You are on page 1of 4

‫المقابلة حسب المدرسة النسقية‪:‬‬

‫تعريف النسقية‪:‬‬
‫هي مجال حديث يقوم على الجمع بين كل المقاربات النظرية والتطبيقية والمنهجية المرتبطة بكل ما يمكن‬
‫اعتبا هر معقدا قد تصعب مقاربته أو التطرق إليه بشكل مختصر‪ ،‬والذي يطرح مشكالت حدودية‪ ،‬وعالئقية‬
‫داخلية وخارجية‪ ،‬ومشكالت بنيوية أو قانونية أو ذات خصائص تتعلق بالنظام كما هو أو مشاكل خاصة‬
‫بأسلوب المالحظة أو التمثالت‪.‬‬
‫إن التوجه النسقي يركز أكثر على العالقة بدال من التركيز على المظاهر السيكودينامية أو الفردية‪ ،‬وهو يستند‬
‫في ذلك على النظرية العامة لألنساق (‪ .)Von Bertalanffy 1968‬ففي مجال العالج النفسي النسقي يتم إدراك‬
‫سلوك أحد أفراد األسرة كنتيجة للتفاعل مع أفراد آخرين من نفس تلك األسرة وبأن هذا الفرد لديه وظيفة داخل‬
‫هذه األسرة‪.‬‬
‫تداخل المجاالت للفكر النسقي‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن الفكر النسقي الحديث ينبني على قاعدة من المسا همات من مختلف مجاالت المعرفة العلمية (علم‬
‫الحياة‪ ،‬الرياضيات ‪ ،‬الفيزياء‪ ،‬المنطق‪ .)...،‬فالتقدم العلمي في هذه المجاالت قد أدخل طريقة تساؤلية‬
‫جديدة في مقاربتها للفرد في مجال العلوم اإلنسانية موفرة في ذات السياق أدوات اصطالحية ‪Outils‬‬

‫‪ conceptuels‬من أجل نمذجة الوضعيات العيادية المعقدة بشكل علمي‪.‬‬


‫‪ - 2‬إن التوجه النسقي يرتكز أكثر على العالقة بدال من التركيز على المظاهر السيكودينامية أو الفردية‪،‬‬
‫وهو يستند في ذلك على النظرية العامة لالتساق ‪.Théorie générale des systèmes‬‬
‫فالنسق (النظام) هو عبارة عن كل ‪ Un Tout‬أي أنه "تعقيد من عناصر في حالة تفاعلية" والذي يتميز‬
‫بالخصائص النظامية التالية‪:‬‬
‫‪ )1‬أي تغيير على مستوى أحد العناصر يؤدي إلى تغييرات على مستوى النظام ( النسق)‪.‬‬
‫‪" )2‬الكل" هو أكثر من مجموع لألجزاء ‪ Le tout est plus que la somme des parties‬حيث توجد تأثيرات‬
‫معقدة مرتبطة بالتوظيف الخاص بالنسق (النظام)‪ ،‬والتي ال يمكن تقليصها إلى مجموع عناصر النسق‪.‬‬
‫‪ )3‬ال يمكن فهم الغاية من خالل منطق سببي خطي ‪La finalité ne peut être saisie par une logique‬‬
‫‪causaliste linéaire.‬‬

‫فالتفاعالت ترجعنا إلى "سببية دائرية ‪ "Causalité Circulaire‬تتميز بـ "حلقات معقدة ذات أثر الرجعي ‪Des‬‬

‫)‪."boucles complexes de rétrocontrôle (feed-back‬‬


‫‪ )4‬إن الحفاظ على توازن النسق (‪ )L’homéostasie‬هو نتيجة لتوازن دينامي وليس بـ "حالة" من الخلود‬
‫‪.Immortalité‬‬

‫ففي مجال العالج النفسي النسقي يتم إدراك سلوك أحد أفراد األسرة كنتيجة للتفاعل مع أفراد آخرين من نفس‬
‫تلك األس ةر وبأن هذا الفرد لديه وظيفة داخل هذه األسرة‪ .‬وعليه فإنه ال وجود للفرد بمفرده‪.‬‬

‫الفرد إذن غالبا ما يجب إعادة وضعه داخل "نظامه البيئي"‪ :‬أي المجموعة اإلنسانية‪ .‬فرغم أن الفرد هو من‬
‫يحمل العرض إال أن مبدأ النسقية ‪ e‬يولي للعرض معنى ووظيفة مختلفين عن ما هو الحال في كل من مجال‬
‫الطب ومجال التحليل النفسي‪:‬‬

‫‪ ‬ففي مجال الطب‪ُ :‬يحيل العرض إلى المرض‪.‬‬


‫‪ ‬وفي مجال التحليل النفسي‪ :‬فإن العرض تحيل بشكل رمزي إلى الصراع النفسي الداخلي (‪)Intra clinique‬‬
‫‪ ‬وأما في المجال النسقي‪ :‬فالعرض يشير إلى وجود خلل وظيفي ‪ Indice de dysfonctionnement‬في‬
‫العالقات التبادلية والتواصلية داخل النسق‪.‬‬
‫ففي األسرة مثال‪ :‬إن الفرد الحامل للعرض يطلق عليه اسم " المفحوص المعني ‪ "Le patient désigné‬ألن‬
‫المشكل الموجود على مستوى النسق (العائلة‪ ،‬الزوجين‪ )...،‬هو الذي أحدث العرض الفردي‪ .‬وعليه فإن‬
‫وظيفة العرض تُحيل إلى دور العرض داخل النسق (النظام)‪ ،‬وبالتالي فظهوره (أي العرض) يشير إلى ما‬
‫يجب على النسق أن يقوم به من أجل االستمرارية في التوظيف‪ ،‬فالعرض يوحي ويترجم مقاومة النسق بين‬
‫الحفاظ على التناسق ‪ Cohésion‬أو التغيير ‪ Changement‬ويمكن تحليل وضعية "المفحوص الحامل‬
‫للعرض ‪ Patient désigné‬داخل األسرة كأفضل حل مكيف ُو ِجد من طرف األسرة بالنظر إلى أسلوب‬
‫توظيفها الحالي‪ .‬إن الصعوبة تكمن في أن المفحوص المعني (الحامل للعرض) هو سبب المشكل بالنسبة‬
‫لألسرة‪ ،‬حيث ال يتم إدراك العرض من حيث قيمته اإليجابية (التعديل الذاتي ‪ )d’autorégulation‬وحتى‬
‫األمنية والحامية من أجل تفادي انفجار النسق‪ ،‬إذ يمكن فهم طلب التغيير المقدم من طرف األسرة والخاص‬
‫بالمفحوص المعني كما يلي‪ ":‬بإمكانكم تغيير األشياء‪/‬األمور من أجله ولكن ال يجب أن يتغير شيء بالنسبة‬
‫لنا (ضمني ‪")Implicite‬‬
‫إال أن ما ترتكز عليه نظرية االنساق هو التمييز بين مختلف مستويات المالحظة والتحليل‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫‪ )1‬كل مستوى يمي هز توظيف خاص به فالفردي ليس هو الزوجي‪ ،‬وال العائلي ‪.)...‬‬
‫‪ )2‬ال يمكن التنبؤ بما سيحدث على مستوى عال انطالقا من مستوى منخفض‪.‬‬
‫‪ )3‬إن العالقة بين المستويات ليست عالقات تضمين (إدخال) وحسب‪ ،‬ولكنها مرتبطة أيضا بنوعية‬
‫الصدى فيما بينها (اإلرجاع)‪.‬‬

‫المقاربة النسقية‪:‬‬

‫ترتكز المقاربة النسقية على فهم ملموس لمجموعة من المفاهيم مثل ‪ :‬النسق‪ ،‬التفاعل‪ ،‬األفعال الرجعية‪،‬‬
‫التعديل ‪ ،Régulation‬التنظيم ‪ ،Organisation‬الغاية ‪ ،Finalité‬الرؤية الشاملة‪ ،‬التغير‪ ،‬التطور‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫إن ارتكاز الباحثين أو أصحاب القرار على مستوى المؤسسات المختلفة على المقاربة النسقية كطريقة‬
‫عمل أو بحث يتطلب مجهودا كبي ار في تعلم المفاهيم المرتبطة بالمقاربة واستيعابها واالتفاق على معناها‬
‫كخطوة أولى قبل مباشرة العمل‪ ،‬وتعد هذه المقاربة إبحار سعيد في أجواء معقدة ( ‪Donnadieu et Karsky.‬‬

‫‪.)2002‬‬

‫المقابلة العيادية حسب النظرية النسقية‪:‬‬


‫تكتسب المقابلة األولى أهمية خاصة في العالج النسقي ألن أول ما يواجهه المعالج النسقي هو التوتر‬
‫أو القلق الذي يعتري األسرة ككل‪ .‬لكن ما يواجه المعالج أيضا هو أن هذه األسرة تحضر للعالج لكن‬
‫مقاومتها ستكون حاضرة سواء بشكل علني أو مخفي‪ ،‬والمطلوب منه هو امتصاص هذا التوتر والقلق‪ .‬إن‬
‫هذه الوضعية الخاصة والمميزة تستدعي من المعالج النسقي إت باع واحترام الخطوات التالية‪:‬‬
‫العالقة العالجية‬
‫تعتبر هذه المرحلة مرحلة ربط الصلة باألسرة‪ ،‬وعلى المعالج أن يكتسب صداقة األسرة‪ ،‬وأن يحاول‬
‫االندماج في النسق األسري‪ ،‬وأن يتواءم مع األسرة (أسلوبها‪ ،‬إيقاعها‪ ،‬قوانينها‪ ،‬وعتقداتها‪ .)..،‬فألن هذه‬
‫المرحلة هي مرحلة بناء‪ ،‬يجب على المعالج أن يختزن في عقله كل ما يصل إليه من معلومات‪ ،‬وأن يقوم‬
‫بتسييرها‪ ،‬وهي بداية بناء فروض العمل‪ .‬كما يأخذ المعالج في حسبانه تكاثف األسرة ومحاولة استدراجه‬
‫للتوجهات وعليه فالمطلوب منه هو االنتماء لكن مع االحتفاظ بصفة المالحظ‪ ،‬وذلك أيا كان األسلوب‬
‫الذي يتبعه‪.‬‬
‫تحليل العرض‪:‬‬
‫حسب هذه المقاربة التحليلية إن اختفاء العرض يعني حدوث تغيير على مستوى النسق وعليه تظهر أهمية‬
‫عملية التحليل اآلنية للمظاهر العالئقية التبادلية والتواصلية‪ ،‬أي التحليل اآلني للعرض‪L’analyse ،‬‬

‫‪ synchronique du symptôme‬والتي تؤكد عليها النظرية النسقية‪ ،‬وهذا يعني أنه على المعالج النسقي‪ ،‬أثناء‬
‫تدخله على مستوى النسق‪ ،‬أن يحترم أساطير األسرة ‪ Mythes‬وكيفية بنائها للواقع‪ ،‬وأساليبها التبادلية‬
‫والتواصلية‪ ،‬وهو األمر الذي يتطلب منه عدم فرض أسلوبه الخاص في بناء الواقع (أساطيره‪ ،‬قيمه‬
‫الفردية‪ )...،‬وأن يتكيف مع واقع النسق‪ ،‬وذلك من خالل احترامه للمبادئ التالية‪:‬‬
‫‪Alliance thérapeutique‬‬ ‫‪ - 1‬التحالف العالجي‪:‬‬
‫والذي يسمح‪ ،‬باالتفاق مع العائلة‪ ،‬بتحديد المشاكل واألهداف التي يجب تحقيقها‪ .‬فأي تدخل هدفه تعجيل‬
‫التغيير من شأنه أن يضاعف صالبة النسق‪ .‬فالمعالج موجود في وضعية "دنيا" الهدف منها لفت االنتباه‬
‫واظهار إمكانيات أخرى للتوظيف (األسري) مع ترك الحرية لألسرة في اختيار الحل‪.‬‬
‫‪ - 2‬التركيز على القيمة اإليجابية للعرض وتحديد الكفاءات التنظيمية للعائلة وأفرادها ‪compétence‬‬

‫‪ ،organisationnelles‬ما قد يسمح بتجنب اإلحساس بالذنب وبمساندة الرجوع إلى الطاقات الخاصة‬
‫بكل فرد‪ ،‬حيث أن هذه الفرضية تحيلنا إلى نظرية التعلم‪ ،‬والتي تشير إلى أن أي فرد يمكنه التعلم‪.‬‬
‫فالمعالج يرى بأن المفحوص واألسرة لديهم الطاقات والموارد ‪ ressources‬إليجاد حل لكنهم بحاجة‬
‫إلى المساندة‪.‬‬
‫إذن فإن المبدأ األساسي الذي تنطلق منه النظرية النسقية هو التواصل العالجي‪ ،‬فاألشخاص‬
‫يعانون من طريقة بنائهم للواقع‪ ،‬أي عالقاتهم التبادلية والتواصلية ضمن سياقات معينة (زوجين‪،‬‬
‫أسرة‪ ،‬شبكة‪ )...،‬فعندما ما يتحدث المفحوصون مع المعالج (المعالجون) فإنهم يتحدثون مع‬
‫أن فسهم‪ ،‬ومع اآلخرين ومع العالم‪ ،‬وبهذا الشكل فإنهم يغيرون طريقة بنائهم للواقع‪.‬‬
‫إن المعالج ال يعتبر نفسه مالحظا خارجيا عن األسرة وانما هو عنص ار فيها يسمح ألعضاء األسرة‬
‫بتغيير بنائهم للواقع هذا التغيير يهدف إلى الرفع من اإلمكانات الوظيفية وليونة النسق‪ ،‬وفي نفس‬
‫الوقت الخفض من حدة آالم أفراد األسرة‪.‬‬

You might also like