Professional Documents
Culture Documents
أحكام الماء
أحكام الماء
WIAME MAATALLAH
0202-2020
1
مقدمة
لقد كانت رسالة اإلسالم رسالة شاملة لكل ما يسعد اإلنسان دنيويا واخرويا ،ومن ابرز ما
شغل الفقهاء والعلماء الحاملين لهذه الرسالة اخراج تصور إسالمي لقضية الماء ،وذالك من
خالل العمل على تفكيك األسس الدينية و المرتكزات العلمية التي تشكل اساس الخطاب
المائي في اإلسالم.
فقد تيقن هؤالء أن إخراج هذا التصور الديني المتكامل إلى حياة الناس بات ضرورة ملحة
في الوقت الراهن الذي اصبح فيه مشروع " حماية الثروة المائية رهانا تتوافق حوله
اإلنسانية جمعاء وتحديا يستوجب استثمار كل الخطابات المؤسسة لنظريات الماء وفي
مقدمتها الخطاب الديني كما هو متضمن في القران الكريم والسنة النبوية الشريفة واجتهاد
فقهاء الشريعة وعلمائها وكذالك الخطاب العرفي المائي المحلي والذي ال يقل أهمية عن
باقي الخطب.
فنظرا ألهمية الثروة الماء حضيت هذه األخيرة بمجموعة من المقاربات التنظيمية منها
الدينية والمتمثلة في كل من الفقه اإلسالمي بشكل عام وفقه النوازل بشكل خاص وكذالك
خضوعها ألحكام القواعد العرفية المحلية المختلفة من منطقة ألخرى حسب واقع هذه
األخيرة التاريخي و الجغرافي.
و بالتالي فإن هذا الموضوع يطرح مجموعة من االشكاالت أهمها :
ماهي طبيعة حقوق الماء في الفقه اإلسالمي ؟
ماهي األحكام العرفية لتوزيع الماء في المغرب ؟
ماهي طليعة األنظمة العرفية لتوزيع الماء في المغرب ؟
و لإلجابة على هذه اإلشكاالت سوف نقسم هذا الموضوع وفق التصميم التالي :
المبحث األول :أحكام حقوق الماء في الفقه اإلسالمي
المبحث الثاني :األحكام العرفية لتوزيع الماء في المغرب
2
المبحث األول :أحكام حقوق الماء في الفقه اإلسالمي
اهتم الفقهاء المسلمين بكل الجوانب المتعلقة بأمور المسلمين الدينية والدنيوية ،ومن ضمنها
قضية الماء هذه المادة الحيوية التي حاول الفقهاء المسلمين إحاطتها بمجموعة من األحكام (
المطلب األول ) وتنضيمها علي شكل أوقاف وحل منازعاتها ( المطلب الثاني ).
الماء هو أصل الحياة وهو من أعظم النعم التي أنعم هللا بها على خلقه في الدنيا ،ومن
أفضل المنن التي سيمن بها عليهم في اآلخرة ايضا .واألدلة على ذلك كثيرة الورود في
ٍَو َح َّبَ اركا َفأَن َب ْت َنا ِبه َ
َِج َّنات َ اء َماءَ ُّم َب َ
س َم َِ القران الكريم ،ومنها قوله تعالى ( َو َن َّز ْل َنا مِنََ ال َّ
ا ْل َحصِ ي َِد) 1ومنها أيضا أن الماء أية من آيات هللا التي تدعو للتفكير والتأمل في كيفية
االستفادة منه في ري العطش ،وفي إنبات مزروعات وثمار مختلفة المذاق والشكل
اب َو ِم ْنهُ ش ََج ٌر فِي ِه
ش َر ٌ س َما ِء َما ًء لَ ُك ْم ِم ْنهُ َ والرائحة ،قال تعالى ( :هُ َو الَّ ِذي أَ ْن َز َل ِمنَ ال َّ
ت إِنَّ فِي َذلِكَ ََليَةً اب َو ِمنْ ُك ِّل الثَّ َم َرا ِ سي ُمونَ يُ ْنبِتُ لَ ُك ْم بِ ِه ال َّز ْر َع َوال َّز ْيتُونَ َوالنَّ ِخي َل َو ْاْلَ ْعنَ َ
تُ ِ
لِقَ ْو ٍم يَتَفَ َّك ُرونَ ). 2
و ورد ذكر الماء في القران الكريم ضمن خمسمائة اية ،توضح معانيه وأنواعه ومجاريه
واستخداماته المتعددة ،فمثال وردت كلمة " ماء " ثالثا وستين مرة ،وكلمة " نهر" و
"أنهار " وردتا اثنتين وخمسين مرة ،وكذلك وردت كلمات مثل " العيون " و " الينابيع "
والمطر " و " البرد " و الغيوم و " الرياح " عشرات المرات في القران الكريم ،إلى جانب
مئات األحاديث النبوية الشريفة التي اشتملت على توجيهات قيمة في كيفية التعامل مع المياه
و المحافظة عليها و ترشيد استخدامها و االفادة منها.
ويرتبط الماء بالبيئة ارتباطا وثيقا في اغلب سياقات وروده في آيات القرآن الكريم والسنة
النبوية الشريفة.3
1
سورة ق االية 9
2
سورة االعراف االية 05
3
3
وتحفل مصادر الفقه اإلسالمي بكثير من التفاصيل المتعلقة بتنظيم المياه ،وتطهيرها
والتطهر بها ،وترتيب إجراءات سقي النبات والحيوان ،والطير ،ناهيك عن اإلنسان ،مع
مراعاة االعتبارات البيئية والمحافظة عليها في جميع األحوال.
وتوسعت اجتهادات الفقهاء في مسائل المياه على مر الزمن ،وفي مختلف المجتمعات
اإلسالمية وكلما بحثنا في صفحات الترات اإلسالمي ،أوفي تجارب أمم الحضارة
اإلسالمية وشعوبها ،وجدنا رصيدا هائال من األدب والقواعد التي تنظم مرفق الماء ،
وتوضح كيفية إدارته :جلبا ،وتنقيبا وتخزينا وتوزيعا ،وحفظا ،وتنمية لمصادره .
ويلفت النظر ان الفقهاء كانوا يراعون في اجتهاداتهم ما نسميه بلغتنا المعاصرة مبدأ
االستدامة في كل تصرف من التصرفات التي تجري على استعمال الماء .
وبفضل التوجيهات الواردة في القرآن العظيم ،وفي أحاديث النبي الكريم وبما للماء من
أهمية حيوية ،اهتم به العلماء والفقهاء في اجتهاداتهم ،والمفتين في فتاويهم ،والقضاة في
أحكامهم ،وعامة الناس وخاصتهم في تصرفاتهم واستعمالهم للماء في مختلف مناحي
حياتهم .
لم يتفق الفقهاء المسلمون على رأي واحد و هم يتناولون طبيعية حقوق المياه هل في عامة
أو خاصة أو جماعية ؟
ألهمية الماء قررت أحكام الشريعة اإلسالمية أن ملكية الماء من حيث األصل يجب أن
تكون عامة ،وأن يكون حق االنتفاع به لكل الناس دون تمييز بينهم ،وحرمت الشريعة
االسالمية احتكار الماء ضمن تحريمها االحتكار عامة – و نهت عن افساده ،وقيدت
التصرف فيه بالبيع والشراء ؛ وذلك عمال بقول الرسول صلى هللا عليه و سلم ( :الناس
شركاء في ثالث :الماء ،و الكأل ،والنار) .وصنف الفقهاء مرفق المياه من المرافق
العامة التي يجب أن تنهض بها الدولة من حيث حمايتها وتوفيرها وتنميتها وتوزيعها توزيعا
عادال ،علی آن يشاركها في القيام بهذه المهمات أبناء المجتمع ،والميسورين منهم خاصة ؛
اما بدعم ميزانية هذا المرفق ،أو مباشرة في توفير الماء وفق نظام األسيلة ،أوالصهاريج
أو القنوات أو االبار الموقوفة لوجه هللا تعالى لتيسير الحصول عليه للدين يحتاجونه حيثما
كانو.4
بينما يذهب رأي ثاني بأن ملكية المياه خاصة و لو في حدود معينة فقط استنادا لحديث
الرسول صلى هللا عليه و سلم الذي نهى عن بيع فضل الماء حتى ال يمتنع بذلك الكأل ،و
4
ابي الوليد محمد بن احمد بن راشد القطبي االندلسي،بداية المجتهد و نهاية المقتصد دار الفكر للطباعة ص 121
4
هذا ما يؤكده صاحب فتح الباري حيث يقول ..." :قال ابن بطل ال خالف بين العلماء أن
صاحب الماء أحق بمائه حتى يروي.
قلت :و ما نفاه من خالف هو على القول أن الماء يملك .و كان الدين ذهبوا الى أنه يملك و
هم الجمهور مع الذين ال خالف عندهم في ذلك.5
أما الفريق الثالث و هو رأي الجمهور و االغلبية أجاز أن تخضع المياه للملكية ما دامت
أصول الفقه االسالمي تحرم أخد مال المسلم بدون رضاه و ما دام الصحابة و العلماء
أجمعوا على ذلك.6
أما فيما يتعلق بالفقه المالكي ،وهو الفقه المعتمد في المملكة المغربية ،فهو يأخد بالرأي
األخير إذ قسم ملكية الماء إلى ملكية فردية او خاصة ،وملكية عامة.
فالملكية الخاصة تخضع لقواعد وأصول حق الملكية ،بصورة عامة فهي تنتقل باإلرث
والوصية وكل التصرفات الناقلة لها ،وتخضع لالكتساب عن طريق التقادم ويحق لصاحبها
استعمالها بكل حرية بشرط أال يسيء استعمالها وأال يضر بحقوق األغيار .أما الملكية
العامة وهي التي يكون محلها األنهار واألودية والعيون فال تخضع للتملك وال تكتسب وال
تسقط بالتقادم ،وهي تعود لملك الدولة التي تشرف على تنظيمها وتوزيعها و تدبيرها.
سوف نتطرق في هذا المطلب لنظام الوقف و إدارة المياه في الفقه االسالمي (الفقرة
االولى) فيما نعرض في (الفقرة الثانية) لمنازعات الماء في الفقه االسالمي .
من الصعب أن نجد عنصرا فوق سطح األرض يفوق في أهميته وضرورته البيولوجية
عنصر المياه إذ بدونه تنعدم الحياة وبوجوده تنمو وتزدهر ،فالماء يشكل % 95من وزن
بعض الكائنات الحية ،يشكل أكثر من % 15من وزن جسم االنسان .
لذلك فإن اإلنسان ال يستطيع العيش بصحة جيدة من دون ماء أكثر من يوم واحد ،7فهذه
المادة العجيبة في الكونمن أعظم العناصر وأجلها ،وبرزت أهمية عنصر الماء عند
5
احمد بن علي بن حجر فتح الباري شرح االمام ابي عبد هللا ابن اسماعيل البخاري المجلد الخامس دار الفكر ص29
6
ابي الوليد محمد بن احمد بن راشد القطبي االندلسي،م س ص 121
7
عبد الدائم الكحيل دورة الماء بين العلم واإليمان ( www.kaheel7.comالدماغ البشري يحوي % 05من وزنه ماءً ،الرئتان تحويان نسبة
95بالمئة ماء ،ونسبة الماء في الدم )% 33
0
المسلمين انطالقا مما أكده هللا تعالى في آياته الكريمة عن أهمية هذا العنصر الذي يمثل
ون " ، 8كما أبرز هللا أصل الحياة لقوله تعالى َ " :و َج َع ْل َنا مِنْ ْال َما ِء ُكل َشيْ ء َحي أَ َفال ي ُْؤ ِم ُن َ
تعالى أهمية الماء في عمارة األرض بقوله تعالى َ " :وأَحْ َي ْي َنا ِب ِه َب ْل َد ًة َم ْي ًتا كذلك الخروج ". 9
نز َل هللا ُ مِنْ الس َما ِء مِنْ َماء َفأَحْ َيا ِب ِه األَرْ َ
ض َبعْ َد َم ْو ِت َها " ،10والماء وقوله تعالى" :و ما أَ َ
عصب الحياة ،وعامل أساسي لنشوء الحضارات و الحواضر القديمة ،كما أنه عامل من
عوامل انتهائها في حالة ندرته وانعدامه.
وأمام أهمية الماء في الحياة على األرض ،شرع االسالم الوقف المائي وجعله وسيلة يتقرب
بها المسلم إلى ربه ،ففي الحديث الشريف أن الرسول صلى هللا عليه وسلم قال" :إن مما
يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما ً نشره وولداً صالحا ً تركه ،ومصحفا ً ورّثه،
ومسجداً بناه ،أو بيتا ً البن السبيل بناه أو نهراً أجراه ،أو صدقة أخرجها من ماله في صحته
وحياته ،تلحقه من بعد موته " رواه ابن ماجه وحسنه األلباني.
و قد أوقف علي بن أبي طالب رضي هللا عنه عيونا ً من الماء في ينبع .كما أوقف ضيعتين
تسمى إحداهما عين أبي نيزر والثانية تسمى البغيبة ،وجاء في وقفها " :بسم هللا الرحمن
الرحيم هذا ما تصدق به عبد هللا علي أمير المؤمنين ،تصدق بالضيعتين المعروفتين بعين
أبي نيرز والبغيبة على فقراء المدينة وابن السبيل ليقي هللا بهما وجهه حر النار يوم القيامة،
ال تباعا وال تورثا ،حتى يرث هللا األرض وهو خير الوارثين ،إال أن يحتاج إليهما الحسن
أو الحسين فهما طلق لهما وليس ألحد غيرهما"...
وروى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي هللا عنه قال :كان أبو طلحة أكثر أنصاري
بالمدينة نخالً .وكان أحب أمواله إليه بيرحاً ،وكانت مستقبلة المسجد ،وكان النبي صلى هللا
عليه وسلم يدخلها ليشرب من ماء فيها طيب ،فلما نزلت هذه اآلية قال أبو طلحة :يا رسول
هللا إن هللا يقول تعالى ":لَن َت َنالُو ْا ْال ِبر َحتى ُتن ِفقُو ْا مِما ُت ِحب َ
ُّون " ،11وإن أحب أموالي إليّ
بيرحاء ،وإنها صدقة هلل أرجو برّها وذخرها عند هللا ،فضعها يا رسول هللا حيث أراك هللا،
فقال رسول هللا صلى هللا عليه و سلم " بخ ذلك مال رابح ،ذلك مال رابح ،وقد سمعت ما
9
سورة ق :من اآلية .11
10
سورة البقرة :من اآلية 113
11
سورة آل عمران آية 91
1
قلت ،وإني أرى أن تجعلها في األقربين " ،فقال أبو طلحة " :أفعل ذلك يا رسول هللا"،
فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.
والوقف المائي انطالقا من إجماع الصحابة الكرام رضي هللا عنهم هو صدقة جارية يقفها
المرء ويسبّلها في حياته لوجوه الخير والبر ،فيستمر أجرها مادامت باقية .وفي هذا عظيم
المنفعة للواقف بإجراء حسنات له في حياته وبعد مماته ،لما في ذلك من فضائل الوقف
النافعة التي تعم كافة المسلمين .
ويجوز وقف كل ما جاز بيعه وجاز االنتفاع به من الماء مع بقاء عينه ،سواء كان ثابتا
كالعيون واألنهار الصغرى و اآلبار والخطارات و السواقي ...أو منقوال كالسقايات
والقرب و البرادات ...
لقد كانت هذه المادة الحيوية كغيرها من المجاالت األخرى ذات األهمية الكبرى تعرف
مجموعة من المشاكل ،األمر الذي تتولد عنه نزاعات بين المستفيدين .
لذلك و من أجل ضمان التوزيع العادل لهذه المادة الحيوية بين المسلمين تم إحداث ما عرف
في التاريخ اإلسالمي باسم " محكمة المياه "، 12مهمتها النظر في المنازعات التي تنشب
بسبب المياه بين المستفيدين منها .
وكان أول ظهور لهذه المحكمة في مدينة بلنسية باألندلس في عهد عبد الرحمن الناصر سنة
313ه وال تزال آثارها باقية إلى اليوم .
كانت لوائح تلك المحكمة تنص أن القاضي يجب أن يتوجه -في ذلك الزمن -إلى المحكمة
كل يوم خميس من الساعة العاشرة إلى الساعة الحادية عشرة صباحا ،لكي يستمع مع باقي
القضاة إلى مظالم السقاة ،ويحضر اجتماع الحراس الموكول اليهم حراسة السواقي .
وتنتخب هيئة محكمة المياه من بين القضاة ( الرئيس ونائب الرئيس واألعضاء ) بالتصويت
،وتدور مناقشاتها علنا .
وإضافة إلى اختصاص المحكمة في الفصل في المنازعات المائية ،تختص أيضا في
تحصيل الغرامات ،واإلشراف على تنفيذ ما يصدر عنها من أحكام وتحفل سجالت المحاكم
الشرعية -في مختلف البلدان العربية واإلسالمية -بكثير من قضايا المياه التي تنم عن
12محكمة المياة في بلنسية هي لجنة تحكيم الري مسؤولة عن تسوية النزاعات على مياه الري بين المزارعين ،التي لها
اختصاص المحكمة ،وفي سبتمبر ،9002أدرجتها منظمة اليونيسكو ضمن أهم المعالم التراثية التي يجب الحفاظ عليها .
تأسست من عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين هللا عام ، 960وكانت تعقد كل يوم خميس.
0
خبرة واسعة في هذا المجال ،لذلك من المهم جدا لن يتوفر الباحثون لدراستها واإلفادة منها
في استنباط حلول لمشكالت المياه في عصرنا الراهن.
من أهم المسائل التي عالجها العرف و أحاطها مند القدم بتقنين عرفي دقيق مسألة الماء ،لذا
ارتأينا دراسة األحكام العرفية لتوزيع الماء في المغرب (المطلب األول) على أن نتناول
دراسة تطبيقية لهذه األحكام العرفية من خالل دراسة نموذجية لبعض المناطق في المغرب
( المطلب الثاني ) .
لدراسة األحكام العرفية ارتأينا التطرق إلى تعريف العرف المائي ( الفقرة األولى) و بيان
بعض األنظمة العرفية لتوزيع الماء ( الفقرة الثانية )
العرف لغة :ضد النكر وهو يعني االمر بالمعروف غير المجهول وقد ورد بمعني الجزء
المرتفع من الشيء فيقال عرف الجبل وعرف الفرس.
والعرف في اصطالح الفقه :هو ما اعتاد الناس عليه وألفوه من قول أو عمل.
وعرفه اإلمام الغزالي بقوله :العرف ما استقر في النفوس منهجه العقول وتلقته الطباع
بالقبول.
و من الناحية القانونية فإن العرف مصدر من مصادر القانون وهو عبارة عن قواعد لم
تفرضها السلطة التشريعية إال انها ناتجة عن ممارسة عامة وطويلة في المجتمع والعرف ال
يزال له المركز االول في بعض المجتمعات كالبدو وسكان الصحاري .
وللعرف مركزه وقوته في بعض المجاالت مثل مجال التجارة حيث تسود اعراف متعدد
تحكم التعامل التجاري بنوع خاص وفي القانون الدولى العام يعتبر العرف المصدر االول
وكذلك يعتبر احد مصادر القانون الدولى الخاص.
وكذلك نفس األمر بالنسبة للماء فال يمكن الحديث عن توزيع الماء في المغرب بعيدا عن
األعراف المائية .و يقصد بهذه األخيرة مجموعة من القواعد و اإلجراءات التي يتبعها
سكان منطقة ما من أجل تنظيم عملية االستفادة من الماء ،و تختلف هذه القواعد باختالف
كل منطقة .بحيث تنفرد كل منطقة بسياستها العرفية في توزيع الماء.
3
الفقرة الثانية :بعض األنظمة العرفية لتوزيع الماء و وحدات قياسه
أما بسهول السراغنة فإن األمر سيان ،حيث يتم اعتماد النوبة كدورة سقوية بين
المستفيدين ،واعتمد "العظم" کوحدة أساسية تمثل السالالت ذات القرابة الواحدة.
والمالحظ هو كون هذا العرف تعتريه عدة مشاكل وسلبيات وذالك راجع باألساس إلى
مجموعة من العوامل كبيع و شراء نصيب العائالت األصلية لحقوقها في الماء ،وهو ما
كان ممنوعا بل مجرما في الماضي ،ففي سهل سوس بمنطقة ماسة يعتبر كراء نوبة الماء
ذنبا كبيرا يتم على أساسه تغريم المكري و المكتري غرامة 155مثقال و ضيافة
اإلنفالس.15
13تقع مضايق تودغى في جهة سوس ماسة درعة في منطقة ورزازات بعد المرور على قلعة مكونة ،ثم بومالن لتصل إلى تنغير،
وهي واحة كبيرة تمتد على حوالي 35متر ،وكانت تنغير قديما تسمى تدغى
14
أحمد مهدان الماء و التنظيم االجتماعي دراسة سوسيولوجية ألشكال التدبير االجتماعي للسقي بواحة تدغى طباعة و نشر سوس اكادير 2512
ص 39
15
اإلنفالس هم عرفاء و أعيان القبيلة و هم بمثابة قضاة .و من أهم مهامهم الفصل في شؤون المياه و يعرفون في بعض الواحات بإنرزاف
9
نفس األمر نرصده بالسهل ،األمر الذي يساعد على الحفاظ على استقاللية التصرف في
الماء لكل جماعة بشرية بعيدا عن الغرباء .بل إن األراضي تباع بدون حصة الماء ،لكن في
إطار تراكم بيع األراضي دون حصصها من الماء أدى بالبائعين إلى كراء نوباتهم إلى
غرباء عن المجال البشري القاطنين به ،هؤالء و في ضل امتالكم لألراضي دون حصص
الماء اضطروا إلى عادات سيئة كسرقة مياه السواقي.
)0نظام جماعة :
في نظام جماعة يعد المجتمع الريفي ،سواء داخل السهل أو الواحة ،وحدة اجتماعية
متضامنة تحافظ على تقاليده العريقة و أعرافه المالئمة لبيئته ،والتي تنظم حياته و عالقاته
سواء داخل مجاله الضيق أو في عالقته بالمجاالت المجاورة له ،وباعتبار القرية المغربية
داخل هادين المجالين تعتمد على الفالحة كنشاط اقتصادي أساسي فإن األمر يتطلب تضامن
كافة الجهود من أجل القيام بمجموعة من األعمال السقوية كحفر اآلبار والخطارات أو
إنشاء السدود الصغيرة "أكوك " وشق السواقي والقنوات ،و هي أعمال بدون شك تحتاج
إلى وحدة تنظيمية ذات سلطة معنوية قادرة على تسيير كل هذه المهام بشكل متوازن .
وفي هذا اإلطار وجد نظام "الجماعة " يعتبر نظام الجماعة تنظيم اجتماعي عريق
بالمغرب يمتاز بشمولية التدبير للشؤون القروية بالخصوص ،وتمتاز داخل الواحة بترأسها
لتدبير شؤون المياه حيث تتكلف بتعيين مراقبين لتوزيع المياه كما تتكلف ببناء واستصالح
المنشآت المائية والمحافظة عليها وعقد مجالس الصلح النزعات والصراعات الناشبة حول
الماء ،و الجماعة هنا قد تكون خاصة بقبيلة معينة و قد تكون تجمع لمجموعة من الجماعات
إذا كان األمر يتعلق بالشأن المائي بين عدة قبائل.
ثانيا :الوحدات العرفية لقياس توزيع الماء
تتعدد األعراف حول اعتماد المعايير التي يتم بناءا عليها توزيع الماء على األفراد و يمكن
تحديد هذه المعايير في معيارين :األول يعتمد على العنصر الزمني و الثاني يعتمد على
العنصر الكمي .و بهذا تكون وحدات توزيع الماء العرفية وحدات قياس زمنية و وحدات
قياس كمية .
)2وحدات القياس الزمني
داخل وحدات القياس الزمني نجد نوعين آلة التناست أو الساعة المائية و آلة العالم أو
الساعة الشمسية.
آلة التناست أو الساعة المائية :و هي طريقة يتم من خاللها االعتماد على طاسة نحاسية
تسمى تناست أو طاس أو تطاست ،و هي عبارة عن إناء نحاسي على شكل نصف دائرة
15
به ثقب باسفله مدعم حتى ال يتسع مع كثرة االستعمال .يوضع هذا االناء في سطل مملوء
بالماء أو صهريج صغير أو خابية مليئة بالماء لينفذ الماء إلى اإلناء عبر الثقب و عند
امتالئه تماما يغوص إلى القعر مسجال بذلك وحدة قياس اساسية يطلق عليها اسم "الخروبة"
و يستغرق امتالئه 40دقيقة .16و بداخل الخروبة دوائر أو عالمات محسوبة بدقة و كل
جزء منها يؤشر إلى جزء من أجزاء الخروبة ،فهناك نصف خروبة و الثلث و الربع و
الخمس و السدس و الثمن لتستجيب لمقدار ما يملكه كل مالك من نصيب أو أنصبة من
الماء .
آلة العالم :العالم هي الة لتقسيم المياه في النهار حيث انها تعتمد لتحديد وحدات القياس
على الظل وتتخد هذه االلة شكل جدار يبني عادة بواسطة التراب المدكوك وليس لهذا
األخير مقاسات محددة حيث يتراوح طوله بين مترين ونصف إلى ثالثة أمتار وارتفاعه
حوالي مترين وسمكه حوالي 15سنتيمتر ،هذه المقاسات ليست ثابتة " إذ يمكن تصغير
حجمه وفي منتصف السطح األعلى الجدار يتم تثبيت حجر بارز بمقدار شبر " أي بحوالي
25سنتمتر بشكل أعلى قمة مميزة للظل لمتابعة خط الظل بواسطته.
و يعزز سطح الجدار األعلى بواسطة األسمنت وقاية له من عوامل التعرية حتى يضل
مقياسا تابتا ال يتغير ارتفاعه .و يزود هذا الجدار بعالمات للقياس ترسم على سطح
األرض في الساحتين المتجهين نحو الشرق و نحو الغرب ،وعلى تلك المساحات يتحرك
الظل ،قبل الزوال و بعده .يتبع في ذلك تدرج خاص ،تتقارب فيه هذه العالمات وقع
االقتراب من الجدار ،و تتباعد اتناء االبتعاد عنه ،و ذلك تبعا لزاوية ميل الظل و إستطالته
كلما اقتربت الشمس من خط الزوال يقصر الظل بالتدريج ،كلما تحوللت عن هذا الخط يبدا
الظل في االستطالة ،و ترسم العالمات المذكورة بواسطة صف متراص من الحجارة ذات
سمك رقيق منغرزة في سطح األرض تكون خطوط متوازية لطول الجدار ،يتناقل إليها او
عنها الظل في واجهتي هذا بالتعاقب ،خالل ساعات النهار ،تسمى تيفاكيس " أو تيناكيش :
أي عوارض وهي عالمات ثابتة ،تضاف إليها عند اللزوم عالمات متغيرة موازية لها
بشكل غابر على وجه التربة لالستعانة بها في تحديد األجزاء المستحقة من قبل المستفيدين
من الماء.17
16
ادريس الضحاك الماء عالميا و وطنيا مؤسسة الذاكرة للدراسات و األبحاث عدد 1مطبعة االمنية الرباط 2513ص 30
17
ادريس الضحاك م س ص 31
11
)0وحدات القياس الكمي
يتم في هذه التقنية اعتماد اله تسمی تيزوكال مفردها " تزاكلولت" و هي عبارة عن بناء
على شكل مشط تمر بين اسنانه كميات المياه بمقاييس متفاوتة نحو األراضي المسقاة ،و
المسافات بين سن المشط تختلف سعة وضيقا لمرور كميات اكبر أو أصغر حسب مساحة
عقار كل مشترك في السقي من مجرى ماني ،و تفكيكيت هي خشبة بها ثقوب تسمح
بمرور الماء حسب حصة كل مستفيد و هي عبارة عن حواجز توضع في مجاري المياه ،و
تكون الثقوب التي يمر منها الماء كبيرة الحجم أو متوسطة أو صغيرة حسب مساحة
عقارات المشتركين في السقي من مجرى الماء .كما نجد طريقة أخر تسمي " أسقول "
وهي عبارة عن مقياس يصنع عادة من أغصان النخيل على شكل مسطرة مستقيمة طولها
يفوق عمق الماء في الصهريج ،و يقع تدريج جزء من تلك المسطرة مساوي لعمق المياه ،
وذلك تبعا للنظام الحسابي المتبع في عملية التقسيم ،و تشبه عالمات هذا التدرج المحدث
في أسقول العالمات التي تسمی تيفاكشين في المقياس المشار إليه في ألة العالم كما تقوم
بنفس الدور.
تتعدد االعراف المائية من منطقة إلى أخرى ،سنحاول في هذا المطلب االقتصار على
دراسة منطقتين سنتناول في الفقرة االولى منطقة فجيج (فكيك) و في الفقرة الثانية واحة
تدغى.
تعد واحة فكيك من بين المناطق التي الزالت تعتمد على األعراف في المجال المائي ،نظرا
لطبيعة الواحة وشكلها ،و تعد المياه الباطنية من أهم المصادر الرئيسية للماء عن طريق
تدفق مياه العيون .
و واحات فكيك كانت تعتمد الساعة المائية التي كان يتم احتسابها عن طريق تناست أو
طاس التي سبق وأن أشرنا إليها سابقا ،فكان يتم اعتماد الوحدة القياسية الطاس في هذه
العملية في فكيك حيث يتم احتسابها بنظام الخروبة ،قالخروية هي وحدة قياسية تتمثل في
تسرب الماء إلى الطاس إلى أن يمتلئ بالكامل و يغرق في السطل و تسمى وحدة قياسية
الخروبة التي يستغرق المتالئها 40دقيقة. 18
18
محمد امزيان استغالل الماء في الواحات نمودج فجيج (فكيك) منشور في مجلة الماء منشورات كلية العلوم االنسانية جامعة الحسن الثاني سلسلة
و ندوات و مناظرات رقم 11مطبعة المعاريف الجديدة سنة 1991ص 119
12
و يتم توزيع ماء الخطرات على جميع قصور واحة فكيك على مدة 10يوما و هو ما يشكل
دورة مائية كاملة تسمى بالدورة المائية الكبرى ،فيتمكن خالل هذه الدورة جميع سكان
القصور من االستفادة من السقي كل حسب نصيبه من الخطارة .
و يقسم السقي في واحة فكيك إلى نوبتين نوبة ليلية ونوبة نهارية مدة كل نوبة هي 12
ساعة ،أما فيما يخص ملكية الماء في هذه المنطقة فإن الخروبة تكون ملكا خاصا للفرد
يمكنه ايقاع جميع التصرفات عليها ؛ إما بيعها أو رهنها او توريثها أو تفويتها ،وتختلف
أثمان الخراريب حسب صبيب الخطارة من قصر إلى آخر ،و تختلف كذلك حسب
الظروف االقتصادية و دورات األمطار و الجفاف و كما سبقت اإلشارة فإن النوبات التي
يمكن أن تكون ليلية أو نهارية و هذا يطرح إشكالية بالنسبة للنوبات الليلية حيث تكون
صعوبة الرؤية و برودة الطقس في أيام الشتاء مما يشكل عسرا للفالحين لالستفادة من
نواباتهم الليلية ،و لتفادي ذلك تم إنشاء صهاريج لتخزين مياه النوبات الليلية إلى حين
طلوع النهار ،و يتم بناء هذا الصهريج من طرف الفالحين باتفاق فيما بينهم في أرض
أحدهم ،ويمكن لمن يرغب في تخزين ماءه في الصهريج أن يدفع مقابل ذلك 0دقائق من
الماء عن كل خروبة يريد مالكها إفراغها في الصهريج إلى حين وقت الحاجة إليها .19
ويسهر على توزيع الماء في واحة فكيك شخص يكلف يسمى " بالسرايفي" ويتم تعينه من
قبل الجماعة ،وهو يسهر على عملية توزيع الماء على األفراد كل حسب نصيبه ،و يجب
أن يكون له علم بجميع عمليات التفويت أو الكراء للخراريب المائية .ويتقاضى على عمله
هذا نوبة مائية كاملة في السنة تأخذ من ماء جماعة .
يعد النظام العرفي المبني على االستفادة من العالية إلى السافلة من أهم األعراف التي تم
اإلعتماد عليها في توزيع الماء في منطقة تودغی ،و ذلك راجع إلى أسباب عدة منها
استقرار سكان تودعي بأعلى الواحة و توفرها على عيون دائمة الجريان ،تم إعطاء
األولوية السقي لسكان العالية على حساب سكان السافلة.20
و باعتماد هذا المبدا فسكان تودغى تكون األسبقية في االستفادة ألصحاب العالية من
السافلة ،فمثال على ذلك فإن أول من يحصل على مياه "تيزكي" هم سكان القصور الممتدة
19
محمد امزيان م س ص 123 122 125
20
محمد أمزيان مرجع ساق ،ص 25او 122و 123د احمد مهنان ،الماء و التنظيم االجتماعي ،مالية طباعة و نشر سوس
أكادير ،سنة ، 2512م 10و 01
13
بين منبع هذا العين و قصر "أيت عش" اي العناصر التي تنتمي إلى " أيت ازدك " وكذا
مرابطي زاوية سيدي عبد العالي ،فسكان هذه القصور هم الذين لهم الحق أوال في وضع
سدودهم التحويلية على مجرى الواد ،و بعد تلبية حاجيات مكان قصور أقصى العالية من
مياه السقي يأتي دور سكان قصور " أيت سنان " للحصول على ما تستطيع سدودهم تحويله
من جريان الواد لسقي األراضي و بعدهم يأتي دور سكان قصور " إكرتان " هكذا إلى أخر
نقطة لجريان الماء .
ويتم اإلعتماد على نظام "العظم" لتوزيع الماء بين العائالت داخل قصور كل واحة.21
14
خاتمة
لقد لعب العرف دورا كبيرا مند القدم في تنظيم الماء و كيفية االستفادة
منه ،و ذلك تفاديا للحروب التي يمكن أن تنجم عن الماء ،وقد كان
لألعراف االسالمية تأثير كبير في تنظيم استعمال و استغالل الماء وذلك
استنادا لآليات القرآنية الكريمة و األحاديث النبوية الشريفة و أقوال
الصحابة والتابعين .
و إلى جانب ذلك نجد األعراف المغربية التي كان لها دور كبير في
تنظيم الماء سواء من حيث االستهالك أو السقي ،وقد امتدت األعراف
المغربية لتصل إلى دول المغرب العربي الجزائر و تونس ،و كذلك
وصلت إلى اسبانيا في عهد األندلس التي كانت توجد بها محكمة الماء و
هي أول محكمة في التاريخ لفض المنازعات المائية ،و األعراف
مازالت تشكل منطلق أساسي لحد اآلن في تدبير الماء الى جانب الطرق
العصرية المنظمة بشكل قانوني .
10
الفهرس
مقدمة 2.............................................................................................
المبحث األول :أحكام حقوق الماء في الفقه اإلسالمي 3........................................
المطلب األول :احکام حقوق الماء في الفقه اإلسالمي 3.....................................
الفقرة األولى :المياه في الفقه االسالمي3...................................................
الفقرة الثانية :طبيعة حقوق الماء في الفقه اإلسالمي4.....................................
المطلب الثاني :نظام الوقف المائي و منازعات الماء في الفقه االسالمي 0.................
الفقرة االولى :نظام الوقف و إدارة المياه في الفقه االسالمي0............................
الفقرة الثانية :منازعات الماء في الفقه االسالمي0.........................................
المبحث الثاني :األحكام العرفية لتوزيع الماء في المغرب3....................................
المطلب األول :األحكام العرفية لتوزيع الماء في المغرب 3.................................
الفقرة األولى :العرف المائي 3...............................................................
الفقرة الثانية :بعض األنظمة العرفية لتوزيع الماء و وحدات قياسه 9....................
المطلب الثاني :نمادج لبعض االعراف المائية 12 ...........................................
الفقرة األولى :األعراف المائية في منطقة فجيج (فكيك) 12 ..............................
الفقرة الثانية :األعراف المائية لمنطقة تودغي 13 .........................................
خاتمة 10 ...........................................................................................
الفهرس 11 .........................................................................................
11