You are on page 1of 16

‫ماسرت القانون العقاري‬ ‫جامعة القايض عياض‬

‫و التوثيق‬ ‫لكية العلوم القانونية‬


‫الفوج ا ألول‬ ‫والاقتصادية‬
‫الفصل الثالث‬ ‫والاجامتعية مراكش‬
‫مادة ‪ :‬املاء و البيئة‬

‫أحكام حقوق الماء في الفقه اإلسالمي و العرف‬


‫المغربي‬

‫من إنجاز ‪:‬‬


‫تحت إشراف ‪:‬‬
‫‪KHALID TAOUFIQ‬‬
‫ذ‪ :‬أشرف جنوي‬
‫‪YACINE RAOUGUA‬‬

‫‪WIAME MAATALLAH‬‬

‫‪0202-2020‬‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬

‫لقد كانت رسالة اإلسالم رسالة شاملة لكل ما يسعد اإلنسان دنيويا واخرويا‪ ،‬ومن ابرز ما‬
‫شغل الفقهاء والعلماء الحاملين لهذه الرسالة اخراج تصور إسالمي لقضية الماء ‪ ،‬وذالك من‬
‫خالل العمل على تفكيك األسس الدينية و المرتكزات العلمية التي تشكل اساس الخطاب‬
‫المائي في اإلسالم‪.‬‬
‫فقد تيقن هؤالء أن إخراج هذا التصور الديني المتكامل إلى حياة الناس بات ضرورة ملحة‬
‫في الوقت الراهن الذي اصبح فيه مشروع " حماية الثروة المائية رهانا تتوافق حوله‬
‫اإلنسانية جمعاء وتحديا يستوجب استثمار كل الخطابات المؤسسة لنظريات الماء وفي‬
‫مقدمتها الخطاب الديني كما هو متضمن في القران الكريم والسنة النبوية الشريفة واجتهاد‬
‫فقهاء الشريعة وعلمائها وكذالك الخطاب العرفي المائي المحلي والذي ال يقل أهمية عن‬
‫باقي الخطب‪.‬‬
‫فنظرا ألهمية الثروة الماء حضيت هذه األخيرة بمجموعة من المقاربات التنظيمية منها‬
‫الدينية والمتمثلة في كل من الفقه اإلسالمي بشكل عام وفقه النوازل بشكل خاص وكذالك‬
‫خضوعها ألحكام القواعد العرفية المحلية المختلفة من منطقة ألخرى حسب واقع هذه‬
‫األخيرة التاريخي و الجغرافي‪.‬‬
‫و بالتالي فإن هذا الموضوع يطرح مجموعة من االشكاالت أهمها ‪:‬‬
‫ماهي طبيعة حقوق الماء في الفقه اإلسالمي ؟‬
‫ماهي األحكام العرفية لتوزيع الماء في المغرب ؟‬
‫ماهي طليعة األنظمة العرفية لتوزيع الماء في المغرب ؟‬
‫و لإلجابة على هذه اإلشكاالت سوف نقسم هذا الموضوع وفق التصميم التالي ‪:‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬أحكام حقوق الماء في الفقه اإلسالمي‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬األحكام العرفية لتوزيع الماء في المغرب‬

‫‪2‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬أحكام حقوق الماء في الفقه اإلسالمي‬

‫اهتم الفقهاء المسلمين بكل الجوانب المتعلقة بأمور المسلمين الدينية والدنيوية ‪ ،‬ومن ضمنها‬
‫قضية الماء هذه المادة الحيوية التي حاول الفقهاء المسلمين إحاطتها بمجموعة من األحكام (‬
‫المطلب األول ) وتنضيمها علي شكل أوقاف وحل منازعاتها ( المطلب الثاني )‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬احکام حقوق الماء في الفقه اإلسالمي‬


‫سوف نعالج هذا المطلب من خالل فقرتين نعرض في (الفقرة األولى) المياه في الفقه‬
‫اإلسالمي ‪ ،‬على أن تعرض في (الفقرة الثانية ) طبيعة حقوق الماء في الفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬المياه في الفقه االسالمي‬

‫الماء هو أصل الحياة وهو من أعظم النعم التي أنعم هللا بها على خلقه في الدنيا ‪ ،‬ومن‬
‫أفضل المنن التي سيمن بها عليهم في اآلخرة ايضا ‪ .‬واألدلة على ذلك كثيرة الورود في‬
‫ٍَو َح َّبَ‬ ‫اركا َفأَن َب ْت َنا ِبه َ‬
‫َِج َّنات َ‬ ‫اء َماءَ ُّم َب َ‬
‫س َم َِ‬ ‫القران الكريم ‪ ،‬ومنها قوله تعالى ( َو َن َّز ْل َنا مِنََ ال َّ‬
‫ا ْل َحصِ ي َِد)‪ 1‬ومنها أيضا أن الماء أية من آيات هللا التي تدعو للتفكير والتأمل في كيفية‬
‫االستفادة منه في ري العطش ‪ ،‬وفي إنبات مزروعات وثمار مختلفة المذاق والشكل‬
‫اب َو ِم ْنهُ ش ََج ٌر فِي ِه‬
‫ش َر ٌ‬ ‫س َما ِء َما ًء لَ ُك ْم ِم ْنهُ َ‬ ‫والرائحة ‪ ،‬قال تعالى ‪( :‬هُ َو الَّ ِذي أَ ْن َز َل ِمنَ ال َّ‬
‫ت إِنَّ فِي َذلِكَ ََليَةً‬ ‫اب َو ِمنْ ُك ِّل الثَّ َم َرا ِ‬ ‫سي ُمونَ يُ ْنبِتُ لَ ُك ْم بِ ِه ال َّز ْر َع َوال َّز ْيتُونَ َوالنَّ ِخي َل َو ْاْلَ ْعنَ َ‬
‫تُ ِ‬
‫لِقَ ْو ٍم يَتَفَ َّك ُرونَ )‪. 2‬‬
‫و ورد ذكر الماء في القران الكريم ضمن خمسمائة اية ‪ ،‬توضح معانيه وأنواعه ومجاريه‬
‫واستخداماته المتعددة ‪ ،‬فمثال وردت كلمة " ماء " ثالثا وستين مرة ‪ ،‬وكلمة " نهر" و‬
‫"أنهار " وردتا اثنتين وخمسين مرة ‪ ،‬وكذلك وردت كلمات مثل " العيون " و " الينابيع "‬
‫والمطر " و " البرد " و الغيوم و " الرياح " عشرات المرات في القران الكريم ‪ ،‬إلى جانب‬
‫مئات األحاديث النبوية الشريفة التي اشتملت على توجيهات قيمة في كيفية التعامل مع المياه‬
‫و المحافظة عليها و ترشيد استخدامها و االفادة منها‪.‬‬
‫ويرتبط الماء بالبيئة ارتباطا وثيقا في اغلب سياقات وروده في آيات القرآن الكريم والسنة‬
‫النبوية الشريفة‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫سورة ق االية ‪9‬‬
‫‪2‬‬
‫سورة االعراف االية ‪05‬‬
‫‪3‬‬

‫‪3‬‬
‫وتحفل مصادر الفقه اإلسالمي بكثير من التفاصيل المتعلقة بتنظيم المياه ‪ ،‬وتطهيرها‬
‫والتطهر بها ‪ ،‬وترتيب إجراءات سقي النبات والحيوان ‪ ،‬والطير ‪ ،‬ناهيك عن اإلنسان ‪ ،‬مع‬
‫مراعاة االعتبارات البيئية والمحافظة عليها في جميع األحوال‪.‬‬
‫وتوسعت اجتهادات الفقهاء في مسائل المياه على مر الزمن ‪ ،‬وفي مختلف المجتمعات‬
‫اإلسالمية وكلما بحثنا في صفحات الترات اإلسالمي ‪ ،‬أوفي تجارب أمم الحضارة‬
‫اإلسالمية وشعوبها ‪ ،‬وجدنا رصيدا هائال من األدب والقواعد التي تنظم مرفق الماء ‪،‬‬
‫وتوضح كيفية إدارته ‪ :‬جلبا ‪ ،‬وتنقيبا وتخزينا وتوزيعا ‪ ،‬وحفظا ‪ ،‬وتنمية لمصادره ‪.‬‬
‫ويلفت النظر ان الفقهاء كانوا يراعون في اجتهاداتهم ما نسميه بلغتنا المعاصرة مبدأ‬
‫االستدامة في كل تصرف من التصرفات التي تجري على استعمال الماء ‪.‬‬
‫وبفضل التوجيهات الواردة في القرآن العظيم ‪ ،‬وفي أحاديث النبي الكريم وبما للماء من‬
‫أهمية حيوية ‪ ،‬اهتم به العلماء والفقهاء في اجتهاداتهم ‪ ،‬والمفتين في فتاويهم ‪ ،‬والقضاة في‬
‫أحكامهم ‪ ،‬وعامة الناس وخاصتهم في تصرفاتهم واستعمالهم للماء في مختلف مناحي‬
‫حياتهم ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬طبيعة حقوق الماء في الفقه اإلسالمي‬

‫لم يتفق الفقهاء المسلمون على رأي واحد و هم يتناولون طبيعية حقوق المياه هل في عامة‬
‫أو خاصة أو جماعية ؟‬
‫ألهمية الماء قررت أحكام الشريعة اإلسالمية أن ملكية الماء من حيث األصل يجب أن‬
‫تكون عامة ‪ ،‬وأن يكون حق االنتفاع به لكل الناس دون تمييز بينهم ‪ ،‬وحرمت الشريعة‬
‫االسالمية احتكار الماء ضمن تحريمها االحتكار عامة – و نهت عن افساده‪ ،‬وقيدت‬
‫التصرف فيه بالبيع والشراء ؛ وذلك عمال بقول الرسول صلى هللا عليه و سلم ‪ ( :‬الناس‬
‫شركاء في ثالث ‪ :‬الماء ‪ ،‬و الكأل ‪ ،‬والنار) ‪ .‬وصنف الفقهاء مرفق المياه من المرافق‬
‫العامة التي يجب أن تنهض بها الدولة من حيث حمايتها وتوفيرها وتنميتها وتوزيعها توزيعا‬
‫عادال‪ ،‬علی آن يشاركها في القيام بهذه المهمات أبناء المجتمع ‪ ،‬والميسورين منهم خاصة ؛‬
‫اما بدعم ميزانية هذا المرفق ‪ ،‬أو مباشرة في توفير الماء وفق نظام األسيلة ‪ ،‬أوالصهاريج‬
‫أو القنوات أو االبار الموقوفة لوجه هللا تعالى لتيسير الحصول عليه للدين يحتاجونه حيثما‬
‫كانو‪.4‬‬
‫بينما يذهب رأي ثاني بأن ملكية المياه خاصة و لو في حدود معينة فقط استنادا لحديث‬
‫الرسول صلى هللا عليه و سلم الذي نهى عن بيع فضل الماء حتى ال يمتنع بذلك الكأل‪ ،‬و‬
‫‪4‬‬
‫ابي الوليد محمد بن احمد بن راشد القطبي االندلسي‪،‬بداية المجتهد و نهاية المقتصد دار الفكر للطباعة ص ‪121‬‬
‫‪4‬‬
‫هذا ما يؤكده صاحب فتح الباري حيث يقول ‪ ..." :‬قال ابن بطل ال خالف بين العلماء أن‬
‫صاحب الماء أحق بمائه حتى يروي‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬و ما نفاه من خالف هو على القول أن الماء يملك‪ .‬و كان الدين ذهبوا الى أنه يملك و‬
‫هم الجمهور مع الذين ال خالف عندهم في ذلك‪.5‬‬
‫أما الفريق الثالث و هو رأي الجمهور و االغلبية أجاز أن تخضع المياه للملكية ما دامت‬
‫أصول الفقه االسالمي تحرم أخد مال المسلم بدون رضاه و ما دام الصحابة و العلماء‬
‫أجمعوا على ذلك‪.6‬‬
‫أما فيما يتعلق بالفقه المالكي ‪ ،‬وهو الفقه المعتمد في المملكة المغربية ‪ ،‬فهو يأخد بالرأي‬
‫األخير إذ قسم ملكية الماء إلى ملكية فردية او خاصة‪ ،‬وملكية عامة‪.‬‬
‫فالملكية الخاصة تخضع لقواعد وأصول حق الملكية‪ ،‬بصورة عامة فهي تنتقل باإلرث‬
‫والوصية وكل التصرفات الناقلة لها ‪ ،‬وتخضع لالكتساب عن طريق التقادم ويحق لصاحبها‬
‫استعمالها بكل حرية بشرط أال يسيء استعمالها وأال يضر بحقوق األغيار‪ .‬أما الملكية‬
‫العامة وهي التي يكون محلها األنهار واألودية والعيون فال تخضع للتملك وال تكتسب وال‬
‫تسقط بالتقادم ‪ ،‬وهي تعود لملك الدولة التي تشرف على تنظيمها وتوزيعها و تدبيرها‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬نظام الوقف المائي و منازعات الماء في الفقه االسالمي‬

‫سوف نتطرق في هذا المطلب لنظام الوقف و إدارة المياه في الفقه االسالمي (الفقرة‬
‫االولى) فيما نعرض في (الفقرة الثانية) لمنازعات الماء في الفقه االسالمي ‪.‬‬

‫الفقرة االولى ‪ :‬نظام الوقف و إدارة المياه في الفقه االسالمي‬

‫من الصعب أن نجد عنصرا فوق سطح األرض يفوق في أهميته وضرورته البيولوجية‬
‫عنصر المياه إذ بدونه تنعدم الحياة وبوجوده تنمو وتزدهر‪ ،‬فالماء يشكل ‪ % 95‬من وزن‬
‫بعض الكائنات الحية‪ ،‬يشكل أكثر من ‪ % 15‬من وزن جسم االنسان ‪.‬‬

‫لذلك فإن اإلنسان ال يستطيع العيش بصحة جيدة من دون ماء أكثر من يوم واحد‪ ،7‬فهذه‬
‫المادة العجيبة في الكونمن أعظم العناصر وأجلها‪ ،‬وبرزت أهمية عنصر الماء عند‬

‫‪5‬‬
‫احمد بن علي بن حجر فتح الباري شرح االمام ابي عبد هللا ابن اسماعيل البخاري المجلد الخامس دار الفكر ص‪29‬‬
‫‪6‬‬
‫ابي الوليد محمد بن احمد بن راشد القطبي االندلسي‪،‬م س ص ‪121‬‬
‫‪7‬‬
‫عبد الدائم الكحيل دورة الماء بين العلم واإليمان ‪( www.kaheel7.com‬الدماغ البشري يحوي ‪ % 05‬من وزنه ماءً‪ ،‬الرئتان تحويان نسبة‬
‫‪ 95‬بالمئة ماء‪ ،‬ونسبة الماء في الدم ‪)% 33‬‬

‫‪0‬‬
‫المسلمين انطالقا مما أكده هللا تعالى في آياته الكريمة عن أهمية هذا العنصر الذي يمثل‬
‫ون "‪ ، 8‬كما أبرز هللا‬ ‫أصل الحياة لقوله تعالى ‪َ " :‬و َج َع ْل َنا مِنْ ْال َما ِء ُكل َشيْ ء َحي أَ َفال ي ُْؤ ِم ُن َ‬
‫تعالى أهمية الماء في عمارة األرض بقوله تعالى ‪َ " :‬وأَحْ َي ْي َنا ِب ِه َب ْل َد ًة َم ْي ًتا كذلك الخروج "‪. 9‬‬
‫نز َل هللا ُ مِنْ الس َما ِء مِنْ َماء َفأَحْ َيا ِب ِه األَرْ َ‬
‫ض َبعْ َد َم ْو ِت َها "‪ ،10‬والماء‬ ‫وقوله تعالى‪" :‬و ما أَ َ‬
‫عصب الحياة‪ ،‬وعامل أساسي لنشوء الحضارات و الحواضر القديمة ‪ ،‬كما أنه عامل من‬
‫عوامل انتهائها في حالة ندرته وانعدامه‪.‬‬
‫وأمام أهمية الماء في الحياة على األرض‪ ،‬شرع االسالم الوقف المائي وجعله وسيلة يتقرب‬
‫بها المسلم إلى ربه‪ ،‬ففي الحديث الشريف أن الرسول صلى هللا عليه وسلم قال‪" :‬إن مما‬
‫يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما ً نشره وولداً صالحا ً تركه‪ ،‬ومصحفا ً ورّثه‪،‬‬
‫ومسجداً بناه‪ ،‬أو بيتا ً البن السبيل بناه أو نهراً أجراه‪ ،‬أو صدقة أخرجها من ماله في صحته‬
‫وحياته‪ ،‬تلحقه من بعد موته " رواه ابن ماجه وحسنه األلباني‪.‬‬
‫و قد أوقف علي بن أبي طالب رضي هللا عنه عيونا ً من الماء في ينبع‪ .‬كما أوقف ضيعتين‬
‫تسمى إحداهما عين أبي نيزر والثانية تسمى البغيبة‪ ،‬وجاء في وقفها‪ " :‬بسم هللا الرحمن‬
‫الرحيم هذا ما تصدق به عبد هللا علي أمير المؤمنين‪ ،‬تصدق بالضيعتين المعروفتين بعين‬
‫أبي نيرز والبغيبة على فقراء المدينة وابن السبيل ليقي هللا بهما وجهه حر النار يوم القيامة‪،‬‬
‫ال تباعا وال تورثا‪ ،‬حتى يرث هللا األرض وهو خير الوارثين‪ ،‬إال أن يحتاج إليهما الحسن‬
‫أو الحسين فهما طلق لهما وليس ألحد غيرهما‪"...‬‬
‫وروى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي هللا عنه قال ‪ :‬كان أبو طلحة أكثر أنصاري‬
‫بالمدينة نخالً‪ .‬وكان أحب أمواله إليه بيرحاً‪ ،‬وكانت مستقبلة المسجد‪ ،‬وكان النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم يدخلها ليشرب من ماء فيها طيب‪ ،‬فلما نزلت هذه اآلية قال أبو طلحة ‪ :‬يا رسول‬
‫هللا إن هللا يقول تعالى ‪ ":‬لَن َت َنالُو ْا ْال ِبر َحتى ُتن ِفقُو ْا مِما ُت ِحب َ‬
‫ُّون "‪ ،11‬وإن أحب أموالي إليّ‬
‫بيرحاء‪ ،‬وإنها صدقة هلل أرجو برّها وذخرها عند هللا‪ ،‬فضعها يا رسول هللا حيث أراك هللا‪،‬‬
‫فقال رسول هللا صلى هللا عليه و سلم " بخ ذلك مال رابح‪ ،‬ذلك مال رابح‪ ،‬وقد سمعت ما‬

‫‪ 8‬سورة األنبياء‪ :‬من اآلية‪35‬‬

‫‪9‬‬
‫سورة ق‪ :‬من اآلية ‪.11‬‬

‫‪10‬‬
‫سورة البقرة‪ :‬من اآلية ‪113‬‬

‫‪11‬‬
‫سورة آل عمران آية ‪91‬‬

‫‪1‬‬
‫قلت‪ ،‬وإني أرى أن تجعلها في األقربين "‪ ،‬فقال أبو طلحة ‪" :‬أفعل ذلك يا رسول هللا"‪،‬‬
‫فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه‪.‬‬
‫والوقف المائي انطالقا من إجماع الصحابة الكرام رضي هللا عنهم هو صدقة جارية يقفها‬
‫المرء ويسبّلها في حياته لوجوه الخير والبر‪ ،‬فيستمر أجرها مادامت باقية‪ .‬وفي هذا عظيم‬
‫المنفعة للواقف بإجراء حسنات له في حياته وبعد مماته‪ ،‬لما في ذلك من فضائل الوقف‬
‫النافعة التي تعم كافة المسلمين ‪.‬‬
‫ويجوز وقف كل ما جاز بيعه وجاز االنتفاع به من الماء مع بقاء عينه‪ ،‬سواء كان ثابتا‬
‫كالعيون واألنهار الصغرى و اآلبار والخطارات و السواقي ‪ ...‬أو منقوال كالسقايات‬
‫والقرب و البرادات ‪...‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬منازعات الماء في الفقه االسالمي‬

‫لقد كانت هذه المادة الحيوية كغيرها من المجاالت األخرى ذات األهمية الكبرى تعرف‬
‫مجموعة من المشاكل‪ ،‬األمر الذي تتولد عنه نزاعات بين المستفيدين ‪.‬‬
‫لذلك و من أجل ضمان التوزيع العادل لهذه المادة الحيوية بين المسلمين تم إحداث ما عرف‬
‫في التاريخ اإلسالمي باسم " محكمة المياه "‪، 12‬مهمتها النظر في المنازعات التي تنشب‬
‫بسبب المياه بين المستفيدين منها ‪.‬‬
‫وكان أول ظهور لهذه المحكمة في مدينة بلنسية باألندلس في عهد عبد الرحمن الناصر سنة‬
‫‪ 313‬ه وال تزال آثارها باقية إلى اليوم ‪.‬‬

‫كانت لوائح تلك المحكمة تنص أن القاضي يجب أن يتوجه ‪ -‬في ذلك الزمن ‪ -‬إلى المحكمة‬
‫كل يوم خميس من الساعة العاشرة إلى الساعة الحادية عشرة صباحا ‪ ،‬لكي يستمع مع باقي‬
‫القضاة إلى مظالم السقاة ‪ ،‬ويحضر اجتماع الحراس الموكول اليهم حراسة السواقي ‪.‬‬
‫وتنتخب هيئة محكمة المياه من بين القضاة ( الرئيس ونائب الرئيس واألعضاء ) بالتصويت‬
‫‪ ،‬وتدور مناقشاتها علنا ‪.‬‬
‫وإضافة إلى اختصاص المحكمة في الفصل في المنازعات المائية‪ ،‬تختص أيضا في‬
‫تحصيل الغرامات ‪ ،‬واإلشراف على تنفيذ ما يصدر عنها من أحكام وتحفل سجالت المحاكم‬
‫الشرعية ‪ -‬في مختلف البلدان العربية واإلسالمية ‪ -‬بكثير من قضايا المياه التي تنم عن‬

‫‪ 12‬محكمة المياة في بلنسية هي لجنة تحكيم الري مسؤولة عن تسوية النزاعات على مياه الري بين المزارعين‪ ،‬التي لها‬
‫اختصاص المحكمة‪ ،‬وفي سبتمبر ‪ ،9002‬أدرجتها منظمة اليونيسكو ضمن أهم المعالم التراثية التي يجب الحفاظ عليها ‪.‬‬
‫تأسست من عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين هللا عام‪ ، 960‬وكانت تعقد كل يوم خميس‪.‬‬
‫‪0‬‬
‫خبرة واسعة في هذا المجال‪ ،‬لذلك من المهم جدا لن يتوفر الباحثون لدراستها واإلفادة منها‬
‫في استنباط حلول لمشكالت المياه في عصرنا الراهن‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬األحكام العرفية لتوزيع الماء في المغرب‬

‫من أهم المسائل التي عالجها العرف و أحاطها مند القدم بتقنين عرفي دقيق مسألة الماء‪ ،‬لذا‬
‫ارتأينا دراسة األحكام العرفية لتوزيع الماء في المغرب (المطلب األول) على أن نتناول‬
‫دراسة تطبيقية لهذه األحكام العرفية من خالل دراسة نموذجية لبعض المناطق في المغرب‬
‫( المطلب الثاني ) ‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬األحكام العرفية لتوزيع الماء في المغرب‬

‫لدراسة األحكام العرفية ارتأينا التطرق إلى تعريف العرف المائي ( الفقرة األولى) و بيان‬
‫بعض األنظمة العرفية لتوزيع الماء ( الفقرة الثانية )‬

‫الفقرة األولى ‪:‬العرف المائي‬

‫العرف لغة ‪ :‬ضد النكر وهو يعني االمر بالمعروف غير المجهول وقد ورد بمعني الجزء‬
‫المرتفع من الشيء فيقال عرف الجبل وعرف الفرس‪.‬‬
‫والعرف في اصطالح الفقه ‪ :‬هو ما اعتاد الناس عليه وألفوه من قول أو عمل‪.‬‬
‫وعرفه اإلمام الغزالي بقوله ‪ :‬العرف ما استقر في النفوس منهجه العقول وتلقته الطباع‬
‫بالقبول‪.‬‬
‫و من الناحية القانونية فإن العرف مصدر من مصادر القانون وهو عبارة عن قواعد لم‬
‫تفرضها السلطة التشريعية إال انها ناتجة عن ممارسة عامة وطويلة في المجتمع والعرف ال‬
‫يزال له المركز االول في بعض المجتمعات كالبدو وسكان الصحاري ‪.‬‬
‫وللعرف مركزه وقوته في بعض المجاالت مثل مجال التجارة حيث تسود اعراف متعدد‬
‫تحكم التعامل التجاري بنوع خاص وفي القانون الدولى العام يعتبر العرف المصدر االول‬
‫وكذلك يعتبر احد مصادر القانون الدولى الخاص‪.‬‬
‫وكذلك نفس األمر بالنسبة للماء فال يمكن الحديث عن توزيع الماء في المغرب بعيدا عن‬
‫األعراف المائية‪ .‬و يقصد بهذه األخيرة مجموعة من القواعد و اإلجراءات التي يتبعها‬
‫سكان منطقة ما من أجل تنظيم عملية االستفادة من الماء‪ ،‬و تختلف هذه القواعد باختالف‬
‫كل منطقة‪ .‬بحيث تنفرد كل منطقة بسياستها العرفية في توزيع الماء‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬بعض األنظمة العرفية لتوزيع الماء و وحدات قياسه‬

‫أوال ‪ :‬األنظمة العرفية لتوزيع الماء‬


‫تتعدد األنظمة العرفية لتوزيع الماء في المناطق المغربية و هي أعراف كثيرة تختلف من‬
‫منطقة ألخرى و ذلك راجع إلى اختالف األساس المعتمد في كل نظام ‪.‬‬
‫و سوف نقتصر في هذه الفقرة على تبيان األنظمة الشائعة ‪.‬‬
‫‪ )2‬نظام العظم ‪:‬‬
‫يعتبر نظام العظم أو "إخص" باألمازيغية أحد أكثر األنظمة العرفية استعماال في تدبير مياه‬
‫السقي ‪ .‬والعظم قبل ان يكون عرفا مائيا فهو أحد األسس االجتماعية والتنظيمية داخل‬
‫القبيلة ‪ ،‬فهو داخل قبائل "واحة تودغى"‪ 13‬يعتبر الخلية األساس ألي تقسيم‪ .‬فهو عبارة عن‬
‫نظام عقلي يربط بين عدة أسر تربط بينها عالقات القرابة الفعلية أو الضمنية‪ ،‬بحيث أنها قد‬
‫تكون من أصول مختلفة تجمع بينها فقط المصلحة المشتركة‪ ،14‬وقد يشار إليه كذلك بعبارة‬
‫"أفوس" التي تعني اليد باألمازيغية للداللة على نفس المعنى أي االنتماء إلى نفس األسرة ‪،‬‬
‫أو بتعبير أدق إلى نفس األصل العائلي ‪ ،‬فكيف يتم استعمال هذا العرف في تقسيم المياه ؟‬
‫داخل الواحة يتم اعتبار العائالت التي تنحدر من أصل واحد ‪ ،‬أي من نفس العظم مشتركة‬
‫في نفس نوبة السقي ‪ ،‬وذلك تبعا لملكية األرض وملكية حقوق الماء ‪ ،‬ثم بعد ذلك يتم توزيع‬
‫الماء بين أفراد نفس العظم إلى نوبات اصغر ‪.‬‬
‫والنوبة عبارة عن محدد زمني لتوزيع مياه الري وبالتالي فهي وحدة قياس زمنية للسقي‬
‫حيث تشكل ‪ 12‬ساعة أي نصف يوم و في منطقة الرحامنة تسمى "الفردية"‪.‬‬

‫أما بسهول السراغنة فإن األمر سيان‪ ،‬حيث يتم اعتماد النوبة كدورة سقوية بين‬
‫المستفيدين‪ ،‬واعتمد "العظم" کوحدة أساسية تمثل السالالت ذات القرابة الواحدة‪.‬‬
‫والمالحظ هو كون هذا العرف تعتريه عدة مشاكل وسلبيات وذالك راجع باألساس إلى‬
‫مجموعة من العوامل كبيع و شراء نصيب العائالت األصلية لحقوقها في الماء ‪ ،‬وهو ما‬
‫كان ممنوعا بل مجرما في الماضي ‪ ،‬ففي سهل سوس بمنطقة ماسة يعتبر كراء نوبة الماء‬
‫ذنبا كبيرا يتم على أساسه تغريم المكري و المكتري غرامة ‪ 155‬مثقال و ضيافة‬
‫اإلنفالس‪.15‬‬

‫‪ 13‬تقع مضايق تودغى في جهة سوس ماسة درعة في منطقة ورزازات بعد المرور على قلعة مكونة‪ ،‬ثم بومالن لتصل إلى تنغير‪،‬‬
‫وهي واحة كبيرة تمتد على حوالي ‪ 35‬متر‪ ،‬وكانت تنغير قديما تسمى تدغى‬
‫‪14‬‬
‫أحمد مهدان الماء و التنظيم االجتماعي دراسة سوسيولوجية ألشكال التدبير االجتماعي للسقي بواحة تدغى طباعة و نشر سوس اكادير ‪2512‬‬
‫ص ‪39‬‬
‫‪15‬‬
‫اإلنفالس هم عرفاء و أعيان القبيلة و هم بمثابة قضاة‪ .‬و من أهم مهامهم الفصل في شؤون المياه و يعرفون في بعض الواحات بإنرزاف‬
‫‪9‬‬
‫نفس األمر نرصده بالسهل‪ ،‬األمر الذي يساعد على الحفاظ على استقاللية التصرف في‬
‫الماء لكل جماعة بشرية بعيدا عن الغرباء‪ .‬بل إن األراضي تباع بدون حصة الماء‪ ،‬لكن في‬
‫إطار تراكم بيع األراضي دون حصصها من الماء أدى بالبائعين إلى كراء نوباتهم إلى‬
‫غرباء عن المجال البشري القاطنين به‪ ،‬هؤالء و في ضل امتالكم لألراضي دون حصص‬
‫الماء اضطروا إلى عادات سيئة كسرقة مياه السواقي‪.‬‬
‫‪ )0‬نظام جماعة ‪:‬‬
‫في نظام جماعة يعد المجتمع الريفي ‪ ،‬سواء داخل السهل أو الواحة ‪ ،‬وحدة اجتماعية‬
‫متضامنة تحافظ على تقاليده العريقة و أعرافه المالئمة لبيئته ‪ ،‬والتي تنظم حياته و عالقاته‬
‫سواء داخل مجاله الضيق أو في عالقته بالمجاالت المجاورة له ‪ ،‬وباعتبار القرية المغربية‬
‫داخل هادين المجالين تعتمد على الفالحة كنشاط اقتصادي أساسي فإن األمر يتطلب تضامن‬
‫كافة الجهود من أجل القيام بمجموعة من األعمال السقوية كحفر اآلبار والخطارات أو‬
‫إنشاء السدود الصغيرة "أكوك " وشق السواقي والقنوات ‪ ،‬و هي أعمال بدون شك تحتاج‬
‫إلى وحدة تنظيمية ذات سلطة معنوية قادرة على تسيير كل هذه المهام بشكل متوازن ‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار وجد نظام "الجماعة " يعتبر نظام الجماعة تنظيم اجتماعي عريق‬
‫بالمغرب يمتاز بشمولية التدبير للشؤون القروية بالخصوص ‪ ،‬وتمتاز داخل الواحة بترأسها‬
‫لتدبير شؤون المياه حيث تتكلف بتعيين مراقبين لتوزيع المياه كما تتكلف ببناء واستصالح‬
‫المنشآت المائية والمحافظة عليها وعقد مجالس الصلح النزعات والصراعات الناشبة حول‬
‫الماء‪ ،‬و الجماعة هنا قد تكون خاصة بقبيلة معينة و قد تكون تجمع لمجموعة من الجماعات‬
‫إذا كان األمر يتعلق بالشأن المائي بين عدة قبائل‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الوحدات العرفية لقياس توزيع الماء‬
‫تتعدد األعراف حول اعتماد المعايير التي يتم بناءا عليها توزيع الماء على األفراد و يمكن‬
‫تحديد هذه المعايير في معيارين ‪ :‬األول يعتمد على العنصر الزمني و الثاني يعتمد على‬
‫العنصر الكمي‪ .‬و بهذا تكون وحدات توزيع الماء العرفية وحدات قياس زمنية و وحدات‬
‫قياس كمية ‪.‬‬
‫‪ )2‬وحدات القياس الزمني‬
‫داخل وحدات القياس الزمني نجد نوعين آلة التناست أو الساعة المائية و آلة العالم أو‬
‫الساعة الشمسية‪.‬‬
‫آلة التناست أو الساعة المائية ‪ :‬و هي طريقة يتم من خاللها االعتماد على طاسة نحاسية‬
‫تسمى تناست أو طاس أو تطاست ‪ ،‬و هي عبارة عن إناء نحاسي على شكل نصف دائرة‬

‫‪15‬‬
‫به ثقب باسفله مدعم حتى ال يتسع مع كثرة االستعمال ‪ .‬يوضع هذا االناء في سطل مملوء‬
‫بالماء أو صهريج صغير أو خابية مليئة بالماء لينفذ الماء إلى اإلناء عبر الثقب و عند‬
‫امتالئه تماما يغوص إلى القعر مسجال بذلك وحدة قياس اساسية يطلق عليها اسم "الخروبة"‬
‫و يستغرق امتالئه ‪ 40‬دقيقة‪ .16‬و بداخل الخروبة دوائر أو عالمات محسوبة بدقة و كل‬
‫جزء منها يؤشر إلى جزء من أجزاء الخروبة‪ ،‬فهناك نصف خروبة و الثلث و الربع و‬
‫الخمس و السدس و الثمن لتستجيب لمقدار ما يملكه كل مالك من نصيب أو أنصبة من‬
‫الماء ‪.‬‬
‫آلة العالم ‪ :‬العالم هي الة لتقسيم المياه في النهار حيث انها تعتمد لتحديد وحدات القياس‬
‫على الظل وتتخد هذه االلة شكل جدار يبني عادة بواسطة التراب المدكوك وليس لهذا‬
‫األخير مقاسات محددة حيث يتراوح طوله بين مترين ونصف إلى ثالثة أمتار وارتفاعه‬
‫حوالي مترين وسمكه حوالي ‪ 15‬سنتيمتر ‪ ،‬هذه المقاسات ليست ثابتة " إذ يمكن تصغير‬
‫حجمه وفي منتصف السطح األعلى الجدار يتم تثبيت حجر بارز بمقدار شبر " أي بحوالي‬
‫‪ 25‬سنتمتر بشكل أعلى قمة مميزة للظل لمتابعة خط الظل بواسطته‪.‬‬

‫و يعزز سطح الجدار األعلى بواسطة األسمنت وقاية له من عوامل التعرية حتى يضل‬
‫مقياسا تابتا ال يتغير ارتفاعه ‪ .‬و يزود هذا الجدار بعالمات للقياس ترسم على سطح‬
‫األرض في الساحتين المتجهين نحو الشرق و نحو الغرب ‪ ،‬وعلى تلك المساحات يتحرك‬
‫الظل ‪ ،‬قبل الزوال و بعده ‪ .‬يتبع في ذلك تدرج خاص ‪ ،‬تتقارب فيه هذه العالمات وقع‬
‫االقتراب من الجدار ‪ ،‬و تتباعد اتناء االبتعاد عنه ‪ ،‬و ذلك تبعا لزاوية ميل الظل و إستطالته‬
‫كلما اقتربت الشمس من خط الزوال يقصر الظل بالتدريج ‪ ،‬كلما تحوللت عن هذا الخط يبدا‬
‫الظل في االستطالة ‪ ،‬و ترسم العالمات المذكورة بواسطة صف متراص من الحجارة ذات‬
‫سمك رقيق منغرزة في سطح األرض تكون خطوط متوازية لطول الجدار ‪ ،‬يتناقل إليها او‬
‫عنها الظل في واجهتي هذا بالتعاقب ‪ ،‬خالل ساعات النهار ‪ ،‬تسمى تيفاكيس " أو تيناكيش ‪:‬‬
‫أي عوارض وهي عالمات ثابتة ‪ ،‬تضاف إليها عند اللزوم عالمات متغيرة موازية لها‬
‫بشكل غابر على وجه التربة لالستعانة بها في تحديد األجزاء المستحقة من قبل المستفيدين‬
‫من الماء‪.17‬‬

‫‪16‬‬
‫ادريس الضحاك الماء عالميا و وطنيا مؤسسة الذاكرة للدراسات و األبحاث عدد ‪ 1‬مطبعة االمنية الرباط ‪ 2513‬ص ‪30‬‬
‫‪17‬‬
‫ادريس الضحاك م س ص ‪31‬‬
‫‪11‬‬
‫‪ )0‬وحدات القياس الكمي‬
‫يتم في هذه التقنية اعتماد اله تسمی تيزوكال مفردها " تزاكلولت" و هي عبارة عن بناء‬
‫على شكل مشط تمر بين اسنانه كميات المياه بمقاييس متفاوتة نحو األراضي المسقاة‪ ،‬و‬
‫المسافات بين سن المشط تختلف سعة وضيقا لمرور كميات اكبر أو أصغر حسب مساحة‬
‫عقار كل مشترك في السقي من مجرى ماني ‪ ،‬و تفكيكيت هي خشبة بها ثقوب تسمح‬
‫بمرور الماء حسب حصة كل مستفيد و هي عبارة عن حواجز توضع في مجاري المياه ‪ ،‬و‬
‫تكون الثقوب التي يمر منها الماء كبيرة الحجم أو متوسطة أو صغيرة حسب مساحة‬
‫عقارات المشتركين في السقي من مجرى الماء ‪ .‬كما نجد طريقة أخر تسمي " أسقول "‬
‫وهي عبارة عن مقياس يصنع عادة من أغصان النخيل على شكل مسطرة مستقيمة طولها‬
‫يفوق عمق الماء في الصهريج ‪ ،‬و يقع تدريج جزء من تلك المسطرة مساوي لعمق المياه ‪،‬‬
‫وذلك تبعا للنظام الحسابي المتبع في عملية التقسيم ‪ ،‬و تشبه عالمات هذا التدرج المحدث‬
‫في أسقول العالمات التي تسمی تيفاكشين في المقياس المشار إليه في ألة العالم كما تقوم‬
‫بنفس الدور‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬نمادج لبعض االعراف المائية‬

‫تتعدد االعراف المائية من منطقة إلى أخرى‪ ،‬سنحاول في هذا المطلب االقتصار على‬
‫دراسة منطقتين سنتناول في الفقرة االولى منطقة فجيج (فكيك) و في الفقرة الثانية واحة‬
‫تدغى‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬األعراف المائية في منطقة فجيج (فكيك)‬

‫تعد واحة فكيك من بين المناطق التي الزالت تعتمد على األعراف في المجال المائي ‪ ،‬نظرا‬
‫لطبيعة الواحة وشكلها ‪ ،‬و تعد المياه الباطنية من أهم المصادر الرئيسية للماء عن طريق‬
‫تدفق مياه العيون ‪.‬‬
‫و واحات فكيك كانت تعتمد الساعة المائية التي كان يتم احتسابها عن طريق تناست أو‬
‫طاس التي سبق وأن أشرنا إليها سابقا ‪ ،‬فكان يتم اعتماد الوحدة القياسية الطاس في هذه‬
‫العملية في فكيك حيث يتم احتسابها بنظام الخروبة‪ ،‬قالخروية هي وحدة قياسية تتمثل في‬
‫تسرب الماء إلى الطاس إلى أن يمتلئ بالكامل و يغرق في السطل و تسمى وحدة قياسية‬
‫الخروبة التي يستغرق المتالئها ‪ 40‬دقيقة‪. 18‬‬

‫‪18‬‬
‫محمد امزيان استغالل الماء في الواحات نمودج فجيج (فكيك) منشور في مجلة الماء منشورات كلية العلوم االنسانية جامعة الحسن الثاني سلسلة‬
‫و ندوات و مناظرات رقم ‪ 11‬مطبعة المعاريف الجديدة سنة ‪ 1991‬ص ‪119‬‬
‫‪12‬‬
‫و يتم توزيع ماء الخطرات على جميع قصور واحة فكيك على مدة ‪ 10‬يوما و هو ما يشكل‬
‫دورة مائية كاملة تسمى بالدورة المائية الكبرى ‪ ،‬فيتمكن خالل هذه الدورة جميع سكان‬
‫القصور من االستفادة من السقي كل حسب نصيبه من الخطارة ‪.‬‬
‫و يقسم السقي في واحة فكيك إلى نوبتين نوبة ليلية ونوبة نهارية مدة كل نوبة هي ‪12‬‬
‫ساعة‪ ،‬أما فيما يخص ملكية الماء في هذه المنطقة فإن الخروبة تكون ملكا خاصا للفرد‬
‫يمكنه ايقاع جميع التصرفات عليها ؛ إما بيعها أو رهنها او توريثها أو تفويتها ‪ ،‬وتختلف‬
‫أثمان الخراريب حسب صبيب الخطارة من قصر إلى آخر ‪ ،‬و تختلف كذلك حسب‬
‫الظروف االقتصادية و دورات األمطار و الجفاف و كما سبقت اإلشارة فإن النوبات التي‬
‫يمكن أن تكون ليلية أو نهارية و هذا يطرح إشكالية بالنسبة للنوبات الليلية حيث تكون‬
‫صعوبة الرؤية و برودة الطقس في أيام الشتاء مما يشكل عسرا للفالحين لالستفادة من‬
‫نواباتهم الليلية ‪ ،‬و لتفادي ذلك تم إنشاء صهاريج لتخزين مياه النوبات الليلية إلى حين‬
‫طلوع النهار ‪ ،‬و يتم بناء هذا الصهريج من طرف الفالحين باتفاق فيما بينهم في أرض‬
‫أحدهم ‪ ،‬ويمكن لمن يرغب في تخزين ماءه في الصهريج أن يدفع مقابل ذلك ‪ 0‬دقائق من‬
‫الماء عن كل خروبة يريد مالكها إفراغها في الصهريج إلى حين وقت الحاجة إليها ‪.19‬‬
‫ويسهر على توزيع الماء في واحة فكيك شخص يكلف يسمى " بالسرايفي" ويتم تعينه من‬
‫قبل الجماعة ‪ ،‬وهو يسهر على عملية توزيع الماء على األفراد كل حسب نصيبه ‪ ،‬و يجب‬
‫أن يكون له علم بجميع عمليات التفويت أو الكراء للخراريب المائية ‪ .‬ويتقاضى على عمله‬
‫هذا نوبة مائية كاملة في السنة تأخذ من ماء جماعة ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬األعراف المائية لمنطقة تودغى‬

‫يعد النظام العرفي المبني على االستفادة من العالية إلى السافلة من أهم األعراف التي تم‬
‫اإلعتماد عليها في توزيع الماء في منطقة تودغی ‪ ،‬و ذلك راجع إلى أسباب عدة منها‬
‫استقرار سكان تودعي بأعلى الواحة و توفرها على عيون دائمة الجريان ‪ ،‬تم إعطاء‬
‫األولوية السقي لسكان العالية على حساب سكان السافلة‪.20‬‬
‫و باعتماد هذا المبدا فسكان تودغى تكون األسبقية في االستفادة ألصحاب العالية من‬
‫السافلة ‪ ،‬فمثال على ذلك فإن أول من يحصل على مياه "تيزكي" هم سكان القصور الممتدة‬

‫‪19‬‬
‫محمد امزيان م س ص ‪123 122 125‬‬
‫‪20‬‬
‫محمد أمزيان مرجع ساق ‪ ،‬ص ‪ 25‬او ‪ 122‬و ‪ 123‬د احمد مهنان ‪ ،‬الماء و التنظيم االجتماعي ‪ ،‬مالية طباعة و نشر سوس‬
‫أكادير ‪ ،‬سنة ‪ ، 2512‬م ‪ 10‬و ‪01‬‬

‫‪13‬‬
‫بين منبع هذا العين و قصر "أيت عش" اي العناصر التي تنتمي إلى " أيت ازدك " وكذا‬
‫مرابطي زاوية سيدي عبد العالي ‪ ،‬فسكان هذه القصور هم الذين لهم الحق أوال في وضع‬
‫سدودهم التحويلية على مجرى الواد ‪ ،‬و بعد تلبية حاجيات مكان قصور أقصى العالية من‬
‫مياه السقي يأتي دور سكان قصور " أيت سنان " للحصول على ما تستطيع سدودهم تحويله‬
‫من جريان الواد لسقي األراضي و بعدهم يأتي دور سكان قصور " إكرتان " هكذا إلى أخر‬
‫نقطة لجريان الماء ‪.‬‬
‫ويتم اإلعتماد على نظام "العظم" لتوزيع الماء بين العائالت داخل قصور كل واحة‪.21‬‬

‫‪ 21‬محمد مهدان ‪ ،‬مرجع سابق ‪ 00‬و ‪03‬‬

‫‪14‬‬
‫خاتمة‬

‫لقد لعب العرف دورا كبيرا مند القدم في تنظيم الماء و كيفية االستفادة‬
‫منه ‪ ،‬و ذلك تفاديا للحروب التي يمكن أن تنجم عن الماء ‪ ،‬وقد كان‬
‫لألعراف االسالمية تأثير كبير في تنظيم استعمال و استغالل الماء وذلك‬
‫استنادا لآليات القرآنية الكريمة و األحاديث النبوية الشريفة و أقوال‬
‫الصحابة والتابعين ‪.‬‬
‫و إلى جانب ذلك نجد األعراف المغربية التي كان لها دور كبير في‬
‫تنظيم الماء سواء من حيث االستهالك أو السقي ‪ ،‬وقد امتدت األعراف‬
‫المغربية لتصل إلى دول المغرب العربي الجزائر و تونس ‪ ،‬و كذلك‬
‫وصلت إلى اسبانيا في عهد األندلس التي كانت توجد بها محكمة الماء و‬
‫هي أول محكمة في التاريخ لفض المنازعات المائية ‪ ،‬و األعراف‬
‫مازالت تشكل منطلق أساسي لحد اآلن في تدبير الماء الى جانب الطرق‬
‫العصرية المنظمة بشكل قانوني ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الفهرس‬

‫مقدمة ‪2.............................................................................................‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬أحكام حقوق الماء في الفقه اإلسالمي ‪3........................................‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬احکام حقوق الماء في الفقه اإلسالمي ‪3.....................................‬‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬المياه في الفقه االسالمي‪3...................................................‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬طبيعة حقوق الماء في الفقه اإلسالمي‪4.....................................‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نظام الوقف المائي و منازعات الماء في الفقه االسالمي ‪0.................‬‬
‫الفقرة االولى ‪ :‬نظام الوقف و إدارة المياه في الفقه االسالمي‪0............................‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬منازعات الماء في الفقه االسالمي‪0.........................................‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬األحكام العرفية لتوزيع الماء في المغرب‪3....................................‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬األحكام العرفية لتوزيع الماء في المغرب ‪3.................................‬‬
‫الفقرة األولى ‪:‬العرف المائي ‪3...............................................................‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬بعض األنظمة العرفية لتوزيع الماء و وحدات قياسه ‪9....................‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬نمادج لبعض االعراف المائية ‪12 ...........................................‬‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬األعراف المائية في منطقة فجيج (فكيك) ‪12 ..............................‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬األعراف المائية لمنطقة تودغي ‪13 .........................................‬‬
‫خاتمة ‪10 ...........................................................................................‬‬
‫الفهرس ‪11 .........................................................................................‬‬

‫‪11‬‬

You might also like