير أي باب أو ش�‬
‫وتردد‪ ،‬وعندما ملسها شعر بشيء يسري يف‬
‫شديد ُّ‬
‫ٍ‬ ‫ببطء‬
‫ٍ‬ ‫وضع نور يده عليها‬
‫جسده للحظات وسرعان ما تالشى هذا الشعور‪ ،‬كان أشبه بصعقة كهرباء‪.‬‬
‫�رة فرتاجع نور يف خوف‪ ،‬ورأى لوحة‬ ‫�أة انفتح جزء صغري يف الك�‬
‫فج�‬
‫�به اللغة‬
‫�ة تظهر‪ ،‬وكانت بها بعض األزرار املكتوبة بلغة غريبة تش�‬
‫غريب�‬
‫املصرية القدمية اليت تعتمد على الرموز‪ ،‬فأصابته احلرية من هذا‪ ،‬ولكن‬
‫�يء ما‪ ،‬رمبا‬
‫�كوكه كانت يف حملها‪ ،‬فهذه تبدو كغرفة بداخلها ش�‬ ‫ش�‬
‫�تمحو مصر‪ ،‬ورمبا ال شيء!‬ ‫خملوق فضائي‪ ،‬ورمبا قنبلة هائلة س�‬
‫اقرتب نور من اللوحة ليتفحصها‪ ،‬فوجد أنها تتكون من تسعة حروف‪،‬‬
‫�ح الكرة‪ ،‬ولكن كيف‬
‫�ر حتى تنفت�‬ ‫ويبدو أنه حيتاج لكتابة كلمة الس�‬
‫سيعلم كلمة السر؟!‬
‫�رعا إىل بيته‬
‫أيضا‪ ،‬ثم عاد مس� ً‬
‫قام نور بتصوير اللوحة بهاتفه والكرة ً‬
‫�رض الصورة على حمرك البحث‬ ‫�اس ميلؤه‪ ،‬ودلف إىل غرفته‪ ،‬وع�‬
‫واحلم�‬

‫‪13‬‬
‫�أن هذه اللغة كانت‬ ‫�دأت النتائج تظهر له‪ ،‬وتفاجأ ب�‬‫�ق إليزا‪ ،‬وب�‬
‫الدقي�‬
‫�يرتا‪،‬‬
‫موجودة بالفعل‪ ،‬ولكن كل املعلومات عنها حتت محاية وكالة س�‬
‫وهلذا فعليه اخرتاق موقع الوكالة للولوج إىل كل املعلومات اليت ختص‬
‫�يئ ًا كهذا! هل‬
‫�يرتا ش�‬ ‫هذه اللغة‪ .‬وتعجب للغاية من إخفاء وكالة س�‬
‫يعلمون شيئا عن الفضاء اخلارجي وخيفونه عنا!! لطاملا كان املهوسون‬
‫بنظرية املؤامرة يتكلمون عن إخفاء وكالة سيرتا الكثري من األسرار اليت‬
‫�ون‪ ،‬لكنه اآلن بات‬
‫ريا مبا يقول�‬‫�ن نور مل يقتنع كث ً‬
‫ختص الفضاء ولك�‬
‫متأكدا من صحة كالمهم‪.‬‬ ‫ً‬
‫دخل أحد الروبوتات اليت تعمل يف املنزل إىل الغرفة‪ ،‬كان فضي اللون‬
‫ذا مالمح باردة ومفاصل حديدية‪ ،‬وينفذ األوامر بدون تساؤالت‪ .‬كان نور‬
‫قد برمج هذا الروبوت واخرتق بعض الربوتوكوالت فيه ليزوده مبميزات‬
‫جديدة مل توضع فيه من األساس‪ ،‬وهذه املميزات حمرمة دول ًيا‪ ،‬كاخرتاق‬
‫تعقيدا‬
‫ً‬ ‫املواقع واحلصول على أية معلومات يف العامل من أكثر الشبكات‬
‫وأمان ًا يف العامل‪ .‬ناول الروبوت نور بعض املشروبات فأوقفه نور قائ ًال‪:‬‬
‫– –لقد برجمتك على أعلى املستويات من الذكاء االصطناعي وزرعت‬
‫فيك الكثري من الوظائف املتنوعة بدون علم أحد‪ ،‬وحان الوقت لرتد‬
‫�يرتا وتعطيين كل‬ ‫�دك أن خترتق موقع وكالة س�‬ ‫لي اجلميل‪ ،‬أري�‬
‫املعلومات عن هذه اللغة الغريبة‪.‬‬
‫– –بالطبع سيدي سأفعل هذا‪.‬‬
‫جلس الروبوت على الكرسي وأخذ يضغط على األلواح اهلولوجرامية‬
‫�ريره يفكر يف سر هذه‬‫لتفتح نوافذ تليها نوافذ‪ ،‬بينما جلس نور على س�‬
‫الكرة الغريبة وسر هذه احلروف‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫تذكر نور صديقه يوسف وكيف أنه سيتحمس مثله ملا حدث‪ ،‬فبعث‬
‫له رسالة صوتية مرفقة بصورة الكرة واحلروف العجيبة‪ ..‬بعد دقائق جاء‬
‫الرد كاآلتي‪:‬‬
‫– –سآتيك خالل ثانية واحدة‪.‬‬
‫ظن نور بأنه يبالغ‪ ،‬ولكنه سرعان ما وجد الباب ينفتح ويوسف يدخل‬
‫�ريره‪ ،‬وقال ليوسف حبنق‬
‫الغرفة وهو يلهث‪ ،‬فذعر نور وقفز من على س�‬
‫وغضب‪:‬‬
‫– –أيها األمحق أال ميكنك أن تطرق الباب؟‬
‫– –آسف ولكن أردت مفاجأتك ‪ ..‬واآلن أين هي الكرة؟‬
‫– –انتظر حتى ينتهي الروبوت من إنهاء االخرتاق وبعدها س�‬
‫�آخذك إىل‬
‫املوقع‪.‬‬
‫�أم لريى متى سينتهي‪،‬‬
‫�ف حاجبيه ونظر إىل الروبوت بس�‬
‫قطب يوس�‬
‫فقال لنور بنربة محاسية‪:‬‬
‫– –أتدري رمبا يكون هذا اكتشاف العصر؟! لو كان هناك بداخل هذه‬
‫�ئ ما من حضارة متقدمة‬ ‫كوكب بعيد‪ ،‬أو ش�‬
‫ٍ‬ ‫الكرة خملوق ما من‬
‫�هرة‪ ،‬أستطيع رؤيتهما‬
‫�يجعلنا نصل إىل اجملد والش�‬ ‫بعيدة‪ ،‬فهذا س�‬
‫�ا جائزة نوبل ‪..‬‬
‫�هادات ورمب�‬
‫أمامي اآلن‪ ،‬األضواء وامليداليات والش�‬
‫ين‪ ،‬فنحن ال نعرف كنية هذا‬ ‫�ن أال جيب علينا إحضار خمتص�‬ ‫ولك�‬
‫الشيء‪ ،‬رمبا يكون شيئا مدمرا!‬
‫زأر نور يقول بلهجة قاطعة‪:‬‬
‫بعيدا عن األعني‪ ،‬وإن مت‬
‫أحدا‪ ،‬سيتم حجز الكرة ً‬‫– –مستحيل لن حنضر ً‬
‫اكتشاف أي شيء فلن يعلمه الع َوام ‪ ..‬سيتم إخفاء هذا السر إىل‬

‫‪15‬‬
‫�مع‬‫األبد كما مت إخفاء الكثري والكثري على مر التاريخ ‪ ..‬أمل تس�‬
‫ما قلته بأن وكالة سيرتا تعلم بأمر هذه اللغة وكانت ختفيها عنا؟‬
‫�يء بأنفسنا ثم‬‫�ف كل ش�‬ ‫– –نعم مسعت ‪ ..‬أنت حمق‪ ،‬جيب أن نكتش�‬
‫خنرب اجلميع بكل شيء وحنظى بالشهرة واملال ‪ ..‬آه !! أستطيع أن‬
‫�طع‪ ،‬لقد جاءنا اخلالص من السماء‪.‬‬‫أرى جنمي وهو يس�‬
‫سعيدا هكذا فنحن مل خنرتق وكالة سيرتا بعد‪.‬‬
‫ً‬ ‫– –ال تكن‬
‫قاطع نور صوت الروبوت قائ ًال بنربة إلكرتونية باردة‪:‬‬
‫– –س�‬
‫�يدي لقد انتهيت من االخرتاق وأصبح لدي مجيع املعلومات اليت‬
‫ختص اللغة‪.‬‬
‫هلل يوسف حبماس قائ ًال‪:‬‬
‫– –رائع‪ ،‬واآلن ِ‬
‫أطلعنا على كل شيء!‬
‫قال الروبوت‪:‬‬
‫– –إن هذه اللغة ختص مدينة أطالنتس القدمية‪ ،‬وهي مستخدمة اآلن يف‬
‫وكالة سيرتا للبحث عن مكان املدينة املفقودة ألسباب غري معلومة‪،‬‬
‫فاملعلومات السرية اليت ختص املدينة خمفية يف أحد اخلوادم السرية‬
‫للوكالة اليت ال أستطيع الولوج إليها إال من داخل الشركة نفسها‪.‬‬
‫�عت عينا نور من الدهشة وابتهج وجهه‪ ،‬وقال ليوسف حبماس ال‬
‫اتس�‬
‫ينضب‪:‬‬
‫– –قلت لك ‪ ..‬قلت لك إن املدينة موجودة ولكنك مل تصدقين ‪ ..‬لقد‬
‫اقرتبت من التوصل إىل شيء ما خيصها وال بد أن سقوط هذه الكرة‬
‫احلديدة الضخمة ليس حمض صدفة‪ ،‬إنه القدر ُ‬
‫املتم يا صديقي‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫�ف قلي ًال يفكر فيما مسعه اآلن‪ ،‬وهو ي�‬
‫�ذرع الغرفة ذها ًبا‬ ‫صمت يوس�‬
‫�ر حاجز الصمت قائ ًال‪:‬‬‫وإيا ًبا‪ ،‬ثم كس�‬
‫�ب عبثا‪ ،‬ولكن ما‬ ‫– –رمبا تك�‬
‫�ون جهودك يف البحث عن املدينة مل تذه�‬
‫�اء بأطالنتس‪ ،‬أنا ال أفهم؟‬
‫�قطت من الفض�‬ ‫عالقة كرة غريبة س�‬
‫– –وال أنا‪ ،‬ولكن سنحلل احلروف على الكرة ومن َثم ستتضح الكثري من‬
‫األشياء‪.‬‬
‫توجه يوسف إىل احلاسوب اهلولوجرامي‪ ،‬وبدأ يتفقد األحرف والرموز‬
‫ير إىل شيء‪ ،‬فبدأ‬‫ومعانيها ووجد أن الرموز متثل كلمات‪ ،‬فكل رمز يش�‬
‫�ابهات ومعاني الرموز‬
‫�وب وحساب التش�‬ ‫بتحليل الورقة معه على احلاس�‬
‫�ف دهشة كبرية‪،‬‬ ‫معا‪ ،‬فخرج له الناتج‪ ،‬ففغر فاهه وأصاب يوس�‬
‫جمموعة ً‬
‫�ري بل كانت رسالة مشفرة!‬ ‫وفكر بأن الرموز مل تكن إلدخال كود س�‬
‫كان معنى الرموز كاآلتي‪:‬‬
‫– –ما يسقط من الفضاء يسقط معه العلم املفقود الذي سيحرر البشر‬
‫�ة احلقيقية قبل حلول‬
‫�ل‪ ،‬ويفتح األفق هلم ملعرف�‬
‫�ن براثن اجله�‬‫م�‬
‫الدمار‪ ،‬ولكي تنفتح الكرة جيب أن ُتس�‬
‫�لم إرادتك هلا‪.‬‬
‫�يئ ًا مما قرآه‪ ،‬ولكن ما ُأثار دهشتهما هو املقصد من العلم‬
‫مل يفهما ش�‬
‫�يحرر البشر قبل الدمار‪ ،‬وما هي احلقيقة املعنية؟ وماذا‬ ‫املفقود الذي س�‬
‫�ليم إرادتك هلا؟ كل هذه األفكار كانت تتضارب يف رأسيهما‬ ‫يعين بتس�‬
‫بال توقف‪ ،‬فقطع يوسف حبل أفكار نور قائ ًال بإحباط‪:‬‬
‫– –أعتقد أننا جيب أن خنرب السلطات!‬
‫انفعل نور عليه ونظر له جبدية وصرامة شديدة‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫�يأخذون السر ألنفسهم وخيفونه‪ ،‬وقد يتم‬ ‫– –لن نفعل ‪ ..‬قلت لك س�‬
‫استخدام هذا العلم املخفي يف الشر ‪ ..‬جيب أن نعرف حنن احلقيقة‬
‫�يء ‪..‬‬‫�نخربهم بكل ش�‬ ‫أو ًال‪ ،‬وإن كان هناك خطر يهدد حياتنا س�‬
‫يوسف‪ ،‬أنت تعلم كم قضيت من الوقت يف البحث عن أطالنتس وقراءة‬
‫كل الفرضيات والقصص اليت ختصها‪ ،‬وبعد كل هذا تريد أن أسلم‬
‫جهدي للحكومة اليت ستخفي كل شيء كما تفعل دائما وأعود إىل‬
‫جمددا!! لن أفعل هذا‪ ،‬سأفعل هذا معك أو من غريك‪.‬‬
‫ً‬ ‫نقطة الصفر‬
‫�ه عناد نور عندما تأخذه احلمية يف‬
‫كان يوسف يعلم يف قرارة نفس�‬
‫�اف شيء جمهول‪ ،‬فهو حيب التأمل والبحث يف كل ما هو غريب‬ ‫اكتش�‬
‫�رار واملعضالت اليت ختص‬‫�ول وحماولة التوصل للعديد من األس�‬ ‫وجمه�‬
‫�ه يف حياته‪ ،‬وليس من الغريب أنه‬
‫�خص قابل�‬‫عاملنا‪ ،‬وهلذا فهو أذكى ش�‬
‫دائما‪ ،‬فقال يوسف بسأم واستسالم‪:‬‬
‫حيصل على املركز األول يف اجلامعة ً‬
‫�نا‪ ،‬سأذهب معك‪ ،‬ولكن إن حدث أي خطر يهدد حياتنا أو حياة‬ ‫– –حس�‬
‫�لطات بدون تردد‪ ،‬وال تنسى بأن رحلتنا إىل‬
‫�رية فسأكلم الس�‬ ‫البش�‬
‫�لنا يف اكتشاف أي‬ ‫�تكون بعد ثالثة أيام وهلذا فإن فش�‬
‫الفضاء س�‬
‫�يء فسنسلم كل شيء للسلطات ونذهب إىل الرحلة اليت قد تغري‬ ‫ش�‬
‫أيضا‪.‬‬
‫حياتنا إىل األبد ً‬
‫�ارعا بالذهاب إىل موقع الكرة اليت كان‬
‫�روطه وس�‬ ‫وافق نور على ش�‬
‫شعاعا أزرق‬
‫ً‬ ‫يوسف متشوق ًا للغاية من أجل رؤيتها‪ ،‬وأثناء سريهما شاهدا‬
‫�ا كنيته ولكنهما مل يهتما‬
‫�ماء ومل يفهم�‬‫من مكان بعيد يرتفع إىل الس�‬
‫�ديد على هدفهما‪.‬‬ ‫ريا‪ ،‬لرتكيزهما الش�‬ ‫كث ً‬
‫وبعد دقائق وصال إىل وجهتهما املنشودة‪ ،‬واندهش يوسف من حجمها‬
‫اهلائل ومظهرها الغريب‪ ،‬فقال بنربة مندهشة‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫– –يا إهلي ما هذا؟! إنها تشبه مركبة فضائية من نوع ما‪ ،‬ولكن كيف‬
‫نسلم إرادتنا هلا أنا ال أفهم؟‬
‫مهما‪:‬‬
‫قال نور وقد تذكر شيئا ً‬
‫– –عندما ملستها أول مرة شعرت بشعور غريب‪ ،‬كأن شيئا ما خياطبين من‬
‫الداخل‪ ،‬ولكنه كان للحظة فقط‪ ،‬وبعدها ظهرت اللوحة الغريبة اليت‬
‫تراها أمامك ‪ ..‬رمبا جيب أن نلمسها لبعض الوقت وحناول الشعور‬
‫مبا داخلها ‪ ..‬رمبا تكون املعلومات داخلها تنتقل عن طريق التخاطر!‬
‫– –أمتزح معي ‪ ..‬عن طريق التخاطر؟! ولكن على كل حال لن تضرنا‬
‫التجربة‪.‬‬
‫�را إىل بعضهما البعض يف‬ ‫�ف منها ونظ�‬ ‫كل من نور ويوس�‬
‫ترب ٍ‬ ‫اق�‬
‫�ا أعينهما يف حماولة‬
‫�ديد ثم وضعا أيديهما على الكرة وأغمض�‬ ‫توتر ش�‬
‫ترخاء ورؤية ما حيدث‪ .‬فجأة شعرا بشيء ما يسري يف جسديهما‪،‬‬ ‫لالس�‬
‫�يء الذي شعر به من قبل‪ ،‬بينما تفاجأ‬‫وتذكر نور أن هذا هو نفس الش�‬
‫�ك‪ .‬استمر‬ ‫�عور وكاد أن يبعد يديه‪ ،‬ولكنه متاس�‬
‫�ف من هذا الش�‬ ‫يوس�‬
‫النبض الغريب الذي يصدر من الكرة يف االنسالل داخلهما وبدأت بعض‬
‫الرؤى الغريبة تظهر هلما يف خميلتهما‪ ..‬مدينة هائلة مل يريا مثلها من‬
‫قبل ‪ ..‬دمار وخراب ‪ ..‬حروب مدمرة ‪ ..‬طوفان هائل ُيغرق كل شيء‬
‫�ه ناحية املدينة العظيمة ‪ ..‬علوم مل يريا مثلها من قبل ‪ ..‬ضوء‬
‫ويتوج�‬
‫�ماء‪ ،‬وبلورة غريبة الشكل ليس هلا مثيل‪.‬‬
‫براق ينبعث من الس�‬
‫تغي يف الكرة وقد أخذت تنبض بقوة‪ ،‬فأبعدا‬
‫�عرا بأن هناك ُّ‬ ‫فجأة‪ ،‬ش�‬
‫�ا وتراجعا إىل الوراء يف خوف وهما يتبادالن النظرات‪.‬‬
‫أيديهما عنه�‬
‫�عاعا هائ ًال أزرق الل�‬
‫�ون يندفع إىل‬ ‫�ت الكرة ببطء لتصدر ش� ً‬
‫انفتح�‬
‫السماء‪ ،‬ثم اختفى الضوء وتالشى‪ ،‬وقد حتولت الكرة إىل أرضية حديدية‬

‫‪19‬‬
‫�عريرة تسري يف جسديهما من‬ ‫يندفع منها ضباب غريب بارد جعل القش�‬
‫برودته‪ .‬وكان هذا الشعاع يشبه الشعاع الذي شاهداه أثناء توجههما إىل‬
‫�ئ ما‪ ..‬مسعا وقع أقدام‪ ،‬فازداد‬
‫موقع الكرة‪ .‬ومن بني الضباب حترك ش�‬
‫توترهما وذعرهما وبدآ بالرتاجع إىل اخللف يف خوف‪ ،‬ومل يغضا طرفيهما‬
‫�عرا بهالة قوية حتيط بهما وتضغط على‬ ‫عن الضباب للحظة‪ .‬فجأة ش�‬
‫جسديهما وكأن اجلاذبية قد تضاعفت‪ ،‬فسقطا على ركبتيهما‪ ،‬وصرخا‬
‫جبال فوق ظهريهما‪ ،‬مع إحساس بأن‬ ‫ٍ‬ ‫من األمل وشعرا وكأنهما حيمالن‬
‫�يء من حوهلما‬ ‫�حب منهما تدرجي ًيا‪ .‬وفجأة أصبح كل ش�‬‫وعيهما ينس�‬
‫سبات عميق‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ظالم وسقطا يف‬
‫أجسام غريبة يف مواقع‬
‫ٍ‬ ‫وفى أحناء العامل انتشرت األخبار عن سقوط‬
‫خمتلفة حول العامل‪ ،‬وتزامن هذا السقوط مع مترد غريب غري متوقع من‬
‫الروبوتات يف القاهرة اجلديدة يف كل بيت ومتجر ومبنى ومدينة‪ ،‬تزامنًا‬
‫مع انتشار ضباب غريب حول املدينة العريقة‪ ،‬ووقوع العديد من القتلى يف‬
‫كل مكان‪ .‬وكانت الروبوتات تتحرك يف جيوش منظمة وتصنع األسلحة‬
‫لقتل البشر‪ ،‬واستنتج اخلرباء بأن هناك حقال مغناطيسيا جمهول اهلوية‬
‫داخل الضباب يشتت اآلالت مما جعلها عدائية ضد البشر‪.‬‬
‫�م الذي توقعه العديد‬
‫حترك اجليش املصري ضد هذا العدوان الغاش�‬
‫من البشر منذ زمن بعيد‪.‬‬
‫توجهت الكامريات حول العامل لتصور الروبوتات يف القاهرة اجلديدة‬
‫�وارع وهي‬‫ير يف الش�‬‫�لق املباني وتقتل كل من بداخلها‪ ،‬وتس�‬‫وهي تتس�‬
‫تنقض على كل من تراه أعينهم بال رمحة‪ ،‬وبدأ البشر يف محل أسلحتهم‬
‫ومقاتلة الروبوتات يف معارك ضارية‪ ،‬ولكنها كانت تنتهي بانتصار اآلالت‪.‬‬
‫تقدم اجليش ألخذ إجراءات ضرورية يف هذه األزمة وانسلوا يف شوارع‬
‫مجيعا بال رمحة‪،‬‬
‫ً‬ ‫�حقهم‬ ‫املدينة ليتصدوا للروبوتات املتمردة‪ ،‬ولكن مت س�‬
‫‪20‬‬
‫مما جعل مصر يف خطر شديد إن مل يتم إيقاف هذا العدوان يف القاهرة‪.‬‬
‫�ة الروبوتات ألن الرؤية كانت‬
‫�اب جيعل من الصعب مقاتل�‬ ‫وكان الضب�‬
‫شبه معدومة بينما كان من السهل للروبوتات مقاتلتهم‪.‬‬
‫�قوط‪ ،‬ودمار هائل‪ ،‬وماليني الضحايا سقطت‬‫معارك‪ ،‬وانفجارات‪ ،‬وس�‬
‫ير اهللع والدمار‪.‬‬
‫�يء غ�‬
‫لا رمحة أمام هذه القوة املدمرة ومل يتبق ش�‬‫ب�‬
‫�تطاعت تدمري العديد من‬‫�ت الروبوتات لتحتل باقي مصر واس�‬ ‫وانطلق�‬
‫املدن الكبرية‪.‬‬
‫جيدا‪ ،‬فتوجه‬
‫وأمنت نفسها ً‬‫وضعت أطالنتس اجلديدة محاية كبرية َّ‬
‫اجلميع إليها طل ًبا للمساعدة‪ .‬وفى هذه األثناء انتشر الضباب ليعم باقي‬
‫الكوكب ولينتش��ر مترد اآلالت يف كل أحناء العامل‪ ،‬فهرب العديد من‬
‫�ر من كل أحناء العامل إىل أطالنتس؛ ألنها كانت منيعة أمام هذا‬ ‫البش�‬
‫العدوان‪ .‬وانقطعت كل االتصاالت للعامل اخلارجي عن أطالنتس اليت مل‬
‫تعد تعلم ما حيدث للعامل اآلن‪.‬‬
‫أصبحت الكرة األرضية من اخلارج محراء اللون من النريان اليت تغطي‬
‫كافة القارات والروبوتات اليت تسري بربود وهي حترق وتقتل كل ما تراه‪.‬‬
‫فجأة وسط كل هذه األخبار ُعرض خرب انتشر على املواقع كهشيم‬
‫�عاعا غري ًبا‬
‫�يا‪ ،‬والذي ملح ش� ً‬
‫النريان ألحد الصحفيني املختبئني يف روس�‬
‫�كان‪ ،‬فتوجه إىل املوقع ليجد‬‫يصدر من أحد األماكن غري املأهولة بالس�‬
‫كرة عمالقة غريبة تنفتح وأمامها شخص ضخم اجلثة عريض املنكبني‪،‬‬
‫ويبدو أنه من جعلها تنتفح‪.‬‬
‫تراجع الفتى الضخم ذو الشعر األشقر إىل الوراء وهو يرى هذا البخار‬
‫البارد الذي يندفع ناحيته‪ ،‬وفجأة انسحب وعيه منه وسقط على األرض‬
‫�عر مبثله من قبل وهو يرى‬ ‫مغش� ًيا عليه‪ ،‬فشعر الصحفي برعب مل يش�‬

‫‪21‬‬
‫�خصا يبلغ طولة ثالثة‬‫�يء الذي خرج من بني البخار‪ ،‬كان ش� ً‬ ‫هذا الش�‬
‫�ي‪ ،‬كان السواد يغطيه ومل يستطع‬ ‫أمتار ويبدو أضخم من الفتى الروس�‬
‫�ف الذي يلتف حوله‪ ،‬ولكنه رأى‬ ‫�يء من الضباب الكثي�‬ ‫الصحفي رؤية ش�‬
‫انعكاسا للنجوم والكواكب على وجهه‪ ،‬وفجأة توجه نظره إىل الصحفي‬ ‫ً‬
‫الذي كاد يشهق من الرعب ولكنه وضع يده على فمه‪ ،‬ثم وقف وركض‬
‫�رع ما لديه قبل أن خيرتق شئ ما جسده‪ ،‬فسقط على األرض ورئتيه‬ ‫بأس�‬
‫حتاربان من أجل بعض اهلواء‪ ،‬وعلم بأن هذه نهايته‪ ،‬فحرك يديه الواهنة‬
‫�ال ثم وافته املنية‪.‬‬
‫بصعوبة حتى وجهها إىل الكامريا وضغط زر اإلرس�‬
‫�رعة رهيبة‪ ،‬وتناقلت األخبار عن‬ ‫انتقل هذا املشهد حول العامل يف س�‬
‫غزو من الفضائيني والبعض اآلخر يفسرها بأنها من البشر وهناك شيء‬
‫�ات واهلروب من غزو اآلالت املرعب إىل‬‫ما جيري هنا‪ .‬واستمرت النقاش�‬
‫وقت طويل‪ ،‬وكانت عناوين األخبار كالتالي‪:‬‬
‫– –فليحفظنا اهلل‪.‬‬
‫�قطت العديد من مدن االحتاد اإلسالمي يف الشرق وتلتها بعض‬ ‫– –س�‬
‫�رب‪ ،‬ومل تعد العديد من املدن آمنة‪.‬‬
‫دول االحتاد األوروبي يف الغ�‬
‫�م ولكن يبدو أن‬
‫�دأت اجليوش بالتحرك لصد هذا العدوان الغاش�‬‫– –ب�‬
‫حماوالتهم باءت بالفشل‪.‬‬
‫– –فلندعو اهلل أن يرحم أرواحنا بعد املوت‪.‬‬
‫– –هل هناك حد لقوة اآلالت؟ هل ينتصر املصنوع على الصانع؟‬
‫– –اليوم سيكتب التاريخ عن بداية عصر جديد‪.‬‬
‫***‬

‫‪22‬‬
‫‪2‬‬

‫�تيقظ نور من النوم مبتال بالعرق‪ ،‬خمضل الشعر‪ ،‬الهث ًا وقد بدت‬‫اس�‬
‫شاحب الوجه‪ ،‬وعينيه حترتقان‪ ،‬وبالكاد يرى شيئًا‪..‬‬
‫َ‬ ‫الرؤية خافتة‪ .‬كان‬
‫يشعر باإلرهاق واألمل يف كل أعضائه‪ ،‬وكانت هناك غيمة ضبابية ختيم‬
‫على عينيه وجتعل من الصعب رؤية أي شيء‪ ،‬فكل ما يراه هو أنوار بيضاء‬
‫�دأ يلتقط ما حوله بصعوبة‪،‬‬ ‫�عة تأتي من مكان ما‪ .‬وبعد حلظات ب�‬ ‫ُمش�‬
‫غرفة بيضاء‪ ،‬وبعض األجهزة‬‫ً‬ ‫�يئًا‪ ،‬فرأى‬
‫وبدأت األشكال تتضح شيئًا فش�‬
‫املضيئة حوله‪ ،‬وشعر برأسه يكاد ينفجر من الصداع‪ ،‬وذاكرته ال ختدمه‬
‫�ا‪ ،‬فهو ال يتذكر أين كان آخر مرة‪ ،‬أو ماذا حدث له قبل أن ينام!‬ ‫ً‬
‫إطالق�‬
‫�خص ما وسط السهول ينظران إىل‬ ‫فآخر ما يتذكره هو أنه كان مع ش�‬
‫شيء كروي الشكل‪ ،‬ولكن ذاكرته كانت مشوشة للغاية‪.‬‬
‫�ديدة وجلس على حافة‬ ‫�رير بصعوبة ش�‬ ‫عدل من وضعيته على الس�‬
‫�ده ضعيف وواهن للغاية‪ ،‬فمسح عينيه يف‬ ‫�عر بأن جس�‬‫�رير وهو يش�‬
‫الس�‬
‫�هور‪ ،‬وبدأ‬
‫�يء‪ ،‬فأحس وكأنه نائم منذ ش�‬ ‫�ة لرؤية أي ش�‬
‫حماولة بائس�‬
‫يتحسس جسده فوجد بعض احملاليل الطبية معلقة عليه‪ .‬فقال والتوتر‬
‫يسرى يف جسده‪:‬‬
‫– –هل أنا يف املش�‬
‫�فى؟ ولكن ما الذي حدث البارحة؟! أنا ال أتذكر أي‬
‫شيء!‬

‫‪23‬‬
‫�عر باخلوف يسري يف أوصاله‪،‬‬ ‫�ده بقوة وهو يش�‬‫نزع احملاليل من جس�‬
‫�رير‬‫فبدأت بعض األجهزة تصدر أصوات ًا‪ ،‬وحاول أن يرتجل من على الس�‬
‫ولكنه سقط وشعر أن قدميه ضعيفتني للغاية ال تقويان على محله‪ ،‬فهدأ‬
‫قليل وحاول أن يتمالك نفسه ويتذكر ما حدث له ليلة البارحة‪ ،‬ولكن‬ ‫ً‬
‫الضباب كان خييم على ذاكرته بالكامل‪.‬‬
‫أخذ الصداع يزداد أكثر فأكثر‪ ،‬فوضع يده على رأسه وضغط عليها‬
‫عال‪:‬‬
‫بصوت ٍ‬
‫ٍ‬ ‫يف حماولة بائسة إلسكات األمل‪ ،‬ولكن بال جدوى‪ ،‬فبدأ ينادي‬
‫– –هل هناك أي أحد هنا؟ أحتاج إىل املساعدة ‪ ..‬أنا ال أستطيع احلركة‪.‬‬
‫تنبه نور يف تلك اللحظة أنه يشعر جبوع شديد كأنه مل يأكل منذ‬
‫ًً‬
‫حماول العودة لسريره‬ ‫شهور‪ ،‬ومعدته تقرقر بقوة‪ ،‬فبدأ يزحف على يديه‬
‫�ه‪ ،‬وبكل ما أوتي من عزم‬‫والوهن قد متكن من يديه‪ ،‬فتحامل على نفس�‬
‫�رير وبدأ يدفع جسده ألعلى وهو يتأمل ويداه ترجفان‬
‫وضع يده على الس�‬
‫بقوة‪ ،‬وبعد جهد كبرياستطاع أن يرفع نفسه على السرير‪ ،‬فنام على ظهره‬
‫�ه بصعوبة وقد أخذ العرق يتصبب بقوة من جبينه‪.‬‬ ‫وأخذ يلتقط أنفاس�‬
‫�ن احلائط قائال بنربة باردة‬
‫صمت طويل مسع صوتًا يصدر م�‬
‫ٍ‬ ‫�د‬
‫وبع�‬
‫وصوت عميق أجش‪:‬‬
‫– –استيقظت أخ ً‬
‫ريا!! فلرتكز على التعليمات اليت ستسمعها مين ألني‬
‫لن أعيدها مر ًة أخرى‪.‬‬
‫صمت الصوت فرتة ليعطي نور الفرصة الستيعاب ما قاله ثم استطرد‬
‫ً‬
‫قائل‪:‬‬
‫�رير‪ ،‬وحتديدا على املكتب الذي عن ميينك‬‫– –أوال ستجد جبانب الس�‬
‫�د يكون آخر‬
‫�أكل هذا الطعام ألنه ق�‬
‫�ض الطعام‪ ،‬وحقنة‪ ،‬فلت�‬ ‫بع�‬
‫�ك بها‬‫�بة للحقنة‪ ،‬فلتحقن نفس�‬ ‫طعام لك هذه الليلة‪ ،‬أما بالنس�‬
‫‪24‬‬
‫�ط سيعيد لك وظائفك احليوية‪،‬‬ ‫يف ذراعك‪ ،‬فهي عبارة عن منش�‬
‫�تطيع أن تتحرك من جديد‬ ‫وجيدد اخلاليا امليتة بداخلك لكي تس�‬
‫وال جتد صعوبة يف احلرك��ة ‪ ..‬فلتأخذها بعد أن تأكل‪.‬‬
‫مفكرا يف املأزق‬
‫ً‬ ‫�ا قاله الصوت‬
‫�دأ نور ‪ -‬احلائر من أمره ‪ -‬بتنفيذ م�‬
‫ب�‬
‫�ة الطعام‪ ،‬فمد يده‬‫�ه اآلن‪ .‬نظر ميينه ليجد علب�‬‫�ه في�‬‫الذي وجد نفس�‬
‫طعاما ذا رائحة غريبة‪ ،‬فبدا على مالحمه النفور‪،‬‬
‫ً‬ ‫وأخذها وفتحها ليجد‬
‫فسمع الصوت يقول‪:‬‬
‫�مومة أو متعفنة‪ ،‬رائحتها غريبة فقط‪ ،‬إال أن‬ ‫– –ال ختف ليس�‬
‫�ت مس�‬
‫طعمها سيعجبك‪.‬‬
‫�ه باجلوع كان أكرب‪ ،‬ومل‬ ‫�اس نور بالنفور إال أن إحساس�‬
‫ورغم إحس�‬
‫يستطع االحتمال أكثر من ذلك فوضع امللعقة يف احلساء ورفعها إىل فمه‬
‫عال‪:‬‬
‫بصوت ٍ‬
‫ٍ‬ ‫برتدد ثم تذوق طعمه‪ ،‬ففوجئ بطعمه الرائع والغريب‪ ،‬فقال‬
‫– –مما يتكون هذا احلساء؟‬
‫رجل يف‬
‫كنربة صوت ٍ‬
‫ِ‬ ‫�دو‬
‫�ال الصوت بنفس النربة الباردة اليت تب�‬
‫فق�‬
‫األربعينات من عمره‪:‬‬
‫– –ال يهم مما يتكون أكمل طعامك فحسب‪.‬‬
‫فقال نور وهو ينظر للسقف صارخا وانبجس الدم إىل عينيه‪:‬‬
‫– –أين أنا؟ وملاذا أنا حمتجز هنا؟ ومن أنت؟‬
‫ولكن الصوت مل ُيب والتزم الصمت‪ .‬استكمل نور طعامه وهو يرجتف‬
‫كورقة يف مهب الريح من أثر الضعف واخلوف والغضب‪ ،‬وبعدما انتهى‪،‬‬
‫�ائل أمحر اللون‬‫�كل واليت كان بداخلها س�‬
‫نظر إىل احلقنة غريبة الش�‬
‫يلمع على ضوء الغرفة‪ .‬كان السائل يف أنبوبة يف مسدس صغري معلقة‬

‫‪25‬‬
‫�دس ينتهي بإبرة قصرية‪ ،‬فأدرك نور‬ ‫فوق اجلزء العلوي منه‪ ،‬وكان املس�‬
‫مرتددا للحظات‪ ،‬ثم‬
‫ً‬ ‫�ك احلقنة بتوتر وبدا‬‫على الفور آلية عملها‪ ،‬فأمس�‬
‫أدخل اإلبرة يف ذراعه اليمنى‪ ،‬وضغط على الزناد ليندفع السائل بداخله‪،‬‬
‫�ده بقوة شديدة‪ ،‬فصرخ من شدة‬ ‫�اعرا بوخز شديد وأمل يسري يف جس�‬ ‫ش�‬
‫�اء الصوت مرة أخرى حماوال أن خيفف عنه قائال‪:‬‬ ‫األمل‪ ،‬فج�‬
‫لاح كل اخلاليا امليتة‬ ‫– –س�‬
‫�يؤملك كثريا يف البداية‪ ،‬حتى يتم إص�‬
‫واملدمرة بداخلك‪.‬‬
‫فقال نور بغضب ممتزج بأمل‪:‬‬
‫– –أيها الوغد سأقتلك إن وضعت يدي عليك‪.‬‬
‫فرد الصوت بنفس النربة الباردة‪:‬‬
‫جيدا‬ ‫– –س�‬
‫�يد نور‪ ،‬فلتدرك أنك حتت رمحيت هنا‪ ،‬فلتنتقي كالمك ً‬
‫كي ال تندم على هذا‪.‬‬
‫شعر نور بعد بضعة دقائق بتدفق الطاقة داخله جمددا‪ ،‬وأن يديه وقدميه‬
‫عادتا للعمل جمددا‪ ،‬وشعر باحليوية والنشاط ميآلن جسده‪ ،‬فقام من على‬
‫يرا إليه‪ ،‬وقال بنربة غاضبه‪:‬‬
‫�ريره ونظر إىل احلائط ورفع إصبعه مش�‬ ‫س�‬
‫– –واآلن ‪ ..‬أخرجين من هنا حاال‪.‬‬
‫فقال الصوت بضحكة ساخرة‪:‬‬
‫– –لك ما أردت‪ ،‬واآلن فلنبدأ‪.‬‬
‫اقرتب نور من الباب فتغري لون القفل اإللكرتوني من األمحر لألخضر‪،‬‬
‫فانفتح الباب بصوت صفري استمر ثوان معدودة‪ ،‬ثم خرج نور من الغرفة‬
‫ليجد نفسه يف ردهة بيضاء ممتدة إىل ما ال نهاية‪ ،‬تنريها بعض املصابيح‬

‫‪26‬‬
‫املعلقة‪ .‬حاول أن يصل بنظره إىل نهاية الردهة‪ ،‬ولكنه مل ير نهايتها ‪ ..‬مل‬
‫حرا طليق ًا‪ ،‬وبعد دقيقة كاملة أخذ يركض‬ ‫يلبث أن أخذ يتنفس تنفسا ً‬
‫�يء مألوف غري‬ ‫باحث ًا عن أي ش�‬
‫ً‬ ‫قاطعا الردهة وهو يتلفت حوله‬
‫ً‬ ‫ًً‬
‫مهرول‬
‫هذا اللون األبيض الذي يصبغ كل شيء‪ ،‬بينما يصرخ وينادي‪:‬‬
‫– –هل هناك أحد هنا؟! فليساعدني أحدكم!‬
‫�ن مل جيبه أحد‪ ،‬وبعد فرتة طويلة من الركض بدون أن جيد أي‬ ‫ولك�‬
‫يرا بالتعب فتوقف مكانه واحننى متكئًا بكفيه‬
‫أبواب أو نوافذ‪ ،‬أحس أخ� ً‬
‫على ركبتيه وهو يلهث قائال‪:‬‬
‫– –هذا املمر بال نهاية‪.‬‬
‫فسمع الصوت املزعج حيدثه ويرتدد صداه يف الردهة كلها قائال‪:‬‬
‫– –أحيانا يكون احلل أمامنا وأس�‬
‫�هل مما نتوقع ولكننا ال نراه‪ ،‬ألننا ال‬
‫ننظر ناحيته‪.‬‬
‫نظر نور وراءه مل جيد باب الغرفة الذي خرج منه‪ ،‬مما زاد من حريته‪،‬‬
‫�ن أن تكون قد‬‫�تقيم ال ميك�‬
‫ير منذ خرج من الغرفة خبط مس�‬ ‫فهو يس�‬
‫�ي امتد وراءه كما ميتد أمامه‪.‬‬
‫�ت‪ ،‬إال أن اللون األبيض الالنهائ�‬
‫اختف�‬
‫بصوت عال ً‬
‫قائل‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫فصرخ‬
‫– –أنت أيها الوغد‪ ،‬ما الذي حيدث هنا؟ أخرجين من هنا!‬
‫ً‬
‫متجاهل إهانات نور املتتالية‪:‬‬ ‫فخرج الصوت قائال بنرباته الباردة‬
‫– –جيب أن تبحث عن املخرج بنفسك‪ ،‬األمر أسهل مما تتخيل ولكنك‬
‫تعقده على نفسك بتفكريك السطحي والساذج‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫�ديد ولكنه كتم غيظه بداخله‪ ،‬فنور شخصية‬ ‫شعر نور بالغيظ الش�‬
‫متاما عندما يكون يف مأزق وال يعلم أين املخرج‬
‫هادئة بطبعه ولكنه يتغري ً‬
‫أو ماذا حيدث حوله‪.‬‬
‫شاعرا باالختناق والتوتر يف نفس‬
‫ً‬ ‫أكمل طريقه وهو يتفحص املكان‬
‫الوقت‪ ،‬فأخذ ينظر حوله يف حماولة بائسة منه لكي جيد أي خمرج ولكن‬
‫دون جدوى‪ ،‬فقال الصوت بنربة ساخرة‪:‬‬
‫– –احلل أبسط مما ختيل‪ ،‬فكر جيدا‪ ،‬وأمعن النظر‪.‬‬
‫�ا عميقا‪ ،‬وحاول أن يصفى أفكاره‪ ،‬ويزيل التوتر عنه‪ ،‬ثم‬
‫أخذ نور نفس�‬
‫جمددا وهو يقول يف نفسه‪:‬‬
‫ً‬ ‫فتح عينيه‪ ،‬وبدأ يركض‬
‫– –ال يوجد شيء بال نهاية‪ ،‬بالتأكيد سأعثر على نهاية هلذا الرواق‪.‬‬
‫إال أنه مبرور الوقت أحس بالتعب مر ًة أخرى بدون أن يرى ش�‬
‫�يئًا غري‬
‫�تندا إىل احلائط‬
‫�ض‪ ،‬فجلس على األرض مس� ً‬ ‫�ع األبي�‬
‫االمتداد الشاس�‬
‫وأغمض عينيه يف يأس‪ ،‬فجاء الص��وت من جديد ً‬
‫قائل‪:‬‬
‫ريا‪ ،‬ولكن تذكر لن يكون هناك أي‬ ‫تلميحا أخ ً‬
‫ً‬ ‫�أعطيك‬ ‫– –حس�نًا‪ ،‬س�‬
‫مساعدة أخرى ‪ ..‬ستبقى هنا لألبد إذا مل تفهم تلميحي األخري ‪..‬‬
‫واآلن استمع جيدا‪.‬‬
‫رفع نور رأسه للسقف وبدا الرتكيز باد ًيا على وجهه فاستطرد الصوت‬
‫ً‬
‫قائل‪:‬‬
‫– –إذا استطعت أن جتيب على هذا السؤال ستجد املخرج بالتأكيد‪ ،‬ما‬
‫�تطيع اهلروب من العامل به‪ ،‬وال تستطيع مجيع‬
‫هو الشيء الذي تس�‬
‫أنظمة العامل أن تنتزعه منك؟‬

‫‪28‬‬
‫�يء‬
‫�ور يفكر جيدا وكلمات الصوت ترتدد يف عقله‪ ،‬ما هو الش�‬ ‫بدأ ن�‬
‫�يء‬
‫�تطيع اهلروب من العامل به؟ أخذ نور يفكر ما هو هذا الش�‬
‫الذي تس�‬
‫فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫�تطيع أحد أن يهرب من هذا العامل يف األساس‪ ،‬فأنت روحك‬ ‫– –هل يس�‬
‫حمتجزة فيه‪ ،‬حتى متوت‪ ،‬وستظل حتت سيطرة احلكومات والسلطات‬
‫�تظل تدفع‬‫�ذا العامل البائس‪ ،‬س�‬ ‫�رب منهم‪ ،‬ومن ه�‬ ‫�ا‪ ،‬وال مه�‬
‫العلي�‬
‫�ب وتذهب إىل العمل بال توقف‪ ،‬وتنجب أطفاال يكررون نفس‬ ‫الضرائ�‬
‫�رة اليت ال تنتهي‪ ،‬فأنت كالعبد‬ ‫�تمر الدائ�‬
‫ما فعلته أنت‪ ،‬وهكذا تس�‬
‫عندهم وليس لك احلرية يف فعل أي شيء‪ ،‬وإن كان حظك مجيال‬
‫ستقع حتت يد ديكتاتور جمنون ليجعلك تعاني حتى متوت مثل ما‬
‫حدث يف العديد من البلدان من قبل‪ ،‬وستظل تكرر هذا طيلة حياتك‬
‫لتجعل النظام يستمر بال توقف‪ ،‬فأنت َب ْيدق يف هذه احلياة لألنظمة‬
‫�يطرة البشر‪ ،‬إال عن طريق ‪..‬‬ ‫العاملية واحمللية‪ ،‬فال مفر من بطش وس�‬
‫كنور وحيد وسط الظالم‪ ،‬فكرة غريبة‬
‫ٍ‬ ‫وفجأة ملعت الفكرة يف رأس نور‬
‫ُ‬
‫ينقف الفرخ يف البيضة‪ ،‬فاتضح‬ ‫�ه كما‬‫كانت حتاول أن تنقف يف رأس�‬
‫كل شيء وفهم املغزى مما قاله الصوت‪ ،‬فقال واحلماس يسري بداخله‪:‬‬
‫– –نع�‬
‫�م هذا هو‪ ،‬ال بد أن يكون هذا هو الطريق الوحيد للهرب من هذا‬
‫الواقع‪.‬‬
‫متحمسا وهو يقول‪:‬‬
‫ً‬ ‫فوقف من جملسه‬
‫– –إنه اخليال‪ ،‬نعم ال بد بأنه اخليال‪.‬‬
‫وتذكر نور مقولة «ولنا يف احلياة خيال»‪.‬‬
‫ساخرا‪:‬‬
‫ً‬ ‫فقال الصوت‬

‫‪29‬‬
‫– –نعم هذا هو يا سيد نور‪ ،‬يا لك من عبقري!! واآلن أنت مل خترج بعد‪،‬‬
‫أرني اآلن كيف ستخرج من هنا!‬
‫– –أال جيب عليك أن تفتح لي الباب بعد أن حللت لغزك اللعني؟!‬
‫�هولة؟ بالطبع ال‪ ،‬واآلن فكر بعد أن عرفت‬‫– –أتعتقد أن األمر بهذه الس�‬
‫احلل كيف ستخرج من هنا!‬
‫بدأ محاس نور ينطفئ من جديد وبدا عليه اإلحباط‪ ،‬فأخذ يفكر‪:‬‬
‫– –ما عالقة اخليال باخلروج من هنا‪ ،‬أنا ال أفهم‪ .‬هل ميكن أن؟ ال ‪ ..‬ال‬
‫�يء كهذا موجود يف‬ ‫‪ ،‬ال أعتقد ذلك‪ ،‬هذه فكرة جمنونة ال يوجد ش�‬
‫احلقيقة وال حتى ميكن صنعه‪ ،‬فهذا العامل يسري باملنطق والعلم‪ ،‬وليس‬
‫هناك مكان للخيال واألشياء الغريبة اليت نصنعها به إال داخل عقولنا‪.‬‬
‫بدأ التفكري الزائد خينق نور ويسرع من نبضات قلبه‪ ،‬ولكنه حاول أن‬
‫يهدئ نفسه كي ال يعكر صفو أفكاره‪ ،‬فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫– –حسنا‪ ،‬لن تضر التجربة شيئًا‪.‬‬
‫�ا عميقً ا‪ ،‬وب�‬
‫�دأ يتخيل أن هناك با ًبا‬ ‫نفس�‬
‫فأغمض نور عينيه‪ ،‬وأخذ ً‬
‫�ي متخيال أنه يقرتب من هذا الباب‪ ،‬ثم وضع‬ ‫أمامه يف املمر‪ ،‬وأخذ ميش�‬
‫�ه‬ ‫�يء صلب يف يده‪ ،‬ففتح عينيه ليجد نفس�‬ ‫�ده على الباب وأحس بش�‬ ‫ي�‬
‫�عت عيناه من الدهشة‪ ،‬وقال حبرية‬ ‫ميسك مبقبض باب حقيقي‪ ،‬فاتس�‬
‫وهو ال يصدق نفسه‪:‬‬
‫– –هل هذا ممكن؟!‬
‫�ديد‪ ،‬فوضع‬‫فتح نور الباب لينبعث من وراء الباب ضوء أبيض براق ش�‬
‫�عر‬‫�دة الضوء‪ ،‬ثم فتح عينيه من جديد عندما ش�‬
‫يده على عينيه من ش�‬
‫باختفاء الضوء‪ ،‬وأخذ يتفحص املكان حوله ليجد نفسه يف غرفة واسعة‪،‬‬

‫‪30‬‬
‫جدرانها ملونة باللون األبيض بالكامل‪ ،‬وكأنه بداخل قطعة رخام ناصعة‬
‫�كل‪ ،‬وواسعة‪ ،‬فعرضها يقدر حبوالي مئة مرت‬ ‫البياض‪ .‬كانت مربعة الش�‬
‫�ا كذلك‪ ،‬ومل يكن يوجد بها باب أيضا‪ ،‬فقال وهو يفكر فيما إذا‬ ‫وطوهل�‬
‫كان سيكرر فعلته السابقة ويصنع بابا للخروج أيض ًا من هنا‪:‬‬
‫– –هربت من رواق ألدخل إىل غرفة؟ رائع! هل أصنع بابا هنا أيضا؟!‬
‫فرد الصوت‪:‬‬
‫– –ال‪ ،‬أنت هنا ستتبع تعليماتي وتتعلم كيف تستخدم هذه القوة الباطنية‬
‫يف صنع أشياء كثرية‪ ،‬وكيف تتمكن من توظيف عقلك وخيالك ‪-‬‬
‫باألخص ‪ -‬يف ختيل وصنع كل شيء ترغب به ‪ ..‬واآلن استمع جيدا‪.‬‬
‫بدا على نور الرتكيز الشديد فاستأنف الصوت قائال‪:‬‬
‫– –رمبا تس�‬
‫�تطيع أن تتخيل الكثري من األشياء اليت رأيتها يف حياتك‪،‬‬
‫وتتصورها تصو ًرا ذهن ًيا‪ ،‬فيمكنك أن تتخيل وجه صديق لك‪ ،‬ووجه‬
‫عائلتك‪ ،‬وشكل منزلك بكل تفاصيله الدقيقة واململة‪ ،‬وأي شيء قد‬
‫�ة ميكنك ختيله‪ ،‬واألمثلة كثرية‪ ،‬فهذا هو‬ ‫رأيته يف حياتك البائس�‬
‫اخليال‪ ،‬ولكنك أيضا ميكنك ختيل أشياء مل ترها من قبل‪ ،‬فيمكنك‬
‫�ياء غريبة غري موجودة يف‬‫أن تتخيل خملوقات مل ترها من قبل‪ ،‬وأش�‬
‫�ب بأجنحة وينفث النار‬ ‫�خص يطري أو خملوق غري�‬ ‫عاملك‪ ،‬مثل ش�‬
‫�كال‬‫�تطيع فعل هذا برتكيب بعض الصور واألش�‬ ‫مثل التنني‪ ،‬وتس�‬
‫�كل صورة ذهنية جديدة فيتكون لك‬ ‫اليت رأيتها يف حياتك على ش�‬
‫ناتج مرئي قد يكون غريبا بعض الشيء‪ .‬ميكنك أن تتخيل شخصا‬
‫بأذرع كثرية‪ ،‬وشخصا آخر بقرون‪ ،‬وإذا كان خيالك خص ًبا‪ ،‬فسوف‬ ‫ٍ‬
‫�ل عوامل كاملة بقوانينها وخملوقاتها الغريبة‪ ،‬وكلما تعلمت‬
‫تتخي�‬
‫�ياء غريبة أكثر فإن خيالك يصبح أكثر خصوبة‬ ‫أكثر ورأيت أش�‬

‫‪31‬‬
‫�ن قبل‪ ،‬ومل تألفها‪،‬‬
‫�ياء غريبة مل ترها م�‬‫وإنتاجا ألش�‬
‫ً‬ ‫وأكثر صنعا‬
‫�يء الذي تريده وتتأمله‬‫�ك جيب أن تتعلم بأن تتعمق يف الش�‬ ‫فلذل�‬
‫�تجده أمامك‬ ‫�كل صورة ذهنية‪ ،‬ثم س�‬ ‫�ه يف عقلك على ش�‬ ‫لتصنع�‬
‫لما حبقيقة هذا الشيء كثريا‪ ،‬ومما‬ ‫�دا‪ ،‬ولكن جيب أن تكون ُم ً‬
‫جمس� ً‬
‫�ا بالكثري من احلقائق‪،‬‬‫ملم�‬
‫�ذا يعين أنَّ عليك أن تكون ً‬ ‫يتكون‪ ،‬وه�‬
‫�بيل املثال إذا فكرت أن تصنع خبيالك بالون ًا فيجب أن تفكر‬‫على س�‬
‫�تيك وبداخله غاز اهليليوم الذي جيعله‬ ‫بأنه مكون من مادة البالس�‬
‫�ذه العناصر يف خيالك فأنت‬ ‫�ق يف اهلواء‪ ..‬بهذا وبرتكيب ه�‬ ‫حيل�‬
‫ُتسد هذه األشياء كما جيب أن تكون‪ ،‬فلتتخيل شيئا بسيطا ككرة‬
‫ملما حبقيقة أنها كرة مطاطية خفيفة الوزن‪،‬‬ ‫تنس‪ ،‬فيجب أن تكون ً‬
‫ولونها أصفر مائل للخضرة‪ ،‬وشكلها دائري‪ ،‬ومكسوة باللباد‪ ،‬وشكلها‬
‫اخلارجي منتظم‪ ،‬أقسامها متصلة بدون خيوط‪ ،‬وبالطبع حدد وزنها‬
‫وقطرها لتخرج مثالية‪ .‬بالطبع لتجسيد هذه األشياء فأنت جيب أن‬
‫تتعلم كيف تستخدم طاقتك الداخلية‪.‬‬
‫صمت قلي ًال ثم أردف يقول‪:‬‬
‫– –إن الفكرة بداخل عقلك لديها وزن‪ ،‬ولكنه وزن خفيف للغاية بالكاد‬
‫دائما‪،‬‬
‫ميكنك الشعور به‪ ،‬وهذه الفكرة ووزنها يؤثران على من حولك ً‬
‫فقد تقوم بعمل جيد فتؤثر على من حولك ليكونوا مثلك‪ ،‬وباملثل‬
‫�يئ‪ .‬األفكار تؤثر على من حولك أكثر مما تتخيل‪،‬‬ ‫يف العمل الس�‬
‫وبقدرتك هذه تس��تطيع حتويل هذا الوزن اخلفيف وتشكله لينتج‬
‫�كل موجات‬ ‫�يئا‪ ،‬فإن كانت فكرتك الضئيلة خترج على ش�‬ ‫لك ش�‬
‫�ة من عقلك لتؤثر على من حولك‪ ،‬فبقوتك هذه أنت حتول‬ ‫طاق�‬
‫أيضا فأنت حتتاج إىل‬
‫مجادا‪ ،‬ولفعل هذا ً‬
‫ً‬ ‫هذه املوجات وتشكلها لتصبح‬
‫طاقة هائلة بداخلك أو ما تسمى بـ (الشاكرا)‪ ،‬وهذا ما أمددناك‬

‫‪32‬‬
‫�يء بالطريقة اليت‬
‫أيضا‪ ،‬وهلذا فكل ما عليك فعله هو ختيل الش�‬
‫به ً‬
‫وأبسط راحة يدك أمامك وستجد الشيء قد‬‫قلتها لك منذ قليل‪ِ ،‬‬
‫�كه بيدك‪ ،‬وإن تطور مستواك فقد تستطيع جتسيد‬ ‫تكون فيها لتمس�‬
‫َّ‬
‫�تحيل‬
‫�ياء يف أماكن بعيدة عنك‪ ،‬ولكن هذا مس� ٍ‬ ‫العديد من األش�‬
‫�تطيع صنع بعض األوهام ألن قدرتك متكنك‬ ‫اآلن‪ ،‬كما أنك تس�‬
‫�تطيع بالوصول إىل مستوى معني‪ ،‬التحكم‬‫أيضا‪ ،‬فأنت تس�‬
‫من هذا ً‬
‫يف اجلزيئات من حولك لتصنع نسخة شبيهة بك من الضوء على‬
‫سبيل املثال‪ ،‬ستكون مزيفة وجمرد سراب عابر ولكنك قد تستخدمها‬
‫يف إهلاء أعدائك‪.‬‬
‫�ذي مسعه‪ ،‬وقال بتعجب‬
‫�ه من الكالم الغريب ال�‬
‫بدأ نور حيك رأس�‬
‫حماو ًال أن يستوعبه‪:‬‬
‫– –إذا كان هذا املوضوع معقدا بهذا الشكل فكيف متكنت أنا من صنع باب‬
‫بعقلي بدون التفكري بهذه األشياء؟ لقد ختيلت الباب فقط‪ ،‬ووجدته‪.‬‬
‫قال الصوت برتدد وكأنه كان حياول أن خيفي شيئ ًا ما‪:‬‬
‫�نا ‪ ..‬مل أمتن أن أحبطك‪ ،‬ولكين على علم بوظائفك احليوية‬ ‫– –حس�‬
‫وبكل ما تفكر وتتخيل‪ ،‬وألن هذه بداية الطريق بالنسبة لك‪ ،‬عندما‬
‫وجدتك وصلت إىل احلل وختيلت الباب‪ ،‬فلقد كونته أنا لك‪ ،‬ألنك‬
‫حاليا لن تستطيع أن تتخيله أو تصنعه‪ ،‬فاألمر ليس بهذه السهولة‪.‬‬
‫بدا على نور اإلحباط عندما مسع هذا الكالم مع مزيج من الدهشة‪،‬‬
‫فقال بنربة فضولية‪:‬‬
‫– –حسنًا‪ ،‬ال يهم اآلن‪ ،‬أيا ما كان‪ ،‬ولكن كيف تعرف مباذا أفكر؟! وماذا‬
‫�ان‪ ،‬وال‬
‫�ل؟! وملاذا ال ختربني أين أنا؟ فهذه أقل حقوقي كإنس�‬‫أختي�‬
‫حيق لك اختطايف واحتجازي بدون أن أعلم أين أنا؟!‬

‫‪33‬‬
‫منزعجا من أسئلته املتكررة‪:‬‬
‫ً‬ ‫بدا الصوت اخلارج من اجلدران‬
‫�يء فلن أعطيك إجابة اآلن‪،‬‬ ‫– –قلت لك من قبل ال تس�‬
‫�أل عن أي ش�‬
‫ولكن إذا كنت فتى مطيع فأعدك بأنك ستعرف الكثري مما حيدث‪،‬‬
‫�ا أريد أن أقول لك بأنك من وافق على هذا‪.‬‬
‫كم�‬
‫مل يصدق نور ما مسعه‪ ،‬وقال باستنكار‪:‬‬
‫– –ماذا؟ أنا من وافق أن حيدث لي كل هذا؟! هذا مستحيل ال متزح معي‪.‬‬
‫فقال الصوت الغامض بلهجة قوية حازمة‪:‬‬
‫– –ستعلم كل شيء عندما ننتهي من كل هذا‪ ،‬واآلن استمع ملا سأقوله‬
‫لك وال تسأل كثريا‪.‬‬
‫�يء عن حياته‪ ،‬ولكن‬
‫فصمت نور وهو ال يزال حياول أن يتذكر أي ش�‬
‫كل شيء ُمبهم ويغطيه الضباب‪ ،‬فحاول نور أال يفكر اآلن كي ال يرهق‬
‫عقله‪ ،‬وأومأ برأسه للصوت الغامض بأن يكمل‪.‬‬
‫فقال الصوت وقد خفض من حدة صوته وأصبح يتكلم بهدوء و ُنبل‪:‬‬
‫�تطيع‬ ‫– –واآلن فاختبارك األول س�‬
‫�يكون بأن تصنع كرة تنس‪ ،‬هل تس�‬
‫فعل هذا يا سيد نور؟‬
‫�ادت حلظات من الصمت‪ ،‬ثم كسر حاجز الصمت‬
‫فكر نور قليال‪ ،‬وس�‬
‫قائال‪:‬‬
‫– –سأحاول ‪ ..‬لن تضرني احملاولة بشيء‪.‬‬
‫فقال الصوت متنهدا‪:‬‬
‫– –حسنا‪ ،‬فلتبدأ!‬

‫‪34‬‬
‫متاما من أي قلق أو‬
‫�ه ً‬ ‫مرتبعا وأخذ يصفي ذهن�‬
‫ً‬ ‫�ى األرض‬‫جلس عل�‬
‫�ا وختيل مكونات كرة‬ ‫�ا عميق�‬‫نفس�‬
‫�ئلة تعكر صفو تفكريه‪ ،‬ثم أخذ ً‬
‫أس�‬
‫�ض‪ ،‬فردد يف عقله‪:‬‬
‫�س كما قال له الصوت الغام�‬ ‫التن�‬
‫�وزن ‪ ..‬لونها أصفر مائل للخضرة ‪..‬‬ ‫– –كرة مطاطية ‪ ..‬خفيفة ال�‬
‫�كلها اخلارجي منتظم ‪..‬‬‫�وة باللباد ‪ ..‬ش�‬
‫�كلها دائري ‪ ..‬مكس�‬
‫ش�‬
‫�امها متصلة بدون خيوط ‪ ..‬وزنها لن يتعدى الـ ‪ 57‬جرام ‪..‬‬ ‫أقس�‬
‫�م إىل ‪ 7‬سم‪ ،‬واآلن جتسيد‪.‬‬‫قطرها سيرتاوح بني ‪ 6‬س�‬
‫كونها يف عقله‪ ،‬وبدأ يتخيل‬
‫بدأ نور يتخيل الكرة بتفاصيلها‪ ،‬ومن ثم َّ‬
‫�رة أمامه ومد يده‬
‫�كل الك�‬ ‫املكونات بكل ما ميلك من تركيز‪ ،‬فكون ش�‬
‫ليمسكها‪ ،‬ولكنه وجد نفسه ميسك بكرة فارغة من الداخل وشعر بأنه قد‬
‫سحقها بقبضته‪ ،‬ففتح عينيه ليجد بقايا الكرة يف يده‪ ،‬فقال خبيبة أمل‪:‬‬
‫�ة الصحيحة‪ ،‬أين‬ ‫– –تب ًا‪ ،‬لقد ظننت بأنين فعلت كل ش�‬
‫�يء بالطريق�‬
‫اخلطأ إذن؟‬
‫شارحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫فرد الصوت‬
‫�كل الكايف يف تكوينها وفى كل ذرة‬‫– –اخلطأ هو أنك مل تتعمق بالش�‬
‫وتفصيلة صغرية بها ‪ ..‬جيب أن تتخيل املكونات أوال وهي تتكون من‬
‫�يء حتى يثبت البيت‬ ‫�اس أو اجلوهر هو أهم ش�‬‫الداخل‪ .‬بناء األس�‬
‫�ل التكوين الداخلي‬ ‫�قط؛ هلذا عليك أن تبدأ بتخي�‬ ‫مكانه وال يس�‬
‫�ذا تبين الطبقة‬
‫�ده بعقلك حلظة بلحظة‪ ،‬وهك�‬ ‫أوال للكرة‪ ،‬وجتس�‬
‫�ى تصل إىل الطبقة اخلارجية‪ ،‬ولكن ما فعلته أنت‬‫فوق األخرى‪ ،‬حت�‬
‫كان أنك ختيلت الطبقة اخلارجية فقط‪ ،‬ثم ‪ -‬وبسطحية شديدة ‪-‬‬
‫أقنعت نفسك بأن باقي املكونات واألساس موجود بالداخل طاملا أن‬
‫�ك يف خطأ فادح‪ ،‬واآلن جرب مرة أخرى‪.‬‬ ‫اخلارج موجود‪ ،‬وهذا أوقع�‬

‫‪35‬‬
‫جمددا وفكر كما قال له الصوت الغامض‪ ،‬ولكنه فشل مرا ًرا‬
‫ً‬ ‫ختيل نور‬
‫وتكرا ًرا وبدون جدوى‪ ،‬ففي كل مرة تتحطم الكرة يف يده‪.‬‬
‫�يئ ًا فشيئ ًا‪،‬‬
‫جيدا مبا قاله الصوت الغامض‪ ،‬وأخذ حيلله ش�‬
‫ففكر نور ً‬
‫�ض عينيه وختيل املكونات‬ ‫جيدا‪ ،‬وفهم مقصده‪ ،‬ثم أغم�‬
‫�توعبه ً‬ ‫حتى اس�‬
‫الداخلية أو ًال‪.‬‬
‫جيب البدء باجلوهر‪ ،‬أخذ يكرر بداخله‪ ،‬ثم األساس‪ ،‬ثم استكمال باقي‬
‫�ات األخرية عليه‪.‬‬
‫عملية البناء لكي أصل للهيكل اخلارجي وأضع اللمس�‬
‫�ياء‬
‫طفت املكونات اخلارجية يف عقل نور‪ ،‬الذي أخذت احلرية من أش�‬
‫جاهدا أن يبعدها ويركز فيما‬
‫ً‬ ‫أيضا وهو حياول‬ ‫�و يف عقله ً‬‫كثرية تطف�‬
‫يفعله‪ ،‬ولكنها كانت تعانده بقوة وحتاول السيطرة على تفكريه‪ ،‬فاستغرق‬
‫�تخدم أسلو ًبا كان يستخدمه دائما‬ ‫فرتة طويلة حتى ختلص منها‪ ،‬واس�‬
‫�يء الذي‬ ‫يف مثل هذه املواقف‪ ،‬وهو ر ِّوض عقلك وضلله ليبتعد عن الش�‬
‫�داع العقل الباطين‬ ‫�تخدام العقل الظاهري خل�‬ ‫�غله عن طريقة اس�‬ ‫يش�‬
‫�ح الوضع يف صاحلك‪ ،‬حتى تفكر بصفاء‬ ‫وتضليله والتحكم فيه ليصب�‬
‫ذهن‪ .‬فكرر هذه العملية‪ ،‬حتى أبعد األفكار الطفيلية عن ذهنه‪ ،‬وبدأ يعيد‬
‫الكرة‪ ،‬فتخيل اجلوهر واألساس��ات‪ ،‬وكونها بتفاصيلها‪ ..‬اللباد املكسو‬ ‫َّ‬
‫معا ويدجمه‬‫�يطة ويربطه ً‬ ‫�ا أوال‪ ،‬وبدأ يكونه بكل تفاصيله البس�‬ ‫بداخله�‬
‫�كل دائري منتظم‪،‬‬ ‫ككيان واحد‪ ،‬ومن ثم ُسكه وطوله‪ ،‬وتكوينه على ش�‬
‫مع األقسام املتصلة بدون خيوط‪ ،‬فبدأت املكونات تتكون يف عقله وتندمج‬
‫�ي املنتظم ذو اللون‬‫�كل اخلارج�‬‫�ات األخرية‪ ،‬الش�‬ ‫وترتابط‪ ،‬واآلن اللمس�‬
‫�كل تفاصيلها الدقيقة‪،‬‬ ‫�ر‪ ،‬فتكونت صورة ذهنية للكرة يف عقلة ب�‬ ‫األصف�‬
‫�كها وهذه املرة شعر بنشوة االنتصار‪ ،‬فلقد صنع كرة‬ ‫فمد نور يده ليمس�‬
‫�عر بسعادة غريبة تغمره‪ ،‬ممزوجة‬ ‫تنس خبياله ومل تتحطم هذه املرة‪ ،‬فش�‬
‫مع شعور باالنتصار‪ ،‬فقال مهل ًال‪:‬‬

‫‪36‬‬
‫– –نعم لقد فعلتها!‬
‫فقال له الصوت الغامض ُمهنئ ًا‪:‬‬
‫– –أحسنت‪ ،‬ولكن ال تبتهج كثريا فهذه البداية فقط‪.‬‬
‫وخصوصا‬
‫ً‬ ‫دائما تزعجه‪،‬‬
‫�س نور بثقل الكلمة عليه‪ ،‬فكلمة البداية ً‬ ‫أح�‬
‫إذا كان يف مكان ال يعلم ماهيته‪ ،‬فتنهد قائ ًال‪:‬‬
‫– –وما اخلطوة التالية إذاً؟‬
‫فقال له الصوت‪:‬‬
‫– –أن تصنع با ًبا للغرفة التالية‪.‬‬
‫شعر نور بالتوتر‪ ،‬ألن الباب سيكون أصعب بكثري من جمرد كرة تنس‪.‬‬
‫قطع الصوت الغامض حبل أفكاره قائ ًال‪:‬‬
‫�يطة لتعتاد على‬
‫�ياء البس�‬ ‫�ن أوال عليك أن تصنع بعض األش�‬ ‫– –ولك�‬
‫�يء حيتاج إىل‬
‫�هولة‪ ،‬فكأي ش�‬ ‫�تخدمها بس�‬ ‫قدرتك اجلديدة‪ ،‬وتس�‬
‫�تمر لكي تعتاد عليه‪ ،‬فهذه القوة ال ختتلف‪،‬‬
‫املمارسة والتدريب املس�‬
‫�ي مضرب ذباب‪.‬‬ ‫واآلن اصنع ل�‬
‫رد نور مسته ً‬
‫رتا‪:‬‬
‫– –أال يوجد شئ أصعب؟‬
‫فرد الصوت عليه ليسكت غروره قائ ًال‪:‬‬
‫– –اصنع هذا أوال‪ ،‬وبعدها أطلب منك شيئا أصعب!‬
‫صمت نور بسبب الرد البارد الذي تلقاه‪ ،‬وجلس على األرض يف وضعية‬
‫التأمل‪ ،‬وختيل مضرب الذباب بتفاصيله الدقيقة‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫�ا اليد الطويلة اليت يبلغ قطرها‬
‫ختيل املكونات الداخلية بدقة‪ ،‬تليه�‬
‫�ر‬
‫�ة عش�‬ ‫�نتميرتات‪ ،‬وطوهلا الذي ال يتعدى اخلمس�‬ ‫�ي ثالثة س�‬ ‫حوال�‬
‫�كل املربع املكون من أجزاء بالستيكية دقيقة‬
‫�نتيميرتا‪ ،‬وينتهي بالش�‬‫س�‬
‫�بكة‬
‫تتقاطع مع بعضها البعض‪ ،‬بالطول والعرض‪ ،‬حتى أصبحت مثل ش�‬
‫�د‪ ،‬ولكن أصغر بكثري‪.‬‬‫الصي�‬
‫�ات األخرية وهي اللون‪ ،‬ثم مد يده‬
‫وانتهى من التخيل ووضع اللمس�‬
‫جمددا‪ ،‬فهلل قائال‪:‬‬
‫ً‬ ‫�عر بها يف يده فأحس باإلجناز‬
‫ليمسك بها‪ ،‬فش�‬
‫جمددا!‬
‫ً‬ ‫– –لقد فعلتها‬
‫فرد الصوت بسخرية‪:‬‬
‫– –واآلن اصنع ذبابة‪ ،‬لكي تقتلها‪.‬‬
‫فكر نور يف األمر للحظة وساد صمته‪ ،‬ثم رد قائ ًال‪:‬‬
‫– –هل ميكنين فعل هذا حقا؟!‬
‫– –فقال الصوت جبفاء وفتور‪:‬‬
‫– –بالطبع ال أيها األمحق هل تظن نفسك إله؟!‬
‫فصمت نور بضع ثوان خج ًال مما قاله‪ ،‬ثم تكلم قائ ًال‪:‬‬
‫– –أعرف بأنه سؤال أمحق ولكن ملا ال؟‬
‫تنهد الصوت طوي ًال ثم قال‪:‬‬
‫– –هل حقا تستطيع أن تتخيل كل تفاصيل الذبابة الداخلية بعقلك‪،‬‬
‫�ة‪ ،‬واخلاليا الدقيقة اليت ال ُت�‬
‫�رى بالعني اجملردة‪،‬‬ ‫الوظائف احليوي�‬
‫والرتكيب اجليين هلا الذي حيدد خصائصها وتكوينها‪ ،‬وخاليا الدم‬
‫بداخلها‪ ،‬وجهاز املناعة واجلهاز اهلضمي‪ ،‬وجهاز اإلخراج‪ ،‬ووظائفها‬
‫‪38‬‬
‫اجلسدية كلها‪ ،‬مبا فيها اجلناحان واجلسد والرأس والفم‪ ،‬واألجهزة‬
‫�ا الروح‪ ،‬واليت ال يعرف أحد‬ ‫�لية‪ ،‬ثم بعد ذلك تضع بداخله�‬ ‫التناس�‬
‫سرها حتى اآلن‪ ،‬فهي كاحملرك أو البطارية اليت حترك جسد الكائن‬
‫احلي‪ ،‬وليس هلا تفسري علمي حمدد‪ ،‬كل هذا هو من عمل اهلل‪ ،‬فهو‬
‫يقول للشيء كن فيكون‪ ،‬هو من لديه القدرة غري احملدودة لصنع أي‬
‫شيء وابتكار أشياء جديدة‪ ،‬واإلبداع يف هذا الكون بتفاصيله الدقيقة‬
‫وألغازه اليت ال تنتهي‪ ،‬فإن كنت أنت خبيالك تستطيع صنع بعض‬
‫�بب حمدودية عقلك‪ ،‬وألنك مهما بلغت من‬ ‫�ياء بصعوبة بس�‬ ‫األش�‬
‫الذكاء والفطنة‪ ،‬فلديك حد ستتوقف عنده ولن تستطيع ختطيه‪،‬‬
‫�تطيع كسرها حتى متوت وتعود‬ ‫ألنك خملوق حبدود معينة ال تس�‬
‫�تطيع إنتاج بعض األشياء‬ ‫ملن خلقك‪ .‬ولكن كما ترى فنحن نس�‬
‫بهذه القدرة ولكنها تكون يف حدود األشياء اجلامدة اليت بال روح‪ ،‬ألننا‬
‫�درات يف النهاية‪ ،‬والكالم يف هذا املوضوع كثري وحيتاج‬ ‫حمدودو الق�‬
‫�ا‪ ،‬واآلن ال تقل مثل هذه‬ ‫�تضيع وقتن�‬ ‫ير من التفاصيل اليت س�‬ ‫الكث�‬
‫شخصا قد صنع ذبابة أمام عينيك‪ ،‬عندها‬ ‫ً‬ ‫جمددا حتى ترى‬
‫ً‬ ‫الرتهات‬
‫فقط تستطيع أن تطلب مين طل ًبا كهذا‪ ،‬ولن أستطيع أن أجادلك‬
‫بل سأقول لك‪ ،‬فلتحاول أن تصنع ذبابة‪.‬‬
‫�ر املخلوقات كالذبابة‪ ،‬دقيق‬
‫�م نور وجهة نظره‪ ،‬فالتكوين ألصغ�‬ ‫فه�‬
‫�د‪ ،‬ومهما حاول العلماء أن‬
‫�تطيع أن يقدر عليه أح�‬‫ومتقن إتقانا ال يس�‬
‫�م ال يعرفون حتى من أين البداية‪ ،‬فإن‬
‫يصنعوا ذبابة يف معاملهم‪ ،‬فإنه�‬
‫متكنوا من صنع أبسط أشكال احلياة‪ ،‬فهذا ميكنهم من اخللق وجيعل أي‬
‫شخص بالعلم واإلمكانيات املتوفرة يستطيع أن خيلق أي شيء‪ ،‬ولكن هذا‬
‫مل حيدث ولن حيدث‪ ،‬فصنع ذبابة مستحيلة بالنسبة لنا‪ ،‬فماذا عن صنع‬
‫إنسان بكل تفاصيله الدقيقة املوضوعة بعناية‪ ،‬فكل جهاز وخلية يف جسد‬
‫اإلنسان ختدم األخرى وتساعد على اكتمال تكوينه لكي يستطيع العيش‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫وبعد صمت طويل من التفكري‪ ،‬كسر نور السكون يف الغرفة قائ ًال‪:‬‬
‫– –لقد فهمت وجهة نظرك اآلن‪ ،‬فأنا مل أفكر يف الفكرة بتعمق بل قلتها‬
‫هكذا‪ ،‬ظنا مين أنه ميكنين فعلها باستخدام هذه القدرة الرائعة‪ ،‬اليت‬
‫ظننتها غري حمدودة يف البداية‪ ،‬فأعتذر عن هذا ‪ ..‬واآلن أخربني ما‬
‫التالي؟‬
‫قال الصوت بنربة هادئة تنم على القبول‪:‬‬
‫– –اعتذارك مقبول‪ ،‬واآلن اصنع لي لوحا من الزجاج‪.‬‬
‫فقام نور بالتجول يف خياله لصنع اللوح‪ ،‬ولكن املوضوع أصبح أصعب‬
‫�وت الغامض يف بعض‬ ‫�تعان بالص�‬
‫�ل عدة مرات واس�‬‫من ذي قبل‪ ،‬ففش�‬
‫�ن يف النهاية من‬
‫�ي للزجاج‪ ،‬حتى متك�‬
‫�ات عن التكوين الداخل�‬‫املعلوم�‬
‫النجاح بصعوبة بالغه‪.‬‬
‫ساخرا منه‪:‬‬
‫ً‬ ‫قال الصوت الغامض‬
‫– –وكنت تقول لي‪ ،‬فلتعطين شيئا أصعب!‬
‫ثوان ثم قال‪:‬‬
‫مل جيد نور ما يقوله‪ ،‬فالتزم الصمت لبضع ٍ‬
‫– –وما التالي؟‬

‫***‬

‫‪40‬‬
‫‪3‬‬

‫وبعد شهر من التدرب على صنع األشياء باخليال‪ ،‬قرر الرجل الغامض‪،‬‬
‫بأن الوقت قد حان لنور ليتقدم يف االختبار‪ ،‬فقال متقمصا دور املعلم‪:‬‬
‫– –لقد تقدمت كثريا خالل هذا الشهر واستطعت أن تصنع الكثري من‬
‫�ياء‪ ،‬وأتقنت صنعها بسهولة وفى وقت قياسي‪ ،‬كما أنك قرأت‬ ‫األش�‬
‫�ك‪ ،‬وأصبح عقلك لديه القدرة لصنع‬ ‫كل الكتب اليت أعطيتها ل�‬
‫�رعة وبدون أن تغمض عينك أو تفكر‪ .‬واآلن لقد‬ ‫بعض األشياء بس�‬
‫�ى اختبارك يف هذه الغرفة‪ ،‬فلتذهب للغرفة التالية‪.‬‬
‫انته�‬
‫�ه‪ ،‬وهو يتثاءب‪ ،‬ونظر إىل ما‬‫�رير الذي قد صنع�‬ ‫قام نور من على الس�‬
‫ريا داخل‬
‫صنعه طيلة الشهر‪ ،‬فشعر بالفخر من نفسه‪ ،‬فقد صنع بيتا صغ ً‬
‫الغرفة الرخامية البيضاء الواسعة‪ ،‬من اخلشب على شكل البيوت اخلشبية‬
‫واضعا بعض األثاث فيه‬
‫ً‬ ‫�ري‪،‬‬ ‫�ة كاليت تتواجد حتى اآلن يف الق�‬
‫القدمي�‬
‫�يطة وبدائية‪ ،‬وخزانة مالبس موضوع‬ ‫كأريكة‪ ،‬وكرسي‪ ،‬ودورة مياه بس�‬
‫�ا‪ ،‬العديد من التحف‬ ‫�ا بعض املالبس‪ ،‬املختلفة ألوانها‪ .‬صنع أيض�‬‫فيه�‬
‫الفنية والزخارف‪ ،‬والسجاد الشرقي‪ ،‬وبعض األوراق واألقالم‪ ،‬ليكتب فيها‬
‫أفكاره واملعلومات اليت حيتاجها لصنع شيئا ما‪.‬‬
‫�يء حيتاجه ثم توجه‬
‫أخذ مذكراته واألدوات اليت صنعها‪ ،‬وكل ش�‬
‫ير الذي كان حجمه ال يتعدى‬
‫قاطعا البيت الصغ�‬
‫ً‬ ‫�ة باب اخلروج‬
‫ناحي�‬
‫‪41‬‬
‫اخلمسني م ً‬
‫رتا‪ ،‬حتى وصل إىل الباب‪ ،‬ففتحه وخرج إىل الغرفة الرخامية‪،‬‬
‫�س جديدة بدائية الصنع ولكنها تفي بالغرض‪.‬‬ ‫بعد أن أرتدي مالب�‬
‫أرتدي سروال أزرق من الصوف‪ ،‬وهندام أسود‪ ،‬من الصوف أيضا‪ ،‬وحذاء‬
‫بدائي من اخلشب‪ ،‬يرتديه العديد من سكان اليابان‪ ،‬يف بعض من املناسبات‪.‬‬
‫تقدم نور إىل جدار الغرفة‪ ،‬وأغمض عينه قائال‪:‬‬
‫– –أمتنى أال تكون الغرفة التالية أس�‬
‫�وأ من هذه‪ ،‬وتأخذ مين الكثري من‬
‫الوقت‪ ،‬كما فعلت هذه الغرفة‪.‬‬
‫�تطاع أن‬
‫�ة وماكرة من الصوت ولكن نور اس�‬ ‫�ت ضحكة خافت�‬ ‫خرج�‬
‫�معها‪ ،‬فقطب نور حاجبيه موقن ًا بأن القادم أس�‬
‫�وأ‪.‬‬ ‫يس�‬
‫ختيل نور الباب أمامه بكل تفاصيله الدقيقة‪ ،‬فظهر الباب أمامه ففتح‬
‫�ك مبقبض الباب وفتحه‪ ،‬فخرج من الباب وابل من األنوار‪،‬‬ ‫عينه وأمس�‬
‫�ف إىل الداخل وهو يضع يده على‬ ‫�ت بصره لبضع ثواني‪ ،‬فدل�‬ ‫اليت أغش�‬
‫ثوان هدأت حدة الضوء وبدأ بالتالشي‬‫عينيه ليحجب عنها الضوء‪ ،‬وبعد ٍ‬
‫�ه يف غرفة أخرى بيضاء‪ ،‬فتنهد بيأس قائال‪:‬‬
‫ففتح عينيه‪ ،‬ليجد نفس�‬
‫– –يا إهلي ألن أسرتيح ً‬
‫أبدا من هذه الغرف؟!‬
‫فقال الصوت لتهدئة نور‪:‬‬
‫�ك أكثر من يوم‪ ،‬لقد‬ ‫– –ال ختف االختب�‬
‫�ارات القادمة لن تأخذ من�‬
‫�ار ما تعلمته جيدا فقط‪،‬‬
‫�وأ‪ ،‬ومل يتبقى لك غري اختب�‬
‫مررت باألس�‬
‫فهل أنت مستعد؟‬
‫رد نور ساخرا‪:‬‬
‫– –وهل لدي خيار آخر؟ فلنبدأ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫قال له الصوت بنربة محاسية‪:‬‬
‫�رعتك يف التخيل‬
‫�يكون عن س�‬ ‫– –واآلن فلنب�‬
‫�دأ‪ .‬االختبار األول‪ ،‬س�‬
‫والتصويب‪.‬‬
‫�به األهداف اليت يتدرب‬
‫فجأة ظهر أمام نور ثالثة اهداف جامدة تش�‬
‫�ب به‪ ،‬فهز نور‬
‫لاحا‪ ،‬ويتعلم التصوي�‬
‫�ا كل من يريد أن حيمل س�‬ ‫عليه�‬
‫كتفيه باستهجان قائال‪:‬‬
‫– –ماذا تريدني أن أفعل هلذه األهداف‪.‬‬
‫– –كما تري يا سيد نور‪ ،‬ستصوب عليهم حماوال إصابتهم‪.‬‬
‫– –ولكين ال أمتلك سالحا كيف تريد مين أن أفعل هذا‪.‬‬
‫– –أصنع واحد إذا‪ ،‬وال جتعلين أشعر بأنك أغيب شخص رأيته يف حياتي‪.‬‬
‫�عر نور بالغيظ‪ ،‬ولكنه التزم الصمت بضعة حلظات‪ ،‬وأخذ يفكر يف‬ ‫ش�‬
‫لاح ميكن صنعه خبياله‪ ،‬بنادق ‪ ..‬مسدسات ‪ ..‬رشاشات ‪ ..‬قاذفات‬ ‫س�‬
‫صواريخ‪ ،‬طرد هذه األفكار من رأسه على الفور‪ ،‬فال جمال له لصنع أسلحة‬
‫لاح الوحيد الذي يستطيع صنعه‬ ‫مثل هذه على االطالق‪ ،‬فجاء له الس�‬
‫�خص‬ ‫�عر باخلجل واالحراج جملرد التفكري فيه‪ ،‬يا لك من ش�‬ ‫اآلن‪ ،‬فش�‬
‫�هم‪ .‬تنهد طوي ًال ثم بدأ يتخيل القوس‬ ‫قوسا وس�‬
‫بدائي يا نور‪ .‬سأصنع ً‬
‫بكل تفاصيله الدقيقة بينما حيرك أصابعه لتكوينه‪ ،‬حتى كونه‪ ،‬فأمسكه‬
‫�هم‪ ،‬ثم أمسكه‪ ،‬فسار إىل‬‫�هما‪ ،‬فتخيل الس�‬
‫بيده اليمين‪ ،‬ثم بدأ يتخيل س� ً‬
‫�عر بأنه متمكن كثريا من‬ ‫�ام قليال‪ ،‬ثم أخذ وضعية التصويب‪ ،‬وش�‬ ‫األم�‬
‫�هم‪ ،‬وأحس بأن مسكة القوس تبدو مألوفة له‪ ،‬ال‬ ‫التصويب بالقوس والس�‬
‫�بب‬ ‫بد بأنه كان حمرتفا به يف حياته اليت ال يتذكر إال القليل عنها بس�‬
‫حرا‬
‫ضعف ذاكرته اآلن‪ ،‬صوب نور السهم حنو اهلدف‪ ،‬ثم تركه لينطلق ً‬
‫خمرتقا اهلواء‪ ،‬ومصيبا اهلدف األول يف املنتصف متاما‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫قال الصوت مهنئا‪:‬‬
‫– –رائع يا سيد نور‪ ،‬يبدو بأنك حمرتف‪.‬‬
‫�هر على العديد من األشياء‪ ،‬كتمارين‬ ‫�تة أش�‬
‫ظل نور يتدرب ملدة س�‬
‫اللياقة‪ ،‬والتأمل والرتكيز‪ ،‬وصنع األشياء‪ ،‬وصقل قوته البدنية والعقلية‪،‬‬
‫متاما‪ ،‬وصنع العديد من‬
‫�ا ً‬ ‫�ياء اليت كان جيهله�‬‫وتعلم العديد من األش�‬
‫�عر بأنه أصبح أشد قوة من ذي‬ ‫�ياء اليت مل يتخيل أن يصنعها‪ ،‬وش�‬‫األش�‬
‫قبل‪ ،‬واستطاع الوصول إىل القدرة على صنع نسخة شبيهة له من الضوء‬
‫احمليط به‪ ،‬واستطاع أن يتحكم بها وحيركها كيفما يشاء‪ .‬وبعد انتهاء‬
‫�ة أخربه الصوت بأنه قد انتهى من كل التدريبات املهمة‪،‬‬‫مدته التدريبي�‬
‫فلم يصدق نفسه‪.‬‬

‫***‬

‫‪44‬‬
‫‪4‬‬

‫قال الصوت لنور بنربته املتعجرفة املعتادة‪:‬‬


‫�د أنهيت اإلعدادات‪ ،‬ولكن هناك اختبارا كبريا ينتظرك هنا قبل‬‫– –لق�‬
‫�زم بأن االختبار القادم‬
‫�تطيع أن أج�‬
‫أن خترج من هذا املكان‪ ،‬بل أس�‬
‫سيحدد مصريك‪.‬‬
‫ُقـبضت قسمات نور وشعر خبوف قوي يعرتيه‪ ،‬فقال بنربة متقطعة‪:‬‬
‫– –ماذا تقصد ‪ ..‬بهذا االختبار ‪ ..‬الذي سيحدد مصريي؟‬
‫صرحيا معك قد ال خترج‬
‫ً‬ ‫ترى كل شيء يف وقته‪ ،‬ولكن ألكون‬ ‫– –س�‬
‫من هنا إن مل جتتز هذا االختبار‪.‬‬
‫�ده عندما مسع هذا الكالم‪ ،‬فقال‬
‫�عر نور بقشعريرة تسري يف جس�‬
‫ش�‬
‫صارخ ًا حبنق شديد‪:‬‬
‫– –م�‬
‫�اذا تقصد بأني لن أخرج ‪ ..‬لقد مت احتجازي هنا عنوة ‪ ،‬واآلن ال‬
‫�دون أن خترجوني إال عندما أنفذ ما تقولون؟! ‪ ..‬اللعنة عليكم‬‫تري�‬
‫وعلى هذه االختبارات‪.‬‬
‫�ب ‪ ..‬فأنا أرى بأن لك فرصة كبرية يف اجتيازه‪ ،‬هذه ليس‬ ‫– –ال تغض�‬
‫�ك على اإلطالق‪ ،‬ولكن ال‬ ‫�ة صدقين ‪ ..‬فأنا ال أهتم حبيات�‬
‫جمامل�‬

‫‪45‬‬
‫جيدا على الفوز‪ ،‬واألهم من هذا‬
‫�تجتازه إن ركزت جهودك ً‬
‫ختف س�‬
‫أنك تتعلم بسرعة وهذا شئ سينفعك‪.‬‬
‫يري القادم‪ ،‬ومتنى أن‬‫�ور يفكر يف ُكنية هذا االختبار املص�‬‫صمت ن�‬
‫يكون أسهل مما رآه حتى اآلن‪ ،‬فهذه االختبارات مل تكن هينة عليه‪ ،‬ويبدو‬
‫�يكون األصعب بال شك‪ .‬قال نور وقد كظم غيظه‪:‬‬ ‫أن القادم س�‬
‫– –حسنا‪ ،‬فلتأخذني إىل هذا االختبار اآلن‪ ،‬أريد أن أخرج بأسرع وقت‪.‬‬
‫– –حسنا‪ ،‬فلتدخل يف هذا املصعد على ميينك‪.‬‬
‫�ور إىل ميينه فالحظ وجود مصعد مل يره من قبل‪ ،‬فدلف إليه‪،‬‬ ‫نظر ن�‬
‫�ق األول إىل الطابق اخلامس‪ ،‬ثم انفتح فخرج‬ ‫وتوجه املصعد من الطاب�‬
‫�ه يف ساحة كبرية بيضاء تشبه الغرفة اليت كان جيلس‬ ‫نور ليجد نفس�‬
‫فيها‪ ،‬ولكنها تبدو أكرب بكثري‪ ،‬لكنه الحظ شيئا جعل عينيه تتسعان من‬
‫�عر مبزيج من الراحة واحلرية واخلوف واألمل‪ ،‬لقد رأى أن‬ ‫الدهشة‪ ،‬وش�‬
‫�احة‪ ،‬وخيرجون من عدة مصاعد تلتف‬ ‫أناسا مثله يقفون يف الس�‬‫هناك ً‬
‫حول الساحة الدائرية‪ ،‬فرأى حوالي مخسني شخصا يف الساحة‪ ،‬وكانت‬
‫أشكاهلم غريبة‪ ،‬فمنهم من ميتلك أجنحة‪ ،‬ومنهم من كان وجهه أزرق‬
‫�خاص طبيعيني على اإلطالق‪،‬‬ ‫�كاهلم ال تبدو كأش�‬ ‫وأمحر‪ ،‬وكانت أش�‬
‫�حذا قو ًيا‪ ،‬ووقف على مقربة منهم‬‫�ه مشحوذة ش�‬ ‫فتوجه إليهم وحواس�‬
‫�ا تشبهه‪ ،‬ولكن‬
‫مالبس�‬
‫ً‬ ‫�اء والرجال‪ ،‬ويرتدون‬
‫يتأملهم‪ ،‬فرأى منهم النس�‬
‫كانت هناك صناديق فيها مالبس سوداء تشبه املالبس الرياضية‪ ،‬فشرع‬
‫�ه‪:‬‬
‫اجلميع يف ارتدائها مبا فيهم نور‪ ،‬فقال بينه وبني نفس�‬
‫– –ال بد أنهم مروا مبا مررت به ‪ ..‬هل ميتلكون قدرة كاليت أمتلكها ‪..‬‬
‫رمبا‪ ،‬ولكن ماذا حيدث هنا؟ ملاذا حنن هنا من األساس؟ هل يقومون‬
‫مبشروع اجلندي اخلارق أو شئ كهذا‪ ،‬وحنن املختارون هلذه االختبارات‬

‫‪46‬‬
‫اللعينة ليتم تعديل أجسدانا وإضافة هذه القدرات الغريبة ‪ ..‬لطاملا‬
‫�ت‬ ‫�ت قوة خارقة ولكن ليس بهذه الطريقة‪ ،‬كما إن قوتي ليس�‬ ‫متني�‬
‫ريا باألخص أنها حتتاج إىل الكثري من التدريب ألتقنها‪.‬‬
‫�زة كث ً‬
‫ممي�‬
‫�ات‬
‫قاطعا حبل أفكار نور‪ ،‬واهلمس�‬
‫ً‬ ‫فجأة دوى الصوت يف أحناء القاعة‬
‫واملناوشات يف القاعة قائ ًال‪:‬‬
‫�تطاع‬‫يرة‪ ،‬وكما ترون فأنتم من اس�‬ ‫– –مرحبا بك�‬
‫�م يف املرحلة األخ�‬
‫�م العبور من هذا‬‫�روج من هنا جيب عليك�‬
‫�ول إىل هنا‪ ،‬وللخ�‬
‫الوص�‬
‫�م‪ ،‬فهذا االختبار هو‬
‫علي أن أحذرك�‬
‫�ار األخري‪ ،‬ولكن جيب ّ‬‫االختب�‬
‫�د تلقون حتفكم‪.‬‬
‫�ب‪ ،‬وإن مل تكونوا حذرين فق�‬
‫األصع�‬
‫خرجت دمدمات اعرتاض وتساؤالت‪ ،‬فقطعها الصوت بال مباالة قائ ًال‪:‬‬
‫– –وليس هذا فقط‪ ،‬بل إن مل جتتازوا االختبار‪ ،‬فإن فرصتكم يف اخلروج‬
‫�تطيعون للخروج من‬‫من هنا ضئيلة‪ ،‬وهلذا فعليكم بذل كل ما تس�‬
‫هنا وإال فاملوت ُمالقيكم‪.‬‬
‫جمددا‪ ،‬فقال الصوت‪:‬‬
‫ً‬ ‫خرجت االعرتاضات واالحتجاجات‬
‫�روج من هنا‪ ،‬فليس هناك مفر كما‬ ‫– –فلتحافظوا على طاقتكم للخ�‬
‫�دا ألني لن‬
‫�ادات‪ ،‬وامسعوها جي� ً‬
‫�أخربكم باإلرش�‬
‫ترون‪ .‬واآلن س�‬
‫جمددا‪.‬‬
‫ً‬ ‫أكررها‬
‫�ري يف‬
‫�عر نور بالتوتر الذي يس�‬
‫صمتت أصوات االحتجاج قليال‪ ،‬وش�‬
‫�يقوله‬
‫موجها مسعه إىل ما س�‬
‫ً‬ ‫�و‪ ،‬فزاده هذا خوف ًا‪ ،‬ولكنه وقف بثبات‬
‫اجل�‬
‫�ال الصوت بنربة حازمة‪:‬‬ ‫الصوت‪ ..‬ق�‬
‫�اركون فيها مجيعكم ‪ ..‬ستؤدي‬ ‫�تمرون بعدة اختبارات وستش�‬ ‫– –س�‬
‫االختبارات إىل تنافس بينكم وتعاون بينكم‪ ،‬وقتال بينكم وبني بعض‪،‬‬

‫‪47‬‬
‫وسيتم وضع النقاط ألداء كل منكم يف هذه االختبارات‪ ،‬وأول مثانية‬
‫�تكون هلم الفرصة الكربى يف اخلروج من هنا‪.‬‬‫هم من س�‬
‫�ديد من مساع أن مثانية فقط من سيخرجون‬ ‫�عر نور بالذعر الش�‬
‫ش�‬
‫�د رأى نظرات الرعب‬‫�عور من حوله‪ ،‬فق�‬
‫من هنا‪ ،‬ويبدو أن هذا كان ش�‬
‫�م واالحتجاجات واالعرتاضات اليت خرجت بدون توقف‪ ،‬فهناك‬ ‫يف أعينه�‬
‫�مح لثمانية فقط باخلروج! وماذا‬
‫ين شخصا ويريد أن يس�‬ ‫حوالي مخس�‬
‫سيحدث ملن يرسب؟ هل سيموت؟‬
‫كانت هذه األسئلة اليت كانت تدور يف خلد نور وتؤرقه‪ ،‬ولكنه جتاهلها‬
‫جيدا إىل التعليمات‪ ،‬فأكمل الصوت متجاه ًال أصواتهم‪:‬‬
‫ليستمع ً‬
‫– –سيسمح لكم باستخدام أي شيء للخروج من هنا‪ ،‬إن كنتم تريدون‬
‫قتل بعضكم البعض يف االختبارات فلي��س لدينا مانع‪ ،‬ولكن األهم‬
‫هو االرتفاع يف املستويات للوصول إىل املراكز الثمانية األوىل‪ ،‬وهلذا‬
‫فلتبذلوا ما لديكم‪.‬‬
‫كانت األجواء قد أصبحت ثقيلة للغاية مما قاله‪ ،‬وأصبح اجلميع ينظرون‬
‫إىل بعضهم البعض ويقيسون وحيللون قوة خصومهم وأشكاهلم وتصرفاتهم‪،‬‬
‫�د‪ ،‬فأكمل الصوت‪:‬‬ ‫�دا أن غريزة البقاء والقتل قد طغت على احلش�‬ ‫وب�‬
‫– –واآلن كي خنتصر الكثري من الوقت‪ ،‬سنبدأ بأول اختبار‪.‬‬
‫�ة الغرفة بني املصاعد‪،‬‬‫�ت بوابة كبرية على مصراعيها يف نهاي�‬
‫فتح�‬
‫�مس إىل الغرفة ليشعرهم ببعض الدفأ والراحة اليت مل‬ ‫َّ‬
‫وانسل ضوء الش�‬
‫�ط هذا التوتر‪ ،‬فتوجه اجلميع إىل البوابة‬
‫�هور وس�‬‫حيصلوا عليها من ش�‬
‫�ار نور حبذر وترقب‪.‬‬‫وهم يراقبون بعضهم البعض حبذر‪ ،‬بينما س�‬
‫�هم أمام طريق أمسنيت عريض‬
‫خرج اجلميع من البوابة ليجدوا أنفس�‬
‫�جار من كل جانب وحتجب أي فرصة للهروب‪ ،‬فنظر‬ ‫وطويل حتده األش�‬
‫‪48‬‬
‫مشسا فوقهم‪ ،‬ففكر إن كانوا على جزيرة ما تقوم‬‫ً‬ ‫نور إىل السماء ليجد‬
‫عليها اختبارات بشعة كهذه بدون علم أحد‪ ،‬أو بعلم الدولة املسؤولة عن‬
‫هذا‪ ،‬فالسياسيون يقومون بأي شيء بشع يف سبيل الفوز يف حروبهم‪.‬‬
‫شارحا املوقف‪:‬‬
‫ً‬ ‫قال الصوت‬
‫– –كما ترون فأول االختبارات س�‬
‫�يكون سباق املوت ‪ ..‬رمبا تتساءلون‬
‫�باق‬
‫�تعرفون عما قريب ‪ ..‬يف هذا الس�‬ ‫�ي هكذا‪ ،‬ولكن س�‬ ‫ملاذا مس�‬
‫�يصل إىل خط النهاية منكم فهو مؤهل‬ ‫القواعد بسيطة هنا‪ ،‬من س�‬
‫مجيعا إىل خط النهاية‬
‫ً‬ ‫�ة القادمة‪ ،‬وهذا يعين أنه لو وصلتم‬
‫للمرحل�‬
‫سيتأهل اجلميع‪ ،‬ولكن سيكون هناك فارق يف النقاط؛ أي أن املركز‬
‫�يحصد أعلى النقاط ثم الذي يليه وهكذا‪ ،‬وكلما قل عدد‬ ‫األول س�‬
‫�احل املتأهلني للمرحلة‬
‫�يكون هذا يف ص�‬ ‫الواصلني خلط النهاية س�‬
‫�ابقة‪.‬‬‫القادمة ‪ ..‬واآلن فلتبدأ املس�‬
‫�م؟! ولكنه مل جيد فيه‬
‫ترقب نور الطريق ليعرف ملاذا مسي بهذا االس�‬
‫�يئا مري ًبا وهذا ما أقلقه أكثر‪ .‬كان السجناء يتسامرون فيما بينهم‬
‫ش�‬
‫على ما حيدث هنا‪ ،‬فقال الصوت‪:‬‬
‫كل حسب رقمه حتى متلؤوا مجيع الصفوف‪ ،‬كل‬ ‫– –فلتصطفوا اآلن ٍ‬
‫صف حيتوي على عشرة متسابقني ثم الذي يليه وهكذا حتى تكملوا‬
‫ٍ‬
‫مجيع الصفوف اخلمس‪.‬‬
‫�ه‪ ،‬وتذكر أنه رقم ثالثون‪ ،‬فوقف يف الصف الثالث‪،‬‬‫نظر نور إىل رقم�‬
‫عاما‪ ،‬كان يرتدي نظارة وميشط‬‫جبانب شاب يبدو أنه يتجاوز الثالثني ً‬
‫شعره إىل اخللف‪ ،‬وعيناه تلتمعان حبماس‪ ،‬يبدو أنه يستمتع بهذا‪ ،‬وكانت‬
‫�اقة ما‬
‫�ه تنم على ذكاء وفطنة‪ ،‬وقوي البنية وميتلك من الرش�‬ ‫مالحم�‬
‫�عر‬
‫�ه عندما رآه‪ ،‬ش�‬
‫�عر نور بأمل يف رأس�‬
‫يكفيه الجتياز هذا االختبار‪ ،‬وش�‬

‫‪49‬‬
‫�اره رأى فتاة متوترة‬
‫�ه ال يتذكر أين؟ وعلى يس�‬‫�ه رآه من قبل ولكن�‬
‫بأن�‬
‫شديدا‪ ،‬وكانت يدها ترجتف بقوة‪ ،‬ترتدي قبعة صغرية‪ ،‬ويبدو على‬
‫ً‬ ‫توترا‬
‫ً‬
‫�ت‪ ،‬وكانت تقضم أظافرها يف‬ ‫�ا اجلمال واخلوف يف نفس الوق�‬ ‫مالحمه�‬
‫خوف‪ ،‬فقال نور يف حماولة لتهدئتها‪:‬‬
‫– –ال ختايف‪ ،‬سنخرج من هنا ‪ ..‬أنا نور وأنت؟‬
‫�ديد وجسدها يرجتف كأنه ورقة يف مهب الريح‪،‬‬
‫نظرت إليه بذعر ش�‬
‫وقالت مظلمة الوجه‪:‬‬
‫– –أنا ال أعرف إن كنت سأخرج من هنا أم ال؟! هذا جنون ‪ ..‬أنا مل أطلب‬
‫�ي يف هذا املكان عندما استيقظت‬ ‫أن أكون هنا ‪ ..‬لقد وجدت نفس�‬
‫�غل بالك مبا قلت ‪ ..‬امسي هو جني‪.‬‬ ‫�يئا ‪ ..‬ال تش�‬
‫وال أتذكر ش�‬
‫ابتسم نور حماو ًال تلطيف اجلو والتخفيف من حدته قائال‪:‬‬
‫– –تشرفت مبعرفتك‪ ،‬ال يهم ما حيدث هنا اآلن‪ ،‬فقد حدث هذا جلميع‬
‫من هنا‪ ،‬ويبدو أنه ليس هناك مفر غري تنفيذ ما يقولون‪ ،‬وهلذا علينا أن‬
‫نتعاون‪ ،‬فكما مسعيت أول مثانية سيخرجون من هنا‪ ،‬وهذه فرصة جيدة لنا‪.‬‬
‫قال الشاب الذي يقف على ميني نور‪:‬‬
‫– –هل تظن أن التعاون سيخرجنا من هنا حقا؟‬
‫وجه نور نظراته إليه وقد امحر وجهه الشاحب‪ ،‬فصمت قلي ًال ثم قال‪:‬‬
‫– –رمبا يساعدنا! أو على األقل سيزيد من فرصة جناحنا‪.‬‬
‫�رف قدرات من هم‬ ‫�ك أن حتذر‪ ،‬فأنت ال تع�‬ ‫– –رمب�‬
‫�ا‪ ،‬ولكن جيب علي�‬
‫�اعدكما يف الوقت الراهن‪ ،‬ولكن‬ ‫حولك‪ ،‬وهلذا توخى احلذر‪ ،‬سأس�‬
‫�ة فلن أتردد يف قتلكما‪.‬‬
‫وجها لوجه يف املراحل القادم�‬
‫�ا ً‬‫إن تقابلن�‬

‫‪50‬‬
‫شعر نور بقشعريرة تسري يف جسده من نظرات عينيه وحزمه الشديد‪،‬‬
‫فاستطرد الشاب قائال بابتسامة مصطنعة‪:‬‬
‫– –امسي هو كينو باملناسبة‪ ،‬وأنت نور وهي جني ‪ ..‬تشرفت مبعرفتكما‬
‫‪ ..‬واآلن فلتبقيا على مقربة مين حتى نتجاوز هذا االختبار‪.‬‬
‫�عر نور بأنه يعلم هذا‬
‫�ه باملوافقة‪ ،‬وش�‬
‫كل من نور وجني برأس�‬
‫أومأ ٍ‬
‫أيضا ولكنه ال يعلم أين‪ ،‬فشعر ببعض األمل يف رأسه ولكنه سرعان‬
‫االسم ً‬
‫ما زال بسرعة‪.‬‬
‫أراد نور أن يسأهلم عن قدراتهم‪ ،‬ولكن الصوت قاطعه قائال‪:‬‬
‫– –واآلن سنبدأ ‪ .. 1 .. 2 .. 3 ..‬انطلقوا‪.‬‬
‫�رع ما عندهم‪ ،‬بينما الحظ نور أحد الفتية‬
‫بدأ اجلميع يركض بأس�‬
‫ترحيا عند أحد األشجار ويبدو وكأنه ال يهتم مبا حيدث يف‬
‫جيلس مس� ً‬
‫االختبار‪ ،‬كان يراقب املتسابقني بابتسامة ساخرة على وجهه‪ ،‬فقال نور‬
‫بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫– –هل هو واثق من فوزه إىل هذا احلد؟! رمبا ميتلك قدرة مميزة متكنه‬
‫من الفوز بهذا السباق بسهولة‪.‬‬
‫�ابقون الركض يف الطريق بال توقف‪ ،‬وبدأت الفروق يف‬
‫أكمل املتس�‬
‫السرعة بينهم تظهر‪ ،‬وكان نور وكينو وجني يركضون يف املنتصف بني‬
‫�ه‪:‬‬
‫اجلميع‪ ،‬فقال هلم نور وهو حياول أن حيافظ على معدل تنفس�‬
‫– –جيب أن نسرع حتى حنصل على املراكز األوىل‪.‬‬
‫رد كينو بلهجة ذات داللة‪:‬‬

‫‪51‬‬
‫– –ال‪ ،‬ال جيب أن نسرع اآلن‪ ،‬فلننتظر حتى نهاية السباق‪ ،‬حنن ال نعلم‬
‫ما هي األخطار والعقبات اليت تنتظرنا‪ ،‬وهلذا جيب أن ننتظر ونرتك‬
‫�ة‪ ،‬ليظهروا لنا كل العقبات واملخاطر‪ ،‬ثم نتقدم‬
‫املغفلني يف املقدم�‬
‫حبذر وعندما نقرتب من خط النهاية سنستغل هذا للعبور‪.‬‬
‫قالت جني بنربة مرجتفة‪:‬‬
‫– –أنا أتفق معه‪ ،‬فقد قال إنه يس�‬
‫�مى طريق املوت ‪ ..‬رمبا تكون هناك‬
‫أشياء خميفة تنتظرنا‪.‬‬
‫موجها نظره إىل املتسابقني يف املقدمة‬
‫ً‬ ‫صمت نور وهو يفكر فيما قاله‪،‬‬
‫لرياقب أي تغري يطرأ عليهم‪ ،‬ولكن مل حيدث شيء بعد‪ ،‬ويبدو أنه ال أحد‬
‫�تخدم قدرته اخلاصة حتى اآلن‪ ،‬ال أحد يريد أن يكشف سره أمام‬ ‫قد اس�‬
‫اآلخرين بسهولة‪.‬‬
‫�يطر على بعض‬ ‫�ر دقائق‪ ،‬بدأ اإلرهاق يس�‬ ‫وبعد أن ركضوا ملدة عش�‬
‫املتسابقني‪ ،‬ومل حيدث أي شيء بعد‪ ،‬ال يزال اجلميع يركض بدون توقف‬
‫يف حماولة للوصول إىل نهاية السباق‪ ،‬وبعد فرتة دلفوا إىل نفق غريب ولكن‬
‫�يء غريب بعد‪ ،‬فقال نور وهو حياول أن حيافظ على معدل تنفسه‪:‬‬ ‫ال ش�‬
‫حتمل ال أكثر!‬ ‫– –هل سنركض كث ً‬
‫ريا؟ يبدو بأنه سباق ُّ‬
‫رد كينو حبرية قائال‪:‬‬
‫– –ال بد أن الطريق طويل للغاية الختبار لياقتنا‪ ،‬ولكن رمبا تكون هناك‬
‫�نكمل الركض حتى حيدث أي‬ ‫�ة ما ‪ ..‬على كل األحول س�‬ ‫خدع�‬
‫تغري على املكان‪.‬‬
‫�يطرة‬
‫�ت نور يفكر‪ ،‬بينما كانت جني جبانبه تلهث وحتاول الس�‬
‫صم�‬
‫�دها املرهق من الركض بال توقف‪.‬‬ ‫على جس�‬

‫‪52‬‬
‫�اعة بال توقف ومل حيدث أي شيء‬‫�ابقون ملدة نصف س�‬
‫ركض املتس�‬
‫ين وهي تلهث بقوة‪:‬‬
‫غريب بعد‪ ،‬فقالت ج�‬
‫– –مخس دقائق أخرى ولن أستطيع أن أكمل الطريق‪.‬‬
‫قال نور وهو ال يبدو عليه التعب إطالقا‪:‬‬
‫– –ال أعرف ماذا حيدث‪ ،‬ولكين مل أتعب بعد‪ ،‬وال أعرف ملاذا؟‬
‫رد كينو قائال‪:‬‬
‫– –ال بد أنهم أجروا على جس�‬
‫�دك وجسدي بعض التعديالت‪ ،‬ولكن ملاذا‬
‫مل جيروها على جني؟‬
‫قال نور وهو يفكر‪:‬‬
‫– –رمبا يكون األمر مرتبطا بقوة كل شخص وبالتمرينات اليت قام بها‬
‫أثناء التدرب عليها ‪ ..‬جني ما هي قوتك؟‬
‫قاطعه كينو قائ ًال‪:‬‬
‫– –يا رفاق لقد اكتشفت اخلدعة هنا!‬
‫�ة قائلني يف نفس‬
‫كل من نور وجني إليه بنظرات تعجب ودهش�‬
‫نظر ٍ‬
‫الوقت‪:‬‬
‫– –ما هي؟؟!‬
‫�ض العالمات بعدما‬‫�ت الطريق منذ انطالقنا ووضعت بع�‬ ‫لقد حلل�‬
‫�ي قد وجدت إحدى عالماتي بعد‬ ‫�رنا لوقت طويل‪ ،‬وما الحظته هو أن�‬
‫س�‬
‫ير يف نفس الطريق الذي ال‬‫�رور مخس دقائق‪ ،‬وهذا يدل على أننا نس�‬
‫م�‬
‫ينتهي‪ ،‬ولكن قررت أن أركض خلمس دقائق أخرى حتى أتأكد من هذا‬
‫األمر‪ ،‬وبعد مرور مخس دقائق مل أجد العالمة يف نفس املكان‪ ،‬بل كانت‬
‫‪53‬‬
‫على اجلانب اآلخر من الطريق وهذا ما أصابين باحلرية! ولكن بعد مرور‬
‫�ة دقائق أخرى‬
‫مخس دقائق أخرى وجدتها يف مكانها املعتاد‪ ،‬وبعد مخس�‬
‫�ى اجلانب اآلخر من الطريق ومن هنا فهمت ما حيدث!‬ ‫وجدتها عل�‬
‫قال نور بإحلاح وقد علت نربة صوته مما نبه بعض املتسابقني إليه‪:‬‬
‫– –ما هي أخربني؟!‬
‫تنهد كينو قائ ًال‪:‬‬
‫– –سأخربك بالفعل‪ ،‬كفاك اس�‬
‫�تعجال ‪ ..‬على كل حال إن الطريق‬
‫يتغري‪.‬‬
‫نظر نور إليه وقد فغر فاه‪ ،‬بينما اتسعت عينا جني من الدهشة‪ ،‬فقاال‬
‫معا‪:‬‬
‫ً‬
‫– –ماذا؟! كيف؟!‬
‫استطرد كينو قائ ًال‪:‬‬
‫�عر أحد‪،‬‬‫– –بعد دقيقتني من الركض حيدث تغري للطريق بدون أن يش�‬
‫�ل النفق‪ ،‬هنا حيدث التبديل‪ ،‬لقد عرفت ما علينا‬
‫وهذا عندما ندخ�‬
‫فعله اآلن‪.‬‬
‫قالت جني بشغف كبري وصرب نافد‪:‬‬
‫– –ولكن كيف يتغري الطريق؟! وكيف سنعرف الطريق الصحيح؟!‬
‫�تجمع أفكاره ثم كسر حاجز الصمت قائ ًال‬
‫صمت كينو قليال ليس�‬
‫بنربة قاطعة‪:‬‬
‫– –حنن نركض يف طريق مستقيم ولكنه يعيد نفسه‪ ،‬مبعنى أن النفق‬
‫�ه ‪ ..‬بالطبع مل تفهمي ما‬
‫�ا هو إىل إعادة للطريق الذي أتينا من�‬
‫م�‬
‫‪54‬‬
‫�رح بالتفصيل ‪ ..‬باختصار شديد عندما ندخل إىل‬ ‫أقوله لذا سأش�‬
‫�عر أحد‪ ،‬وعندما خنرج منه‬ ‫النفق يتحرك النفق ويلتف بدون أن يش�‬
‫نكون قد عدنا إىل نفس الطريق الذي دخلنا منه‪ ،‬وهلذا السبب وجدت‬
‫العالمة على اجلانب اآلخر من الطريق‪ ،‬ألننا نسري يف نفس الطريق‬
‫�ا قد عدنا أدراجنا؛ أي أننا نركض إىل نهاية الطريق ثم نعود‬
‫ولكنن�‬
‫ين‪ ،‬أحدهما عند نقطة‬ ‫�ذا يعين أن هناك نفق�‬
‫�ددا للبداية‪ ،‬وه�‬
‫جم� ً‬
‫البداية واآلخر عند نقطة النهاية‪ ،‬وكليهما عبارة عن جسر متحرك‬
‫�ا من حيث أتينا‪ ،‬وهكذا فإننا نركض يف حلقة مفرغة ولن‬ ‫إلرجاعن�‬
‫�ف اخلدعة ‪ ..‬الكثري ممن يركضون حولنا‬ ‫تنتهي إال عندما نكتش�‬
‫�ق طويل فقط ال أكثر وال‬ ‫�ابقة حتمل‪ ،‬وأن الطري�‬‫يظنون أنها مس�‬
‫�ابقة ذكاء وليس حتمل‪ ،‬واآلن عندما‬ ‫أقل‪ ،‬ولكنها يف احلقيقة مس�‬
‫�نقف عند بدايته وسأريكم ما سيحدث‪.‬‬ ‫ندخل إىل النفق س�‬
‫قال نور وهو حيك رأسه‪:‬‬
‫– –يا إهلي! يا هلا من خدعة دنيئة‪ ،‬رمبا مل نكن لنكتش�‬
‫�ف األمر لوالك‪،‬‬
‫�باق سرعة ولياقة فقط‪ ،‬وهلذا مل أستعمل عقلي‪.‬‬‫فأنا اعتقدت بأنه س�‬
‫– –ال داعي هلذا الكالم‪ ،‬فنحن ً‬
‫معا يف هذا األمر‪.‬‬
‫أكملوا ركضهم ملدة مخس دقائق أخرى‪ ،‬وكانت جني تكاد تنهار من‬
‫�ها ألنها رأت النفق وقد ظهر يف األفق‪،‬‬
‫اإلرهاق ولكنها حتاملت على نفس�‬
‫�ديهما‬‫�ا كان كينو ونور يركضان بال تعب أو إرهاق‪ ،‬وكأن جس�‬ ‫بينم�‬
‫مصنوعان من احلديد‪.‬‬
‫�ف‪ ،‬بينما أكمل باقي‬ ‫�ق‪ ،‬فطلب كينو منهما التوق�‬ ‫دلفوا إىل النف�‬
‫�ار إليهما‬
‫�ف كينو إىل طريق الدخول وأش�‬ ‫�ابقني الركض‪ ،‬فالت�‬ ‫املتس�‬
‫بالنظر‪ ،‬وفجأة وجدا النفق يتحرك ومير من أمام األشجار‪ ،‬ثم التف ملدة‬

‫‪55‬‬
‫�ف على طريق رملي جديد مل يره أحد من قبل‪ ،‬فقال‬
‫دقيقتني حتى توق�‬
‫�امة النصر على وجهه‪:‬‬
‫كينو وابتس�‬
‫– –أمل أقل لكما إنه يتغري‪ ،‬وهكذا لقد كسرنا احللقة املفرغة ‪ ..‬أحيانا‬
‫يكون عليك االنتباه ملا خلفك بد ًال من الذي أمامك‪.‬‬
‫قالت جني بسعادة وهي تلتقط أنفاسها‪:‬‬
‫– –هذا يعين أننا أول من اكتش�‬
‫�ف هذا األمر ‪ ..‬يا لك من عبقري يا‬
‫أبدا‪.‬‬
‫كينو! ما كنت ألالحظ شيئا كهذا ً‬
‫حترك نور إىل خارج النفق وهو يشري إليهما قائال بلهجة حمذرة‪:‬‬
‫جمددا‪ ،‬هيا بنا إىل الفوز ‪ ..‬ال أتوقع‬
‫ً‬ ‫– –فلنتح�‬
‫�رك قبل أن يلتف النفق‬
‫أحدا قد اكتشف هذه اخلدعة بعد‪.‬‬‫أن ً‬
‫قال كينو بنربة عميقة تنم عن بعض القلق‪:‬‬
‫�ف اخلدعة العديد من املتسابقني‪ ،‬الحظت أن األعداد‬ ‫– –بل قد اكتش�‬
‫�بب أنهم قد تعبوا وتوقفوا‪ ،‬لكنا‬ ‫كانت تتناقص وظننت أن هذا بس�‬
‫�ن ميضي وقت كبري‬ ‫�ا أدراجنا‪ ،‬كما أنه ل�‬
‫�م عندما عدن�‬ ‫وجدناه�‬
‫�ابقني سيتوقفون‬ ‫حتى يعلم اجلميع اخلدعة‪ ،‬ألن العديد من املتس�‬
‫جمددا من نفس‬
‫ً‬ ‫ترحيوا‪ ،‬وبالطبع سوف يالحظون عودة رفاقهم‬ ‫ليس�‬
‫الطريق أثناء االسرتاحة‪ ،‬وعندها وبقليل من التفكري سيعلمون السر‪،‬‬
‫وهلذا علينا أن نسرع وإال سيلحقون بنا‪.‬‬
‫قالت جني وهي تستعد للركض‪:‬‬
‫– –حسنا ‪ ..‬لقد استعدت أنفاسي ‪ ..‬واآلن فلننطلق ليس هناك وقت‬
‫لنضيعه‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫أضاف كينو قائال‪:‬‬
‫– –نعم ليس هناك وقت‪ ،‬ولك�‬
‫�ن فلنتوخى احلذر‪ ،‬فنحن ال نعلم ما هو‬
‫قادم‪.‬‬
‫أقدام على‬
‫ٍ‬ ‫انطلق ثالثتهم يشقون الطريق الرملي حبذر والحظوا آثار‬
‫�بقهم يف اكتشاف الطريق‪ ،‬فساروا وراء‬ ‫األرض‪ ،‬فعلموا أن هناك من س�‬
‫�دهم إىل بر األمان‪ .‬وبعد ثالث‬
‫�ار األقدام‪ ،‬وركزوا عليها ألنها سرتش�‬
‫آث�‬
‫�ق‪ ،‬مسعوا صوت انفجار ُيدوي يف األفق‪ ،‬ثم تاله انفجار آخر ثم آخر‬
‫دقائ�‬
‫�عر ثالثتهم بالقلق مما حيدث‪ ،‬وفكر نور فيما حيدث هناك‪،‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬فش�‬
‫�رعان ما سيكتشف ذلك‪ .‬وبعد مخس دقائق أخرى من‬ ‫ولكنه علم أنه س�‬
‫الركض‪ ،‬رأوا جمموعة من عشرة أشخاص يقفون ويتحدثون فيما بينهم‪،‬‬
‫فقال كينو وقد تالشت شكوكه‪:‬‬
‫– –كما توقعت‪ ،‬لسنا أول من وصل إىل هنا‪.‬‬
‫اقرتبوا من املتسابقني حبذر‪ ،‬بينما بادرهم املتسابقون بنظرات مريبة‪،‬‬
‫فاقرتب نور منهم قائ ًال‪:‬‬
‫�يئ ًا عن االنفجار الذي حدث‬
‫– –ملاذا توقفتم هنا؟ وهل يعلم أحدكم ش�‬
‫منذ قليل؟‬
‫نظر إليهم شاب يف العقد الرابع من عمره‪ ،‬شعره طويل مسرتسل على‬
‫كتفيه‪ ،‬وله مالمح آسيوية‪ ،‬قصري القامة وحاد النظرات‪ .‬رمقهم بنظرات‬
‫جدية باردة وقال هلم بنربة رتيبة‪:‬‬
‫– –هناك ألغام موضوعة يف هذا اجلزء من الطريق وال أحد يستطيع املرور‪.‬‬
‫�ابقني ممزقة من أثر‬
‫لا َء متس�‬
‫�اب إىل الطريق‪ ،‬فرأوا أش�‬
‫�ار الش�‬
‫أش�‬
‫�عر‬
‫االنفجارات‪ ،‬فأدركوا ما حدث عندما مسعوا صوت االنفجارات ‪ ..‬ش�‬

‫‪57‬‬
‫�ائ ًال‪:‬‬
‫�زز‪ ،‬بينما زاد الذعر بداخل حني‪ ،‬فقال نور متس�‬
‫نور بالتق�‬
‫– –وكيف سنعرب من هنا؟‬
‫�عره أشقر‪ ،‬فقال هلم‬
‫�خص ضخم البنية عريض املنكبني‪ ،‬ش�‬
‫خرج ش�‬
‫بصوت أجش‪:‬‬
‫– –أستطيع املرور بقوتي ولكن ال أعلم إن كنت سأتضرر أم ال! رمبا تكون‬
‫قوة االنفجار أكرب من قوة حتملي‪.‬‬
‫قال كينو وهو يتفرس فيه‪:‬‬
‫– –وما هي قوتك؟‬
‫�تطيع أن أغطي جسدي مبادة معدنية صلبة كاحلديد‪ ،‬ولكن ال‬ ‫– –أس�‬
‫�يصمد هذا احلديد أمام قوة االنفجار أم سأنفجر؟!‬
‫أعلم هل س�‬
‫صمت كينو قلي ًال يفكر ثم قال بنربة مريبة‪:‬‬
‫– –هل استطاع أحد العبور؟‬
‫رد الشاب اآلسيوي قائال جبفاء‪:‬‬
‫ير‪ ،‬والذي يقفز‬
‫�خص الذي يط�‬ ‫– –نعم هناك من عربوا بالفعل‪ ،‬الش�‬
‫عالي ًا‪ ،‬اس��تطاعوا جتاوز الطريق بسهولة‪.‬‬
‫نظر كينو إىل الطريق ثم استطرد قائ ًال‪:‬‬
‫– –نور‪ ،‬جني اتبعاني‪ ،‬أستطيع العبور من هذه األلغام‪.‬‬
‫نظر اجلميع إليه بدهشة‪ ،‬فخرج شاب بنفس عمر نور‪ ،‬لديه شعر أسود‬
‫مبتسما‪:‬‬
‫ً‬ ‫مموج وبشرة مسراء‪ ،‬ووجه هادئ‪ ،‬فقال له‬
‫– –حق ًا هل تستطيع أن جتعلنا نعرب؟‬

‫‪58‬‬
‫لثوان‬
‫ٍ‬ ‫�عر بأنه يعرفه‪ ،‬وأحس بصداع يف رأسه‬
‫نظر نور إلي الشاب وش�‬
‫�اب كان يساوره نفس الشعور‪،‬‬‫جمددا عند رؤيته‪ ،‬ويبدو أن الش�‬
‫ً‬ ‫معدودة‬
‫فقال نور له‪:‬‬
‫– –ما امسك؟‬
‫– –امسي يوسف ‪ ..‬وأنت؟‬
‫– –أنا نور‪.‬‬
‫رمقا بعضهما البعض لثوان معدودة ثم قال يوسف بنربة رنانة مرحة‪:‬‬
‫– –تشرفت مبعرفتك‪.‬‬
‫قال الضخم بنفاد صرب‪:‬‬
‫– –وأنا إيفانوف‪ ،‬وهذا ليس وقت التعارف‪ ،‬حنتاج للمرور من هنا قبل أن‬
‫يلحق بنا باقي املتسابقني‪.‬‬
‫فقاطعهم كينو قائال‪:‬‬
‫– –نعم أنت على حق‪ ،‬واآلن س�‬
‫�أعرب أنا ورفاقي‪ ،‬من يريد العبور خلفنا‬
‫فليعرب لن أمنعه‪.‬‬
‫قال الشاب اآلسيوي بفظاظة وشراسة‪:‬‬
‫– –لن أعرب وراءك‪ ،‬سأعرب وحدي‪.‬‬
‫�ف والثمانية اآلخرين قرروا أن‬
‫�ق على رأيه إيفانوف‪ ،‬ولكن يوس�‬
‫وواف�‬
‫يتبعوه‪.‬‬
‫أحل نور قائال‪:‬‬
‫– –كينو ما هي قوتك؟‬

‫‪59‬‬
‫قال كينو بلهجة ذات داللة‪:‬‬
‫– –ال جيب أن تعرف سري اآلن وإال فقد تستخدمه ضدي‪.‬‬
‫وافقت جني كينو الرأي وأكملت قائلة‪:‬‬
‫أحدا‬
‫�يفعل ذلك‪ ،‬ولكنك ُمق‪ ،‬ال جيب أن خنرب ً‬ ‫– –ال أعتقد أن نور س�‬
‫بسرنا‪ ،‬ولكن توخى احلذر فال نريد أن ُنقتل‪.‬‬
‫حترك كينو حبذر يف الطريق واجلميع يتبعه‪ ،‬وأخذ ينحرف يسا ًرا قلي ًال‪،‬‬
‫ثم ميين ًا قلي ًال‪ ،‬والكل حيذو حذوه يف خوف وارتباك شديدين‪ ،‬حتى عربوا‬
‫�ابقني املتأخرىن على لغم من غري‬ ‫نصف الطريق‪ ،‬وفجأة داس أحد املتس�‬
‫قصد‪ ،‬فانفجر اللغم وأطاح باثنني‪ ،‬ثم انفجر لغم آخر‪ ،‬فقال كينو بعصبية‪:‬‬
‫– –اللعنة‪ ،‬فلنركض‪.‬‬
‫�و يلقي بنظره على األرض‬‫�دأوا بالوثب يف الطريق الرملي‪ ،‬وكين�‬ ‫ب�‬
‫�ارات وعلت خلفهم‪ ،‬وأخذت‬ ‫�ام‪ ،‬بينما دوت االنفج�‬
‫متفقدا مواقع األلغ�‬
‫ً‬
‫تطيح باملتسابقني حتى أطاحت خبمسة منهم‪ ،‬بينما راوغ كينو أماكن‬
‫�اقة‪ ،‬وتبعه الباقون بعجلة وتوتر وذعر شديد‪،‬‬ ‫األلغام ميين ًا ويس�‬
‫�ا ًرا برش�‬
‫�ن النهاية‪ ،‬فصرخ كينو قائ ًال‪:‬‬ ‫حتى اقرتبوا م�‬
‫– –لقد شارفنا على الوصول ‪ ..‬اصربوا قليال بعد‪.‬‬
‫بعيدا‪،‬‬
‫�ه ليطيح به ً‬‫�ط كينو على لغم فانفجر في�‬‫وبدون قصد ضغ�‬
‫�لما للموت‪ ،‬وفجأة فتح‬
‫�ده بالكامل‪ ،‬وأغمض عينيه مستس� ً‬‫فتهشم جس�‬
‫جمددا بدون أي خدش أو إصابة‪،‬‬
‫ً‬ ‫عينيه ليجد نفسه يركض على الطريق‬
‫فقال يف نفسه‪:‬‬
‫– –ما الذي حدث‪ ،‬لقد شعرت أنين ‪ ..‬هل كنت أتوهم؟!‬

‫‪60‬‬
‫�ه للغم الذي خطا عليه يف املرة‬
‫�ل الطريق‪ ،‬ولكن هذه املرة انتب�‬
‫أكم�‬
‫�اه‪ ،‬ثم أكمل ركضه والكل يتبعه حتى وصلوا إىل بر‬ ‫�ابقة‪ ،‬وحتاش�‬
‫الس�‬
‫�ادهم على األرض وهلثوا‬ ‫�دأت االنفجارات‪ ،‬فألقوا بأجس�‬ ‫األمان‪ ،‬وقد ه�‬
‫�ور إىل من عرب فوجد أنهم أصبحوا مثانية‪ ،‬وقد لقى أربعة‬ ‫بقوة‪ ،‬فنظر ن�‬
‫�ه‪:‬‬
‫منهم مصرعهم‪ ،‬فقال وهو بالكاد يتلقط أنفاس�‬
‫– –واآلن علمت ملاذا يسمونه طريق املوت‪.‬‬
‫�يوي وإيفانوف وقد عربا الطريق‪،‬‬ ‫�ع كال من الفتى اآلس�‬
‫رأى اجلمي�‬
‫فرمقهم اآلسيوي بنظرة س��اخرة وأخذ يصفق بيديه قائ ًال‪:‬‬
‫– –ي�‬
‫�ا له من عرض ألعاب نارية رائع يا فتيان ‪ ..‬أمل أقل يا إيفانوف أن‬
‫�ا املرور ‪ ..‬ولكن على أية‬
‫�هل علين�‬ ‫نرتكهم يعربون أوال‪ ،‬فهذا سيس�‬
‫�اعدتهم‪ ،‬ولكن االحتياط‬ ‫حال كان ميكنين العبور وحدي بدون مس�‬
‫�ايري باملناسبة‪ ،‬تشرفت مبعرفتكم‪.‬‬ ‫واجب ‪ ..‬امسي س�‬
‫شعر نور بالغضب والغيظ الشديدين مما قاله سايري‪ ،‬فقال بينه وبني‬
‫نفسه‪:‬‬
‫– –يا هلذا الوغد ‪ ..‬لقد تعمد التضحية بنا يف سبيل جناحه!!‬
‫أشار إيفانوف هلم بيده وعلى وجهه نصف ابتسامة قائ ًال‪:‬‬
‫– –الوداع يا رفاق أراكم عند خط النهاية‪.‬‬
‫وبدأ يركض هو وسايري يف الطريق‪ ،‬فقال يوسف الذي كان قد جنا‬
‫معهم‪:‬‬
‫– –ال تقلقوا‪ ،‬فال أعتقد بأن الطريق س�‬
‫�ينتهي بهذه السهولة‪ ،‬ال بد أن‬
‫هذه هي البداية‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫قالت جني بسخرية‪:‬‬
‫– –ال نقلق ألن الطريق مل ينته؟! حق ًا!‬
‫�ف حماو ًال إخفاء خجل�‬
‫�ه‪ ،‬بينما قاطعهم كينو حبزم‬ ‫فضحك يوس�‬
‫قائال‪:‬‬
‫– –هذا ليس الوقت املناسب للمزاح ‪ ..‬فلنتحرك‪.‬‬
‫وافقه األشخاص األربعة اآلخرون‪ ،‬ووقفوا وبدأوا الركض وراء سايري‬
‫�ابقني وراءه‬
‫وإيفانوف الذين كانا قد ابتعدا يف األفق‪ ،‬والتف أحد املتس�‬
‫وقال‪:‬‬
‫– –فلنسرع‪ ،‬لقد اكتشف باقي املتسابقون اخلدعة‪.‬‬
‫�رعته للوصول إىل خط النهاية‪ ،‬فهذا سباق حياة‬
‫فأزاد اجلميع من س�‬
‫أو موت‪.‬‬

‫***‬

‫‪62‬‬
‫‪5‬‬

‫جمددا‪،‬‬
‫ً‬ ‫بعد دقائق من الركض رأى اجلميع إيفانوف وسايري يقفان‬
‫مازحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫ومعهما اثنان آخران‪ ،‬فقال نور‬
‫– –يبدو أن املتاعب جاءت أسرع مما توقعت‪.‬‬
‫�أهلم كينو جبفاء وفتور مع مزيج‬
‫اقرتب منهم اجلميع ووقفوا‪ ..‬س�‬
‫من السخرية‪:‬‬
‫جمددا؟!‬
‫ً‬ ‫جمددا‪ ،‬هل تنتظرون أن نعرب الطريق لكم‬
‫ً‬ ‫– – ملاذا توقفتم‬
‫أشار سايري بيده إىل األمام بدون أن ينبس ببنت شفة‪ ،‬فنظر اجلميع‬
‫بوجه مظلم‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫إىل الطريق‪ ،‬لتتسع أعينهم من الذعر‪ ،‬فقالت جني‬
‫– –يا إهلي ‪ ..‬ما هذا؟!‬
‫�ور متفرقة متتد إىل األمام‪ ،‬أسفلها حبرية‬
‫�ة جس�‬
‫رأوا أمامهم مخس�‬
‫كبرية‪ ،‬وكانت اجلسور ضيقة للغاية‪ ،‬بالكاد تتسع لشخص‪ ،‬وهذا يعين‬
‫�م مل يعلموا ما‬
‫�قطون يف املاء‪ ،‬ولكنه�‬
‫�يجعلهم يس�‬
‫أن أي خطأ واحد س�‬
‫ينتظرهم غري هذا‪.‬‬
‫قال كينو‪ ،‬وهو يتفقد الطريق‪:‬‬

‫‪63‬‬
‫– –لن يكون أصعب من الطريق ا ُمللغم‪ ،‬ولكن جيب أن نتخذ حذرنا أثناء‬
‫العبور‪.‬‬
‫�ايري ضحكة صغرية على كالم كينو مما أغاظه‪ ،‬فقال‬‫ضحك س�‬
‫كينو وقد طغى االنفعال على صوته‪:‬‬
‫– –ملاذا تضحك؟‬
‫– –ستعرف بعد قليل‪.‬‬
‫�د‪ ،‬رمبا ليس األمر‬
‫�را آخر ال يعرفونه بع�‬
‫�عر كينو بأن هناك أم� ً‬
‫ش�‬
‫�هولة اليت يتخيلها‪ ..‬وقف الشخصان اللذان كانا مع سايري‬ ‫بهذه الس�‬
‫�يء‪ ،‬ولديه‬
‫وإيفانوف وقال أحدهما‪ ،‬وهو طويل القامة‪ ،‬حنيل بعض الش�‬
‫�اء كبرية خترج من ظهره ‪:‬‬ ‫أجنحة بيض�‬
‫– –ل�‬
‫�ن ننتظر هنا أكثر من هذا‪ ،‬لقد كنا حنلل الطريق ويبدو أنه ال‬
‫�مح لنا بالعبور بسهولة حتى وإن‬
‫�يء‪ ،‬كما أن قوانا ستس�‬‫يوجد ش�‬
‫كان هناك خطر شديد‪.‬‬
‫�ار األول بأجنحته‪ ،‬بينما قفز‬
‫�دون أن ينتظروا إجابة انطلقوا‪ ،‬ط�‬ ‫وب�‬
‫�افات كبرية‪ ،‬حتى اعتقد البعض أنه يطري هو اآلخر يف‬ ‫اآلخر عال ًيا ملس�‬
‫البداية‪ ،‬قال سايري بسخرية‪:‬‬
‫– –واآلن فلتمعنوا النظر ً‬
‫جيدا‪.‬‬
‫كحجم فيل‪ ،‬وانقض‬
‫ِ‬ ‫�ماء هبط صقر عمالق‪ ،‬حجمه‬ ‫فجأة من الس�‬
‫�رعة رهيبة على الشخص ذي األجنحة‪ ،‬الذي هلع من منظره وحاول‬ ‫بس�‬
‫�كه‪ ،‬ثم ح َّلق ً‬
‫بعيدا‬ ‫عائدا‪ ،‬لكن الصقر كان قد التقطه وأمس�‬‫ً‬ ‫يران‬
‫الط�‬
‫�ا هلذا املنظر املرعب‪،‬‬
‫�ته‪ ،‬نظر الفتى ذو القدرة على القفز عالي�‬
‫بفريس�‬
‫�ماء‪،‬‬
‫�اريره فقرر أن يركض على األرض وأال يقفز يف الس�‬ ‫وارتعدت أس�‬

‫‪64‬‬
‫ركضا‪ ،‬وفجأة قفزت مسكة عمالقة زرقاء اللون من املياه‬
‫ً‬ ‫فأكمل طريقه‬
‫وحلقت عالي ًا مكش��رة عن أنيابها احلادة‪ ،‬وقامت بالتهام اجلسر الضيق‬
‫جمددا بفعل اجلاذبية‪.‬‬
‫ً‬ ‫�ابق ثم هبطت يف املياه‬
‫ومعه املتس�‬
‫�ن أحجام هذه‬‫�ول وقد مت َّلكهم الذعر م�‬ ‫�ف اجلميع يف حالة ذه�‬‫وق�‬
‫�ياء الضخمة‪ ،‬وكانت األسئلة تتصادم يف رأسهم عن كيفية وجود‬ ‫األش�‬
‫خملوقات بهذا احلجم؟ ولكن مبا أنهم رأوا القدرات الغريبة اليت أصبحوا‬
‫�يئا غريبا عليهم!‬ ‫فلم يعد هناك ش�‬
‫ميتلكونها‪ِ ،‬‬
‫سقطت جني على األرض وقالت بنربة مرجتفة‪:‬‬
‫مجيعا إن عربنا!‬
‫ً‬ ‫– –لن أعرب من هنا ً‬
‫أبدا ‪ ..‬سنموت‬
‫باد يف صوته‪:‬‬
‫فقال نور والتوتر ٍ‬
‫بقيت هنا‪ ،‬سنموت يف كل األحوال‪ ،‬إذ ًا فلنكمل الطريق‬
‫ِ‬ ‫– –ستموتني إن‬
‫وليحدث ما حيدث‪ ،‬رمبا يكون العبور مستحيال ولكن إن وحدنا قوانا‬
‫فسنعرب بالتأكيد‪.‬‬
‫موجها كالمه إىل سايري حبنق وغضب‪:‬‬
‫ً‬ ‫قال كينو‬
‫– –هل تركتهم يلقون حتفهم وأنت تعلم مبا حيدث؟‬
‫�ذا يف مصلحتنا‪ ،‬كما أنهم مل‬‫�ابقني كان ه�‬ ‫– –كلما َّ‬
‫قل عدد املتس�‬
‫يريدوا أن يسمعوا حتذيراتي وانطلقوا واثقني من أنفسهم ‪ ..‬أحيانا‬
‫الثقة تقتل صاحبها‪.‬‬
‫�ه‪ ،‬وأثناء حتدثهم وصل‬ ‫�عر كينو بالغيظ منه‪ ،‬ولكنه مل يرد علي�‬
‫ش�‬
‫�ماوي‪ ،‬مما‬
‫�ان آخران إليهم‪ ،‬أحدهما لون وجهه مييل إىل األزرق الس�‬
‫اثن�‬
‫جعل اجلميع يتعجب من هيئته‪ ،‬ولكنهم أجزموا أن قدرته رمبا تكون هي‬
‫شعرا فضي اللون‪ ،‬ناعما وكثيفا‪،‬‬
‫�بب يف لون وجهه‪ ،‬وكان ميتلك ً‬ ‫الس�‬

‫‪65‬‬
‫واآلخر كانت بشرته مسراء‪ ،‬وكان شعره قصريا ومموجا ومالحمه تبدو‬
‫هادئة وماكرة‪ .‬أخربهم يوسف مبا حيدث هنا‪ ،‬وبعد أن تفهموا الوضع‪،‬‬
‫ين‪ ،‬بينما أخربهم اآلخر‬
‫أخرب الفتى ذو الوجه األزرق بأن امسه هو ياس�‬
‫بأن امسه إريس‪.‬‬
‫وبعد دقائق من التخطيط والكالم واجلدال‪ ،‬قرروا ما جيب أن يفعلوه‪،‬‬
‫ووضعوا خطة ستمكنهم من العبور‪ .‬قرروا أن ينقسموا إىل أربع جمموعات‬
‫�ور‪ ،‬حتى يتمكنوا من اهلرب إن‬ ‫وكل جمموعة تعرب من فوق أحد اجلس�‬
‫حدث أي شيء‪.‬‬
‫�بة‬
‫�خص أن خيربهم بقوته حتى يضعوا خطة مناس�‬ ‫واضطر كل ش�‬
‫�ف‪ ،‬فوزعوا األشخاص حبسب قواهم‪ ،‬فأصبحت كل‬ ‫للعبور‪ ،‬ما عدا يوس�‬
‫�خاص‪ ،‬وانقسموا إىل أربع جمموعات‪.‬‬
‫جمموعة تضم ثالثة أش�‬
‫يف اجملموعة األوىل‪ :‬نور وجني وأكريا‪.‬‬
‫اجملموعة الثانية‪ :‬سايري وإيفانوف وتوريس‪.‬‬
‫اجملموعة الثالثة‪ :‬كينو ويوسف ولي كانج‪.‬‬
‫اجملموعة الرابعة‪ :‬ياسني وإريس ونادر‪.‬‬
‫�تعدوا لالنطالق‪ ،‬فاقرتب‬‫�هم واس�‬
‫�يم أنفس�‬‫وهكذا اتفقوا على تقس�‬
‫�ايري وإيفانوف‪ ،‬ووضع يده على كتفيهما قائ ًال‬
‫كل من س�‬
‫يوسف من ٍ‬
‫بنربة هادئة‪:‬‬
‫– –حظ ًا موفق ًا‪.‬‬
‫�هم‪ ،‬ولكنهم أجلوا‬
‫�يء غريب عندما ملس�‬
‫�عر سايري وإيفانوف بش�‬
‫ش�‬
‫�اؤهلم هذا لوقت آخر‪.‬‬
‫تس�‬

‫‪66‬‬
‫�يوف والدروع واحلبال ووزعها‬‫�هم والس�‬‫صنع نور بقدرته بعض األس�‬
‫�ر من ناحية اليسار‬‫�رعوا يف العبور على اجلس�‬‫على جني وأكريا‪ ،‬ثم ش�‬
‫�بح يف البحرية‬
‫�ذر وببطء‪ ،‬وهم يراقبون األمساك الضخمة وهي تس�‬ ‫حب�‬
‫�فلهم بال توقف‪ ،‬وكان يبدو أن هناك مخس مسكات؛ فكانوا يسريون‬ ‫أس�‬
‫ببطء شديد حتى ال يثريوا انتباههم‪ ،‬والتوتر ميلؤهم ويرهقهم‪ ،‬وكانت‬
‫�يء‪ ،‬ونظر نور إىل ميينه ليجد‬
‫�هم مشحوذة بقوة يف ترقب ألي ش�‬ ‫حواس�‬
‫�ايري‪ ،‬كانا‬ ‫باقي رفاقه يفعلون مثله ويعربون ببطء ما عدا إيفانوف وس�‬
‫يسريان كأنهما يف نزهة‪ ،‬وكان توريس يتبعهما يف توتر وهو يقول هلما‬
‫ريا‪ ،‬وكانا‬
‫ين كث ً‬ ‫�ن يبدو أنهما مل يكونا مهتم�‬
‫�ا احلذر‪ ،‬ولك�‬
‫أن يتوخي�‬
‫واثقني من عبورهما‪.‬‬
‫�ددا ووراءه جني وأكريا؛‬
‫ووجه نظره إىل الطريق حبذر جم� ً‬
‫�ور َّ‬‫عاد ن�‬
‫عربوا الربع األول من الطريق بدون أية مشاكل‪ ،‬ولكن مبجرد أن خطوا‬
‫�ماء فوقهم‪ ،‬ويبدو أنها‬‫�اهدوا عدة صقور حتوم يف الس�‬
‫خطوة أخرى ش�‬
‫�ه أحد الصقور إىل فرقة نور‪،‬‬
‫�ها‪ ،‬فتوج�‬‫رأتهم‪ ،‬فبدأت تنقض على فرائس�‬
‫�رق األخرى‪ ،‬فقال نور بعصبية‪:‬‬
‫وباقي الصقور إىل الف�‬
‫– –ت ًبا‪ ،‬ها قد بدأت املشاكل‪ ،‬هل أنتم مستعدون؟‬
‫اومأوا برؤوسهم يف توتر‪ ..‬أخرج نور القوس والسهم‪ ،‬ثم أشار ألكريا‬
‫�ار جلني بأن تستعد‪ ،‬وعندما اقرتب الصقر ا ُملنقض عليهم‪،‬‬
‫بأن يبدأ‪ ،‬وأش�‬
‫قال نور صارخ ًا‪:‬‬
‫– –اآلن!‬
‫رفع أكريا سيفه الذي أعطاه إياه نور‪ ،‬ثم اختفى اهلواء‪ ،‬بينما ضمت‬
‫�يء حوهلم ويتجمد‪،‬‬ ‫معا‪ ،‬وابيضت عيناها‪ ،‬ليتوقف كل ش�‬ ‫�ا ً‬‫جني يده�‬
‫فقالت جني بنربة متقطعة‪:‬‬

‫‪67‬‬
‫– –نور‪ ،‬ال أستطيع إيقاف الوقت أكثر من مخس ٍ‬
‫ثوان فلتسرعوا‪.‬‬
‫– –سنسرع ال تقلقي‪.‬‬
‫�هما حنو اجلناح األمين للصقر ا ُملتجمد يف اهلواء‪ ،‬بينما‬
‫صوب نور س�‬
‫ظهر أكريا فوق الصقر بقدرته على التنقل يف اهلواء بضعة أمتار‪ ،‬ورفع‬
‫سيفه ليغرزه يف رأس الصقر‪ ،‬بينما أطلق نور السهم ليصيب جناح الصقر‬
‫أيضا‪ ،‬فقفز أكريا من فوق الصقر وانتقل يف‬ ‫سهما آخر ليصيبه ً‬
‫ثم سدد ً‬
‫جمددا جبانب نور‪.‬‬
‫ً‬ ‫اهلواء ليظهر‬
‫جمددا إىل وضعه الطبيعي‪ ،‬بينما أخذت جني تلهث بقوة‪،‬‬
‫ً‬ ‫فعاد الزمن‬
‫�م احنرف ناحية اليمني‬
‫�ر نور لريى الصقر وهو يصرخ من األمل‪ ،‬ث�‬‫فنظ�‬
‫�تغلوا هذه‬
‫�ه مسكة كبرية وتلتهمه‪ ،‬فاس�‬ ‫�قط يف املاء لتنقض علي�‬ ‫وس�‬
‫الفرصة اليت انشغلت فيها السمكة القريبة منهم‪ ،‬وركضوا بسرعة ناحية‬
‫�ن الوصول‪ ،‬قفزت مسكة أخرى فجأة‬ ‫اجلانب اآلخر‪ ،‬وقبل أن يقرتبوا م�‬
‫�ه البتالعهم‪ ،‬فوضع أكريا‬‫�ر مبن في�‬‫لتفتح فكيها وتنقض على اجلس�‬
‫�ر‪ ،‬ثم سقط على‬ ‫�رعة ونقلهما إىل نهاية اجلس�‬
‫يده على كتفيهما بس�‬
‫�ة إلكمال الطريق‪،‬‬‫�عر بأنه مل يعد ميلك أي ذرة طاق�‬‫األرض وهو يش�‬
‫بينما التقط كل من نور وجني أنفاسهما بصعوبة واخلوف يقرع قلوبهما‬
‫بروا من هذا اجلحيم‪ ،‬فوقف نور‬‫�وة‪ ،‬ومحدوا اهلل مجيعا على أنهم ع�‬
‫بق�‬
‫�ة باقي الرفاق لريى ما حيدث هلم‪.‬‬‫ونظر ناحي�‬
‫سار كل من إيفانوف وسايري وتوريس ليعربوا اجلسر‪ ،‬وطلب توريس‬
‫عدة مرات منهم أن ُيبطئوا من سرعتهم حتى ال تشعر املخلوقات الضخمة‬
‫بهم‪ ،‬ولكنهم مل يهتموا وقال سايري بتغطرس‪:‬‬
‫�ا فلتعد أدراجك وكف عن‬ ‫– –إن كن�‬
‫�ت ال تريد العبور على طريقتن�‬
‫النحيب كاألطفال‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫شعر توريس بالغيظ منه ولكنه أكمل وراءهم السري وهو صامت‪ ،‬فالعودة‬
‫ليست احلل املناسب على اإلطالق للخروج من هنا‪ .‬وبعد أن بلغوا نصف‬
‫املسافة‪ ،‬ظهرت الصقور وهجمت على املتسابقني‪ ،‬فابتسم إيفانوف قائ ًال‪:‬‬
‫– –ها قد أتت الفريسة‪.‬‬
‫حول إيفانوف قبضته إىل حديد صلب‪ ،‬ونظر برتقب إىل الصقر املنقض‬
‫عليهم مبنقاره احلاد املدبب‪ ..‬أكمل سايري الطريق غري مكرتث‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫�ب أن نصل إىل خط النهاية‬
‫�رعة ‪ ..‬جي�‬
‫فلتقض عليه بس�‬
‫ِ‬ ‫– –إيفانوف‪،‬‬
‫قبل اجلميع‪.‬‬
‫– –حسن ًا‪ ،‬لن يأخذ مين أقل من مخس ٍ‬
‫ثوان‪.‬‬
‫�ض الصقر على إيفانوف‪ ،‬فتفادى بدوره منقار الصقر إىل اليمني‪،‬‬ ‫انق�‬
‫�ة رأس الصقر‪ ،‬ليطيح به بقوة‬ ‫�م وجه قبضته احلديدية بكل قوة ناحي�‬ ‫ث�‬
‫إىل قاع البحرية‪.‬‬
‫�تعمل قدرته على قراءة أفكار أي‬‫�دوها مما رآه‪ ،‬واس�‬
‫وقف توريس مش� ً‬
‫�خص أمامه‪ ،‬فتفاجأ أكثر من أفكارهم‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫ش�‬
‫�م ذرة خوف أو ندم ‪..‬‬ ‫– –ه�‬
‫�ؤالء األوغاد‪ ،‬إنهم كالوحوش‪ ،‬ليس لديه�‬
‫�تمتعون بكل هذا ‪ ..‬كيف يستمتع أحد بشيء بشع كهذا؟!‬‫إنهم يس�‬
‫�اقط‬‫�اء هذا قفزت مسكتان وقبضتا بأنيابهما على الصقر الس�‬ ‫وأثن�‬
‫�ابقا يف نهش حلمه‪ ،‬بينما يتشاجران على حلم جسده‪،‬‬
‫من السماء‪ ،‬وتس�‬
‫مسرعا وراءهما من الذعر‬
‫ً‬ ‫فانتفض جسد توريس من أثر املنظر‪ ،‬وركض‬
‫�رعة وراءهم‪ ،‬الحظ أن هناك مسكة قد‬‫ليلحق بهما‪ ،‬وبينما هو يثب بس�‬
‫�دها اهلائل لتنقض على سايري يف املقدمة‪ ،‬فصرخ‬
‫قفزت يف اهلواء جبس�‬
‫توريس بذعر قائ ًال‪:‬‬

‫‪69‬‬
‫– –سايري ‪ ..‬احرتس‪.‬‬
‫نظر سايري إىل األسفل لريى املنظر املرعب‪ ،‬فتثاءب قائال‪:‬‬
‫– –إيفانوف‪ ،‬هل أنت مستعد؟‬
‫معا‪ ،‬وارتسمت ابتسامة ثقة على وجهه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ضم إيفانوف قبضتيه ً‬
‫ممتعا للغاية‪.‬‬
‫ً‬ ‫– –بالطبع‪ ،‬واآلن هذا سيكون‬
‫– –تذكر ‪ ..‬ال تستخدم الكثري من احلديد وإال سينتهي بك األمر يف‬
‫القاع‪.‬‬
‫– –لن أفعل ال ختف‪.‬‬
‫�ايري يده يف اهلواء كأنه يقوم بتقديم عرض سحري‪ ،‬بينما‬
‫رفع س�‬
‫�هق توريس بقوة عندما رآه يقفز‪.‬‬
‫قفز إيفانوف من فوق اجلسر‪ ،‬فش�‬
‫�مكة فمها يف‬ ‫�مكة‪ ،‬ففتحت الس�‬ ‫هبط إيفانوف يف اهلواء ناحية الس�‬
‫�تها القادمة‪ ،‬فشكل إيفانوف طبقة من احلديد‬ ‫استعداد اللتقاط فريس�‬
‫�ود الصلب على قبضيت يديه‪ ،‬بينما حرك سايري يديه ميين ًا ويسا ًرا‬ ‫األس�‬
‫�يقي‪ ،‬وأغمض عينيه وكأنه يعزف سيمفونية‬ ‫كمايسرتو يف حفل موس�‬
‫اجتاه احنرف جسد إيفانوف معها‬ ‫ٍ‬ ‫للقتل والدمار‪ .‬وكلما حرك يديه يف‬
‫�تمرت يف‬ ‫�مكة اليت اس�‬
‫كأنه دمية يتحكم بها‪ ،‬فتفادى إيفانوف فم الس�‬
‫الصعود ألعلى‪ ،‬ثم ارتفع إيفانوف يف اهلواء ناحيتها مع حركة يد سايري‪،‬‬
‫�ها‪،‬‬ ‫صعودا حتى وصل إىل رأس�‬‫ً‬ ‫�دها‬
‫وعندما وصل إليها ركض على جس�‬
‫�رى‪ ،‬فابتعدت السمكة من قوة‬ ‫فانقض عليها ليلكمها بقوة يف عينها اليس�‬
‫جمددا وقد خسرت إحدى عينيها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫اللكمة عن اجلسر وسقطت يف البحرية‬
‫فغر توريس فاه مما يراه‪ ،‬فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬

‫‪70‬‬
‫�د؟ إنها مذهلة حق ًا! واألهم‬ ‫– –أهذه هي قوة حتريك األش�‬
‫�ياء عن ُبع�‬
‫معا كأنهما يعرفان بعضهما البعض منذ‬ ‫من هذا أنهما منسجمان ً‬
‫نعومة أظافرهما‪.‬‬
‫جمددا ناحية اجلسر‪ ،‬ولكنه رأى أن هناك مسكتني‬
‫ً‬ ‫رفع سايري إيفانوف‬
‫جمددا‪،‬‬
‫ً‬ ‫�ايري رأيه‪ ،‬ووجه إيفانوف إليهم‬
‫جمددا‪ ،‬فغري س�‬
‫ً‬ ‫قفزتا ناحيتهم‬
‫�ده جبانب‬‫�مكتني‪ ،‬فاحنرف جبس�‬ ‫�رعة وقوة ناحية الس�‬
‫فهبط بدوره بس�‬
‫�مكة األوىل ومر من أمام جسدها الضخم حتى وصل إىل منتصفها‪،‬‬ ‫الس�‬
‫وقام بتصليب قدمه اليمنى ثم وجه ركلة شديدة إىل بطنها فاصطدمت‬
‫جمددا‪ ،‬ولكن سرعان ما وجد إيفانوف‬
‫ً‬ ‫السمكة برفيقتها وسقطتا يف البحرية‬
‫مسكة فوقه تهبط من السماء عليه على حني غرة‪ ،‬فقال لنفسه متسائال‪:‬‬
‫– –ميت قفزت هذه السمكة‪ ،‬هل حدث هذا أثناء تركيزي على السمكتني؟‬
‫إلي! ‪ ..‬آه ‪ ..‬إنها اليت‬
‫وملاذا مل تهاجم من على اجلسر وعادت أدراجها ّ‬
‫�حقت عينيها منذ قليل ‪ ..‬لقد عادت لالنتقام‪ ،‬هذا مثري للغاية‪،‬‬
‫س� ُ‬
‫ريا‪.‬‬
‫ولكن يبدو بأنه ليس هناك وقت لتفاديها‪ ،‬لقد اقرتبت كث ً‬
‫عدل إيفانوف من وضعية جسده‪ ،‬وصرخ قائ ًال‪:‬‬
‫– –سايري فلتوجهين ناحية فمها ‪ ..‬لدي خطة‪.‬‬
‫�ن أنيابها‬
‫�مكة ع�‬ ‫�رت الس�‬
‫�ايري فوجهه ناحية فمها‪ ،‬فكش�‬ ‫مسعه س�‬
‫�ود بينما أخذ‬‫�ده إىل معدن أس�‬ ‫وانقضت عليه‪ ،‬فحول إيفانوف كل جس�‬
‫�قر املائل للبياض يتطاير يف اهلواء‪ ،‬وهو يرتفع ناحية فمها‪،‬‬
‫شعره األش�‬
‫�مكة بفمها وأغلقته بعدها وعادت أدراجها إىل البحرية يف‬‫فالتقطته الس�‬
‫�اء هبوطها إىل البحرية‪،‬‬‫�دها أثن�‬‫انتصار‪ .‬لكنها بدأت تنتفض بكل جس�‬
‫جهدا فوق طاقته‪.‬‬
‫ً‬ ‫�ديد وأنه يبذل‬
‫�ايري التعب الش�‬‫بينما بدا على س�‬

‫‪71‬‬
‫انسل العرق من جبينه بكثرة وهو يرفع يديه يف اهلواء إىل أعلى ببطء‬
‫شديد وكأنه حيمل جبال على يديه‪.‬‬
‫�د اخرتقه بقبضته‬ ‫�مكة وق�‬
‫ثوان‪ ،‬خرج إيفانوف من ذيل الس�‬
‫�د ٍ‬ ‫وبع�‬
‫�ده املعدني بالكامل‪ ،‬ثم أزال احلديد من على جسده‬
‫والدماء تغطي جس�‬
‫ليعود إىل وزنه الطبيعي‪ ،‬فرفعه سايري إىل األعلى حتى بلغ اجلسر‪ ،‬بينما‬
‫سقطت السمكة جثة هامدة يف البحر‪ ،‬فانقضت عليها األمساك األخرى‬
‫�دها‪ .‬وجلس سايري على األرض ليلتقط أنفاسه‪ ،‬فقال‬ ‫لتأكل من جس�‬
‫جبفاء وفتور‪:‬‬
‫�دك‬ ‫– –أيها الوغد‪ ،‬قلت لك من قبل أني لن أس�‬
‫�تطيع أن أمحل جس�‬
‫احلديدي فهو أكثر مما أس��تطيع محله‪.‬‬
‫ضحك إيفانوف قائال‪:‬‬
‫– –حسنا‪ ،‬أنت تعرف أنه مل يكن لدي خيار آخر سوى العبور من جسدها‬
‫واخلروج من الناحية األخرى‪ ،‬وكان جيب أن أحول جسدي بالكامل‬
‫�م ‪ ..‬كما إنين كنت واثقا‬
‫�دي قد يتهش�‬‫إىل معدن وإال فإن جس�‬
‫أنك ‪..‬‬
‫– –ال تفعلها ثانية وإال فسأقتلك‪ ،‬لقد استنفذت معظم طاقيت عليك‪.‬‬
‫�ة والرعب‪ ،‬فقال‬
‫�ار توريس إليهما حمدقا فيهما مبزيج من الدهش�‬
‫س�‬
‫هلما بنربة خافتة‪:‬‬
‫�ا أكثر من‬
‫�عرت باخلوف منكم�‬ ‫– –هل أنتما م�‬
‫�ن الوحوش؟ لقد ش�‬
‫�مك والصقور!‬‫الس�‬
‫وضع إيفانوف يده على كتف توريس قائال بنربة مرحة‪:‬‬

‫‪72‬‬
‫�لى فقط يا صديقي‪ ،‬ال تكن هكذا ‪ ..‬هذا االختبار ممل‪،‬‬ ‫– –حنن نتس�‬
‫�يئ ًا أقوى ‪ ..‬شيئا يتغلب على قوتنا‪.‬‬
‫لقد توقعت ش�‬
‫– –حسنا إنه يتغلب على قوتي بالطبع‪ ،‬لذا فأنا أراه مرع ًبا وليس ممال‪،‬‬
‫واآلن فلنكمل الطرق‪.‬‬
‫ساروا ناحية اجلسر حتى عربوا للناحية األخرى‪ ،‬فرأوا نور ينظر إليهم‬
‫بدهشة شديدة‪ ،‬فابتسم سايري قائال‪:‬‬
‫– –يبدو أنك عربت قبلنا يا فتى‪ ،‬أراك عند خط النهاية‪.‬‬
‫�تنف َذ الق�‬
‫�وى‪ ،‬وجني جبواره‬ ‫يرا يركض على األرض مس�‬ ‫كان أك�‬
‫�ها فلم يريا ما حدث‪ ،‬وهذا من حسن حظهما‪ ،‬فلقد كان‬‫تلتقط أنفاس�‬
‫�يخيفهما من البشر أكثر من الوحوش‪.‬‬
‫هذا س�‬

‫***‬

‫‪73‬‬
‫‪6‬‬

‫�ف ولي كانج‪ ،‬وشرعوا يف عبور اجلسر ببطء وحذر‬‫سار كينو ويوس�‬
‫�حوذة‪ ،‬حتى بدأت الصقور تنقض على اجلميع‪ ،‬فاستعدوا‬‫وحواسهم مش�‬
‫للتالحم معهم‪ ،‬فقال لي كانج‪:‬‬
‫خطرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫– –أنا سأتصرف مع الصقور‪ ،‬فلرتاقبوا األمساك فهي أكثر‬
‫وجه لي كانج يديه إىل السماء‪،‬‬
‫وافقوا على ما قاله وراقبوا املاء‪ ،‬بينما َّ‬
‫�عاعا من الطاقة احلمراء املشعة احلارقة من يده ناحية الصقر‬ ‫وأطلق ش�‬
‫لاق يف البحرية‬ ‫�قط الطائر العم�‬ ‫�د الطائر‪ ،‬فس�‬ ‫املنقض‪ ،‬فاخرتق جس�‬
‫لتنقض عليه األمساك‪.‬‬
‫�ف‬
‫�قطه‪ ،‬فقال يوس�‬
‫أيضا ليس�‬
‫�ا توجه صقر آخر‪ ،‬فأطلق عليه ً‬
‫بينم�‬
‫مازحا‪:‬‬
‫ً‬
‫– –سيكون هذا سهال للغاية باستخدام قوتك‪.‬‬
‫�ايري‬
‫�ر‪ ،‬بينما رأى ما فعله س�‬
‫رأى كينو نور ورفاقه وقد عربوا اجلس�‬
‫وإيفانوف‪ ،‬فاندهش ملدى قوتهم وثقتهم بأنفسهم‪ ،‬ورأى أنه عندما ركل‬
‫�ف‬
‫معا‪ ،‬قرروا تركه والتوجه ناحيته‪ ،‬فقال ليوس�‬‫�مكتني ً‬ ‫إيفانوف الس�‬
‫بلهجة صارمة‪:‬‬

‫‪74‬‬
‫– –استعد ‪ ..‬لقد جاءوا!‬
‫نظر يوسف إىل املاء وقد أصابته حالة من التوتر‪ ،‬بينما وجه لي كانج‬
‫�مكتني‬‫�ماء فرأى الس�‬‫انتباهه إىل املاء بعد أن قضى على اخلطر يف الس�‬
‫�ر إىل كينو الذي فهم ما يرمي إليه‪ ،‬فقال‬
‫وهما تقفزان ناحيتهم‪ ،‬فنظ�‬
‫كينو بلهجة ذات داللة‪:‬‬
‫– –سوف أتوىل أمر السمكة على اليمني‪.‬‬
‫وجه كينو يده حنو السمكة‪ ،‬فارتفعت راحة يده إىل معصمه وحتولت‬
‫�مكة فانفجرت فيها بقوة‬‫يده إىل مدفع‪ ،‬فقام بإطالق قذيفة باجتاه الس�‬
‫�عاع احلراري من يديه‬
‫لاء‪ ،‬بينما أخرج لي كانج اإلش�‬ ‫لتحوهلا إىل أش�‬
‫وعينيه يف نفس الوقت ليستطيع أن حيرق هذه السمكة العمالقة‪ ،‬فنجح‬
‫بقتلها واخرتاق جسدها لتسقط يف املاء ومتتلئ البحرية بالدماء‪ .‬وفجأة‬
‫�ف يده بتوتر‬
‫�ر عليهم من اخللف على حني غرة‪ ،‬فمد يوس�‬ ‫انقض صق�‬
‫ناحية الصقر القريب للغاية ليوقف��ه وجيمده يف اهلواء‪ ،‬فصرخ الصقر‬
‫�ا احلديدُ ي َد يوسف وانقض على‬‫فكس�‬
‫�ده‪َ ،‬‬ ‫بأمل يف حماولة لتحرير جس�‬
‫الصقر ليلكمه يف جسده بقوة‪ ،‬ليسقط الصقر يف البحرية‪ ،‬فانتبه كينو‬
‫ملا حدث وقال بتعجب‪:‬‬
‫– –هل تسرق قوى اآلخرين؟‬
‫قال يوسف وهو حياول إخفاء توتره‪:‬‬
‫أحدا أستطيع احلصول على قوته‬ ‫– –تستطيع أن تقول هذا‪ ،‬فعندما أملس ً‬
‫�فاء‪ ،‬ولذلك‬ ‫ملدة مخس دقائق‪ ،‬بينما قوتي احلقيقية تكمن يف الش�‬
‫أستعني بها‪ ،‬فبدال من توجيه طاقيت إىل جسد املريض لعالج جروحه‪،‬‬
‫أحدا عن هذا‪،‬‬
‫�ها ألسحب قوته لبعض الوقت ‪ ..‬ال خترب ً‬ ‫فأنا أعكس�‬
‫أحد اآلن!‬
‫وأنت أيضا يا لي كانج ‪ ..‬هل هذا مفهوم؟ ال جيب أن نثق يف ٍ‬

‫‪75‬‬
‫قال لي كانج وقد شبك ذراعيه‪:‬‬
‫– –هذه قدرة رائعة‪ ،‬ولكن إذا ُعرف سرها ستكون نقطة ضعف قوية لك‪.‬‬
‫– –نعم أعلم هذا‪ ،‬لذلك مل أرد أن أخرب ً‬
‫أحدا عنها‪.‬‬
‫– –ال عليك سرك يف بئر عميق‪.‬‬
‫صمت كينو وتوجه للضفة األخرى‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬
‫– –جيب أن نسرع‪ ،‬فلقد عرب أول فريقني بالفعل!‬
‫توجهوا إىل نهاية املمر‪ ،‬وتوجه نور إليهم يهنئهم بعبورهم‪ ،‬ورأوا سايري‬
‫بصرب نافد‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫وإيفانوف وقد بدآ ال َع ْدو للوصول إىل خط النهاية‪ ،‬فقال كينو‬
‫– –ال جيب أن ُنضيع الكثري من الوقت‪ ،‬فلننطلق خلفهما‪.‬‬
‫تنهد نور قائ ًال بنربة كئيبة‪:‬‬
‫– –كما ترى فأكريا قد استنفذ طاقته من أجل إنقاذنا؛ لذلك سأبقى‬
‫حتى يستعيد طاقته‪.‬‬
‫انتبه أكريا لكالم نور وعدل من وضعية جسده قائ ًال بنربة حازمة‪:‬‬
‫�تعيد عافييت ‪..‬‬ ‫– –نور‪ ،‬فلتذهب‪ ،‬ال تكرتث بي ‪ ..‬س�‬
‫�أتبعكم عندما أس�‬
‫أنت تعرف أن قدرتي س� ُ‬
‫�تمكنين من اللحاق بكم بسرعة‪.‬‬
‫– –ال سأبقى‪ ،‬فأنا مدين لك حبياتي‪.‬‬
‫�رار منه علم أكريا بأنه‬
‫أيضا‪ ،‬وبعد إص� ٍ‬
‫�تبقى ً‬‫أضافت جني بأنها س�‬
‫�هما جبانبه حتى‬ ‫�راره‪ ،‬فصمت وتق َّبل جلوس�‬
‫�ن يرتاجع عن ق�‬‫عنيد ول�‬
‫�تعيد طاقته‪ ،‬بينما انطلق كينو ويوسف ولي كانج‪ ،‬ليكملوا سباق‬ ‫يس�‬
‫�ة واحدة قبل النهاية‪.‬‬
‫�وت الذي مل يبق فيه غري مرحل�‬
‫امل�‬

‫‪76‬‬
‫و َّدعهم نور وشاهدهم وهم يتوارون يف األفق‪ ،‬ثم نظر إىل اجلسر لريى‬
‫�ا قبلهم حتى‪ ،‬ولكنه مل‬ ‫�ق الرابع قد عرب منذ وقت طويل‪ ،‬رمب�‬ ‫أن الفري�‬
‫�م متى عربوا‪ ،‬وأصابه هذا باحلرية‪ ،‬ثم الذعر ألنه ُخ ِّيل له أنه قد مت‬
‫يعل�‬
‫أكلهم ورمبا مل يعربوا‪ ،‬ولكنه حاول أال يهتم ألنه كلما قل العدد كان‬
‫هذا أفضل‪ ،‬ولكنه شعر بتناقض داخله بني رغبته يف أال ميوت أحد ورغبته‬
‫أن يفوز وخيرج من هنا‪.‬‬
‫ين إىل اجلسر للعبور‪ ،‬فقال له إريس وهو يتفرس يف وجهه‬
‫تقدم ياس�‬
‫املائل للون السماء‪:‬‬
‫– –كيف أصبح وجهك هكذا؟!‬
‫رد ياسني بدون أي تغري يف املالمح‪:‬‬
‫– –ال أعرف ‪ ..‬ولكن هل هذا شيء غريب؟‬
‫– –بالطبع غريب‪ ،‬هل ترى أي أحد منا ميتلك ً‬
‫وجها غريبا مثلك؟‬
‫�رة بينما هناك أشخاص لديهم‬ ‫– –ال أدري ما الفرق؟! فأنت أمسر البش�‬
‫�رة بيضاء‪ ،‬وهناك لديهم مالمح غريبة وأعني ضيقة‪ ،‬فما الفرق‬
‫بش�‬
‫بني وجهي ووجهك؟‬
‫صمت إريس قليال وهو ال يعرف ماذا يقول له‪ ،‬فأضاف نادر قائ ًال‪:‬‬
‫– –أنت ال تتذكر مثلنا أي شيء ‪ ..‬أليس كذلك؟‬
‫– –نعم ال أتذكر شيئا‪ ،‬وال أفهم ما الغريب يف شكلي؟‬
‫همس نادر إلريس قائ ًال‪:‬‬
‫�ر احلقيقي على الرغم من أنه يرانا‪،‬‬
‫أيضا شكل البش�‬‫�ي ً‬ ‫– –رمبا قد نس�‬
‫�رى‪ ،‬وكأنه ال يتذكر‬ ‫�اعر كما ت�‬‫ولكن األغرب هو أنه ُمتبلد املش�‬

‫‪77‬‬
‫حتى كيف يشعر‪.‬‬
‫تقدم ياسني إىل األمام وتركهم خلفه‪ ،‬فقال إريس وهو يناديه‪:‬‬
‫– –يا ذا الوجه األزرق فلتنتظرنا‪.‬‬
‫حتول جسد ياسني إىل رياح واندفع مع اهلواء العليل ليصل إىل الضفة‬
‫�كله الطبيعي وأكمل سريه إىل األمام‪ ،‬فقال نادر‬‫األخرى‪ ،‬ثم عاد إىل ش�‬
‫وهو يشعر بالغرية‪:‬‬
‫– –يا له من حمظوظ! لو كنت أمتلك هذه القدرة ألنهيت السباق منذ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫وقت بعيد ‪ ..‬واآلن ليس لدي وقت سأذهب ً‬
‫�ن اصطناعه وهو ينظر إىل ياسني الذي يسري‬
‫قال إريس حبنق أحس�‬
‫غري مكرتث بهم‪:‬‬
‫مجيعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫– –ال بد أن هلا حدودا مثلنا‬
‫مل جيد إريس ًردا من نادر‪ ،‬فنظر جبانبه ليجده قد اختفى‪ ،‬فقال إريس‬
‫وقد اشتعل غض ًبا‪:‬‬
‫�ا‬
‫�ألقنه درس�‬
‫�د؟ تركين وأنا أحتدث معه‪ ،‬س�‬
‫�ن ذهب هذا الوغ�‬‫– –أي�‬
‫با لتأ كيد ‪.‬‬
‫�ر ليجد نادر وقد ظهر من العدم وهو يشري‬
‫نظر إريس إىل نهاية اجلس�‬
‫له‪ ،‬فقال لنفسه‪:‬‬
‫ين على قدرته؟! يا له من‬ ‫– –قدرة االختفاء خاصته إذاً‪ ،‬وحيس�‬
‫�د ياس�‬
‫وغد!‪.‬‬
‫�كله وهيئته فلمس أرضية اجلسر‬
‫�تخدم إريس قدرته يف تغيري ش�‬ ‫اس�‬
‫ليتغري لونه إىل لون اجلسر البين‪ ،‬كاحلرباء‪ ،‬ثم أخذ يزحف بسرعة على‬

‫‪78‬‬
‫�ور جبانبه‪،‬‬
‫بطنه حتى يلحق بهم‪ ،‬ومسع أصوات قتال جتري على اجلس�‬
‫�هولة ويسر مثل باقي‬
‫�رع خطاه حتى ال يتعرض للخطر‪ ،‬وعرب بس�‬ ‫فأس�‬
‫�رع خطاه ليلحق بهم حتى يظفر بالوصول إىل خط النهاية‪.‬‬
‫فريقه‪ ،‬وأس�‬
‫�م حتى قاطعه صوت أكريا وهو‬
‫وقف نور يفكر يف احتماالت جناته�‬
‫يقول بنربة مفعمة باحليوية‪:‬‬
‫– –حسنا لقد استعدت عافييت يا رفاق ‪ ..‬شكرا لبقائكم معي ‪ ..‬واآلن‪..‬‬
‫فلنفز بهذا السباق‪.‬‬
‫�رعوا خطاهم حتى يلحقوا بالبقية‪،‬‬ ‫أكمل فريق نور ركضه وقد أس�‬
‫�ي أمامهم هي دليلهم‬ ‫�ار األقدام الكثرية على الطريق الرتاب�‬
‫وكانت آث�‬
‫�تمروا بالركض بال هوادة حتى يظفروا بالفوز‪ .‬وبعد‬ ‫للحاق بهم‪ ،‬فاس�‬
‫�احة كبرية وكانت أمامهم‬ ‫�ق معدودة من الركض‪ ،‬وصلوا إىل س�‬ ‫دقائ�‬
‫بعضا‪ ،‬فاقرتبوا إىل إحدى‬
‫�ر بوابات مغلقات تصطف جبانب بعضها ً‬ ‫عش�‬
‫�ا لريوا طريق ًا مليئ�‬
‫�ا باحلواجز الكبرية‬ ‫�ات ونظروا عرب قضبانه�‬‫البواب�‬
‫والعقبات‪ ،‬فتفقدوا بوابة أخرى ليج��دوا وراءها طريقا مائيا حيتاج إىل‬
‫�ائبه وال يبدو أنه يوجد‬
‫�وبه ش�‬ ‫قارب لعبوره‪ ،‬وطريقا آخر منتظما ال تش�‬
‫فيه أي عقبة‪ ،‬ورأوا خط النهاية يلمع يف األفق‪ ،‬فالتمعت أعينهم بسعادة‬
‫بالغة‪ ،‬وقالت جني بنربة أمل‪:‬‬
‫هرمنا من أجل هذه اللحظة‪.‬‬ ‫– –إنه خط النهاية أخ ً‬
‫ريا‪ ،‬لقد ِ‬
‫أضاف أكريا قائ ًال بنربة منفعلة من فرط السعادة‪:‬‬
‫– –كيف نفتح هذه البوابة؟‬
‫�ة وعليها قواعد‬
‫�د لوحة جبانبها معلق�‬
‫�ر نور حول البوابة ليج�‬
‫نظ�‬
‫�ت القواعد كاآلتي‪:‬‬
‫�روط لفتح البوابة‪ ،‬وكان�‬‫وش�‬

‫‪79‬‬
‫�د الطريق رقم‬
‫�ة عن�‬
‫�ب أن تعثر على املفتاح للبوابة رقم مخس�‬
‫‪1 .1‬جي�‬
‫مخسة ‪.‬‬
‫جيدا‪ ،‬وكل مفتاح يسمح‬
‫‪2 .2‬هناك أربعة مفاتيح لكل بوابة مت إخفاؤها ً‬
‫لشخص واحد فقط بالعبور‪.‬‬
‫�موحة للحصول على املفاتيح أو سرقتها من أحد‬
‫‪3 .3‬كل الوسائل مس�‬
‫املتسابقني مبا فيها القتل‪.‬‬
‫‪4 .4‬كلما عثرت على املفتاح أسرع‪ ،‬كلما زادت نقاطك‪.‬‬
‫شاردا يف تفكري عميق‪ ،‬ماذا عليهم أن‬
‫ً‬ ‫انتهت التعليمات ووقف اجلميع‬
‫حامسا أمره‪:‬‬
‫ً‬ ‫خيتاروا للعبور!!‪ ،‬قال أكريا‬
‫– –سنختار البوابة رقم مخسة بالطبع فهي األسهل واأليسر وستوصلنا‬
‫إىل النهاية أسرع من باقي الطرق‪.‬‬
‫قاطعة نور قائ ًال‪:‬‬
‫�ة‪ ،‬وهلذا فليس من مصلحتنا‬ ‫�يختار البوابة رقم مخس�‬ ‫– –‪-‬اجلميع س�‬
‫�يتقاتل اجلميع من أجل مفاتيحها إلنهاء االختبار‬ ‫اختيارها ‪ ..‬س�‬
‫�يختار هذا الطريق بدون تفكري‪،‬‬ ‫�ر‪ ،‬والبعض اآلخر س�‬ ‫بسرعة ويس�‬
‫�ل إن حصل على أحد‬ ‫�ة اختاروا مثله‪ ،‬وقد ُيقت�‬
‫�يفاجأ أن البقي�‬
‫وس�‬
‫�نختار طريقا آخر ‪ ..‬كما إن هذا الطريق ‪ -‬رغم‬ ‫املفاتيح‪ ،‬وهلذا س�‬
‫بس��اطته ‪ -‬قد حيتوي على بعض الفخاخ املخفية‪.‬‬
‫شعر أكريا باإلحراج لسذاجته‪ ،‬فقال وهو حيك رأسه‪:‬‬
‫– –آه ‪ ..‬كيف مل أفكر يف األمر من قبل؟! بالطبع سيتوجه اجلميع إىل‬
‫أحدا وسيكون احلصول‬
‫هناك‪ ،‬وهلذا إن اخرتنا طريقا آخر فلن جند فيه ً‬
‫يرا ‪ ..‬رغم طول الطريق ‪ ..‬فسنصل قبل البقية‪.‬‬ ‫على املفاتيح يس�‬

‫‪80‬‬
‫قاطعته جني قائلة بثقة‪:‬‬
‫– –حسنا ‪ ..‬لقد حسمنا أمرنا وسنختار طريقا آخر‪ ،‬ولكن ماذا سنختار؟‬
‫�رع ألنه يبدو أن البقية قد اختاروا طرقهم بالفعل‪ ،‬ورمبا‬
‫جيب أن نس�‬
‫يكونوا يف طريقهم للعودة اآلن‪.‬‬
‫�ر يف أفضلهم‪ ،‬فرأى طريق ًا‬‫متفقدا الطرق بتمعن وهو يفك�‬
‫ً‬ ‫�ار نور‬
‫س�‬
‫ميتلئ باحلبال اليت جيب أن تتعلق بها للعبور إىل الناحية األخرى‪ ،‬ويبدو‬
‫�ؤه الضباب‪ ،‬وبالكاد كان يرى‬ ‫�قوط يعين املوت‪ ،‬وطريقا آخر ميل�‬ ‫أن الس�‬
‫�يئ ًا‪ ،‬وطريقا آخر مائال كان يبدو كمنحدر كبري للتزجل ينزلق إىل‬ ‫ش�‬
‫خطرا للغاية‪ ،‬فقال نور بنربة مرحة رنانة‪:‬‬
‫ً‬ ‫�فل ولكن يبدو‬‫األس�‬
‫– –لقد حسمت أمري‪.‬‬
‫نربة واحدة‪:‬‬ ‫قال ٌّ‬
‫كل من جني وأكريا يف ٍ‬
‫– –ماذا اخرتت؟‬
‫– –سأختار الطريق املنحدر‪.‬‬
‫�ار الطريق األصعب يف مثل‬
‫ريا‪ ،‬فلماذا خيت�‬
‫�وا من اختياره كث ً‬
‫تعجب�‬
‫هذا الوقت!‬
‫فقالت جني وهي تهز رأسها باستهجان‪:‬‬
‫– –ال جيب أن خنتار الطريق األصعب ‪ ..‬قد يودي هذا حبياتنا ‪ ..‬ملاذا‬
‫اخرتته؟‬
‫ابتسم نور بثقة قائ ًال‪:‬‬
‫– –لدي خطة ‪ ..‬ال تقلقوا ثقوا بي ‪ ..‬واآلن هل أنتم معي؟‬
‫ثوان‪ ،‬ثم حسمت جني رأيها وقالت‪:‬‬
‫ترددوا قليال وفكروا بضع ٍ‬
‫‪81‬‬
‫أيضا‪.‬‬
‫مل أكن ألصل إىل هنا لوالك‪ ،‬وهلذا سأتبعك هذه املرة ً‬
‫أمر‬
‫مل جيد أكريا مفرا غري أن يوافق هو اآلخر‪ ،‬فسأل نور أكريا عن ٍ‬
‫كان يؤرقه منذ مدة قائ ًال‪:‬‬
‫– –ملاذا ال تستخدم قدرتك وتعرب من خالل البوابة؟‬
‫�ودات‪ ،‬فأنا أتنقل يف الفراغ فقط‪،‬‬ ‫– –ألني ال أس�‬
‫�تطيع العبور من املوج�‬
‫�ة ‪ ..‬ليتين كنت‬ ‫لال هذه البواب�‬ ‫�ذا ال ميكنين العبور من خ�‬
‫وهل�‬
‫أس��تطيع‪ ،‬لكان هذا أيسر على بكثري‪.‬‬
‫�رعة حتى حيصلوا على املفاتيح‬ ‫فهم نور األمر‪ ،‬وأمرهم بالتحرك بس�‬
‫�جار على ميينهم ومخسة‬ ‫�رع وقت‪ ،‬فالحظوا مخسة طرق بني األش�‬ ‫بأس�‬
‫على يسارهم‪ ،‬وكل طريق حيمل لوحة عليها رقمه‪ ،‬فتوجهوا إىل الطريق‬
‫رقم مثانية‪ ،‬ودلفوا إليه وبدأوا بالسري وسط األشجار حبذر وتوجس‪ ،‬ولكن‬
‫مل يكن هناك أي شيء مثريا للريبة‪ ،‬حتى وصلوا إىل ما يشبه بيتا كبريا‬
‫�ة كبرية مغلقة‪ .‬وكان يوجد على ميني البيت طريق رملي يبلغ‬ ‫ذا بواب�‬
‫طوله حوالي مخسة عشر م ً‬
‫رتا وفى نهايته يوجد زر لفتح البوابة‪ ،‬وكان‬
‫بعيدا عن الرمال‪.‬‬
‫الزر عند منصة صخرية صغرية للوقوف عليها ً‬
‫�ا اخلدعة هنا‪ ،‬فلزموا‬ ‫�م عدم التحرك حتى يعرف م�‬ ‫طلب نور منه�‬
‫�ب الطريق‪ ،‬وقذف به يف‬ ‫�اك حجر كبري على جان�‬ ‫مكانهم‪ ،‬فقام بإمس�‬
‫�ور بإحباط قائ ًال‪:‬‬
‫�ال‪ ،‬فتحركت الرمال وابتلعته‪ ،‬فتنهد ن�‬ ‫الرم�‬
‫– –إنها ٌ‬
‫رمال متحركة‪.‬‬
‫فتقدم أكريا قائ ًال‪:‬‬
‫– –سيكون هذا سه ًال‪ ،‬سأتنقل فقط وأضغط على الزر وأعود‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫�هل من الالزم‪ ،‬ولكنه قال لنفسه أنه سهل ألن‬
‫�عر نور بأن هذا أس�‬
‫فش�‬
‫معهم شخصا لديه هذه القدرة‪ ،‬رمبا كان ليصبح األمر أصعب لو كان‬
‫كينو معهم‪.‬‬
‫�ة‪ ،‬فتوجه نور إليها‪،‬‬
‫�ق أكريا وضغط على الزر‪ ،‬ففتحت البواب�‬‫انطل�‬
‫�ت على مصراعيها‬ ‫يرا يده عن البوابة أغلق�‬
‫�ن مبجرد أن أبعد أك�‬
‫ولك�‬
‫بسرعة كبرية‪.‬‬
‫فتنقل أكريا ووقف جبانبهم قائال‪:‬‬
‫– –يا إهلي ‪ ..‬يبدو أنه جيب على أحد أن يضحي ويبقي يف اخلارج‪.‬‬
‫صمت نور قليال وأخذ يفكر وحيلل املوقف‪ ،‬فالتمعت فكرة يف رأسه فقال‪:‬‬
‫– –لدي خطة‪.‬‬
‫جهز اجلميع نفسه لتنفيذ اخلطة‪ ،‬فتنقل أكريا يف اهلواء إىل املنصة‬
‫�ار له نور بأن يضغطه‪،‬‬ ‫الصخرية عند الزر ووضع إصبعه على الزر‪ ،‬فأش�‬
‫همت البوابة‬
‫جمددا‪َّ .‬‬
‫ً‬ ‫فضغطه بسرعة‪ ،‬ثم تنقل يف اهلواء ليصبح جبانبهم‬
‫�ت البوابة مكانها‪ ،‬فانطلق نور‬ ‫لتنغلق‪ ،‬ولكن جني أوقفت الزمن‪ ،‬فتوقف�‬
‫وجني ودلف وراءهما أكريا إىل البوابة‪ ،‬فعاد الزمن إىل طبيعته‪ ،‬وأغلقت‬
‫البوابة وراءهم وأصبحوا داخل البيت الكبري‪.‬‬
‫فقال أكريا وهو يشعر بالراحة‪:‬‬
‫– –لوال قدرة جني على أن تسمح ملن يف نطاقها أال ُ‬
‫يتأثر بالزمن؛ جللست‬
‫يف اخلارج أنتظركم‪.‬‬
‫دلفوا إىل البيت الكبري ذي الباب اخلشيب القديم‪ ،‬فوجدوا أنفسهم يف‬
‫غرفة دائرية كبرية وواسعة‪ ،‬وكان أمامهم أربعة طرقات متفرقة‪ ،‬فقالت‬
‫جني وهي تتفقدهم بعناية‪:‬‬

‫‪83‬‬
‫– –ال بد أن كل طريق حيمل يف طياته أحد املفاتيح ‪ ..‬وهلذا يبدو أننا‬
‫سنفرتق ‪ ..‬وهذه الفكرة ترعبين للغاية‪.‬‬
‫نظر أكريا بوجه مظلم إىل الطرقات املظلمة ثم قال‪:‬‬
‫�عا يف أروقتها املظلمة‪ ،‬فقد اكتفيت من‬ ‫– –أمتنى أال نقابل ش�‬
‫�يئا بش� ً‬
‫اخلدع السخيفة اليت مت دس��ها يف هذا السباق اللعني‪.‬‬
‫أضاف نور قائ ًال‪:‬‬
‫�اءم كلما رأيت طريقا جديدا ‪ ..‬واآلن جيب‬‫– –نعم لقد أصبحت أتش�‬
‫�رع ‪ ..‬سأسلك الطريق الثالث ‪ ..‬فلتتوخوا احلذر‪.‬‬
‫أن نس�‬
‫�لكت جني‬‫�لك كل منهم طريقه اخلاص ‪ ..‬س�‬ ‫ودعوا بعضهم وس�‬
‫يرا الثاني‪ ،‬وتركوا األول فارغ � ًا‪ ،‬أو هذا ما ظنوه‪.‬‬
‫الرابع‪ ،‬وأك�‬
‫س��ارت جني يف الرواق املريب وهي تعدل من وضعية قبعتها‪ ،‬وتتفقد‬
‫�ه‪ ،‬فوجدت باب ًا‬
‫�ق حتى وصلت إىل نهايت�‬ ‫�رواق حبذر ملدة مخس دقائ�‬‫ال�‬
‫�طة احلجم‬ ‫�بي ًا ينتظرها‪ ،‬فدفعته بهدوء وهي تتفقد الغرفة متوس�‬‫خش�‬
‫اليت أمامها‪ ،‬وعندما تأكدت أنها آمنة دلفت إليها‪ ،‬وأثناء تفقدها الغرفة‬
‫شخصا يدخل من باب آخر يف نهاية الغرفة أمامها‪ ،‬وأصابها اخلوف‬ ‫ً‬ ‫رأت‬
‫عندما رأته‪.‬‬
‫سار أكريا يف الرواق وهو يفكر فيما ينتظره يف نهايته‪ ،‬وهل سيحدث‬
‫�يمر األمر مرور الكرام‪ ،‬وبعد مخس دقائق من‬‫شيء بشع كالعادة أم س�‬
‫السري وجد باب ًا خشبي ًا‪ ،‬فدفعه ودلف إىل الغرفة‪ ،‬لتتسع عيناه من الرعب‬
‫مما رآه يف هذه الغرفة اجملهولة‪.‬‬
‫وحيدا يف الرواق املريب ذي األنوار اخلافتة‪ ،‬وكان يسمع وقع‬
‫ً‬ ‫سار نور‬
‫أقدامه‪ ،‬وكل خطوة خيطوها كانت تدوي يف الرواق الذي يبعث بشعور‬

‫‪84‬‬
‫�ن النفور بداخل جدرانه القدمية املهرتئة‪ ،‬واليت تنم على أنه من عصر‬
‫م�‬
‫�ي‪ .‬أكمل طريقه حبذر وحواسه مشحوذة بالكامل‪ ،‬مستعدة‬ ‫قديم منس�‬
‫�يوف اليت صنعها‪ ،‬واليت‬
‫�دث حوله‪ ،‬وكان حيمل أحد الس�‬ ‫ألي تغري حي�‬
‫واحدا منها جلني وأكريا قبل ذهابهما لعلهما حيتاجناه‪.‬‬
‫ً‬ ‫�ى‬
‫أعط�‬
‫بعد دقائق من السري بدون أن حيدث أي شيء‪ ،‬ال صوت وال حركة وال‬
‫خشبيا قدميا‪ ،‬فاقرتب منه برتدد ومد يده ليفتحه‬
‫ٍ‬ ‫أي همس‪ ،‬رأى نور بابا‬
‫�طة احلجم‪ ،‬ولكن ما‬ ‫صريرا حتى انفتح على غرفة متوس�‬‫ً‬ ‫فأصدر الباب‬
‫�هق بقوة ويرتاجع إىل اخللف يف ذعر‬
‫كان يوجد يف الغرفة جعل نور يش�‬
‫�اص زجاجية ويصرخان له‬ ‫�ق‪ .‬لقد رأى صديقيه مقيدين داخل أقف�‬ ‫وقل�‬
‫�اعدة ليخرجهم من هنا‪ ،‬فاستجمع قوته وركض بسرعة إىل‬ ‫طل ًبا للمس�‬
‫�يء غريب‪ ،‬فتوقف عند ربع املسافة‪.‬‬‫�عر بش�‬‫الداخل لينجدهم‪ ،‬ولكنه ش�‬
‫�عت عيناه من الذعر واملفاجأة عندما رأى كال‬ ‫�هق نور بقوة وقد اتس�‬‫ش�‬
‫�ل من حديد داخل قفص‬ ‫�ن جني وأكريا وقد أصبحا مكبلني بسالس�‬ ‫م�‬
‫واحد منهما على كرسي‪ ،‬جني على اليمني وأكريا‬ ‫ٍ‬ ‫زجاجي وجيلس كل‬
‫على اليسار‪ ،‬بينما ينظران إىل نور وهما مذعوران ‪ ..‬يصرخان بقوة طل ًبا‬
‫ملساعدته‪.‬‬

‫***‬

‫‪85‬‬
‫‪7‬‬

‫وقف نور حمدق ًا فيهما بوجه مظلم وقد انقبضت قسماته بقوة‪ ،‬وشعر‬
‫بأن شيئا سيئا للغاية سوف حيدث عما قريب‪ ،‬وبالفعل مسع صوت الرجل‬
‫�ت وهو وحده وقد عاد بنفس نربته الباردة‬
‫الذي كان يكلمه طوال الوق�‬
‫غري املكرتثة قائ ًال‪:‬‬
‫– –مرحبا يا سيد نور‪ ،‬لقد افتقدتين أليس كذلك؟‬
‫شعر نور بربكان يثور بداخله‪ ،‬وأن الغضب قد سيطر عليه بقوة فقال‬
‫صارخ ًا حبنق شديد‪:‬‬
‫– –أيها الوغد‪ ،‬إن ملست شعرة منهما فسوف أقتلك‪ ،‬وسأحبث طوال حياتي‬
‫عنك حتى أجدك‪ ،‬وعندما أجدك سأقتلك بأبشع الطرق املمكنة‪.‬‬
‫ضحك الصوت ضحكة خبيثة مكتومة‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫– –صدقين يا سيد نور لو قضيت حياتك كلها تبحث عين فلن تستطيع‬
‫أن جتدني بسهولة وإن وجدتين فلن يكون هذا من مصلحتك‪ ،‬ولكن‬
‫�يط‬‫�هل وبس�‬ ‫كفانا حديث ًا اآلن فالوقت ينفذ‪ ،‬االختبار هذه املرة س�‬
‫�تختار من منهما سيعيش ومن منهما سيسقط إىل األسفل يف‬ ‫‪ ..‬س�‬
‫بركة األمساك العمالقة ‪ ..‬هناك جهاز حتكم على يس��ارك على‬
‫�ن ‪ ..‬الزر األول جلني‬‫�ة يف نهاية الغرفة‪ ،‬وحيتوي على زري�‬ ‫الطاول�‬

‫‪86‬‬
‫�ك الطريق؟ أمامك‬
‫�تختار أن يكمل مع�‬
‫والثاني ألكريا‪ ،‬فمن س�‬
‫مخس دقائق ‪ ..‬اخرت حبكمة‪.‬‬
‫نزلت كلماته على نور كالصاعقة وقد حدث ما كان يشعر به مبجرد‬
‫أن رآهم‪ ،‬بأن شيئ ًا سيئ ًا سوف حيدث‪ ،‬فازداد غضب نور قائ ًال بنربة الذعة‪:‬‬
‫– –أيها اللعني‪ ،‬ليس هلما ذنب يف هذا‪ ،‬ملاذا جيب أن ميوت أحدهما بهذا‬
‫�ا وليس باختياره هو؟! أليس هذا‬ ‫الطريقة! ملاذا ميوت باختياري أن�‬
‫السباق يعتمد يف األساس على حرية اإلرادة!!‬
‫�ينجو إن أقنعك بأن ختتاره‪،‬‬
‫�ذا فأحدهما س�‬ ‫– –نعم معك حق‪ ،‬وهل�‬
‫�ة اإلرادة يف انتقاء كالمه‪.‬‬
‫�ذا فلديه حري�‬
‫وهل�‬
‫وكره شديد ينبع من أعماقه‪ ،‬ومتنى أن يسحق‬ ‫بغيظ شديد ُ‬‫ٍ‬ ‫شعر نور‬
‫رأس املتحدث ألف مرة يف ألف صخرة‪ ،‬ولكنه علم أن عليه تقبل األمر‪ ،‬وأن ال‬
‫أبدا‪ .‬فتوقف‬‫شيء سيتغري‪ ،‬وأن عليه أن يتبع القواعد وإال فلن خيرج من هنا ً‬
‫حبزن عميق وغضب عارم على‬ ‫ٍ‬ ‫ليفكر وهو يتأمل وجهيهما املذعورين وشعر‬
‫ما آلت إليه األمور‪ ،‬لقد كانوا قاب قوسني أو أدنى من بلوغ خط النهاية‪.‬‬
‫�دها بقوة يف حماولة للتحرر‬
‫صرخت جني قائلة وهي تبكي وتهز جس�‬
‫من السالسل‪:‬‬
‫– –نور ‪ ..‬فلتخرتني‪ ،‬ال أريد املوت هنا ‪ ..‬صحيح أنين ال أتذكر ش�‬
‫�يئا‬
‫عن حياتي‪ ،‬ولكين ال أريد أن أموت‪.‬‬
‫قاطعها أكريا قائال بوجه مذعور صارخ‪:‬‬
‫– –ال ‪ ..‬أرجوك ساعدني أنا ‪ ..‬تذكر أني أنقذتك من قبل‪ ،‬ومل تكن لتصل‬
‫جيدا‪ ،‬ماذا‬
‫إىل هنا أنت وهي إن مل أساعدكما يف الوصول ‪ ..‬تذكر هذا ً‬
‫فعلت لك هذه الفتاة‪ ،‬لقد كانت إفادتها لنا بسيطة فهي ال تستطيع‬

‫‪87‬‬
‫�تخدام قوتها إال قليال من الوقت ‪ ..‬لقد أنقذ ُتك تذكر هذا‪.‬‬
‫اس�‬
‫نظر إىل جني حبقد وكره شديدين‪ ،‬وقال ووجهه ميلؤه الغضب‪:‬‬
‫�مكة الكبرية أن تلتهمك ‪..‬‬ ‫– –وأنقذتك أنت ً‬
‫أيضا عندما كادت الس�‬
‫أيضا مدينة لي‪.‬‬
‫أنت ً‬
‫أردفت جني تقول حبرقة ودموعها تنهمر وهي توجه نظرها إىل نور‪:‬‬
‫معا ‪ ..‬بل أنا‬
‫�باق‪ ،‬ومررنا بالكثري ً‬‫�اعدتك منذ بداية الس�‬ ‫– –لقد س�‬
‫�ا كنا نعرب حقل األلغام ‪ ..‬لقد خطا كينو‬ ‫أنقذت حياتكم عندم�‬
‫�ى أحد األلغام وانفجر فيه وفجرنا مجيع� ًا‪ ،‬ولكين عدت بالوقت‬ ‫عل�‬
‫ثوان وحذرته أن ينتبه من اللغم‪ ،‬فعربنا بأمان‪ ،‬ولوال هذا ما‬
‫�س ٍ‬ ‫مخ�‬
‫كنا وصلنا إىل هذه املرحلة ‪ ..‬كما إن هذا املدعو أكريا قد قابلناه‬
‫يف منتصف السباق‪ ،‬إنه ال يعرفك مثلي‪.‬‬
‫بصوت يرجتف ممتزجا بالغضب‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫قاطعها أكريا‬
‫– –أنا فتحت لك البوابة ‪ ..‬ستحتاج قوتي للوصول إىل النهاية ‪ ..‬إن‬
‫قوتها لن تنفعك مثلي للوصول إىل النهاية‪.‬‬
‫حيز مغلق ونور يقف وبداخله سيل من العواطف‬
‫وأخذ احلديث يدور يف ٍ‬
‫واالضطرابات الشديدة‪ ،‬ولكنه أثناء حديثهما بدأ يالحظ بعض األشياء‪،‬‬
‫فصرخ فيهما بأن يتوقفا ليفكر‪ ،‬فصمتا وأعينهما ترتجاه‪ .‬نظر نور حوله‬
‫�د املكان‪ ،‬ثم نظر إىل جهاز التحكم عن ُبعد يف يده وتفقد وجهيهما‬‫يتفق�‬
‫بوجه مظلم شاحب‪ ،‬ثم ضرب بقدميه األرض عدة مرات‪ ،‬ثم‬ ‫ٍ‬ ‫�هما‬‫وتفرس�‬
‫جمددا‪ ،‬ولكن‬
‫ً‬ ‫شرد يف تفكري عميق‪ ،‬حتى أفاق على صوتيهما وهما يرتجاه‬
‫قاطعهما الصوت قائ ًال‪:‬‬
‫– –لقد تبقت دقيقة واحدة يا سيد نور فمن ستختار؟!‬

‫‪88‬‬
‫قال نور بثقة واالبتسامة تعلو وجهه‪:‬‬
‫– –لن أختار ً‬
‫أحدا‪.‬‬
‫�مات وجهيهما‪،‬‬ ‫�ت كلماته كال من جني وأكريا‪ ،‬وقبضت قس�‬ ‫أفزع�‬
‫�ت جني حبرقة أكرب قائلة‪:‬‬
‫�ح الذعر يتجلى بداخلهما‪ ،‬وبك�‬
‫وأصب�‬
‫– –ماذا تقصد بهذا؟ أنت ال تقصد هذا ‪ ..‬أليس كذلك؟‬
‫– –ال بل أقصده ‪ ..‬لن أختار ً‬
‫أحدا‪.‬‬
‫حدق أكريا فيه بعينني ميلؤهما الغضب صارخ ًا‪:‬‬
‫�دا منا وإال فلن‬ ‫– –كفاك هراء‪ ،‬لتع�‬
‫بر االختبار جيب أن ختتار واح ً�‬
‫�تختار؟ أنا أم هي؟‬
‫�ل على املفتاح فمن س�‬
‫حتص�‬
‫تنهد نور قائال واالبتسامة ال تفارق وجهه‪:‬‬
‫– –سأختار نفسي‪.‬‬
‫�ت الكلمات يف حلقيهما‪ ،‬فأكمل‬
‫حدقا فيه بذعر وحرية وقد اختنق�‬
‫نور قائ ًال بثقة أكرب‪:‬‬
‫�ت غبي ًا كما يبدو‬ ‫– –ال تعتق�‬
‫�دا أنين مل أفهم ما حيدث هنا ‪ ..‬أنا لس�‬
‫راكضا‪ ،‬الحظت أن صوت خطواتي‬ ‫ً‬ ‫�ة‬
‫علي! عندما دخلت إىل الغرف�‬
‫قد تغري‪ ،‬كما أنكما مزيفان‪.‬‬
‫صرخ أكريا بقوة أكرب قائ ًال‪:‬‬
‫– –هل جننت؟ ماذا تقصد بأننا مزيفان؟‬
‫– –نعم كما أقول ل�‬
‫�ك ‪ ..‬أنتما مزيفان ‪ ..‬دعين أنهي هذا االختبار‬
‫�فت األمر ‪ ..‬أوال‪ :‬كما قلت‬‫�خيف بأن أخربكما كيف كش�‬ ‫الس�‬

‫‪89‬‬
‫�إن وقع أقدامي على األرض قد تغري إيقاعه عندما دلفت إىل‬
‫لكما ف�‬
‫�رح يف النهاية ماذا يثبت هذا‪.‬‬
‫الغرفة‪ ،‬وسأش�‬
‫ثانيا‪ :‬أكريا لن يفضل نفسه يف البقاء عن اآلخرين‪ ،‬وأكثر ما يثبت‬
‫�ابقني‪،‬‬
‫هذا أنه أنقذنا وهذا ليس يف مصلحته ألنه كلما قل عدد املتس�‬
‫كلما زادت فرصة فوزه‪ ،‬وإن كان يعتمد علينا للوصول إىل خط النهاية‪،‬‬
‫�ا بكثري‪ ،‬ولديهم فرصة أكرب يف العبور‪ ،‬مثل‬‫فهناك جمموعات أقوى من�‬
‫جمموعة كينو وسايري ‪ ..‬األهم من هذا أنه كان يستطيع أن يضحي‬
‫�ا وخيربهم أننا قضينا حنبنا وينطلق مع أول جمموعة تصل إىل خط‬ ‫بن�‬
‫�خصني‬ ‫�تنفذ كل طاقته من أجل إنقاذ ش�‬ ‫�رعة‪ ،‬ولكنه اس�‬‫النهاية بس�‬
‫�ول بوابة البيت‪،‬‬
‫�هولة دخ�‬‫�تطيع بس�‬ ‫ضعيفني مثلنا‪ ،‬كما إنه كان يس�‬
‫�ا قليال حتى يصل‬ ‫�ى املفتاح ويرتكنا يف اخلارج ليؤخرن�‬
‫واحلصول عل�‬
‫أيضا كيف ميكن أن‬ ‫أيضا ‪ً ..‬‬
‫�اعدنا للدخول ً‬ ‫إىل خط النهاية‪ ،‬ولكنه س�‬
‫يتم إمساكه به بهذه السهولة يف خالل هذا الوقت القليل وتقييده بهذه‬
‫السالسل؟ رمبا ميكنك إمساكه بطريقة ما‪ ،‬ولكن ما أنا أكيد منه أنه‬
‫�يطلب مين أن أنقذ جني وأال أهتم مبا حيدث له‪.‬‬‫كان س�‬
‫�ح العرق الذي يتصبب على‬
‫�ه وميس�‬
‫صمت نور قليال ليلتقط أنفاس�‬
‫جبينه ثم استطرد قائال‪:‬‬
‫– –أما بالنسبة إىل جني‪ ،‬فرمبا يكون األمر أصعب الكتشاف إذا كانت‬
‫ريا ‪..‬‬
‫هي احلقيقة أم ال‪ ،‬فكما أرى فإن جني قدرتها ال تساعدها كث ً‬
‫لديها قدرة مميزة ولكنها مل تتمكن منها بعد‪ ،‬وهلذا فمن مصلحتها‬
‫�ارت معي‬‫�ل إىل خط النهاية ‪ ..‬لقد س�‬ ‫ير مع األقوى لتص�‬ ‫أن تس�‬
‫�و يف البداية وهي ال تعرف قدرات أي منا‪ ،‬وبعد فرتة ظهر‬
‫ومع كين�‬
‫ير معي ومل تعرتض‬ ‫ومن األضعف‪ ،‬ولكنها ظلت تس�‬ ‫هلا َمن األقوى َ‬
‫�باق‪ ،‬بل‬
‫�ت أقوى املوجودين يف الس�‬
‫على أي قرار آخذه‪ ،‬رغم أنين لس�‬

‫‪90‬‬
‫ريا هذه املسابقة ‪..‬‬
‫�ب كث ً‬‫�تطيع القول أن قدرتي ال تناس�‬ ‫رمبا أس�‬
‫�قطت منذ البداية ‪ ..‬كان‬ ‫لوال قوتي البدنية وتفكريي لكنت قد س�‬
‫أيضا أن توقف الزمن وتدفعنا من على اجلسر ثم تعربه‬ ‫ميكن جلني ً‬
‫وترتكنا لنالقي مصرين��ا‪ ،‬أو أن ترتكنا ننفجر وتهرب حبياتها يف‬
‫�ا انتظرت معي عندما‬ ‫�ل األلغام‪ ،‬ولكنها مل تفعل ‪ ..‬كما إنه�‬
‫حق�‬
‫�تنفذ أكريا كل طاقته‪ ،‬وكان بإمكانها بكل سهولة الذهاب مع‬ ‫اس�‬
‫�باق حتى ال تضيع وقتها يف البقاء معنا‪،‬‬ ‫الفرق القوية وإكمال الس�‬
‫ِ‬
‫�تصل خلط النهاية بنسبة أكرب من البقاء معنا‪ ،‬ولكنها‬ ‫وكانت س�‬
‫�تعيد أكريا عافيته وهذا من أكرب الدالئل‬ ‫انتظرت معي حتى يس�‬
‫ترت الطريق األصعب‬ ‫�ا ال تنظر ملصلحتها‪ ،‬كما إنين اخ�‬ ‫على أنه�‬
‫أيضا مل يعرتض‪ ،‬وهذا ليس يف‬ ‫�ورة ومل تعرتض وأكريا ً‬ ‫واألكثر وع�‬
‫�يهما وفى مصلحتهما‬ ‫مصلحتهما ‪ ..‬إن كانا حق ًا يفكران يف نفس�‬
‫فقط‪ ،‬لكنت اكتشفت ذلك اثناء ركضي معهما‪ ،‬فالظروف الصعبة‬
‫ُتظهر معدن الشخص احلقيقي ‪ ..‬أعرف ً‬
‫جيدا أن حقيقة البشر وما‬
‫يكمن يف باطن أنفسهم يظهر فقط عند الشدائد‪ ،‬ألنه عند الشدائد‬
‫�ه سيظهر‬ ‫ُتترب كل مبادئك وأفكارك‪ ،‬فالوغد الذي يفكر يف نفس�‬
‫من البداية‪ ،‬ومن يهتم بغريه سيظهر عندما تقرتب احملنة من النهاية‬
‫�ذا ِتبعاني ومل‬
‫�ابقني ورغم ه�‬ ‫�ا قلت‪ ،‬أنا من أضعف املتس�‬‫‪ ..‬وكم�‬
‫ترت أي واحد منهما فأنا‬ ‫�أختم بقولي إني لو اخ�‬ ‫يعرتضا‪ ،‬وهلذا س�‬
‫�قط لألسفل كما ذكرت من قبل‪ ،‬فقد شعرت بأن األرض‬ ‫من سأس�‬
‫�فل مين‬ ‫�ت جوفاء عندما خطوت داخل الغرفة‪ ،‬إن أس�‬ ‫حتيت أصبح�‬
‫البحرية‪ ،‬لقد كانت هذه خدعة ماكرة جلعلي أتشتت وأركز على‬
‫�أختار وفى النهاية كنت أنا من سيالقي حتفه ‪ ..‬هناك عدة‬ ‫من س�‬
‫�ياء أخرى تثبت ما قلت ولكن ليس هناك وقت هلذا‪.‬‬ ‫أش�‬

‫‪91‬‬
‫�ه يف فتحة دقيقة بالكاد‬
‫�ك نور جبهاز التحكم ثم وضع إصبع�‬ ‫أمس�‬
‫�دا عليه الرقم ثالثة‪،‬‬
‫�ه‪ ،‬ليظهر وراء الزرين ز ًرا وحي�‬ ‫ُت�‬
‫�رى‪ ،‬وأبعد واجهت�‬
‫فضغط نور عليه قائ ًال‪:‬‬
‫– –ال تعتقد ً‬
‫أيضا أني مل أحلظ هذا‪.‬‬
‫خرج الصوت ضاحك ًا ألول مرة وبقوة‪ ،‬وبعد انتهائه من الضحك قال‪:‬‬
‫أحدا يعرب‬
‫�ن‪ ،‬ومل أر ً‬
‫�ل منذ زم�‬ ‫– –يا إهلي‪ ،‬كم أعجبين هذا!! مل أتس�‬
‫هذا االختبار منذ وقت طويل ‪ ..‬من اجليد أنك استطعت التفكري‬
‫ير‪ ،‬واألفضل من هذا أنك تعرف‬ ‫�ذا يف هذا الوقت القص�‬‫يف كل ه�‬
‫وقت قليل‪ ،‬وهذه‬
‫جيدا على الرغم من أنك قابلتهم منذ ٍ‬‫�اءك ً‬ ‫أصدق�‬
‫�خاص حوله‬ ‫�خص الذي يفهم األش�‬ ‫هي الروح اليت حنتاجها‪ ،‬الش�‬
‫�تخدمتها أيضا‬ ‫�دا‪ .‬ولكن أنا أعرف أن هناك طرق ًا أخرى قد اس�‬
‫جي� ً‬
‫�وا مزيفني أم ال‪ ،‬أليس كذلك؟‬ ‫للتأكد ومعرفة إذا كان�‬
‫صمت نور ومل جيبه‪ ،‬فضحك الصوت وأكمل‪:‬‬
‫– –بالطبع تكهين صحيح‪ ،‬فلو مل تفعل ألنكرت ّ‬
‫علي الفور‪ ،‬ولكن ال يهم‪،‬‬
‫�ط على الزر املخفي‪ ،‬فقد‬ ‫�م أنك اجتزت االختبار وعندما ضغ�‬‫امله�‬
‫ظهر املفتاح‪.‬‬
‫نظر نور إىل جهاز التحكم ومل يفهم ما يقصد‪ ،‬فأكمل الصوت قائ ًال‪:‬‬
‫– –جهاز التحكم هو املفتاح لفتح البوابة‪ ،‬هل اعتقدت أنها تفتح مبفاتيح‬
‫معدنية؟ لقد انتهينا من هذه احلقبة بالفعل‪.‬‬
‫تذكر نور شيئا فقال له متسائ ًال‪:‬‬
‫– –أين جني وأكريا؟ ماذا فعلت بهما؟ ومن هم هؤالء املزيفون؟‬

‫‪92‬‬
‫�بة هلؤالء الدمى‪ ،‬فهم‬‫– –إنهم اآلن يف اختبار مماثل لك ‪ ..‬أما بالنس�‬
‫�ور‪ ..‬واآلن أتريد أن‬
‫�م برجمتها من أجل مثل هذه األم�‬‫روبوتات يت�‬
‫تشاهد ماذا سيفعل أصدقاؤك؟‬
‫�قف فوق الصندوق الذي كان حيتوي‬ ‫هبطت شاشة عرض من الس�‬
‫�تغل أول فيديو جلني وهي تسري يف الرواق نفسه‪،‬‬
‫على جهاز التحكم‪ ،‬واش�‬
‫شارحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫فقال الصوت‬
‫– –هذا الشريط يف املاضي‪ ،‬فاالختبار قد انتهى بالفعل‪ ،‬ولكن ال تسألين‬
‫فلن أخربك بالنتيجة‪ ،‬بل جيب أن تراها‪.‬‬
‫كاد نور أن يتكلم ولكنه أمسك نفسه ألنه يعرف عناده وإصراره وأنه‬
‫�ى بالفعل‪ ،‬وأخذ يفكر‪ ،‬هل‬‫�ن جييب‪ ،‬ولكنه أقلقه أن االختبار قد انته�‬
‫ل�‬
‫أيضا؟ فأخرج األفكار من‬
‫يرا ً‬ ‫�لت؟! وماذا حدث ألك�‬ ‫جنحت جني أم فش�‬
‫�ه وقلبه ينبض بقوة وصب تركيزه على الشاشة‪.‬‬ ‫رأس�‬
‫يرها يف الرواق وصوت قدميها يدوي يف أحنائه‪ ،‬وهي‬ ‫أكملت جني س�‬
‫�ران يف تصرفاتها‬
‫�ا‪ ،‬وكان اخلوف والقلق يظه�‬ ‫�د الطريق حوهل�‬ ‫تتفق�‬
‫باب ُمشابه للذي دخله نور‪ ،‬ففتحته‬
‫وحتركاتها‪ ،‬وبعد دقيقة وصلت إىل ٍ‬
‫ودلفت إىل الغرفة ُ‬
‫لتظهر الكامريا أحناء الغرفة وجني وهي تدخل‪ .‬توقع نور‬
‫أنها ستالقي نفس اختباره ولكنه تفاجأ أنه اختبار آخر‪ .‬عندما دلفت جني‬
‫تغريت مالحمها وابتسمت بفرح وسعادة وهي تركض إىل الداخل قائلة‪:‬‬
‫�عرت باخلوف وحدي‪ ،‬هل عثرت‬ ‫– –نور‪ ،‬أنا س�‬
‫�عيدة بأنك هنا‪ ،‬فقد ش�‬
‫على أحد املفاتيح؟‬
‫�عت عينا نور‬
‫�ر يف الكامريا‪ ،‬فاتس�‬
‫�ده ليظه�‬
‫حترك نور املزيف جبس�‬
‫احلقيقي وشعر بقشعريرة تسري يف جسده مما جيري‪ ،‬وأحس بأن جسده‬
‫�ه كان يعلم بأن‬
‫�ارج واللحاق بها‪ ،‬ولكن�‬
‫�ى الركض إىل اخل�‬ ‫حيثه عل�‬

‫‪93‬‬
‫االختبار قد انتهى بالفعل‪ ،‬فتجمد مكانه وقد متالك أنفاسه بصعوبة‪.‬‬
‫قال نور املزيف جلني‪ ،‬اليت بدت سعيدة برؤيته‪ ،‬وأحست ببعض األمان‬
‫ألنها لن تكون وحيدة يف هذا املكان املخيف‪:‬‬
‫– –لقد حصلت على مفتاحي ومفتاحك ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫�ار بهما بيده بابتسامة عريضة على وجهه‪،‬‬
‫أخرج جهازي التحكم وأش�‬
‫فشعرت جني بسعادة أكرب وقالت حبماس‪:‬‬
‫– –إذ ًا لقد فعلتها‪ ،‬ولكن كيف حصلت عليهما؟ ومن أين جئت؟‬
‫أكمل نور املزيف على نفس الوترية‪:‬‬
‫�ة وبداخل هذه‬‫�رواق وفى نهايته وجدت غرف�‬ ‫– –لقد س�‬
‫�رت إىل آخر ال�‬
‫�اك اثنني فقط يف املكان‬
‫�ة وجدتهما على طاولة‪ ،‬يبدو أن هن�‬‫الغرف�‬
‫كله؛ ألني وجدت مالحظة على الطاولة بأنه ليس هناك غري اثنني‬
‫�ه املفتاح الثاني‪ ،‬فاخرتت أن أعطيه‬
‫فقط وجيب أن أختار من أعطي�‬
‫�ؤدي إىل مكانك‪ ،‬وهذا كل ما حدث‪.‬‬ ‫إياك‪ ،‬ففتح لي باب ي�‬
‫تغريت مالمح وجه جني وبدت أكثر اضطرابا وكانت وامجة مفكرة‪،‬‬
‫كأنها ال تستطيع أن حتسم أمرها‪ ،‬فقالت وهي امرأة فطنة بلهجة طلقة‬
‫صرحية‪:‬‬
‫�ط؟ هل تقصد أننا‬ ‫– –ماذا تقص�‬
‫�د بأنه ليس هناك غري مفتاحني فق�‬
‫سنرتك أكريا هنا؟‬
‫�ه ولكن هذا ما حدث‪ ،‬كان‬ ‫�م هذا ما أقصده‪ ،‬أنا حزين من أجل�‬‫– –نع�‬
‫�د اخرتتك ‪ ..‬قد جيد أكريا طريق ًا‬ ‫جيب أن أختار أحدكما‪ ،‬وق�‬
‫مفتاح آخر‪ ،‬ولكن يبدو أن هذا املكان حيتوي على‬
‫ٍ‬ ‫آخر للحصول على‬
‫مفتاحني فقط ال غري‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫قالت جني حازمة منقبضة الوجه‪:‬‬
‫– –إذ ًا جيب أن خنرب أكريا بهذا!‬
‫هز نور املزيف رأسه باستهجان قائال‪:‬‬
‫�ب أن نفعل هذا‪ ،‬لن يعجبه أني فضلتك عليه أوال ‪ ..‬وثانيا‪،‬‬ ‫– –ال جي�‬
‫�ول إىل خط النهاية‬ ‫�رقة املفاتيح منا فهو يريد الوص�‬
‫قد حياول س�‬
‫�لل ِخلسة بدون أن يشعر وخنرج من‬ ‫مثلنا وهلذا جيب علينا أن نتس�‬
‫هنا‪ ،‬وعندما لن جيد أي مفتاح سيحاول أن حيصل على أحد املفاتيح‬
‫�نقول له بأننا حبثنا‬‫�ن طريق آخر‪ ،‬وإن وصل إىل خط النهاية‪ ،‬س�‬ ‫ع�‬
‫عنه ومل جنده ومل جند غري مفتاحني فقط فاضطررنا للعبور بدونه‬
‫�ت هذه خطة جيدة؟ أنا اعرف أن‬ ‫وظننا أنه قد لقى حتفه ‪ ..‬أليس�‬
‫جيدا بالعواقب‬
‫�ت جبيدة‪ ،‬ولكن فكري ً‬ ‫هذا حمزن وأنها حركة ليس�‬
‫جيدا‪.‬‬
‫�تحدث إن أخربناه مبا حدث‪ ،‬فكري ً‬ ‫اليت س�‬
‫بدا كأن جني سقطت يف بئر عميق من احلرية وال جتد من ميد هلا يد‬
‫املساعدة أو يلقي هلا حببل لتتشبث به‪ .‬كانت األفكار تتضارب يف رأسها‬
‫بال توقف‪ ،‬وكان اجلزء األكرب منها خيربها بأال ترتك أكريا هنا بدون أن‬
‫ُتعلمه مبا حيدث‪ ،‬ولكنها تعلم أنه قد يكره نور من أجل هذا‪ ،‬وقد حياول سرقة‬
‫املفاتيح منهما‪ ،‬وكانت تعلم بأنه ساعدهم حتى اآلن ولواله ما حصال على‬
‫املفاتيح وأنه لن يقوم بفعل شئ كهذا‪ ،‬فقالت واحلرية تتبدى على وجهها‪:‬‬
‫– –ال يهم‪ ،‬سنخربه على كل حال‪ ،‬وإن حدث أي شيء‪ ،‬فسنخرج خبطة‬
‫�ى اآلن وحنن مدينان له حبياتنا‪ ،‬وال‬
‫�وأ حت�‬
‫ما ‪ ..‬لقد مررنا باألس�‬
‫�نا ‪ ..‬وعلى كل حال لو‬ ‫ميكننا تركه هنا من أجل أن ننجو بأنفس�‬
‫�أظل أعاتب نفسي على هذا حتى‬ ‫جنونا من هنا ومل ينج أكريا فس�‬
‫املوت ‪ ..‬وأنا حقا ال أريد هذا‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫�ا ونظر إليها وقد‬
‫�ف منها ووضع يديه على كتفيه�‬
‫اقرتب نور املزي�‬
‫�اه‪ ،‬وقال بلهجة‬
‫�ماته‪ ،‬وقدحت عين�‬
‫�احب‪ ،‬وقبضت قس�‬
‫امحر وجهه الش�‬
‫قاطعة ُملحة‪:‬‬
‫�نخرج من‬ ‫�ا تفعلينه؟ إن خط النهاية قريب ‪ ..‬س�‬‫– –هل تدركني م�‬
‫�ذا من أجل بعض‬ ‫�ن أن تضيعي كل ه�‬ ‫�ذا اجلحيم وأنت تريدي�‬ ‫ه�‬
‫�رقة‬
‫�االت‪ ..‬أنت تعرفني أنه لن يعجبه هذا‪ ،‬وقد حياول س�‬‫االحتم�‬
‫املفاتيح منا أو حتى قتلنا‪ ،‬وإن تركناه اآلن ستكون هذه أفضل فرصة‬
‫�ى كل األحوال ‪ ..‬ما‬‫�يبحث عن مفتاح آخر عل�‬ ‫�ا مجيعا ‪ ..‬س�‬ ‫لن�‬
‫�يء الذي سيحدث له؟‬ ‫الشيء الس�‬
‫أبعدت جني يده عنها وقالت بضيق‪:‬‬
‫أبدا من‬
‫أبعد يديك عين ‪ ..‬من أنت؟ أنت لست نور! نور مل يلمسين ً‬ ‫– – ِ‬
‫قبل‪ ،‬كما إنه مل يكن ليفكر يف نفسه هكذا ‪ ..‬أخربني اآلن من أنت؟‬
‫�يكون سواي ‪ ..‬حسنا أنا آسف ملا‬
‫فقدت عقلك‪ ،‬أنا نور‪ ،‬ومن س�‬
‫ِ‬ ‫– –هل‬
‫فعلته‪ ،‬ولكنك تفهمني ما أقصد ‪ ..‬هذه فرصتنا الوحيدة للوصول‬
‫إىل نهاية هذا اجلحيم‪.‬‬
‫أحدا وراءنا‪،‬‬
‫ترك ً‬ ‫�ا فرصتنا الوحيدة‪ ،‬ولكن ال جيب أن ن�‬‫– –أعرف انه�‬
‫�اعدنا من قبل ومل نكن لنصل إىل هنا لواله‪ ،‬فهل نرتكه بعد‬
‫لقد س�‬
‫كل هذا؟! سنقول له إنك عثرت على مفتاح وأنا عثرت على اآلخر‪،‬‬
‫�ث معه وإن مل جيده‬
‫�د مفتاحه ثم ندعي أننا نبح�‬ ‫�أله هل وج�‬‫ونس�‬
‫�نبحث معه عن مفتاح آخر يف مكان آخر‪ ،‬فنحن مدينون له‪.‬‬ ‫س�‬
‫�ف قلي ًال ليفكر وقد ازدادت حدته وتوتره‪ ،‬ثم كس�‬
‫�ر‬ ‫صمت نور املزي�‬
‫حاجز الصمت قائ ًال‪:‬‬

‫‪96‬‬
‫�ا متأكد من هذا‪ ،‬جيب‬ ‫– –ولكن هذا مضيعة للوقت‪ ،‬س�‬
‫�يلحق بنا‪ ،‬أن�‬
‫�ى نقاط أكثر‪ ،‬لنصبح من‬ ‫�ل قبل اآلخرين حتى حنصل عل�‬ ‫أن نص�‬
‫�يتمكنون من اخلروج من هنا! أال تدركني هذا؟!‬‫الثمانية الذين س�‬
‫كلما أضعنا وقت ًا أكثر كلما قل��ت فرصة خروجنا من هنا!‬
‫�ك مما يقوله‪ ،‬فرفعت يدها وأشارت‬
‫بدا على وجه جني الضيق والش�‬
‫عليه قائلة‪:‬‬
‫– –من أنت؟‬
‫دهاك؟‬
‫ِ‬ ‫– –أنا نور قلت لك‪ ،‬ماذا‬
‫– –إذا كنت حقا نور‪ ،‬فما هي الكلمة السرية اليت اتفقنا عليها؟‬
‫صمت نور املزيف وقد أصابته هذه الكلمة بالشلل‪ ،‬واختنقت الكلمات‬
‫يف حلقه‪ ،‬فقال بابتسامة مصطنعة‪:‬‬
‫– –هل تشكني يف؟‬
‫– –بالطبع أشك‪ ،‬قل لي كلمة السر‪.‬‬
‫أوقف الصوت الفيديو وقال لنور احلقيقي‪:‬‬
‫�ر؟ لقد كنت أمسع كل ما تقولونه‪،‬‬ ‫– –متى قمتم بإنش�‬
‫�اء كلمة س�‬
‫ورأيت معظم ما حيدث!‬
‫�ك نور‪ ،‬وقد علم أن جني قد اجتازت االختبار حتى لو مل يكمل‬
‫ضح�‬
‫الفيديو‪ ،‬فقال جبفاء وفتور‪:‬‬
‫�ول‪ ،‬وأن هناك الكثري من‬‫�مع ما نق�‬ ‫– –لقد توقعنا أنك تراقبنا وتس�‬
‫�ا أحدهم ويفرقنا قررنا‬
‫�باق‪ ،‬وهلذا لكيال خيدعن�‬
‫اخلدع يف هذا الس�‬
‫�تعيد‬‫�اء انتظارنا ألكريا ليس�‬
‫�ر‪ ،‬وحدث هذا أثن�‬‫�ع كلمة س�‬ ‫صن�‬

‫‪97‬‬
‫�معنا كتبت على الرمال كلمة السر‪ ،‬وأشرت‬ ‫طاقته‪ ..‬ولكيال تس�‬
‫ابدا‪ ،‬ففهما ما أقصده‬
‫هلما بأن ينظرا إليها بصمت وأال يتكلما عنها ً‬
‫�ا ظننت أني ألعب على الرمال يف ملل‪ ،‬فلم جيذب انتباهك أن‬‫ورمب�‬
‫ير مهمة ألي أحد لرياها‪.‬‬‫�ا يف هذه الفرتة اليت بدت غ�‬
‫تراقبن�‬
‫ضحك الصوت قائ ًال وقد النت هلجته قلي ًال‪:‬‬
‫– –يا إهلي‪ ،‬يا إهل�‬
‫�ي‪ ،‬مل أتوقع كل هذا منك‪ ،‬يف احلقيقة مل أتوقع ان‬
‫ني‪ ..‬واآلن سأشغل الفيديو‪.‬‬‫جتتاز أول اختبار‪ ،‬ولكنك تدهش�‬
‫قال نور املزيف وقد شعر بأن وقته ينفذ‪:‬‬
‫– –أنا ال أتذكرها فقط! فكل هذه األحداث قد أنس�‬
‫�تين إياها ‪ ..‬أنت‬
‫علي‪.‬‬
‫�يؤثر ّ‬ ‫تعرفني ‪ ..‬كل هذا الرعب والقلق بالتأكيد س�‬
‫�ذت ترتاجع إىل‬
‫�ية‪ ،‬بينما أخ�‬
‫�ت جني فيه بانتباه وخبث وخش�‬‫تفرس�‬
‫�اول اصطناع الرباءة‪:‬‬
‫�ور املزيف وهو حي�‬
‫اخللف‪ ،‬فقال ن�‬
‫– –جني ماذا حل بك‪ ،‬أنا نور ‪ ..‬أال ترين؟!‬
‫– –قل لي ما هي كلمة السر؟‬
‫– –أنا حقا ال أتذكر‪ ،‬ملاذا ال تصدقينين‪.‬‬
‫– –وهذا ينهي كل شيء‪ ،‬أين هو نور احلقيقي؟ قل لي أين ذهب؟‬
‫�عر بأنه مت اكتشاف أمره‪ ،‬فضحك ضحكة‬
‫صمت نور املزيف وقد ش�‬
‫مريبة قائ ًال‪:‬‬
‫– –حسنا‪ ،‬حس��نا لقد جنحت يف االختبار‪ ،‬ميكنك أخذ املفتاح‪ ،‬ولكن‬
‫�ذري أيهما هو املفتاح احلقيقي‪.‬‬
‫بعد أن حت�‬

‫‪98‬‬
‫رفع املفتاحني أمامه بيديه وعلى وجهه مالمح اس��تهزاء‪ ..‬ابتسمت‬
‫جني بثقة قائلة‪:‬‬
‫– –إنه يف جيبك اخللفي‪.‬‬
‫�تهزئة وحدق فيها مصعوق ًا بتش�‬
‫�كك‬ ‫تغريت مالمح نور املزيف املس�‬
‫قائ ًال ‪:‬‬
‫عرفت هذا؟ ال ميكن أن تكتشفي األمر بهذه السهولة!‬
‫ِ‬ ‫– –كيف‬
‫اتسعت ابتسامة جني قائلة‪:‬‬
‫– –ألنك أمحق ‪ ..‬لقد وقعت يف فخي على الرغم من أنك تعرف قوتي‪،‬‬
‫ولكن سأشرح لك ‪ ..‬لقد اخرتت أحدهم‪ ،‬فقلت لي بكل سذاجة بأن‬
‫�ا مزيف واحلقيقي خمبأ يف جيبك اخللفي‪ ،‬فقمت بالعودة‬
‫كالهم�‬
‫ثوان واخرتت الصحيح ‪ ..‬واآلن أعطين املفتاح فليس‬
‫بالزمن مخس ٍ‬
‫لدي وقت‪.‬‬
‫ضحك نور املزيف ووضع يده على وجهه بإحباط قائ ًال‪:‬‬
‫– –يا لي من أمحق ‪ ..‬لقد نسيت هذا‪ ،‬ومل خيطر على بالي ‪ ..‬أحسنت‪،‬‬
‫أثبت أنك تستحقني املفتاح‪.‬‬
‫لقد ِ‬
‫ألقى نور املزيف إليها باملفتاح‪ ،‬فالتقطته‪ ،‬ثم قالت بنربة حادة‪:‬‬
‫– –واآلن قل لي أين نور احلقيقي؟‬

‫***‬

‫‪99‬‬
‫‪8‬‬

‫خرج الصوت قائ ًال لنور احلقيقي‪:‬‬


‫�اهدكم‪،‬‬ ‫�ليت حق ًا وأنا أش�‬
‫�ا لكم من جمموعة مثرية ‪ ..‬لقد تس�‬‫– –ي�‬
‫�ة‪ ،‬فأنا أرى الكثري منكم ‪ ..‬واآلن‬
‫�ى أن تصلوا إىل خط النهاي�‬
‫وأمتن�‬
‫�ي نظرة على صديقك أكريا لتعلم إن كان قد عرب االختبار‬ ‫لنلق�‬
‫ني إن اختباره مثري للغاية‪.‬‬
‫أم ال‪ ،‬وصدق�‬
‫�امة تعلو وجه نور ِلا رآه من ذكاء وفطنة جني‪ ،‬وشعر‬
‫كانت االبتس�‬
‫�ه بعض القلق من أجل‬‫�ا جنحت يف االختبار‪ ،‬ولكنه انتاب�‬
‫بالراحة ألنه�‬
‫أيضا أم سيفشل؟‬
‫�ينجح هو ً‬ ‫أكريا‪ ،‬هل س�‬
‫�اهدة الفيديو وهو يعرض أكريا وهو يسري يف ردهة‬ ‫�رع نور مبش�‬ ‫ش�‬
‫�ة يف نهايتها‪ ،‬ليفاجأ مبا رآه‪.‬‬
‫�ة لليت عرب منها‪ ،‬ثم دلف إىل الغرف�‬
‫مماثل�‬
‫ين الزجاجيني أمامه‪،‬‬
‫�و ينظر إىل القفص�‬
‫�ف أكريا مذهوال وه�‬ ‫وق�‬
‫أحدهما حيتوي على مفتاح موضوع على طاولة‪ ،‬وفى القفص الزجاجي‬
‫اآلخر كان نور املزيف مقيدا بسالسل ‪ ..‬جيلس على كرسي وينظر إىل‬
‫وذعر ويرتجاه لينقذه‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بهلع‬
‫ٍ‬ ‫أكريا‬
‫قاطع نور الفيديو قائ ًال‪:‬‬

‫‪100‬‬
‫– –ال أفهم! ملاذا اخرتتين يف اختبار ٍ‬
‫كل من جني وأكريا؟‬
‫�م؟! يف االختبار األول كان جيب أن أختارك ألنك أقرب إىل‬ ‫– –أال تفه�‬
‫ريا وتتبعك؛ وهذا كان‬ ‫�ق بك كث ً‬ ‫جني من أكريا‪ ،‬ويبدو أنها تث�‬
‫بر أغوارها ‪ ..‬هل تهرب معك؟ أم‬ ‫س� ُيخرج ما بداخل نفسها ويس�‬
‫�دث؟ رغم إنها مل تتعامل معه إال قليال‪.‬‬
‫تبقى وخترب أكريا مبا حي�‬
‫إن أحضرت هلا أكريا بدال عنك‪ ،‬بالتأكيد كانت س�ترفض من‬
‫البداية أن ترتكك هنا‪ ،‬أما بالنسبة هلذا االختبار‪ ،‬فلقد اخرتتك‬
‫ألجعل ضمريه يسرتيح أكثر عندما خيتار املفتاح ويرتكك تهوي‬
‫�يخريه بينك وبني‬ ‫�اك‪ ،‬فهذا االختبار س�‬‫�ط األمس�‬ ‫يف الربكة وس�‬
‫املفتاح‪ ،‬وإن أحضرت جني مكانك‪ ،‬فغري��زة الذكر حلماية األنثى‬
‫ستجعله يتحيز هلا وقد ينقذها يف النهاية ويتخلى عن املفتاح‪ ،‬ولكن‬
‫ريا‪،‬‬
‫�ن مصلحته فهذا ال حيدث كث ً‬ ‫�را خيتار ذكرا آخر بدال م�‬‫ذك�‬
‫بر أغوار نفسه‪ ،‬كان جيب أن‬ ‫وهلذا الختبار حلقيقة ما بداخله وس�‬
‫تكون أنت يف هذا االختبار‪.‬‬
‫�رد نور وفكر يف خبث هذه االختبارات‪ ،‬وشعر بأن الشيطان هو من‬
‫ش�‬
‫صنعها فقال لنفسه‪:‬‬
‫�ر‪ ،‬وعلى األنا‬
‫ير يف األمر أنه يلعب على غريزة البقاء عند البش�‬ ‫– –املث�‬
‫واملصلحة الذاتية‪ ،‬هل ستفضل األنا على حنن إذا كان األنا يف خطر‪،‬‬
‫إنه خيرج ما بداخل كل شخص فينا‪ ،‬ولكنه يضللنا يف نفس الوقت‪،‬‬
‫فاهلدف الرئيسي الذي وضعه لنا ال يكون احلل‪ ،‬إن فهمنا األمر فلن‬
‫نتعذب من هذه االختبارات‪ ،‬ولكن أكريا ال يعلم هذا‪ ،‬ماذا سيحدث له يا‬
‫ترى؟ إن هذه االختبارات قد صممت لكي ال يتخطاها اإلنسان العادي‪.‬‬
‫قطع شروده صوت الفيديو وقد عاد للعمل‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫مسع أكريا الصوت يتحدث إليه قائ ًال‪:‬‬
‫�يط ‪ ..‬ليس هناك غري مفتاحني يف هذا املكان ‪..‬‬ ‫– –هذا االختبار بس�‬
‫�يء قاده ليدخل يف‬ ‫لقد حصلت جني على واحد ولكن حظ نور الس�‬
‫�ح ليقع يف هذا الفخ‪،‬‬‫�ق اخلطأ الذي ال يوجد فيه أي مفاتي�‬ ‫الطري�‬
‫ويصبح فأر هذه التجربة ‪ ..‬واآلن أمامك مخس دقائق لتختار بني‬
‫علما بأنه تبقى القليل من املفاتيح للبوابات‬
‫نور وبني املفتاح األخري‪ً ،‬‬
‫�ر‪ ،‬وفرصتك للحصول على واحد آخر غري هذا هو ‪ ،%10‬وهلذا‬ ‫العش�‬
‫جيدا‪ ،‬فهذا املفتاح هو طريقك للعبور من هنا وإال فأنت تعرف‬ ‫فكر ً‬
‫�يحدث ‪ ..‬كما إن نور ليس لديه أمل يف احلصول على مفتاح‬ ‫ما س�‬
‫آخر‪ ،‬فهو هالك يف كل األحوال‪ ،‬وإن اخرتت املفتاح فسيسقط نور‬
‫�فل لتلتهمه األمساك الضخمة‪ ،‬ونفس الشيء مع‬ ‫يف الربكة باألس�‬
‫املفتاح ‪ ..‬واآلن فلتبدأ اللعبة‪.‬‬
‫ركض أكريا ناحية الزجاج الذي حيتوي نور وأخذ يضرب عليه بيده‪،‬‬
‫ولكن الزجاج مل يتأثر على اإلطالق‪ ،‬فقال أكريا بغضب‪:‬‬
‫– –تب ًا ‪ ..‬ماذا حيدث هنا؟ فلتخرجه من هنا أيها الوغد!‬
‫– –لن تستطيع أن خترجه إال إذا اخرتته وعندها ستضحي باملفتاح الذي‬
‫سيكون بوابتك للنجاة‪ ،‬إما ختتاره ومتوت معه‪ ،‬أو ختتار املفتاح‪ ،‬وهذا‬
‫اخليار الذي أرجحه ألنه سيهلك بنسبة ‪ %90‬على كل األحوال‪.‬‬
‫شاعرا بأنها تكاد تنفجر مما حيدث‪ ،‬بينما‬
‫ً‬ ‫وضع أكريا يده على رأسه‬
‫لات نور اليت ال تنقطع بأن ينقذه وخيتاره‪ ،‬ولكن حريته‬
‫�تمع لتوس�‬‫يس�‬
‫�كا يف كل األحوال ليهلك‬ ‫�خصا هال�‬ ‫كانت أكرب بكثري‪ ،‬هل ينقذ ش�‬
‫معه؟ أم يكون هو السبب يف هالكه ألنه كان باستطاعته أن ينقذه حتى‬
‫لو كان سيهلك فيما بعد‪ ،‬ولكن هالكه لن يكون على يديه؟ هل يلطخ‬

‫‪102‬‬
‫�ه؟ أم يتقبل املوت من أجل أال يكون‬
‫يديه بالدماء من أجل أن ينقذ نفس�‬
‫�عر بتضارب يف رأسه وبسيل من املشاعر املضطربة‬‫مسؤو ًال عن موته؟ ش�‬
‫تسري بداخله‪ ،‬وأخذ قلبه خيفق بقوة بال توقف‪.‬‬
‫بصوت خافت بالكاد ُيسمع‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫قال نور احلقيقي‬
‫– –اخرت املفتاح أيها االمحق ‪ ..‬أنا موجود هنا‪ ،‬اخرته من أجل جناتك‪..‬‬
‫هذه خدعة‪.‬‬
‫خرجت ضحكة مكتومة من الصوت‪ ،‬فقال خببث شديد‪:‬‬
‫�ل تعتقد حق ًا بأنه إن اختار املفتاح س�‬
‫�ينجو؟ رمبا ينجو ورمبا ال‪،‬‬ ‫– –ه�‬
‫أعتقد أنك رأيت مبا يكفي لتعلم أن اختباراتي ليست بهذه السذاجة‪،‬‬
‫�عورك إن فضل‬ ‫�يكون ش�‬‫فهي متر على عدة مراحل‪ ،‬كما إنه ماذا س�‬
‫املفتاح على حياتك؟ مباذا ستشعر؟ ماذا لو كنت أنت حقا مكان هذا‬
‫�عر؟ ولنقل إنه حصل‬ ‫املزيف واختار املفتاح ومل خيرتك؟ مباذا ستش�‬
‫على املفتاح وخرج ووجدك على قيد احلياة‪ ،‬هل صورته اليت بنيتها يف‬
‫عقلك بأنه شخص جيد وخملص سوف تبقى كما هي بعدما اختار‬
‫�ى ألنك تعلم بأنه سيختار نفسه‬ ‫املفتاح ومل خيرتك أم إنها ستتالش�‬
‫دائما إن ُخري بينها وبينك‪ .‬املوضوع ليس بهذه السهولة يا سيد نور‪،‬‬
‫ال تكن بهذه السذاجة وانظر إليه من جانبه احلقيقي‪ .‬هذا االختبار‬
‫سيظهر لك أكريا احلقيقي‪.‬‬
‫ضغط أكريا على رأسه بقوة وهو يفكر من سيختار ‪ ..‬نور أم املفتاح؟!‬
‫وكانت حريته شديدة‪ ،‬وأخذت األفكار تتضارب ما بني ما جيب أن يفعله‬
‫�اح لينجو حبياته؟‬ ‫�ذه ليهلكا مع ًا؟ أم خيرت املفت�‬
‫ين ضمريه‪ ،‬هل ينق�‬‫وب�‬
‫�ذرات أفكاره تتصادم فذرع الغرفة ذهاب ًا وإياب ًا وهو يفكر‪ ،‬بينما‬
‫وظلت ش�‬
‫شديدا‬
‫ً‬ ‫صراعا‬
‫ً‬ ‫شعر بغصة يف قلبه تؤرقه بشده‪ ،‬ال يعلم ماذا يفعل؟ كان‬

‫‪103‬‬
‫أيضا بعض األحيان‪،‬‬
‫ين قلبه وعقله رغم أن قلبه كان يتحيز ملصلحته ً‬ ‫ب�‬
‫�عر بأن هذا هو أصعب اختيار مر عليه يف حياته اليت ال يتذكرها‪..‬‬
‫وش�‬
‫تأمل بقوة وهو يقول لنفسه‪:‬‬
‫�ن البداية؟ ماذا فعلت‬
‫�ي أن أختار؟ ملاذا أنا هنا م�‬ ‫– –ي�‬
‫�ا إهلي ماذا عل� ّ‬
‫ألستحق كل هذا؟‬
‫�رب إىل رأسه يف حماولة إلقناعه بأن ينقذه‬
‫ظل صوت نور املذعور يتس�‬
‫�اره عن املفتاح‪ ،‬ولكن أكريا كانت كينونته متيل الختيار املفتاح‪،‬‬ ‫وخيت�‬
‫�ينفجر‬ ‫�عر بأنه س�‬ ‫فنظر إىل املفتاح ثم إىل وجه نور العابس اخلائف‪ ،‬وش�‬
‫من الضغط عليه‪.‬‬
‫فقال نور املزيف وقد امتألت مقلتا عينيه بالدموع‪:‬‬
‫�ل تنوي أن ترتكين هنا‬ ‫– –ماذا تنتظ�‬
‫�ر يا أكريا؟ ملاذا ال تنقذني؟ ه�‬
‫معا؟ ملاذا تتأخر‬
‫�ك بعد كل ما فعلناه ً‬ ‫وتفضل املفتاح لتنقذ نفس�‬
‫هكذا؟ اخرتني أرجوك‪.‬‬
‫�ه بوجه مظلم وعينني‬
‫�ى زجاج نور ونظر إلي�‬ ‫�رب أكريا بيده عل�‬
‫ض�‬
‫�تعلني‪ ،‬وقال صارخ� ًا يف نور املزيف‪:‬‬
‫كربكانني مش�‬
‫– –أال ميكنك أن تصمت قلي ًال أرجوك من أجل أن أفكر‪ ،‬إن مل أكن أريد‬
‫�ت طويل! فهذا هو االختيار األرجح‬‫أن أختارك لكنت فعلت منذ وق� ٍ‬
‫�نموت حنن االثنني على‬ ‫يف هذه احلالة ‪ ..‬ال فائدة من إنقاذك‪ ،‬س�‬
‫علي أن أنقذ شخصا هالكا؟ واألرجح أن أنقذ‬‫كل حال ‪ ..‬إذا فلماذا ّ‬
‫�ي وأقلل اخلسائر‪ ،‬ولكين أفكر يف طريقة للخروج من هذا املأزق‬‫نفس�‬
‫وأنت ال تدع لي جما ًال للتفكري ‪ ..‬أنت تعلم بأن اختيارك سيكون بال‬
‫فائدة‪ ،‬ولكنك تريد النجاة واملماطلة ال غري‪ ،‬فهذه غريزة البقاء لدى‬
‫�وت‪ ،‬لقد أنقذتك من قبل‪،‬‬ ‫�ان‪ ،‬ولكين ال أريد أن أتركك مت�‬ ‫اإلنس�‬

‫‪104‬‬
‫جمددا على الرغم من أني قابلتك منذ دقائق‬
‫ً‬ ‫وأحاول اآلن أن أنقذك‬
‫أحدا يفضل شخصا قابله للتو على نفسه؟‬
‫فقط‪ ،‬فهل تظن أن هناك ً‬
‫ورغم هذا أنا أفكر كيف سأخرجك من هنا؛ لذا اصمت أرجوك‪.‬‬
‫صمت نور املزيف والدموع تنسل من عينيه لتسقط على خده‪ ،‬فتنهد‬
‫مفكرا فيما سيفعل ‪ ..‬فجأة خرج الصوت ليزيد‬
‫ً‬ ‫�ه‬
‫أكريا بقوة وفرك رأس�‬
‫الطني بلة قائ ًال‪:‬‬
‫– –تبقت لك دقيقة‪.‬‬
‫�ارع نور املزيف يف الكالم لكي‬
‫زاد هذا من توتر أكريا وخوفه‪ ،‬بينما س�‬
‫�ية وترقب‪..‬‬‫�اره أكريا ‪ ..‬اضطراب ‪ ..‬توتر ‪ ..‬ذعر ‪ ..‬قلق وخش�‬ ‫خيت�‬
‫كانت هذه الدقيقة هي األطول يف حياته واألصعب‪ ،‬وكان يتمنى أن متر‬
‫بدون أن يندم على شيء‪.‬‬
‫�خذت الثواني متر عليه كأنها سيوف تقطع‬ ‫تبقت نصف دقيقة‪ ،‬وـ�‬
‫�تمر الوقت يف التناقص بينما هو يرمق نور‬‫لاء‪ ،‬واس�‬‫�ده وقلبه أش�‬‫جس�‬
‫املذعور الذي يرتجاه لينجده‪ ،‬ويرمق املفتاح الذي سيكون وسيلته للنجاة‪،‬‬
‫�ه ويقلل‬‫�خصا هالكا؟ أم ينقذ نفس�‬ ‫هل خيتار املوت من أجل أن ينقذ ش�‬
‫�يكون السبب يف موته؟‬
‫األضرار ‪ ..‬ولكنه س�‬
‫ثوان وأكريا حيك رأسه بقوة أكرب‪ ،‬وتصبب العرق من‬
‫�ر ٍ‬‫تبقت عش�‬
‫لاالت ال تنتهي‪ ،‬وانبجس الدم يف رأسه‪ ،‬وامحرت‬
‫�ده كش�‬
‫جبينه وجس�‬
‫�ده رعدة قصرية‬
‫�رت يف جس�‬‫عيناه‪ ،‬وارتعش كورقة يف مهب الرياح‪ ،‬وس�‬
‫�نجات‪.‬‬ ‫متقطعة‪ ،‬وتقبض وجهه بتش�‬
‫ثوان‪ ،‬فخرج الصوت ليأمره باالختيار حا ًال‪ ،‬ففتح أكريا‬
‫تبقت مخس ٍ‬
‫فمه ليختار ما ُتليه عليه نفسه وأشار بيده‪ ،‬ولكنه توقف حلظة وقد ملعت‬
‫فكرة يف رأسه‪ ،‬ال يعرف كيف مل تأت من قبل؟ وملاذا جاءت اآلن؟ هل هذا‬

‫‪105‬‬
‫بسبب اجلهد الذهين الذي يبذله اآلن؟ وهذه الفكرة كانت‪:‬‬
‫– –ماذا س�‬
‫�يحدث إن انتهى الوقت ومل أخرت أحدهما؟ مل حيدد الصوت‬
‫�روط الالزمة ما عدا هذا الشرط!‬‫هذا‪ ،‬وقد أعطاني كل الش�‬
‫�ر‬
‫صمت أكريا ‪ ..‬مل خيرت أحدا واخلوف بداخله قد ازداد بأن خيس�‬
‫�ئ‪ ،‬فقال الصوت‪:‬‬
‫كليهما‪ ،‬انتهى الوقت ومل حيدث ش�‬
‫– –لقد انتهى الوقت! ملاذا مل خترت أحدهما؟‬
‫�ب حبمى قوية‬
‫�عر بأنه قد أصي�‬
‫�ال أكريا بصوت مرجتف وقد ش�‬‫ق�‬
‫�تطيع الكالم‪:‬‬
‫وبالكاد يس�‬
‫– –أنت مل تقل لي ماذا سيحدث إن انتهى الوقت ومل أخرت أحدهما؟‬
‫– –هكذا إذا ‪ ..‬ما سيحدث هو أن كليهما ‪ ..‬سيتحرر‪.‬‬
‫فجأة انفتحت األقفاص الزجاجية‪ ،‬وشعر أكريا براحة وسعادة كبرية‬
‫تغمره وأحس بأن محال ثقيال قد انزاح من على قلبه‪ ،‬فتنهد براحة شديدة‬
‫وهو يقرتب من نور ليحرره‪ ،‬ففك وثاقه‪ ،‬وانهال عليه نور بوابل من الشكر‪،‬‬
‫يرا ذهب ليحصل على‬ ‫�كر اهلل أنه جنا من املوت‪ ،‬وبعد أن حرره أك�‬ ‫وش�‬
‫املفتاح‪ ،‬فحرره وأمسك به بقوة وقد شعر باألمل يتجدد من جديد‪ ،‬ولكنه‬
‫جمددا‪ ،‬لقد قال الصوت أن هناك مفتاحني‬ ‫ً‬ ‫�يئ ًا أعاد إليه القلق‬
‫تذكر ش�‬
‫فقط‪ ،‬وجني قد حصلت على أحدهما‪ ،‬هذا يعين أن نور ال ميلك مفتاحا!‬
‫جمددا ليؤكد شكوكه قائ ًال‪:‬‬
‫ً‬ ‫خرج الصوت‬
‫�ر أن نور لن ينجو إال لبعض الوقت‪ ،‬أليس كذلك؟‬ ‫– –بالتأكيد تفك�‬
‫واملفتاح الذي معك هو الوحيد املتبقي‪ ،‬فماذا ستفعل؟ هل ستعطيه‬
‫لنور للعبور؟ أم ستودعه وترتكه ملصريه؟ ولكن ألزيد األمر إثارة‪ ،‬فإن‬
‫أيضا ميتلك مفتاحا وهو يف جيب سرتته األمين‪.‬‬ ‫نور ً‬

‫‪106‬‬
‫�مت‬‫�د املفتاح الذي قال عليه الصوت‪ ،‬فارتس�‬
‫�د نور جيبه‪ ،‬فوج�‬
‫تفق�‬
‫أيضا‪ ،‬والذي شعر أن ِحال‬
‫ابتسامة كبرية على وجهه وعلى وجه أكريا ً‬
‫ريا‪ ،‬فقال‬
‫�وت مل يرتكه يفرح كث ً‬
‫�ر قد أزيح عن كاهله‪ ،‬ولكن الص�‬ ‫آخ�‬
‫بنربة شائكة خبيثة‪:‬‬
‫�ا يف هذه الغرفة‪ ،‬فمن‬ ‫– –ولك�‬
‫�ن هناك مفتاحا مزيفا ومفتاحا حقيقي�‬
‫�ي ومن ميلك املزيف؟‬‫ميلك احلقيق�‬
‫رمق نور املزيف أكريا بتوتر وهو ميسك مفتاحه بقوة‪ ،‬بينما تغريت‬
‫�ن ذي قبل‪ ،‬فصرخ أكريا‬ ‫�ح أكريا وأصبح وجهه أكثر إظالما م�‬ ‫مالم�‬
‫بغضب قائ ًال‪:‬‬
‫– –أيها الوغد‪ ،‬ألن تكف عن أالعيبك اللعينة؟! لقد جنحت يف االختبار‪،‬‬
‫�وأ منه؟ ماذا تريد مين أيها اللعني؟‬
‫فلماذا تضعين يف واحد آخر أس�‬
‫ربا على خوض محاقاتك هذه‪ ،‬وبعد كل هذا‬ ‫لقد وجدت نفسي جم ً‬
‫ال تريد أن تسهل األمر علي؟‬
‫وحيدا‪ ،‬ورأى أكريا نور وهو‬
‫ً‬ ‫�ه الصوت بل تركه يف ثورته هذه‬
‫مل ُيب�‬
‫منكمش عند احلائط ينتظر ما سيحدث‪ ،‬فقال نور املزيف بنربة مرجتفة‪:‬‬
‫– –هل تريد ‪ ..‬أن نذهب ‪ ..‬من هنا؟‬
‫نظر له أكريا وقد طفح كيله قائ ًال‪:‬‬
‫– –انتظر هنا! جيب أن نعرف أين هو املفتاح املزيف‪.‬‬
‫– –ولكن كيف س�‬
‫�نعرف إن بقينا هنا؟ جيب أن نذهب إىل البوابة لنعلم‬
‫هذا‪.‬‬
‫�و كان مفتاحك هو الصحيح‬ ‫– –أتريد أن نذه�‬
‫�ب إىل البوابة ألنه ل�‬
‫ستس��تطيع اهلرب‪ ،‬أليس كذلك؟ أنت تفكر يف نفسك فقط‪ ،‬إن‬

‫‪107‬‬
‫�ك اآلن ألني أنقذتك‬
‫�ت ال تفعل هذا لكنت أعطيتين مفتاح�‬
‫كن�‬
‫�ك فقط‪.‬‬ ‫مرتني ولكنك تهتم بنفس�‬
‫�ب لنجرب املفاتيح على‬‫�ي‪ ،‬لقد قلت لك فلنذه�‬ ‫– –أنا ال أهتم بنفس�‬
‫البوابة وإال فكيف س��نعرف املفتاح احلقيقي؟‬
‫– –إذ ًا اعطه لي وسأجربه لك‪.‬‬
‫– –لن أعطيك إياه‪.‬‬
‫�ت اآلن؟ امسع‬ ‫ني كنت على حق؟ هل رأي�‬ ‫�ذا إذ ًا ‪ ..‬أرأيت أن�‬
‫– –هك�‬
‫�أفعل؟ كنت سأعطيك املفتاح‬ ‫أيها الوغد‪ ،‬هل تعلم ماذا كنت س�‬
‫�ت من هذا اهلراء ومل يعد‬
‫احلقيقي وأنا ال أكذب يف هذا فقد يئس�‬
‫�دي هدف للبقاء على قيد احلياة‪ ،‬أنا حتى ال أتذكر غري امسي‪..‬‬ ‫ل�‬
‫�دم إن مت‪ ،‬ولكنك أثبت‬ ‫�يء‪ ،‬هلذا فليس لدي أي ن�‬ ‫ال أذكر أي ش�‬
‫�أعطيها إياك‪.‬‬ ‫�تحق هذه التضحية اليت كنت س�‬ ‫أنك وغد ال تس�‬
‫لوح نور بيده يف غضب وقال‪:‬‬
‫�ك للمفتاح قبل أن ينتهي الوقت‪..‬‬ ‫– –أنت تكذب ‪ ..‬لقد رأيت نظرت�‬
‫كنت ستختاره‪ ،‬ولكنك أمسكت نفسك وحدث ما حدث‪ ،‬كما إنك‬
‫�يحدث إذا انتهى الوقت‬
‫مل تنقذني هذه املرة فأنت مل تكن تعلم ما س�‬
‫�اذا لو مت اإللقاء بي يف هذه الربكة لألمساك؟ هل كان هذا‬ ‫‪ ..‬م�‬
‫سعيدا؟ حتصل على املفتاح وتريح ضمريك من كل هذا؟‬ ‫ً‬ ‫سيجعلك‬
‫�قط يف املاء‪ ،‬وسقط‬‫ولكن ماذا لو اخرتت املفتاح املزيف وتركتين أس�‬
‫�تموت على كل حال ‪ ..‬وأنا أعلم‬ ‫معي املفتاح احلقيقي؟ كنت س�‬
‫أنك لو اخرتت‪ ،‬الخرتت املفتاح وليس أنا‪.‬‬
‫نظر أكريا إىل نور واألمل يفضي من عينيه‪ ،‬قائ ًال بنربة رتيبة كئيبة‪:‬‬

‫‪108‬‬
‫�يئ ًا عن‬
‫�نا‪ ،‬خذ مفتاحي مل أعد أكرتث ‪ ..‬رمبا ال أتذكر ش�‬ ‫– –حس�‬
‫حياتي‪ ،‬ولكن لدي هذا الشعور بأني قد خسرت كل شيء بالفعل ولقد‬
‫�ي وهلذا رمبا يكون املوت لي أرحم من معرفة‬ ‫تعلمت أن أصدق حدس�‬
‫تي اليت قد تكون مؤملة للغاية‪ ،‬وهلذا خذ مفتاحي أنا ال أهتم‪.‬‬
‫حقيق�‬
‫�ف الذي رفع يده اليمنى ليلتقطه‪،‬‬
‫قذف أكريا باملفتاح إىل نور املزي�‬
‫فرأى أكريا شيئ ًا غري ًبا مل يلحظه من قبل‪ ،‬فاتسعت عيناه بدهشة كبرية‪،‬‬
‫فزأر يقول بصوت أجش‪:‬‬
‫– –أيها الوغد ‪ ..‬أنت لست نور!‬
‫تغريت مالمح نور املزيف وأصبحت أكثر اضطرابا‪ ،‬فقال بسخرية‪:‬‬
‫– –ه�‬
‫�اه ‪ ..‬أنا نور أيها األمحق ما الذي تقوله ‪ ..‬هل أصابك العمى؟‬
‫أم أثرت عليك كل هذه األحداث؟‬
‫�ال أكريا وقد حتولت مالحمه إىل اجلدية رغم الصراع املرير الذي‬
‫ق�‬
‫كان جيري يف نفسه فبدد مجيع الشكوك‪:‬‬
‫– –قل لي كلمة السر اليت اتفقنا عليها؟‬
‫تنهد نور بتوتر‪ ،‬وأخذ يتصبب عرقا‪ ،‬وقال وهو يهز رأسه باستهجان‪:‬‬
‫– –لقد نسيتها فقط ال غري ‪ ..‬كل هذه األحداث أثرت ّ‬
‫علي‪.‬‬
‫جيدا‬
‫أبدا وأنت تعرف هذا ً‬ ‫– –ما هي كلمة الس�‬
‫�ر؟ ال ميكنك نسيانها ً‬
‫إن كنت احلقيقي!‬
‫علم نور املزيف بأنه مت اإلمساك به‪ ،‬فقال جبفاء وفتور‪:‬‬
‫– –تبا لكم ولكلمة السر اللعينة هذه ‪ ..‬حسنا أنا مزيف‪ ،‬ولكنك قمت‬
‫خبطأ مريع اآلن لتعطيين املفاتيح‪ ،‬واآلن ‪..‬‬

‫‪109‬‬
‫�ور املزيف‪ ،‬ورفع املفاتيح‬
‫�ح باب صغري يطل على الربكة أمام ن�‬ ‫انفت�‬
‫لتكون فوقه قائ� ً‬
‫لا وعلى وجهه نظرة خبيثة‪:‬‬
‫�قط يف‬
‫واحدا فقط واآلخر سيس�‬
‫ً‬ ‫– –أيهما هو احلقيقي؟ جيب أن ختتار‬
‫املاء‪ ،‬وهلذا اخرت بعناية‪.‬‬
‫صمت أكريا قلي ًال ليفكر‪ ،‬ثم كسر حاجز الصمت قائ ًال‪:‬‬
‫– –إنه الذي يف يدك اليمني‪.‬‬
‫– –وملاذا أنت متأكد هكذا؟‬
‫– –اهلدف من هذا االختبار كان لتشتييت ال أكثر‪ ،‬واختبار هل سأفضل‬
‫نفسي أم سأفضل شخصا آخر على نفسي وهذه هي أقوى التضحيات‬
‫وحتتاج إىل شخص ذي قلب كبري ليفعلها‪ ،‬وهلذا فإن علمت بأنك‬
‫املزيف من البداية الخرتت املفتاح بدون أدنى شك ‪ ..‬ولكن مل أعلم‬
‫ريا وتشتت ‪ ،‬ولكنك ها أنت مل حيدث لك شيء ‪..‬‬ ‫هذا‪ ،‬فاحرتت كث ً‬
‫هلذا فإن املفتاح احلقيقي هو الذي كان حبوزتك ألنه حيمل معنى‬
‫أكرب بكثري من جمرد مفتاح يفتح بوابة‪ ،‬إنه مفتاح للنفس البشرية‬
‫‪ ..‬مفتاح للخري الكامن بداخل كل شخص ‪ ..‬من خيرت هذا املفتاح‬
‫�يء أغلى بكثري من الوصول إىل خط النهاية ‪..‬‬ ‫فقد حصل على ش�‬
‫�أل‬
‫�ه‪ ،‬وهذا ما نقضي عمرنا كله نس�‬ ‫لقد حصل على حقيقة نفس�‬
‫أنفسنا عنه ‪ ..‬من حنن؟ هل حنن جيدون؟ أم مثل باقي البشر؟ رمبا‬
‫علي خوض اختبار آخر أصعب من ذي‬ ‫ترددت يف اختيارك وهلذا كان ّ‬
‫قبل‪ ،‬ولكين جنحت بأني قد أعطيتك مفتاحي يف النهاية ومل أكرتث‬
‫�أختارك‪ ،‬لوال أن واتتين‬
‫‪ ..‬وأريد أن أخربك أ ًيا كنت بأني كنت س�‬
‫�ت‪ ..‬لقد علمت حقيقة‬ ‫�ك الفكرة بأال أختار حتى ينتهي الوق�‬
‫تل�‬
‫�يل العواطف واألفكار الال متناهي بداخلي‪ ،‬وعلمت‬ ‫نفسي وسط س�‬

‫‪110‬‬
‫�ت متلكه من البداية هو‬
‫�أختار‪ ،‬وهلذا فإن املفتاح الذي كن�‬
‫ماذا س�‬
‫�ه ًال للغاية ولكين كنت أمحق‪،‬‬
‫مفتاح البوابة ‪ ..‬لقد كان األمر س�‬
‫�ر نفسي‬‫وإن كنت اخرتت املفتاح ومل أخرتك‪ ،‬فعندها كنت سأخس�‬
‫�تحق اخلروج من هنا‪.‬‬ ‫أيضا ومل أكن ألس�‬‫�ر طريق اخلروج ً‬ ‫وأخس�‬
‫ضحك نور املزيف قائ ًال‪:‬‬
‫– –لو كانت لي مشاعر لكنت تأثرت بهذا الكالم‪ ،‬واآلن ميكنك احلصول‬
‫على املفتاح احلقيقي‪ ،‬فقد فهمت املغذى من هذا االختبار‪.‬‬
‫�اح‪ ،‬فالتقطه أكريا وانفتح له باب الغرفة‪،‬‬
‫ألقى نور املزيف له باملفت�‬
‫فخرج منه وهو يودعه‪ ،‬ومل يشأ أن يسأله عن حقيقته؛ فبعض األشياء من‬
‫األفضل أن ترتك بال إجابة‪.‬‬
‫جمددا‪ ،‬وح ّيوا بعضهم ببهجة‬
‫ً‬ ‫خرج اجلميع والتقوا عند نقطة البداية‬
‫�ار الصعب‪ ،‬ولكنهم تفاجأوا‬‫�أوا بعضهم على النجاح يف هذا االختب�‬ ‫وهن�‬
‫�ن الرواق األول الذي مل‬
‫�خصا آخر معهم‪ ،‬وقد خرج م�‬‫عندما وجدوا ش� ً‬
‫�عر مموج طويل‪،‬‬ ‫يدخله أحد منهم‪ ،‬فنظر إليهم بصمت‪ ،‬وكان لديه ش�‬
‫دائما‪ ،‬فتذكر نور أنه رآه من قبل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫�اخرة ً‬ ‫ومالحمه س�‬
‫– –أنت ‪ ..‬لقد رأيتك عند نقطة البداية‪ ،‬كنت جتلس غري مكرتث بأمر‬
‫السباق وترمقنا بنظرات ساخرة‪ ،‬فكيف وصلت إىل هنا بهذه السرعة؟‬
‫نظر إليه بنظرات غرور وثقة قائ ًال‪:‬‬
‫�ن من الصعب الوصول إىل هنا‪،‬‬ ‫– –هذا ألني س�‬
‫�ريع للغاية وهلذا مل يك�‬
‫واحلقيقة أن هذا االختبار هو أصعب شئ رأيته يف السباق‪ ،‬لقد مررت‬
‫�هولة كبرية‪ ،‬ولكن هذا ‪ ..‬هذا كان خمتلفا‬ ‫من كل العقبات بس�‬
‫أحدا آخر قد اختار الطريق‬
‫�ا عما رأيته من قبل‪ ،‬ومل أتوقع أن ً‬
‫متام�‬
‫ً‬
‫الوعر مثلي ‪ ..‬هذا غريب‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫– –إذ ًا فلقد حصلت على املفتاح وجنحت هنا ً‬
‫أيضا؟‬
‫– –نعم لقد حصلت عليه ‪ ..‬واآلن ليس لدي وقت‪ ،‬هناك س�‬
‫�باق جيب‬
‫أن أنهيه‪.‬‬
‫�ديدة من‬ ‫�رعة خملف ًا وراءه ً‬
‫رحيا ش�‬ ‫�ى الفتى من أمامهم بس�‬ ‫اختف�‬
‫�تطيعوا الوصول إىل خط النهاية‬ ‫�رعته‪ ،‬فأسرعوا وراءه حتى يس�‬
‫أثر س�‬
‫�ى النقاط للفوز‪.‬‬
‫وحتصيل أعل�‬
‫املاط باألشجار‪ ،‬حتى خرجوا إىل الساحة اليت حتتوي‬ ‫عربوا الطريق ُ‬
‫على البوابات‪ ،‬فرأوا بعض املتسابقني وقد جتمعوا‪ ،‬وهناك من فتح بوابته‬
‫وحلم بالعبور إىل خط النهاية‪ .‬رأى نور ورفاقه كينو ويوسف ولي كانج‬
‫�ور وركض حنوهم وتبعه جني‬ ‫�ون من إحدى البوابات‪ ،‬فناداهم ن�‬ ‫يقرتب�‬
‫وأكريا‪ ،‬فحياهم نور قائ ًال‪:‬‬
‫– –لقد مر وقت طويل ‪ ..‬أرى أنكم حصلتم على املفاتيح‪.‬‬
‫ح ّياه كينو قائ ًال بنربة هادئة وقد بدا على مظهره أنه مر بالكثري‪:‬‬
‫أيضا وهذا أمر‬
‫�ى املفاتيح ً‬
‫�ا يا نور ‪ ..‬أرى بأنك حصلت عل�‬ ‫– –مرح ًب�‬
‫جيد‪ ..‬لقد مررنا بالكثري من املصاعب للحصول على املفاتيح ويبدو‬
‫أنه قد حدث لكم املثل‪ ،‬فوجوهكم تبدو مرهقة ‪ ..‬سنتقابل عند خط‬
‫النهاية‪ ،‬واآلن فلنسرع‪.‬‬
‫�وا بعضهم البعض‪ ،‬وانطلقوا ناحية البوابات وقد بدأ العديد من‬ ‫ودع�‬
‫املتسابقني اخلروج من كل مكان ومعهم مفاتيحهم‪ ،‬فأسرعوا لفتح البوابة‪،‬‬
‫ودلفوا إليها‪ ،‬حتى وقفوا أمام الطريق الوعر املائل‪ ،‬فقالت جني باستنكار‪:‬‬
‫�ن األفضل أن يكون‬
‫�ديد االحندار ‪ ..‬م�‬ ‫– –كيف س�‬
‫�نعرب هذا؟ إنه ش�‬
‫�ألقيك يف البحرية‪.‬‬
‫�ك خطة جيدة وإال س�‬ ‫لدي�‬

‫‪112‬‬
‫ضحك نور قائ ًال وهو يقوم ببعض مترينات التحمية‪:‬‬
‫– –سنتزجل‪.‬‬
‫قال كل من جني وأكريا يف نفس الوقت‪:‬‬
‫– –ماذا؟؟؟‬
‫أضاف أكريا قائ ًال بعصبية‪:‬‬
‫– –كيف سنفعل هذا؟ إن الطريق خطر للغاية!‬
‫مد نور يده إىل األمام قائ ًال‪:‬‬
‫�ض األلواح‪،‬‬
‫�أصنع بع�‬ ‫�تطيع صنع ما أختيله؟ س�‬‫�يتم أنين أس�‬ ‫– –أنس�‬
‫�نصل قبل‬ ‫�ا هذه أنا واثق من الوصول إىل خط النهاية وس�‬
‫وبقدراتن�‬
‫اجلميع‪ ،‬إال هذا الوغد السريع‪ ،‬أعتقد أنه قد وصل بالفعل منذ فرتة‬
‫�ة ‪ ..‬واآلن ليس هناك وقت للكالم‪.‬‬ ‫طويل�‬
‫لتحمل هذا الطريق‬
‫ُّ‬ ‫ألواحا خشبية مصممة بإتقان‬‫ً‬ ‫بدأ نور يصنع بيده‬
‫�ض التعليمات عما قد حيدث وكيف‬ ‫�ر‪ ،‬وبعدما انتهى أعطاهم بع�‬ ‫الوع�‬
‫�ط النهاية‪ ،‬وأضاف أنه متزجل بارع ولكنه ال‬ ‫يتغلبون عليه للعبور إىل خ�‬
‫يذكر كيف امتلك هذه املهارة‪.‬‬
‫�س هناك وقت‬‫�زجل‪ ،‬ولكن‪ ،‬لي�‬
‫�ن اقرتاح الت�‬
‫�عر رفاقه بالغيظ م�‬
‫ش�‬
‫�د للعبور اآلن‪.‬‬
‫�ق الوحي�‬
‫�ذا هو الطري�‬
‫تراض اآلن‪ ،‬فه�‬‫لالع�‬
‫�تعداد‪ ،‬بينما صنع نور جلني‬
‫وضعوا ألواح التزجل ووقفوا فوقها يف اس�‬
‫�تكون أكثر أمان‬‫دراجة صغرية للمنحدرات الصعبة‪ ،‬فقد أخربته أنها س�‬
‫هلا‪ ،‬ثم انطلقوا مع إشارة نور وبدأوا بالتزجل على هذه الرمال الوعرة وهم‬
‫يتفادون الصخور والعوائق‪ ،‬وكان نور يتزجل مبهارة كبرية‪ ،‬ويقوم ببعض‬

‫‪113‬‬
‫�ي يف اهلواء كلما‬‫�تعراضية‪ ،‬بينما كان أكريا خيتف�‬ ‫احلركات االس�‬
‫�رعة الدراجة‬
‫�يطرة على س�‬ ‫رأى عقبة‪ ،‬ويظهر خلفها‪ ،‬وجني حتاول الس�‬
‫الرهيبة‪ ،‬وكانت بالكاد تتحكم بها من سرعتها واهتزازاتها القوية بسبب‬
‫�يئة للمنحدر‪ ،‬فكانت تبطئ من سرعتها لتصبح وراءهم‬ ‫التضاريس الس�‬
‫�ل قطعة واحدة‪ ،‬وكان‬ ‫�بقهم أكثر من همها أن تص�‬ ‫�ا أن تس�‬
‫ومل يهمه�‬
‫�تمر هذا لبعض‬ ‫ثوان‪ ،‬واس�‬
‫نور وأكريا يتبادالن املركز األول كل بضعة ٍ‬
‫�تخدامه لقوته‪ ،‬فتوقف عن‬ ‫الوقت حتى بدأت طاقة أكريا تنفذ من اس�‬
‫استخدامها‪ ،‬فسبقه نور مبسافة ليست ببعيدة‪.‬‬
‫�عتها‬‫�مس بأش�‬ ‫�واء يضرب وجوههم بقوة‪ ،‬بينما تلقي الش�‬ ‫كان اهل�‬
‫احلمراء على الطريق أمامهم‪ ،‬وكان األدرينالني يتدفق داخل أجسادهم‬
‫�عر‬
‫ريا‪ ،‬فش�‬
‫�ط كل هذا ملح نور خط النهاية أخ ً‬ ‫�ات كبرية‪ ،‬ووس�‬ ‫جبرع�‬
‫�ينتهي هذا الكابوس‪ .‬أسرع يف‬ ‫ريا س�‬
‫�عادة مل يشعر بها من قبل‪ ،‬وأخ ً‬
‫بس�‬
‫تزجله ومناوراته للوصول إىل النهاية‪ ،‬بينما كانت مجيع الفرق األخرى‬
‫�ه يقرتبون أكثر وأكثر إىل‬ ‫ريا ونور ورفاق�‬
‫ترب من خط النهاية كث ً‬ ‫تق�‬
‫بفرح وهو يعربه قائ ًال‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫�ور‬
‫خط النهاية فصرخ ن�‬
‫– –وصلناااااااااا‪.‬‬
‫�قط‬‫�عر‪ ،‬الهث ًا‪ ،‬وس�‬ ‫�قط على األرض مبت َ‬
‫ال بالعرق‪ ،‬خمضل الش�‬ ‫وس�‬
‫أكريا وجني بالقرب منه يلتقطان أنفاس��هما بصعوبة شاعرين بأنهما‬
‫حلم سعيد‪.‬‬
‫يف ٍ‬
‫مسعوا الصوت يقول‪:‬‬
‫– –نور املركز الرابع ‪ ..‬أكريا املركز اخلامس ‪ ..‬جني املركز السادس‪.‬‬
‫�ز الرابع‪ ،‬رغم تأكده من الوصول‬‫تعجب نور بأنه حصل على املرك�‬
‫�مع صوت ًا مألوفا حيدثه قائ ًال‪:‬‬
‫قبل اجلميع‪ ،‬فس�‬

‫‪114‬‬
‫– –مرحبا يا فتى‪ ،‬أرى أنك عربت أنت ورفاقك‪ ،‬مل أتوقع هذا!‬
‫�ه بنظرته الباردة املعتادة‬
‫�ايري وهو يرمق�‬
‫نظر نور خلفه ليفاجأ بس�‬
‫ريا إليه بيده‪ .‬تبدلت مشاعر نور إىل الغيظ‬
‫�م مش ً‬
‫وجبانبه إيفانوف يبتس�‬
‫الشديد ألنه مل يستطع أن يتغلب عليهم رغم كل ما مر به‪ ،‬ونظر جبانبه‪،‬‬
‫�ريع وهو جيلس أسفل شجرة ويأخذ قيلولة‪ ،‬وتأكد أنه‬ ‫فرأى الفتى الس�‬
‫حصل على املركز األول‪ .‬سأل أكريا سايري عن الطريق الذي اختاروه‪،‬‬
‫فقال سايري بنربة خميفة‪:‬‬
‫– –الطريق القصري بالطبع ‪ ..‬لقد ذهب الكثريون ليأخذوا مفاتيح هذا‬
‫مجيعا وحصلنا على‬
‫ً‬ ‫نظرا ألنه األسهل‪ ،‬ولكننا قضينا عليهم‬
‫الطريق ً‬
‫املفاتيح ‪ ..‬كان األمر سه ًال للغاية مل يستغرق منا دقائق معدودة‪.‬‬
‫أحس اجلميع بقشعريرة تسري يف أجسادهم مما مسعوه‪ ،‬فلمعت فكرة‬
‫�رد أن يتأكد منها‪ ،‬ولكن‬
‫�رة كانت خميفة له ومل ُي�‬ ‫�ور‪ ..‬فك�‬‫يف رأس ن�‬
‫فضوله كان أقوى فقال متسائ ًال‪:‬‬
‫– –ما هي مراكزكم؟‬
‫رد إيفانوف بنربة مرحة‪:‬‬
‫ريا فقد تركته حيصل على املركز األول‬
‫�اعدني كث ً‬ ‫– –ألن سايري س�‬
‫وأنا حصلت على الثاني‪.‬‬
‫رد سايري جبفاء وفتور عليه‪:‬‬
‫�رة القادمة‪ ،‬فأنا لن‬ ‫– –حقا! أهذا ما حدث! إذ ًا ال تتس�‬
‫�اهل معي يف امل�‬
‫أتساهل‪.‬‬
‫– –على رسلك يا صديقي ‪ ..‬أنا أمزح فقط‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫تأكد نور بأن الفتى السريع مل حيصل على املركز األول‪ ،‬وشعر بأنه‬
‫ين طليقني قد يفتكان به يف أية حلظة ما مل يتوخ حذره‪،‬‬
‫يقف أمام وحش�‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ويبدو أن هذا كان شعور جني وأكريا ً‬
‫عرب كينو يف املركز السابع تاله يوسف ولي كانج‪.‬‬
‫واجتمعوا مع نور ليتبادلوا أطراف احلديث‪ ،‬تالهم ياسني ونادر وإريس‪،‬‬
‫�ض الفرق األخرى اليت مل يروها من قبل ‪ ..‬نظر كينو إىل نور قائ ًال‬ ‫وبع�‬
‫وهو ُيييه‪:‬‬
‫– –لقد وصلت قبلي ‪ ..‬كان هذا مفاجئ ًا‪ ..‬أنت مليء باملفاجآت كما‬
‫أرى‪.‬‬
‫ابتسم نور‪ ،‬ورد عليه بلطف قائ ًال‪:‬‬
‫– –حسنا كما تعرف ‪ ..‬لوال استخدامي لعقلي ملا وصلت إىل هنا‪.‬‬
‫– –املهم أنك وصلت‪ ،‬ويبدو بأننا مل ننته من االختبارات بعد‪.‬‬

‫***‬

‫‪116‬‬
‫‪9‬‬

‫خرج الصوت قائال بنربته احلازمة الباردة املعتادة‪:‬‬


‫ٌ‬
‫مبارك لكم الوصول إىل املرحلة النهائية‪ ،‬وكما أرى فقد وصل إىل خط‬ ‫– –‬
‫�تة عشر متسابقا من بني مخسني متسابق‪ ،‬وبالطبع أنتم‬ ‫النهاية س�‬
‫املميزون هنا قد وصلتم ‪ ..‬واآلن سأوزع عليكم النقاط اليت حصلتم‬
‫عليها‪ ،‬ولكن قبل هذا جيب أن أحدثكم عن االختبار األخري‪ ..‬سيكون‬
‫�د واحد ولدى كل منكم قتال واحد ليفوز‬ ‫واحد ض�‬
‫ٍ‬ ‫عبارة عن قتال‬
‫�ر فسنرى إن كانت نقاطه ستؤهله ليصبح من الثمانية‬ ‫به وإن خس�‬
‫�أقول له‬‫�اءل كم قتا ًال جيب أن خيوض‪ ،‬فس�‬ ‫املؤهلني ‪ ..‬وملن يتس�‬
‫قتال واحد فقط وينتهي هذا االختبار‪ ،‬ولكن قد يصبح قتالني‬ ‫�ه ٌ‬ ‫بأن�‬
‫�د املراكز الثمانية ‪ ..‬واآلن‬
‫�ت نقاطك مع أحدهم يف أح�‬ ‫إذا تعادل�‬
‫فلتتقدموا إىل املبنى الدائري أمامكم؛ ستفتح البوابة اآلن‪.‬‬
‫احتج املتسابقون وبدأ اهلمس والتشاور بينهم‪ ،‬وبدا هذا االختبار أصعب‬
‫�يجعلك ختسر الصداقات اليت كونتها يف وسط‬ ‫من الذي يليه‪ ،‬ألنه س�‬
‫�خص خميف لتقاتله‪.‬‬ ‫هذه الظروف‪ ،‬كما أن حظك قد يوقعك يف ش�‬
‫�ابقون إىل البوابة احلديدية اليت انفتحت على مصراعيها‬
‫تقدم املتس�‬
‫�احة تشبه ساحة الكلسيوم اليت استخدمها الرومان‬‫لتظهر من خلفها س�‬
‫يف االستمتاع بقتل البشر بعضهم البعض من أجل متعة األسياد‪ .‬كانت‬
‫‪117‬‬
‫�احة الرتابية حوهلا بعض‬
‫�اهدة‪ ،‬والس�‬ ‫دائرية وبها بعض املقاعد للمش�‬
‫�جار الكثيفة لالختباء بينها وجدول ماء صغري‪ ،‬وفى املنتصف بني‬
‫األش�‬
‫األشجار توجد ساحة مكشوفة للقتال املباشر‪.‬‬
‫�ار ما حيدث‪ ،‬ورأوا‬
‫�لم ووقفوا يف املدرجات النتظ�‬‫صعد اجلميع الس�‬
‫شاشات عرض ثالثية األبعاد وهائلة حتلق يف اهلواء فوق الساحة لتصور‬
‫�ا‪ ،‬وعندها خرج الصوت قائ ًال‪:‬‬
‫كل جوانبه�‬
‫– –واآلن سيظهر على الشاشات اس��م كل شخص ُمرفقا بعدد نقاطه‬
‫وجبانبه اسم من سيواجه‪.‬‬
‫ظهرت األمساء على الشاش��ات‪ ،‬وبدأ التوتر يسري بقوة يف األجواء‪،‬‬
‫وكأن اهلواء حيمل يف طياته الكثري من املشاعر املضطربة لكل من يف املكان‪.‬‬
‫�خصيات‬
‫�ض يتحجج عندما رأوا أمساءهم مع بعض الش�‬ ‫وبدأ البع�‬
‫�ابقة‪.‬‬
‫املخيفة يف هذه املس�‬
‫قالت جني يف سعادة‪:‬‬
‫– –لقد حصلت على مائة وعشرين نقطة‪.‬‬
‫ابتهج نور قائ ًال‪:‬‬
‫– –حصلت على مائة ومخسني‪.‬‬
‫قطبت جني حاجبيها قائلة‪:‬‬
‫– –ملاذا حصلت على رقم أكرب مين بكثري؟ هذا ظلم!‬
‫– –ال أعرف احلقيقة‪.‬‬
‫تنهد أكريا يف راحة وقاطعهما قائال‪:‬‬

‫‪118‬‬
‫– –مائة وأربعون ‪ ..‬هذا جيد‪.‬‬
‫قالت جني وقد زادت غريتها‪:‬‬
‫– –هذا ظلم ‪ ..‬ملاذا أنا بعيدة عنكم هكذا؟ لقد ساعدتكم كث ً‬
‫ريا‪.‬‬
‫هز كل من نور وأكريا رأسه يف حرية‪ ،‬فقال نور‪:‬‬
‫– –رمبا ألننا وصلنا إىل نهاية السباق قبلك!‬
‫– –رمبا‪ ،‬ال يهم ‪ ..‬املهم أن أخرج من هنا‪.‬‬
‫�ايري على مائة ومثانني‪،‬‬
‫�تني نقطة‪ ،‬وس�‬
‫حصل كينو على مائة وس�‬
‫�بعني؛ وتوريس مائة نقطة فقط‪ .‬وحصل الفتى‬ ‫وإيفانوف يليه مبائة وس�‬
‫�تني‪ .‬وإريس على مائة وعشرين‪ ،‬ونادر على مائة‬
‫�ريع على مائة وس�‬‫الس�‬
‫�تني‪ ،‬لي كانج على مائة وعشرين‪ .‬ويوسف‬ ‫فقط وياسني على مائة وس�‬
‫على مائة ومخسة عشر‪.‬‬
‫كان القتال األول بني سايري وتوريس ‪ ..‬شعر توريس بالرعب عندما‬
‫علم أنه سيقاتل سايري‪ ،‬فقد كان معه يف الفريق ويعلم مدى وحشيته‪.‬‬
‫يرة ووقفا أمام بعضهما البعض يف‬
‫�ابقان إىل احللبة الكب�‬
‫تقدم املتس�‬
‫�وف توريس إال إنه رأى فرصة‬
‫�تعداد لبدء القتال‪ .‬على الرغم من خ�‬ ‫اس�‬
‫بسبب قدرته املميزة‪.‬‬
‫�لحة من كل‬ ‫�احة جبانب احلائط صناديق متتلئ بأس�‬ ‫كان يف الس�‬
‫�يوف إىل املدافع واملسدسات‪ ،‬فتوجه توريس وأخذ رشاشا‬
‫األنواع‪ ،‬من الس�‬
‫ومسدسا‪ ،‬بينما مل يتحرك سايري من مكانه ووقف وهو ينتظره‪ .‬وبعد أن‬
‫�ى توريس عاد إىل نقطة البداية ومسع الصوت وهو يقول‪:‬‬‫انته�‬
‫– –فليبدأ القتال‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫قال توريس وهو حياول التبجح وإخفاء توتره وقد صوب سالحه ناحية‬
‫سايري‪:‬‬
‫– –قد يكون القتال معك صعب ًا للغاية‪ ،‬ولكن تذكر أني أستطيع قراءة‬
‫�أكون باملرصاد هلا‪ ،‬وهلذا‬
‫�تأخذها س�‬‫األفكار‪ ،‬وهلذا فكل خطوة س�‬
‫فلتستسلم اآلن إن كنت تريد‪.‬‬
‫�ايري ضحكة صغرية بالكاد ُتس�‬
‫�مع‪ ،‬وقال وهو ينظر إىل‬ ‫ضحك س�‬
‫�وداء خميفة‪:‬‬
‫بعني س�‬
‫توريس ٍ‬
‫�دور يف خلدي اآلن‪ ،‬ولكن‬ ‫– –من اجلي�‬
‫�د أنك تقرأ األفكار لتعلم ما ي�‬
‫جيدا‬
‫�دور يف عقلي فهو ليس ً‬ ‫�ا أحذرك ال جيب عليك قراءة ما ي�‬ ‫أن�‬
‫لصحتك النفسية والعقلية‪.‬‬
‫�ه‬
‫�ا قاله وبدأ يتصبب عرقا‪ ،‬فرفع مسدس�‬ ‫�عر توريس بالتوتر مم�‬‫ش�‬
‫�رع يف إطالق النار عليه‪ ،‬فرفع سايري يده اليسرى يف اهلواء‬‫ناحيته وش�‬
‫وأوقف الرصاص‪ ،‬فحلق الرصاص يف اهلواء أمامه بال حركة‪ ،‬فازداد توتر‬
‫�ايري يده اليمنى ناحية صناديق األسلحة‪ ،‬فطار أحد‬ ‫توريس‪ ،‬فبسط س�‬
‫�تقر يف يده وأبعد الطلقات‬ ‫�يوف الكاتانا من الصندوق يف اهلواء ليس�‬
‫س�‬
‫�ة توريس ليقطعه‬ ‫�تقر يف األرض‪ ،‬ثم انطلق ناحي�‬
‫�ار لتس�‬
‫بيده إىل اليس�‬
‫�تعد جملابهته‪ ،‬ولكنه كان قلق ًا مما‬
‫�يفه فاستخدم توريس قوته ليس�‬ ‫بس�‬
‫�بح يف جمرى أفكاره حتى أخذ‬ ‫يدور يف عقل هذا الوحش‪ ،‬ومبجرد أن س�‬
‫�عر بأنه‬ ‫�ده بغزارة‪ ،‬وش�‬
‫قلبه خيفق بقوة وتصبب العرق من جبينه وجس�‬
‫دخل إىل عرين الشياطني بدون إذن‪ .‬رأى أكثر األفكار سوداوية يف حياته‬
‫�ناعة وكانت كلها تدور عما سيفعله سايري به‬ ‫�اعة وش�‬ ‫وأكثرها بش�‬
‫�قط على ركبتيه وهو ال يستطيع‬ ‫�كه‪ ،‬فارجتف جسده بقوة وس�‬ ‫إن أمس�‬
‫�ايري التوقف‪ ،‬ونظر‬ ‫احلركة‪ ،‬وفجأة صرخ كاجملنون وهو يطلب من س�‬
‫�هم من سايري هذا‪ ،‬بينما‬ ‫اجلمهور بقلق ملا حيدث‪ ،‬وزاد توترهم وتوجس�‬
‫‪120‬‬
‫�ايري ومل يقرتب منه‪.‬‬
‫ضحك إيفانوف بصخب‪ ،‬فتوقف س�‬
‫�كل مروع وكأن كل‬ ‫�ت عينا توريس جاحظتني وامحرتا بش�‬
‫أصبح�‬
‫دماء جسده قد ارتفعت إىل عينيه‪ ،‬وارجتف جسده بقوة أكرب وهو يصرخ‬
‫بال توقف حتى استطاع فصل عقله عن عقل سايري بالكاد‪ ،‬وسقط على‬
‫�ايري قائ ًال‪:‬‬
‫األرض وهو يتمتم بكلمات غري مفهومة‪ ،‬فضحك س�‬
‫– –لقد حذرتك ‪ ..‬بعض األش�‬
‫�ياء ال جيب االقرتاب منها ‪ ..‬جيب أن‬
‫ُترتك مغلقة إىل األبد‪.‬‬
‫شعر اجلميع بالنفور واخلوف من سايري‪ ،‬بينما خرج الصوت قائ ًال‪:‬‬
‫– –لقد فاز سايري بهذا السباق‪.‬‬
‫�ف وتاله نور ليتفقدا حال توريس‪ ،‬وحاول يوسف إسعافه‬ ‫انطلق يوس�‬
‫بقدرته‪ ،‬ولكن يبدو أنه مل يكن يستجيب فقد غاب عن الوعي‪ ،‬ويبدو أنه لن‬
‫يستيقظ لفرتة طويلة‪ .‬مل يدر نور ماذا كان يدور داخل عقل سايري ليجعله‬
‫يهلع هكذا‪ ،‬ولكنه بالتأكيد شيء مروع للغاية‪ .‬وتذكر أن بعض األبواب‬
‫أبدا‪ ،‬ولكن ما حدث جعله يهاب سايري أكثر من ذي قبل‪.‬‬ ‫ال جيب أن تفتح ً‬
‫خرج الصوت قائ ًال‪:‬‬
‫– –النزال التالي ‪ ..‬نور ضد لي كانج ‪ ..‬تقدما إىل احللبة‪.‬‬
‫�ج وقد تذكر قدرته على‬ ‫�عر نور ببعض التوتر ونظر إىل لي كان�‬
‫ش�‬
‫إطالق أشعة حارقة‪ ،‬فأخذ يفكر كيف سيتعامل مع شيء كهذا‪ ،‬فإن مل‬
‫�ريع سيقضي عليه لي كانج بلمح البصر‪.‬‬‫حبل س�‬‫يفكر ٍ‬
‫�لحة‬
‫�ا إىل احللبة وح ّيا بعضهما البعض‪ ،‬ثم نظر نور إىل األس�‬
‫تقدم�‬
‫�ج‪ ،‬ولكنه مل جيد العديد‬
‫�ينفعه ضد قوة لي كان�‬‫�ة وفكر فيما س�‬ ‫املعلق�‬
‫من األفكار‪ ،‬فرأى مسدس ختدير موضوعا بني األسلحة املتنوعة‪ ،‬وبعض‬

‫‪121‬‬
‫�ان‪ ،‬ومتفجرات إخل‪ ،‬فأخذ بعض‬‫�ل اليدوية ‪ ..‬قنابل تطلق الدخ�‬ ‫القناب�‬
‫القنابل ا ُملشعة والدخانية واملتفجرات‪ ،‬ومسدس ختدير ثم عاد إىل مكانه‪،‬‬
‫بينما اكتفى لي كانج بقوته خلوض هذا النزال‪ .‬خرج الصوت ليطلب‬
‫منهما البدء‪.‬‬
‫�ط‬ ‫�ده بالكامل وس�‬ ‫�ى نور قنبلة دخانية أمام قدميه ليغطى جس�‬‫ألق�‬
‫�س يعلم ما يدبره نور‪،‬‬
‫�ان‪ ،‬بينما وقف لي كانج بال حركة وتري�‬ ‫الدخ�‬
‫وفجأة حلقت قنبلة يف اهلواء من بني الدخان متوجهة ناحية لي كانج‪،‬‬
‫�عاعا أمحر فانفجرت يف اهلواء ُم ِدثة اهتزازات مزعجة‬‫فأطلق عليها ش�‬
‫�ة أخرى حتلق يف اهلواء حنو هدفها‬ ‫�ة اجلو‪ ،‬ومن ثم تلتها قنبل�‬
‫يف طبق�‬
‫فأطلق لي كانج أشعته من عينيه عليها لتنفجر‪ ،‬ثم تفاجأ بقنبلة أسفل‬
‫�ه فقال بتوتر وهو خيفي عينيه بيديه‪:‬‬‫قدمي�‬
‫– –اللعنة متى القاها؟!‬
‫ّ‬
‫لينسل منها ضوء مشع يغشي البصر ملدة قصرية‪.‬‬ ‫انفجرت القنبلة‬
‫وضعف يف الرؤية‪ ،‬فأطلق األشعة أمامه‬
‫ٍ‬ ‫�عر لي كانج بصداع رهيب‬ ‫ش�‬
‫بوخز يف جسده‪ ،‬فعلم أن نور أصابه‬‫ٍ‬ ‫يف كل مكان بال توقف‪ ..‬وفجأة شعر‬
‫�ى‬‫ثوان كان الدخان قد تالش�‬ ‫باملخدر‪ .‬وعندما عاد له بصره بعد بضع ٍ‬
‫عن نور‪ ،‬الذي ظهر وهو حيمل مالءة كبرية‪ .‬تعجب لي كانج مما يفعله‬
‫�ده باملالءة‪ ،‬وفجأة خرج من‬ ‫وكان أثر املخدر يف بدايته‪ ..‬أخفى نور جس�‬
‫ورائها وهو يركض ناحية اليمني مصو ًبا مسدسه حنو لي كانج‪ ،‬فأطلق‬
‫�د نور ليجد أنه عبارة عن نسخة‬ ‫�عته عليه فاخرتقت جس�‬ ‫لي كانج أش�‬
‫�راب‪ ،‬فشعر بالتوتر وعاد بنظره إىل املالءة مرة‬
‫ضوئية مزيفة تبدو كالس�‬
‫�واء ناحيته فأطلق‬ ‫�دى القنابل املتفجرة ُتلق يف اهل�‬‫أخرى‪ ،‬ليجد إح�‬
‫وجه شعاعه ناحية املالءة‪ ،‬فقد‬‫�عاعا عليها لتنفجر يف اهلواء ثم ّ‬
‫بيديه ش� ً‬
‫�و اآلن خيتبئ وراءها‪.‬‬ ‫�د خدعه ليصيبه بهذه القنبلة وه�‬ ‫علم أن نور ق�‬
‫‪122‬‬
‫توجه الشعاع األمحر احلارق خمرتق ًا اهلواء ناحية نور الذي خيتبئ خلف‬
‫املالءة‪ ،‬ولكن فجأة رفع نور املالءة عنه‪ ،‬لتتسع عينا لي كانج من الدهشة‪،‬‬
‫فقد رأى أن املالءة مل تكن موضوعة على نور من البداية بل على مرآة قد‬
‫�عاعه باملرآة الغريبة‬‫�ياء‪ ،‬فاصطدم ش�‬
‫صنعها نور بقدرته على خلق األش�‬
‫أرضا‪ .‬أخذ يتلوى من‬ ‫�عاع به ليسقطه ً‬‫جمددا‪ ،‬فاصطدم الش�‬ ‫ً‬ ‫لريتد عليه‬
‫�ده ليجد أن‬ ‫جمددا وهو يتحامل على جس�‬
‫ً‬ ‫فرط األمل‪ ،‬ولكنه قاوم ووقف‬
‫أرضا‪ ،‬ثم وجد نور وهو يقف خلفه ويصوب‬ ‫جسده قد ختدر متاما‪ ،‬فسقط ً‬
‫ناحيته املسدس قائ ًال‪:‬‬
‫– –استسلم اآلن!‬
‫تعجب كل من يتابع النزال مما فعله نور ومل يفهموا ما حدث‪ ،‬ولكن‬
‫كينو وسايري وإيفانوف قد فهموا ما حدث مما جعلهم يبتسمون ويثنون‬
‫على ذكاء نور‪.‬‬
‫علم لي كانج أن جسده قد ُش�‬
‫�ل متاما وليس أمامه غري االستسالم‬
‫وإال سيموت‪ ،‬فقال بنربة متقطعة‪:‬‬
‫– –حسنا ‪ ..‬أستسلم‪ ،‬ولكن ‪ ..‬ماذا فعلت؟ أنا ال أفهم أي شيء!‬
‫�ري‬ ‫صالب نور يديه قائ ًال وهو يتذكر كل ما فعله ش� ً‬
‫�اعرا بلذة تس�‬
‫بداخله‪:‬‬
‫�ن حقك أن تعلم ‪ ..‬يف البداية‬‫�يء ولكن م�‬ ‫– –األمر معقد بعض الش�‬
‫ُ‬
‫أخفيت جسدي بالدخان وألقيت عليك بعض القنابل ألشتت ذهنك‪،‬‬
‫أثناء إلقائي إحدى املتفجرات عليك يف اهلواء دحرجت واحدة أخرى‬
‫بسرعة على األرض فأغشت بصرك لبعض الوقت‪ ،‬وكان هذا كافيا‬
‫�دأت بصنع جهاز صغري ولكنه‬ ‫�دك وب�‬ ‫لي فأصبتك باملخدر يف جس�‬
‫�رح لك تركيبته ولكين‬ ‫�د للغاية‪ ،‬وهو قاذف للقنابل‪ ،‬ولن أش�‬
‫مفي�‬

‫‪123‬‬
‫ثوان‬
‫وضعت بداخله املتفج��رات وكان يقذفها عليك كل مخس ٍ‬
‫�هال‬
‫�ت مرآة ومالءة وكان صنعهما س�‬ ‫�رعة‪ ،‬وبعد ذلك صنع�‬ ‫وبس�‬
‫�ي تدربت علي صنعهما‬ ‫�ة ومل يأخذ مين الكثري من الوقت ألن�‬ ‫للغاي�‬
‫�ات املرات‪ ،‬وبعد أن انتهيت من صنعهما كان بصرك قد‬ ‫من قبل مئ�‬
‫�ك فتوقفت قلي ًال لتفقد‬ ‫�اد‪ ،‬فرأيت املالءة أمامك مما أثار ريبت�‬
‫ع�‬
‫�لت نسخة ضوئية ناحية اليمني بينما انطلقت أنا ناحية‬ ‫األمر‪ ،‬فأرس�‬
‫�ار وفى هذه األثناء كان اجلهاز يقذف عليك إحدى القنابل‬ ‫اليس�‬
‫�رب‪ ،‬وبالطبع مل يتبق لي‬‫�ة‪ ،‬فلم ترني وأنا أه�‬
‫�تيتك للغاي�‬ ‫فتم تش�‬
‫الكثري من الوقت قبل أن تراني فدلفت بني األشجار بسرعة وتواريت‬
‫�ك خبيط دقيق قمت بربطه مع املالءة‪ ،‬وكما‬ ‫وراءها‪ ،‬وكنت أمس�‬
‫توقعت فقد كانت خطوتك التالية هي إطالق شعاعك حنو املالءة‬
‫ألنك ظننت أني ساذج هلذه الدرجة لكي تكون خطيت بهذه البساطة‪،‬‬
‫وهي أن أش��تتك كي أصيبك باملتفجرات‪ .‬وهكذا شددت اخليط‬
‫�رعة ألزيح املالءة عن املرآة‪ ،‬يف هذه اللحظة كنت أحتاج بعض‬ ‫بس�‬
‫�يئني‪ ،‬األول‪ :‬هو أن‬
‫الوقت أللتف حولك وهلذا وضعت أملي على ش�‬
‫لشعاعك خواص انعكاسية‪ ،‬والثاني‪ :‬أن يقوم املخدر مبفعوله بسرعة‪،‬‬
‫وكما ترى فقد أثبت بالفعل أن لشعاعك خواص انعكاسية‪ ،‬فانقلب‬
‫�حر على الساحر‪ ،‬وأصابك شعاعك‪ ،‬مما أعطاني بعض الوقت‬ ‫الس�‬
‫أللتف خلف األشجار حتى أصبحت وراءك‪ ،‬فأصبتك حبقنة خمدرة‬
‫�اهدتك وأنت تسقط بال حركة‪ ،‬ثم ظهرت خلفك‪.‬‬ ‫أخرى‪ ،‬وش�‬
‫�ذاجته‪ ،‬ورأى الفرق‬‫�عر باخلجل من س�‬ ‫ضحك لي كانج وهو يش�‬
‫�تغالل البيئة احمليطة للفوز‪ ،‬فرغم الفرق‬
‫�ع بينه وبني نور يف اس�‬
‫الشاس�‬
‫الشاسع بينهما يف القوة‪ ،‬الذي كان يرجح فوز لي كانج‪ ،‬فإن نور هو من‬
‫�تخدام عقله بدال من جسده‪.‬‬ ‫انتصر ألنه قام باس�‬

‫‪124‬‬
‫قال لي كانج وهو يفكر فيما قاله نور‪:‬‬
‫– –تستحق الفوز يا فتى‪ ،‬فأنت سريع البديهة والذكاء وهذا ما أوصلك‬
‫إىل هنا‪.‬‬
‫– –أشكرك على إطرائك وأمتنى أن خترج من هنا‪.‬‬
‫خرج الصوت ليحس��م النتيجة بفوز نور‪ ،‬وبدأت املعركة التالية بني‬
‫ياسني ونادر‪.‬‬
‫�اعر‪ ،‬ولون جلده الشبيه‬
‫ين بوجهه األشبه بروبوت بال مش�‬ ‫تقدم ياس�‬
‫�عره الفضي املنسل على كتفيه وكان يلمع مع ضوء‬ ‫بلون السماء‪ ،‬وش�‬
‫الشمس‪ ،‬وتقدم إىل الساحة‪ ،‬وتاله نادر الواثق من الفوز بسبب قوته‪ ،‬ولكنه‬
‫�اك به سيكون صعبا‬ ‫�ه ًال‪ ،‬فاإلمس�‬
‫خصما س�‬
‫ً‬ ‫ين ليس‬‫كان يعلم أن ياس�‬
‫�بب قدرته على التحول للحالة الغازية‪.‬‬ ‫للغاية بس�‬
‫�لحة واملعدات‪ ،‬بينما اكتفى ياسني مبشاهدته‪،‬‬
‫مجع نادر بعض األس�‬
‫�ا انتهى عاد إىل موقعه ليعلن الصوت عن بدء النزال‪.‬‬
‫وبعدم�‬
‫�ر‪ ،‬واختفت معه كل‬ ‫�واء وكأنه قد تبخ�‬ ‫�ده يف اهل�‬‫أخفى نادر جس�‬
‫�اهدون مما حدث‪ ،‬ولكن‬‫�اهد‪ ،‬فتعجب املش�‬ ‫معداته فلم يعد ُيرى ملن يش�‬
‫إريس شرح هلم قوته ألنه كان يرافقه حتى النهاية‪ ،‬ووضح هلم أن لديه‬
‫متاما‪.‬‬
‫ً‬ ‫القدرة على االختفاء‬
‫ين بال اهتمام وهو يتفقد بعينيه أي إشارة لغرميه‪ ،‬فظه من‬
‫وقف ياس�‬
‫العدم سكني طارت حنوه يف سرعة رهيبة من ناحية اليمني‪ ،‬فاستخدم ياسني‬
‫قوته على التحكم بعنصر اهلواء‪ ،‬مما جعل السكني متر منه كأنه شفاف‪.‬‬
‫ظهرت العديد من السكاكني يف اهلواء من العدم‪ ،‬ولكن ياسني اكتفى‬
‫�تخدام قوته ليتجبنها ويتصدى هلا‪ ،‬ومن ثم رفع يده ناحية إحدى‬ ‫باس�‬

‫‪125‬‬
‫�كاكني الطائرة حنوه‪ ،‬لتندفع من يديه موجة هواء شديدة متكنت‬ ‫الس�‬
‫من إصابة نادر فجعلته يطري يف اهلواء ويصطدم بإحدى األشجار‪ .‬ظهر‬
‫�د نادر للعيان بعد االصطدام الكبري‪ ،‬فوقف وهو يتحامل على نفسه‬
‫جس�‬
‫وجسده يؤمله بشدة من أثر الصدمة‪ ،‬فقال بغضب عارم‪:‬‬
‫– –إذ ًا فلن تنفع معك األساليب البسيطة؟! سأجعلك تندم على هذا!‬
‫�جار خمتبئ ًا وراءها‪ ،‬وبدأ يلتف‬
‫اختفى نادر مرة أخرى ودلف بني األش�‬
‫مستخدما أسلحته الثقيلة هذه املرة‪ ،‬فشرع يف إطالق النار‬
‫ً‬ ‫�جار‬‫بني األش�‬
‫على ياسني من بني األشجار‪ ،‬ولكن ياسني كان يتجنبها ثم يرسل موجة‬
‫�جار فتقطعها نصفني من قوة الرياح املرسلة‬ ‫�ديدة ناحية األش�‬‫هواء ش�‬
‫�يف‪ ،‬ولكن مل يبد أنها كانت تصيب نادر؛ ألنه كان يعاود‬ ‫احلادة كالس�‬
‫إطالق النار من اجتاه آخر‪.‬‬
‫ين قد قتله أو أن‬
‫�ف إطالق النار‪ ،‬فتوقع البعض أن ياس�‬‫فجأة توق�‬
‫طلقاته انتهت‪.‬‬
‫منتظرا أي حركة من خصمه لريد‬ ‫ً‬ ‫�حوذ احلواس‬ ‫ين مش�‬‫وقف ياس�‬
‫�ه لتسقطه ً‬
‫ارضا‪ ،‬فشعر‬ ‫عليها‪ ،‬ولكنه تفاجأ بلكمة توجهت بقوة إىل رأس�‬
‫�يء يدور من حوله بال توقف من أثر الصدمة‪ .‬ظهر نادر وهو‬ ‫بأن كل ش�‬
‫�ه مصو ًبا إياه ناحية رأس ياسني قائ ًال حبزم وفتور‪:‬‬
‫ميسك مبسدس�‬
‫– –استسلم وإال سأفجر رأسك‪.‬‬
‫بعيدا‬
‫�ديدة من جسد ياسني جعلت نادر يندفع ً‬ ‫فجأة اندفعت رياح ش�‬
‫ويسقط على األرض بقوة‪ ،‬فوقف بسرعة وهو يشعر بأمل مربح يف جسده‪،‬‬
‫جمددا وفكر يف‬
‫ً‬ ‫جمددا‪ ،‬فاختفى نادر‬
‫ً‬ ‫ين وقد وثب على قدميه‬ ‫ليجد ياس�‬
‫كيفية الـنَّيل من ياسني‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫جمددا‪ ،‬ولكن لكماته‬
‫ً‬ ‫�ه‬‫ين يف حماولة إلصابت�‬ ‫انطلق نادر ناحية ياس�‬
‫�د ياسني‪ ،‬بينما وقف ياسني مشتت ًا ال يعلم من أين‬ ‫كانت تعرب من جس�‬
‫تأتيه الضربات واللكمات‪ ،‬ولكنه كان يستخدم قوته لتمر بدون أن متسه‬
‫�تمر نادر يف الركل واللكم بال هوادة‪ ،‬وهو ال يشعر بأنه‬ ‫بسوء‪ ،‬بينما اس�‬
‫يقوم بأي تقدم على اإلطالق‪ ،‬وفجأة أطلق ياسني دفعة من الرياح بيده يف‬
‫�تنتج على الفور أنه‬ ‫االجتاه اخلاطئ فلكمه نادر ومتكن من إصابته‪ ،‬فاس�‬
‫�تطيع اهلجوم عندما يتحول إىل احلالة الغازية‪ ،‬وليهاجم جيب أن‬ ‫ال يس�‬
‫جمددا فأكمل هجومه على نفس املنوال‪ ،‬ولكن‬ ‫ً‬ ‫يتحول إىل احلالة املادية‬
‫�لحة‪ ،‬فاستخدم‬ ‫ين تراجع إىل اخللف حتى وقف أمام صناديق األس�‬ ‫ياس�‬
‫اهلواء لريفع أكثر من عشرين سيف ًا وسكين ًا يف اهلواء‪ ،‬فشعر نادر باهللع‬
‫ين يلقي بالسيوف والسكاكني‬ ‫بعيدا عنه‪ ،‬فأخذ ياس�‬
‫�رعة ً‬ ‫وركض بس�‬
‫�كل عشوائي يف أحناء احللبة على أمل أن يصيب هدفه‪ ،‬وكاد نادر أن‬ ‫بش�‬
‫يصاب عدة مرات لوال أن تفاداها بصعوبة‪ .‬وقف وهو يلهث وجسده يرتعد‬
‫ومل يصدق أنه جنا من هجوم كهذا‪.‬‬
‫اقرتب ياسني من جدول املاء القريب من صناديق األسلحة‪ ،‬ووضع يده‬
‫�وب املاء يف‬
‫بالقرب من املاء فبدأ املاء يتذبذب ويتموج‪ ،‬وفجأة ارتفع منس�‬
‫ين‪ ،‬بينما شعر بأن جسده يكاد يتمزق من ثقل‬ ‫اهلواء من فوق رأس ياس�‬
‫�احة ليغرقها‪ ،‬فانطلق املاء يندفع ليغطي‬
‫�رعة حنو الس�‬ ‫املاء‪ ،‬فوجهه بس�‬
‫�ض ناحية الغابة‪ ،‬ولكن املاء‬
‫�احة كلها‪ ،‬فتفاجأ نادر من هذا ورك�‬ ‫الس�‬
‫�رع منه فاصطدم جبسده‪ .‬ورأى أن منسوب املاء كان قليال ومل‬ ‫كان أس�‬
‫�ل إىل ركبتيه‪ ،‬فضحك نادر بداخله من‬ ‫�ر فيه إطالق ًا‪ ،‬فبالكاد وص�‬
‫يؤث�‬
‫هذا اهلجوم السخيف الذي ال فائدة منه‪.‬‬
‫تعجب من يشاهد مما حدث‪ ،‬فقالت جني لنور حبرية‪:‬‬
‫– –مل أعلم أنه يستطيع التحكم باملاء ً‬
‫أيضا!‬

‫‪127‬‬
‫– –وال أنا ‪ ..‬يبدو أنه مل يتقن التحكم باملاء كما أرى ‪ ..‬رمبا استطاع‬
‫�ن أم ال؟! رمبا‬
‫�اح‪ ،‬ال أعلم هل هذا ممك�‬
‫�ل املاء عن طريق الري�‬
‫مح�‬
‫يتحكم ببعض عناصر الطبيعة!‬
‫ين على األرض وهو يلتقط أنفاسه وقد شعر بأن طاقته‬ ‫�قط ياس�‬‫س�‬
‫استنفذت؛ فأسرع نادر حنوه ليطرق على احلديد وهو ساخن ويستغل‬ ‫قد ُ‬
‫هذه الفرصة الساحنة للقضاء عليه‪ ،‬فسمع ياسني صوت أقدام نادر وهي‬
‫تضرب املاء بعنف وتقرتب منه‪ ،‬فعلم أنه قد وقع يف الفخ‪ .‬انتظره ليقرتب‬
‫�رعة‪ ،‬ورأى آثار قدم‬
‫أكثر حتى أصبح صوته قري ًبا‪ ،‬فوثب على قدميه بس�‬
‫�وه‪ ،‬بينما توقف نادر‬
‫�ي تضرب املاء‪ ،‬فحدد موقعه ووجه يده حن�‬ ‫نادر وه�‬
‫�رعة وحاول تغيري اجتاهه‪ ،‬ولكن الرياح ضربت جسده بقوة ليطري يف‬ ‫بس�‬
‫اهلواء ويسقط يف املاء‪.‬‬
‫ين جبسده‪ ،‬بعد أن أصبح جسده أشبه بعاصفة صغرية متر‬ ‫ح ّلق ياس�‬
‫�قوط نادر‪ ،‬وبدا وكأنه يذوب يف اهلواء وحتمله‬ ‫بسرعة‪ ،‬ناحية موقع س�‬
‫�ل‬ ‫الرياح‪ ،‬حتى وصل إىل موقع نادر الذي كان حياول الوقوف واملاء ينس�‬
‫عليه ليظهر جسده الشفاف وحيدد موقعه لكل من يشاهد‪ ،‬فاندفع ياسني‬
‫جمددا‪ ،‬فوقف نادر مرة‬
‫ً‬ ‫�دد لكمة ناحية وجهه فأسقطه ً‬
‫أرضا‬ ‫حوله ثم س�‬
‫جمددا‪،‬‬
‫ً‬ ‫�قط يف املاء‬ ‫�رى ليتلقى صفعة من الرياح جعلته حيلق ويس�‬ ‫أخ�‬
‫فهم‬
‫�ا هو عليه َّ‬ ‫�تمر احلال على م�‬ ‫�يهزم إن اس�‬‫وهكذا أدرك نادر بأنه ُس�‬
‫�ى لكمة أخرى جعلته‬ ‫جمددا ليتلق�‬
‫ً‬ ‫�ده بيديه‬‫بالوقوف وهو حيمي جس�‬
‫�رى ُمملة بالرياح‬ ‫�وات‪ ،‬ثم تلتها لكمة أخ�‬
‫�ع للخلف بضع خط�‬ ‫يرتاج�‬
‫�قطه على األرض‪ .‬وعندما وقف هذه املرة رأى ياسني وهو يرفع يده‬ ‫لتس�‬
‫يف اهلواء‪ ،‬ورأى املاء وهو يتجمع حول جسده ويرتفع وحييط به فعلم ما‬
‫ين أن يفعله‪ ،‬فقال بينه وبني نفسه يف رعب‪:‬‬ ‫ينوي ياس�‬
‫– –إنه يريد خنقي باملاء!‬

‫‪128‬‬
‫�وادة ولكن املاء كان حييط به أكثر فأكثر‬ ‫أخذ يقاوم بقوة وبال ه�‬
‫نفسا عميق ًا ثم كتمه‪،‬‬
‫ليمنعه عن احلركة‪ ،‬حتى ارتفع إىل رأسه‪ ،‬فأخذ نادر ً‬
‫فأغشى املاء جسده بالكامل‪ ،‬فأخذ يستنجد بكل كيانه ويهز جسده بعنف‪،‬‬
‫ولكن غرميه‪ ،‬الذي مل يكن ميلك ذرة من املشاعر‪ ،‬مل يهتم مبا يفعله‪ .‬بدأ‬
‫اهلواء ينفد وكانت رئتاه تستنجدان طل ًبا للهواء‪ ،‬ولكنه كان يف حالة يرثى‬
‫هلا وشعر بأن العامل يظلم من حوله‪ ،‬وعلم بأنها نهايته ‪ ..‬وفجأة ظالم‪.‬‬
‫ين يده وجعل املاء ينسحب من على جسد نادر‪ ،‬الذي سقط‬ ‫أبعد ياس�‬
‫على األرض وهو يسعل بال توقف ليخرج املاء من فمه‪ ،‬فقال ياسني بنربة‬
‫جافة‪:‬‬
‫لدفعك‬
‫ِ‬ ‫– –إن كنت أريد أن أقتلك لفعلت ‪ ..‬لقد هامجتك بالرياح‬
‫فقط وكان ميكنين أن أقطعك إر ًبا‪.‬‬
‫�ة ممتزجة ببعض‬
‫�ة‪ ،‬وقال بنربة متقطع�‬
‫�ادر بصعوبة بالغ�‬
‫تنفس ن�‬
‫السعال‪:‬‬
‫– –أنا ‪ ..‬أستسلم‪.‬‬
‫�دم إيفانوف وكينو للمعركة‬
‫ين‪ ،‬وبتق�‬
‫خرج الصوت ليعلن فوز ياس�‬
‫التالية‪.‬‬
‫�ذا الوحش عديم‬
‫�يواجه ه�‬
‫�عر نور بالتوتر من أجل كينو ألنه س�‬
‫ش�‬
‫�ا أن ينصره اهلل‪.‬‬
‫الرمحة‪ ،‬ودع�‬
‫مل يأخذ أي منهما أي سالح‪ ،‬وقفا فقط يف انتظار وترقب للبدء فخرج‬
‫الصوت ليعلن البداية‪.‬‬
‫�ذي وضع طبقة مسيكة من احلديد‬ ‫انطلق كينو ناحية إيفانوف ال�‬
‫�ام إيفانوف باملثل فاصطدمت‬
‫�ى يديه‪ ،‬فتقدم كينو ليلكمه بينما ق�‬
‫عل�‬

‫‪129‬‬
‫معا لتصدرا صريرا معدن ًيا‪ ،‬فدهش اجلميع بأن يدي كينو مل‬
‫قبضتاهما ً‬
‫تتأذ‪ ،‬فقال نور بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫�ان‬
‫�ايبورج؛ نصف إنس�‬ ‫– –مل أتوق�‬
‫�ع أن كينو قوي للغاية‪ ،‬رمبا ألنه س�‬
‫ونصف روبوت‪ ،‬جس��ده معدني ألنه مت وضع بعض التعديالت عليه‬
‫�ده سيتحمل الوقوف أمام‬
‫كما قال لي وهذا يعين أنه ال يتأمل وجس�‬
‫�د ‪ ..‬رمبا لديه فرصة للفوز‪.‬‬‫هذا الوغ�‬
‫سدد كينو لكمة أخرى‪ ،‬واليت صدها إيفانوف بدوره بسهولة فرتاجع‬
‫�ة‪ ،‬ولكن إيفانوف مل يرتك له‬
‫�و إىل اخللف ليفكر يف خطوته التالي�‬ ‫كين�‬
‫اجملال هلذا وتقدم حنوه باللكمات املتتالية‪ ،‬وكان كينو يتفادها بسهولة‬
‫�وف التالية قبل أن تتحول إىل‬
‫�اقة ودقة وكأنه يعلم حركة إيفان�‬ ‫ورش�‬
‫�ة إىل ذقن إيفانوف‬
‫�ده‪ ،‬ثم وجه لكمة قوي�‬ ‫فعل‪ ،‬فقام باالخنفاض جبس�‬
‫الذي بدوره تلقاها بكثري من األمل املربح فرتاجع إىل اخللف وقد استشاط‬
‫غض ًبا وكأنه بركانٌ يغلي‪ ،‬فقامت املادة املعدنية السوداء الصلبة بتغطية‬
‫�ه‪ ،‬فانطلق ناحية كينو وقد‬ ‫�ده حتى وجهه وأمخص قدمي�‬ ‫كامل جس�‬
‫�رج عن طوره‪ ،‬فرتاجع كينو حبذر وهو يتفادى لكماته القاتلة‪ ،‬وكان‬ ‫خ�‬
‫�يطرة على نفسه وأصبحت ضرباته أسرع وأقوى‬ ‫يشعر بأنه قد فقد الس�‬
‫بكثري من ذي قبل‪.‬‬
‫قال سايري بال اكرتاث‪:‬‬
‫– –يا إهلي ‪ ..‬لقد أغضبه هذا الفتى ‪ ..‬لن يهدأ حتى يقتله‪.‬‬
‫�عر كل من نور وجني بالقلق والتوتر وأخذا يتابعان املباراة برتقب‬
‫ش�‬
‫وخوف‪.‬‬
‫�وف قدر اإلمكان‪ ،‬ثم رفع‬
‫�ع كينو إىل اخللف ليبتعد عن إيفان�‬
‫تراج�‬
‫مدفع‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ذراعيه يف اهلواء ناحيته لتتشكل وتتغري راحة يده حتى حتولت إىل‬

‫‪130‬‬
‫�قط على‬
‫بعيدا فس�‬
‫�ق قذيفة مدوية اصطدمت بإيفانوف لتدفعه ً‬ ‫فأطل�‬
‫�ده احلديدي محاه فلم ُي َصب بأي خدش‪.‬‬
‫األرض بقوة‪ ،‬ولكن جس�‬
‫شعر كينو أن عليه أن يتصرف بسرعة وإال فإنه لن خيسر النزال فقط‬
‫كوحش كاسر فقد السيطرة على‬‫ٍ‬ ‫أيضا‪ .‬وقف إيفانوف وصرخ‬
‫بل حياته ً‬
‫نفسه وفقد وعيه‪ ،‬فانطلق ناحية كينو بال هوادة ليظفر منه‪.‬‬
‫�ه ُ‬
‫اململتني جبهاز دفع‬ ‫�ه إىل أعلى عن طريق قدمي�‬ ‫دفع كينو نفس�‬
‫حراري للقفز عال ًيا‪ ،‬فارتفع يف اهلواء فوق إيفانوف الذي التف ونظر إىل‬
‫�ماء ليجد قذيفة أخرى تهبط عليه من أعلى فأسقطته ً‬
‫أرضا ولكنه‬ ‫الس�‬
‫جمددا‪.‬‬
‫ً‬ ‫مل يتأثر‬
‫هبط كينو على األرض وش��عر باليأس الخرتاق هذا الدرع الصلب‪،‬‬
‫ولكنه استمر يف حماوالته اليائسة من أجل النيل من خصمه اهلائج الذي‬
‫فقد عقله‪.‬‬
‫�رة فوجه لكمة إىل خده‬
‫�و ناحيته وقرر مواجهته مباش�‬ ‫انطلق كين�‬
‫�دد أخرى إىل خده األيسر وركله يف قدمه‬
‫األمين‪ ،‬ثم تفادى ضربته‪ ،‬وس�‬
‫أيضا!‬ ‫�قطه ً‬
‫أرضا‪ ،‬ولكنه مل يتأثر ً‬ ‫بقوة ليس�‬
‫لا توقف كينو الذي أصبح يف وضعية‬ ‫ثار إيفانوف أكثر وهاجم ب�‬
‫الدفاع وهو يرتاجع إىل اخللف بينما يتجنب ضرباته ويتفاداها‪ ،‬وعلى حني‬
‫�كه فأحاطه بيديه وبدأ يضغط على جسده‬ ‫غرة قفز إيفانوف عليه ليمس�‬
‫بقوة ليسحقه بني ذراعيه‪ ،‬فصرخ كينو من األمل ألن أعضاءه الداخلية‪ ،‬اليت‬
‫�ان ًا‪ ،‬كانت تنسحق ببطء شديد‪ ،‬بينما جسده املعدني‬ ‫كانت جتعله إنس�‬
‫�حق يف يد هذا الوحش‪.‬‬ ‫اخلارجي كان يعطيه بعض الوقت قبل أن ينس�‬
‫جمددا‬
‫ً‬ ‫�و إىل األعلى وأصبح معصمه كاملدفع‬
‫ارتفعت راحة يد كين�‬
‫ولكنه خرج جبانبه بعض اإلضافات‪ ،‬فصوبه ناحية رأس إيفانوف لتخرج‬

‫‪131‬‬
‫نريان حارقة منه وتنهمر على رأس إيفانوف‪ ،‬الذي بدأ يشعر باملادة الصلبة‬
‫على جسده وهي متتص احلرارة بقوة‪ ،‬فأحس وكأن دماغه يغلي‪ ،‬فصرخ‬
‫بعيدا‪.‬‬
‫وهو يقذف بكينو ً‬
‫شاعرا بأنه لو تأخر ثانية أخرى لكان جسده‬
‫ً‬ ‫سقط كينو على األرض‬
‫انسحق‪.‬‬
‫�ديد يف معدته وظهره‪،‬‬ ‫وقف على قدميه مرتحنً ا وهو يش�‬
‫�عر بأمل ش�‬
‫�وف‪ ..‬إنها احلرارة‪.‬‬
‫�ى األقل علم بنقطة ضعف إيفان�‬ ‫ولكنه عل�‬
‫انفتحت فتحتان صغريتان دائريتان يف راحيت يد كينو وصوبهما حنو‬
‫بر وهو يغلي كالربكان‬ ‫�ة أك�‬ ‫إيفانوف الذي بدأ يندفع حنوه بشراس�‬
‫�ده‪،‬‬
‫�ر‪ ،‬فأطلق كينو عليه النريان احلارقة ليذيب املعدن على جس�‬ ‫الثائ�‬
‫�بب‬‫�رعته بس�‬‫فصدها إيفانوف بيده بينما يقرتب من كينو وقد قلت س�‬
‫�ددا‪ ،‬ثم يذوب ويعززه‬
‫�دأ املعدن يذوب فعززه إيفانوف جم� ً‬‫تأثري النار‪ .‬ب�‬
‫�ذي أوقف نريانه واخنفض من‬ ‫�ددا وهكذا حتى اقرتب من كينو ال�‬
‫جم� ً‬
‫�ى ظهره‪ ،‬فصرخ‬ ‫�د عنه ويطلق النريان عل�‬ ‫�ت ذراعي إيفانوف ليبتع�‬‫حت�‬
‫�ديدة وهو يركض ناحية كينو‪ ،‬فاقرتب‬ ‫إيفانوف ولوح بيده بعصبية ش�‬
‫من كينو وهو يتحمل نريانه‪ ،‬وبدأ مبحاولة لكمه‪ ،‬فتفادى كينو لكماته‬
‫الواحدة تلو األخرى برشاقة وهو يرشقه بالنريان يف كل أحناء جسده يف‬
‫�دا وكأنه يصارع ثورا بعباءة محراء‪.‬‬
‫نفس الوقت‪ ،‬فب�‬
‫�ديد وكان جسده ال يتحمل كل‬ ‫�عر باإلرهاق الش�‬
‫بدأ إيفانوف يش�‬
‫هذا الضغط الذي يتلقاه‪ ،‬فغري من تقنيته يف القتال‪ ،‬واخنفض لريكل‬
‫�ده ليحطمه‪،‬‬ ‫�قطه ً‬
‫أرضا‪ ،‬ثم قفز ليهبط فوق جس�‬ ‫كينو يف قدمه فأس�‬
‫ولكن كينو تدحرج وتفادى ضربته لريى األرض وقد تهشمت حتت أقدام‬
‫�عر بالتعب هو اآلخر وأصبحت أجهزته‬
‫�رعة وقد ش�‬ ‫إيفانوف فوقف بس�‬
‫�تمر عليها‪.‬‬
‫العضوية متعبة من اإلرهاق املس�‬
‫‪132‬‬
‫�تطيع تفادي ضرباته‬ ‫�و‪ ،‬الذي مل يعد يس�‬ ‫�ذ إيفانوف يلكم كين�‬ ‫أخ�‬
‫�هولة‪ ،‬بينما بادره كينو بإحراق املادة املعدنية على جسده بنريانه بال‬
‫بس�‬
‫�ول كينو يده من وضعية‬ ‫�د إيفانوف‪ ،‬فح� َّ‬ ‫توقف‪ ،‬فظهرت ثغرة يف جس�‬
‫اللهب إىل وضعية القذائف فأصابت إيفانوف‪ ،‬ولكن قبل أن تصيبه متكن‬
‫�قطا‬ ‫إيفانوف من لكمه بقوة يف وجهه ليندفعا عال ًيا يف نفس الوقت ويس�‬
‫على األرض بدون حركة واحدة‪.‬‬
‫وقف بعض املتسابقني ينظرون بدهشة وهلع إىل هذا النزال الوحشي‪،‬‬
‫�عر نور بالقلق على كينو الذي مل يتحرك حتى اآلن‪ ،‬فسمع سايري‬ ‫وش�‬
‫يقول بسخرية‪:‬‬
‫�دو أن هذا الفتى‬
‫�قاط هذا الضخم ‪ ..‬يب�‬ ‫– –هناك من متكن من إس�‬
‫اآللي أقوى مما يبدو علي��ه ‪ ..‬هذا مثري حقا‪.‬‬
‫�وز بهذا النزال‪ ،‬ولكنه مل‬
‫�ت جني كينو وحفزته كي ينهض ويف�‬
‫ح َّي�‬
‫يسمعها ‪.‬‬
‫أعلن الصوت بعد دقائق من الصمت أن املباراة انتهت بالتعادل!‬
‫�اراة بالتعادل يف هذا املكان‪ ،‬ومل يفهم‬
‫كان من الغريب أن تنتهي مب�‬
‫يرد الصوت أن خيربهم كي ال‬ ‫�ن يتعادل؟ رمبا مل ِ‬
‫اجلميع ماذا حيدث مل�‬
‫يستغلوا األمر لصاحلهم‪.‬‬
‫�س ويوري؛ فتقدما‬ ‫�اراة التالية بني إري�‬
‫�ن الصوت عن بداية املب�‬
‫أعل�‬
‫�ابقني إلخراج املصابني‬
‫�ف ونور وبقية املتس�‬ ‫إىل احللبة بينما ذهب يوس�‬
‫وعالجهم‪.‬‬
‫***‬

‫‪133‬‬
‫‪10‬‬

‫مل يكن يوري يعرف شيئا عن قدرة إريس ونفس الشيء كان مع إريس‪،‬‬
‫�لحة من الصناديق اليت كانت تتبدل‬‫فذهبا للحصول على بعض األس�‬
‫�لحة‬
‫بعد كل مباراة‪ .‬فالحظ إريس أن يوري حصل على الكثري من األس�‬
‫اليت سيكون من الصعب عليه محلها واستخدامها‪.‬‬
‫�كاكني‬
‫�اد إريس إىل مكانه بينما أخذ يوري يرتنح وهو حيمل الس�‬
‫ع�‬
‫واملسدسات الثقيلة حتى وصل إىل مكانه وهو يلهث‪ ،‬ثم تركهم ليسقطوا‬
‫على األرض‪.‬‬
‫خرج الصوت ليعطيهم إشارة البدء‪.‬‬
‫�عر‬
‫معا وبدا عليه الرتكيز‪ ،‬فش�‬
‫قام يوري بإغماض عينيه وضم يديه ً‬
‫�يء فرتاجع إىل اخللف‪ ،‬فوجد جسد يوري ينقسم‬‫إريس بأنه خيطط لش�‬
‫�ختني ثم إىل أربع ثم توقف‪ ..‬قال يوري األصلي‪:‬‬
‫إىل نس�‬
‫�خ‪ ،‬وكل نسخة هلا وعيها اخلاص‪،‬‬ ‫– –أس�‬
‫�تطيع أن أنقسم إىل عدة نس�‬
‫�يكون َجم تركيزهم على الفوز بهذا النزال‪.‬‬‫وس�‬
‫رد إريس عليه مبكر ودهاء‪:‬‬
‫– –إن قتلت أحدهم فهل تتأمل أو تشعر بفقدانه؟‬

‫‪134‬‬
‫– –ال لن أش�‬
‫�عر بشيء ‪ ..‬فكما قلت لك‪ ،‬إنه كيان مستقل عين ولكنه‬
‫بعيدا‬
‫�ج على ما أمرته به وهو القضاء عليك‪ ،‬ولكن إن اختفى ً‬
‫مربم�‬
‫ومات فأنا لن أعرف ما حدث له وهذا شيء يزعجين‪.‬‬
‫مبكر قائ ًال‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ابتسم إريس‬
‫– –هذا ما كنت أريد أن أمسعه ‪ ..‬واآلن فلنبدأ‪.‬‬
‫�جار خلفه فأخذت النسخ األسلحة من على‬ ‫ّ‬
‫وىل إريس هار ًبا إىل األش�‬
‫�رب قبل أن تصيبه وتوارى بني‬
‫�دأت تطلق النار عليه‪ ،‬ولكنه ه�‬ ‫األرض وب�‬
‫�جار‪ .‬أمرهم يوري األصلي بأن يلحقوا به فانطلقت النسخ الثالث‬ ‫األش�‬
‫�ق طريقها بني األشجار حبث ًا عن إريس‪ ،‬وفى هذه األثناء كان إريس‬ ‫تش�‬
‫�جرة وقد تغري لونه ليصبح مثلها وكأنه جزء ال يتجزأ‬ ‫�تند على ش�‬ ‫يس�‬
‫منها‪ ،‬فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫– –قدرتي على التمويه وتغيري لون جس��دي ستجعلين أفوز بسهولة يف‬
‫�خ للحصول على شكله‬ ‫هذا النزال‪ ،‬ولكن أحتاج إىل رؤية إحدى النس�‬
‫وهنا ستبدأ خطيت‪.‬‬
‫�م أن فرصته قد‬ ‫�خ وهي تقرتب‪ ،‬فعل�‬
‫�ع إريس صوت إحدى النس�‬ ‫مس�‬
‫�تعد للرتبص بها‪ ،‬ومبجرد أن‬‫�كينه بهدوء وتريث‪ ،‬واس�‬
‫حانت‪ ،‬فأخرج س�‬
‫�جرة انقض إريس عليها ليطعنها يف رقبتها‬ ‫�خة جبانب الش�‬
‫عربت النس�‬
‫ليواريها خلف الش��جرة حتى ال يراها أحد‪.‬‬
‫قام إريس بنسخ شكل اجلثة بعينيه فتغري شكله إىل شكل يوري‪ ،‬فخرج‬
‫�جار وبدأ يسري بثقة وهدوء وكأنه نسخة طبقة األصل‪ ،‬ثم‬
‫من بني األش�‬
‫شرع يف البحث عن النسختني الباقيتني وسط األشجار‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫�خ وهي متشي حبذر وتصوب مسدسها يف كل اجتاه‬ ‫رأى إحدى النس�‬
‫�ف أمره‪،‬‬
‫ترب منها إريس وهو خائف من أن ُيكش�‬ ‫حبث� ًا عن اهلدف‪ ،‬فاق�‬
‫�خة إليه وقالت له‪:‬‬
‫فنظرت النس�‬
‫– –هل وجدت شيئا؟!‬
‫�ه بالنفي‪ ،‬ثم اقرتب من النسخة وطعنها بقوة يف رقبتها‬
‫فأشار برأس�‬
‫حتى سقطت على األرض‪ ،‬فحملها حبذر وأخفاها وسط بعض احلشائش‪.‬‬
‫أكمل سريه وأذناه مشحوذتان ألقل حركة تصدر‪.‬‬
‫كانت األشجار تغطي السماء ولكن أشعة الشمس كانت تنسل بينها‬
‫�جار‬‫لتجعل الرؤية واضحة‪ ،‬بينما كان اهلواء العليل يداعب أوراق األش�‬
‫�وت الطيور واحليوانات اليت‬
‫تي كانت ترتاقص يف تناغم واحد مع ص�‬ ‫ال�‬
‫تعيش بني األشجار‪.‬‬
‫�خة األخرية وهي تعبث بني‬ ‫ير مسع إريس النس�‬ ‫بعد دقيقة من الس�‬
‫األشجار واحلشائش‪ ،‬فاختبأ خلف إحدى األشجار وقد حدد أنها ستعرب من‬
‫أمامه اآلن‪ ،‬وبالفعل عربت من أمامه فقتلها‪ .‬فكر بأنه اآلن جيب أن خيدع‬
‫�احة‪.‬‬
‫يوري احلقيقي وينقض عليه بدون أن يدري‪ ،‬فقرر اخلروج إىل الس�‬
‫عرب إريس األشجار ليخرج إىل الساحة فأصابته الدهشة والقلق مما رآه‪.‬‬
‫�خ أخرى من يوري‪ ،‬فحاول أن يتمالك أعصابه ويكمل‬ ‫رأى عشر نس�‬
‫يره بهدوء ناحية يوري‪ .‬قال وهو حياول تصنع الربود مثل النسخ‪:‬‬
‫س�‬
‫– –مل أجد ش�‬
‫�يئا بني األشجار‪ ،‬واختفى كل من دخل معي ‪ ..‬ال بد أنه‬
‫ُقضي عليهم‪.‬‬
‫قال يوري األصلي بغيظ‪:‬‬

‫‪136‬‬
‫�تطيعون أن جيدوا رج ًال واح ً�‬
‫�دا؟! ما الذي حيدث هنا؟‬ ‫– –ثالثة ال يس�‬
‫مجيعا اآلن للقضاء عليه‪.‬‬
‫ً‬ ‫�نذهب‬ ‫س�‬
‫�ا يف اخللف‪ ،‬فعلم‬ ‫�خ إىل األمام ويوري األصلي يتبعه�‬
‫توجهت النس�‬
‫�بقهم إىل الغابة يف‬
‫�س بأنه جيب أن يفكر يف خطة أخرى‪ ،‬فالتف وس�‬ ‫إري�‬
‫هدوء وتريث‪ ،‬ومبجرد أن اختفى بني األشجار‪ ،‬اختبأ وراء إحدى األشجار‬
‫�يفعله للقضاء عليه! فلمعت يف رأسه‬ ‫القريبة من الساحة وفكر فيما س�‬
‫فكرة قد تكون فعالة‪.‬‬
‫�وري األصلي‪ ،‬فانتظر إريس‬
‫�خ يف صف واحد يتبعها ي�‬ ‫تقدمت النس�‬
‫�ه مل يعرف أين هو يوري األصلي‪،‬‬
‫�ى عربوا ثم خرج من ورائهم‪ ،‬ولكن�‬
‫حت�‬
‫فقد كان يف املؤخرة يسري ثالثة على نهج واحد فعلم إريس بأن يوري لن‬
‫يكون لقمة سائغة‪.‬‬
‫�ق طلقة على رأس‬
‫�ه وأطل�‬ ‫اقرتب إريس منهم ببطء ثم رفع مسدس�‬
‫�ى األرض ثم صرخ قائ ًال وهو يصوب س�‬
‫لاحه بني‬ ‫�قط عل�‬
‫أحدهم ليس�‬
‫االشجار‪:‬‬
‫– –إنه بني األشجار ‪ ..‬احرتسوا!‬
‫صوب اجلميع أسلحتهم يف كل اجتاه يف هلع‪ ،‬فقال أحدهم‪:‬‬
‫– –أين هو؟‬
‫فرد إريس مستغال املوقف لصاحله‪:‬‬
‫– –ال أعلم‪ ،‬أطلقوا النار يف كل مكان رمبا ننال منه‪.‬‬
‫�خ تطلق النار يف كل مكان وقد أصابها التشتت والذعر‪،‬‬
‫بدأت النس�‬
‫�د تلو اآلخر‪،‬‬
‫�م حبذر ليقتلهم الواح�‬
‫�تغل إريس هذا وصوب عليه�‬‫فاس�‬
‫�جار‪.‬‬
‫�خ أن العدو يصطادهم من بني األش�‬‫فاعتقدت النس�‬

‫‪137‬‬
‫سار إريس وسط النسخ واستغل عدم تركيزهم ثم صوب على أحدهم‬
‫حبذر فقتله‪ ،‬فزاد الذعر وزاد إطالق النار‪ ،‬فاقرتب إريس من ثالثة جبانب‬
‫بعضهم البعض وألصق يف أحدهم قنبلة ملتصقة‪ ،‬ثم ابتعد ببطء وضغط‬
‫لاء‪ ،‬فازداد الرعب وبدأوا بالرتاجع بني‬
‫على زر التفجري ليتحولوا إىل أش�‬
‫األشجار ومسع إريس صوت يوري احلقيقي يقول‪:‬‬
‫– –امحوني أيها احلمقى!!‬
‫ولكنه مل حيدد مكانه وسط هذه اجللبة‪ ،‬فأكمل إريس اصطيادهم عن‬
‫�ت له الفرصة‪ ،‬حتى قل العدد إىل أربعة مبن فيهم هو‪.‬‬
‫قرب كلما أتيح�‬
‫قال يوري األصلي بلهجة مذعورة والعرق يتصبب منه‪:‬‬
‫– –جيب أن خترجوني من هنا حا ًال‪.‬‬
‫�س الذي حدد مكان خصمه‬
‫�امة خبيثة على وجه إري�‬
‫فالتمعت ابتس�‬
‫ري ا‪.‬‬
‫أخ ً‬
‫قال إريس بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫– –واآلن كيف أقضي عليه بدون أن يتم قتلي؟‬
‫اقرتب إريس ببطء جبانب النسختني‪ ،‬ورفع مسدسه بسرعة ليصيبهم‬
‫�ا مصو ًبا إىل رأسه‪ ،‬فقال له إريس‬
‫مسدس�‬
‫ً‬ ‫�هم‪ ،‬فالتف يوري ليجد‬
‫يف رأس�‬
‫وبدت عليه اجلدية الشديدة فيما يقوله‪:‬‬
‫– –استسلم أو سأقتلك اآلن‪.‬‬
‫صدم يوري عندما وجد أن نسخه منه تريد قتله‪ ،‬ولكن سرعان ما علم‬
‫أنه إريس‪ ،‬فعض على أسنانه وقال بغيظ شديد‪:‬‬
‫– –حسنا ‪ ..‬أستسلم ‪ ..‬كيف فعلت هذا؟‬

‫‪138‬‬
‫روى له إريس ما فعله‪ ،‬ثم مسع الصوت وهو ينهي النزال بفوزه ليعلن‬
‫املباراة القادمة بني جني وفرانسيس‪.‬‬
‫شعرت جني بأن قلبها ينقبض بقوة‪ ،‬وقد ازداد توترها؛ فمازحها نور قائ ًال‪:‬‬
‫�تعملي عقلك وقدرتك ‪..‬‬ ‫– –ال ختايف‪ ،‬س�‬
‫�وف تفوزين ضده ‪ ..‬اس�‬
‫يرة يف الفوز أمامه‪.‬‬
‫لديك فرصة كب�‬
‫ِ‬ ‫�ا أراه أن‬
‫فمم�‬
‫ش��جعها كالم نور قلي ًال ولكن اخلوف بداخلها كان أقوى‪ ،‬فأخذت‬
‫عميق لتهدئ من روعها قلي ًال‪ ،‬ولكن ها هي أمام الفتى ذي السرعة‬
‫ٍ‬ ‫نفسا‬
‫ً‬
‫�رعة سيقضي عليها بسهولة وفى وقت قياسي‪.‬‬ ‫الكبرية‪ ،‬إن مل تتصرف بس�‬
‫لامل إىل احللبة ورأت أن فرانسيس كان يقف هناك‬
‫هبطت جني الس�‬
‫�يء فأسرعت من خطاها وتقدمت ألخذ بعض‬ ‫بالفعل وقد جهز كل ش�‬
‫األسلحة اليت قد تنفعها‪.‬‬
‫�يس وعلى وجهه مالمح‬‫بعد أن انتهت وعادت إىل مكانها‪ ،‬رأت فرانس�‬
‫�خرية‪ ،‬فقال هلا بنربة مشبعة باالستهزاء والسخرية‪:‬‬
‫الس�‬
‫– –لن أتساهل معك ألنك فتاة ‪ ..‬استسلمي اآلن ولن ّ‬
‫أمسك بسوء‪،‬‬
‫ولكن إن أردت اإلكمال فيجب أن تتحملي العواقب‪.‬‬
‫�ال النزال‪،‬‬ ‫ين ومل ُتبه وبدا عليه�‬
‫�ا اإلصرار على إكم�‬ ‫صمتت ج�‬
‫فاستطرد قائ ًال‪:‬‬
‫– –إذ ًا هذا اختيارك؟! فلتتحملي العواقب إذ ًا فأنا لن أتساهل معك‪.‬‬
‫أعلن الصوت بدء النزال‪.‬‬
‫ين وأوقفت الزمن‪،‬‬
‫�ا يف اهلواء وهي مغمضة العين�‬
‫ضمت جني يديه�‬
‫�عا من اخلوف فقد رأت فرانسيس وهو يقف أمامها‬
‫ففتحت عينيها لتتس�‬

‫‪139‬‬
‫�ع توقف الزمن‪،‬‬‫�ا‪ ،‬ولكنه جتمد م�‬ ‫�رة يف وضعية اهلجوم ليلكمه�‬
‫مباش�‬
‫�تمكنه من إنهاء النزال يف ثانية‪.‬‬
‫�رعته الشديدة كانت س�‬ ‫فس�‬
‫ثوان‬
‫�رف أن أمامه مخس ٍ‬ ‫�رعت جني ومتالكت أعصابها ألنها تع�‬ ‫أس�‬
‫�ده‪ ،‬ثم أخرجت قاذف‬
‫�ط‪ ،‬فقامت بإطالق طلقتني خمدرتني يف جس�‬ ‫فق�‬
‫�باك الذي حصلت عليه منذ قليل‪ ،‬وألقت بشبكة على جسده لتغلف‬ ‫الش�‬
‫جمددا‪.‬‬
‫ً‬ ‫جسده بالكامل‪ ،‬وقفزت إىل اليمني بس��رعة ليعود الزمن‬
‫مبجرد أن عاد الزمن وجد فرانسيس نفسه ُيلق وهو مقيد ليتدحرج‬
‫على األرض بقوة وسرعة رهيبة بال توقف حتى اصطدم بإحدى األشجار‬
‫�عر أن عظام جسده قد تكسرت‪ ،‬بينما اندفعت الدماء من فمه‪.‬‬ ‫بقوة ليش�‬
‫�اكنًا وهو يشعر أن جسده يقتله من شدة األمل‪ ،‬ومل‬
‫جلس على األرض س�‬
‫�در ما الذي حدث! لقد كانت أمامه وكاد يظفر بها ولكن فجأة تبدل‬ ‫ي�‬
‫كل شيء‪ ،‬شعر بالندم ألنه تسرع وهاجم بسرعة‪.‬‬
‫بدأ وعيه ينسحب منه حتى أغشي عليه متاما‪.‬‬
‫�وف وقلق‪ ،‬فوضعت يدها على فمها‬
‫وقفت جني حتملق يف ذهول وخ�‬
‫قائلة‪:‬‬
‫– –مل أقصد هذا ‪ ..‬أنا مل أقصد هذا‪.‬‬
‫خرج الصوت ليعلن أن فرانسيس قد تويف‪ ،‬وأن الفائزة هي جني‪.‬‬
‫�ي تنظر إىل‬‫�ت بالبكاء بقوة وه�‬‫�ى ركبتيها وأجهش�‬ ‫خرت جني عل�‬
‫�ده بقوة يف الشجرة ودماؤه تناثرت يف كل‬‫فرانسيس الذي انسحق جس�‬
‫�ه يلعنها إىل األبد‪.‬‬
‫�كان‪ ،‬وكان ينظر هلا بعينني ميتتني كأن�‬
‫م�‬
‫ركض نور وأكريا ناحية جني وتبعهما كينو ويوسف وتوجهوا ناحية‬
‫فرانسيس ليسعفوه‪ ،‬ولكن األوان كان قد فات ووافته املنية‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫�اول نور وأكريا تهدئة‬
‫�ت جني يف صدمة كبرية مما فعلته‪ ،‬فح�‬ ‫ظل�‬
‫�ديد‪.‬‬‫�تريية من البكاء والندم الش�‬
‫روعها ولكنها كانت يف حالة هيس�‬
‫�ف بال اكرتاث مبا‬
‫أعلن الصوت بدء املباراة التالية بني أكريا ويوس�‬
‫حدث‪ ،‬فصعدت جني إىل املدرجات وهي تطلب من فرانسيس أن يساحمها‪،‬‬
‫�ا باقي َمن يف احللبة وهم ال يعرفون ماذا يفعلون لتهدئتها‪.‬‬
‫وتبعه�‬
‫�تعدا للدخول يف أية‬
‫�ا ومل يكن مس� ً‬
‫يرا يف حالة يرثى هل�‬
‫كان أك�‬
‫�ه ال حل آخر‪.‬‬
‫�ة‪ ،‬ولكنه علم أن�‬
‫معرك�‬
‫�ايري الذي تعجب من سبب قدومه إليه‪ ،‬فقال له‬
‫ذهب يوسف إىل س�‬
‫يوسف وهو يضع يده على كتفيه‪:‬‬
‫– –هل صديقك خبري اآلن؟‬
‫�يء غريب داخله وكأن طاقته ُتسحب‪ ،‬فابتعد عن‬ ‫�عر سايري بش�‬‫ش�‬
‫�ف وهو ينظر إليه بنظرات حادة قائ ًال‪:‬‬
‫يوس�‬
‫– –ما الذي فعلته اآلن؟‬
‫توتر يوسف وحاول إخفاء ارتباكه قائ ًال‪:‬‬
‫– –مل أفعل شيئا ‪ ..‬ما الذي حدث؟!‬
‫نظر له سايري بنظرات عدائية لبضع حلظات ثم التف وابتعد عنه‪.‬‬
‫علم يوسف أن خطته جرت كما أراد‪ ،‬فهو اآلن ميلك قوة فرانسيس‬
‫�ه‪ ،‬ومبا أنه تويف فهذا جعل‬
‫�حبها وهو حياول معاجلت�‬ ‫الذي تويف فقد س�‬
‫�ف يسحبها له إىل األبد إن أراد‪ ،‬ومع قوة سايري اليت ستدوم خلمس‬‫يوس�‬
‫�هولة رغم عدم معرفته‬ ‫�يجعله يفوز بهذا النزال بس�‬ ‫دقائق‪ ،‬فإن هذا س�‬
‫�يس‪،‬‬‫بقوة أكريا‪ .‬كان خوفه الوحيد هو أن حيدث له ما حدث لفرانس�‬

‫‪141‬‬
‫وكان حظ فرانسيس سيئ ًا ألنه مل يكن معهم عند اجلسر ِ‬
‫والبكة ليعلم‬
‫ريا وهذا ما أدى إىل هالكه‪.‬‬
‫�ه كث ً‬
‫حقيقة قوة جني‪ ،‬لقد اغرت بنفس�‬
‫�كاكني‬
‫�ب للحصول على بعض الس�‬
‫�ف إىل احللبة‪ ،‬وذه�‬
‫دلف يوس�‬
‫�باك واألسلحة‪،‬‬
‫والش�‬
‫وبعد أن انتهى هو وأكريا من محل ما حيتاجان‪ ،‬وقفا لبدء املباراة‪.‬‬
‫أعلن الصوت عن بدء املباراة‪.‬‬
‫فجأة اختفى املتسابقون يف اهلواء وبدأوا بالظهور بالقرب من بعضهم‬
‫�تت أذهان املشاهدين ومل يفهموا‬
‫البعض ثم االختفاء مرة أخرى‪ ،‬مما ش�‬
‫ما حيدث‪.‬‬
‫�ف‬
‫�رعة يوس�‬‫يرا يتنقل يف اهلواء وهو حياول مواكبة س�‬
‫كان أك�‬
‫�ه‪:‬‬
‫تعجب أنه ميلكها‪ ،‬فقال بينه وبني نفس�‬
‫�ديدة اليت َّ‬
‫الش�‬
‫– –مبا إنها كانت قدرة فرانسيس امليت‪ ،‬فهل يوجد متسابقون حيملون‬
‫نفس القوة؟!‬
‫�ف يظهر أمامه ويوجه له ضربات سريعة ولكن أكريا كان‬
‫بدأ يوس�‬
‫�ف ويظهر وراءه‪ ،‬وهكذا‬
‫�ف فيختفي يوس�‬‫يتنقل ويصدها ويفاجئ يوس�‬
‫كانت مسابقة سرعة وحتمل‪.‬‬
‫�ف بعض الشباك على أكريا ولكنه كان بدوره يتنقل قبل‬‫ألقى يوس�‬
‫�ه‪ ،‬فأخرج أكريا مسدسه املخدر وبدأ بإطالق الطلقات على ظل‬
‫أن متس�‬
‫يوسف الذي كان يتنقل بسرعة‪.‬‬
‫توقف يوسف عن احلركة فجأة وهو يلهث‪ ،‬فرتاجع أكريا إىل اخللف‬
‫�ه‪ ،‬وفجأة أطلق يوسف عليه عدة طلقات‬ ‫أيضا ليتلقط أنفاس�‬
‫وتوقف هو ً‬
‫�ن جديد‪ ،‬ورأى بأن طاقته‬
‫�درة‪ ،‬فتنقل أكريا من خالهلا ثم وقف م�‬
‫خم�‬

‫‪142‬‬
‫�تخدام قوته اآلن‪ ،‬فانطلق ناحية‬‫�عه اس�‬
‫كادت تنفد منه ومل يعد بوس�‬
‫�ف يده إىل األمام‪ ،‬ثم سحبها إىل‬
‫وجها لوجه‪ ،‬فمد يوس�‬
‫�ف ليقاتله ً‬‫يوس�‬
‫بوخز يف ظهره‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫اخللف‪ ،‬فلم يفهم أكريا ما يفعله ولكنه سرعان ما أحس‬
‫فتوقف ووضع يده على ظهره ليجد عدة طلقات خمدرة مغروزة يف ظهره‪.‬‬
‫فقال أكريا وقد امحر وجهه الشاحب‪ُ ،‬‬
‫وقبضت قسماته‪:‬‬
‫– –ما الذي فعلته؟!‬
‫�ايري إىل ما حدث وقد فهم ما فعله يوسف عندما ملسه‪ ،‬فقال‬
‫نظر س�‬
‫بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫�ه وهذا ما‬
‫�رقة قوة من يلمس�‬‫�تطيع س�‬‫– –هكذا إذا ‪ ..‬هذا الوغد يس�‬
‫�عرت به عند اجلسر‪ ،‬لقد هاجم أكريا بطلقات خمدرة وعلم بأنه‬ ‫ش�‬
‫سيتفاداها وأوقفها يف اهلواء بقدرتي على حتريك األشياء عن ُبعد‪،‬‬
‫يرا أن يهامجه قام بعكس اجتاه الطلقات‬
‫وبعد هذا عندما قرر أك�‬
‫جمددا لتستقر يف ظهر‬
‫ً‬ ‫اليت كانت حتلق يف اهلواء فعادت الطلقات‬
‫يرا الذي مل يفهم ما حدث حتى اآلن‪.‬‬ ‫أك�‬
‫ضحك يوسف قائ ًال‪ ،‬وهو يصوب مبسدس آخر ناحية أكريا‪:‬‬
‫– –هذا سري الثمني‪.‬‬
‫انطلقت طلقة من مسدسة تشق اهلواء حتى وجدت ضالتها يف جسد‬
‫مقاوما قوة‬
‫ً‬ ‫�وة‬
‫�ذ أكريا ينتقض ويهتز بق�‬
‫يرا لتصعقه بقوة‪ ،‬فأخ�‬‫أك�‬
‫�قط على األرض وقد أغشي عليه فأعلن الصوت‬
‫الكهرباء اليت تلقاها‪ .‬س�‬
‫فوز يوسف بالنزال‪.‬‬
‫ركض نور إىل احللبة ليتفقد حال أكريا‪ ،‬فطمأنه يوسف قائ ًال‪:‬‬
‫– –ال ختف‪ ،‬لقد أغشي عليه فقط ‪ ..‬سيعود لوعيه بعد دقائق‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫جتاهله نور وتوجه لتفقد حالة أكريا‪ ،‬فوجده ال يزال يتنفس وخبري‪،‬‬
‫فاطمأن قلبه ومحله على ظهره حتى املدرجات ووضعه على أحد الكراسي‬
‫ليسرتيح‪.‬‬
‫خرج الصوت ليعلن نتائج املتأهلني‪ ،‬فزاد التوتر والقلق وانتبه اجلميع‬
‫إىل الشاشات يف خشية وترقب‪ ،‬فاستطرد الصوت قائ ًال‪:‬‬
‫– –املركز األول‪ :‬كينو (‪ 300‬نقطة)‬
‫املركز الثاني‪ :‬سايري (‪ 280‬نقطة)‬
‫املركز الثالث‪ :‬إيفانوف (‪ 250‬نقطة)‬
‫املركز الرابع‪ :‬نور (‪ 230‬نقطة)‬
‫املركز اخلامس‪ :‬ياسني (‪ 225‬نقطة)‬
‫املركز السادس‪ :‬إريس (‪ 210‬نقطة)‬
‫املركز السابع‪ :‬جني (‪ 200‬نقطة)‬
‫املركز الثامن‪ :‬يوسف (‪ 195‬نقطة)‬
‫�عادة كبرية وهائلة بسبب تأهله ألول مثانية ولكنه رأى‬‫شعر نور بس�‬
‫�عر بضيق شديد وقلق عليه‪ ،‬ورأى جني‬ ‫أن أكريا مل يكن يف القائمة‪ ،‬فش�‬
‫احلزينة وقد عادت إليها نضارتها وابتسامتها وهي ُتييه وتهنئه بالتأهل‪،‬‬
‫ولكنها كانت ال تزال تتأمل مما حدث منذ قليل‪ ،‬ويبدو أنها مل تلحظ عدم‬
‫جود أكريا يف القائمة‪.‬‬
‫�ديد ما‬
‫�ر ندب حظه وترقب يف ذعر ش�‬
‫ومن خس�‬
‫احتفل من انتصر‪َ ،‬‬
‫سيحدث له‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫�ذا الصوت الصاخب من‬ ‫�تيقظ كل من كينو وإيفانوف على ه�‬ ‫اس�‬
‫االعرتاضات والتهليل‪ ،‬وشاهدا القائمة اليت تضم امسيهما فشعرا بالراحة‬
‫لتأهلهما‪ ،‬ولكن كينو مل يتوقع أنه سيحصل على املركز األول‪ ،‬ومل يفهم‬
‫كيف حصل عليه؟!‬
‫نظر له سايري بطرف عينيه بنظرات حادة قائ ًال جبفاء وفتور‪:‬‬
‫خصما سه ًال‪.‬‬
‫ً‬ ‫– –يبدو أنك لن تكون‬
‫�عر اجلميع بأن وعيهم ينسحب منهم بدون سبب‪ ،‬وفى خالل‬
‫فجأة ش�‬
‫�بات عميق‪.‬‬‫ثوان قليلة كان اجلميع على األرض يف س�‬
‫ٍ‬

‫***‬

‫‪145‬‬
‫‪11‬‬

‫�ايري يف رواق طويل أبيض‪ ،‬وكان فى نهاية هذا الرواق باب‬ ‫�ار س�‬
‫س�‬
‫�فى وهو يسري يف هذا الرواق‬‫�عر سايري وكأنه يف مش�‬ ‫أبيض مغلق‪ .‬ش�‬
‫الطويل‪ ،‬فبعد أن أنهى تدريباته واملسابقة اليت كلفه بها الصوت الغريب‬
‫الذي مل يعرف مصدره‪ ،‬استيقظ من النوم فجأة بدون أن يتذكر ما حدث‬
‫�ابقة‪ ،‬ثم طلب منه الصوت مغادرة املكان والذهاب‬ ‫له عندما كان يف املس�‬
‫للخارج بعد أن حصل على املفتاح للخروج‪ ،‬قال له الصوت بأنه يف اخلارج‬
‫أحدا‬
‫�يفهم كل شيء‪ ،‬مل يعلم كيف سيفهم ولكنه استنتج أنه سيجد ً‬ ‫س�‬
‫ما يشرح له ما حدث وكيف انتهى به األمر من املعبد البوذي إىل منشأة‬
‫�بق له رؤيتها‪ .‬فسايري‬ ‫�ياء مل يس�‬
‫جتعله يتدرب على قدرات غريبة وأش�‬
‫عاما كان يقضي معظم وقته يف املعبد يتأمل‬ ‫�ر ثالثني ً‬ ‫البالغ من العم�‬
‫الطبيعة ويتعلم فنون القتال بالكاتانا‪ ،‬وهو كناية عن سيف ياباني قديم‪،‬‬
‫حاد وطويل‪ ،‬يدمج بني السيوف الرومانية يف الطعن والسيوف العربية يف‬
‫قدميا‪ ،‬يستخدمونه يف حروبهم‪ ،‬وألن‬
‫ً‬ ‫القطع‪ ،‬وكان الساموراي اليابانيون‬
‫سايري مل يكن حيب التكنولوجيا والعلم وإزعاج املدينة والبشر‪ ،‬فقد كان‬
‫املعبد هو املكان املفضل لديه‪ ،‬يف اهلدوء ووسط األشجار احمليطة باملعبد‪،‬‬
‫ونسيم اهلواء املبهج مع أصوات الطيور واحليوانات‪ ،‬كانت تعطيه شعو ًرا‬
‫لام الداخلي اللذين كان يفتقدهما معظم الوقت بسبب‬ ‫بالراحة والس�‬
‫طبعه اخلاص الذي جيعله صعب املراس‪ .‬كان يتعلم عن مراكز تدفق‬
‫‪146‬‬
‫الطاقة والتأمل للحصول على السالم الداخلي والرتكيز يف حماولة قتل‬
‫�اعر اليت ال حيتاجها‪ ،‬كاخلوف واحلقد والكره واجلشع اخل‪ ،‬ولكنه‬ ‫املش�‬
‫كان يفشل أحيانا‪ .‬مل يكن هذا فقط ما يفعله‪ ،‬بل كان أيضا يستخدم‬
‫�عور باقرتاب شخص منه‬ ‫�ياء الرائعة‪ ،‬كالش�‬ ‫الطاقة يف العديد من األش�‬
‫�جام مع الطبيعة وكأنهما كيان واحد فيشعر بكل‬ ‫وهو يتأمل‪ ،‬واالنس�‬
‫شيء يتحرك حوله بدقة شديده‪ ،‬وقتل األمل اجلسدي بداخله عن طريق‬
‫فهم‬
‫تدريبات قاسية وصارمة‪ ،‬حتى أصبح األمل شيئا ال عالقة له به‪ ،‬وهلذا ِ‬
‫�اذا مت إعطائه هذه القوة على التحكم بالطاقة وتوجيهها لفعل العديد‬ ‫مل�‬
‫من األشياء كتحريك األشياء بعقله‪.‬‬
‫وهكذا بدأ سايري يسرتجع بذاكرته كل ما مر به منذ أن استيقظ‪،‬‬
‫وكل ما تعلمه يف هذا املكان الغريب‪ ،‬وكل األسئلة اليت دارت يف ذهنه يف‬
‫حماولة ليتوصل ألي إجابة قد تشبع فضوله‪ ،‬ولكن ال شيء‪ ،‬فتابع السري‬
‫�ض الفارغ بعينيه بربود‪ ،‬حتى وصل إىل الباب‬ ‫وهو يتفحص الرواق األبي�‬
‫�ف أمامه وضع املفتاح وأخذ حيركه فانفتح‬ ‫األبيض املغلق‪ ،‬وعندما وق�‬
‫�ض عينيه بتأمل‪ ،‬ثم‬ ‫�وء يف عينيه دفعة واحدة‪ ،‬فأغم�‬ ‫الباب‪ ،‬فدخل الض�‬
‫�توعبان‬‫�ع يده حلجب الضوء عنهما ‪ ،‬ثم فتح عينيه ببطء فبدأتا تس�‬ ‫رف�‬
‫�تطاع الرؤية بوضوح‪ ،‬فخرج من الباب ووقف ليستنشق‬ ‫الضوء‪ ،‬حتى اس�‬
‫�عر باحلنني إىل الطبيعة اليت كانت تهدئ‬ ‫اهلواء الطلق‪ ،‬مما جعله يش�‬
‫�دأ يتنفس الصعداء‪ ،‬ثم تفحص‬ ‫�يء‪ .‬ب�‬
‫غضبه الداخلي وكرهه لكل ش�‬
‫املكان من حوله‪ ،‬وألقى نظرة طويلة‪ ،‬فرأى أنه يقف على طريق مرصوف‬
‫بعناية يف باحة واس��عة‪ ،‬وميتد الطريق أمامه وينتهي بعمودين أبيضني‬
‫بشموخ عدة أمتار يف السماء‪ ،‬وعلى قمتهما يصل‬
‫ٍ‬ ‫من اجلرانيت يرتفعان‬
‫�كل‪ ،‬ينتهي حبافتني مقوستني ألعلى‪،‬‬ ‫بينهما عمود أفقي مستطيل الش�‬
‫�ار قليال‪ ،‬ليجد‬
‫ويبدو أن العمودين هما مدخل املكان‪ ،‬فحرك عينه لليس�‬
‫متثاال لفرس يقف على قدميه اخللفيتني‪ ،‬ويرفع قدمه اليسرى األمامية‬
‫‪147‬‬
‫�تودع صغري‪ ،‬ووراء املستودع الكثري من األشجار املمتدة‬‫ألعلى‪ ،‬ووراءه مس�‬
‫�راز الياباني‬
‫�تودع يوجد بيت مبين على الط�‬ ‫�كان‪ ،‬وجبانب املس�‬
‫حول امل�‬
‫�يكي القديم‪ ،‬وأمام البيت مباشرة‪ ،‬على ميني سايري‪ ،‬يوجد بيت‬ ‫الكالس�‬
‫آخر مماثل له‪ ،‬وبعد العمودين توجد باحة خضراء شاسعة‪ ،‬مربعة الشكل‪،‬‬
‫�ن كل جانب‪ ،‬ويوجد حوهلا‬ ‫�جار م�‬ ‫تبدو كحديقة للمكان تلفها األش�‬
‫�ايري وكأنه‬ ‫�فلت يفصل بينها وبني الباحة اليت يقف بها س�‬ ‫طريق مس�‬
‫�عر بأن املكان مألوف‪ ،‬وفجأة توتر بشدة‬ ‫يتلوى كثعبان بينهما‪ ،‬فبدأ يش�‬
‫ونظر مرة أخرى خلفه ومل يصدق نفسه‪ .‬وجد سايري برجا َ‬
‫أبيض اللون‬
‫كبريا ميتد ألعلى حتى يالمس السحاب‪ ،‬وكان الربج املستدير الضخم‬
‫�و املكان الذي خرج منه‪ ،‬مل يتوقع بأنه كان يف برج بهذا الطول‪ ،‬ولكن‬ ‫ه�‬
‫جيدا‪ ،‬فهذا هو املعبد البوذي‬
‫�كان ً‬ ‫�ا فاجأه أكثر هو أنه تذكر هذا امل�‬ ‫م�‬
‫الذي قضى فيه معظم حياته‪ ،‬ولكن املعبد قد اس� ُ‬
‫�تبدل مكانه بهذا الربج‬
‫العالي‪ ،‬فشعر بتوتر شديد ملا رآه ومل يعرف ماذا يفعل‪ ،‬فظل حيدق ناحية‬
‫�ئلة تراوده‪ ،‬فرفع يده مشريا إىل الربج‬‫الربج بضع ثوان‪ ،‬والكثري من األس�‬
‫األبيض الكبري الذي خرج منه قائال باندهاش‪:‬‬
‫�ون املعبد مكان هذا الربج‬ ‫– –ما ال�‬
‫�ذي حيدث هنا‪ ،‬من املفرتض أن يك�‬
‫الضخم‪.‬‬
‫وبدون تردد اندفع سايري ناحية باب الربج األبيض وبدأ يدق على بابه‬
‫بقوة قائال‪:‬‬
‫– –أنت أيها الغريب ‪ ..‬ما الذي حدث للمعبد الذي كان هنا؟‬
‫�يط غضبا وهو الذي تعلم‬ ‫�ايري يستش�‬ ‫ولكن مل جيبه أحد‪ ،‬فبدأ س�‬
‫�اعر‪ ،‬ولكنه مل‬
‫�م يف الذات يف أصعب املواقف وأكثرها إثارة للمش�‬
‫التحك�‬
‫�تطع كبح مجاحه‪ ،‬فصرخ بنربة عالية‪:‬‬ ‫يس�‬

‫‪148‬‬
‫�ا؟ أجبين وإال‬
‫�دث للمعبد الذي كان هن�‬
‫�د ما الذي ح�‬‫– –أيها الوغ�‬
‫�ر هذا الباب‪.‬‬
‫سأكس�‬
‫ولكن ال إجابة‪ ،‬فرفس الباب بقدمه ولكنه مل يتحرك قيد أمنلة‪ ،‬فظل‬
‫�زح الباب ولو حتى‬ ‫�ده وقدمه ولكن ال جدوى مل يتزح�‬‫�رب الباب بي�‬‫يض�‬
‫�ايري‬‫�تخدم قوته ليخلع الباب ولكنه مل يتحرك‪ .‬فتوقف س�‬ ‫قليال‪ ،‬فاس�‬
‫وأخذ يلتقط أنفاسه‪ ،‬ثم التف وراءه ونظر للبيت على اليسار‪ ،‬وتذكر أنه‬
‫دائما هو والرهبان اآلخرون‪ ،‬مجاعة السانغا‪،‬‬
‫البيت الذي كان يبيت فيه ً‬
‫وقد كانوا منعزلني متاما عن العامة واحلياة اخلارجية وكل ما يفعلونه‬
‫هو قراءة تعاليم بوذا وتأمل الطبيعة وبعض النشاطات البدائية األخرى‪،‬‬
‫ريا ألنه عاش‬
‫�اة اخلارجية كث ً‬
‫لما باحلي�‬
‫�ايري باألخص كان ُم ً‬ ‫ولكن س�‬
‫معظم عمره يف مدينة هريوشيما‪ ،‬حتى قرر أن يتجنب املدينة بالذهاب إىل‬
‫املعبد‪ ،‬والتقرب من الطبيعة‪ ،‬ولكنه شعر بأن هذه ليست هريوشيما‪ ،‬كان‬
‫�ئ خمتلف هنا ال يعرف كنيته ولكنه يشعر بأنه يف مكان آخر‪.‬‬ ‫هناك ش�‬
‫مسرعا ناحية البيت‪ ،‬وفتح الباب بسرعة وبدأ ينادي‬
‫ً‬ ‫�ايري‬‫ركض س�‬
‫�كاهلم أو‬‫�ى أصدقائه الرهبان ولكنه مل جيد أي إجابة‪ ،‬مل يتذكر اش�‬ ‫عل�‬
‫�ة ولكنه تذكر أن رفاقه‬
‫�ل حياته بعد‪ ،‬فذاكرته ما زالت ضعيف�‬ ‫تفاصي�‬
‫�ل إىل البيت وركض يف كل مكان‬ ‫�ون يف هذا املكان‪ ،‬فدخ�‬
‫كانوا يعيش�‬
‫�عر بوجود أي شخص‪ ،‬فغري املالبس‬ ‫وهو يبحث عن أي أحد ولكنه مل يش�‬
‫�عره بأنه مريض يف مشفى‬ ‫البيضاء اليت كان يرتديها‪ ،‬واليت كانت ُتش�‬
‫ما‪ .‬ارتدى الرداء القماشي التقليدي الذي كان يرتديه الشعب الياباني‬
‫�يف الكاتانا املوضوع يف غرفته على أحد الرفوف وعلقه‬ ‫قدميا‪ ،‬وأخذ س�‬
‫ً‬
‫�رعا‪ ،‬وبدأ حياول أن‬
‫�طه‪ ،‬وخرج إىل باحة املعبد مرة أخرى مس� ً‬ ‫عند وس�‬
‫�خص ما بقدرته‪ ،‬ولكنه مل يشعر بأحد‪ ،‬فقال بينه‬ ‫�عر وجود أي ش�‬ ‫يستش�‬
‫وبني نفسه‪:‬‬

‫‪149‬‬
‫– –أين ذهبوا يف هذا الوقت؟ وأين اختفى املعبد؟‬
‫�اب إىل القرية‬
‫�ن ولكن ال أحد‪ ،‬فقرر الذه�‬
‫�دأ يتفقد كل األماك�‬
‫ب�‬
‫�خص شيئا ما‪.‬‬ ‫�ر عما حيدث هنا‪ ،‬فلرمبا يعرف أي ش�‬
‫اجملاورة ليستفس�‬
‫بر العمودين‪ ،‬ثم انعطف‬ ‫�ايري الطريق املرصوف بعناية‪ ،‬وع�‬ ‫عرب س�‬
‫ير يف الطريق وهو يتفحص املكان‬ ‫�ار يف الطريق املسفلت وبدأ يس�‬‫لليس�‬
‫�ط الطريق من اجلانبني‪ ،‬فأخذ‬ ‫�جار اليت حتي�‬
‫من حوله ناظرا إىل األش�‬
‫�يم اهلواء الذي يداعب‬ ‫�ي أفكاره ويتأمل الطبيعة اخلالبة‪ ،‬مع نس�‬‫يصف�‬
‫�ماء‪ ،‬وألقت بأشعتها‬ ‫�مس قد انتصفت يف كبد الس�‬ ‫وجهه‪ ،‬وكانت الش�‬
‫�كان من حوله‪ ،‬وتربز اجلمال األخاذ‬ ‫الدافئة عليه لتضئ له الطريق وامل�‬
‫�ايري بعض األحاديث اليت كان‬ ‫للطبيعة‪ ،‬نعم الطبيعة األم‪ ،‬فتذكر س�‬
‫يتبادهلا مع الكهنة اآلخرين‪ ،‬وكيف أن الكوكب بدون قدوم التكنولوجيا‬
‫كان أفضل‪ ،‬وأن الطبيعة كانت رائعة اجلمال‪ ،‬فاملاء مل يكن يبدو كاملاء‬
‫�ل كان صاف ًيا بدرجة مبهرة‪ ،‬واهلواء كان نقي ًا للغاية‪ ،‬ومل يكن‬ ‫اليوم‪ ،‬ب�‬
‫�يء‪ ،‬فمع‬‫هناك أثر للتلوث املوجود اليوم يف اهلواء واملاء والغذاء وكل ش�‬
‫ظهور التكنولوجيا تغري كل شيء ومل يعد أحد يعري للطبيعة أي اهتمام‪،‬‬
‫�م املال‪ ،‬حتى ولو كان هذا‬ ‫�يء جيلب هل�‬‫فأصبح الناس يهتمون بأي ش�‬
‫عن طريق قطع كل أشجار العامل أو تلويث كل مصادر املاء‪ ،‬وكان هذا‬
‫ريا فتمنى لو كان يعيش يف حقبة الساموراي‪ ،‬ولكن ال‬ ‫حيزن سايري كث ً‬
‫لسبب ما‪ ،‬وجيب أن يتقبل قدره‬ ‫ٍ‬ ‫حياة ملن ينادي‪ ،‬فلقد ولد يف هذا العصر‬
‫�عادة كما يقول بوذا‪.‬‬‫ويرضى به‪ ،‬وهذا هو املفتاح للس�‬
‫ريا يف الطريق املمتد أمامه وملح بعض األدخنة اليت‬
‫�ايري كث ً‬ ‫سار س�‬
‫�يء ما‪.‬‬ ‫تتصاعد يف األفق فازدادت حريته وظن أنه رمبا يكون حريقا أو ش�‬
‫�ق‪ ،‬فتذكر هذا املزارع‬ ‫يره حتى وجد بيتا على جانب الطري�‬ ‫أكمل س�‬
‫البسيط الذي كان يشرتي منه أحيانا بعض املستلزمات للمعبد‪ ،‬وكان‬

‫‪150‬‬
‫أوالده دائما يلعبون حول البيت‪ ،‬ويركضون ويهللون يف كل مكان‪ ،‬ولكنه‬
‫مل يرهم اليوم‪ ،‬فتعجب واقرتب من البيت ثم بدأ يطرق الباب‪ ،‬ومرت عدة‬
‫ثوان ومل جيب أحد‪ ،‬فطرق بقوة أكرب‪ ،‬قائ ًال‪:‬‬
‫– –هل يوجد أحد هنا؟ أنا سايري!‬
‫ير يف البيت‪ ،‬لكنه وجد األتربة‬
‫�ن ال إجابة‪ ،‬فدفع الباب وبدأ يس�‬
‫ولك�‬
‫�هور‪ ،‬فزادت حريته وقال بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫متلؤه وكأنه ترك منذ عدة ش�‬
‫– –هل حدث شئ ما هنا جعل الناس يغادرون املكان َّ‬
‫وحل حمله هذا الربج‬
‫الغريب؟! هل دربين هذا الغريب على هذه القدرة لكي أحارب ش��يئا‬
‫�يء‪ ،‬فلقد‬‫ما قد اجتاح املدينة؟ ولكن ما هو؟ وملاذا مل خيربني بأي ش�‬
‫�خصا يبدو بال مشاعر على اإلطالق‪ ،‬وال يريد اإلجابة على‬ ‫كان ش�‬
‫أي سؤال أسألة‪ ،‬ولكن ما الذي حيدث هنا حقا؟ أنا مل أعد أفهم شيئا‬
‫وهذا يغضبين ويزيد حنقي‪ .‬خرج سايري من البيت وأكمل مسريته‪،‬‬
‫وفجأة شعر بأن أحدا ما يراقبه من بني األشجار‪.‬‬

‫***‬

‫‪151‬‬
‫‪12‬‬

‫خرج إريس من الربج املعتاد ليجد نفسه يف ضواحي املدينة‪ .‬سار حتى‬
‫ريا على األقدام وهو يفكر بكل ما حدث له‪ ،‬ولكن‬ ‫قطع مسافات شاسعة س ً‬
‫ريا حقا‪ ،‬فهو مل يتوقع كل األحداث الغريبة اليت حدثت‬ ‫�ر كان مث ً‬ ‫األم�‬
‫�تيقظ وناداه هذا الصوت بالعينة رقم ست‪ ،‬ولكن تدريباته‬ ‫له منذ أن اس�‬
‫�ابقة الغريبة هي ما ُأثارته حقا‪ ،‬ومل يكن يعرف أن قوة‬‫يف هذا الربج واملس�‬
‫كهذه قد مت التوصل هلا‪ ،‬مل يعرف ميت متت زراعتها بداخله‪ ،‬ولكن كل‬
‫ما يعرفه أنها بطريقة ما أصبحت له اآلن‪ ،‬فبعد أن بعث كجاسوس من‬
‫األمم املتحدة األوروبية ليبحث يف أمر سالح الدمار الشامل الذي صنعته‬
‫�ن بكرة أبيها‪ ،‬وجد‬
‫�ف األمم املتحدة ع�‬ ‫مصر يف اخلفاء والذي قد ينس�‬
‫�عر يف البداية أنهم قد كشفوا أمره‪،‬‬ ‫�ه يف هذا املكان يف املقابل‪ ،‬ش�‬
‫نفس�‬
‫ولكن األمر أصبح أكثر غرابة عندما أعطوه قدرة كهذه وتركوه يذهب‬
‫�فوا‬
‫بدون أن يتم إلقاء القبض عليه‪ ،‬فعندها فقط تأكد أنهم مل يكتش�‬
‫�يعذبه ليحصل منه‬ ‫أمره‪ ،‬فلن يعطي أحد قوة كهذه أللد أعدائه‪ ،‬بل س�‬
‫�ر‬‫�ة إريس‪ ،‬هو اختفاء البش�‬‫على معلومات يف املقابل‪ ،‬ولكن ما أثار دهش�‬
‫�اء‪ .‬وعندما نظر إىل األفق رأى الدمار الذي حل باملدينة‬ ‫املريب يف األحن�‬
‫خملف ًا أدخنة تتصاعد من فوق مبانيها مع الكثري من احلطام واألنقاض‬
‫ير فيه‬ ‫وكأن هناك حر ًبا قد حدثت هناك‪ ،‬ولكن اجلزء الذي كان يس�‬
‫سليما ومل ميسسه شيء‪ .‬ولكن منذ سريه يف ضواحي املدينة الحظ‬ ‫ً‬ ‫كان‬
‫‪152‬‬
‫متاما من أي أثر للحياة‪ ،‬ولكنه اجنذب إىل صوت إطالق نريان‬ ‫أنها فارغة ً‬
‫جدا‪ ،‬فأدرك أن هناك أحدا‬ ‫�دا ً‬
‫�اء املدينة‪ ،‬ولكن الصوت كان بعي� ً‬ ‫يف أحن�‬
‫�ة الصوت متمن ًيا أال جيد‬ ‫�ا جعله يطمئن قليال‪ .‬انطلق ناحي�‬ ‫غريه مم�‬
‫شيئا غري ًبا ال ميكن التعامل معه‪ ،‬فلقد شاهد هذه األفالم عن املدن اليت‬
‫�ر‪ ،‬فيهرب البشر خارج املدينة‬ ‫جتتاحها خملوقات الزوميب ملتهمني البش�‬
‫�تطيعوا اهلرب‪ ،‬فيحاربون‬ ‫�ر الذين مل يس�‬
‫فيتبقى فقط القليل من البش�‬
‫�رة‪ ،‬فهو مل جيد‬ ‫�خافة الفك�‬‫�عر بس�‬ ‫بي من أجل البقاء‪ .‬ولكنه ش�‬ ‫الزوم�‬
‫�م من أنه قد قطع‬ ‫�د‪ ،‬أو أي خملوق حوله على الرغ�‬‫�ر للدماء بع�‬ ‫أي أث�‬
‫�افة كبرية‪ ،‬ولكن أخذ االحتياط واجب‪ ،‬فلقد مر إريس على متجر‬ ‫مس�‬
‫�ا ورشاشا من نوعية ‪ M4A1‬ومتنى أال يضطر‬ ‫أسلحة وأخذ منه مسدس�‬
‫�عر إريس بأنه مراقب عدة مرات‪ ،‬ولكنه مل‬ ‫الستخدامهما‪ .‬أثناء سريه ش�‬
‫�خص يف‬ ‫جيعل هذا يزعجه‪ ،‬فلرمبا كان حمض خيال‪ ،‬فهو مل ير أي ش�‬
‫�ن األجواء ا ُملريبة حوله‪،‬‬‫�اء نهائ ًيا مما جعله يتخيل أنه مراقب م�‬
‫األرج�‬
‫�وارع كانت ممتلئة باألتربة‪ ،‬وكأنها تركت منذ شهور‪.‬‬ ‫فالبيوت والش�‬
‫يره حتى صعد على هضبة عالية بني األشجار‪ ،‬فلم يدر إذا‬ ‫أكمل س�‬
‫�تان‪ ،‬فمنذ أن دخل هذا املكان املمتلئ‬
‫ير يف غابة أم جمرد بس�‬‫كان يس�‬
‫�جار اخلضراء‪ ،‬ذات األغصان‬ ‫ريا وسط األش�‬
‫ير كث ً‬ ‫�جار وهو يس�‬ ‫باألش�‬
‫�ات تركض هنا وهناك‪،‬‬ ‫�ابكة‪ ،‬والطيور تغين فوقه‪ ،‬وبعض احليوان�‬
‫املتش�‬
‫�ص األوراق يف تناغم تام‪.‬‬‫�جار فترتاق�‬‫وكانت الرياح تداعب أوراق األش�‬
‫وفجأة خطا إريس على شيء ما مل يشعر به‪ ،‬فأخذ الشيء يشع بنور أمحر‬
‫ثم ينطفئ من حتت الرتاب يف الغابة‪ .‬كان الشيء عبارة عن جهاز إنذار‬
‫�اع باملتطفلني‪ .‬فجأة‬‫خصيصا لإليق�‬
‫ً‬ ‫�ون حتت الرتاب‪ ،‬صنع‬‫صغري مدف�‬
‫شعر إريس بصوت أقدام تقرتب‪.‬‬
‫ركض بعض اجلنود مبالبسهم الرمسية وعلم اجليش املصري املطرز‬

‫‪153‬‬
‫�كني بأسلحتهم ذات الطابع الغريب‪ ،‬فهي عبارة عن‬
‫على مالبسهم‪ ،‬ممس�‬
‫�مة لطرفني‪،‬‬
‫�اش اآللي‪ ،‬الفرق فقط أنها منقس�‬ ‫بندقية طويلة‪ ،‬كالرش�‬
‫�فلي‪ ،‬وبينهما فراغ‪ ،‬وفى وسط الفراغ يوجد جزء‬‫طرف علوي وطرف س�‬
‫كروي بداخله شي أزرق مضيء ال يكف عن الدوران بسرعة داخل الزجاج‬
‫الكروي الشكل‪ ،‬الذي كان يبدو كنواة الذرة‪.‬‬
‫وهكذا استمر اجلنود بالتحرك بانتظام الواحد تلو اآلخر مستخدمني‬
‫األساليب احلديثة يف اجليش للتحرك والتمركز‪ ،‬ليتوغلوا داخل الغابة‬
‫�ديد‪ ،‬حتى اقرتبوا من موقع اإلشارة‪ ،‬فأشار أحد اجلنود‪ ،‬والذي‬
‫حبذر ش�‬
‫كان يبلغ عددهم مخسة جنود باإلضافة إىل الكابنت‪ ،‬قائال‪:‬‬
‫– –سيدي‪ ،‬اإلشارة قد جاءت من هنا‪ ،‬هذا ما تظهره لي اخلريطة ثالثية‬
‫األبعاد‪ ،‬هل نهجم اآلن؟‬
‫جيدا‪ ،‬فقال وهو‬
‫كان الكابنت متمركزا خلف األشجار يراقب الوضع ً‬
‫يشري بيده للجنود للهجوم‪:‬‬
‫– –حسنا‪ ،‬انطلقوا اآلن‪.‬‬
‫�خصا‬‫أخذ اجلنود يندفعون الواحد تلو اآلخر بنظام تام‪ ،‬فوجدوا ش�‬
‫�ك بعض‬ ‫�فى‪ ،‬وميس�‬ ‫�س بيضاء كمريض خرج من مش�‬ ‫�دي مالب�‬‫يرت�‬
‫مستسلما‬
‫ً‬ ‫األسلحة‪ ،‬وبدوره اندهش عندما رآهم مندفعني حنوه فرفع يده‬
‫�اش ُمعلقا على رقبته ويتدىل حتى صدره‪.‬‬ ‫والرش�‬
‫فقال الكابنت بالعربية بنربة عسكرية حاده‪:‬‬
‫– –من أنت؟ وكيف وجدت هذا املكان؟‬
‫فنظر إريس حوله وهو ال يزال مدهوش ًا‪ ،‬فهو مل يتوقع هذه الصحبة هنا‪ ،‬وأول‬
‫ما خطر على باله بأنه قد مت اكتشاف أمره هذه املرة من قبل املخابرات املصرية‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫فقال بلهجة أجنبية وهو يرفع يده باستسالم تام‪:‬‬
‫– –أنا ال أعلم ما حيدث هنا!‬
‫ترب أحد اجلنود من الكابنت وهمس يف أذنه بضعة ثوان ثم ابتعد‪،‬‬‫اق�‬
‫�ى وجهه بصيص من األمل‪ ،‬فقال بنربة‬ ‫فتغريت مالمح الكابنت وبدا عل�‬
‫مدهوشة‪:‬‬
‫– –هل أنت من األمم املتحدة األوروبية؟‬
‫فقال إريس برتدد وقد شعر بأنه قد مت كشفه ال حمالة‪:‬‬
‫– –نعم‪.‬‬
‫فأمر الكابنت اجلنود بأن خيفضوا أسلحتهم واقرتب ناحية إريس ببطء‬
‫ووضع يده على كتفه األمين‪ ،‬واالبتسامة تعلو وجهه قائال بنفس النربة‪:‬‬
‫– –مرحبا بك أيها األوروبي لقد كنا يف انتظارك‪.‬‬
‫تعجب إريس مما حيدث حوله‪ ،‬فلقد ظن أنهم عندما يعلمون أنه من‬
‫�يتم إلقاء القبض عليه فو ًرا‪ ،‬ولكن حدث العكس‪ ..‬يبدو أنهم‬
‫أوروبا فس�‬
‫يرحبون به بسعادة كبرية‪ .‬وبدأ بعض اجلنود يتهامسون وكأنهم كانوا‬
‫�عر إريس بالتعجب مما حيدث‬ ‫أموات ًا وردت روحهم إليهم مرة أخرى‪ ،‬فش�‬
‫�ى مع املوقف حال ًيا‪ ،‬حتى يفهم ما حيدث‪.‬‬
‫هنا‪ ،‬وقرر بأن يتماش�‬
‫استطرد الكابنت قائال‪:‬‬
‫�يء‪ ،‬فلقد كنا بدأنا‬
‫�نطلعك على كل ش�‬ ‫– –تعاىل معنا إىل املقر س�‬
‫�دو أنه مت إنقاذنا‪.‬‬
‫نفقد األمل‪ ،‬ولكن يب�‬
‫قاطعا الغابة‪.‬‬
‫ً‬ ‫فأومأ إريس برأسه باملوافقة‪ ،‬ثم بدأ يسري مع اجلنود‬
‫***‬
‫‪155‬‬
‫‪13‬‬

‫�اؤالت تدور‬‫خرج إيفانوف من نفس الربج الغريب‪ ،‬والعديد من التس�‬


‫يف ذهنه‪ ،‬ولكنه كلما حاول التفكري يف إجابات‪ ،‬وجد األسئلة اليت تراوده‬
‫�ار يف‬
‫يزداد عددها‪ ،‬فقرر عدم التفكري حتى تتضح له الصورة كاملة‪ .‬س�‬
‫�وف ذو األربعني عاما‪ ،‬عريض املنكبني‬ ‫حبث عن إجابات‪ .‬إيفان�‬
‫�ه ٍ‬‫طريق�‬
‫�ده وبروز عضالته‪.‬‬ ‫�د‪ ،‬ويبدو كمصارع من ضخامة جس�‬ ‫وضخم اجلس�‬
‫�ارب كثيفان‪ ،‬وقدرته هي‬ ‫�عره أشقر‪ ،‬وعيناه زرقاوان‪ ،‬وعنده حلية وش�‬
‫ش�‬
‫بتصليب جسده مبادة صلبة للغاية‪.‬‬
‫�ماء املظلمة‪،‬‬
‫�رج من الربج وقد كان الليل قد حل‪ ،‬فنظر إىل الس�‬‫خ�‬
‫�ق اهلواء العليل الذي أفتقده طوال هذه املدة اليت قضاها‬
‫وأخذ يستنش�‬
‫بداخل الربج‪.‬‬
‫�تيقظ هنا‪ ،‬مل يتذكر كيف‬ ‫�يء غريبا منذ أن اس�‬‫لقد كان كل ش�‬
‫وصل إىل هنا‪ .‬وهكذا بدأ يتفقد بعينيه الظالم الذي يلف املكان‪ ،‬فرأى انه‬
‫متاما‪،‬‬
‫�توي نظره‪ ،‬رأى مباني البعض منها مدمر ً‬ ‫يف مدينة ما‪ .‬فعلى مس�‬
‫والبعض اآلخر جني من التدمري‪ ،‬وبالكاد استطاع أن يري تفاصيلها بسبب‬
‫الظالم الذي يغطي كل شيء‪ ،‬ولكن ضوء القمر الذي كان يسقط من‬
‫السماء‪ ،‬لينري له الطريق قليال هو ما ساعده بعض الشيء يف غياب أنوار‬
‫املدينة اليت كانت مطفأة بالكامل‪ .‬هكذا نظر خلفه لريي الربج الشاهق‬

‫‪156‬‬
‫�ماء‪ .‬كان يتمركز الربج على أطراف حديقة‬ ‫�موخ إىل الس�‬‫املمتد بش�‬
‫�رة املمتدة أمامه‪ .‬بدأ إيفانوف‬ ‫�ا‪ ،‬بينما ينظر بكربياء إىل املدينة املدم�‬
‫م�‬
‫�عر ببعض التوتر واحلرية من منظر املدينة املدمر‪ ،‬ومل يكن يعلم ملاذا‬ ‫يش�‬
‫�باح‪،‬‬‫�ه ال زالت ضعيفة‪ ،‬ولكن املدينة كانت تبدو كمدينة أش�‬ ‫فذاكرت�‬
‫�اكن ومدمر وصامت بالكامل‪ ،‬ال وجود للسيارات املزعجة‪،‬‬ ‫كل شيء س�‬
‫متاما‪ ،‬ال وجود ألحد‪،‬‬
‫�ر اليت متأل املدينة‪ ،‬كل شيء مظلم ً‬ ‫وأصوات البش�‬
‫فبدأ عقله بصنع قصص عما حدث هنا‪ ،‬مثل حدوث كارثة ما‪ ،‬أو أنه يف‬
‫�ار قلي ًال قد جيد بعض البشر‪ ،‬ويستفسر‬ ‫مكان مهجور يف بلد ما‪ ،‬وإذا س�‬
‫�جاعته وبدأ يسري بني املباني‪ ،‬ويتفقد‬ ‫منهم عن كل شيء‪.‬استجمع ش�‬
‫بعينيه املتاجر واملقاهي واألسواق املهجورة بالكامل‪ ،‬يف املنطقة اليت جنت‬
‫تركت مجيعها‬ ‫من الدمار اليت كان يسري فيها ولكن ما لفت نظره أنها ُ‬
‫�ة‪ ،‬ومل تكن مغلقة‪ ،‬فرجح عقله فكرة حدوث كارثة ما‪ ،‬هرب من‬ ‫مفتوح�‬
‫أثرها البشر‪ ،‬فأخذ بالتساؤل هل يكون هناك تسرب اشعاعي‪ ،‬او شيئا من‬
‫هذا القبيل؟ حرب حدثت هنا؟ انفجار كبري؟‬
‫�يء واحد‪ ،‬غري انه هناك شيئا ما جيري هنا‪ ،‬فكل ما‬ ‫مل يتوصل إىل ش�‬
‫�تيقظ مل يكن طبيعي على اإلطالق‪ .‬لفت نظر إيفانوف‬ ‫حدث منذ أن اس�‬
‫�لحة على ميينه مل ميسه الدمار‪ ،‬فشعر‬ ‫ير يف الظالم‪ ،‬متجر أس�‬‫وهو يس�‬
‫ببعض األمل‪ ،‬فانطلق بسرعة حنو املتجر ودلف إليه وكان الظالم يلف‬
‫�تيعاب الظالم يف املتجر‪ ،‬ولكنه مل يستطع أن يرى شيئ ًا‪،‬‬
‫املكان‪ .‬حاول اس�‬
‫�ار‬ ‫فلقد كان الظالم يلف املكان بالكامل‪ ،‬ومل يرتك أي بقعة مضيئة‪ ،‬فس�‬
‫�طهما أمامه وأخذ يتحسس كل‬ ‫�س املكان بيده‪ ،‬فبس�‬‫حبذر وهو يتحس�‬
‫شيء‪ ،‬فبدأ بلمس بعض األجسام اجملهولة بيده واليت حللها عقله ووضع‬
‫هلا أمساء‪ ،‬طاولة‪ ،‬بعض العلب‪ ،‬والصناديق‪ ،‬وأخريا وصل لرف األسلحة‪،‬‬
‫�ا األسلحة فوجد العديد من األسلحة اليت مل يتعرف‬ ‫متحسس�‬
‫ً‬ ‫فرفع يده‬
‫�يء صغري احلجم‬ ‫�دة هلا‪ ،‬ولكن لفت نظره ش�‬ ‫�ا‪ ،‬لعدم رؤيته اجلي�‬
‫عليه�‬
‫‪157‬‬
‫�ن االمل‪ ،‬لقد وضع يده على‬ ‫�عر ببصيص م�‬ ‫ودائري من األمام‪ ،‬فبدأ يش�‬
‫�بت به بقوة وأمسكه جيدا‪ ،‬وكأنه‬ ‫منظار حراري‪ ،‬مزود برؤية ليلية‪ ،‬فتش�‬
‫واضعا إياه على عينيه‪ .‬ضغط على بعض االزرار يف املنظار‬ ‫ً‬ ‫�ل جناته؛‬‫حب�‬
‫�يء حييطه‬ ‫�ه‪ ،‬فتغريت الرؤية إىل الرؤية الليلية‪ ،‬فأصبح كل ش�‬ ‫بأصابع�‬
‫�لحة جيدا‪،‬‬ ‫اللون األخضر‪ .‬بدأت الرؤية تتضح له اآلن‪ ،‬فبدأ برؤية األس�‬
‫�م علقها على ظهره‪،‬‬ ‫�ى قناصة من نوع ‪ M24‬فأخذها ث�‬ ‫فوضع يده عل�‬
‫جيدا‪ ،‬وبعض‬‫�اش‪ ،‬ليأمن نفسه ً‬ ‫�لحة أخرى‪ ،‬مسدس ورش�‬ ‫وأخذ أيضا أس�‬
‫القنابل اليدوية‪ ،‬واملعدات األخرى‪ ،‬اليت قد حيتاجها‪ ،‬ومن حس��ن حظه‬
‫وجد حقيبة لألسلحة يف املتجر‪ ،‬فساعدته على محل هذه األشياء‪ .‬جهز‬
‫�رى الطريق إىل املخرج‪ ،‬فالتف‬ ‫واضعا املنظار على عينيه حتى ي�‬
‫ً‬ ‫�ه‬
‫نفس�‬
‫ناحية باب اخلروج‪ ،‬ونظر أمامه‪ ،‬فوجد شيئ ًا ما يقف أمامه‪ ،‬فرتاجع عدة‬
‫�لحة عليه‪،‬‬ ‫�زع حتى أصطدم باحلائط الذي مت تعليق األس�‬ ‫خطوات بف�‬
‫فارتطم ببعض األسلحة اليت بدورها سقطت عليه‪ ،‬ولكن جسده الضخم‬
‫�ر من خالل املنظار‬ ‫�قط عليه‪ ،‬ونظ�‬ ‫�رعة وأزاح ما س�‬
‫مل يتأثر‪ ،‬فوقف بس�‬
‫�دس اليدوي يف فزع‪ ،‬ولكن مل جيد شيئ ًا‪.‬‬ ‫�هرا املس�‬
‫أمامه مرة أخرى مش� ً‬
‫متفحصا املكان من حوله ولكن ال‬
‫ً‬ ‫�وة‪،‬‬
‫�ذ ينظر حوله وقلبه خيفق بق�‬ ‫أخ�‬
‫شيء‪ ،‬عدا األسلحة املعلقة هنا وهناك‪ ،‬وبعض املعدات األخرى‪ ،‬فظن بأنه‬
‫�خصا ما يقف أمامه‪ .‬هدأ من‬ ‫متاما‪ ،‬بأنه رأى ش� ً‬
‫كان يتهي‪ ،‬ولكنه واثق ً‬
‫�عر بأن نبضات قلبه بدأت تعود إىل معدهلا‬ ‫متنفسا الصعداء‪ ،‬وش�‬
‫ً‬ ‫روعه‪،‬‬
‫جيدا‪ .‬شعر‬‫متفحصا املكان من حوله ً‬
‫ً‬ ‫الطبيعي‪ ،‬فتوجه إىل خارج املتجر‪،‬‬
‫�ديد خلروجه من هذا املكان املظلم الذي جيعله فريسة سهلة‬ ‫بارتياح ش�‬
‫ألي شيء‪ ،‬وتفحص الطريق من حوله باملنظار الذي أصبح اآلن عينه اليت‬
‫�وف بعناية ميتد أمامه‪ ،‬وال يوجد‬ ‫�رى يف الظالم‪ ،‬فوجد الطريق املرص�‬ ‫ت�‬
‫يره يف املنطقة اليت مل يطاهلا‬ ‫أحد‪ ،‬فأكمل طريقه يف الظالم‪ .‬وأثناء س�‬
‫الدمار بعد‪ ،‬أمل أن جيد أحدا يؤنس وحدته أو جيد سايري الذي ال يعلم‬

‫‪158‬‬
‫أين هو اآلن؟ وهل هو حي أم ميت؟ ولكنه كان يثق بأنه على قيد احلياة‬
‫�هولة وشعر إيفانوف بأن هذا رمبا يكون‬‫فهو أقوي من أن ميوت بهذه الس�‬
‫�خيف آخر فلم يقلقه ورأى بأنه رمبا يكون أصعب من ذي قبل‬ ‫اختبار س�‬
‫وهذا سيجعل األمر أكثر إثارة بالنسبة له‪.‬‬
‫�ا املتاجر واملباني‬
‫متفحص�‬
‫ً‬ ‫يره حتى قطع الطريق كله‪،‬‬ ‫أكمل س�‬
‫�ة‪ ،‬والبعض اآلخر منها متوقف يف‬ ‫�يارات املركونة الفارغ�‬
‫املهجورة والس�‬
‫�ت الفوضى تعم املكان‪،‬‬ ‫�ف الطريق وال يوجد أحد بداخله‪ .‬كان�‬ ‫منتص�‬
‫فأكمل مسريته‪ ،‬حتى بدأ يرى بعض املباني احملطمة أمامه والكثري من‬
‫�ث املقطعة واحملروقة واليت تناثرت يف كل مكان وكان لون الدماء‬ ‫اجلث�‬
‫�يء من حوله‪ ،‬ورأى العديد من اهليكل العظمية مما جعله‬ ‫يصبغ كل ش�‬
‫وقت طويل ال يعلمه أحد إال اهلل‪.‬‬
‫�ذ ٍ‬ ‫يعلم بأن هذه الكارثة حدثت من�‬
‫�عفه عقله الذي أخذ‬ ‫أيضا الكثري من الروبوتات احملطمة‪ .‬مل يس�‬
‫رأى ً‬
‫�ل احتمالية حدوث حر ًبا ما‬ ‫�ض األفكار اليت أثارت قلقه‪ ،‬مث�‬
‫يقذف ببع�‬
‫بالفعل‪ ،‬وانه قد يتعرض للقتل يف أي حلظة‪ ،‬وأن العدو ال زال قريب‪ ،‬وقد‬
‫�يء الذي رآه يف املتجر هو أحد األعداء‪ ،‬وهرب عندما أكتشف‬ ‫يكون الش�‬
‫بر‪ ،‬ملتصق ًا باملباني‪ ،‬حتى ال يكون‬
‫ير حبذر أك�‬ ‫أمره‪ ،‬فبدأ إيفانوف يس�‬
‫�ه‪:‬‬
‫لقمة زائغة ألحد القناصة‪ .‬قال بينه وبني نفس�‬
‫�ذه اجلثث امللقاة يف كل‬
‫�دث هنا؟ أين أنا؟ ما كل ه�‬ ‫– –ما الذي حي�‬
‫أيضا‪،‬‬
‫مكان؟ ما نوع الكارثة اليت حدثت هنا؟ فأنا أرى روبوتات مدمرة ً‬
‫�ر؟ أم أنه عدو آخر‬
‫�ل يكون ما حدث هو نزاع بني الروبوتات والبش�‬
‫ه�‬
‫�خصا ما حي ليخربني مبا‬ ‫�م كالهم؟ جيب أن أحبث عن ش�‬ ‫دمره�‬
‫�ا األمر ليس اختبا ًرا كما ظننت‪.‬‬‫حيدث! رمب�‬

‫‪159‬‬
‫بعد بضعة أمتار بدأ بدخول املنطقة املدمرة فرأى املباني املتساقطة‬
‫فوق بعضها البعض‪ ،‬والسيارات احملطمة‪ ،‬وعن قرب رأى جثث البشر املتناثرة‬
‫�اء وعجائز‪ .‬كان املنظر يشعره‬ ‫يف كل مكان‪ ،‬جثث أطفال ورجال ونس�‬
‫بالغثيان‪ ،‬فأجسادهم حمطمة ومهمشة واعضائهم متناثرة يف كل مكان‪.‬‬
‫وكانت رائحة البارود والرصاص متأل املكان‪ ،‬فتأكدت شكوكه بأنه‬
‫�ور احلطام قافزً ا من فوق‬ ‫�اك معركة ما هنا بالفعل! بدأ بعب�‬‫كان هن�‬
‫األطالل هنا وهناك وتسلق بعضها اآلخر‪ ،‬حماو ًال عدم املساس أو االقرتاب‬
‫�عة‪،‬‬‫من اجلثث اليت كانت ميتة منذ وقت طويل وتفوح منها رائحة بش�‬
‫�د املباني على ميينه‪،‬‬
‫�ط حطام أح�‬ ‫�يئ ًا يتحرك وس�‬‫فجأة مسع صوت ش�‬
‫فرتاجع إيفانوف حبذر وترقب؛ وفجأة من بني احلطام والظالم ظهر شيء‬
‫�ب عينيه تلمعان بضوء أمحر‪ .‬فأزال إيفانوف املنظار من على عينيه‬ ‫غري�‬
‫�د هذا الشيء‬ ‫�اهد ملعانها الطبيعي‪ ،‬ثم وضعه مرة أخرى لريى جس�‬ ‫ليش�‬
‫�يء عليه بسرعة‬ ‫الغريب الذي كان يلمع على ضوء القمر‪ ،‬ركض الش�‬
‫رهيبة وقفز عال ًيا برشاقة رهيبة لينقض عليه‪ ،‬فغطي املعدن يدا إيفانوف‬
‫�عر كأنه قد لكم‬ ‫�يء‪ ،‬فش�‬ ‫اليمين‪ ،‬ثم وجه لكمة قوية إىل وجه هذا الش�‬
‫بعيدا من قوة لكمة إيفانوف‪ ،‬ولكنه‬
‫�يء الغريب ً‬ ‫جسدا معدني‪ .‬طار الش�‬
‫ً‬
‫�رج إيفانوف مصباح‬ ‫�رعان ما وثب على قدميه وعاد من جديد‪ ،‬فأخ�‬ ‫س�‬
‫�يء‪ ،‬لقد كان الشيء الواقف‬ ‫كهربائي من جيبه ووجهه ناحية هذا الش�‬
‫�اني على اإلطالق‪ ،‬بل ال يوجد فيه ذرة من اإلنسانية‪ ،‬لقد‬‫أمامه غري إنس�‬
‫كان روبوت على هيئة بشر‪ ،‬عيناه تشعان بامحرار شديد‪ ،‬وجسده يغطيه‬
‫معدن الكروم املشبع بلون فضي‪ ،‬مما جعل جسده يلمع حتت ضوء القمر‪،‬‬
‫�ذر معه باهلالك لكل ما يف طريقه‪ ،‬وفوق جبينة بقليل‪ ،‬تلمع جوهرة‬ ‫لين�‬
‫�اكلتها من الزجاج‪،‬‬ ‫�تدير على ش�‬ ‫غريبة‪ ،‬بلون أزرق‪ ،‬حيميها حاجز مس�‬
‫�يء‪،‬‬‫�ا يوجد طيف أزرق ميألها‪ ،‬بدا أنه مصدر الطاقة هلذا الش�‬ ‫وداخله�‬
‫�تنتج إيفانوف بأن هذه األشياء‬ ‫�يء‪ ، ،‬فأس�‬‫وعند صدره يوجد نفس الش�‬
‫‪160‬‬
‫هي ما تعطيه الطاقة ليتحرك‪ ،‬أنها كالقلب والعقل بالنسبة له‪ .‬وجهه‬
‫�عر فوق رأسه؛ وجه‬‫�ر ولكنه بارد بال مشاعر‪ ،‬وليس لديه ش�‬ ‫�به البش�‬‫يش�‬
‫بلون فضي‪ ،‬وباقي اجلسد كالزجاج‬ ‫وظهر يتميزون ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وصدر‬
‫ٍ‬ ‫واقدام وايدي‬
‫فيضا من طاقة زرقاء اللون‪.‬‬
‫�فاف‪ ،‬ويتدفق بداخله ً‬ ‫�تيك الش�‬ ‫او البالس�‬
‫�ات‪ ،‬بل وقت القتال‪.‬‬‫�ذا وقت التأمل فيه ومجع املعلوم�‬ ‫ولكن مل يكن ه�‬
‫توقف الروبوت‪ ،‬ورفع أصابع يده اليمين ووجهها ناحية إيفانوف‪ ،‬فانفتحت‬
‫أصابعه لتصبح أشبه بفوهة املسدس‪ ،‬بل مخس فوهات‪ ،‬فتذكر إيفانوف‬
‫قتاله مع كينو‪ ،‬ففعل قوته ليكسي احلديد جسده من االمام‪ ،‬فانطلقت‬
‫الرصاصات تشق اهلواء لتصطدم جبسد إيفانوف الذي كان يف وضعية‬
‫الدفاع ومل تؤثر به أ ًيا منها‪ ،‬فأندفع إيفانوف حنوه‪ ،‬فأندفع الروبوت بقوة‬
‫ناحيته‪ ،‬فرفع إيفانوف يده وهبط بها على رأس الروبوت ليهوي برأس��ه‬
‫على األرض فتتحطم من قوة اللكمة‪.‬‬
‫ألتقط أنفاسه وتفقد جسد الروبوت الغريب‪ ،‬ثم قرر أن يغلق املصباح‬
‫جمددا‪ ،‬قال‬
‫ً‬ ‫ويستخدم منظار الرؤية الليلية حتى ال جيده أحد الروبوتات‬
‫بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫– –إذا يبدو بأن الروبوتات هي املسؤولة عن هذه الكارثة بطريقة ما! جيب‬
‫أحدا ما من الناجون ليخربني بكل شيء‪.‬‬‫أن أجد ً‬
‫قطع املباني احملطمة متوخ ًيا احلذر‪ ،‬وضوء القمر يلمع يف السماء‪،‬‬
‫�هدت رع ًبا ال‬
‫�وء على ارجاء املدينة احملطمة اليت ش�‬ ‫وألقى ببعض الض�‬
‫�ه البيضاء‪،‬‬ ‫�رب داخل مالبس�‬ ‫يعلمه غري املوتى‪ ،‬وكان اهلواء البارد يتس�‬
‫�عر برعدة خفيفة من الربد‪ ،‬وأصابعه جتمدت من الربد بسبب محله‬ ‫فش�‬
‫�اره مييل على‬ ‫�ة الوقت لكي يري‪ .‬رأى أحد املباني على يس�‬ ‫املنظار طيل�‬
‫متاما‪ ،‬فخطر على باله فكرة‪ ،‬وشرع يف تنفيذها‬
‫�قط ً‬ ‫اآلخر ولكنه مل يس�‬
‫�ا ًرا‪ ،‬وأخذ يتسلق املبين املائل‪ ،‬حماوال الوصول إىل‬
‫بال تردد‪ ،‬فانعطف يس�‬

‫‪161‬‬
‫قمته بتسلق املنحدرات الوعرة‪ ،‬فتمس��ك بالصخور واملكاتب واالسالك‬
‫وكاد عدة مرات أن يفقد توازنه ولكنه متسك باألشياء القريبة منه وقد‬
‫�فله أثناء تسلقه وأمل بأال يسقط‬ ‫استعاد توازنه‪ .‬مسع صرير املبين أس�‬
‫صعودا جمتاز ًا كل العقبات يف طريقه املائل‬
‫ً‬ ‫�ذا أكمل طريقه‬ ‫اآلن‪ ،‬وهك�‬
‫�عر بأن هذه هي‬ ‫�ى وصل أخريا إىل قمة املبين‪ ،‬فش�‬ ‫�يء باملخاطر‪ ،‬حت�‬ ‫املل�‬
‫النقطة املناس��بة ليتفقد املدينة من أعلى‪ ،‬ويرى إىل أين ميكنه الذهاب‬
‫�ر يف مدينة‬‫ريا من فوق‪ ،‬أو أي عالمة لوجود بش�‬ ‫�ا يرى مكان� ًا من ً‬
‫فلرمب�‬
‫االشباح هذه‪ .‬وضع إيفانوف احلقيبة على األرض جبانبه‪ ،‬وأخذ القناصة‬
‫من على ظهره‪ ،‬ونام على األرض املائلة‪ ،‬وقد عدل من وضعية جسده‪ ،‬حتى‬
‫أصبح يف موضع جيد له‪ ،‬فبدأ بتفحص املدينة من فوق بالقناصة‪ ،‬ولكنه‬
‫�تمر يف‬ ‫مل ير إال الظالم‪ ،‬يف كل أحناء املدينة مما أثار قلقه الشديد‪.‬اس�‬
‫�يء غري الظالم‪ ،‬فجأة رأى يف مكان‬ ‫النظر يف كل االجتاهات ولكن ال ش�‬
‫بعيد أمامه انفجار كبري هز أرجاء املدينة‪ ،‬ففزع من قوة االنفجار‪ ،‬وشرع‬
‫بتفحص ما حيدث بواسطة املنظار‪.‬‬
‫�عر ببعض القلق‪ ،‬ولكنه‬ ‫تلي هذا االنفجار عدة انفجارات أخرى‪ ،‬فش�‬
‫�ه الذهاب‪ ،‬حتى جيد بعض االجابات‪،‬‬ ‫على األقل عرف اآلن إىل أين علي�‬
‫�رر أن يلقي نظرة أخرية‬‫أيضا‪ .‬ق�‬ ‫�د جيد املزيد من احلطام واجلثث ً‬ ‫وق�‬
‫�وه متاما؛ فقام بتفعيل الرؤية‬
‫�ى الطريق أمامه حتى يتأكد من خل�‬ ‫عل�‬
‫شخصا‬
‫ً‬ ‫الليلية يف منظار القناصة‪ ،‬وبدأ ميسح الطريق اسفله‪ ،‬وفجأة رأى‬
‫موجها نظره ناحية االنفجار‪ .‬شخص يرتدي‬ ‫ً‬ ‫يقف يف منتصف الطريق‪،‬‬
‫�وة وغطاء للرأس‪ ،‬يبدو كقاتل أو شيء ما آخر ولكنه كان مريب‪،‬‬ ‫قلنس�‬
‫فشكله ال يوحي باالطمئنان على اإلطالق‪ ،‬مما جعل إيفانوف يركز عليه‬
‫�ابق‬ ‫جيدا‪ ،‬فحدق بقوة يف الغريب امللثم بدون أن يرف له جفن‪ .‬وبدون س�‬‫ً‬
‫�ف ونظر إىل أعلى املبين احملطم ناحيته‪ ،‬فتفاجئ‬ ‫انذار رأى امللثم قد الت�‬
‫�ه بسرعة‪ ،‬حتى ال يراه‪ .‬فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫إيفانوف‪ ،‬وأخنفض برأس�‬
‫‪162‬‬
‫– –هل من املعقول أن يكون قد رآني يف هذا الظالم ومن هذا العلو؟ هذا‬
‫�تحيل! ولكن كيف إذن نظر إىل مباشرة؟ لقد تالقت أعيننا‪ ،‬أنا‬ ‫مس�‬
‫�ك‪ ،‬هل كانت صدفة؟ بالطبع هي صدفة‪ ،‬فال أحد‬ ‫متأكد من ذل�‬
‫يستطيع الرؤية يف هذا الظالم‪ ،‬ومن هذا االرتفاع ‪ ..‬ام أن لديه قوة‬
‫نوعا ما؟!‬
‫من ً‬
‫�ا النظر حبذر‪ ،‬ولكنه مل جيد الغريب! لقد‬ ‫خمتلس�‬
‫ً‬ ‫جمددا‬
‫ً‬ ‫�ه‬
‫رفع رأس�‬
‫متاما من أي أحد‪ ،‬ال شيء‪ ،‬غري احلطام‪ ،‬فشعر بتوتر‬
‫كان الطريق خاو ًيا ً‬
‫�ض احلطام يف املبين‪ ،‬فعرف على‬ ‫�قوط بع�‬ ‫خفيف‪ ،‬وفجأة مسع صوت س�‬
‫�ور بأنه امللثم قد جاء لينال منه‪ ،‬فوثب على قدميه وعدل من وضعية‬ ‫الف�‬
‫جسده ثم وجه املنظار إىل داخل املبين احملطم‪ ،‬فوجد امللثم يندفع ناحيته‬
‫بعد أن مت اكتشاف أمره‪ ،‬وقد أخذ يقفز برشاقة‪ ،‬وهو يقطع املبين املائل‬
‫�اهد امللثم‬ ‫ألعلى باجتاهه‪ .‬توقف إيفانوف عن احلركة لوهله وهو يش�‬
‫�كوكه بأن امللثم‬ ‫�ع حنوه‪ ،‬فلم يصدق عيناه‪ ،‬ولكن اآلن تأكدت ش�‬ ‫يندف�‬
‫�ط هذه العتمة‪ ،‬ولكن الوقت مل‬ ‫�د رآه بالفعل‪ ،‬أخذ يفكر كيف رآه وس�‬ ‫ق�‬
‫�عفه لكي يستنتج ما حدث‪ ،‬فأفاق من دهشته‪ ،‬وبدأ يفكر ماذا سيفعل‬ ‫يس�‬
‫�ة للغريب املندفع‬ ‫�ارع بعدل وضعية القناصة لتصبح مواجه�‬ ‫اآلن؟ فس�‬
‫�يا‪،‬‬
‫�كرية يف روس�‬ ‫�راوة حنوه‪ ،‬ومبا أن إيفانوف كان يف الكلية العس�‬ ‫بض�‬
‫خمتصا بالتصويب من املدي البعيد‪ ،‬وكانت لديه موهبة كبرية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وكان‬
‫�اكن مجيع‬ ‫�د فاقت قدرته على إصابة أي هدف متحرك كان أم س�‬ ‫فق�‬
‫�ي‪ ،‬لدقة رؤيته‪،‬‬ ‫رفاقه يف الكلية‪ ،‬ومنذ هذا الوقت يلقبونه بالصقر الروس�‬
‫�عر به‪ ،‬كما أنه‬ ‫ومداها‪ ،‬وقدرته على االنقضاض على هدفه بدون أن يش�‬
‫مفتول العضالت وعريض املنكبني‪ ،‬مما جعله أيضا مقاتل بارع يف معارك‬
‫بعيدا عن‬
‫�وء حظ امللثم أنه كان ً‬ ‫املدي القريب؛ القتال باأليدي‪ .‬من س�‬
‫�وت‪ ،‬ألنه يف اجملال الذي ال‬‫�باك العنكب�‬
‫ايفانوف‪ ،‬فهذه جعله يقع يف ش�‬
‫�ا عميق ًا‪ ،‬تاله الضغط‬‫نفس�‬
‫ابدا‪ ،‬فصوب باجتاهه وأخذ ً‬ ‫خيطأ فيه هدفه ً‬
‫‪163‬‬
‫�ق اهلواء متجهة ناحية امللثم‪،‬‬
‫على الزناد لتنطلق الرصاصة مندفعة تش�‬
‫يف نفس الوقت توقف امللثم‪ ،‬ثم رفع يديه إىل األمام ناحية الطلقة‪ ،‬وقبل‬
‫أن تصيبه‪ ،‬قام بتحريك يديه بقوة إىل اليمني‪ ،‬فأنعكس أجتاه الرصاصة‬
‫�د طريقها إىل خارج املبين‪،‬‬
‫�مه وجت�‬‫إىل اليمني لتصطدم بالزجاج‪ ،‬وتهش�‬
‫�توعب ما حدث وقد‬ ‫�تقرت يف املبين املقابل‪ .‬وقف ايفانوف يس�‬
‫حتى اس�‬
‫�عت عيناه من الدهشة‪ .‬قال بينه وبني نفسه بدهشة عارمة‪:‬‬‫اتس�‬
‫�ارها! ما هذا حبق السماء؟ هل‬ ‫– –لقد جعل الرصاصة تنحرف عن مس�‬
‫�ن الذين كانوا معنا يف االختبارات؟ إذا ملاذا يهامجين؟‬ ‫واحدا م�‬
‫ً‬ ‫هو‬
‫�ط‬‫�أن قدرته الغريبة هذه هي ما ممكنته من رؤييت وس�‬ ‫هل ميكن ب�‬
‫لام؟! ال بد أنه مر مبا مررت به أيضا!‬‫الظ�‬
‫حاول ايفانوف‪ ،‬اإلشارة بيده للغريب بأن يتوقف‪ ،‬ولكن مل ير بأن لديه‬
‫�ذ قليل حماو ُال قتله‪ ،‬ولن يوقفه‬
‫�ة لذلك فلقد أطلق عليه النار من�‬‫الني�‬
‫شيئ ًا اآلن؛ وقت النقاش كان قبل أن يطلق ايفانوف طلقته األوىل‪ ،‬ولكن‬
‫اآلن ال جمال للنقاش‪ ،‬ولكنها بالطبع كانت ردة فعل طبيعية منه‪ ،‬لرؤيته‬
‫�خص يندفع حنوه بضراوة لقتله؛ فلم جيد خيا ًرا آخر غري اإلطالق‬ ‫لش�‬
‫�وب على الغريب الذي‬ ‫�رة أخرى آم� ً‬
‫لا أن تصيبه الطلقة التالية‪ ،‬فص�‬ ‫م�‬
‫متجها ألعلى وقد‬
‫ً‬ ‫�رك كاألفعى اليت تتلوي بني احلطام والصخور‬ ‫يتح�‬
‫قطع نصف الطريق‪ .‬قال ايفانوف يف نفسه‪:‬‬
‫– –طلقة أخرية إذا‪ ،‬فألجرب حظي‪.‬‬
‫�وب ناحية فخذ الغريب امللثم لكي يصيبه يف قدمه هذه املرة‪ ،‬كي‬
‫ص�‬
‫يسقطه أرضا‪.‬‬
‫عميق ثم حبسه حتى ال تهتز يده‪ ،‬ووضع كل تركيزه يف‬ ‫ٍ‬ ‫نفسا‬
‫ً‬ ‫أخذ‬
‫�ذه الطلقة األخرية‪ ،‬بعد ثانية من التدقيق ضغط على الزناد‪ ،‬لتندفع‬
‫ه�‬

‫‪164‬‬
‫�رعة رهيبة‪ ،‬ولكن أثار دهشة إيفانوف أن الغريب احنرف‬ ‫الطلقة بقوة وس�‬
‫�ار قبل أن يطلق الطلقة بثانية‪ ،‬فاصطدمت الطلقة باألرض‪،‬‬ ‫ناحية اليس�‬
‫ومل ختدشه حتى‪ ،‬فشعر بالدهشة واإلثارة يف أن الوقت‪ ،‬ألنه مل خيطأ أي‬
‫�ادرة‪ ،‬ومل تكن هذه حالة نادرة فامللثم كان يف‬ ‫هدف قط‪ ،‬إال يف حاالت ن�‬
‫متاما وكان قري ًبا منه أيضا‪ ،‬لقد أخطأ مرتني‪ ،‬توتر إيفانوف قلي ًال‪،‬‬
‫جماله ً‬
‫�ه بسرعة وصوب‬ ‫ألن هذه الطلقة كانت آخر ما تبقي له‪ ،‬فأخرج مسدس�‬
‫ناحية امللثم الذي كان يبتعد عنه حوالي مخسة عشر قدما؛ فأطلق النار‬
‫�اقة‪ ،‬وهو يتفادى‬ ‫�ا ًرا يف رش�‬
‫ناحيته‪ ،‬ولكن الغريب كان يقفز ميينا ويس�‬
‫�م باجتاه الطلقات‬ ‫�ات‪ ،‬وحيرك يده ميين ًا ويس�‬
‫�ا ًرا‪ ،‬وكأنه يتحك�‬ ‫الطلق�‬
‫�ه‪ .‬ظل ايفانوف يطلق بال جدوى‪ ،‬وامللثم‬ ‫لينحرف اجتاهها مبتعدة عن�‬
‫يتفاداها لسهولة وبراعة‪ ،‬وعلى حني غرة مد الغريب يده لألمام فاندفعت‬
‫�طة احلجم من على األرض ناحية ايفانوف فاصطدمت به‬ ‫صخرة متوس�‬
‫أرضا‪ ،‬فأصطدم جسده بقوة على األرض وسط احلطام والرتاب‬ ‫لتسقطه ً‬
‫املنتشر يف أحناء املكان‪ ،‬فدخل بعض الرتاب يف عينيه وانفه فسعل بقوة‪.‬‬
‫�ه ليفتح عينيه‪ ،‬وقال بينه وبني نفسه‪:‬‬ ‫استجمع قوته وضغط على نفس�‬
‫– –هذا الوغد ميتلك قدرة شبيهة بقدرة سايري ورشاقة شديدة مماثلة له‬
‫أيضا‪ ،‬ولكنه بالتأكيد ليس سايري‪ ،‬فهو لن يهامجين ‪ ..‬أم ميكن أن‪-‬‬
‫ً‬
‫�ه؟ رأى امللثم يقفز فوقه‬‫�وف عينيه ليجد ما كان يتوقع�‬ ‫فتح إيفان�‬
‫�ع بلون أبيض‪ ،‬يبدو كسيف ضوئي‬ ‫وحياول أن يطعنه بشيء طويل يش�‬
‫مبتعدا عن‬
‫ً‬ ‫�تقبل‪ .‬أول ما خطر على بال ايفانوف وهو يتدحرج‬ ‫من املس�‬
‫لاح كهذا؟ فهذا‬ ‫الطعنة كرد فعل تلقائي‪ ،‬كان كيف حصل على س�‬
‫�وذج منه يف الكلية احلربية ومل‬
‫لاح مت صنعه حديثا وبالكاد رأوا من�‬‫الس�‬
‫�ب وكأنه لعبة حصل‬ ‫�د‪ ،‬ولكن ها هو بني يد هذا الغري�‬‫جيربه أحد بع�‬
‫�هولة تامة‪.‬‬ ‫عليها من أي متجر بس�‬

‫‪165‬‬
‫�اقة وبدأ يرتاجع للخلف بسرعة‬ ‫وقف إيفانوف من على األرض برش�‬
‫�يف الكهربائي بضراوة‪ ،‬تعلم‬‫مبتعدا عن الغريب الذي بدأ يلوح بهذا الس�‬
‫ً‬
‫�تطيع‬ ‫�كرية‪ ،‬وعن انه يس�‬‫�يف يف الكلية العس�‬
‫ايفانوف عن قوة هذا الس�‬
‫�ة واحده ليقضي عليه ال‬ ‫�والذ بضربة واحدة‪ ،‬وهذا يعين ضرب�‬ ‫قطع الف�‬
‫�رعة ورفع يده وبدأ يتمتم للغريب لكي‬
‫أكثر وال اقل‪ .‬تراجع للخلف بس�‬
‫يتوقف‪ ،‬ولكن الغريب مل يسمعه‪ ،‬وظل يلوح بالسيف برشاقة وسرعة رهيبة‬
‫�يف‬ ‫�يف بعينيه كي يتفاداه‪ ،‬وقد قاب الس�‬ ‫وايفانوف حياول متابعة الس�‬
‫ين او ادني يف أن يقطع يده‪ ،‬فقال وهو يبتسم‪:‬‬‫قوس�‬
‫– –لقد حان وقت استخدام قوتي‪.‬‬

‫***‬

‫‪166‬‬
‫‪14‬‬

‫�ايري بزي املعبد خاصته يف الطرقات متأم ًال هدوئها بينما‬ ‫�ار س�‬
‫س�‬
‫�دوء والطمأنينة يف قلبه‪.‬‬ ‫�يم اهلواء يالطف وجهه‪ ،‬ملق ًيا اهل�‬
‫كان نس�‬
‫كان قرص الشمس الكبري يطل من وراء التالل فيصبغ رؤوس األشجار‪،‬‬
‫�اء والطريق بلون أرجواني مائل للحمرة‪ ،‬بينما انطلق اهلواء العليل‬‫وامل�‬
‫�جار لترتاقص على نهج رجل واحد‪.‬‬ ‫ليداعب أوراق األش�‬
‫�ه نهاية الطريق ولكن الطريق‬ ‫�ايري حياول أن يلتقط بعيني�‬
‫كان س�‬
‫ريا حتى يالقي‬
‫�عر بأنه سيسري كث ً‬ ‫كان ميتد أبعد من مدي نظره‪ ،‬فش�‬
‫مدرب‬
‫ً‬ ‫�ده كان‬ ‫املنية على الطريق من التعب واالرهاق‪ ،‬ولكنه كان جس�‬
‫�عر‬‫�ك يف أحلك الظروف‪ ،‬فش�‬ ‫تدريبات صارمة على التحمل‪ ،‬والتماس�‬
‫�بان إمكانية‬
‫�يموت من اجلوع ال أكثر‪ ،‬فوضع يف احلس�‬ ‫بأنه أن مات فس�‬
‫�ي با ًال ملوضوع الطعام‬
‫�ور على بعض الطعام يف طريقه‪ ،‬لذا مل يلق�‬
‫العث�‬
‫إطالقا‪ ،‬فهذا آخر ما كان يؤرقه اآلن‪ .‬شعر بالعجز بسبب اختفاء رفاقه‬
‫�ه كان حمتجزا يف برج غريب ال‬ ‫بينما كان عاجز ًا عن فعل ش�‬
‫�يء‪ ،‬ألن�‬
‫�ه‪ .‬واآلن عليه أن جيد أصدقائه ورفاقه‬ ‫يعرف كيف انتهى به احلال في�‬
‫الذين كان جيد السالم والراحة جبانبهم‪ ،‬وإن حدث هلم شيء فسينتقم‬
‫�خص قد آذاهم أي ًا كانت هويته‪ .‬كتم غيظه وأكمل طريقه‬ ‫من أي ش�‬
‫�احات الشاسعة من‬ ‫�جار‪ ،‬واملس�‬
‫يف الطرقات اليت تطوقها احلقول واألش�‬
‫�موخ لتزين‬ ‫�رة‪ .‬والعديد من البيوت على جانب الطريق تقف بش�‬ ‫اخلض�‬
‫�ق مع املنظر اخلالب للخضرة‪ ،‬لتعطي اطاللة رائعة‪ .‬وبعد بضعة‬ ‫الطري�‬
‫‪167‬‬
‫أحدا يراقبه‪ ،‬ال بل شخصان‪،‬‬
‫أميال توقف سايري لربهة وشعر بأن هناك ً‬
‫متأكدا أن كان حيوان ًا أم ش� ً‬
‫�خصا‬ ‫ً‬ ‫�ن اآلخر طاقته ضعيفة فليس‬
‫ولك�‬
‫شخصا على األقل يراقبه‪ ،‬مل يرد أن جيعل‬
‫ً‬ ‫آخر؟ ولكن األكيد بأن هناك‬
‫�عر وجوده‪ ،‬فنفض بيده على مالبسه كأنه‬ ‫�ك يف أنه استش�‬‫مراقبه يش�‬
‫مبال بأي شيء‪ .‬شرع يف‬
‫يره غري ٍ‬ ‫كان يزيح بعض األتربة‪ ،‬ثم أكمل س�‬
‫�خص الذي يراقبه‪ ،‬أين خيتبأ بالتحديد‪ ،‬وبعد تركيز‬ ‫حتديد مكان الش�‬
‫�تطاع حتديد وجهته‪ ،‬أنه خيتبأ بني البيوت على جهة اليمني‪.‬‬ ‫شديد‪،‬اس�‬
‫�د وممتدة جبانب بعضها البعض‬ ‫�ت البيوت مرتاصة على نهج واح�‬
‫كان�‬
‫�ايري‬ ‫�خص اجملهول يراقب حركة س�‬ ‫على امتداد الطريق‪ .‬كان الش�‬
‫�ه‪ ،‬ولكن لتنقله الكثري بني البيوت فأنه يقف خلفها فتحجبه عن‬‫ويتتبع�‬
‫ثوان‪ .‬فتوصل سايري أن هذا الوقت هو الوقت املناسب‬
‫رؤية سايري لبضعة ٍ‬
‫لالمساك به‪ .‬أنتظر حتىاستشعر حلظة حترك الغريب وبعد ذلك سكن‬
‫�ف أحد البيوت‪ ،‬ثم انطلق بهدوء ووقف أمام مقدمة البيت‪ .‬أصبحت‬ ‫خل�‬
‫�دران البيت هي ما تفصل بينهم‪ ،‬ونظرا لقصر البيت ذو الطباقني‬‫اآلن ج�‬
‫�نديان‪ ،‬فقد أعطي ذلك لسايري فرصة كبرية‬ ‫املصنوع من خشب الس�‬
‫�اك الغريب؛ فتسلق البيت برشاقة وسرعة‪ ،‬حتى أصبح على سطح‬ ‫إلمس�‬
‫متاما‪.‬‬
‫�ار ببطء حتى أصبح فوق الشخص اجملهول ً‬ ‫البيت‪ ،‬فأحنين وس�‬
‫ثم أخرج سيف الكاتانا من غمده وأستعد لالنقضاض عليه من أعلى‪،‬‬
‫ولكنه مل ينوي قتله‪ ،‬بل ختويفه فقط حتى حيصل منه على إجابات عن‬
‫�ايري بأن هذا‬
‫�بب مطاردته له؟! وهل يعرف ماذا حيدث هنا؟ ظن س�‬ ‫س�‬
‫�د‪ ،‬واآلن يراقبه هو‬
‫�ؤول عن اختفاء رفاقه يف املعب�‬
‫الرجل قد يكون املس�‬
‫أيضا كي يباغته ويقضي عليه كما فعل مع رفاقه! أو قد يكون شخصا‬ ‫ً‬
‫�تجوبه‪،‬‬
‫�بب ما! على أي حال فقد قرر أن يس�‬ ‫ميلك إجابات ويراقبه لس�‬
‫ير حتى أصبح عند طرف السطح‪ ،‬فرأى بأنه فوق الغريب‬ ‫وهكذا بدأ يس�‬
‫�رة‪ ،‬احنين برأسه إىل األمام ليلقي نظرة عليه‪ ،‬فرأى شخصا يرتدي‬‫مباش�‬

‫‪168‬‬
‫�وداء وغطاء رأس‪ ،‬ويبدو مري ًبا للغاية‪ ،‬فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫قلنسوة س�‬
‫– –يبدو مري ًبا للغاية ‪ ..‬يبدو كقاتل أو شيئا ما ‪ ..‬أن كان مس شعرة‬
‫واحدة منهم فسأقطعه إىل أشالء صغرية‪.‬‬
‫مسع سايري امللثم يهمس ألحد ما وكأنه جيري اتصال بشخص آخر‬
‫جيدا‪ ،‬وألقي‬
‫مستندا على سور السطح ً‬
‫ً‬ ‫فأحنين سايري جبسده إىل األمام‬
‫بسمعه مع الغريب فسمع ما يقال‪:‬‬
‫قال الشخص الذي يتحدث عرب اهلاتف بنربة حازمه‪:‬‬
‫– –هل ما زلت تراقب اهلدف‬
‫فرد الثاني بثقة‪:‬‬
‫– –نعم إنه أمامي ال يبعد عين إال بضعة أمتار‬
‫فقال رفيقه الذي على اهلاتف حبزم أكثر‪:‬‬
‫شخصا‬
‫ً‬ ‫ريا فهذا الشخص ليس‬‫– –حسنا‪ ،‬ولكن أحذر بأن تقرتب منه كث ً‬
‫�ا على اإلطالق ‪ ..‬لقد حصل على املركز الثاني ‪ ..‬وكان‬ ‫طبيع ًي�‬
‫ندا لك ‪ ..‬ولكن ما أقصده‬
‫يبدو بأن اجلميع يهابه‪ ،‬بالطبع هو ليس ً‬
‫�ل كما‬‫�ك أن مل تتوخي احلذر ‪ ..‬ال جمال للفش�‬‫�عر ب�‬‫أنه قد يش�‬
‫تعلم‪ ..‬وإال فأنت تعلم العواقب‪.‬‬
‫رد امللثم بثقة أكرب‪:‬‬
‫– –نعم أعلم ‪ ..‬ال ختف‪ ،‬فأنا أعرف مهميت ً‬
‫جيدا ‪ ..‬ال جمال للخطأ‪.‬‬
‫فقال اآلخر‪:‬‬
‫– –جيب أن نسقط جايا والعينات هلا دور يف هذه املعضلة‪.‬‬
‫– –جايا هذا الوغد العنيد ال أعلم كم من الوقت تبقي حتى نوقفه‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫– –مل يتبقي الكثري‪ ،‬ولكن جيب أن نصرب قلي ًال بعد‪ ،‬قبل االصطدام الكبري‪.‬‬
‫صمت امللثم قلي ًال ثم قال‪:‬‬
‫– –على أي حال يبدو أن كينو قام خبطأ فادح واآلن حنن ننظف وراءه‪..‬‬
‫صحيح أنه حصل على املركز األول وأنه ذكي للغاية ولكن هذا ال يشفع‬
‫له ما حدث ‪ ..‬فلقد جعلين هذا أترك ما كنت أفعله ألنظف وراءه‪..‬‬
‫�ي كما تعلم ولكنك تفهم ما أقصد‪.‬‬ ‫صحيح أنين مل أنظف بنفس�‬
‫قال اآلخر‪:‬‬
‫– –لق�‬
‫�د كلفنا هذا الكثري من األرواح وقام بتأخري اخلطة ‪ ..‬ولكن ال‬
‫يهم فاخلطة تسري كما هي على كل حال ‪ ..‬ولكن جيب أن نتوخى‬
‫احلذر اآلن‪ ،‬فلوال قدومنا لكان كل شيء قد انتهى بالفعل‪.‬‬
‫�م لقد أنقذنا اليوم ‪ ..‬على كل حال لقد طهرت املنطقة عندي‬ ‫– –نع�‬
‫�ات اآلن‪ ،‬بينما قم أنت‬
‫�أتكفل مبراقبة العين�‬
‫�ى الكثري‪ ،‬س�‬
‫ومل يتبق�‬
‫�ب أن نوقف تقدم الروبوتات‪.‬‬ ‫ير ما تبقي من املدينة ‪ ..‬جي�‬
‫بتطه�‬
‫– –عندما تنتهي من مهمتك فلتلحق ببقي��ة اإلينيكس فلدينا مهمة‬
‫ريا‪.‬‬
‫�ي جالديوس ينتظر كث ً‬ ‫أخرى ‪ ..‬وال جيب أن نبق�‬
‫– –سأفعل هذا ‪ ..‬سيتغري العامل قري ًبا‪ ،‬وجيب أن نستعد هلذا ‪ ..‬سأغلق‬
‫اآلن ألكمل املراقبة‪.‬‬
‫قال املتحدث عرب اهلاتف‪:‬‬
‫�م ال يعلمون ما هم مقدمون‬ ‫�بة للعينات فه�‬‫– –فلتكمل إذا ‪ ..‬وبالنس�‬
‫�ط‪ ،‬بداية العامل اجلديد‪.‬‬
‫�ه‪ ،‬كل هذا ما هو إال البداية فق�‬
‫علي�‬
‫�اعة اليد اليت يرتديها‬
‫قال الثاني وهو يضغط على بعض األزرار يف س�‬
‫عند معصمه األيسر‪:‬‬

‫‪170‬‬
‫– –سيكون كل شيء على ما يرام يف النهاية‪ ،‬أنا واثق من هذا ولكن األمر‬
‫سيتطلب بعض الوقت‪ ،‬حتى تعود األمور إىل ما كانت عليه‪ ،‬وسنكرم‬
‫كأبطال يف نهاية األمر وسأذكرك بهذا‪ ،‬واآلن سأغلق اخلط‪.‬‬
‫�ايري يفكر فيما مسعه‪ ،‬اآلليني! كينو!‬ ‫أغلق الغريب اخلط‪ ،‬فبدأ س�‬
‫العامل اجلديد! جالديوس! اإلينيكس! بدأ عقله يطرح املزيد من األسئلة‬
‫�رك من مكانه ليذهب للبيت التالي‪.‬‬ ‫فقطع امللثم حبل أفكاره وهو يتح�‬
‫أخرج سايري سيفه‪ ،‬وأخذ خطوة للوراء‪ ،‬ثم انطلق ليقفز يف اهلواء عال ًيا‬
‫�عر به‪ ،‬فتدحرج جان ًبا‪ ،‬فسقط سايري‬ ‫ً‬
‫هابط ًا على امللثم‪ ،‬ولكن امللثم ش�‬
‫�ا حتى خيفف أثر‬ ‫أيض�‬
‫�ذا االرتفاع العالي فتدحرج ً‬‫�ى األرض من ه�‬ ‫عل�‬
‫رافعا سيفه يف وضعية االستعداد مثل‬ ‫السقوط‪ .‬وثب على قدميه بسرعة ً‬
‫جيدا جلعل امللثم يستسلم حتى يستطيع استجوابه‬ ‫�تعد ً‬ ‫الساموراي‪.‬اس�‬
‫ليحصل منه على بعض األجوبة‪ ،‬فيبدو بأنه يعرف الكثري‪ ،‬أخرج الغريب‬
‫�يف ضوئي‬ ‫ين ردائه وضغط على زر فيها‪ ،‬ليخرج س�‬ ‫�ة صغرية من ب�‬ ‫علب�‬
‫غريب‪ ،‬أصفر اللون‪ ،‬متوهج بقوة‪ ،‬ويبدو كسيف الكاتانا العادي كالذي‬
‫حيمله سايري ولكنه مضيء‪ ،‬كانت حرارته شديدة لدرجة جتعله يقطع‬
‫�ايري شيئا كهذا من قبل‪ ،‬رغم اطالعه على‬ ‫أي شيء بسهولة‪ .‬مل ير س�‬
‫�ا يف اخلفاء بدون علم رفاقه يف املعبد‪ ،‬فعلى الرغم من حبه‬ ‫التكنولوجي�‬
‫�دم الرهيب الذي وصلت‬ ‫�ديد للطبيعة‪ ،‬مل مينعه هذا من رؤية التق�‬ ‫الش�‬
‫�ايري بتعجب وترقب إىل‬ ‫إليه اليابان يف هذه احلقبة من الزمن‪ .‬نظر س�‬
‫�يف الغريب املتوهج بضوء اصفر‪ ،‬ومن تكوينه الذي يبدو أشد بكثري‬ ‫الس�‬
‫وأكثر حدة من سيف الكاتانا احلاد الذي حيمله؛ والذي يستطيع بدوره‬
‫�ان إىل نصفني بضربة واحدة فقط‪ .‬فقرر‬ ‫�جار وجسد االنس�‬ ‫قطع األش�‬
‫ملوحا بالسيف‬‫ً‬ ‫اختبار مدي حدة هذا السيف‪ ،‬فأنقض على امللثم بسيفه‪،‬‬
‫أفق ًيا‪ ،‬فصد الغريب الضربة برشاقة‪ ،‬ثم وجه بدوره ضربة أفقية لسايري‬
‫الذي صدها برباعة ولكن سيفه انقسم نصفني من أثر ضربة سيف امللثم‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫كاد أن يقطعه هو أيضا‪ ،‬ولكنه قفز خطوة إىل اخللف بسرعة‪ ،‬ونظر إىل‬
‫�عر بغضب عارم جيتاحه ملا حدث لسيفه‪ ،‬فلقد كان‬ ‫�يفه املكسور‪ ،‬فش�‬
‫س�‬
‫هذا السيف هو أغلى ما ميلك من أبيه املتويف‪ ،‬أعطاه له هدية منذ عشر‬
‫سنوات يف عيد ميالده‪ ،‬وتويف بعد ذلك بسبب مرض السرطان‪ ،‬ومنذ هذا‬
‫جيدا‪ ،‬وال يرتكه أبدا‪ .‬نظر سايري‬ ‫�يف ً‬ ‫الوقت وسايري يعتين بهذا الس�‬
‫إىل امللثم بغضب‪ ،‬وكأنه بركان يكاد ينفجر‪ ،‬وفجأة لوح بيده إىل األمام‪،‬‬
‫�ة تدفعه بقوة‪ ،‬فحلق يف‬ ‫�رع بطاقة جمهول�‬ ‫فأندفع امللثم إىل اخللف وش�‬
‫�يف من يده على‬ ‫�قط الس�‬ ‫اهلواء حتى أصطدم جبدار املنزل خلفه‪ ،‬فس�‬
‫�قط بدوره على األرض‬ ‫�دا عن متناول يده بعدة أمتار‪ .‬فس�‬
‫األرض مبتع� ً‬
‫�دث‪ ،‬وفى هذه اللحظة‬ ‫�دة األمل غري مصدق ًا ما ح�‬
‫يرتنح ويتلوى من ش�‬
‫�خص غري طبيعي على اإلطالق فال‬ ‫تذكر كلمة صديقه بأن هذا الش�‬
‫�رت‬‫�عر امللثم بانه قد كس�‬ ‫ريا‪ ،‬ولكن األوان قد فات‪ .‬ش�‬
‫تقرتب منه كث ً‬
‫�ايري‬‫�ض اضالعه من أثر الصدمة‪ ،‬ويبدو بأن هذه نهايته‪ .‬اقرتب س�‬ ‫بع�‬
‫ني ليلتقطه‪ ،‬ثم أجته‬ ‫�يف الضوئي امللقي على األرض‪ ،‬وأحن�‬ ‫ناحية الس�‬
‫ناحية امللثم ببطء والغضب قد اجتاحه ملا حدث آلخر ذكري له من أبيه‬
‫�ديد‪،‬‬‫العزيز‪ .‬أصبح بالقرب من امللثم الذي يتلوى على األرض بتأمل ش�‬
‫ووضع السيف على رقبته قائال بنربة غاضبة‪:‬‬
‫– –فلتخربني كل شيء اآلن‪ ،‬واال فلن ترتك لي خيارا إال قطع رأسك‪.‬‬
‫فرد امللثم وهو يبتسم بسخرية وحياول أن يتحامل على نفسه كامتً ا امله‪:‬‬
‫– –فلتقطع رأسي‪ ،‬فأنا لن أنبس ببنت شفة‪.‬‬
‫�ايري يف امللثم املتأمل أسفل قدمه بغضب شديد‪ ،‬فقال حبزم‬
‫محلق س�‬
‫أكثر وقد بدأت نربة صوته تعلو تدرجييا‪:‬‬
‫– –سأعطيك فرصة أخريه ال تضيعها ‪ ..‬أخربني كل شيء اآلن وأقسم‬
‫لك بأني سأتركك تذهب وكأن شيئا مل حيدث ‪ ..‬هي قل لي اآلن‬

‫‪172‬‬
‫ملاذا أنا هنا؟ وأين ذهب مجيع من يف القرية؟‬
‫�ه ويلتقط أنفاسه األخرية‪ ،‬فالحظ‬
‫قال امللثم وهو يتحامل على نفس�‬
‫سايري أنه بدأ ينزف من رأسه‪:‬‬
‫– –شفاهي مغلقة ولن أنطق بكلمة‪.‬‬
‫�كت قليال حماوال استجماع قوته جمددا للتحدث‪ ،‬وهو يقاوم األمل‬
‫س�‬
‫املربح يف جسده‪ ،‬فأستطرد قائال‪:‬‬
‫جمددا وأطاردك يف احالمك‪.‬‬
‫ً‬ ‫– –ال يهمين ما ستفعل بي‪ ،‬سأعود إليك‬
‫�ايري ينفد‪ ،‬فهو مل حيصل على أي شيء منه‪ ،‬ويبدو بأنه‬ ‫بدأ صرب س�‬
‫�يفعله معه‪ ،‬أي طريقة هي األفضل لقتله‪.‬‬ ‫أبدا‪ ،‬ففكر فيما س�‬
‫لن يتكلم ً‬
‫�د وضع يده يف جيبه وأخرج‬ ‫�يء‪ ،‬وجد امللثم ق�‬‫ولكن قبل أن يفعل أي ش�‬
‫مسدسا وصوبه على رأسه‪ ،‬ثم ضغط على الزناد‪ ،‬فدوي صوت الرصاصة‬ ‫ً‬
‫يف اهلواء وهي خترتق رأسه‪ ،‬فخر قتي ًال‪ .‬وقف سايري مندهش ًا مما حدث‬
‫�تيعاب‪ ،‬فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫اآلن‪ ،‬غري قادر على االس�‬
‫�دو بأن العامل تغري‬
‫�ل مهمته أهم من حياته يب�‬ ‫– –ملاذا قتل نفس�‬
‫�ه؟ ه�‬
‫ريا من��ذ أن غبت عن الوعي‪.‬‬
‫كث ً‬
‫شعر ببعض اإلثارة مما حدث‪ ،‬وبدأ يفكر فيما سيفعله اآلن‪ ،‬لديه اآلن‬
‫�س‪ ،‬وجيب أن‬ ‫�ة مل حيصل منها على معلومات اال عن طريق التجس�‬ ‫جث�‬
‫�ب أن يذهب‪ ،‬أين املفر من كل‬ ‫�ل طريقه اآلن وهو ال يدري اين جي�‬‫يكم�‬
‫هذا؟ أثناء تفكريه‪ ،‬قطع حبل أفكاره صوت قرقعة تصدر من ساعة امللثم‪،‬‬
‫�ح جسد امللثم بعينيه لريي من أين يصدر الصوت‪ ،‬فتوصل إىل‬ ‫فبدأ ميس�‬
‫أنه من الساعة‪ ،‬فسمع صوت ًا خيرج منها قائ ًال‪:‬‬
‫– –يبدو بأنك مشغوال اآلن‪ ،‬لذا سأترك لك هذه الرسالة املسجلة‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫– –أنا اآلن أراقب العينة الثالثة‪ ،‬سأعطيك األحداثيات‪ ،‬حتى ال حتتك‬
‫به‪ ،‬لذا فلتتوخي احلذر‪.‬‬
‫بدأت شاشة الساعة تشع وخرجت منها صورة ثالثية االبعاد خلريطة‬
‫�ة‪ ،‬وهو ليس ببعيد عن‬ ‫املدينة‪ ،‬وعليها نقطة حتدد مكان العينة السادس�‬
‫�ايري اآلن وجهته‪ ،‬وإىل أين سيتوجه‪ ،‬فأخذ‬‫�ن حظه‪ ،‬فعلم س�‬‫عنه حلس�‬
‫�اعة من معصم اجلثة امللقية على األرض أمامه‪ ،‬مثخنة يف اجلراح‪،‬‬‫الس�‬
‫رجل يف الثالثني‬
‫ونزع عنه ردائه الغريب أيضا‪ ،‬فظهر وجهه بوضوح‪ ،‬وكان ٍ‬
‫من عمره‪ ،‬أصلع الرأس ولديه مالمح أوروبية‪.‬‬
‫�ايري رداءه حتى ال يتعرف عليه أحد‪ ،‬وال يشك فيه أعضاء‬ ‫أرتدي س�‬
‫�ود‪ ،‬فوجد علية‬ ‫�ة‪ .‬نظر إىل الرداء األس�‬
‫اإلينيكس اآلخرون أن رأوه خلس�‬
‫�يا من اليمني واليسار‪ ،‬وفى منتصف‬ ‫خطان أمحران يقطعان الرداء رأس�‬
‫�ب أزرق‪ ،‬وعلى ظهر الرداء‬ ‫�د الصدر‪ ،‬يوجد نقش بارز‪ ،‬لكوك�‬ ‫الرداء عن�‬
‫�د أربعة نقوش بارزة أيض ًا ألربعة كواكب أخرى‪ ،‬مل يتعرف عليها‪.‬‬ ‫يوج�‬
‫أرتدي الرداء بدون أن يبدي أي انتباه للنقوش الغريبة عليه؛ ووضع غطاء‬
‫الرأس حتى اختفى وجهه متاما‪ .‬ضغط على زر يف قبضة السيف الضوئي‬
‫يف يده‪ ،‬فأنطفأ السيف‪ ،‬فعلقه عند خصره‪ ،‬وأخذ اجلثة ووضعها يف أحد‬
‫�ر إىل اخلريطة ثالثية األبعاد‪،‬‬‫يره وهو ينظ�‬‫البيوت‪ ،‬ثم خرج وأكمل س�‬
‫�ة‪،‬‬
‫ير فيها بالقرب منه‪ ،‬العينة السادس�‬ ‫�ص إىل النقطة اليت تس�‬‫وباألخ�‬
‫�م املدينة فوق اخلريطة وكانامسها هو أطالنتس!‬ ‫فوجداس�‬
‫�جار وقف شخص يراقب سايري‪ ،‬شخص شاهد كل ما‬‫من بني األش�‬
‫حدث بدون أن يشعر به أحد‪.‬‬
‫***‬

‫‪174‬‬
‫‪15‬‬

‫�ايري املالبس الرمسية هلذه املنظمة الغريبة املدعوة‬ ‫بعد أن ارتدى س�‬
‫�ول‪ ،‬أكمل طريقة‬ ‫�ا كغنيمة من عضوها املقت�‬ ‫باإلينيكس اليت أخذه�‬
‫�اعرا بأنه يتقدم‬
‫ناحية النقطة احملددة على اخلريطة ثالثية األبعاد‪ ،‬ش� ً‬
‫على اإلينيكس خبطوة اآلن‪ ،‬فكل ما سيفعله حاليا‪ ،‬هو الوصول إىل العينة‬
‫�يطلب منه االنضمام‬ ‫تي تكلموا عنها‪ ،‬أو كما قالوا العينة الثالثة‪ ،‬س�‬‫ال�‬
‫معا عضو اإلينيكس الذي يراقبه حتى‬ ‫إليه ويشرح له ما حدث‪ ،‬وميسكوا ً‬
‫�ه العينة الثالثة فهذا يعين‬‫�يء‪ .‬وهكذا مبا أن�‬ ‫جيربوه على البوح بكل ش�‬
‫أيضا‪ ،‬ومبساعدتهم قد‬ ‫�يحاول العثور عليهم ً‬ ‫بأن هناك املزيد‪ ،‬وقرر أنه س�‬
‫�تطيع اجلميع فهم ما حيدث هنا‪ ،‬واخلروج من هذا املأزق‪.‬‬ ‫يس�‬
‫وضع سايري غطاء الرأس حتى اختفى وجهه بداخله‪ ،‬وانطلق حنو‬
‫�مس تغرب يف األفق‪ ،‬وتلقى بأشعتها احلمراء على األشجار‬
‫وجهته والش�‬
‫واألعشاب‪ ،‬فتصبغها بلون أرجواني‪.‬‬
‫�دا يف املنطقة‬
‫�عار أي أح� ً‬
‫�ايري‪ ،‬وهو حياول استش�‬
‫وهكذا ركض س�‬
‫حوله‪ ،‬عن طريق الشعور بطاقة أجسادهم‪ ،‬فقد اخلدع اجلميع بقوله بأن‬
‫�ياء بعقله‪ ،‬ولكن قدرته تتلخص يف تدفق طاقة‬‫قدرته هي حتريك األش�‬
‫هائلة خترج من جسده يستطيع استخدامها يف العديد من األشياء‪ ،‬مثل‬
‫التحريك عن بعد والشعور باألشخاص من حوله ووظائف أخرى عديدة‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫ريا‪ ،‬مل يبقي غري بضعة‬‫بعد سري طويل‪ ،‬اقرتب سايري من وجهته كث ً‬
‫أمتار‪ ،‬فأختذ حذره بعد أن أبتعد عن الطريق العمومي‪ ،‬ودخل إىل املدينة‪،‬‬
‫متعمق� ًا بداخلها‪ ،‬فرأى األبنية احملطمة‪ ،‬واألطالل‪ ،‬واحلطام يعم املكان‪،‬‬
‫�ود لونها‬‫واألدخنة واجلثث واملتناثرة يف كل مكان وبعض املباني اليت أس�‬
‫من احلرائق‪ ،‬فتعجب ملا يراه وقال بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫– –ما الذي حدث هنا؟ لقد حدث شيء خطري جعل اجلميع يهرب‪ ،‬رمبا‬
‫هرب رفاقي ملكان آخر‪ ،‬ال أعلم‪ ،‬ولكن جيب أن أكمل مهميت أو ًال‬
‫استشعر هدفه أخريا‪ ،‬فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫– –استشعر طاقته‪ ،‬إنه قريب‪.‬‬
‫�د بينهما الكثري‪.‬‬
‫�ر إىل اخلريطة ليجد أنه اقرتب كثري مل يع�‬ ‫فنظ�‬
‫أنعطف ميين ًا حبذر يف طريق جانيب‪ ،‬وسار وقد غربت الشمس‪ ،‬وحل القمر‬
‫يره مسع صوت انفجار‬ ‫حملها‪ ،‬معلن ًا بذلك قدوم الليل‪ ،‬وفجأة أثناء س�‬
‫�ا بعيد‪ ،‬يدوي يف ارجاء املدينة‪ ،‬فألتف ورائه ونظر إىل‬
‫كبري من مكان م�‬
‫املصدر‪ ،‬ليجد السنة اللهب تتصاعد ألعلى وقد تالها الكثري من األدخنة‪.‬‬
‫�عر سايري بوجود شخص آخر يف األرجاء‪ ،‬فنظر خلفه جمدداً‪ ،‬فأحس‬ ‫ش�‬
‫�خص ما أعلى أحد املباني املائلة واحملطمة‪ ،‬فنظر سايري ألعلى يف‬ ‫بش�‬
‫اجتاهه‪ ،‬فرأى أنه ميسك سالح ًا ما ويصوب ناحيته‪ ،‬وعلم هذا بسبب ملعان‬
‫عدسة منظار سالحه وسط الظالم‪ ،‬عندما سقط ضوء القمر عليها‪ .‬فجأة‬
‫اختفى السالح واخنفض الشخص وأخفى وجوده‪ ،‬فأيقن سايري بأنه أحد‬
‫اإلينيكس يراقبه‪ ،‬فاستغل فرصة اختبائه‪ ،‬وركض بسرعة كبرية‪ ،‬ناحية‬
‫�م ألتف حوله‪ ،‬حتى وجد طريق الصعود‪ ،‬فلمح‬ ‫املبين حتى ألتصق به‪ ،‬ث�‬
‫�س‬ ‫�خص الذي يراقبه وهو يتوارى يف الظالم يف أعلى املبين‪ ،‬فتحس�‬ ‫الش�‬
‫�ايري طريقه‪ ،‬ثم صعد ببطء شديد باجتاهه ليظفر به ويفاجئه على‬ ‫س�‬
‫عابرا من فوق العقبات الواحدة تلو األخرى‪،‬‬
‫�لق احلطام‪ً ،‬‬ ‫حني غرة‪ .‬تس�‬
‫‪176‬‬
‫متوخي ًا احلذر يف كل خطوة خيطوها‪ ،‬فخطأ واحد سيكشف أمره‪ ،‬وهكذا‬
‫�ه ركام كثيف من االحجار‬ ‫�ب يف طريقه‪ ،‬وكان فوق�‬ ‫وجد أحد املكات�‬
‫الصغرية‪ ،‬فوقف على املكتب ببطء‪ ،‬حماو ًال أال يقرتب من الركام‪ ،‬وفجأة‬
‫ذلت قدمه بسبب األتربة‪ ،‬فاصطدمت بالصخور الصغرية‪ ،‬فسقطت على‬
‫�ت ضجة كبرية يف املكان‪ ،‬فعرف العدو مكانه‪ ،‬فتوقع بأال‬ ‫األرض وأحدث�‬
‫مفر اآلن من املواجهة املباشرة‪ .‬فركض باجتاهه‪ ،‬وملح العدو وهو يصوب‬
‫�ع بعض الطاقة يف راحة يده‪،‬‬ ‫�وه بقناصة‪ ،‬فرفع يده إىل األمام‪ ،‬ومج�‬ ‫حن�‬
‫وأطلقها يف اللحظة اليت مسع فيها صوت الطلقة تنطلق‪ ،‬فأستخدم قوة‬
‫�رى‪ ،‬لتغري أجتاه القوة األوىل‪ .‬لكل فعل رد‬‫مندفعة ضد قوة مندفعة أخ�‬
‫فعل‪ .‬احنرفت الطلقة عن مسارها‪ ،‬فأكمل سايري اندفاعه ناحية العدو‪،‬‬
‫�وق بعض الركام‪ ،‬وعرب األخرى‬ ‫�اقة‪ ،‬فقفز من ف�‬‫متجاوز ًا العقبات برش�‬
‫حبركات بهلوانية‪.‬‬
‫رأى أن العدو يصوب ناحيته مرة أخرى‪ ،‬فلم جيد الوقت الكايف ليفعل‬
‫�ل مندفع ًا إىل األمام‪ ،‬ثم‬
‫�ابقة‪ ،‬فأعتمد على حظه وظ�‬ ‫نفس فعلته الس�‬
‫أحنرف يسا ًرا‪ ،‬وشعر بأنه الوقت املناسب لتجنب الطلقة القادمة وبالفعل‪،‬‬
‫مبجرد أن احنرف عن الطريق مسع صوت الطلقة تدوي يف املكان‪ ،‬ولكنها‬
‫�عر باالطمئنان‪ ،‬وقرر أن يسرع بسرعة وميسكه قبل أن‬ ‫مرت جبانبه‪ ،‬فش�‬
‫يقضي عليه بالطلقة التالية‪ ،‬فهرول بأسرع ما عنده وسط الظالم املخيم‬
‫على املكان‪ ،‬وكان بالكاد يري الشخص املاثل أمامه‪ ،‬حتى اقرتب كثري ًا‬
‫�ار حنوه بتوتر‪ ،‬فجمع‬ ‫�ه وأطلق الن�‬
‫من العدو الذي بدوره أخرج مسدس�‬
‫جمددا ودفعها إىل األمام على دفعات متتالية‬
‫ً‬ ‫سايري الطاقة يف راحة يده‬
‫لتبعد الطلقات عنه الواحدة تلو األخرى مع مناورته للرصاصات برشاقة‪،‬‬
‫حتى شعر بأنه سيتم أصابته‪ ،‬فلمعت فكرة يف رأسه‪ ،‬فدفع شحنات الطاقة‬
‫�ارت الصخرة ناحية العدو‪،‬‬ ‫�طة احلجم امامه‪ ،‬فط�‬ ‫باجتاه صخرة متوس�‬
‫أرضا‪ ،‬فأخرج سايري سيف الكاتانا الضوئي‪ ،‬قافز ًا عليه لتخويفه‬ ‫لتوقعه ً‬

‫‪177‬‬
‫�رعة على‬‫�لم‪ ،‬ولكن العدو تدحرج ناحية اليمني‪ ،‬ووثب بس�‬ ‫حتى يستس�‬
‫�يفه الذي‬
‫�ايري يلوح بس�‬‫قدمه‪ ،‬أخذ ًا وضعية الدفاع عن النفس‪ .‬ظل س�‬
‫�ف عن الشخص الغريب الذي يقف أمامه‪،‬‬ ‫أنار املكان املظلم قلي ًال‪ ،‬ليكش�‬
‫فلمح سايري أنه ضخم اجلثة وعريض املنكبني‪ ،‬ويبدو كأحد املصارعني‬
‫�ايري يلوح بسيفه بال هداوة حتى حدث ما مل‬
‫مفتولي العضالت‪ ،‬فظل س�‬
‫يتوقعه‪.‬‬

‫***‬

‫‪178‬‬
‫‪16‬‬

‫يرون بانتظام وثبات شديد‪ ،‬فقال‬


‫سار إريس وسط اجلنود الذين يس�‬
‫إريس يف قرارة نفسه‪:‬‬
‫– –وما هو الشيء األفضل من اجليش للتحكم بالبشر وجعلهم كدمية‬
‫�تكي‪ ،‬أو‬
‫تتحرك بتناغم تام كما يريدونها أن تتحرك‪ ،‬بدون أن تش�‬
‫�كك فيما تفعله‪ .‬فقط يسريون وقد غسلت عقوهلم‬ ‫تعرتض‪ ،‬أو تش�‬
‫متاما‪ ،‬ولكن على‬
‫بالكامل‪ ،‬ولكنهم ال فرق بينهم وبيين يف شيء‪ ،‬فأنا مثلهم ً‬
‫األقل أنا أستطيع أن أميز بني الصواب واخلطأ‪ ،‬حتى لو فعلت اخلطأ‪.‬‬
‫يره وسط األشجار‪ ،‬متأم ًال الطبيعة اخلالبة‪ ،‬فالطيور تغين‬ ‫أكمل س�‬
‫لبعضها البعض فوق األشجار‪ ،‬واهلواء يداعب أوراق الشجر فترتاقص يف‬
‫�ات هنا وهناك‪ ،‬ليحصلوا على قوط‬ ‫تناغم تام‪ ،‬ويركض بعض احليوان�‬
‫�مس من بني األغصان املتشابكة فوقهم لتنري‬ ‫�لل الش�‬ ‫يومهم‪ ،‬بينما تتس�‬
‫الغابة‪ ،‬وتنشر الدفء يف املكان‪.‬‬
‫�ن الغابة‪ ،‬ليجد‬ ‫ريا م�‬
‫ير‪ ،‬خرج إريس أخ ً‬
‫�د فرتة طويلة من الس�‬‫وبع�‬
‫ريا أمامه ميتد على ساحة خضراء شاسعة‪ ،‬حماط ًا ببعض‬ ‫�كرا صغ ً‬
‫معس� ً‬
‫�وار الشائكة‪ ،‬كان املعسكر كناية عن العديد من املخيمات خضراء‬‫االس�‬
‫اللون‪ ،‬واليت تقف جبانب بعضها البعض بشموخ‪ ،‬بشكل طولي على مدي‬
‫�ة وذها ًبا‪ ،‬ويتنقلون‬
‫�ن‪ ،‬وبداخلهم يتحرك اجلنود جيئ�‬
‫صفني متجاوري�‬
‫‪179‬‬
‫�ض الالقطات اهلوائية‪ ،‬وبعض‬ ‫أيضا بع�‬
‫�كان آلخر يف عجلة‪ .‬رأى ً‬ ‫من م�‬
‫احلواسيب بداخل املعسكرات‪ ،‬وعند بوابة املعسكر وقف جنديان يف صمت‬
‫�ا باعتدال‪ ،‬وهما‬‫�ادم ومعه اجلنود‪ ،‬وقف�‬‫�ا رأوا الكابنت ق�‬
‫وثبات‪ .‬عندم�‬
‫يوجهان التحية العسكرية حنوه‪ ،‬فبادهلم الكابنت التحية‪ ،‬فقام اجلنديان‬
‫بفتح البوابة ليدلف الكابنت واجلنود وإريس إىل املعسكر‪ .‬أخذ اجلنديان‬
‫�اؤل‪ ،‬فنظر إليهما بدوره‪ ،‬ثم أشاح‬
‫�كك وتس�‬ ‫يرمقان إريس بنظرات تش�‬
‫بنظره بسرعة‪ ،‬وهكذا سار الكابنت ملق ًيا التحية على كل من يراه‪ ،‬بينما‬
‫�يته‪ ،‬بسبب معاملة‬ ‫ير وسط حاش�‬ ‫�عر وكأنه ملك يس�‬ ‫كان إريس يش�‬
‫متذكرا ماضيه املؤمل يف‬
‫ً‬ ‫�ه‬
‫�وك اليت يتلقاها‪ .‬فرتقب املكان من حول�‬‫املل�‬
‫أحد املعسكرات الشبيهة‪ ،‬وتساءل هل كان ماضيه هو السبب يف حاضره؟‬
‫جزءا‬
‫وهل هو السبب يف أنه اختري ليستخدم هذه القوة الغريبة‪ ،‬ويصبح ً‬
‫�ة اآلن‪ ،‬وعدم مقرته‬ ‫�ى الرغم من أن الصورة مبهم�‬ ‫مما حيدث هنا؟ عل�‬
‫�يخربه بكل شيء‪ ،‬ألنه‬ ‫على فهم ما حيدث هنا‪ ،‬ولكن ال بد أن الكابنت س�‬
‫يبدو وكأنه يبجله بطريقة ما‪ ،‬ويظن بأنه قادم للمساعدة‪ ،‬أنها سخرية‬
‫�ن أجله إىل مصر يف‬ ‫�س هذا ما جاء إريس م�‬ ‫�در كما يقولون‪ ،‬فلي�‬‫الق�‬
‫�ى معهم لكيال يتم كشفه‪ .‬شعر باالمتنان ألنه‬ ‫البداية‪ ،‬ولكن سيتماش�‬
‫�ة يف الطريق‪ ،‬وارتداها‪ ،‬فلو‬
‫�ذ بعض املالبس من أحد املتاجر الفارغ�‬ ‫اخ�‬
‫�يحدث‪ .‬قطع‬ ‫�فى تلك مل يعرف ماذا كان س�‬ ‫كانوا رأوه مبالبس املش�‬
‫شرود إريس صوت الكابنت احلازم‪ ،‬وهو يشري له بأن يدخل إىل اخليمة اليت‬
‫�ه ثم دلف إىل اخليمة فو ًرا‪ ،‬وهناك وجد‬‫يقف أمامها‪ ،‬فأومأ إريس برأس�‬
‫�ون على بعض احلواسيب ويتمتمون باللغة العربية‬ ‫بعض اجلنود جيلس�‬
‫أحيان� ًا‪ ،‬ويضغطون على بعض األزرار هنا وهناك‪ ،‬وفى منتصف اخليمة‪،‬‬
‫�خص يبدو ذو رتبة عالية‪ ،‬وينظر إىل خريطة ثالثية األبعاد على‬ ‫يقف ش�‬
‫الطاولة أمامه هو وبعض الرتب األخرى‪ ،‬مشريون لبعض املناطق احلمراء‬
‫�دة يف شيء ذو أهمية قصوى‪.‬‬ ‫يف اخلريطة‪ ،‬ويبدو وكأنهم منهمكني بش�‬

‫‪180‬‬
‫�خص ذو الرتبة الكبرية‪،‬‬ ‫�ن باخليمة‪ ،‬ثم انطلق إىل الش�‬ ‫حيا الكابنت م�‬
‫وهمس يف أذنه ثم وجه نظره إىل إريس‪ ،‬فنظر الشخص ذو الرتبة العالية‬
‫�م باجلدية تتغري‪.‬‬ ‫�ه‪ ،‬وقد بدأت مالمح وجهه اليت كانت تتس�‬ ‫أيضا إلي�‬
‫�ة ثواني من اهلمس‪ ،‬أبتعد الكابنت وتوجه إىل إريس‪ ،‬ثم تكلم‬‫وبعد بضع�‬
‫معه بلكنته الغريبة‪ ،‬قائال‪:‬‬
‫– –تفضل يا سيد إريس‪ ،‬أريد أن أعرفك إىل اجلنرال‪.‬‬
‫�رة‪ .‬فقال‬
‫�ى أصبح أمام اجلنرال مباش�‬
‫�ار معه حت�‬‫فوافق إريس وس�‬
‫�ال على صوته‪:‬‬
‫�رال وقد طغي االنفع�‬
‫اجلن�‬
‫– –مرحبا بك معنا‪ ،‬لقد انتظرنا وصولك‪.‬‬
‫�تطيع فعله يف هذا‬
‫�يء يس�‬
‫فبادله إريس التحية‪ ،‬ثم صمت‪ ،‬أفضل ش�‬
‫�ى يتبني ما حيدث حوله‪.‬‬
‫املوقف هو الصمت حت�‬
‫فقال اجلنرال حماوال هز شباك العنكبوت‪:‬‬
‫– –أنت تعلم ملاذا أنت هنا بالطبع؟‬
‫قال إريس بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫– –ال ال أعرف‪ .‬حسنا‪ ،‬سيتم اكتشاف أمري جيب أن أتصرف حاال‪.‬‬
‫فقال بثقة‪:‬‬
‫– –بالطبع‪ ،‬وأريدك أن تشرح لي آخر املستجدات‪.‬‬
‫�اف أمره‪ ،‬فأبتسم‬ ‫صمت اجلنرال قلي ًال فش�‬
‫�عر إريس بأنه مت اكتش�‬
‫اجلنرال قائ ًال‪:‬‬
‫– –بالطبع سأقول لك‪ ،‬أنا آسف ‪ ..‬ولكنى أشعر بأني رأيتك يف مكان ما‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫فقال له إريس وهو حياول أن يرجتل‪:‬‬
‫– –بالطبع‪ ،‬رمبا يف أحد الزيارات أو شيئا كهذا‪.‬‬
‫فضحك اجلنرال مربت ًا على كتفه‪:‬‬
‫– –نعم رمبا رأيتك يف أحدها‪ .‬واآلن سأشرح لك آخر املستجدات‪.‬‬
‫�ار إلريس بأن ينظر إىل اخلريطة ثالثية األبعاد‪ ،‬قائ ًال وهو يش�‬
‫ير‬ ‫أش�‬
‫ألحد املناطق احلمراء‪:‬‬
‫– –لقد استحوذت الروبوتات على هذه املنطقة أيضا‪.‬‬
‫نزلت الكلمات على إريس كالصاعقة‪ ،‬ومل يصدق ما مسعه يف الوهلة‬
‫األوىل‪.‬‬
‫�يطرت الروبوتات على مصر‪ ،‬هل‬ ‫�ات‪ ،‬هل ميزح معي‪ ،‬كيف س�‬ ‫– –روبوت�‬
‫�ر من املدينة‪ ،‬والدمار احمليط بالعديد من‬
‫�ر اختفاء البش�‬
‫هذا يفس�‬
‫األبنية واملنشئات‪.‬‬
‫أكمل اجلنرال قائ ًال‪:‬‬
‫– –منذ أن قامت ثورة الروبوتات على البشر منذ مخس سنني وبالتحديد‬
‫يف سنة ‪.2050‬‬
‫صعق إريس أكثر مما مسعه‪ ،‬وبدأ مبحاولة اخفاء مالمح الريبة على‬
‫وجهه‪:‬‬
‫– –حنن يف عام ‪ 2055‬اآلن‪ ،‬ما الذي حيدث هنا حبق اهلل؟ لقد كنت ً‬
‫نائما‬
‫�نني! هذا يفسر اللحية الطويلة‬
‫يف هذا الربج اللعني منذ مخس س�‬
‫�عر الطويل‪ ،‬واحلقنة اليت أخذتها يف الربج ألستطيع حتريك‬‫والش�‬
‫�دي‪ ،‬ولكن مل أتوقع بأنه قد مر مخس سنني‪ ،‬ما الذي حدث لي‬‫جس�‬

‫‪182‬‬
‫�نني؟ كيف أصبحت هنا؟ وكيف غزت اآلالت مصر؟‬
‫منذ مخس س�‬
‫�ن حظه‬
‫ركز إريس مع اجلنرال وهو يلقى حماضرته‪ ،‬واليت من حس�‬
‫�اعدته يف فهم عدة أشياء‪ .‬أكمل اجلنرال بنربة كئيبة‪:‬‬
‫س�‬
‫– –حنن نواصل كل جهودنا لتدمري هؤالء املالعني‪ ،‬ولكن هذه األشياء‬
‫�رعة رهيبة‪ ،‬ويستخدمون معنا أسلحة غريبة ال نعرف من‬ ‫تتطور بس�‬
‫�قط الكثري من الضحايا‬ ‫أين حصلوا عليها‪ ،‬حتى بدأنا نرتاجع وس�‬
‫�ذا كل ما حدث؛ بل أنهم‬ ‫�م‪ ،‬ولكن ليس ه�‬ ‫أثر هذا االحتالل الغاش�‬
‫�فن الغريبة اليت حتوم يف السماء‪،‬‬
‫�تخدمون بعض الس�‬ ‫أصبحوا يس�‬
‫رمادا‪ ،‬حتى قضوا على معظم‬ ‫وبضربة واحدة جتعل املكان أس��فلها ً‬
‫قواتنا‪ ،‬فبدأنا خنتبأ يف الغابات‪ ،‬ونبعث بعض اجلواسيس الكتشاف‬
‫�رهم فنحن ال نعرف كيف متردت علب الساردين هذه علينا‪ ،‬فلم‬ ‫س�‬
‫تي متكن الروبوت من‬ ‫�ذكاء االصطناعي بعد للمرحلة ال�‬ ‫يصل ال�‬
‫�ول على الوعى الكامل‪ ،‬فإن صنفنا الذكاء االصطناعي منذ‬ ‫احلص�‬
‫مخس سنني فإنه بنفس ذكاء ووعى طفل عنده مخسة عشرة سنة‪،‬‬
‫أنا ال أظن بأن طفل يف هذا العمر يستطيع التمرد على أبويه وصنع‬
‫أشياء متقدمة كهذه‪.‬‬
‫صمت اجلنرال قلي ًال ليس�‬
‫�تجمع أفكاره‪ ،‬ثم أكمل والغضب يشع من‬
‫عينيه‪:‬‬
‫�ردوا يف كل أحناء القاهرة‬ ‫�رون كالوباء‪ ،‬ومت�‬ ‫– –وهك�‬
‫�ذا بدأوا ينتش�‬
‫�يطروا‬ ‫�روا ليحتلوا معظم مصر‪ ،‬بل وس�‬ ‫اجلديدة كبداية ثم انتش�‬
‫�ات ليصنعوا املزيد‬ ‫�ى املصانع املختصة يف تصنيع الروبوت�‬ ‫أيض ًا عل�‬
‫منهم‪ ،‬ولكنهم يف احلقيقة أبهرونا‪ ،‬فقد صنعوا أشياء أضخم وأعظم‬
‫بكثري مما ميكننا أن نتخيل‪ ،‬ليس ه��ذا فقط ولكنهم أصبح لديهم‬
‫لغة وأعلنوا دولتهم على املأل أمام العامل كله يف التلفاز‪ ،‬وأعلنوا بأن‬
‫‪183‬‬
‫البشر سيتم طردهم خارج البالد‪ ،‬ومن سيحاول املقاومة سيتم قتله‪،‬‬
‫�اعدة ولكن قواتهم أبيدت عن بكرة‬ ‫وبالطبع حاولت بعض الدول املس�‬
‫�ر وقد مسعت بأن العديد‬ ‫�ا‪ ،‬جملرد حماولتهم االقرتاب من مص�‬‫أبيه�‬
‫متاما من‬
‫�د مت حموها ً‬ ‫�ل ما حدث لنا وق�‬ ‫�ن الدول حدث هلا مث�‬‫م�‬
‫�ذه القوة املدمرة وهي تكرب‬ ‫�ود مما جعل العامل يرتقب بقلق ه�‬‫الوج�‬
‫�تطيعون أن يفعلوا أي شيء‪ ،‬ال‬ ‫وترتعرع أمام أعينهم بينما هم ال يس�‬
‫�تطيع الدخول إىل مصر بعد اآلن‪ ،‬فلقد مت احتالل معظم‬ ‫أحد يس�‬
‫أراضيها منهم وهذا جعل اجلميع ينتقل للهرب إىل مدينة أطالنتس‬
‫�ة يف غرب مصر‪ ،‬وأحيطت بدرع من البالزما مينع أي طائرات‬ ‫الواقع�‬
‫�يقرتب سيصطدم بالدرع‬ ‫من الدخول إىل الغالف اجلوي هلا‪ ،‬فمن س�‬
‫ويسقط كالذبابة‪ ،‬وحتى ولو جنح أحدهم بالدخول ففرصته للنجاة‬
‫�ا الروبوتات‪ ،‬وهكذا‬ ‫�لحة الغريبة اليت متتلكه�‬
‫منعدمه يف ظل األس�‬
‫�ة األخرية لنا تقبع هنا يف أطالنتس‪ ،‬وظلت أطالنتس آمنة‬ ‫فاملقاوم�‬
‫�تقبل الجئني من كل أحناء العامل من كل األلوان واالشكال‬ ‫وتس�‬
‫واجلنسيات‪ ،‬حتى جاء هذا اليوم امللعون‪ .‬فأثناء تنفيذ خطة وضعتها‬
‫�ع باألراضي لتشمل مساحة‬ ‫احلكومة لصد عدوان الروبوتات والتوس�‬
‫�احة أطالنتس احلالية حتى تتسع للجميع‪ ،‬وبطريقة ما‬ ‫ضعف مس�‬
‫مل يعرفها أحد؛ استطاعت الروبوتات الدخول عندما مت تنفيذ خطة‬
‫التوسع ودمرت أطالنتس وقتلت املاليني من البشر ومت تدمري نصف‬
‫ير معظم الروبوتات ومل‬ ‫�ي‪ ،‬وبطريقة ما مت تدم�‬ ‫اجليش األطالنتس�‬
‫نفهم كيف حدث هذا؟ ولكن بعد اجلنود ذكروا وجود جنود غرباء‬
‫�ماء‪ ،‬ومل يصدقهم أحد‪ ،‬ولكن الروبوتات مل يستطيعوا‬ ‫جاءوا من الس�‬
‫�ون‪ ،‬وعاج ًال أم اج ًال‬
‫�س بعد‪ ،‬ولكنهم حياول�‬ ‫�يطرة على أطالنت�‬‫الس�‬
‫تي تراها أمامك باللون‬ ‫�يأخذونها‪ .‬لقد دمروا بعض املناطق ال�‬ ‫س�‬
‫�وال تدخل هؤالء اجلنود‬ ‫�ن ال يزال أمامهم الكثري‪ ،‬فل�‬
‫األمحر‪ ،‬ولك�‬

‫‪184‬‬
‫�ا ‪ ..‬ولكن رمبا يكون هؤالء‬
‫�يئا لكنا هلكن�‬
‫الذين ال ندري عنهم ش�‬
‫�تطيع‬‫�اعدة فنحن مل نعد نس�‬ ‫�ود جاءوا من دول أخرى للمس�‬‫اجلن�‬
‫�نوات‪.‬‬
‫التواصل مع الدول األخرى منذ مخس س�‬
‫توقف‪ ،‬وقح قلي ًال‪ ،‬ثم أضاف بصوت الذع‪:‬‬
‫ير من األهمية‪ ،‬لقد‬ ‫�ة مل يعر أي من الدول لثورتهم الكث�‬‫– –يف البداي�‬
‫�ذا الضباب الغريب الذي‬‫�يئا غريب ًا بالطبع‪ ،‬واالغرب هو ه�‬
‫كان ش�‬
‫�ات للقوانني الثالثة‬
‫�بب يف اخرتاق الروبوت�‬
‫ظهر يف كل مكان وتس�‬
‫�ر أو االعتداء عليهم‪ ،‬وعندما انقشع هذا‬‫اليت متنعهم من قتل البش�‬
‫�يئ ًا غري اخلراب‪.‬‬
‫الضباب مل يتبقى ش�‬
‫�نوات وعن اجملازر اليت حتدث يف‬‫�تمر حديث البشر عنهم لعدة س�‬ ‫اس�‬
‫�يء الذي من‬ ‫�م توقعوا بأن نقضي عليهم‪ ،‬وكان هذا الش�‬ ‫مصر‪ ،‬ولكنه�‬
‫�م وقضينا على الكثري‬ ‫ترض أن حيدث‪ ،‬وكنا بالفعل قد كبحناه�‬ ‫املف�‬
‫منهم‪ ،‬حتى انتشروا فجأة كالوباء‪ ،‬وخرجوا من كل مكان‪ ،‬قاتلني كل‬
‫�اء وشيوخ‪ ،‬ولقد بدأت‬ ‫من يعرتض طريقهم‪ ،‬ال يفرقون بني أطفال ونس�‬
‫الثورة كما قلت سابق ًا من القاهرة اجلديدة‪ ،‬ثم انطلقت بعدها لكل مكان‪،‬‬
‫ولكن أطالنتس كانت حمصنة لفرتة طويلة‪ ،‬ولكن وبعد مخس سنني من‬
‫�يطرة‪ ،‬وبعد أن أعلنوا دولتهم يف عام ‪ ،2052‬وسيطروا على‬ ‫اهلجوم والس�‬
‫�يناء‪ ،‬وسيطروا على معظمها؛ ولكن‬ ‫كل أحناء مصر‪ ،‬ثم انتقلوا إىل س�‬
‫�ا هذه هي املدينة الوحيدة اليت ال زالت صامدة حتى اآلن‪ .‬وهلذا‬‫مدينتن�‬
‫�عي وراءاها بالقوة‪ ،‬صمدنا أمامهم بعض الوقت‪ ،‬حتى حدث‬ ‫بدأوا بالس�‬
‫�رب املواطنون إىل أحد املالجئ‬
‫�ا حدث وهلك نصف جنودنا وهكذا ه�‬ ‫م�‬
‫�ن مصر نهائي ًا‪ ،‬وبقينا حنن‬
‫�ة الغرب‪ ،‬ينتظرون الفرصة للهروب م�‬ ‫ناحي�‬
‫�ر واألمل الوحيد‪ .‬ولكن مل نتوقع أبدا‬
‫كاملقاومة الداخلية األخرية ملص�‬
‫بأن يستطيع أحد اجلواسيس من االحتاد األوروبي الدخول وعبور الدرع‪،‬‬

‫‪185‬‬
‫صامدا أم سقط‬
‫ً‬ ‫كيف فعلت هذا؟ وماذا حدث لالحتاد األوروبي هل ظل‬
‫لامي؟‬‫أيضا‪ ،‬وماذا حدث لبقية دول االحتاد اإلس�‬
‫هو ً‬
‫�ى مالحمه وفكر يف‬
‫�ؤال املفاجئ وحاول أن خيف�‬
‫توتر إريس من الس�‬
‫كذبة سريعة فقال‪:‬‬
‫�فل املاء فالدرع ال حييط الدولة من األسفل‪ ،‬وقد‬‫– –لقد عربت من أس�‬
‫�هل ‪ ..‬لكياستفسر عما حيدث‬ ‫بعثوني وحدي حتى تكون املهمة أس�‬
‫من الداخل وأمجع منكم بعض املعلومات اليت قد تساعدنا يف تدمري‬
‫هؤالء املالعني‪ ،‬كي أسربها للخارج ‪ ..‬أما االحتاد فهو ال زال خبري‬
‫ريا هلجمات اآلالت وقد شنت العديد من احلروب‬ ‫ولكنه يتعرض كث ً‬
‫لكبحهم وهلذا ال نستطيع أن مند املساعدة لكم‪ ،‬ونفس الشيء لالحتاد‬
‫أيضا من هذه اآلالت وقد سقطت‬ ‫اإلسالمي فهو يتعرض هلجوم شرس ً‬
‫�ف على قدميه‪.‬‬ ‫�دول ولكن البعض اآلخر ال زال يق�‬ ‫�د من ال�‬‫العدي�‬
‫مادحا إياه‪:‬‬
‫ً‬ ‫بدا أن اجلنرال قد أقتنع بإجابته‪ ،‬فقال‬
‫�جاع يا صديقي‪ ،‬لقد فعلت كل هذا من أجل جندتنا‪،‬‬ ‫– –يا لك من ش�‬
‫�داوات بيننا ‪ ..‬وأمتنى‬‫�م هذا رغم الع�‬‫أبدا مجيلك�‬
‫�ي لكم ً‬‫لن ننس�‬
‫�ؤالء املالعني ‪ ..‬لقد‬
‫لامي من ه�‬ ‫أن ينجو االحتاد األوروبي واإلس�‬
‫شنيعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫�تخدامنا هذه اآلالت خطئ ًا‬‫أخطئنا باس�‬
‫أبتسم إريس‪ ،‬وهو يشعر بالريبة مما حيدث‪ ،‬وأحس بأنه يف مقلب ما‪،‬‬
‫أي جندة يتحدث عنها‪ ،‬مل تكن هذه مهمته إطالق ًا عندما ذهب إىل مصر‪،‬‬
‫مل يأتي ليساعدهم‪ ،‬بل ليسرق بعض األشياء واملعلومات منهم‪ .‬كما أنه‬
‫شعر بغباء اجلنرال‪ ،‬احق ًا يظن بأن االحتاد االوروبي قد يأتي ملساعدتهم‬
‫�اعدهم فقط ألن هذا األمر يهدد أمنهم القومي‬ ‫بداعي اإلنسانية‪ ،‬ستس�‬
‫بالطبع‪ ،‬وقد يستمر تطور الروبوتات حتى يصل إليهم‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫قال إريس بابتسامة هادئة‪:‬‬
‫– –نعم لقد مررت بالكثري م�‬
‫�ن املصاعب ولكن احلمد هلل‪ ،‬وصلت إليكم‬
‫�فتموه عن هذه الروبوتات‪.‬‬
‫ريا‪ ،‬واآلن أخربني مبا اكتش�‬
‫أخ ً‬
‫تنفس اللواء الصعداء‪ ،‬ثم تنهد قائ ًال‪:‬‬
‫�يئ ًا واحد قد يبدو جنون ًيا بعض الشيء‪ ،‬ولكن ال‬ ‫– –مل نكتش�‬
‫�ف غري ش�‬
‫�ه اجلنون‪ .‬حنن نظن بأن هناك قوة من‬ ‫�يء مما حيدث ال ميس�‬ ‫ش�‬
‫�اء تدعم هذه الروبوتات‪.‬‬
‫الفض�‬
‫فرغ فم إريس من الدهشة‪ ،‬وقال وهو يتمتم‪:‬‬
‫– –أتقصد ‪ ..‬فضا ‪ ..‬ئيني‪.‬‬
‫فأومأ اللواء برأسه قائ ًال‪:‬‬
‫– –نعم هذا ما نقصده‪ ،‬هناك شيء غريب خيص هذه الروبوتات‪ ،‬األسلحة‬
‫املتطورة اليت ميتلكونها‪ ،‬واملعدات اليت مل يري هلا البشر مثيل‪.‬‬
‫�ت ال تري كيف طوروا مصر‬ ‫�ا أنهم يبدون غاية يف الذكاء‪ ،‬أن�‬
‫كم�‬
‫اآلن بعدما سيطروا عليها‪ ،‬فأصبحوا يعيشون فيها يعملون ويبنون العديد‬
‫من األشياء اليت تذهب العقل من روعتها‪ ،‬لقد أصبحت مصر حق ًا الدولة‬
‫األوىل يف كل الصناعات بسبب قوتهم وذكائهم يف صنع األشياء الغريبة‪،‬‬
‫اليت مل ختطر على قلب بشر من قبل‪.‬‬
‫�و مل يتوقع بأن حيدث كل هذا‪،‬‬‫�عر إريس بالصدمة ملا مسعه‪ ،‬فه�‬ ‫ش�‬
‫�دة تلو األخرى بال‬
‫�أن يتلقى كل هذه املصائب الواح�‬‫واألصعب منه ب�‬
‫برج؟ وملاذا ميلك قوت ًا كهذه؟‬
‫�تيقظ يف هذا ال�‬
‫توقف‪ ،‬وفكر يف ملاذا اس�‬
‫�ر يف كل ما حيدث ثم قال‪:‬‬ ‫صمت قليال وهو يفك�‬

‫‪187‬‬
‫�ون هناك عامل ما‬‫�اح اللغز مفقود اآلن‪ ،‬أنه قد يك�‬
‫�د بأن مفت�‬ ‫– –أعتق�‬
‫وضع هلم هذا الذكاء االصطناعي اهلائل‪ ،‬وهو يتحكم بالدولة اآلن‬
‫وخيتبأ خلف الكواليس بدون أن يعرف أحد أي شيء عنه‪ ،‬وكمعظم‬
‫�يطرة على العامل‪.‬‬‫اجملانني قبله ال بد بأنه يريد الس�‬
‫فكر اللواء قليال وهو حيك ذقنه الكثة ثم قال‪:‬‬
‫– –ال أرجح هذا‪ ،‬فكيف لعامل واحد أن يتجاوز بقية العلماء جمتمعني‪ ،‬مل‬
‫يستطع أحد أن جيعل الذكاء االصطناعي يصل إىل مرحلة الوعي الكامل‬
‫بعد‪ ،‬ينقصنا الكثري والكثري من سنني العمل لنصل إىل هذه املرحلة‪.‬‬
‫�ر إىل املناطق احلمراء‬
‫متفحصا اخلريطة‪ ،‬ونظ�‬
‫ً‬ ‫�س قلي ًال‬
‫صمت إري�‬
‫على اخلريطة‪ ،‬وكانت املناطق احلمراء اليت استطاعوا أن يدمروها‪ ،‬هي‬
‫املناطق الشرقية‪ .‬شعر إريس ببصيص من األمل وهو يتفحص اخلريطة‪،‬‬
‫فقال وهو ال يزال حيدق بها‪:‬‬
‫– –كم تستطيعون أن تصمدوا أمامهم؟‬
‫فكر اجلنرال قليال ثم قال‪:‬‬
‫�ا كادت تنفد‪،‬‬
‫�نة كاملة ‪ ..‬فذخائرن�‬‫�رف ‪ ..‬أظن ملدة س�‬‫– –ال أع�‬
‫�تطيع تصنيع أو‬
‫�راب‪ .‬مل نعد نس�‬
‫�ك خمزون الطعام والش�‬‫وكذل�‬
‫�يء يف ظل هذه الظروف‪.‬‬‫�ترياد أي ش�‬
‫اس�‬
‫رد إريس‪:‬‬
‫– –قلت لي بأن املواطنون عن�‬
‫�د املالجئ يف الغرب؟ وهكذا فأنهم مبأمن‬
‫�د ‪ ..‬واآلن أخربني ما هي‬
‫�نا هذا خرب جي�‬‫اآلن من الروبوتات‪ ،‬حس�‬
‫�االت أن خنرجهم من أطالنتس؟‬ ‫نقاط ضعفهم؟ وما هي احتم�‬

‫‪188‬‬
‫�ى نقطه محراء عند‬
‫�ار بأصبعه عل�‬
‫نظر اجلنرال إىل اخلريطة وأش�‬
‫الشرق‪ .‬فقال‪:‬‬
‫تي يوجد بها املولد الذي ميدهم‬‫– –أتري هذه املنطقة‪ ،‬أنها املنطقة ال�‬
‫�يء الذي جعل تقدمهم بطيئ� ًا يف احتالل مصر هو‬ ‫بالطاقة‪ ،‬فالش�‬
‫�د مولدات طاقة‬‫�حن طاقتهم عن طريق تواج�‬ ‫�م حيتاجون لش�‬ ‫أنه�‬
‫�هم فيها بضعة ساعات ثم‬ ‫�حنون أنفس�‬ ‫على مدي معني منهم‪ .‬يش�‬
‫�اقطون بعض فرتة من الزمن‪،‬‬ ‫�ون‪ .‬فإذا دمرنا املولد سيتس�‬‫يتحرك�‬
‫�يكونون كعلبة من اخلردة‪.‬‬ ‫وس�‬
‫حدق إريس إىل اخلريطة باهتمام شديد قائال‪:‬‬
‫�م‪ ،‬وطردهم خارج‬
‫�نتمكن من القضاء عليه�‬ ‫�إن تدمر املولد س�‬‫– –إذا ف�‬
‫�روا املولد حتى اآلن؟‬
‫�تطيعوا أن تدم�‬
‫املدينة! ولكن ملا مل تس�‬
‫رد اجلنرال وبدا على وجهه اإلحباط‪:‬‬
‫– –ال نستطيع االقرتاب منه‪ ،‬احلماية عليه قوية جدا‪ ،‬فالذهاب لتدمري‬
‫�د هو مبثابة انتحار تام‪ ،‬ومل يعد معنا غري القليل من الطائرات‬
‫املول�‬
‫والذخرية اليت ال نريد أن نضحي بها مقابل شيء غري مضمون كتدمري‬
‫املولد‪ .‬حاولنا عدة مرات تدمريه ولكن كل حماوالتنا بائت بالفشل‪.‬‬
‫�وان حمبوس يف قفص ثم‬
‫�م ذها ًبا وإيا ًبا وكأنه حي�‬
‫ذرع إريس املخي�‬
‫توقف قائ ًال‪:‬‬
‫– –إذا منذ البداية عندما كان لكم األولوية القصوى ملاذا مل تدمروا املولدات؟‬
‫صمت اللواء قلي ًال ليستجمع أفكاره ثم قال‪:‬‬
‫�وب‬
‫�ى اآلن‪ ،‬فاملولدات يف ذلك الوقت عند نش�‬ ‫– –هذا م�‬
‫�ا حرينا حت�‬
‫�ة حتت األرض‪ ،‬يف أنفاق الصرف الصحي‬ ‫ثورة اآلليني‪ ،‬كانت مبني�‬

‫‪189‬‬
‫�دري متى مت‬ ‫�د من املولدات‪ ،‬مل ن�‬
‫�د العدي�‬
‫�ا‪ ،‬وكان يوج�‬ ‫بأكمله�‬
‫�وت يف مصر ليخدم‬ ‫�ن طورنا نظام الروب�‬‫�ا؟ فكما تعرف حن�‬ ‫بنايته�‬
‫اإلنسان ويسهل عليه حياته‪ ،‬فالروبوتات كانت مربجمة بدون مشاعر‬
‫�ة يف التفكري والتعبري‪ ،‬لكي تعمل فقط بد ًال عن اإلنس�‬
‫�ان‪،‬‬ ‫أو حري�‬
‫�ون البيوت‪ ،‬ويزرعون وحيصدون‪ ،‬وينظموا املرور‪ ،‬ويعملون‬ ‫فكانوا يبن�‬
‫�رطة يف القضاء على العصابات واالمساك باجملرمني‬ ‫أيضا مع الش�‬
‫�د بعض الروبوتات حتت األرض‬ ‫وما إىل ذلك‪ .‬وبالطبع كان يوج�‬
‫يعملون يف تعمري البنية التحتية وصقله��ا‪ ،‬ولكن الروبوتات كانت‬
‫حتتاج إىل شحن بطاريتها بضعة ساعات‪ ،‬وهكذا وفى هذا اليوم املشؤم‬
‫�نوات‪ ،‬خرجت الروبوتات عن السيطرة يف كل مكان‪،‬‬ ‫منذ مخسة س�‬
‫وبدأوا بقتل أصحابهم وحرق البيوت‪ ،‬وتدمري املمتلكات العامة‪ .‬قامت‬
‫�رطة بردعهم وتدمري الكثري منهم‪ ،‬وظننا أننا بدأنا نقضي على‬ ‫الش�‬
‫�ات خرجوا بعدها باآلالف من كل حدب‬ ‫هذا التمرد‪ ،‬ولكن الروبوت�‬
‫�ا نرتاجع لنأمن‬ ‫�كان كبحهم بعد اآلن فظللن�‬ ‫�ى مل يعد باإلم�‬ ‫حت�‬
‫�وات اخلاصة كانت تتنقل حتت‬ ‫مهرب� ًا للمدنيني‪ .‬ولكن بعض الق�‬
‫األرض لتباغت الروبوتات وتعرف سرهم وكيف متكنت هذه الكائنات‬
‫�رعة؟ وما الدافع‬ ‫�ر بهذه الس�‬ ‫من التمرد علينا هكذا؟ وكيف تنتش�‬
‫�اء تنقلهم حتت األرض‪ ،‬فوجئوا بهذه املولدات‬ ‫الذي حيركها؟ وأثن�‬
‫الضخمة‪ ،‬ولكن الروبوتات باغتتهم وقضت عليهم‪ ،‬فصور أحد اجلنود‬
‫�لها إلينا قبل أن يقضي حنبه‪ ،‬وبهذا عرفنا‬ ‫الشجعان املولدات وأرس�‬
‫�ذه املولدات هي ما متدهم بالطاقة‪.‬‬
‫بأن ه�‬
‫صمت قلي ًال فتذكر شيئا فأردف يقول‪:‬‬
‫– –كما أن هناك بعض الش�‬
‫�ائعات تقول بأن الربج الرئيسي الذي ميد‬
‫الروبوتات بالطاقة يف القاهرة اجلديدة هو السبب يف بداية التمرد‪..‬‬

‫‪190‬‬
‫ألنه ميدد األنفاق والطرقات بالطاقة النظيفة وإن حتكم به أحدهم قد‬
‫أيضا ‪ . ..‬ولكن هذه الشائعة‬
‫يستطيع بطريقة ما التحكم يف الروبوتات ً‬
‫غري مؤكدة إىل اآلن ‪ ..‬فال أحداستطاع الوصول إىل القاهرة اجلديدة‪.‬‬
‫�ذه القصة اليت يلفها الغموض‪،‬‬
‫�ديد به�‬
‫بدا على إريس االهتمام الش�‬
‫فقال وهو حيدق يف اجلنرال‪:‬‬
‫– –هل قلت ً‬
‫برجا‪ ،‬كيف يبدو هذا الربج؟‬
‫– –إنه يش�‬
‫�به أبراج الطاقة املوزعة يف أحناء أطالنتس واليت تساعد على‬
‫بقاء القبة ومحايتنا من الروبوتات‪.‬‬
‫�ا مسع هذا‪ ،‬ولكنه‬‫�عر إريس بأن نبضات قلبه قد تضاعفت بعدم�‬ ‫ش�‬
‫�يئا ما خطأ هنا يف هذه‬ ‫�م ملاذا أصبح بداخل هذا الربج‪ ،‬هناك ش�‬
‫مل يفه�‬
‫القصة ولكنه ال يعلمه بع��د‪ ،‬فقطع حبل أفكاره قائ ًال‪:‬‬
‫– –إذا لقد عرفتم ما الذي ميدهم بالطاقة اليومية ليتحركوا‪ ،‬ولكنكم‬
‫مل تعرفوا بعد من كان حيركهم وجعلهم يقومون بالتمرد؟‬
‫قال اجلنرال وكانت عيناه تفيضان ا ًملا وحزنا‪:‬‬
‫– –نعم لألسف مل نعرف بعد من حيركهم‪ ،‬ولكن كما قلت فنحن ننسب‬
‫�اء‪ ،‬أو أن هناك دولة تدعمهم يف اخلفاء‪،‬‬
‫�م إىل قوة من الفض�‬
‫مترده�‬
‫ريا آخر لتمرد هذا اآلالت علينا بدون أدني سبب‪.‬‬
‫فنحن ال جند تفس ً‬
‫�ددا‪ ،‬ثم حاول االلتفاف بالكالم‬
‫التف إريس وحدق إىل اخلريطة جم� ً‬
‫�ى به األمر يف هذا الربج فقال‪:‬‬
‫ليفهم كيف انته�‬
‫– –عندما كنت يف طريقي إليكم رأيت أحد هذه األبراج الش�‬
‫�اهقة اليت‬
‫�رى غري إبقاء القبة‬
‫�ذ قليل‪ ،‬فهل لديه وظيفة أخ�‬
‫�ت عنها من�‬
‫تكلم�‬
‫لتحمي أطالنتس؟‬

‫‪191‬‬
‫أبتسم اجلنرال قائال‪:‬‬
‫�نوات بدعم من احلكومة‪ ،‬فهذه األبراج‬ ‫�ت س�‬ ‫– –لقد مت بنائها منذ س�‬
‫تأخذ ضوء الشمس‪ ،‬وحتوله إىل طاقة مشسية‪ ،‬وترسلها عرب كابالت‬
‫�ة غري املنتهية‪ ،‬فبهذه‬
‫�فل األرض‪ ،‬فتمد أطالنتس كلها بالطاق�‬ ‫أس�‬
‫�ة‪ ،‬وأصبح لدينا‬ ‫�ة إىل مصادر الطاقة املنتهي�‬
‫�راج مل نعد حباج�‬
‫األب�‬
‫�دا‪ ،‬وهلذا فهي ال متد القبة فقط‬ ‫مصادر طاقة متجدد ال تنتهي أب�‬
‫بالطاقة بل املدينة بأكملها‪.‬‬
‫بدا على إريس الدهشة‪ ،‬فحاول أن خيفي دهشته فقال بنربة منفعلة‪:‬‬
‫– –هل يوجد أبراج أخرى؟‬
‫فرد اجلنرال بتعجب‪:‬‬
‫�ا؟ أنها آخر ما‬
‫�أل عنه�‬ ‫– –نعم يوجد س�‬
‫�بعة أبراج آخرون‪ ،‬ولكن مل تس�‬
‫يشغل بالنا اآلن‪.‬‬
‫قال إريس بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫�بعة أخرىن‪ ،‬هل يعقل‬ ‫�بعة أبراج أخرىن هذا يعين بأنه هناك س�‬ ‫– –س�‬
‫�ن أمل يكونوا مثانية؟ هناك‬
‫�وا املتأهلون يف االختبارات ولك�‬
‫أن يكون�‬
‫شيء خاطئ يف هذه األبراج‪ ،‬أنها ال تستعمل فقط لتمدهم بالطاقة‬
‫أيضا طوال هذا الوقت‪ ،‬وعندما‬
‫�ية‪ ،‬فأنا كنت حمبوس فيها ً‬ ‫الشمس�‬
‫استيقظت وجدت نفس��ي أمتلك هذه القدرة العجيبة‪ ،‬ومت تدرييب‬
‫�يء خاطئ‬ ‫عليها داخل الربج ألتقنها‪ .‬ما الذي حيدث هنا؟ هناك ش�‬
‫بالتأكيد‪ ،‬شيئا خمفي عن اجلميع‪.‬‬
‫حاول إريس أن خيفى ريبته أجتاه األشياء اليت مسعها عن الربج فقال‬
‫بابتسامة هادئة‪:‬‬

‫‪192‬‬
‫– –ال‪ ،‬مل أقص�‬
‫�د أن اعريها انتباهي ولكنها كانت تبدو مريبة‪ ،‬فأردت أن‬
‫أستفسر منك عنها‪ ،‬اعتقدت أن هلا عالقة ما مع الروبوتات‪.‬‬
‫بدا على اجلنرال أنه أقتنع حبجته‪ ،‬فقال بنربة خافتة‪:‬‬
‫ين‪ ،‬ألنهم يريدون تدمريها بأي‬ ‫– –ال‪ ،‬ال لي�‬
‫�س هلا عالقة بهؤالء املالع�‬
‫طريقة لتختفي القبة ولكين أتعجب ملاذا مل يدمروها حتى اآلن رغم‬
‫مقدرتهم على هذا!‬
‫فضحك إريس ليخفي توتره وتساؤالته‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫– –كم عدد املولدات يف أطالنتس اآلن‪.‬‬
‫فكر اجلنرال قليال‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫– –يوجد مولد واحد كبري‪ ،‬ولكن عليه حراسة شديدة‪ ،‬ودرع من البالزما‬
‫حيميه‪ ،‬لذا فتدمريه أمر صعب للغاية‪.‬‬
‫صمت إريس قليال وأخذ يذرع الغرفة وذها ًبا وإيا ًبا وهو يفكر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫�اعدني على‬
‫�ا اللواء‪ ،‬فهل ستس�‬
‫�ة لتدمريه أيه�‬
‫�ن أن لدى خط�‬‫– –أظ�‬
‫تنفيذ ها ؟‬
‫بدا على اجلنرال السعادة‪ ،‬وحتولت مالمح وجهه احلازمة الكئيبة إىل‬
‫مبتسما‪:‬‬
‫ً‬ ‫مالمح شخص يشعر باألمل فقال‬
‫– –نعم بالطبع سأساعدك‪ ،‬أي شيء تريده سأحاول أن أوفره لك‪.‬‬
‫صمت قليال‪ ،‬مثاستطرد قائال‪:‬‬
‫– –واآلن أخربني ما هي اخلطة؟!‬
‫نظر إريس إىل اخلريطة قائال‪:‬‬

‫‪193‬‬
‫– –أريدك أن حتدد لي موقع املولد‪.‬‬
‫�رقي‪ ،‬البقعة احلمراء الغامقة‪،‬‬
‫�ار اجلنرال ناحية الساحل الش�‬
‫فأش�‬
‫فقال‪:‬‬
‫– –إنه يف هذا املكان بالضبط يف أحد املستودعات‪ ،‬وعلية محاية شديدة‪.‬‬
‫أشاح إريس رأسه عن اخلريطة ووجهها إىل اجلنرال قائ ًال‪:‬‬
‫– –واآلن فلتستمتع إىل جيدا‪.‬‬

‫***‬

‫‪194‬‬
‫‪17‬‬

‫�ايري بضع خطوات من املفاجأة اليت رآها‪،‬‬ ‫�ط الظالم تراجع س�‬ ‫وس�‬
‫�خص الواقف أمامه ميتلك قوة أيض ًا مثله‪ .‬شعر سايري‬ ‫لقد كان الش�‬
‫�ديدة‪ ،‬أحس للحظة بوجود شخصن آخرين يف املكان غري‬ ‫باحلماقة الش�‬
‫الشخص املاثل أمامه‪ ،‬فعلم أنه أخطأ اهلدف حتم ًا‪ ،‬وأن الشخص الواقف‬
‫�ه الذين عزم على جتميعهم‬ ‫�ودة‪ ،‬واحدا من رفاق�‬
‫أمامه هو ضالته املنش�‬
‫وإخبارهم مبا يعرفه عن املدعوين باإلينيكس‪ ،‬وعن األس��رار اليت عرفها‬
‫�ن كل هذه األحداث‬ ‫�يتوصلون إىل خمرج م�‬ ‫معا س�‬‫�م‪ ،‬وباحتادهم ً‬‫منه�‬
‫الغريبة‪ ،‬ولكن شتان ما بني هذا وهذا اآلن‪ ،‬فتهوره هذا مل يعد من املمكن‬
‫إيقافه على اإلطالق‪ ،‬فكيف سيخرب الشخص الذي كان حياول قتله منذ‬
‫�اعدته؟ لقد فات األوان‪.‬‬‫قليل بأنه هنا ملس�‬
‫�تخدام قدرته بالكامل‪،‬‬
‫�ع إيفانوف إىل اخللف وقد عزم على اس�‬ ‫تراج�‬
‫�أزق‪ .‬تراجع يف الظالم‬‫�د اآلن من هذا امل�‬
‫�تكون خمرجه الوحي�‬ ‫ألنها س�‬
‫بضعة خطوات‪ ،‬ثم بدأ‪ .‬فجأة حتول جلده إىل اللون األسود‪ ،‬وأخذ السواد‬
‫�ده بالكامل‪ ،‬مهيمن ًا عليه حتى أصبح لون بشرته‬
‫�ي جس�‬ ‫يتصاعد ويكس�‬
‫�ود بالكامل‪ ،‬حتى أمخص قدمه‪ .‬ولكن شعره األشقر بقي كما هو‪.‬‬ ‫أس�‬

‫‪195‬‬
‫أيضا‬
‫�ده فقط للحماية‪ ،‬بل ً‬ ‫�ن املعدن الصلب الذي يغطي جس�‬ ‫مل يك�‬
‫حمصن ضد األمل وقادر‬
‫ٍ‬ ‫�ف قوته البدنية عدة مرات‪ .‬ليجعله‬ ‫كان يضاع�‬
‫�ر‪ ،‬ولكن بالطبع لكل قوة‬ ‫�ياء ثقيلة للغاية‪ ،‬أصبح ال يقه�‬‫على محل أش�‬
‫�ود عليه ال تتعدي اخلمس‬ ‫�ة ضعفها‪ ،‬فاملدة اليت يبقي الدرع األس�‬
‫نقط�‬
‫�ق‪ .‬ولقد تدرب كثريا حتى جعله يصل إىل هذه املدة وهو يف الربج‪.‬‬ ‫دقائ�‬
‫شعر سايري بأن ايفانوف قد اختفى وسط الظالم متاما‪ ،‬فهو مل يعد‬
‫يراه على اإلطالق‪ ،‬ولكنه كان يشعر به‪ ،‬يشعر بتدفق طاقته أمامه‪ ،‬وقد‬
‫ريا وتضاعفت‪ ،‬فأحس سايري بشيء غريب فقال‪:‬‬ ‫أحس بأنها قد ازدادت كث ً‬
‫– –توقف‪ ،‬أنا لست عدوك ‪ ..‬لقد أخطأت اهلدف‪.‬‬
‫�وداء خترج من الظالم مندفعة ناحيته‪،‬‬
‫يدا س�‬
‫مل يتلق رد ولكنه وجد ً‬
‫فرفع سيفه ليحمي جسده من اللكمة القادمة بسرعة‪ ،‬فاصطدمت اللكمة‬
‫بالسيف‪ ،‬بينما مسع صوت ايفانوف يقول بنربة متجهمة‪:‬‬
‫– –بالطبع‪.‬‬
‫�ايري إىل اخللف من قوة اللكمة‪ ،‬ومن حسن حظه أن السيف‬ ‫طار س�‬
‫�م اآلن‪ .‬أرتطم باحلطام يف‬ ‫�ه الصدري قد حتط�‬ ‫�اه واال لكان قفص�‬‫مح�‬
‫املبين أثناء سقوطه ألسفل املبين املائل بال توقف‪ ،‬وأخذت الصدمات تأتي‬
‫الواحدة تلو األخرى‪ ،‬فشعر بأنه لن يتوقف بسبب ميالن املبين وأن جسده‬
‫�ه ألعلى قليال وهو يقاوم اهلواء واجلاذبية‪،‬‬
‫�يتحطم هكذا‪ ،‬فرفع رأس�‬ ‫س�‬
‫�يف يف األرض‪ ،‬فشق السيف املبين‪ ،‬ولكن‬ ‫وقام برفع يده اليمين‪ ،‬ليغرز الس�‬
‫�ببه جعل سرعة سقوطه تبطئ بالتدريج حتى توقف‪،‬‬ ‫االحتكاك الذي س�‬
‫�ده‪ ،‬فأخذ‬‫�عر باألمل يهيمن على كل جس�‬ ‫�دد على األرض وهو يش�‬ ‫فتم�‬
‫�ده‪ ،‬وتذكر تدريباته الصارمة‬ ‫يتنفس الصعداء‪ ،‬حماو ًال التمكن من جس�‬

‫‪196‬‬
‫لتحمل األمل يف الطبيعة‪ .‬حب سايري للطبيعة جعله يتعلم منها الكثري‪،‬‬
‫�ن املاء البادر يف صمت‬
‫لال م�‬ ‫ريا من األوقات جيلس حتت ش�‬ ‫وكان كث ً‬
‫يرا‪ ،‬تعلم الفنون القتالية‪،‬‬
‫�ل‪ ،‬ويقوم بالتمارين الرياضية كث� ً‬ ‫وهو يتأم�‬
‫وكان اختبار حتمل األمل‪ ،‬هو أفضل شيء استفاد منه‪ ،‬فكان املعلم جيعله‬
‫�ام‪ ،‬ثم ينهال بعض التالميذ اآلخرون‬ ‫يقف بثبات ويرفع ذراعاه إىل األم�‬
‫�ديدة‪ ،‬ولكنه كان يقف بثبات بدون أن يشعر بذرة‬ ‫عليه بالعصا بقوة ش�‬
‫�ه‪ ،‬لكي يتحكم مبراكز‬ ‫�يطرة علي�‬
‫امل‪ .‬تعلم كيف يتحكم بعقله والس�‬
‫أيضا بعض الزيوت اخلاصة‪،‬‬ ‫األمل ولكن ليس هذا فقط‪ ،‬فقد أس��تخدم ً‬
‫�يئا أعتاد عليه‬
‫�ده جعل األمل ش�‬‫مع الكثري من الضرب بالعصا على جس�‬
‫�ر املثل القائل‪ :‬كثرة األمل‬‫�عر به على اإلطالق‪ ،‬وتذك�‬‫حتى مل يعد يش�‬
‫تقتله‪ .‬فوقف على قدمه بثبات‪ ،‬وفوجئ عندما وجد هذا الوحش األسود‬
‫�يء يف طريقه‪ ،‬فبد ًال من‬ ‫�ع ناحيته‪ ،‬وهو حيطم كل ش�‬ ‫الغاضب مندف�‬
‫�عت عني‬ ‫�ادي احلطام والصخور‪ ،‬كان حيطمها بيديه وقدميه‪ ،‬فاتس�‬ ‫تف�‬
‫�ايري من الدهشة وقال بنربة متقطعة‪:‬‬ ‫س�‬
‫– –إيف ‪ ..‬انوف ‪ ..‬هل هذا ‪ ..‬أنت؟‬
‫رتا‪ ،‬فعرف سايري أن هذا ليس‬‫أصبحت املسافة بينهما تقدر بثالثني م ً‬
‫�تطع التغلب على إيفانوف عندما‬ ‫�ه على اإلطالق فهو لن يس�‬ ‫يف صاحل�‬
‫�ة وال يفرق بني العدو‬
‫�ده بالكامل ألنه يصبح هائجا للغاي�‬ ‫يتحول جس�‬
‫�ده الصلب سيكون صعب االخرتاق للغاية‪.‬‬ ‫والصديق‪ ،‬كما إن جس�‬
‫وكان يعلم بأنه مهما بلغت مهارته وقوته‪ ،‬فهناك دائما من هو أقوي‬
‫أبدا ولكنه‬
‫�ر يف أي نزال ً‬
‫�مح له بأن خيس�‬ ‫منه ولكن كربيائه مل يكن يس�‬
‫علم بأن هذا ليس وقت القتال بل الكالم‪ ،‬فقرر الرتاجع واهلرب حتى يهدأ‬
‫�اعرا بأنه يهبط منحدر‬
‫�فل املبين املائل‪ ،‬ش� ً‬
‫إيفانوف‪ ،‬بدأ بالركض ألس�‬

‫‪197‬‬
‫�يفقد‬‫�عره بأن س�‬ ‫�رعته تزيد فتش�‬ ‫خطري على جبل‪ ،‬مما كان جيعل س�‬
‫التوازن أن أخطأ تقدير خطواته‪ .‬وهكذا ظل إيفانوف حيطم املبين خلفه‬
‫مندفعا بقوة‪ .‬نظر سايري إىل أعلى املبين فوجد بعض احلطام واملكاتب‪،‬‬
‫ً‬
‫واألجهزة املنزلية معلقة يف السقف ومل تتهاوي بعد‪ ،‬فدفع طاقة من يده‬
‫�ايري بأن تسقط فوق ايفانوف‬ ‫�قط ألسفل‪ ،‬فدعي س�‬ ‫حنوها‪ ،‬فبدأت تس�‬
‫فتبطئه قلي ًال حتى يتمكن من اهلرب‪ ،‬فمر سايري من أسفلها بسرعة قبل‬
‫وحمطما‬
‫ً‬ ‫�قط فوقه‪ ،‬واندفع ايفانوف خلفه بسرعة رهيبة‪ ،‬مهرو ًال‬
‫أن تس�‬
‫�ور الغاضب‪ .‬فالحظ أن كتل احلطام الكبرية‬ ‫كل ما يف طريقه كالث�‬
‫تسقط فوقه‪ ،‬ولكن هذا مل جيعله يرتاجع‪ ،‬فتقدم وحطمها بقبضته قبل‬
‫�دا فتدافعت فوقه حتى‬ ‫ريا ج�‬
‫�قط عليه‪ ،‬ولكن عددها كان كب ً‬ ‫أن تس�‬
‫�يف يف األرض لكي جيعله يتوقف عن‬ ‫دفنته أسفلها‪ ،‬فوضع سايري الس�‬
‫الركض بينما التف ‪ 180‬درجة‪ ،‬ليتفقد هل استطاع القضاء عليه أم ال‪.‬‬
‫وجد أنه مبعجزة كبرية استطاع أن يوقفه وان الصخور قد سقطت فوقه‪،‬‬
‫�م يعلم هل يتمين بأن يكون قد قضي عليه أم ال‪ ،‬فهو يف أمس احلاجة‬ ‫فل�‬
‫ريا اآلن كعدو‪.‬‬‫خطرا كب ً‬
‫ً‬ ‫�كل‬
‫إليه يف مهمته‪ ،‬ولكنه يش�‬
‫أبدا‪ ،‬وهلذا‬
‫�خص احلقيقة ً‬ ‫�ايري اآلن قد ال يعرف أي ش�‬
‫فإن قتل س�‬
‫جيب عليه أن يعيش هذا ما قاله لنفسه حتى لو أضطر للقضاء على أحد‬
‫متاما أم ال يزال‬
‫رفاقه‪ .‬نظر إىل احلطام ودقق النظر لريي أن كان سقط ً‬
‫على قيد احلياة‪ ،‬ولكن أجابته جاءت أسرع مما توقع‪.‬‬
‫�اع الصخور واملكاتب‬
‫�ام‪ ،‬تالها اندف�‬
‫�عر ببلبلة داخل احلط�‬
‫فجأة ش�‬
‫�ايري الكثري من الصخور‬‫�ة يف كل مكان‪ ،‬فرأى س�‬ ‫واملعدات االلكرتوني�‬
‫تندفع حنوه‪ ،‬فرفع سيفه‪ ،‬وشق به اهلواء ليقطع الصخور القادمة ناحيته‬
‫الواحدة تلو األخرى‪ ،‬وبيده اليسرى‪ ،‬وجه الطاقة ليحطم البعض األخرى‬

‫‪198‬‬
‫�يفه‪ .‬ومن بني الصخور رأى الثور الغاضب مندفع حنوه‬ ‫الذي مل يطله س�‬
‫�رة أخرى يف الظالم على ضوء القمر وهو يصرخ صرخة مدوية‪ ،‬فألتف‬ ‫م�‬
‫سايري إىل الوراء وأكمل ركضه بسرعة‪ ،‬بينما كانت الصخور تتقاذف‬
‫�رى حنوها وهو يقفز متجنب ًا‬
‫حنوه بال هوادة‪ ،‬فدفع الطاقة من يده اليس�‬
‫بعيدا عنه‪ ،‬واآلخر حتطم‪ ،‬وهكذا ظل‬‫العقبات برشاقة‪ ،‬فاندفعت بعضها ً‬
‫ايفانوف يهرول خلفه بال توقف‪ ،‬حمطم ًا كل ما تطاله يده‪ .‬وبعد دقائق‬
‫�ا ًرا بسرعة كبريه‪،‬‬
‫�ايري إىل الطريق فأنعطف يس�‬ ‫من الركض خرج س�‬
‫�امعا أصوات التحطم والصخور اليت تقذف خلفه‪ ،‬فركض يف ظالم‬ ‫س� ً‬
‫�ماء‬ ‫�ي احملطمة على ضوء القمر‪ ،‬بينما أخذت الس�‬ ‫�ط املبان�‬‫املدينة وس�‬
‫�ماء‪ ،‬فأحس ألول مرة يف حياته‬ ‫�ف بقوة‪ ،‬ودوي هزيم الرعد يف الس�‬ ‫تعص�‬
‫وحيدا من ذئب شرس يطارده‪ .‬خرج إيفانوف‬ ‫ً‬ ‫كأنه غزال ضعيف يركض‬
‫�ط‬ ‫من املبين‪ ،‬حمدق ًا يف كل االجتاهات باحث ًا عن ضالته حتى حمله وس�‬
‫�اره‪ .‬فصرخ بصوت عالي‪:‬‬‫مبتعدا على يس�‬
‫ً‬ ‫الظالم واحلطام يركض‬
‫– –من األفضل لك أن تستسلم أيها الوغد‪ ،‬فال شيء سوف ينجيك مين‪.‬‬
‫جمددا‪ ،‬فعلم أن‬
‫ً‬ ‫�وف يالحقه‬
‫�ايري خلفه برتقب فوجد إيفان�‬ ‫نظر س�‬
‫ريا بيده أنه ينوي‬
‫�تكون ليلة طويلة عليه‪ .‬توقف ثم التف إليه مش ً‬
‫هذه س�‬
‫االستسالم‪ .‬فاستمر إيفانوف باالندفاع باجتاهه بسرعة‪ ،‬واألرض تتحطم‬
‫قاطعا الطريق احملطم ناحية سايري‬
‫ً‬ ‫�يئا‬
‫حتت قدميه‪ ،‬واقرتب شيئا فش�‬
‫�ف‪ ،‬فانتظر حتى أصبح‬ ‫�ايري بأنه لن يتوق�‬‫حتى اقرتب منه‪ ،‬فأحس س�‬
‫على مقربة منه‪ ،‬ثم تدحرج ناحية اليسار ليتجنب االصطدام به‪ ،‬فأخرج‬
‫�يف الضوئي‪ ،‬ورفع يده يف وضعية االستعداد ثم قال بنربة متحدية‪:‬‬ ‫الس�‬
‫– –لقد حان وقت إسقاط الثور‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫توقف ايفانوف والتف وحدق ناحيته وعيناه تبعثان شرا ًرا‪ ،‬ومل يفهم ما‬
‫قاله سايري بسبب فقدانه التحكم يف جسده‪ ،‬ولكنه عرف بأنه يهدده من‬
‫نربة صوته ونظرة عينيه‪ ،‬فرد قائ ًال بنربة متلعثمة غاضبة‪:‬‬
‫– –سأمسك بك أيها امللثم الوغد ‪ ..‬وسأهشم عظامك‪.‬‬
‫�ايري بقبضته‬‫�تد حدة‪ ،‬فأنقض ايفانوف على س�‬ ‫بدأت املواجهة تش�‬
‫�ايري من حتت يده‪ ،‬والتف التفافة كاملة‪،‬‬
‫احلديدية اليمين‪ ،‬فأحنين س�‬
‫�يف جبانب‬‫�يف ناحية جنب إيفانوف األمين‪ ،‬فأحتك الس�‬ ‫موجها الس�‬
‫ً‬
‫جسده مصد ًرا ش��ر ًرا ولكنه مل خيدشه إال خدش بسيط‪.‬‬
‫�ديد‪ ،‬وبدأ يفكر هل هلذا الشيء نقطة‬‫�ايري باإلحباط الش�‬ ‫شعر س�‬
‫جمددا‪ ،‬ثم‬
‫ً‬ ‫ضعف‪ .‬التف ايفانوف وعدل من وضعية جسده ناحية سايري‬
‫انقض مرة أخرى عليه ولكنه أخذ يلوح بكلتا قبضتيه بسرعة وعشوائية‪،‬‬
‫�ايري إىل اخللف‪ ،‬متفادي كل ضرباته‪ ،‬ثم تدحرج من أسفل‬ ‫فرتاجع س�‬
‫�ا‪ ،‬ووجه طعنة إىل‬
‫�يف الضوئي عالي�‬ ‫يده‪ ،‬حتى أصبح خلفه‪ ،‬فرفع الس�‬
‫ظهر ايفانوف‪ ،‬ولكن السيف توقف ومل ينغرز إال بضع سنتميرتات‪ ،‬فالتف‬
‫�رعة‪ ،‬وأخذ‬‫�ايري إىل اخللف بس�‬
‫ملوحا بيده بغضب‪ ،‬فابتعد س�‬
‫ً‬ ‫ايفانوف‬
‫�ه‪:‬‬
‫يفكر يف حركته القادمة فقال يف قرارة نفس�‬
‫أيضا‬ ‫– –أن درع الفوالذ هذا يبطء من س�‬
‫�رعته وهذا يف صاحلي‪ ،‬ولكنه ً‬
‫ال خيرتق!‬
‫�يارة حمطمة على جانب‬ ‫�أة غري ايفانوف اجتاهه واجته ناحية س�‬
‫فج�‬
‫�عت عيناه من‬‫�ايري الذي اتس�‬
‫�ق‪ ،‬فحملها بيديه ونظر ناحية س�‬ ‫الطري�‬
‫�ة يف يده ثم قفز‬
‫�ايري بعض الطاق�‬‫�ة‪ ،‬ثم قذفها حنوه‪ ،‬فكون س�‬‫الدهش�‬
‫�ده ناحية األرض‪ ،‬فاندفعت الطاقة لتصدم باألرض‪،‬‬
‫عال ًيا‪ ،‬ووجه راحة ي�‬

‫‪200‬‬
‫�ه دفعة قوية ألعلي‪ ،‬فطار بضعة أمتار متجاوز ًا الس�‬
‫�يارة احمللقة‬ ‫فأعطت�‬
‫�األرض‪ ،‬فلم تتحمل قدماه‬ ‫�قط يف اهلواء‪ ،‬حتى أصطدم ب�‬ ‫حنوه‪ ،‬ثم س�‬
‫جمددا‬
‫ً‬ ‫متمددا على األرض‪ ،‬ولكنه مل يثبت اال أن وثب‬
‫ً‬ ‫�قط‬ ‫السقطة فس�‬
‫�اقة‪ .‬نظر أمامه فوجد صخرة كبرية حملقة ناحيته‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫عليها برش�‬
‫– –تب ًا‪.‬‬
‫�رعة‪ ،‬فتحطمت الصخرة خلفه‪ ،‬فوقف‬ ‫�ار بس�‬
‫ثم تدحرج ناحية اليس�‬
‫�وف واقف ًا عند حطام كبري خلفه مبين‬ ‫جمددا على قدميه‪ ،‬ليجد ايفان�‬
‫ً‬
‫ني بال توقف‪ ،‬وقذفها‬ ‫�ار منذ وقت قريب‪ .‬محل الصخور من املب�‬ ‫قد انه�‬
‫�ك بدوره بسيفه وأخذ يشق بعضها ويدفع بعضها‬ ‫ناحية سايري‪ ،‬فأمس�‬
‫�ت الصخور تتواىل بال‬ ‫�رى‪ ،‬وكان�‬ ‫االخر بالطاقة املتدفقة من يده اليس�‬
‫ريا‪ .‬فأسقط سيفه على األرض‪ ،‬ووضع‬ ‫توقف‪ ،‬فشعر بأنه لن يتجنبها كث ً‬
‫كل آماله يف هذه اخلطوة األخرية‪ ،‬فرفع يداه االثنتان يف اهلواء بسرعة‪،‬‬
‫�ة صخور كبرية‬ ‫�ده على يديه‪ .‬رأى مخس�‬ ‫�دأ يركز كل طاقة جس�‬ ‫وب�‬
‫تشق اهلواء ناحيته‪ ،‬فدفع الطاقة يف اهلواء‪ ،‬فتوقفت الصخور يف اهلواء‪،‬‬
‫�دق ايفانوف قلي ًال وهو ال‬‫�ا حتلق يف فضاء منعدم اجلاذبية‪ .‬ح�‬‫وكأنه�‬
‫�ايري تتشنج فضغط على نفسه‪ ،‬ودفع‬ ‫يصدق ما يراه‪ .‬بدأت عضالت س�‬
‫�قت الصخور طريقها حتى اصطدمت به‬ ‫بالصخور ناحية ايفانوف‪ ،‬فش�‬
‫ارضا‪ .‬ولكنه مل يتأثر بالطبع‪ ،‬فأبعدها عن جسده‪،‬‬‫�قطته ً‬ ‫بال توقف‪ ،‬فأس�‬
‫�عر بأنها‬ ‫�ايري املنهك‪ ،‬وش�‬ ‫جمددا‪ ،‬ونظر ناحية س�‬
‫ً‬ ‫ثم وثب على قدميه‬
‫الفرصة املناسبة لالنقضاض عليه واالمساك به‪ ،‬فأندفع بسرعة ناحيته‪،‬‬
‫�تعد لنهايته‪ .‬أندفع ايفانوف‬ ‫فاحنين سايري ملتقط ًا س�‬
‫�يفه‪ ،‬وبدأ يس�‬
‫�تطاع‬‫�ه احلركة األخرية وبالكاد اس�‬ ‫�ايري الذي انهكت�‬
‫بقوة ناحية س�‬
‫�ايري‬‫ين او أدني من القضاء عليه‪ ،‬فرفع س�‬ ‫�وف‪ ،‬فأصبح قاب قوس�‬ ‫الوق�‬

‫‪201‬‬
‫بعض الصخور الصغرية بيده اليمين‪ ،‬لتحلق حول جسده ثم قذفها ناحية‬
‫�ور ولكنها مل تعق تقدمه وقبل أن ينقض‬ ‫إيفانوف فاصطدمت به الصخ�‬
‫عليه إيفانوف‪ .‬وجد صوت يصدر من االرجاء حوله‪ ،‬فتوقف لربهة ليجد‬
‫�ايري‪ ،‬فنظر‬‫بعيدا عن س�‬
‫�ة نارية اصطدمت به‪ ،‬فأندفع من أثرها ً‬ ‫قذيف�‬
‫سايري بدوره ناحية مصدر القذيفة‪ ،‬فرأى واحدة أخرى أيضا قادمة حنوه‪،‬‬
‫�ه لينظر إىل ما‬
‫�رعة ليندو منها بأعجوبة‪ .‬رفع رأس�‬ ‫فأخنفض ً‬
‫أرضا بس�‬
‫حيدث؛ فرأى بضعة أجسام بشرية تتحرك يف الظالم وتقرتب منه‪ ،‬ولكنه‬
‫جيدا‪ .‬فجأة خرجت أضواء كثرية من ناحية االجسام وتوجهت‬ ‫مل يراها ً‬
‫�ايري‪ ،‬فوضع يديه على عينيه من شدة الضوء‪ ،‬ووثب على قدميه‬ ‫حنو س�‬
‫�ع ببطء إىل اخللف حماو ًال النظر م�‬
‫�ن بني أصابعه إىل هويتهم‪،‬‬ ‫ليرتاج�‬
‫ولكنه مل يستطع أن يري شيئ ًا‪ ،‬فرأى قذيفة أخرى تشبه قذيفة البازوكا‬
‫متر جبانبه‪ ،‬لتتوجه ناحية ايفانوف الذي كان يقف على قدميه بصعوبة‬
‫بالغة وأخذ يرتنح يف امل‪ ،‬وكان جسده قد عاد إىل طبيعته‪ ،‬فاتسعت عني‬
‫سايري‪ ،‬وقال لنفسه‪:‬‬
‫– –القذيفة ستقتله‪.‬‬
‫�ه بكل ما اؤتي من قوة‪ ،‬ورفع يداه باجتاه القذيفة‬
‫فضغط على نفس�‬
‫�ة ليوقفها‪ ،‬فتوقفت القذيفة يف اهلواء‬ ‫�ع كل ما تبقى له من طاق�‬‫ليدف�‬
‫قبل أن تصطدم بإيفانوف مبرتين فقط‪ .‬حاولت القذيفة املقاومة ملتابعة‬
‫شاعرا‬
‫ً‬ ‫طريقها ولكن سايري‪ ،‬أوقفها بكل بقوته‪ ،‬وأخذ جسده يؤمله بشدة‪،‬‬
‫�ده‪ ،‬وضغط‬ ‫�أن قواه ختور تدرجي ًيا‪ ،‬فتصبب العرق من كل أحناء جس�‬‫ب�‬
‫�ه أكثر ولكن القذيفة كانت ال تزال تقاوم‪.‬‬
‫على نفس�‬
‫�عر بإرهاق شديد‪ ،‬وعندما نظر أمامه‪،‬‬
‫وقف إيفانوف على قدميه وش�‬
‫�يئا يطري يف‬
‫�توع ًبا للموقف أمامه‪ ،‬فهناك ش�‬
‫ثوان غري مس�‬
‫حدق بضعة ٍ‬

‫‪202‬‬
‫اهلواء أمامه مباشرة‪ ،‬وبعض األضواء القادمة من بعيد‪ .‬فوجه نظره إىل‬
‫س��ايري املتأمل والذي يبدو وكأنه يوقف الشيء احمللق أمامه‪ .‬فتغريت‬
‫�توعب ما حيدث اآلن‪ ،‬فوجد سايري يصرخ عاليا قائال‪:‬‬
‫مالحمه وأس�‬
‫– –أبتععععععععععععد‪.‬‬
‫ركض إيفانوف ناحية اليسار بس��رعة‪ ،‬فمرت القذيفة جبانبه مرور‬
‫�ايري‬‫�رت ورائه ببضعة أمتار‪ .‬فنظر إيفانوف إىل س�‬ ‫الكرام‪ ،‬حتى انفج�‬
‫�ت األضواء حنوه‪،‬‬
‫فاقدا الوعي‪ ،‬وتوجه�‬
‫�ى األرض ً‬ ‫�قط عل�‬ ‫فوجده قد س�‬
‫فتحركت خياالت حتيط باملكان ناحيته‪ ،‬ممسكة به فرفعته وبدأت جتره‬
‫مسرعا لينجده ولكنه شعر بوخز يف جسده جعله‬
‫ً‬ ‫بعيدا‪ ،‬فاندفع إيفانوف‬
‫ً‬
‫�عر بالظالم خييم على كل شيء حوله‪.‬‬ ‫�قط ارض ًا‪ ،‬وفجأة بدأ يش�‬
‫يس�‬
‫فاقرتبت الظالل واألنوار‪ ،‬وأمس��كت به أيض ًا‪ ،‬حاملة جثمانه‪ ،‬ثم أخذت‬
‫جتره ورائها من حيث أتت‪.‬‬

‫***‬

‫‪203‬‬
‫‪18‬‬

‫حدق إريس يف اجلنرال مطو ًال‪ ،‬ثم قال‪:‬‬


‫– –واآلناستمع إىل خطيت جيدا‪.‬‬
‫فقال له اجلنرال وهو ميرر يده على ذقنه‪:‬‬
‫– –كلي آذان ًا صاغية‪.‬‬
‫بدأ إريس يروي له اخلطة بكل تفاصيلها‪ ،‬وبدا على اجلنرال االهتمام‬
‫�ة‪ ،‬وبعد فرتة أنهي إريس كالمه واجلميع يستمع إليه برتكيز‬‫والدهش�‬
‫شديد‪.‬‬
‫قال اجلنرال حبماس شديد‪:‬‬
‫– –هذه خطة رائعة يا فيت‪ ،‬على القول بأنك أذكي مما توقعت‪.‬‬
‫أبتسم إريس ابتسامة مفتعلة قائ ًال‪:‬‬
‫– –شكرا لك ‪ ..‬هذا شرف لي أن متدحين ‪ ..‬واآلن سأغادر ألنفذ مهميت‬
‫وأنتم أبدأوا بتنفيذ مهمتكم‪ ،‬وسنتقابل غدا هنا يف نفس هذا الوقت‪.‬‬
‫فقال الكابنت وهو يضغط على الالسلكي‪ ،‬ويلقي باألوامر على اجلنود‪:‬‬
‫– –سيتم تنفيذ املهمة بدئ ًا من اآلن‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫قال اجلنرال‪:‬‬
‫– –سأرسل معك بعض اجلنود ليساعدوك على تنفيذ مهمتك‪.‬‬
‫فرد إريس بسرعة وانفعال‪:‬‬
‫�اعدة ‪ ..‬أحب أن أعمل وحدي ‪ ..‬نفذوا فقط‬ ‫– –ال‪ ،‬ال أحتاج إىل املس�‬
‫ما أخربتكم به‪ ،‬وسأقوم أنا بالباقي‪.‬‬
‫�عر بأن هذا ما يريده إريس‪،‬‬‫�دا على اجلنرال عدم االرتياح ولكنه ش�‬
‫ب�‬
‫كما أنه تذكر بأنهاستطاع أن يعرب احلاجز من األمم املتحدة‪ ،‬وجاء إىل‬
‫هنا بدون أن ميسه خدش واحد‪ ،‬فتنهد طوي ًال ثم قال‪:‬‬
‫�ن ًا‪ ،‬كما تريد ‪ ..‬لن أضغط عليك ‪ ..‬ولكن ال جمال للفشل‪،‬‬
‫– –حس�‬
‫حنن نعتمد عليك‪.‬‬
‫�ه‪ ،‬ثم محل أغراضه اليت طلب منهم أن حيضروها له‬ ‫أومأ إريس برأس�‬
‫�ه‪ ،‬وودع اجلنرال ومجيع اجلنود يف اخليمة‪ ،‬ثم توجه إىل خارج‬ ‫قبل ذهاب�‬
‫اخليمة والكابنت يرافقه‪ ،‬فقطع املعسكر حتى بوابة اخلروج؛ حيا اجلنديان‬
‫�ف إىل الكابنت قائ ًال‪:‬‬
‫�كر‪ ،‬فألت�‬
‫الواقفان على البوابة‪ ،‬ثم خرج من املعس�‬
‫– –أظن أنه الوداع‪ ،‬فلتعتين بنفس�‬
‫�ك فاألوقات القادمة ستكون عصيبة‬
‫علينا مجيعا‪.‬‬
‫ثوان ثم كسر حاجز الصمت قائال‪:‬‬
‫صمت الكابنت بضعة ٍ‬
‫– –نعم‪ ،‬هذه س�‬
‫�تكون بداية اهلجوم املضاد ضد هؤالء االوغاد ‪ ..‬واآلن‬
‫لقد أحضرنا لك ما تريده انظر ورائك‪.‬‬
‫أشار الكابنت بأصبعه وراء إريس‪ ،‬فالتف بدوره ليجد دراجة خبارية من‬
‫النوع احلديث‪ ،‬سوداء اللون وتبدو وكأنها مل تستعمل قط‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫– –ال بد بأن هذا أفضل شيء حدث لي منذ استيقاظي يف هذه الظروف‬
‫اللعينة‪.‬‬
‫ارتسمت االبتسامة على وجه إريس‪ ،‬فقال بنربة ميألها احلماس‪:‬‬
‫– –حسنا‪ ،‬هذا ما أعيش من أجله‪.‬‬
‫أعطاه الكابنت بطاقة تشغيل الدراجة ثم ودعه وعاد أدراجه إىل اخليمة‪،‬‬
‫�كر بني حشائش األشجار اليت‬ ‫بينما توجه إريس إىل الدراجة خارج املعس�‬
‫�غيل من بني‬‫تطل على الغابة أمامه‪ .‬قفز على الدراجة ومرر بطاقة التش�‬
‫�ة ثالثية االبعاد على لوحة التحكم بني‬‫�قني صغريين‪ ،‬فأضاءت شاش�‬ ‫ش�‬
‫صوت أنثوي يقول‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫مقود الدراجة‪ ،‬ليصدر‬
‫– –مت تشغيل دراجة إيكو ‪ 5000‬برجاء ضع بصمة يدك على املربع األزرق‬
‫املنري‪ ،‬فوضع إصبع اإلبهام على املربع األزرق الصغري‪ ،‬فظهرت عالمة‬
‫تأكيد البصمة على الشاشة‪ ،‬فقال الصوت جمددا بنفس النربة الرتيبة‪:‬‬
‫– –مت تأكيد بصمة اليد‪ ،‬مرحبا سيد إريس‪.‬‬
‫فقال إريس ساخرا‪:‬‬
‫– –مرحبا بك يا سيدتي‪ ،‬واآلن لننطلق‪.‬‬
‫�رت أمامه خريطة ثالثية األبعاد ليحدد وجهته؛ فلمس اخلريطة‬ ‫ظه�‬
‫�ط املدينة‪ .‬فبدأت الدراجة تعمل‪ ،‬فارتفعت االطارات من على‬
‫وأختار وس�‬
‫األرض‪ ،‬ثم التفت لتصبح ثابتة بالعرض‪ ،‬وأصدرت ضوء أزرق قامت‪ ،‬فعلم‬
‫�تخدم ظاهرة مايسنر‪،‬‬ ‫إريس بأنها النوع اجلديد من الدراجات الذي يس�‬
‫�ق عاليا عن األرض ببضع‬ ‫�س هناك احتكاك باألرض‪ ،‬فالدراجة حتل�‬ ‫لي�‬
‫سنتميرتات‪ ،‬مما جيعل سرعتها ضعف س��رعة الدراجة العادية‪ ،‬فبغياب‬

‫‪206‬‬
‫�رعة هائلة‪ .‬أرتدي إريس‬ ‫�تصبح وكأنها تطري بس�‬ ‫عامل االحتكاك‪ ،‬س�‬
‫�ر أمامه‪ ،‬فرأى قرص‬ ‫جيدا‪ ،‬ثم نظ�‬
‫�ة على ظهره ً‬ ‫�ه‪ ،‬وعدل احلقيب�‬‫خوذت�‬
‫�ط جناحيه على‬ ‫�مس األمحر يف األفق‪ ،‬فعلم بأن الليل قد بدأ يبس�‬
‫الش�‬
‫املدينة وال بد بأن يسرع قبل أن تنعدم الرؤية‪ .‬ضغط على دواسة البنزين‪،‬‬
‫فانطلقت الدراجة بسرعة هائلة‪ ،‬تشق الرياح أمامها‪ ،‬فعرب إريس من جانب‬
‫متوجها إىل‬
‫ً‬ ‫املعسكر‪ ،‬ثم رأى منحدر رملي أمامه‪ ،‬فعربه بالدراجة برباعة‪،‬‬
‫�ق طريقه داخل املدينة بسرعة رهيبة‪ .‬بينما تلقي‬ ‫الشارع اخلارجي‪ ،‬ليش�‬
‫منظرا خالب ًا‪،‬‬
‫ً‬ ‫�مس بآخر أشعتها الذهبية على املدينة لتضفي عليها‬ ‫الش�‬
‫قبل قدوم الظالم‪ .‬قام إريس بتفعيل السائق اآللي‪ ،‬فبدأت الدراجة تتوجه‬
‫ناحية املوقع احملدد على اخلريطة‪ ،‬فضغط على بعض األزرار على لوحة‬
‫التحكم‪ ،‬ثم أخرج جهاز من حقيبته يشبه االي باد‪ .‬ضغط على زر التشغيل‪،‬‬
‫�ى انتهى به األمر بالوصول‬ ‫�م تابع الضغط على بعض االيقونات‪ ،‬حت�‬ ‫ث�‬
‫�ام احلرارية‪.‬‬‫�ا يريده‪ ،‬فضغط على تفعيل خاصية التقاط االجس�‬ ‫إىل م�‬
‫ظهرت على الشاشة خريطة تبدو كالرادار‪ ،‬وأخذ مؤشر يشبه عقرب‬
‫الساعة يدور دورة سريعة حول اخلريطة عدة مرات حتى بدأ يومض عند‬
‫مكان حمدد يف اخلريطة‪ ،‬فقال إريس يف قرارة نفسه‪:‬‬
‫– –لقد وجدت الشخص األول‪.‬‬
‫الصق إريس اجلهاز الشبيه باالي باد يف مكان أسفل لوحة التحكم يف‬
‫الدراجة‪.‬‬
‫�م‪ .‬فأنعطف عند أحد‬‫�ي هو زمام التحك�‬ ‫�ائق اآللي‪ ،‬وتول�‬ ‫أطفأ الس�‬
‫متجها إىل النقطة املضيئة يف اخلريطة‪ ،‬وبعد بضعة‬
‫ً‬ ‫�ا ًرا‪،‬‬
‫التقاطعات يس�‬
‫دقائق وصل إىل وجهته‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫ركن إريس دراجته يف أحد األزقة‪ ،‬ثم توجه إىل الغابة الصغرية أمامه‪.‬‬
‫توغل داخل األشجار‪ ،‬وهو يرتقب النقطة على اخلريطة‪ ،‬فلما اقرتب منها‬
‫أصبحت نقطتني ولكنهم متالصقني للغاية‪ ،‬فشعر إريس باحلماس فقال‪:‬‬
‫– –وجدت أثنني دفعة واحده‪ ،‬هذا يوم حظي‪.‬‬
‫مستمتعا بغناء الطيور‪ ،‬واهلواء العليل الذي‬
‫ً‬ ‫�جار‪،‬‬
‫مر إريس بني األش�‬
‫يتسرب من بني األغصان املتشابكة‪ ،‬بينما تسقط أشعة الشمس لتنري بعض‬
‫�جار‬‫منظرا مبهج عليها‪ .‬أنعطف إريس بني األش�‬‫ً‬ ‫البقع يف الغابة‪ ،‬وتبدي‬
‫�جار فوجد‬ ‫إىل اليمني‪ ،‬وعرب جدول صغري من املاء‪ ،‬ثم خرج من بني األش�‬
‫�ق ممتد؛ وعلى جانب الطريق يوجد العديد‬ ‫أمامه منحدر صغري‪ ،‬وطري�‬
‫من البيوت املصنوعة من خشب السنديان‪ ،‬متتد يف صف واحد‪ ،‬فشعر بأنه‬
‫طريق زراعي كبري‪ .‬بدأ يفحص املكان بعينيه باحث ًا عن هدفه‪ ،‬وبعد بضعة‬
‫ثواني رأى إريس شخص يرتدي زي يشبه زي الكاهن ميشي يف الشارع ويبدو‬
‫�جار وأخذ يراقبه عن‬ ‫عليه اجلفاء والفتور‪ ،‬فأختبأ إريس وراء أحد األش�‬
‫كثب‪ ،‬فعلم من هو هذا الشخص‪ ،‬فشعر بقلبه ينقبض قلي ًال‪ ،‬فقال لنفسه‪:‬‬
‫�ايري ‪ ..‬هذا الوغد املخيف‪ ،‬أكان جيب أن‬ ‫– –يا إهلي أليس هذا هو س�‬
‫ألتقيه يف البداية! هذا الوغد هو آخر من متنيت أن اقابله اآلن ‪ ..‬لقد‬
‫�ت نظرته ختيفين يف االختبارات‪ ،‬على الرغم من أني ال أخاف‪.‬‬ ‫كان�‬
‫معبدا بعيد وبرج أبيض يشبه الذي خرج‬
‫ً‬ ‫�ار‪ ،‬فرأى‬
‫نظر إريس إىل اليس�‬
‫�عر باحلرية ملا جيب أن‬
‫�كوكه يف أن هذا سايري‪ ،‬فش�‬‫منه‪ ،‬فتأكدت ش�‬
‫يفعله اآلن‪ ،‬هل خيرج وخيربه بكل شيء أم يتجنبه وهذا سيكون األفضل‪،‬‬
‫مفيدا يف مهمته‪.‬‬
‫ً‬ ‫�يكون‬
‫ولكنه يعلم بأنه قوي للغاية وس�‬
‫�ف ونظر ناحية‬
‫�ايري قد توق�‬ ‫�اء تفكريه‪ ،‬تفاجئ عندما رأى س�‬
‫وأثن�‬
‫�ه‪:‬‬
‫�ة يف اوصاله‪ ،‬فقال بينه وبني نفس�‬
‫�عر إريس برعش�‬
‫الغابة‪ ،‬فش�‬

‫‪208‬‬
‫– –هل شعر بي حقا؟ أم أن هذه جمرد صدفه؟! أن هذا الوغد حتوم حوله‬
‫هالة خميفة‪.‬‬
‫�جار وفعل قدرة التمويه‪ ،‬فتلون بلون‬‫وضع إريس يده على أحد األش�‬
‫جمددا فرأى أن سايري‬
‫ً‬ ‫�جرة‪ .‬أكمل مراقبته من بني األشجار‬ ‫جزع الش�‬
‫�عر‬‫قد أبعد عينيه عن الغابة وتابع طريقه‪ ،‬فتنفس إريس الصعداء‪ ،‬وش�‬
‫�ك متاما عن الوجود‪ ،‬حتى‬ ‫�ان على قوته هذه‪ ،‬القوة اليت ختفي�‬‫باالمتن�‬
‫الطاقة اجلسدية املنبعثة منك ختتفي عند تفعيلها‪ .‬تنقل إريس حبذر‬
‫�جار وهو يراقبه‪ ،‬ومل يعد يشعر بأنه يرغب يف أن يظهر نفسه له‬
‫بني األش�‬
‫�خصا آخر يراقبه من‬‫اآلن‪ ،‬وبعد فرتة وجيزة من مراقبته له‪ ،‬ملح إريس ش� ً‬
‫شخصا ملثم برداء أسوء طويل‪ ،‬ويضع غطاء على رأسه‪.‬‬‫ً‬ ‫بني البيوت كان‬
‫أخرج إريس املنظار من حقيبته‪ ،‬وبدأ يراقب هذا الش��خص الغريب‬
‫�ه بدهشة‪:‬‬ ‫بتعجب فقال بينه وبني نفس�‬
‫�وم بالبحث عن البقية‬ ‫– –من هذا حب�‬
‫�ق اهلل؟ هل هو أحد الرفاق ويق�‬
‫�ايري؟‬
‫مثلي وتوتر عندما وجد س�‬
‫�ت كان يراقب امللثم‬ ‫جمددأ‪ ،‬وفى نفس الوق�‬
‫ً‬ ‫�ايري‬‫وجه نظره إىل س�‬
‫�ه‪ .‬هل قد يكون‬ ‫أيضا؟ كان الغريب فيه هو مالبس�‬ ‫لريي ملاذا يتبعه هو ً‬
‫ين غرة؟ أخرج إريس‬ ‫�رة ويريد أن يباغته على ح�‬‫�د الروبوتات املتنك�‬
‫أح�‬
‫مسدس مزود بكامت صوت من حقيبته‪ ،‬وأستعد لإلطالق أن تطلب االمر‪،‬‬
‫�ديد‪ ،‬متلون ًا بني األشجار واحلشائش‪ ،‬وبعد‬ ‫ثم أكمل مراقبته حبذر ش�‬
‫بضعة دقائق رأى ما أدهشه‪ .‬رأى سايري الذي يسري يف الطريق بهدوء غري‬
‫مكرتث بشيء‪ ،‬قد توجه ناحية أحد البيوت‪ ،‬وتسلق البيت‪ ،‬متعلق ًا حبوافه‪،‬‬
‫�طحه‪ ،‬فاتسعت عني إريس من الدهشة‪ ،‬فعلم بأنه شعر‬ ‫حتى وصل إىل س�‬
‫بامللثم‪ ،‬فقال لنفسه‪:‬‬

‫‪209‬‬
‫– –ال بد بأنه يستشعر الطاقة احمليطة به‪ ،‬بل وحيدد مكان صاحبها أيضا‪.‬‬
‫وقف سايري بضعة دقائق فوق البيت اخلشيب‪ ،‬يراقب الشخص املثلم‪،‬‬
‫�تطاعة إريس أن يراه‪ ،‬كان يري‬‫�ذي اختفى وراء املبين‪ .‬ومل يعد باس�‬
‫ال�‬
‫�ايري من ظهره‪ .‬فجأة رأى سايري يقفز يف اهلواء‪.‬‬ ‫فقط س�‬
‫ثوان وجد ساري وامللثم قد ظهرا من بني البيتان القابعان‬
‫وبعد بضعة ٍ‬
‫أمامه‪ ،‬يتشاجران‪ ،‬ورأى سيف ضوئي أصفر يتم التلويح به يف اهلواء‪ ،‬وكان‬
‫حيمله الشخص امللثم‪ ،‬بينما كان سايري ميسك يف يده بسيف الكاتانا‪،‬‬
‫جيدا‪ ،‬وبدأ‬
‫أيضا ناحية امللثم‪ ،‬فألصق إريس املنظار على عينيه ً‬
‫�وح به ً‬ ‫ويل�‬
‫�و ال يفهم ما حيدث‪ ،‬فنظر بتمعن‬ ‫جيدا عن كثب‪ ،‬وه�‬‫�ب املعركة ً‬ ‫يراق�‬
‫أكثر ورأى أن سيف سايري قد كسر بسبب التحامه مع السيف الضوئي‬
‫�ده ناحية امللثم‪ ،‬لتندفع طاقة قوية من‬ ‫الغريب‪ ،‬مما أثار غضبه فرفع ي�‬
‫بعيدا حتى اصطدم حبائط‬ ‫�ده‪ ،‬هزت أرجاء املكان‪ ،‬لتجعل امللثم يندفع ً‬ ‫ي�‬
‫�ى وراء املبنى فلم يعد إريس يراه من‬
‫�ايري منه‪ ،‬واختف�‬ ‫املبين‪ ،‬فاقرتب س�‬
‫هذه الزاوية‪ .‬فتسلل مقرت ًبا من أحد املباني‪ ،‬والتف من حوله حتى أصبح‬
‫متاما‬
‫األثنان يف جمال رؤيته‪ ،‬فمال برأسه من وراء املبين‪ ،‬بينما أخفى طاقته ً‬
‫متلمسا احلائط‪ ،‬مسع صوت إطالق نار فظن بأن سايري قد قتل امللثم ونزع‬
‫ً‬
‫أيضا‪ ،‬فأبتسم إريس قائال‪:‬‬‫مالبسه منه مرتد ًيا إياها‪ ،‬وأخذ سيف الضوء ً‬
‫– –لقد أصبحت األمور تتجه إىل منحين مثري لالهتمام كث ً‬
‫ريا ‪ ..‬ولكن‬
‫�خصا خطري كهذا ‪ ..‬لقد قتله‬ ‫�ي لش� ً‬‫ال يبدو بأنين أن أظهر نفس�‬
‫�ة الرفاق ثم أفكر معهم ماذا‬
‫�أتوجه ألحبث عن بقي�‬
‫بال رمحة ‪ ..‬س�‬
‫سنفعل معه‪.‬‬
‫جمددا‪ ،‬ووقف أمام‬
‫ً‬ ‫كاد سايري أن يشعر به‪ ،‬فتسلل إريس داخل الغابة‬
‫بعيدا ناحية املدينة‪ ،‬فأشار ناحيته‬
‫أحد األشجار مراق ًبا سايري وهو يتجه ً‬
‫ثم أعطى إذنا صوتيا للوح بأن يتعقبه أينما ذهب‪،‬‬
‫باللوح اإللكرتوني‪ ،‬ومن َّ‬
‫‪210‬‬
‫متوجها ناحية دراجته اجلديدة‪ ..‬ركبها‬
‫ً‬ ‫فنفذ اللوح الطلب‪ .‬عاد بعدها‬
‫وتوجه متوغال داخل املدينة باحث ًا عن هدفه التالي‪ ،‬وبعد بضع دقائق‪ ،‬دلف‬
‫�اء املدينة وكان الليل قد خيم على املكان‪ ،‬ولف املدينة احملطمة‬ ‫إىل أحن�‬
‫بالظالم‪ .‬حدد له اللوح أنه يوجد شخصان قريبان‪ ،‬فأوقف دراجته يف أحد‬
‫جمددا عن مكان انبعاث اإلشارة‪،‬‬
‫ً‬ ‫األزقة‪ ،‬وأخذ اللوح وبدأ ينظر يف شاشته‬
‫كان بالكاد يرى شيئ ًا يف هذا الظالم‪ ،‬فارتدى نظارات الرؤية الليلية‪ .‬سار يف‬
‫الظالم حبذر وكأنه جاسوس يف مهمة سرية‪ ،‬فقال بينه وبني نفسه ساخرا‪:‬‬
‫– –أشعر بأني لن أختلص من التجسس أبدا‪ ،‬هذا ما ولدت من أجله‪ ،‬ويبدو‬
‫أنه ما سأموت من أجله‪ ،‬ماضيك يالحقك دائما مهما تغريت الظروف‪.‬‬
‫أكمل إريس مسريته‪ ،‬حتى رأى من بعيد رجال عريض املنكبني مفتول‬
‫�ه يرتديها‪ ،‬فعلم‬
‫�دي مالبس العينات اليت كان هو نفس�‬ ‫العضالت‪ ،‬يرت�‬
‫�س على الفور بأنه رمبا يكون إيفانوف فتتبعه‪ ،‬حتى دلف الغريب إىل‬
‫إري�‬
‫�لحة‪ .‬فتوقف إريس وانتظر خروجه من املتجر‪ ،‬وكان‬ ‫أحد متاجر األس�‬
‫الصمت ا ُملطبق حوله يف غياهب الليل ميكنه من مساع حركات إيفانوف‬
‫داخل املتجر‪ ،‬فقال لنفسه‪:‬‬
‫– –يا إهلي هل أهرب من س�‬
‫�ايري ألقع يف إيفانوف‪ ،‬لقد كانوا يسريون‬
‫�كل ‪ ..‬يكفيين تذكر‬‫�ابقة وكانوا األخطر بني ال�‬
‫�ا طول املس�‬
‫مع�‬
‫ً‬
‫�عر بدني‪.‬‬
‫مواجهته مع كينو ليقش�‬
‫شخصا ملثم‬
‫ً‬ ‫قطع أفكار إريس صوت حتطم داخل املتجر وبعدها ورأى‬
‫راكضا من املتجر‪ ،‬فوجه إريس جهاز التعقب ناحيته وأمره‬
‫ً‬ ‫غريب خيرج‬
‫بأن يتعقبه‪.‬‬
‫رأى إريس بعدها إيفانوف خيرج من املتجر وهو يتفقد الطريق‪ ،‬فأمر‬
‫أيضا‪ ،‬ثم سار ناحية موقع امللثم الغريب ليعلم‬
‫إريس اجلهاز بأن يتعقبه هو ً‬

‫‪211‬‬
‫ما سبب مراقبتهم لسايري وإيفانوف‪ .‬عرب بعض املباني بهدوء حتى اقرتب‬
‫�ارة فوجد أن ضالته يفصل بينه وبينها املبين الذي يقف أمامه‪،‬‬ ‫من اإلش�‬
‫فأستدار خلف املبين مرو ًرا ببعض احلدائق والالفتات واللوحات االعالنية‪،‬‬
‫واملتاجر‪ ،‬فبدأت اإلشارة تقرتب أكثر فأكثر‪ .‬فوقف وأستند بظهره على‬
‫املبين‪ ،‬ثم سار ببطء مقرت ًبا من حافة املبين‪ ،‬حتى وصل‪ ،‬فأحنين جبسده‪،‬‬
‫لام وراء املبين‪،‬‬
‫�خص الواقف يف الظ�‬ ‫�كل الش�‬‫متفحصا ش�‬
‫ً‬ ‫ونظر بعينيه‬
‫فوجده امللثم يضغط على ساعته لتظهر له شاشة ثالثية األبعاد كشاشة‬
‫�ة وينتقل من‬ ‫�وب‪ .‬أخذ امللثم يضغط على بضعة أوامر يف الشاش�‬ ‫حاس�‬
‫قائمة إىل أخرى‪ .‬فعاد إريس وراء املبين وأخذ يتنفس الصعداء وهو يفكر‪:‬‬
‫– –من هو هذا امللثم؟ إنه يشبه الذي قتله سايري من قبل‪ ،‬ولكن ما هو‬
‫عملهم؟ ملاذا يراقبوننا؟ هل هم أحد جواسيس الروبوتات؟‬
‫�عي إليها‬
‫�عفه ويعطيه اإلجابات اليت يس�‬‫ولكن يبدو بأن عقله مل يس�‬
‫�كله لكي يبدو كامللثم متاما‪،‬‬
‫�رر بأن حيصل عليها باحليلة‪ ،‬فغري ش�‬
‫فق�‬
‫�يء‪ ،‬ولكنه أمامه مخس دقائق حتى يعود‬ ‫نفس اهليئة واملالبس وكل ش�‬
‫�كله الطبيعي‪ ،‬فقرر أن حيصل على أجوبته بسرعة‪.‬‬ ‫إىل ش�‬
‫متوجها ناحية امللثم بثقة وخبطي هادئة‪،‬‬
‫ً‬ ‫نفسا ثم خرج من خمبئه‬
‫أخذ ً‬
‫فقطع نصف الطريق حتى شعر امللثم به‪ ،‬فأطفأ الشاشة اهلولوجرامية‪،‬‬
‫�ه بسرعة ناحية إريس‪ ،‬فشعر إريس برعدة تسري يف جسده‪،‬‬ ‫ورفع مسدس�‬
‫فقال بسرعة كردة فعل وهو يشري بيده‪:‬‬
‫– –ال ختف أنه أنا‪.‬‬
‫فدقق امللثم بنظره عدة مرات ثم أخفض سالحه قائ ًال‪:‬‬
‫– –لقد كدت أن توقف قليب يا رجل‪ ،‬ال تفعل هذا جمددا‪.‬‬
‫فضحك إريس ضحكة صفراء قائ ًال‪:‬‬
‫‪212‬‬
‫ريا فلم أرد تشتيتك ‪..‬‬
‫�ف على هذا‪ ،‬ولكنى رأيتك مشغوال كث ً‬ ‫– –آس�‬
‫�ك من كل هذا‬ ‫�ت يف كل األحوال ‪ ..‬دع�‬ ‫�ن يبدو بأني فعل�‬
‫ولك�‬
‫�ار العينة اليت تراقبها‪:‬‬
‫اهلراء‪ ،‬وقل لي ما أخب�‬
‫صمت الغريب قليال مما أثار قلق إريس ثم قال‪:‬‬
‫ير فقط يف املدينة حتى اآلن‪ ،‬ويبدو أنه‬ ‫– –ال ش�‬
‫�يء مثري بعد‪ ،‬أنه يس�‬
‫دخل متجر لألسلحة‪ ،‬فقمت بأخذ قسط من الراحة وحماولة حتليل‬
‫�ض املعلومات اليت بعثت لي عن طريق الرفاق اآلخرين‪.‬‬‫بع�‬
‫حاول إريس أن يدس السم يف العسل وحيصل منه على بعض األجوبة فقال‪:‬‬
‫– –ال أع�‬
‫�رف ملا علينا حنن مراقبتهم‪ ،‬فهذا العمل ممل للغاية‪ ،‬فليكلفوا‬
‫أي أحد آخر به‪.‬‬
‫حدق الغريب فيه طوي ًال ثم قال‪:‬‬
‫– –ومن برأيك سيتم تكليفه بهذا العمل غرينا؟! حنن من صنع سيدنا‬
‫وهلذا السبب‪ ،‬حنن نطيع أوامره بدون تفكري ‪ ..‬ال جيب عليك أن تقول‬
‫مثل هذا الكالم مرة أخرى ‪ ..‬أنت تعرف أن سيدنا يقوم بأعمال صعبة من‬
‫أجل جالديوس وهلذا جيب أن نراقب العينات ونبعث له بكل املستجدات‪.‬‬
‫كاد إريس أن يرد تلقائ ًيا ويس��أل عن األمساء الغريبة اليت مسعها‪،‬‬
‫�اعرا بأن سؤاله األمحق هذا سيكشفه‪ ،‬وأن‬
‫ولكنه مل ينبت ببنت شفه‪ ،‬ش� ً‬
‫أي خطأ آخر سيكشف أمره فقال‪:‬‬
‫– –أعرف كل هذا‪ ،‬ولكن عندما أش�‬
‫�عر بامللل فإني أرمي مبهميت عرض‬
‫�ؤولية قليال‪.‬‬
‫احلائط‪ ،‬وأخرتع كالم غريب ليبعد عين املس�‬
‫تنهد الغريب طويال‪ ،‬ثم قال‪:‬‬

‫‪213‬‬
‫– –نعم‪ ،‬أعرف هذا‪ ،‬لو مل حتدث تلك الكارثة اليت سببها كينو ملا حدث‬
‫كل هذا‪.‬‬
‫اتسعت عني إريس عندما مسعاسم كينو وتعجب من كالم امللثم عن‬
‫كارثة قد تسبب بها‪ ،‬ولكن مل يستطع أن يسأله عنها وإال فسيعرف امللثم‬
‫بأنه مزيف‪ .‬أكمل امللثم‪:‬‬
‫�رية‬
‫�ول ما حدث قد حدث واآلن‪ ،‬حنن آخر أمل للبش�‬ ‫– –ولكن ماذا أق�‬
‫�رية وجيب أن‬
‫�س‪ ،‬أو باألخص العينات هي آخر امل للبش�‬‫يف أطالنت�‬
‫�قط جايا وحنقق غاية السيد األعلى جالديوس‪.‬‬
‫حنميها‪ ،‬وبعدها سنس�‬
‫مل يفهم إريس ماذا يقصد بآخر أمل للبشرية‪ ،‬ولكن أول ما خطر على‬
‫�يطرة اآلالت قد تستمر وتستحوذ على العامل كله‪،‬‬ ‫باله أنه يقصد أن س�‬
‫�خاص ببعض القدرات‬ ‫�و مل يوقفها العينات‪ ،‬ولكن كيف لبعض األش�‬ ‫ل�‬
‫الغريبة أن يدمروا جيشا كامل من اآلالت‪ ،‬شعر بإريس أن رأسه تؤمله من‬
‫وخصوصا عن األمساء الغريب اليت مسعها‪ ،‬فهو مل يعد‬
‫ً‬ ‫كثرة التساؤالت‪،‬‬
‫�تارة‪،‬‬
‫يعلم ما حيدث هنا‪ ،‬ولكن هناك أحد يتحكم باخليوط من وراء الس�‬
‫�ياء املبهمة والغري واضحة على اإلطالق‪.‬‬‫وال زال هناك الكثري من األش�‬
‫فقرر عدم التفكري وحماولة استخراج املعلومات اليت جاء من أجلها‪ ،‬وهي‬
‫ملاذا يراقبهم هؤالء األشخاص‪ ،‬فقال بنربة هادئة‪:‬‬
‫– –إىل متى سنستمر مبراقبتهم؟‬
‫– –حتى يصبحوا مستعدين‪ ،‬ليأخذهم السيد جالديوس وينفذ ما وعدنا‬
‫�ن األمل اآلن هنا تذكر هذا! وتذكر أيضا أن العينات جيب‬
‫به‪ ،‬حن�‬
‫جيدا وأمحيها من أي خطر للروبوتات أو غري‬
‫اال متوت! راقب عينتك ً‬
‫ذلك أن تطلب األمر‪.‬‬
‫�و يفكر مبا مسعه‬
‫�رد بذهنه وه�‬
‫�ه باملوافقة‪ ،‬ثم ش�‬
‫أومأ إريس برأس�‬

‫‪214‬‬
‫�ئلته فقط‪ ،‬ومل يعطه أية إجابات ألي‬ ‫اآلن فكل ما قاله امللثم زاد من أس�‬
‫�يء‪ ،‬حتى نصبح مستعدين‪ ،‬مستعدين ملاذا؟ ومن هو السيد جالديوس‬ ‫ش�‬
‫�يأخذنا؟ وإىل أين سيأخذنا؟ هل هو رجل أعمال ما أنفق أمواله‬ ‫الذي س�‬
‫�اذة‬
‫�ادنا حتى نصبح بهذه القدرات الش�‬ ‫بالقيام بتجارب لعينة على أجس�‬
‫�ه‬
‫�عر بأن رأس�‬‫�ن الطبيعة؟ مل يري إريس أي أجوبة على اإلطالق‪ ،‬فش�‬ ‫ع�‬
‫يدور‪ .‬كل شيء خاطئ‪ ،‬هناك شيء مل يقوله اجلنرال جيري هنا‪ .‬أم هل‬
‫�ي ال يعرف من هو جالديوس؟ أم أنه معهم‬ ‫ميكن للجنرال أن يكون مثل�‬
‫�ينفذ مهمته أوال ثم سيطالب ببعض‬ ‫يف نفس اللعبة؟ قرر إريس بأنه س�‬
‫�يحصل على األجوبة ولو بالقوة‪ ،‬ولكن عليه أن يصرب قليال‬ ‫األسئلة‪ ،‬وس�‬
‫�اعته‬‫�غل باللعب يف س�‬‫فمهمته اآلن هي األهم‪ .‬رأى إريس أن امللثم أنش�‬
‫�اعته ورأى‬
‫جمددا‪ ،‬فتذكر إريس أن الوقت ليس يف صاحله‪ ،‬فنظر إىل س�‬ ‫ً‬
‫�كله األصلي‪ ،‬فضرب اخلوف‬ ‫�ر ثوان قبل أن يستعيد ش�‬ ‫أنه تبقي له عش�‬
‫�يخرج من هنا؟ فأخرج من حقيبته‬ ‫�رعة كيف س�‬ ‫طبول قلبه‪ ،‬ففكر بس�‬
‫�دس الصاعق‪ ،‬ثم أشار حنو الغريب قائال‪:‬‬ ‫املس�‬
‫– –نوما هنيئ ًا يا عزيزي‪.‬‬
‫فأطلق عليه الطلقة‪ ،‬لتصعقه بقوة فأخذ يتلوى يف اهلواء‪ .‬حمدق ًا إىل‬
‫أيرس بعينني ميلئهما الغضب‪ ،‬وقال قبل أن يغشي عليه بأنفاس متقطعة‪:‬‬
‫– –أيها ‪ ..‬اخلائن‪.‬‬
‫ثم سقط على األرض يف سبات عميق‪ ،‬قال إريس وهو حيدق إليه‪ ،‬وقد‬
‫عاد شكله من جديد إىل سابق عهده‪:‬‬
‫– –ال أعرف من منا اخلائن‪ ،‬ولكن ال أظنه أنا يا عزيزي‪.‬‬
‫تذكر إريس ما فعله سايري بالشخص الذي هزمه‪ ،‬فأخنفض ناحية‬
‫هامسا‪:‬‬
‫ً‬ ‫اجلثة‬

‫‪215‬‬
‫– –آسف ولكين سأستعري ساعتك ومالبسك لبعض الوقت‪.‬‬
‫أخذ إريس املالبس والساعة وارتداهم‪ ،‬ثم عاد أدراجه لرياقب إيفانوف‬
‫يره مسع انفجار كبري دوي يف‬ ‫�لحة عن كثب‪ ،‬وأثناء س�‬‫يف متجر األس�‬
‫األفق‪ ،‬فالتفت ناحية الغرب لريي السنة النار والدخان يرتفعان من مكان‬
‫ما بعيد‪ ،‬ال بد بأنهم الروبوتات‪ ،‬جذب االنفجار انتباهه ولكنه قرر بأن ال‬
‫يعره أي انتباه اآلن فهو يف حاجة ماسة الستئناف مهمته‪ ،‬فأكمل سريه‬
‫�ظ أي أحد‪ ،‬ونظر إىل اللوح‬ ‫�ا الطريق يف الظالم من دون أن يلح�‬
‫قاطع�‬
‫ً‬
‫�عت عينيه من القلق قائ ًال‪:‬‬
‫االلكرتوني‪ ،‬لبضع حلظات‪ ،‬ثم اتس�‬
‫– –اللعنة جيب أن أوقفه بسرعة‪.‬‬
‫�رع‬
‫فبدأ يهرول وفجأة مسع صوت إطالق نار يدوي بالقرب منه‪ ،‬فأس�‬
‫متجها ناحية النقطتني على اخلريطة اليت يقرتبان‬
‫ً‬ ‫�ي‬
‫يعرب حطام املبان�‬
‫�ه‪:‬‬
‫من بعضهما البعض فقال إريس بينه وبني نفس�‬
‫– –س�‬
‫�ايري أيها اللعني متى وصلت إىل هنا؟ هل ستحاول قتل إيفانوف‬
‫وسط هذا الظالم؟‬
‫�ارته من إشارة‬
‫�ايري قد اقرتبت اش�‬
‫هذا ما أفزع إريس فقد رأى أن س�‬
‫لام بدون أن يعلم هويته‪.‬‬
‫�ط الظ�‬‫إيفانوف فقلق ألنه قد يقتله وس�‬
‫�ام ونظر أمامه‪،‬‬ ‫�رول ناحيتهم‪ ،‬وفجأة توقف بني احلط�‬ ‫فانطلق يه�‬
‫متجها إىل اليسار‪ ،‬ثم تاله‬
‫ً‬ ‫خارجا من مبين مائل‬
‫ً‬ ‫�ايري يركض‬ ‫فرأى س�‬
‫�يئا أسود ال يبدو كمخلوق بشري على اإلطالق‪ ،‬ففزع إريس من تغري‬ ‫ش�‬
‫�ه تذكر بأنها قدرة‬ ‫�ذا‪ ،‬ومل يدري ما هو هذا املخلوق‪ ،‬ولكن�‬
‫األحداث ه�‬
‫إيفانوف‪ ،‬فقال يف قرارة نفسه‪:‬‬
‫– –جيب أن أوقفهم سيقتلون بعضهم البعض وهم يف نفس الفريق!‬

‫‪216‬‬
‫�دون أن يراه أحد‪ ،‬ورآهم‬
‫�ض إريس مبحازتهم من بني احلطام ب�‬ ‫رك�‬
‫يتشاجرون بعنف شديد‪ ،‬وكل واحد منهم يريد الظفر حبياة اآلخر‪ .‬فكر‬
‫�يموت بالتأكيد‪،‬‬ ‫إريس يف كيفية إيقافهم‪ ،‬أن تدخل فيما بينهم اآلن س�‬
‫�و ينظر ناحيتهم‪ ،‬ويدعوا بأال يتمكن‬‫فوقف بني احلطام وأخذ يفكر وه�‬
‫�يكون من نصيب‬ ‫�عر أن املوت س�‬
‫�د منهما من قتل اآلخر‪ ،‬رغم أنه ش�‬
‫أح�‬
‫�ايري فقدرته لن جتعله يصمد أمام صالبة جسد إيفانوف‪.‬‬ ‫س�‬
‫رأى إريس أن سايري أوقف بعض الصخور يف اهلواء بقوته الغريبة‪ ،‬ثم‬
‫�ها ناحية الضخم‪ ،‬وكان إريس يقف ورائه على مسافة قريبة منه‪،‬‬ ‫عكس�‬
‫فكادت الصخور أن تصيبه‪ ،‬فأخنفض قبل أن تسقط عليه بعضها‪ ،‬وبسرعة‬
‫�رقية من‬‫متوجها إىل نقطة آمنة عند الناحية الش�‬
‫ً‬ ‫�د عن هذا املكان‬
‫أبتع�‬
‫�تنتج بعض‬ ‫جمددا من بني حطام املباني‪ ،‬فأس�‬
‫ً‬ ‫املكان‪ ،‬وجه نظره ناحيتهم‬
‫جيدا أثناء املعركة‪ .‬وقال لنفسه‪:‬‬
‫خواص قدرة سايري ً‬
‫�اكرا‪ ،‬وبطريقة ما‬‫�ده‪ ،‬الش�‬
‫�تخدم الطاقة املتدفقة يف جس�‬‫– –أنه يس�‬
‫�تخدمها يف حتريك األشياء‬ ‫�تطيع أن خيرجها من جسده ويس�‬ ‫يس�‬
‫�خاص حوله من تدفق طاقتهم وهالتهم‪ .‬ولكنه ال‬ ‫�عور باألش�‬
‫والش�‬
‫يشعر بي اآلن ألنه مش��غول مع إيفانوف‪.‬‬
‫أخذ إريس يفكر فيما سيفعله‪ ،‬ولكن مل جيد طريقة إليقافهم إطالق ًا‪،‬‬
‫�ون‬ ‫�د ضالته‪ ،‬فلمح بني البنايات على بعد مخس�‬‫�ر حوله لعله جي�‬‫فنظ�‬
‫�ا‪ ،‬فتعجب وأول ما‬ ‫أيض�‬
‫�خص خيتبأ يف الظالم ويراقب املوقف ً‬ ‫رتا ش�‬‫م ً‬
‫خطر على باله بأنه أحد اإلينيكس يراقبهم‪ ،‬ولكن ألن يوقفوهم‪ ،‬أم ليس‬
‫�ماء‪،‬‬ ‫لديهم القوة أيضا لوقف معركة كهذه‪ .‬فجأة من بني ظالم الس�‬
‫�ق فوقه‪ ،‬تبدو كطائرة ما‪ ،‬هبطت بالقرب‬ ‫ملح إريس مركبة غريبة حتل�‬
‫�ط‬ ‫قاطعا الطرقات وس�‬
‫ً‬ ‫�ار باجتاهها‬
‫من منطقتهم‪ ،‬فأخنفض إريس وس�‬
‫�لل من بني‬ ‫�عة اليت تغطي املدينة‪ ،‬فتس�‬
‫احلطام واجلثث والرائحة البش�‬

‫‪217‬‬
‫�احة اليت‬ ‫ين يف زقاق طويل حمطم‪ ،‬حتى وصل إىل الس�‬ ‫مبنيني حمطم�‬
‫�ارج الزقاق حبذر ونظر‬ ‫�ه خ�‬ ‫�ت فيها الطائرة الغريبة‪ ،‬فأخرج رأس�‬
‫هبط�‬
‫�ار لريي املركبة واليت ال يبدو بأنها من صنع البشر إطالق ًا‪،‬‬
‫ناحية اليس�‬
‫ولكن الظالم كان يلفها‪ ،‬فلم يلمح إريس غري القليل منها والفضل يعود‬
‫�ح باب ألعلى يف املركبة اليت يبلغ حجمها‬ ‫إىل ضوء القمر‪ ،‬وفجأة أنفت�‬
‫�طة احلجم‪ .‬كانت مضيئة من الداخل‪ .‬اتسعت‬ ‫حجم غرفة نوم متوس�‬
‫ين إريس من الرعب‪ ،‬ونزل اخلوف على قلبه كالصاعقة‪ ،‬رأى روبوتات‬ ‫ع�‬
‫واحدا بانتظام‬
‫ً‬ ‫�اء اللون خترج من املركبة وراء بعضهم البعض صف ًا‬ ‫زرق�‬
‫�عر إريس بتوتر شديد‪ ،‬فهذه أول‬ ‫متوجهني ناحية سايري وإيفانوف‪ ،‬فش�‬
‫�تطيع أن ينقذ رفاقه اآلن‪،‬‬ ‫�وأ هو أنه لن يس�‬‫مرة يراهم فيها‪ ،‬ولكن األس�‬
‫متتبعا الروبوتات‪ ،‬فرأى كيف استطاعوا هزمية‬‫ً‬ ‫توجه إىل الساحة بسرعة‬
‫�وا ال يزالون على قيد‬ ‫�هولة‪ ،‬ثم محلوهم للطائرة‪ ،‬ولكن كان�‬ ‫رفاقه بس�‬
‫�تكون‬ ‫�رعة‪ ،‬وقرر بأن ينقذهم بأي مثن‪ ،‬وهذه س�‬ ‫احلياة‪ ،‬ففكر إريس بس�‬
‫�عروا‪،‬‬ ‫�لل داخل مقرهم‪ ،‬وتدمري املولد بدون أن يش�‬ ‫�ة مثالية للتس�‬
‫فرص�‬
‫�ده على كتفه‪ ،‬ليأخذ‬ ‫�لل خلف أحد الروبوتات خبفة‪ ،‬ثم وضع ي�‬ ‫فتس�‬
‫كافة املعلومات عن خصائصه وتركيبته ليتشكل ويصبح نسخة شبيهة‬
‫به‪ ،‬وبعد أن تغري شكله سار وسطهم بدون أن يشك أحد به‪ ،‬وهو يتفحص‬
‫�ون‪.‬‬‫رفاقه هل هم خبري أم ماتوا؟! ولكنه وجدهم ال زالوا يتنفس�‬
‫توجهوا إىل السفينة ودلفوا داخلها‪ ،‬ثم أغلقت أبوابها وبدأت حتلق يف‬
‫السماء حتى اختفت يف األفق‬

‫***‬

‫‪218‬‬
‫‪19‬‬

‫�ة‬
‫�س على مقعده جبانب صف الروبوتات املكون من مخس�‬ ‫جلس إري�‬
‫مقاعد‪ .‬وكانت الروبوتات جالسة يف صمت بدون حركة جسديه واحدة‬
‫أو كلمة واحدة‪ .‬كان أمام إريس صف آخر مقابل له جيلس عليه مخسة‬
‫روبوتات أخرىن‪ ،‬وكان أحدهم حيدق يف عني إريس املتنكر كواحد منهم‬
‫�ديد‪ ،‬ولكنه حاول أن‬ ‫�عر إريس بالتوتر الش�‬‫يف صمت بعينني ميتتني‪ ،‬فش�‬
‫ميسك رباطة جأشه‪ ،‬وهو ينظر إىل هذه العني امليتة املخيفة اليت حتدق‬
‫�و مل يرهم عن قرب من قبل‪،‬‬ ‫جيدا فه�‬
‫�كله ً‬ ‫إليه بال توقف‪ ،‬تأمل إريس ش�‬
‫�بيه بعض الشيء بالبشر‪ ،‬وعيناه تشعان بامحرار شديد‪،‬‬ ‫كان وجهه الش�‬
‫وجسده يغطيه معدن الكروم املشبع بلون فضي‪ ،‬وفوق جبينة بقليل‪ ،‬تلمع‬
‫�اكلتها من‬ ‫�تدير على ش�‬ ‫جوهرة غريبة‪ ،‬بلون أزرق‪ ،‬حيميها حاجز مس�‬
‫الزجاج‪ ،‬وداخلها يوجد طيف أزرق ميألها‪ ،‬فعلم إريس أنه مصدر الطاقة‬
‫�يء مبجرد أن رآه‪ ،‬وفى منتصف صدره يوجد نفس الشيء‪ ،‬أنها‬ ‫هلذا الش�‬
‫�هم؛ وجهه‬ ‫�عر فوق رؤوس�‬ ‫�بة له‪ .‬ليس لديهم ش�‬‫كالقلب والعقل بالنس�‬
‫�د كالزجاج أو‬ ‫بلون فضي‪ ،‬وباقي اجلس�‬
‫واقدامه ويديه وصدره يتميزون ٍ‬
‫فيضا من طاقة زرقاءاستطاع إريس‬ ‫البالستيك الشفاف‪ ،‬ويتدفق بداخله ً‬
‫�بب شفافية جسده‪ ،‬ففكر إريس بينه وبني نفسه‪ ،‬قائ ًال‪:‬‬‫أن يراها بس�‬
‫�ة فأينا املصدر؟ ال بد بأنين‬ ‫– –إذا كانت هذه األش�‬
‫�ياء تعطيهم الطاق�‬

‫‪219‬‬
‫�أدمره بعد أن أنقذ هذان‬
‫�ف أمري‪ ،‬رمبا س�‬
‫�أجده أن مل يتم كش�‬
‫س�‬
‫األمحقان‪.‬‬
‫�اد لطبيعته كما رآه إريس أول مرة عند‬ ‫�د إيفانوف قد ع�‬‫كان جس�‬
‫متجر األسلحة‪ ،‬وبينما كان سايري ممدد جبانبه على األرض‪ ،‬وكأنهم‬
‫�ا اآلن يغطان يف‬ ‫�دهما إريس على أنهم�‬ ‫�ان قد مت ذحبهما‪ ،‬فحس�‬ ‫خروف�‬
‫�عر بالندم ألنه أخذ هذه‬ ‫�تطيعان رؤية ما يراه اآلن‪ .‬ش�‬‫نوم عميق وال يس�‬
‫املخاطرة‪ ،‬ولكن كان ال بد منها‪ ،‬فحياته كجاسوس جعلته مير بالكثري‬
‫من املخاطر واألشياء املخيفة ولكنه يرجح بأن هذه هي املرة األكثر رع ًبا‬
‫بالنسبة له‪ .‬تفحص بعينيه الروبوت أمامه بكل تفاصيله بدون أن حيرك‬
‫�ك الروبوت فيه‪ ،‬وإال فستكون حفلة صاخبة لقتله يف‬ ‫عينيه حتى ال يش�‬
‫�اف أمره‪ .‬شعر باهتزازات الطائرة بسبب‬ ‫هذا املكان الضيق أن مت اكتش�‬
‫�فل يف‬ ‫املطبات اهلوائية‪ ،‬وبعد بضعة دقائق بدأت الطائرة تهبط إىل األس�‬
‫واضعا يده‬
‫ً‬ ‫�ي للطائرة‪،‬‬ ‫�دوء‪ ،‬وكان إريس جيلس جبانب الباب اخللف�‬ ‫ه�‬
‫�يتوجب عليه االلتفاف ناحية‬ ‫�عر أنه يف ورطة ألنه س�‬‫على ركبتيه‪ .‬فش�‬
‫الباب والتوجه للخارج أو ًال وهو ال يعلم أين عليه الذهاب‪ ،‬مما قد يكشف‬
‫�رك حركة واحده‪ ،‬وكان ال‬ ‫�ره أن قام بأي حركة خاطئة‪ .‬مل يتح�‬ ‫أم�‬
‫يزال الروبوت املريب ذو العني احلمراء حيدق إليه يف صمت خميف‪ .‬فجأة‬
‫ين من الروبوتات‬ ‫�ى األرض وفتح الباب‪ ،‬فحمل ُأثن�‬ ‫هبطت الطائرة عل�‬
‫�ايري وايفانوف‪ ،‬بينما ترجل باقي الروبوتات ومن بينهم إريس يف صف‬ ‫س�‬
‫�لحة أمامهم‪ ،‬من محالة‬ ‫ونظام تام‪ .‬ضغطوا على زر ورائهم‪ ،‬فنزلت األس�‬
‫�وا طريقهم‪ .‬لفحت أنوار‬ ‫�قف الطائرة فأخذوها ثم أكمل�‬ ‫معلقة يف س�‬
‫�ه ومل يتحرك حركة واحدة‬ ‫�س ولكنه حتامل على نفس�‬ ‫املكان عني إري�‬
‫متقدما صفوف الروبوتات‪ ،‬حتى بدأت عيناه‬ ‫ً‬ ‫�ار بانتظام‬
‫�ان‪ ،‬وس�‬‫كإنس�‬
‫�توعبان النور واملكان الذي وقف فيه‪ ،‬وفجأة رأى شيئ ًا أدهشه وصعقه‬ ‫تس�‬
‫�ة‪ ،‬ولكنه أكمل مسريته‪.‬‬ ‫للغاية وكاد أن يتوقف من الدهش�‬
‫‪220‬‬
‫�رقت‪ ،‬فنظر إريس حوله لريي روبوتات تسري‬ ‫�مس قد اش�‬ ‫كانت الش�‬
‫ير وسطهم‪،‬‬ ‫�كاهلا كانت خمتلفة عن الذي يس�‬ ‫يف كل مكان‪ ،‬ولكن أش�‬
‫ونساء ورجا ًال وحتى أنه كان هناك روبوتات كبار يف‬
‫ً‬ ‫لقد كانوا أطفا ًال‬
‫السن‪ ،‬وكانوا يرتدون املالبس الطبيعية كاليت يرتديها البشر‪ ،‬وأشكاهلم‬
‫�دهم‬ ‫�ر واللون الفضي الذي يغطي جس�‬ ‫�ت مزيج بني مالمح البش�‬ ‫فكان�‬
‫�عر إريس بالدهشة من هذا العامل الذي يراه‪.‬‬ ‫بالكامل‪ ،‬ش�‬
‫�ف‪ ،‬ومالحمهم‬‫�عرهم خمتل�‬ ‫�هم خمتلفة وتركيبة ولون ش�‬ ‫مالبس�‬
‫خمتلفة‪ ،‬وكانوا يبدون على قيد احلياة أكثر مما ختيل إريس‪ .‬وكانوا‬
‫ميزحون ويتسامرون‪ ،‬ويتكلمون عن عدة أشياء بلغتهم الغريبة‪ ،‬ويعرضون‬
‫بضاعتهم‪ ،‬وجيلسون يف املقاهي‪ ،‬ويستمتعون بأوقاتهم‪ ،‬ويقومون بأعماهلم‬
‫على أكمل وجه‪ .‬يضحكون وميزحون ويتناقشون‪.‬‬
‫اصطف اجلميع وهم حييون اجلنود الذين كان إريس يسري وسطهم‪،‬‬
‫حشدا آخر منهم يرمق سايري وايفانوف‬‫ً‬ ‫ويهتفون هلم بلغة غريبة‪ .‬وكان‬
‫بغضب‪ ،‬ويقذفون عليهم بعض علب الصودا الغريبة‪ ،‬والطعام املعلب‪.‬‬
‫مل جيد إريس متسع من الوقت لينظر إليها فلقد كان كل تركيزه‬
‫ير مثلهم‪ .‬كان العامل أشبه بعامل خيالي قد وضع قدمه فيه‪،‬‬ ‫على أن يس�‬
‫�ماء‪ ،‬ولوحات أعالنية‬ ‫�اهقة فضية اللون متتد بشموخ إىل الس�‬ ‫مباني ش�‬
‫�وارع لتجعل مجيع الروبوتات يف املدينة تراها‪ ،‬رأى إريس‬ ‫تطري وتعرب الش�‬
‫العديد من اللوحات حتلق فوقه‪ ،‬من اعالنات لربامج ومستلزمات للبيت‬
‫وأخبار ورحالت وأشياء غريبة أخرى كلها بلغة غريبة‪ ،‬مل يكن ليفهم شيئ ًا‬
‫�وال الصور املرفقة باللوحات اهلولوجرامية الطائرة‪ ،‬وفوق اللوحات رأى‬ ‫ل�‬
‫سيارات تطري يف اهلواء‪ ،‬بأعداد هائلة‪ ،‬ذها ًبا وإيا ًبا يف مجيع االجتاهات يف‬
‫�ماء‪ ،‬رأى مبين كبري ممتد للسماء يف األفق وسط املدينة على شكل‬ ‫الس�‬
‫مزجيا من اللون األبيض واألزرق واألخضر‪ ،‬وخيرج‬ ‫ً‬ ‫كوكب غريب يبدو‬

‫‪221‬‬
‫من فوق قمته جهاز أرسال كبري ميتد للسماء‪ ،‬قاعدته دائرية‪ .‬كان يبدو‬
‫بأنه املبين األضخم واألطول يف املكان‪ ،‬بينما باقي املباني كانت ال تتعدي‬
‫املائة مرت‪ ،‬ولكنها كانت متتاز مبعمار غريب‪ ،‬فمنها احللزوني الش��كل‪،‬‬
‫والدائري وكأنه كوب قهوة‪ ،‬والبعض مثلثي الشكل‪ ،‬وهناك مباني متتد‬
‫عال ًيا بشكل متموج‪ ،‬والبعض يبدو مثل الكرة الزجاجية‪ ،‬بينما كانت ألوان‬
‫�ي زاهية وغاية يف اجلمال‪ ،‬مزيج بني كل األلوان اخلالبة والرباقة‪،‬‬ ‫املبان�‬
‫شعر إريس بأنه دخل عامل األحالم‪ .‬أكمل سريه وهو يلتف بعينيه حبذر‬
‫تي مل يرها قط يف حياته‪.‬‬ ‫حمدق� ًا بذهول لكل هذه األش�‬
‫�ياء الغريبة ال�‬
‫ظل حيدق بقوة بانبهار شديد‪ ،‬ومتين بأن هناك أحد آخر معه ليشاركه‬
‫�اؤل من داخله‪ ،‬هل ميلكون مشاعر‬ ‫هذا املنظر الغريب والرائع‪ ،‬ولكنه تس�‬
‫�م‪ ،‬فكيف تكون املدن الكربى‬‫�يط من عامله�‬‫مثلنا‪ ،‬وإن كان هذا جزء بس�‬
‫كالقاهرة اجلديدة مث ًال‪ ،‬وملاذا الروبوتات املقاتلة تبدو خمتلفة ً‬
‫متاما عن‬
‫باقي الروبوتات اليت تعيش يف هذا اجلزء الصغري من مصر‪ .‬شرد إريس يف‬
‫التفكري يف كيفية مواجهة خملوقات مبثل هذا الذكاء واألبداع‪ ،‬وشعر بأن‬
‫جدا‪ ،‬ولكنها قد تتضاعف إذا متكن من مجع باقي رفاقه‬ ‫فرصتهم ضئيلة ً‬
‫ذوي القدرات الغريبة مثله‪ .‬وعلم بأنه اآلن جيب أن يركز يف هدفه‪ ،‬نظر‬
‫�اعته ورأى بأن أمامه ثالثة دقائق حتى ينتهي مفعول قوته‪ ،‬فشعر‬ ‫إىل س�‬
‫بأنه أن مل يصل إىل مكان يستطيع االختباء فيه فسيقع يف ورطة كبرية‪.‬‬
‫�ى زجاج وليس على‬ ‫ير عل�‬‫قطع الطرقات املزينة وكان يري أنه يس�‬
‫�فل الزجاج يوجد جمري من‬ ‫�ر‪ ،‬وكان أس�‬ ‫مضادا للكس�‬
‫ً‬ ‫�فلت‪ ،‬كان‬ ‫أس�‬
‫الطاقة الزرقاء تتدفق يف مجيع أحناء املدينة‪ ،‬مبدية منظر مبهج وخالب‪،‬‬
‫�م إريس بأن هذا اجملري هو ما ميدهم بالطاقة‪ ،‬وحيركهم‪ .‬تفحص‬ ‫فه�‬
‫بعينيه املدينة لريي أين مصدره‪ ،‬ولكنه مل يستطع أن حيدد إطالق ًا‪ ،‬فقال‬
‫بينه وبني نفسه‪:‬‬

‫‪222‬‬
‫– –كل ش�‬
‫�يء ألوانه‪ ،‬جيب أن أركز اآلن على انقاذ سايري وإيفانوف‪،‬‬
‫واخلروج من هنا‪ ،‬وقد أحاول احلصول على بعض املعلومات اخلاصة‬
‫أيضا أن استطعت‪.‬‬
‫بهم ً‬
‫قطع اجلنود الطريق حاملني أسلحتهم الفضية غريبة الشكل‪ .‬كان‬
‫�يء عنه‪ ،‬غري الطريقة املثالية‬
‫أيضا‪ ،‬وال يعلم أي ش�‬
‫واحدا ً‬
‫ً‬ ‫�س حيمل‬ ‫إري�‬
‫�اك به‪ ،‬أنعطف اجلنود لليمني‪ ،‬فأنعطف معهم بدوره‪ ،‬ثم رأى اآلن‬ ‫لالمس�‬
‫�به‬‫الطريق بوضوح لقد كانوا يتوجهون ناحية املبين الضخم الذي يش�‬
‫�رعوا يف االنعطاف يف عدد من الطرقات حتى وصلوا إليه‪.‬‬ ‫الكوكب‪ .‬ش�‬
‫�اعته ووجد بأنه تبقي دقيقتان‪ ،‬فشعر برعدة تسري يف‬ ‫نظر إريس إىل س�‬
‫�يناريو الذي ينتهي فيه تنكره ويتم اكتشاف أمره‪،‬‬ ‫�ده‪ ،‬وختيل الس�‬ ‫جس�‬
‫ولكنه أبعد الفكرة عن رأسه‪ .‬توقف اجلنود فجأة أمام الباب ففتحت بوابة‬
‫�كل نصف كرة ألعلي‪ .‬مسع صوت الكرتوني غريب يصدر منها‬ ‫على ش�‬
‫فلم يفهم شيئ ًا ولكنه سار وراء اجلنود داخل املبين الكروي‪ ،‬أندهش إريس‬
‫�اء‪،‬‬
‫�ة املعمارية للمبين‪ ،‬كان املبين مزين بالفسيفس�‬‫عندما رأى اهلندس�‬
‫جدرانه مغطية بلون حناسي‪ ،‬وممتلئة بالنقوش والرموز الغريبة‪ ،‬وحتلق‬
‫عال ًيا حوله بال توقف‪ ،‬العديد من اللوحات الغريبة اليت مل يفهمها إريس‪،‬‬
‫عن حرب كبرية ما‪ ،‬وصورة أخرى لروبوتات غريبة الشكل ومتنوعة‪ ،‬وصور‬
‫�ة كل هذه الصور اليت‬ ‫�تطع رؤي�‬
‫ملدن وأماكن وكواكب‪ ،‬ولكنه مل يس�‬
‫حتلق بنمط دائري حول القبة اجملوفة الغريبة للمبين الكروي‪ ،‬بسبب أنه‬
‫�تطع رفع رأسه عال ًيا حتى ال يشك اآلخرين‬ ‫كان يسري بسرعة ومل يس�‬
‫فيه‪ .‬يف منتصف املكان الكروي‪ ،‬يتدىل من السقف بلورة زرقاء كبرية تشع‬
‫�ق وحدها بدون أي تأثري حميط‪ ،‬ومتتد‬ ‫بالطاقة‪ ،‬وكان يبدو بأنها حتل�‬
‫الطاقة منها إىل االسفل عرب اجملري زجاجي‪ .‬تتبع إريس اجملري بعينيه؛‬
‫�فل يف منتصف املبين‪ ،‬جسم غريب كناية عن مولد كبري‬ ‫فرأى يف األس�‬
‫مس��تدير زجاجي‪ ،‬يتصل األنبوب به‪ ،‬ليضخ الطاقة من أنابيب زجاجية‬
‫‪223‬‬
‫�رى خترج منه إىل مجيع أحناء املدينة‪ ،‬ففهم إريس أن هذا هو مصدر‬ ‫أخ�‬
‫الطاقة‪ ،‬هذه البلورة الزرقاء الغريبة‪.‬‬
‫�م عليه‪ ،‬فأنفتح الباب‪،‬‬‫�ل اجلنود إىل باب غريب‪ ،‬فضغط أحده�‬ ‫وص�‬
‫أيضا‪ .‬لينغلق الباب ورائه وبدأت الغرفة‬
‫ليدلف اجلميع إليه فدلف إريس ً‬
‫�فل‪ ،‬فعلم فو ًرا بأنه‬
‫�ة اليت دخلوا إليها تهبط إىل أس�‬ ‫الصغرية الزجاجي�‬
‫�د أنهم يهبطون حتت املاء يف جمري‬ ‫مصعد‪ .‬رأى من خلف زجاج املصع�‬
‫�اء أمامه مبين أبيض كبري‬ ‫�ط امل�‬‫أيضا وس�‬‫زجاجي عازل عن املاء‪ .‬رأى ً‬
‫�هق من املنظر‪ ،‬ولكنه‬ ‫ومن حوله قبة زجاجية حتميه من املاء‪ ،‬فكاد أن يش�‬
‫علم بأنها منشأة أسفل البحر‪ .‬كانت املنشأة البيضاء تتألأل داخل القبة‬
‫الزجاجية‪ ،‬واألمساك جبميع أنواعها والوانها تعوم حوهلا يف منظر مبهج‬
‫�أة لتكون مصدر الضوء الوحيد داخل هذا‬ ‫للنظر‪ ،‬بينما تشع أنوار املنش�‬
‫احمليط املظلم‪ .‬وهكذا وصل املصعد إىل األسفل عند جسر زجاجي يؤدي‬
‫�أة فخرج اجلنود‪ ،‬حاملني إريس وايفانوف‪ ،‬وبدأوا بعبور اجلسر‬ ‫إىل املنش�‬
‫ير ورائهم حماو ًال احلفاظ‬‫خط ًا ثابتة ومنظمة‪ ،‬بينما كان إريس يس�‬ ‫يف ً‬
‫على خطواته وحركاته لتبدو مثلهم‪.‬‬
‫وبعد أن قطعوا اجلسر الذي حييطه أنبوب كبري من الزجاج موصل‬
‫�أة؛ وقفوا أمام البوابة‪ ،‬فاقرتب أحد الروبوتات‬
‫من املصعد إىل بوابة املنش�‬
‫�ة‪ ،‬وأدخل رمز الكرتوني غريب‪ ،‬ثم بدأت البوابة تفتح‪،‬‬ ‫إىل لوحة الكرتوني�‬
‫فدخلوا بسرعة‪.‬‬
‫ثوان‪ .‬وبسرعة كبرية‬
‫�اعته ورأى بأنه تبقي له عشر ٍ‬ ‫نظر إريس إىل س�‬
‫أحنرف إريس عن مساره مبجرد دخول املنشأة‪ ،‬وأختبأ يف أحد املمرات على‬
‫اليسار‪ ،‬بينما أكملت الروبوتات طريقها يف رواق أبيض طويل إىل األمام‪.‬‬
‫�ابق عهده‪ .‬تفحص املكان‬ ‫�كله إىل س�‬ ‫وقف إريس يلهث بقوة‪ ،‬وقد عاد ش�‬
‫�به أكثر الربج‬ ‫�فى أو تش�‬
‫جيدا‪ ،‬فوجد أنها تبدو كأروقة املستش�‬
‫حوله ً‬

‫‪224‬‬
‫�رع خطاه بعد أن التقط أنفاسه‪،‬‬‫الذي كان إريس حمجوز ًا بداخله‪ ،‬فأس�‬
‫وتوجه إىل املمر الذي توجهت إليه الروبوتات‪.‬‬
‫�ات وهي تنعطف إىل اليمني يف نهايته‪،‬‬ ‫نظر إىل الرواق فلمح الروبوت�‬
‫�رعة ورائهم‪ ،‬وقد أخرج‬ ‫متاما من أي حركة‪ ،‬فتوجه بس�‬ ‫�ح فارغ ًا ً‬ ‫فأصب�‬
‫مسدسه من جيبه ووضع عليه كامت الصوت‪ ،‬فقد حيتاج إىل استخدامه‬
‫ريا له يف مهمة‬
‫مفيدا كث ً‬
‫ً‬ ‫�س‬‫�ل هذا احلاالت‪ ،‬وكان رداء اإلينيك�‬ ‫يف مث�‬
‫�لل هذه‪ .‬تابع طريقه وأنعطف بسرعة فرأى الروبوتات ال زالت تعرب‬ ‫التس�‬
‫الرواق أمامه‪ ،‬فتتبعهم حبذر ومتين بأال يلتف أحدهم أو يالحظ اختفائه‪.‬‬
‫�رات البيضاء الفارغة‬ ‫�ا ًرا إىل أحد املم�‬
‫وبعد بضعة خطوات انعطفوا يس�‬
‫�رعة بدون أن يصدر أي صوت‪ ،‬وانعطف ورائهم‪ ،‬ولكنه‬ ‫جمددا‪ ،‬فوثب بس�‬
‫ً‬
‫�اره متأل الرواق‪،‬‬
‫وجد العديد من النوافذ الزجاجية على ميينه وعلى يس�‬
‫فتقدم ببطء وحذر وقد أخفض جسده حتى ال يراه أحد‪ ،‬واقرتب جبانب‬
‫�به معمل من نوع ما‪،‬‬ ‫�ذة زجاجية‪ ،‬فوجدها تطل على غرفة تش�‬ ‫أول ناف�‬
‫�عت عيناه من الفزع والتقزز‪ .‬رأى‬ ‫رفع إريس عينيه ليتفقد الغرفة‪ ،‬فاتس�‬
‫�ريح عدة جثث بشرية‪،‬‬ ‫روبوتات ترتدي الزي الرمسي للعلماء‪ ،‬تقوم بتش�‬
‫�س‪ ،‬فقد كان أحدهم يفتح‬ ‫�ر يثري التقزز والرعب يف النف�‬‫وكان املنظ�‬
‫�ر ويتفحص الدماغ بأجهزة غريبة‪ ،‬ويقوم بصنع شق هنا‬ ‫دماغ أحد البش�‬
‫�ان‪ ،‬وخيرج األحشاء ويضعها بداخل جهاز‬ ‫وهناك‪ ،‬وآخر يفتح معدة إنس�‬
‫غريب‪ ،‬فتظهر نتائج التحليل هلذا اجلهاز‪ ،‬وهكذا رأى إريس مجيع أعضاء‬
‫�ان تقطع ويقام عليها جتارب من كل األنواع‪ .‬وجثث فارغة‬ ‫جسم اإلنس�‬
‫�ك‬ ‫�ه وكاد أن يتقيأ ولكنه أمس�‬ ‫معلقة يف كل مكان‪ ،‬فأخنفض برأس�‬
‫يره ثم نظر إىل نافذة أخرى فرأى روبوتات أخرى‪ ،‬تقوم‬ ‫نفسه وأكمل س�‬
‫بتجارب على بشر أحياء‪ ،‬تعرضهم للكهرباء واملاء واحلرارة‪ ،‬ومجيع أنواع‬
‫�يب‬‫�تنجدون‪ ،‬وكانت بعض احلواس�‬ ‫التجارب وهم يصرخون بقوة ويس�‬
‫�جل نتائج وأرقام بلغة غريبة‪ ،‬مل حيتمل إريس املنظر فأكمل‬ ‫خلفهم تس�‬
‫‪225‬‬
‫�ر بداخله‪ .‬ولكنه أكمل‬ ‫�عر بربكان من الغضب ينفج�‬ ‫طريقه وهو يش�‬
‫متفحصا نافذة أخرى بداعي الفضول‪ ،‬فرأى الروبوتات حياولون‬ ‫ً‬ ‫س�يره‬
‫دمج البشر واآللة مع ًا‪ ،‬ببعض التجارب كقطع يده ووضع ً‬
‫يدا ميكانيكية‬
‫�ري‬ ‫�ل‪ ،‬وجتربة كفاءتها‪ ،‬وجتارب أخرى عن زراعة العقل البش�‬ ‫يف املقاب�‬
‫داخل أحد الروبوتات‪ .‬شعر إريس بسيل من املشاعر بداخله‪ ،‬بني الغضب‬
‫�ر إىل أ ًيا من النوافذ‬
‫�أس‪ ،‬فتابع طريقة ومل ينظ�‬‫�وف والتقزز والي�‬‫واخل�‬
‫بشعا آخر كهذا‪ ،‬فتابع‬ ‫�يئا ً‬‫الزجاجية يف طريقه‪ ،‬مل حيتمل بأن يري ش�‬
‫�ائ ًال عن املصري البشع الذي ينتظر رفاقه إذ‬
‫طريقه خلف الروبوتات متس�‬
‫�رع خطاه قلي ًال ومتين بأال يتم كشفه قبل أن ينقذهم‪.‬‬ ‫مل ينقذهم‪ ،‬فأس�‬
‫�دا وكان املصعد يهبط إىل طابق برمز غريب‬ ‫يف نهاية املمر وجد مصع ً�‬
‫ولكن إريس حفظ الرمز الذي توقف عنده املصعد‪ ،‬فضغط على زر طلب‬
‫ثوان فتح املصعد‪ ،‬فوجد إريس يف وجهه أحد‬ ‫املصعد‪ ،‬وبعد انتظار بضعة ٍ‬
‫�ه بسرعة وصوبه ناحية‬ ‫الروبوتات الفضية حيدق به‪ ،‬فرفع إريس مسدس�‬
‫�ه ثم أطلق بضع طلقات حتى أصابه يف اجلوهرة الزرقاء املستديرة‪،‬‬ ‫رأس�‬
‫مصدر طاقته‪ ،‬فتدمرت وانطفأت‪ ،‬فشعر باالمتنان ألنه مل يتم اكتشاف‬
‫�ينتهي به االمر‬ ‫�أن عليه أن يتوخي احلذر من اآلن واال س�‬ ‫أمره‪ ،‬وعلم ب�‬
‫كجثة معلقة يقومون بعمل جتارب بشعة عليها‪ .‬دلف إىل املصعد الذي‬
‫كانت ارضه شاغرة بالروبوت امليت‪ ،‬فتفرس يف الرموز الغريبة على لوحة‬
‫املصعد‪ ،‬وتذكر الرمز الذي توقف املصعد عنده‪ ،‬فضغط عليه بس��رعة‬
‫�زول‪ ،‬حتى توقف وأنفتح‬ ‫�رع بالن�‬
‫مبجرد أن رآه‪ ،‬فأنغلق باب املصعد وش�‬
‫الباب‪ ،‬فوقف روبوت أمام الباب حيدق بالروبوت امللقي على األرض‪ ،‬وكان‬
‫متوجها إىل داخل املصعد يتفحص رفيقه‬ ‫ً‬ ‫لاحه‬ ‫املصعد فارغ ًا‪ ،‬فرفع س�‬
‫امللقي األرض‪ ،‬فباغته إريس الذي كان معلق ًا على سقف املصعد‪ ،‬وقفز‬
‫�ه وأطلق طلقتان على‬ ‫�قط الروبوت ً‬
‫أرضا‪ ،‬ثم أخرج مسدس�‬ ‫فوقه ‪ ،‬فأس�‬
‫�اكن ًا‪.‬‬
‫مصدر الطاقة يف قلبه‪ ،‬فتوقف الروبوت عن العمل‪ ،‬وخر س�‬

‫‪226‬‬
‫�ه يف رواق آخر‬
‫�ث املعدنية خارج املصعد‪ ،‬ووجد نفس�‬‫جر إريس اجلث�‬
‫أبيض‪ ،‬وكان يوجد على اليسار غرفة فارغة؛ فسحب إريس اجلثث وفتح‬
‫�بية‪ ،‬وباب‬
‫�ة الصغرية اليت كان يوجد بها بعض الصناديق اخلش�‬ ‫الغرف�‬
‫�لم جانيب يستعمل يف حالة تعطل املصعد‪ .‬وضع الروبوتات‬ ‫يؤدي على س�‬
‫ير حتى‬ ‫�م جيدا‪ ،‬ثم خرج إىل الرواق وبدأ بالس�‬
‫ين الصناديق وأخفاه�‬
‫ب�‬
‫�لم يؤدي إىل غرفة كبرية وهائلة‪.‬‬
‫انتهى الرواق بس�‬
‫�فل ملتف ًا حول الغرفة‬ ‫�لم احللزوني أمامه ميتد إىل األس�‬ ‫كان الس�‬
‫�فلى‪ ،‬فنظر إريس إىل األسفل فرأى الروبوتات تسحب‬ ‫حتى الطابق الس�‬
‫�فلى‪ ،‬ثم أغلقوا‬ ‫�م يف زنزانة يف الطابق الس�‬ ‫�ايري وايفانوف وتضعه�‬ ‫س�‬
‫�عر إريس بأنه يف مأزق كبري اآلن‪،‬‬ ‫جمددا‪ .‬ش�‬‫ً‬ ‫الزنانة وتوجهوا إىل أعلى‬
‫جمددا‪ ،‬فتحول إىل شكلهم‬
‫ً‬ ‫ولكن من حسن حظه بأن طاقته قد عادت إليه‬
‫لاحه ووقف بربود عند باب املصعد‪ ،‬وبعد‬ ‫وتوجه إىل املصعد‪ ،‬ممسك ًا بس�‬
‫ثوان رأى الروبوتات قادمة تتحرك بتناغم تام‪ .‬رمقوا إريس بنظرة هادئة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫جمددا‪ .‬تنفس إريس‬
‫ً‬ ‫وبعدها دلفوا إىل املصعد‪ ،‬وعاد املصعد بهم إىل أعلى‬
‫الصعداء‪ ،‬وشعر بأن مح ًال ثقي ًال قد أزيح من على كاهله‪ ،‬فتوجه بسرعة‬
‫�رع يف نزول السلم احللزوني املتلف حول قاعة السجن‬ ‫إىل آخر املمر‪ ،‬وش�‬
‫�فل مع درجات السلم‪.‬‬ ‫الكبرية‪ ،‬والزنزانات حوله متتد دائر ًيا إىل األس�‬
‫�ر بداخلهم‪،‬‬‫�اجني من البش�‬ ‫تفقد إريس الزنازين البيضاء‪ ،‬ورأى مس�‬
‫يقفون هناك يف رعب وذعر‪ ،‬البعض نائم على سريره‪ ،‬والبعض اآلخر يذرع‬
‫�ديد‪ ،‬والبعض يكاد جين‬ ‫الغرفة ذها ًبا وإيا ًبا يف عصبية مفرطة وتوتر ش�‬
‫�ديد‪ ،‬ينتظر دوره ليتم عمل‬‫جنونه‪ ،‬وبعضهم جيلس يف الزاوية بيأس ش�‬
‫عابرا السلم احلديدي‪،‬‬
‫جتارب لعينة عليه‪ ،‬وهكذا استمر إريس حيدق فيهم ً‬
‫�فل‪ ،‬فرأى روبوت يقف بثبات يف األسفل‪ ،‬فنظر إليه‬
‫حتى وصل إىل األس�‬
‫�ب مل يفهمه إريس‪ ،‬فالتزم بدوره الصمت‬‫احلارس وبدأ يتفوه بكالم غري�‬

‫‪227‬‬
‫وعرب طريقه إىل زنزانة سايري‪ ،‬وإيفانوف واقف ًا أمامها ثم بدأ يضغط على‬
‫أزرار اللوحة اإللكرتونية اخلاصة بالزنزانة‪ ،‬فصدر صوت من اللوحة غريب‬
‫وظهر ما يشبه ماسحة شبكية العني‪ ،‬ففهم إريس أنها تريد بصمة عينه‪.‬‬
‫مسع إريس الروبوت احلارس يقرتب منه ويلقى ببعض الكلمات بنربة‬
‫�كه‬
‫حمذره بلغته الغريبة‪ ،‬فانتظر إريس حتى اقرتب منه‪ ،‬ثم التف وأمس�‬
‫�وت من اللوحة وفتحت‬ ‫�ه‪ ،‬ووضع عينيه على اللوحة‪ ،‬فصدر ص�‬ ‫من رأس�‬
‫�ه‪،‬‬
‫�ه وأطلق على مصدر الطاقة يف رأس�‬ ‫�ة‪ ،‬فأخرج إريس مسدس�‬ ‫الزنزان�‬
‫�أ الروبوت وخر على األرض جثة هامدة‪ ،‬فدلف إىل الزنزانة وأخذ‬ ‫فانطف�‬
‫يهز سايري وإيفانوف بقوة لكي يستيقظا‪ ،‬وبعد دقيقة بدآ بفتح أعينهما‬
‫�اهدا إريس أصابهما الفزع ودفعه سايري بقدمه‬ ‫شيئ ًا فشيئ ًا‪ ،‬وعندما ش�‬
‫بعيدا‪ ،‬فتذكر إريس هيئته اليت تشبه الروبوت‪ ،‬فوقف على قدميه واقرتب‬ ‫ً‬
‫�كله احلقيقي قائ ًال‪:‬‬
‫منهما وهو يبدل هيئته إىل ش�‬
‫– –ال ختافا يا رفيقاي‪ ،‬لقد جئت ألنقذكما‪.‬‬
‫�ا كان ايفانوف ال يزال يرتنح حماو ًال‬
‫�ايري على قدماه بينم�‬
‫وثب س�‬
‫الوقوف‪ .‬قال سايري بنربة مشككة‪:‬‬
‫�رك ‪ ..‬لقد كنت معنا يف االختبار ‪..‬‬ ‫– –تنقذن�‬
‫�ا من ماذا؟ أنا أتذك�‬
‫كانامسك هو؟‬
‫– –إريس‪.‬‬
‫– –نعم إريس واآلن أخربنا أين حنن وجئت لتنقذنا ممن؟‬
‫بدأ إريس يقص عليهم كل ما حدث حتى وصل إىل هنا‪ ،‬من خروجه‬
‫�ة كل ما حيدث هنا حتى‬ ‫�ى وصوله إىل اجلنرال ومعرف�‬ ‫منا الربج حت�‬
‫مروره عليهم‪ ،‬والتسلل كروبوت والدخول إىل املدينة الرائعة‪ ،‬ومن ثم إىل‬
‫�أة‪ ،‬وروي هلم ما رآه يف املختربات‪ ،‬وقد أصابهم هذا بالتقزز‪ ،‬فشكراه‬
‫املنش�‬
‫‪228‬‬
‫�م‪ ،‬قبل أن يتحولوا لفئران جتارب‪،‬‬‫ألنه خاطر حبياته كل هذا لينقذه�‬
‫وبعد أن فهما كل شيء‪ ،‬سأل سايري‪:‬‬
‫– –إذا حنن هنا بسبب هذه اآلالت اللعينة اليت متردت علينا ‪ ..‬متفوقة‬
‫�ت ال تقهر‪،‬‬
‫�رات ‪ ..‬بل وأصبح�‬ ‫�ر بعدة م�‬‫�ى ذكاء وقوة البش�‬‫عل�‬
‫وأطالنتس هي املدينة الوحي��دة الباقية ملصر‪.‬‬
‫فهز إريس رأسه باإلجياب‪.‬‬
‫فصمت اجلميع قلي ًال‪ ،‬فكسر ايفانوف حاجز الصمت قائ ًال‪:‬‬
‫– –سأحطم رؤوس هؤالء األوغاد‪.‬‬
‫قال إريس حبزم شديد‪:‬‬
‫�ق اخلروج يف األعلى‬‫�جناء ‪ ..‬ونصل إىل طري�‬ ‫– –علين�‬
‫�ا أن حنرر الس�‬
‫�م للخروج من هنا‬ ‫واحدا منه�‬
‫ً‬ ‫�ا هذا بأن نقتل كل‬
‫‪ ..‬حتى لوعن�‬
‫�يء آخر بعد هذا ‪ ..‬ملاذا ال نتذكر‬‫�نفعل‪ ..‬وسنعرف كل ش�‬ ‫فس�‬
‫�م أن خنرج من هنا‪.‬‬ ‫�يء؟ وكيف حصلنا على هذه القوة؟ األه�‬ ‫ش�‬
‫�جن‪ ،‬ثم طلب‬ ‫توجه إريس إىل جثة الروبوت القابعة على أرضية الس�‬
‫�يء للقطع‪ ،‬فتعجب ايفانوف وسايري من طلبه الغريب هذا‪،‬‬ ‫منهم أي ش�‬
‫�تغراب‪ ،‬فقال إريس بنربة حازمة‪:‬‬
‫ورمقا بعضهما البعض بنظرات اس�‬
‫– –سايري أعطيين السيف الضوئي‪.‬‬
‫�ب من معرفته‬ ‫�يف الضوئي وناوله إلريس وتعج�‬‫�ايري الس�‬ ‫أخرج س�‬
‫�يف باحرتافية شديدة ثم‬ ‫�ك إريس الس�‬‫�يئ ًا كهذا‪ .‬أمس�‬‫بامتالكه ش�‬
‫قطع رأس الروبوت امللقى على األرض‪ ،‬ومحل رأسه‪ ،‬ثم أجته إىل الزنازين‬
‫�ايري وايفانوف‪ ،‬وأستخدم عني الروبوت يف فتح‬‫الواقعة جبانب زنزانة س�‬
‫الزنازين الواحد تلو اآلخر‪ ،‬فبدأ املساجني خيرجون منها وهم ال يصدقون‬

‫‪229‬‬
‫�باب وعجائز‪ ،‬وأطفال! اجلميع أخذ باخلروج وإريس‬ ‫�هم‪ ،‬نساء وش�‬‫أنفس�‬
‫يفتح هلم باب احلرية‪ ،‬فينهمرون عليه بالش��كر واالمتنان ألنه حررهم‪،‬‬
‫ولكنه ظل يردد بأنه ال يزال أمامه الكثري حتى خيرجهم من هنا‪ ،‬وعندها‬
‫فقط بإمكانهم شكره كيفما شاءوا‪ .‬وهكذا تسلق السلم احللزوني‪ ،‬فاحتً ا‬
‫مجيع أبواب السجون الزجاجية الغري قابلة للكسر‪ ،‬حتى أخرج اجلميع‪.‬‬
‫جمددا‪ .‬جد‬
‫ً‬ ‫أخذت دموع الفرحة تنهمر عندما رأت ًأما أبنتها الصغرية‬
‫التقي مع حفيده‪ .‬أصدقاء مع بعضهم البعض‪ .‬وكانت دموعهم تنهمر‬
‫بغزارة‪ ،‬أنه كلم مشل عائلة كبري‪ ،‬وبالطبع كان يوجد العديد ممن ال‬
‫أحدا يعرفونه هنا‪ ،‬قال إريس بنربة عالية‪:‬‬
‫ميلكون ً‬
‫– –اجلميع يلتزم الصمت اآلن‪.‬‬
‫�ه‪ ،‬وخفتت أصوات اهلمس‪،‬‬ ‫�ت اجلميع وتوجهت األنظار ناحيت�‬‫فصم�‬
‫�يخرجهم من هنا؟ وبعد‬‫مفكرا كيف س�‬‫ً‬ ‫فنظر إليهم إريس وهو يعدهم‬
‫صمت دام بضع حلظات‪ ،‬كسر حاجز الصمت الذي صنعه بنفسه قائال‪:‬‬
‫�م ‪ ..‬ولكننا ال يزال أمامنا طريق‬
‫�د أن اخفض من معنوياتك�‬ ‫– –ال أري�‬
‫جدا للخروج من هنا ‪ ..‬فنحن حتت األرض اآلن ‪ ..‬أو باملعين‬ ‫طويل ً‬
‫األدق‪ ،‬حنن يف منشأة حتت البحر ‪ ..‬وللخروج من هنا فنحن سوف‬
‫منر على الكثري من الصعاب ‪ ..‬وقد ال نتمكن يف النهاية من اخلروج‬
‫�ول إىل بر األمان ‪ ..‬فأنا حق� ًا ال أعرف أين حنن؟ وإىل أين‬
‫والوص�‬
‫جيب أن نتوجه؟!‬
‫بدأت حتدث بلبلة وسط احلشد‪ ،‬وبدأت أصوات الذعر احملتجة خترج‪،‬‬
‫�يموتون مجيعا عاجال أم اجال‪،‬‬
‫وقال البعض بأنه ال يوجد أمل وأنهم س�‬
‫�كتهم‬‫وكان جيب أن يتقبلوا موتهم من البداية‪ ،‬فصرخ إريس عاليا ليس�‬
‫قائ ًال‪:‬‬

‫‪230‬‬
‫�وف خنرج من هنا أعدكم بهذا‪،‬‬‫– –توقفوا عن النحيب كاألطفال‪ ،‬س�‬
‫وسوف نكتشف كل شيء يف طريقنا للخروج من هنا‪ ،‬ولكن جيب أن‬
‫نتعاون‪ ،‬ال أحد يرتك اآلخر ورائه‪ .‬من هنا يستطيع القتال؟‬
‫�باب والرجال الكبار يف السن أيديهم وكانت اعدادهم‬
‫رفع بعض الش�‬
‫�خصا‪ ،‬فقال إريس وهو يتفحصهم بعناية‪:‬‬
‫تتخطي املائة ش� ً‬
‫�ل إذا ‪ ..‬واآلن لدينا عجائز وأطفال‬ ‫– –هذا ع� ً‬
‫�ددا جيد ‪ ..‬يوجد أم�‬
‫�اء‪ ،‬عددهم ال يتعدى ‪..‬‬
‫ونس�‬
‫صمت إريس قلي ًال وأخذ يعدهم‪ ،‬ثم قال بعد أن انتهى‪:‬‬
‫شخصا ‪ ..‬هذا يعين أن كل شخصان‬ ‫ً‬ ‫– –عددهم ال يتعدى اخلمس�‬
‫�ون‬
‫�خص واحد ‪ ..‬هذا أكثر من رائع ‪ ..‬واآلن هذه هي‬ ‫سيحميان ش�‬
‫خطتنا ‪ ..‬لقد تسللت إىل هنا وأعرف طريق اخلروج من هذه املنشأة‪،‬‬
‫ولكن عندما خنرج من هذه املنشأة فإن الوضع سيصبح أصعب قلي ًال‬
‫ألننا سنمر على مدينة الروبوتات وعلينا أن نهرب منها بطريقة ما‪.‬‬
‫خرج صوت معرتض من وسط احلشد الكبري لشاب يف العشرينات‪:‬‬
‫�نفر من مدينتهم‪ ،‬سيتكاتفون علينا‪ ،‬ويباغتوننا من كل‬‫– –وكيف س�‬
‫متاما من قبل هؤالء االوغاد‪.‬‬
‫�س قد درمت ً‬ ‫مكان‪ ،‬كما أن أطالنت�‬
‫صمت إريس كثريا وهو يتخيل ما رآه اثناء مروره بكل هذا‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫– –ال لن يستطيعوا أن يشنوا حر ًبا على مدينتهم‪ ،‬ويتسببون يف دمارها‬
‫�عبهم‪ ،‬بطريقة ما كان يبدو بأن هذه اآلالت اليت تعيش يف‬ ‫ودمار ش�‬
‫�بة إىل أطالنتس فقد‬ ‫�ة الواقعة فوقنا‪ ،‬حية مثلنا‪ .‬أما بالنس�‬
‫املدين�‬
‫متت محايتها ومل تتدمر بالكامل‪ ،‬ويعمل اآلن العديد من اجلنود يف‬
‫تدمري ما تبقي من الروبوتات‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫�ر باالطمئنان واألمل عندما مسعوا بأن أطالنتس ال زالت‬
‫شعر البش�‬
‫�تنتج إريس بأنه مت اختطافهم عندما هجمت الروبوتات على‬ ‫خبري‪ ،‬واس�‬
‫أطالنتس‪.‬‬
‫خرج صوت أنثوي قائ ًال‪:‬‬
‫– –حية؟! ماذا تقصد بهذا؟‬
‫فشبك إريس يداه قائال بنربة مريبة‪:‬‬
‫�عرون بالغضب ويضحكون ويفعلون أشياء شبيهة مبا‬ ‫– –لقد كانوا يش�‬
‫�اعر مثلنا! فلن يعرض جنودهم‬ ‫نفعله ‪ ..‬فإن كانوا ميتلكون مش�‬
‫حياة شعبهم للخطر ‪ ..‬مما سيجعلهم يرتكوننا نهرب‪ ،‬يف حماولة‬
‫�تغل هذا لصاحلنا‪،‬‬‫�دود املدينة ‪ ..‬وعندها سنس�‬
‫�ا خارج ح�‬
‫لقتالن�‬
‫�رق بعض املركبات وبعض الرهائن ونهرب بها إىل أطالنتس‪.‬‬ ‫ونس�‬
‫قال ايفانوف بنربة حادة‪:‬‬
‫– –تبدو خطة جيدة‪ ،‬رمبا تنجح أن نفذت بشكل صحيح‪.‬‬
‫�جناء‪ ،‬وبدأوا يتهامسون فيما‬
‫فبدأت أصوات االمل خترج من بني الس�‬
‫بينهم‪ ،‬فقال أحد الرجال‪ ،‬وكان شخصا يف االربعينات من عمره ذو حلية‬
‫كثة وشعر طويل‪:‬‬
‫– –كيف سنحارب الروبوتات؟ حنن ال منتلك أي أسلحة لنحارب بها‪.‬‬
‫قال إريس وهو يتأمل سالح الروبوت القابع على األرض‪:‬‬
‫– –مثل كل منشأة يف العامل‪ ،‬فال بد من أن هناك خمزن لألسلحة‪ .‬أثناء‬
‫هبوطي باملصعد إىل هنا كان هناك العديد من الطوابق‪ ،‬وهناك سلم‬
‫�نصعد‬ ‫يف حالة تعطل املصعد‪ ،‬يكمن داخل غرفة جبانب املصعد‪ ،‬س�‬

‫‪232‬‬
‫الس��لم كلنا‪ ،‬ونتفقد كل الطوابق حتى جند خمزن األسلحة ثم‬
‫سنحارب للخروج من هنا‪.‬‬
‫بدأ إريس بالصراخ عال ًيا ليحمس السجناء قائ ًال‪:‬‬
‫جيدا بأننا االسياد وأننا من‬ ‫– –من معي؟ س�‬
‫�نعلم هؤالء االوغاد الدرس ً‬
‫صنعناهم‪.‬‬
‫أخذت األصوات تتعالي باهلتاف‪ ،‬والتهليل‪ ،‬واحلماس الشديد‪ ،‬فهمس‬
‫لاح األبيض املنقسم‬‫�ايري‪ ،‬بينما كان يلتقط الس�‬‫إريس اليفانوف وس�‬
‫جلزئيني جزء علوي وجزء سفلى‪ ،‬وفى الوسط يوجد فراغ بينهما ينتهي‬
‫بكرة زرقاء مضيئة عند نهاية السالح‪:‬‬
‫– –أتبعاني اآلن‪ ،‬لدي سالحان قريبان من هنا سأعطيهما لكما‪.‬‬
‫فأومئا برأسهما باملوافقة‪ ،‬فانطلق إريس يصعد السلم احللزوني طال ًبا‬
‫من اجلميع بأن يتبعه بهدوء‪ ،‬فبدأوا يساعدون بعضهم‪ ،‬أثناء صعودهم ورائه‪.‬‬
‫�رعة إىل الباب الذي يقع‬‫متوجها بس�‬
‫ً‬ ‫عابرا املمر‬
‫�س الدرج ً‬ ‫صعد إري�‬
‫مشهرا سالحه الغريب يف كل االجتاهات‪،‬‬
‫ً‬ ‫جبانب املصعد‪ .‬فتحه بهدوء‪،‬‬
‫فرأى الصناديق‪ ،‬فأبعدها‪ .‬اتضحت مالمح اجلثث اآللية‪ ،‬فنزع السالحني‬
‫�ايري فأخذا السالحني بدون تردد‪،‬‬ ‫�لمهما إليفانوف وس�‬ ‫من يدهما‪ ،‬وس�‬
‫�ه مط ًال على‬
‫�اب الذي أمامه‪ ،‬وفتحه‪ ،‬ليجد نفس�‬ ‫�ه إريس إىل الب�‬
‫فتوج�‬
‫الدرج اخلارجي‪ ،‬فالتف ونظر إىل اجلميع وأشار هلم بأن يتبعوه ملتزمني‬
‫الصمت‪ ،‬فبدأوا بصعود الدرج الواحد تلو اآلخر يف صمت تام خلفه‪ ،‬وكان‬
‫وراءه مباشرة ايفانوف وسايري‪ ،‬فوصال لباب مغلق يف الدور التالي‪ ،‬فطلب‬
‫�ايري بأن يتبعاه‪،‬‬
‫�س من اجلميع االنتظار‪ ،‬ثم طلب من ايفانوف وس�‬ ‫إري�‬
‫فتح الباب ليجد غرفة صغرية أخرى‪ ،‬تنتهي بباب أمامي‪ ،‬فتوجه إليه ثم‬
‫�د املصعد على ميينه‪ ،‬وعلى‬‫�ده إىل األمام‪ ،‬فوج�‬ ‫فتحه حبذر‪ ،‬ومال جبس�‬

‫‪233‬‬
‫�يب جيلس أمامها روبوتات يضغطون‬ ‫�اره‪ ،‬وجد غرفة مليئة باحلواس�‬
‫يس�‬
‫�تخبارات‬‫�ض االزرار‪ ،‬ويبدو بأنهم يقومون بعمل ما خيص االس�‬ ‫على بع�‬
‫واملراقبة‪ ،‬ولكن إريس مل جيد الوقت ليحتك معهم‪ ،‬األهم اآلن هو أجياد‬
‫�ار هلم بان يعودوا‪ ،‬ليس هناك شيء هنا‪ ،‬فعادوا‪.‬‬
‫�لحة‪ ،‬فأش�‬‫خمزن األس�‬
‫صعدوا للطابق التالي‪ ،‬فتبعهم املساجني الذين كانوا يبدون كالفئران‬
‫يرة‪ .‬الختصار الوقت طلب إريس من‬ ‫ير يف اجملارير بأعداد كب�‬
‫اليت تس�‬
‫ايفانوف وسايري بأن يتفقد كل واحد منهم طابق خمتلف‪ ،‬ولكن حبذر‪،‬‬
‫وبعد حبث طويل‪ ،‬من غرف وقود‪ ،‬إىل غرف تصنيع آالت للحرب‪ ،‬ومعدات‬
‫ريا خمزن األسلحة‪ ،‬كان فوق السجن خبمسة طوابق‪ ،‬أشار‬ ‫متقدمة‪ ،‬وأخ ً‬
‫�ايري الذي وجد الغرفة لرفيقيه بأنه وجد ضالتهم املنشودة‪ ،‬فتوجهوا‬
‫س�‬
‫�ن اجلميع بالتزام الصمت‬ ‫�لل ثالثتهم إىل الداخل‪ ،‬طالبني م�‬
‫إليه‪ ،‬وتس�‬
‫والبقاء يف أماكنهم‪ ،‬فنفذوا األوامر بدورهم‪.‬‬
‫دلف ثالثتهم إىل الغرفة الكبرية ووجدوا العديد من الصناديق املليئة‬
‫�اذف صواريخ غريب‬ ‫�لحة الغريبة املتنوعة‪ ،‬من قاذف هلب‪ ،‬إىل ق�‬‫باألس�‬
‫الشكل‪ ،‬إىل أسلحة ذات مدي بعيد كالقناصة‪ ،‬واسلحة ذات مدي متوسط‪،‬‬
‫�ار واحلروب‪ ،‬وكانت جنة‬ ‫�لحة ثقيلة‪ ،‬لقد كانت جنة حمليب الدم�‬ ‫وأس�‬
‫أيضا هلم ألنهم يف أمس احلاجة هلذه األسلحة للهروب من هنا‪ .‬كانت‬
‫الغرفة واسعة وكبرية ومليئة بصناديق األسلحة والذخرية‪ ،‬مل جيدوا بها‬
‫أي حراس من حسن حظهم‪ ،‬فخرج إريس إىل الدرج‪ ،‬وهمس هلم بأنه وجد‬
‫�تودع‪ ،‬وبدأوا بتجميع‬‫�تودع األسلحة‪ ،‬فاندفع اجلميع إىل داخل املس�‬
‫مس�‬
‫األسلحة اليت تناسبهم‪ ،‬على الرغم من أن معظمهم مل يستخدم سالح قط‪،‬‬
‫ولكن العامل احلديث علمهم على األقل كيف تعمل‪ .‬نزعوا الصناديق عن‬
‫كل منها من حجمها‪.‬‬ ‫األسلحة غريبة الشكل‪ ،‬واستطاعوا متييز وظيفة ٍ‬
‫***‬

‫‪234‬‬
‫‪20‬‬

‫�لح اجلميع‪ ،‬وأصبح لديهم كل ما حيتاجونه‪ ،‬توجهوا إىل‬ ‫بعد أن تس�‬


‫جمددا‪ ،‬فأوقفهم إريس قائ ًال للمساجني حيثهم‪:‬‬
‫ً‬ ‫السالمل‬
‫– –يا رفاق سنقوم خبدمة للبشرية ‪ ..‬وسندمر كل األحباث واألسلحة‬
‫�ة ‪ ..‬كل طابق أريدكم أن‬ ‫�ذه الروبوتات اللعين�‬
‫تي صنعتها ه�‬ ‫ال�‬
‫�يء وال تبقوا شيئا يعمل ‪ ..‬من الطابق الثاني حتى‬
‫تدمروا كل ش�‬
‫األخري‪ ،‬واآلن انطلقوا‪.‬‬
‫انطلق اجلميع يف كل االجتاهات يهتفون ويهللون بصوت عالي لينشروا‬
‫احلماس فيما بينهم‪ .‬بعضهم صعد ألعلى والبعض اآلخر نزل إىل أسفل‪.‬‬
‫حطموا األبواب‪ ،‬وشرعوا يف تدمري كل شيء يرونه أمامهم‪ ،‬البعض حيرق‬
‫الغرفة اليت أمامه بقاذف اللهب‪ ،‬والبعض اآلخر بقاذف صواريخ‪ ،‬والبعض‬
‫�يء أمام مساجني‬ ‫�لحة البيولوجية‪ ،‬وقذائف البالزما‪ .‬مل يقف ش�‬‫باألس�‬
‫�ام حتاول‬ ‫�لحة مدمرة‪ .‬والروبوتات يف كل األقس�‬ ‫غاضبني حيملون اس�‬
‫النفاد جبلدها ولكن ال مهرب اآلن‪ ،‬مل يصمد أحد أمام انتقام البشرية من‬
‫�يء‪ ،‬وبدأت كل األقسام حترتق عن بكرة‬ ‫الغزاة‪ .‬بدأ الدمار يلف كل ش�‬
‫ابيها‪ .‬اخرتقوا كل الغرف؛ حارقني ومدمرين كل شيء تدمريا كام ًال‬
‫بدون ترك أي شيء‪ .‬فجأة بدأ جرس اإلنذار يدوي يف املنشأة‪ ،‬توقع إريس‬
‫�تعدا له فقال لنفسه بأن املعركة احلقيقية ستبدأ اآلن‪.‬‬
‫هذا وكان مس� ً‬

‫‪235‬‬
‫�ع‪ ،‬وهو الطابق الذي رأى فيه‬‫وصل إريس إىل الطابق األعلى واألبش�‬
‫�ر‪ ،‬فنظر إىل األسفل ليسمع صوت املساجني‬ ‫التجارب البشعة على البش�‬
‫الغاضبون وهم يدمرون كل شيء‪ ،‬حتى شارفوا على االنتهاء فشرعوا يف‬
‫الصعود إىل األعلى‪ .‬قال سايري وهو ينظر إليهم‪:‬‬
‫– –ال بد بأن خطتك سارت أفضل مما توقعنا يا إريس ‪ ..‬إنهم غاضبون للغاية‪.‬‬
‫ضحك إريس قائ ًال‪:‬‬
‫– –ال تتعجل فهذه هي البداية فقط‪ ،‬وراء هذا الباب سيصبح الوضع أصعب‬
‫بكثري‪ ،‬وستشتد املعركة‪ ،‬أن عربنا هذا الطابق بسالم‪ ،‬فستكون فرصتنا‬
‫كبرية للهروب من هنا‪ ،‬ولكن أنا أعلم بأن العديد من الروبوتات تقف‬
‫اآلن يف الرواق مشهرة أسلحتها ناحيتنا منتظرة منا بأن خنرج لتقوم‬
‫مجيعا‪ ،‬الوضع ليس يف صاحلنا يف مثل هذا املكان الضيق‪.‬‬
‫ً‬ ‫�ا‬
‫بإبادتن�‬
‫�د الغاضب بأن يصمتوا قلي ًال حتى يقرر‬‫التف إريس وأشار إىل احلش�‬
‫�ض اآلخر يتهامس فيما‬ ‫�يفعله‪ ،‬فصمت البعض‪ ،‬بينما أخذ البع�‬ ‫ما س�‬
‫�دأ بوضع خطة الخرتاق‬ ‫�ايري وب�‬
‫بينهم‪ ،‬بينما مجع إريس إيفانوف وس�‬
‫خط دفاع الروبوتات وراء الباب املعدني الذي يقع أمامهم‪ ،‬وبعد أن انتهوا‬
‫�ايري بثقة وغرور‪:‬‬
‫من التخطيط لبضع دقائق‪ ،‬قال س�‬
‫– –ضع هذه اخلطة للمس�‬
‫�اجني أما أنا وإيفانوف فسنحطم كل شيء‬
‫يقف أمامنا‪ ،‬سنؤمن لكم الطريق‪.‬‬
‫�اجني بأن يقفوا‬ ‫صمت إريس ألنه كان يعلم قوتهم‪ ،‬وطلب من املس�‬
‫هنا بدون حراك‪ ،‬ويس��تعدوا للمعركة عندما يعطيهم اإلشارة‪ ،‬فلقموا‬
‫�لحتهم وبدأوا بتجهيز كل شيء‪ ،‬جاعلني األطفال والشيوخ والنساء‬ ‫أس�‬
‫�دق إريس إىل‬‫لاح يف املقدمة‪ .‬ح�‬‫�ف‪ ،‬بينما كل من حيمل س�‬ ‫يف اخلل�‬
‫ايفانوف وسايري قائ ًال‪:‬‬

‫‪236‬‬
‫�اك بكم او‬
‫�تكون هذه خماطرة كبرية ‪ ..‬فحاولوا اال يتم اإلمس�‬ ‫– –س�‬
‫�ل‪ ،‬فالكثري من األرواح تعتمد عليكم‪.‬‬
‫القضاء عليكم كما حدث من قب�‬
‫�رع يف القيام ببعض متارين األمحاء‪ ،‬بينما‬
‫أومأ سايري باملوافقة وش�‬
‫�د إيفانوف‪ ،‬مما أثار الرعب واهلمس بني‬‫�ود حول جس�‬ ‫التف املعدن األس�‬
‫�جناء‪ ،‬ولكنه مل يهتم بذلك‪ ،‬ووقف عند الباب ونظر إىل سايري‪ ،‬ثم‬ ‫الس�‬
‫أشار له برأسه بينما حطم الباب بقدمه‪ ،‬وأندفع إىل املمر وهو يزأر كثور‬
‫�ايري‪ ،‬بينما وقف إريس مذهو ًال ال يعرف ماذا يقول‪.‬‬
‫غاضب‪ ،‬ووراءه س�‬
‫يف الردهة كان عشرة من الروبوتات مشهرين أسلحتهم ناحية الباب‪،‬‬
‫مخسة جالسون على ركبتهم‪ ،‬ومخسة واقفون خلفهم‪ ،‬ومبجرد أن كسر‬
‫الباب واندفع منه جسم اسود جمهول أطلقوا طلقات البالزما على اجلسد‬
‫اجملهول‪ ،‬ولكن الطلقات كانت متر جبانبه بدون أن متسسه وهذا بفضل‬
‫قوة سايري‪.‬‬
‫�ايري يركض ورائه‪ ،‬رافع ًا‬
‫�ع إيفانوف ناحيتهم‪ ،‬بينما كان س�‬ ‫أندف�‬
‫يديه يف اهلواء ليبعد الطلقات املقرتبة من إيفانوف‪ ،‬وقد جعلها تنحرف‬
‫�ايري بأنه من األفضل أن‬‫�دم باحلائط‪ ،‬فتبخر احلائط‪ ،‬فعلم س�‬ ‫وتصط�‬
‫�ده بعد‪.‬‬
‫يتجنبها إيفانوف فهم ال يعلمون تأثريها على جس�‬
‫مندفعا ناحيتهم بال اكرتاث بينما كان سايري جياريه‬
‫ً‬ ‫ظل إيفانوف‬
‫وحيميه يف نفس الوقت‪ ،‬فقال بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫�رف أن كان درعه حيميه من طلقات‬
‫�ا له من أمحق مندفع ال نع�‬ ‫– –ي�‬
‫البالزما بعد أم ال؟!‬
‫�ع للخلف أمام هذه‬
‫�وف من الروبوتات اليت بدأت ترتاج�‬ ‫اقرتب إيفان�‬
‫�رع منهم فلحق بهم ولكم‬
‫�وة املدمرة اليت ال تتوقف‪ .‬ولكنه كان أس�‬
‫الق�‬
‫واحدا‬
‫ً‬ ‫�ر خلفه‪ ،‬ثم ركل‬
‫مصطدما بروبوت آخ�‬
‫ً‬ ‫�د منهم بقوة‪ ،‬فطار‬
‫واح�‬

‫‪237‬‬
‫بقدمه‪ ،‬فحطمه يف احلائط‪ ،‬والتف بقبضته مرة أخرى ليحطم واحد آخر‪،‬‬
‫ملوحا به‪ ،‬لييقطع أجساد‬
‫ً‬ ‫بينما خرج سايري من وراءه بالسيف الضوئي‪،‬‬
‫الروبوتات إىل قطع‪ ،‬حماوال جتنب لكمات إيفانوف الغري مفرقة بني العدو‬
‫�رى يرفع الروبوتات يف اهلواء‬‫والصديق يف نفس الوقت‪ ،‬وكان بيده اليس�‬
‫�يفه يف جسده‪،‬‬ ‫ثم حيطمهم يف اجلدران‪ ،‬ويدفع أحدهم ناحيته ليضع س�‬
‫ويضغط بقبضته والطاقة تندفع منها ليحطم رؤوسهم فيخروا جثة هامدة‪.‬‬
‫وقف إريس حمدق ًا إليهم بدهشة وقد أحس وكأنهم كيان واحد‪ ،‬رغم‬
‫أن هذا ال ميكن رؤيته من الوهلة األوىل‪ .‬أمسك إيفانوف بأحد الروبوتات‬
‫�يف ًا قد قطعه‬‫وقذفه عال ًيا‪ ،‬فأرتفع الروبوت وأخنفض مرة أخرى ليجد س�‬
‫�ان يف تقطيع وحتطيم الروبوتات‪،‬‬ ‫لنصفني‪ ،‬وبينما أخذ الرفيقان يتفنن�‬
‫�ار إريس للسجناء‪ ،‬بأن يتقدموا‪ ،‬فاندفعوا من الباب املعدني إىل املمر‬‫أش�‬
‫�رب من الفئران اليت اجتاحت أحد البيوت وتنوي تدمري كل شيء‪.‬‬ ‫كس�‬
‫�رية اليت متأل املمر‪،‬‬
‫�ب منهم إريس بأن حيطموا غرف التجارب البش�‬ ‫طل�‬
‫�وا إليها وبدأوا بقتل الروبوتات اليت ترتدي زي خمترب وكان الذعر‬ ‫فدلف�‬
‫�م خمتلفة وكأنهم أحياء‬ ‫�كاهلم ومالحمه�‬ ‫باد على وجوهها وكانت اش�‬ ‫ٍ‬
‫كما قال هلم إريس‪ .‬بعد أن قضوا عليهم كلهم بال رمحة قاموا بتدمري‬
‫عينات االختبار‪ ،‬واألجهزة‪.‬‬
‫�عر بعضهم بالرعب والتقزز عندما رأى هذه التجارب البشعة اليت‬ ‫ش�‬
‫�ر يف أحد زوايا غرف‬‫�هم‪ ،‬بينما تقيأ البعض اآلخ�‬
‫�ام على بنى جنس�‬ ‫تق�‬
‫ريا اجتاه اآلالت‪،‬‬
‫حقدا وغض ًبا كب ً‬
‫ً‬ ‫التجارب‪ .‬زادت هذه املناظر بداخلهم‬
‫�يء عن بكرة أبيه‪ ،‬واندفعوا بغضب ناحية املمرات‬
‫فأحرقوا ودمروا كل ش�‬
‫�أة‪ ،‬وأطلقوا‬
‫املليئة بالروبوتات املقاتلة وهم يصرخون ويهزون أرجاء املنش�‬
‫كل من‬‫�ف‪ ،‬بينما تقدمهم ٍ‬ ‫�لحتهم بال توق�‬‫النار على الروبوتات من أس�‬
‫ايفانوف وسايري لتأمني احلماية هلم‪ ،‬فكادوا أن يصابوا بسبب الطلقات‬

‫‪238‬‬
‫�جناء بال توقف ناحية الروبوتات‪ ،‬ولكن قوة‬‫العشوائية اليت يطلقها الس�‬
‫�ن اخللف وتعكس اجتاهها‪،‬‬ ‫�ايري كانت توقف الطلقات اليت تأتي م�‬ ‫س�‬
‫�ن األمام فقط‪ ،‬أصبح حيميه من األمام‬ ‫فبد ًال من أن حيمي ايفانوف م�‬
‫حمطما كل شيء يقف يف طريقه‪.‬‬‫ً‬ ‫ومن اخللف‪ ،‬بينما كان اآلخر يندفع‬
‫�رية تركض وراءه وتتبعه‪ ،‬مدمرة كل الغرف‬ ‫�ود البش�‬
‫بدأت احلش�‬
‫�ود‬
‫برات يف طريقها‪ ،‬فرتادعت اآلالت إىل اخللف أمام هذه احلش�‬ ‫واملخت�‬
‫�حقون بال هوادة‬ ‫الغاضبة وبدأوا مبحاولة طلب الدعم‪ ،‬ولكنهم كان يس�‬
‫قبل أن يطلبوه‪ .‬كان إريس يركض يف مقدمة احلشد ويقودهم فأخذوا‬
‫يتبعونه حبماس‪ ،‬وهم يهللون العنني الروبوتات بكل اللغات املمكنة‪ ،‬بينما‬
‫كان األدرينالني هو احملرك الرئيسي هلم الليلة‪ ،‬فهم مل يشعروا حبماس‬
‫للقتل والتدمري يف حياتهم مثل الليلة وباألخص ألنهم يقتلون أشياء معدنية‬
‫ال حياة فيها أو هذا ما يظنونه‪ ،‬فكان هذا يسهل عليهم القتل بال رمحة‪.‬‬
‫وهكذا أنعطف ايفانوف وسايري والسجناء خلفهم ميين ًا ويسا ًرا يف ممرات‬
‫املنشأة مدمرين كل ما يقع على ناظرهم حتى وصلوا إىل البوابة الرئيسية‪،‬‬
‫فحطمها إيفانوف بيده بعد بضعة لكمات‪ ،‬ورأى جسر طويل أمامهم حييطه‬
‫املاء من كل جهة بينما تعوم أنواع غريبة من األمساك مل يرها ايفانوف‬
‫يف حياته‪ ،‬وكان ليقف ويشاهدها طوال اليوم‪ ،‬لو كان يف رحلة سياحية‪.‬‬
‫يف نهاية اجلسر كان املصعد الكبري الذي هبط منه إريس إىل املنشأة‬
‫�جناء بأن يتبعوه‪ ،‬فركضوا‬ ‫�ار بيده للس�‬
‫�رة أشخاص‪ ،‬فأش�‬‫يتسع لعش�‬
‫�د‪ ،‬فتوقفوا وهم يلهثون‬‫�ر حتى وصلوا إىل املصع�‬ ‫مجيعا عابرين اجلس�‬
‫ً‬
‫بقوة‪ ،‬ويتصببون عرق ًا من فرط اجملهود الذي بذلوه بينما كانت املنشأة‬
‫�رج إريس من بينهم قائ ًال‪:‬‬
‫حترتق وراءهم‪ ،‬فخ�‬
‫– –أن هذا املصعد يؤدي إىل غرفة كبرية ويبدو بأنها حتتوي على مصدر‬
‫الطاقة الرئيسي هلذه اآلالت‪ ،‬أن دمرناه فإن هذا سيوقفهم عن العمل‬
‫‪239‬‬
‫�يتيح لنا الفرصة للهرب‪ .‬واآلن سنركب املصعد على دفعات‬ ‫مما س�‬
‫�ود من‬
‫�ع بالطبع لكل هذا العدد الكبري‪ ،‬وقد جند حش�‬ ‫ألنه لن يتس�‬
‫�أركب أنا وايفانوف‬ ‫�ا عندما نصل إىل القمة‪ ،‬لذا س�‬‫اآلالت تنتظرن�‬
‫وسايري أو ًال‪ ،‬ومن يريد بأن خياطر حبياته فلريكب معنا‪ ،‬ومن يريد‬
‫�م يتبعنا فهذا عائد له‪ ،‬وأريد من‬
‫�ر حتى نصل إىل أعلى‪ ،‬ث�‬ ‫أن ينتظ�‬
‫�ر حتى تغرق‬ ‫�ر دفعة تصعد إىل اعلى أن تقوم بتدمري هذا اجلس�‬ ‫أخ�‬
‫متاما‪.‬‬
‫ً‬ ‫هذه املنشأة اللعينة‬
‫�م‬‫�باب أيديهم طالبني االنضمام إليهم‪ ،‬فأبتس�‬
‫رفع رجالن وثالثة ش�‬
‫�س على زر الصعود‪،‬‬ ‫�م‪ ،‬فركبوا املصعد‪ ،‬ثم ضغط إري�‬ ‫إريس مرح ًبا به�‬
‫فصعد بسرعة إىل أعلى بينما حيدق السجناء يف األسفل إىل املصعد وهو‬
‫خيتفي داعني هلم بالنجاة‪.‬‬
‫�هم داخل املبين ذو‬
‫وصل املصعد إىل األعلى‪ ،‬وأنفتح بابه ليجدوا أنفس�‬
‫�ة املعمارية الرائعة‪ ،‬شعروا كأنهم بداخل كرة كبرية‪ ،‬وكانت‬ ‫اهلندس�‬
‫�ومات والنقوش يف‬ ‫اللوحات القريبة من احلائط تطري بال توقف‪ ،‬والرس�‬
‫�رب نور الشمس من بني الكوة الصغرية يف السقف‪،‬‬ ‫كل مكان‪ ،‬بينما يتس�‬
‫�ود الروبوتات الواقفة يف نهاية الغرفة‬
‫ولكن األهم من كل ذلك هو حش�‬
‫�هرين أسلحتهم ناحيتهم‪ ،‬فطلب إريس من أحد الشباب‬ ‫عند املخرج مش�‬
‫بأن ينزل باملصعد وخيربهم مبا حيدث فوق‪ ،‬وحيمسهم بالصعود والقتال‬
‫معهم من أجل النجاة‪ ،‬فوافق الشاب حبماس‪ ،‬فخرج اجلميع من املصعد‪،‬‬
‫جمددا‪ .‬نظروا إىل بعضهم‬
‫ً‬ ‫بينما أغلق املصعد على الشاب وهبط ألسفل‬
‫البعض‪ ،‬فأبتسم إيفانوف قائال بسخرية‪:‬‬
‫– –املزيد من الروبوتات ألحطمها‪ ،‬هذا رائع‪.‬‬
‫شعر سايري بأنه يريد أن يلكمه حتى يستوعب ما هم فيه‪ ،‬ولكنه علم‬
‫بأن يده ستؤمله أن حاول لكمه‪ ،‬فأمسك غيظه وقال جبفاء وبرود‪:‬‬
‫‪240‬‬
‫– –يبدو بأنك استطعت أن تسيطر على وعيك‪ ،‬أثناء حتولك هلذه اهليئة‪.‬‬
‫رد إيفانوف بابتسامة سوداء خميفة على وجهه املعدني‪:‬‬
‫– –مل أغطي أسفل قدمي باملعدن حتى ال أفقد سيطرتي على وعيي‪.‬‬
‫همس إريس إليهم قائ ًال‪:‬‬
‫– –هذا لي�‬
‫�س وقت النقاش ‪ ..‬أنهم ينتظرون ردة فعلنا ‪ ..‬إذا هامجنا‬
‫�وفون وليس هناك مكان لنحتمي‬ ‫أوال سيهامجون‪ ،‬واآلن حنن مكش�‬
‫فيه ‪ ..‬فالقاعة كبرية ومكشوفة‪ ،‬وإن نظرمت هناك فهذه البلورة هي‬
‫ما ميدهم بالطاقة أن دمرناها فسيتوقفون عن العمل‪ ،‬مما سيمكننا‬
‫من اخلروج من هنا‪.‬‬
‫نظر سايري إىل املولد‪ ،‬والبلورة الزرقاء الكبرية فوقه اليت متده بالطاقة‬
‫فقال‪:‬‬
‫– –ما كنية هذه املاسة الكبرية الغريبة اليت متد املولد أسفلها بالطاقة؟‬
‫فرد إريس وهو حيدق إىل األعداد الكبرية للروبوتات بتوتر‪:‬‬
‫– –الأعرفماهيولكنكماتريفيبدوبأنهامامتدهمبالطاقةأندمرنااملولد‬
‫أسفلها فلن جتد ما تعطيه طاقتها‪ ،‬واآلن هل تستطيعون قتاهلم هنا؟!‬
‫معا مصد ًرا صوت ًا معدن ًيا‪:‬‬
‫قال ايفانوف بثقة وهو يصك قبضتيه ً‬
‫– –ال يهم كم عددهم سأدمرهم مجيعها‪ ،‬احتموا ورائي وابدأوا بإطالق‬
‫النار بال توقف‪ ،‬سنهامجهم من بعيد حتى يأتي الباقون ويساندوننا‪.‬‬
‫واآلن سايري فلتحميين وحتمي اجلميع كما فعلت من قبل‪.‬‬
‫�م الكبرية اليت‬
‫�ع التحديق يف اعداده�‬‫�ايري عليه بل تاب�‬
‫مل جيب س�‬
‫�خص‬ ‫�ون‪ ،‬ومن بني االعداد الكبرية للروبوتات‪ ،‬خرج ش�‬
‫تتخطي اخلمس�‬

‫‪241‬‬
‫يبدو خمتلف املظهر عنهم‪ .‬حدق اجلميع بتعجب فيه‪ ،‬لقد كان خمتلفا‬
‫�خص الغريب‬ ‫متاما عن باقي الروبوتات فتوقعوا بأنه القائد‪ ،‬اقرتب الش�‬
‫ً‬
‫مسافة بسيطة منهم‪ ،‬ثم توقف‪ ،‬فبدأت مالحمه تتضح‪ ،‬أنه ليس روبوت بل‬
‫�يء آخر خمتلف‪ ،‬أنه ال يشبه أي شيء قد رأوه من قبل‪.‬‬ ‫ش�‬
‫�تقبل‬‫�يء من املس�‬ ‫�دي بزة فضاء بيضاء اللون تبدو كش�‬ ‫كان يرت�‬
‫البعيد‪ ،‬كانت تغطي جسده كله‪ ،‬وعلى وجهه قناع زجاجي أسود اللون‪،‬‬
‫ولكن عندما متعن النظر فيه فكأنك ترى انعكاس الكون الشاسع‪ ،‬جنوم‬
‫مضيئة حتوم يف فضاء أسود معتم‪ ،‬على صدره نقش رمز غريب هلرم وفى‬
‫وسط اهلرم يوجد نقش لعني مفتوحة حتدق مبن أمامها‪ ،‬وقف قليال وهو‬
‫ينظر إىل األشخاص الواقفني أمامه‪ .‬همس إريس قائ ًال وقد انتابه القلق‪:‬‬
‫– –من هذا حبق اهلل؟ أنه خمتلف ً‬
‫متاما‪.‬‬
‫فجأة بدأ الشخص الغامض يتحدث قائ ًال بصوت أجش عميق‪:‬‬
‫– –مرحبا بالبش�‬
‫�ر‪ ،‬مل أتوقع بأنكم بهذه اجلرأة اليت تسمح لكم باخرتاق‬
‫عاملي‪ ،‬وتدمري أمثن ممتلكاتي‪.‬‬
‫فرغ اجلميع فاهه من الدهشة‪ ،‬ونظروا إىل بعضهم البعض‪ ،‬ثم وجهوا‬
‫نظرهم إليه‪ ،‬فأستطرد قائ ًال‪:‬‬
‫�د من أن قادتكم قد اخرتعوا‬ ‫– –بالطب�‬
‫�ع أنتم ال تعرفون من أنا؟ وال ب�‬
‫�م الصغرية حتى‬ ‫�ب مع عقولك�‬ ‫�ة ما ملا حيدث حولكم‪ ،‬لتتناس�‬ ‫قص�‬
‫�دون‪ ،‬فأنتم يف النهاية‬
‫�تمروا يف خدعاكم وحتريككم كما يري�‬ ‫يس�‬
‫�ية ال تسأل عن أي شيء‪.‬‬ ‫�بة هلم جمرد ماشية واملاش�‬ ‫بالنس�‬
‫رد إيفانوف بنربة الذعة قائ ًال‪:‬‬
‫�ا ‪ ..‬فأنت جمرد آلة متمردة‬ ‫– –وم�‬
‫�ن أنت أيها املتعجرف لتحكم علين�‬

‫‪242‬‬
‫لعينة حنن من صنعناها ‪ ..‬وسنعيدها إىل حيث جيب أن تكون حتى‬
‫ولو استخدمنا القوة!‬
‫عال مما أثار غضب إيفانوف أكثر‪ .‬قال بنربة‬
‫ضحك الغريب بصوت ٍ‬
‫خبيثة‪:‬‬
‫– –أحقا هذا ما تظنه بأنكم أنتم من صنعتموني ‪ ..‬يا للسخرية ولكن‬
‫أنا أعمق بكثري من أن يتم صنعي ‪ ..‬أنا ما تسمونه حياة عضوية ‪..‬‬
‫مرح ًبا بكم على كوكب أطالنتس ‪ ..‬امسي هو جايا‪.‬‬
‫ملعت الكلمة يف عقل سايري الذي تذكر ما قاله أعضاء اإلينيكس عن‬
‫إسقاط جايا‪ ،‬فتغريت مالحمه وقال بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫– –لقد مسعت هذا االسم من قبل ‪ ..‬هل هذا هو جايا؟ هل هو عدو أم‬
‫صديق؟ الذي أعرفه أن اإلينيكس أعداء‪ ،‬ولكنه جمهول بالنسبة إلي‪.‬‬
‫هل هو روبوت أم إنسان؟‬
‫بدأ اجلميع ينظر بتوتر إىل بعضهم البعض‪ ،‬بينما ُفتح املصعد خلفهم‬
‫وخرج عشرة أشخاص أخرىن مشهرين أسلحتهم‪ ،‬وال يفهمون ما حيدث‪،‬‬
‫�د‪ ،‬فنفذوا األوامر ووقفوا‬
‫�ار هلم إريس بيده بأن ال يطلقوا النار بع�‬
‫فأش�‬
‫يراقبون ما حيدث عن كثب‪.‬‬
‫عال دوي يف املبين الكبري‪:‬‬
‫قال إريس بصوت ٍ‬
‫– –ماذا تقصد بهذا؟ أطالنتس جمرد أسطورة تناقلتها األجيال!‬
‫أردف الروبوت الغريب يقول‪:‬‬
‫�ى كوكب األرض؟ هل تظن بأن أطالنتس‬ ‫– –هل حق ًا تظن أنك عل�‬
‫غرقت؟ هل ظنتها تدمرت بفعل الطبيعة؟ هل ظننتها اختفت بدون‬
‫جمددا؛ ألنك‬
‫ً‬ ‫�طورة تناقلتها األجيال؟ فكر‬
‫أثر؟ هل تظن بأنها أس�‬

‫‪243‬‬
‫اآلن يف أطالنتس‪ .‬يا لك من كائن مسكني ‪ ..‬جيب أن تعلم بأنك‬
‫خمدوع أنت وكل من معك ‪ ..‬خدعة دنيئة متقنة مل يكن ليعلمها‬
‫أيضا ‪ ..‬ولكن كل ما أستطيع قوله بأنكم على كوكيب‪..‬‬‫أحدكم ً‬
‫كوكب أطالنتس ولستم على األرض‪.‬‬
‫نظر له سايري بغيظ شديد وقال بتهكم‪:‬‬
‫– –تريد أن تعبث بعقولنا اآلن أيها اآللة اللعينة كي تس�‬
‫�تطيع قتلنا‪،‬‬
‫�أقتلع رأسك‪ ،‬فحياتك ال‬
‫�تفعلها س�‬ ‫ولكن أنا أحذرك أي خدعة س�‬
‫تهمين على اإلطالق‪.‬‬
‫ضحك الروبوت الغريب ضحكة صغرية‪ ،‬مثاستطرد قائ ًال‪:‬‬
‫ريا ‪ ..‬هل تريدون معرفة احلقيقة؟‬ ‫– –سأعرض عليكم ً‬
‫عرضا أخ ً‬
‫قال إيفانوف بلهجة قوية‪:‬‬
‫– –وهل سنسمع احلقيقة من فم روبوت حقري؟‬
‫جتاهل جايا فظاظة إيفانوف واستطرد يقول‪:‬‬
‫– –قلت لك أنا أعمق من أن أكون روبوت ‪ ..‬كل هذه اآلالت اليت تراها‬
‫�ا به ‪ ..‬أنا من أعطيتهم‬‫�ك تتحرك بأوامري وتفعل ما آمره�‬ ‫حول�‬
‫احلياة ‪ ..‬أنا سيد أطالنتس وأنتم تعديتم على ممتلكاتي بدون أدنى‬
‫�أة األحباث اليت كانت حتتوي على آالف األحباث‬‫حق‪ ،‬ودمرمت منش�‬
‫املهمة ‪ ..‬ماذا تتوقعون مين أن أفعل بكم؟‬
‫قال إريس بغيظ شديد‪:‬‬
‫�ر ثم تقول إننا تعدينا على‬
‫�عة على البش�‬‫– –أتقوم بهذه التجارب البش�‬
‫�أة احلقرية!‬
‫�تحقه هذه املنش�‬
‫ممتلكاتك‪ ،‬أمتزح معي؟ هذا أقل ما تس�‬

‫‪244‬‬
‫قال جايا بلهجة حازمة‪:‬‬
‫– –بالطبع هذا ما سأفعله ‪ ..‬إن وجدت خملوقات غريبة دخلت يف عقر‬
‫دارك ‪ ..‬خملوقات جمهولة مل ترها من قبل ‪ ..‬هل سترتكها هكذا بدون‬
‫أن تفحصها وتفهم خصائصها وتعلم ملاذا ؟ وماذا تريد؟ ومن بعثها؟‬
‫�ط الذهول الذي حل على اجلميع‪ ،‬بينما كان‬ ‫صمت جايا قلي ًال وس�‬
‫�ر اخلارجني من املصعد يتزايد‪ ،‬فجأة تفكك القناع عن وجه‬ ‫عدد البش�‬
‫�وداء‬
‫�تقر يف مكان خمصص له يف البذلة الس�‬ ‫جايا وعاد إىل اخللف ليس�‬
‫�ال عندما رأوا وجهه‬
‫بصوت ع� ٍ‬
‫ٍ‬ ‫�هق اجلميع‬‫جاءت إىل دارك الغريبة‪ ،‬فش�‬
‫وتراجعوا إىل اخللف عدة خطوات موجهني أسلحتهم ناحيته كردة فعل‬
‫�عت عيناه من الدهشة‪:‬‬
‫تلقائية‪ .‬فقال إريس وقد اتس�‬
‫– –ما هذا الشيء اللعني حبق اهلل؟‬
‫قال جايا وقد ارتسمت ابتسامة على وجهه‪:‬‬
‫– –واآلن هل تريدون معرفة احلقيقة؟‬
‫�و يتثاءب‪،‬‬
‫�حاب وه�‬
‫�ن الربج األبيض الذي يناطح الس�‬ ‫خرج نور م�‬
‫فانطلقت دفعة من اهلواء لتداعب وجهه و ُتش�‬
‫�عره ببعض الراحة‪ ،‬فنظر‬
‫أمامه وابتسم ثم قال‪:‬‬
‫– –احلرية أخ ً‬
‫ريا ‪ ..‬لقد حان وقت احلقيقة‪.‬‬
‫�ق طريقه وسط سكون الغابة الغريبة اليت وجد نفسه‬ ‫انطلق نور يش�‬
‫فيها‪ ،‬بينما كان كينو يسري وسط اخلراب الذي حل على مدينة أطالنتس‬
‫اجلديدة وقد عزم على إكمال املهمة اليت مت تكليفه بها واليت قد تسبب‬
‫�رية منذ سنني؟‬‫خطأ اقرتفه أثناء تنفيذها بكارثة كبرية مل ترها البش�‬
‫***‬

‫‪245‬‬
246

You might also like