Professional Documents
Culture Documents
__ 1
جامع التفاسي
(مخترص)
تفسي القرطب
القرطب -شمس الدين محمد بن أحمد األنصاري القرطب
قوله تعاىل :فلوال كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إال قوم يونس لما آمنوا
كشفنا عنهم عذاب الخزي ف الحياة الدنيا
ومتعناهم إىل حي
وروي ف قصة قوم يونس عن جماعة من المفرسين :
أن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل وكانوا يعبدون األصنام ،
فأرسل هللا إليهم يونس عليه السالم يدعوهم إىل اإلسالم وترك ما هم
عليه فأبوا ; فقيل :إنه أقام يدعوهم تسع سني فيئس من إيمانهم ; فقيل
له :أخيهم أن العذاب مصبحهم إىل ثالث ففعل ،
وقالوا :هو رجل ال يكذب فارقبوه فإن أقام معكم وبي أظهركم فال عليكم ،
وإن ارتحل عنكم فهو نزول العذاب ال شك ; فلما كان الليل تزود يونس
وخرج عنهم فأصبحوا فلم يجدوه فتابوا ودعوا هللا ولبسوا المسوح وفرقوا
بي األمهات واألوالد من الناس والبهائم ،وردوا المظالم ف تلك الحالة
وقال ابن مسعود :وكان الرجل يأت الحجر قد وضع عليه أساس بنيانه
فيقتلعه فيده ; والعذاب منهم فيما روي عن ابن عباس عىل ثلب ميل
وروي عىل ميل
وعن ابن عباس أنهم غشيتهم ظلة وفيها حمرة فلم تزل تدنو حب وجدوا
حرها بي أكتافهم وقال ابن جبي :غشيهم العذاب كما ى
يغش الثوب القي ،
فلما صحت توبتهم رفع هللا عنهم العذاب وقال الطيي :خص قوم يونس
من بي سائر األمم بأن تيب عليهم بعد معاينة العذاب ; وذكر ذلك عن
جماعة من المفرسين
وقال الزجاج :إنهم لم يقع بهم العذاب ،وإنما رأوا العالمة الب تدل عىل
العذاب ،ولو رأوا عي العذاب لما نفعهم اإليمان قلت :قول الزجاج حسن
; فإن المعاينة الب ال تنفع التوبة معها ه التلبس بالعذاب كقصة فرعون ،
ولهذا جاء بقصة قوم يونس عىل أثر قصة فرعون ألنه آمن حي رأى
العذاب فلم ينفعه ذلك ،وقوم يونس تابوا قبل ذلك ويعضد هذا قوله
ى
الحرسجة ، عليه السالم :إن هللا يقبل توبة العبد ما لم يغرغر والغرغرة
وذلك هو حال التلبس بالموت ،وأما قبل ذلك فال وهللا أعلم
وقد روي معب ما قلناه عن ابن مسعود ،أن يونس لما وعدهم العذاب إىل
ثالثة أيام خرج عنهم فأصبحوا فلم يجدوه فتابوا وفرقوا بي األمهات
واألوالد ; وهذا يدل عىل أن توبتهم قبل رؤية عالمة
ويكون معب كشفنا عنهم عذاب الخزي أي العذاب الذي وعدهم به يونس
أنه ييل بهم ،ال أنهم رأوه عيانا وال مخايلة ; وعىل هذا ال إشكال وال تعارض
وال خصوص ،وهللا أعلم وبالجملة فكان أهل نينوى ف سابق العلم من
السعداء
وروي عن عىل رض هللا عنه أنه قال :إن الحذر ال يرد القدر ،وإن الدعاء
ليد القدر وذلك أن هللا تعاىل يقول :إال قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم
عذاب الخزي ف الحياة الدنيا
قال رض هللا عنه :وذلك يوم عاشوراء
قوله تعاىل ومتعناهم إىل حي قيل إىل أجلهم ،
قال السدي وقيل :إىل أن يصيوا إىل الجنة أو إىل النار ; قاله ابن عباس
َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ ٌ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ُ َ َّ َ ْ َ ُ ُ َ َ َّ َ ُ ْ
وا َك َش ْف َنا َع ْن ُهمْ { فلوال كانت قرية آمنت فنفعهآ ِإيمانها ِإال قوم يونس لمآ آمن
ٰ ُّ ْ َ َ َ َّ ْ َ ُ ْ َ َ ْ َ ْ ََ َ
ي} ي ِف ٱلحي ِاة ٱلدنيا ومتعناهم ِإىل ِح ن
ٱلخز ِ
عذاب ِ
يقول تعاىل ذكره :فهال كانت قرية آمنت وه كذلك فيما ذكر ف قراءة ّ
أت
ومعب الكالم :فما كانت قرية آمنت عند معاينتها العذاب ونزول سخط هللا
بها بعصيانها رب ها واستحقاقها عقابه ،فنفعها إيمانها ذلك ف ذلك الوقت،
غيه واستحقاقهكما لم ينفع فرعون إيمانه حي أدركه الغرق بعد تماديه ف ِّ
َ َّ َ ْ َ ُ ُ
سخط هللا بمعصيته { إال قوم يونس } فإنهم نفعهم إيمانهم بعد نزول
العقوبة وحلول السخط بهم فاستثب هللا قوم يونس من أهل القرى الذين
لم ينفعهم إيمانهم بعد نزول العذاب بساحتهم ،وأخرجهم منهم ،وأخي
خلقه أنه نفعهم إيمانهم خاصة من بي سائر األمم غيهم
نصب قوم يونس ألنهم أمة غي األمم الذين استثنوا منهم من غي جنسهم
وشكلهم وإن كانوا من بب آدم ،وهذا االستثناء الذي يسميه بعض أهل
العربية االستثناء المنقطع ولو كان قوم يونس بعض األمة الذين استثنوا
ً
منهم كان الكالم رفعا،
ولكنهم كما وصفت وبنحو الذي قلنا ف ذلك قال أهل التأويل.
ُ َ َ ْ ٌََْ ََ ْ َََ ْ ََ
عن ابن عباس ،قوله { :فلوال كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها } يقول :لم
تكن قرية آمنت فنفعها اإليمان إذا نزل بها بأس هللا ،إال قرية يونس
قال مجاهد :فلم تكن قرية آمنت فنفعها إيمانها
كما نفع قوم يونس إيمانهم إال قوم يونس
برس ،قال :ثنا يزيد ،قال :ثنا سعيد ،عن قتادة ،قوله: ى
َ َّ َ ُ َ َ ْ َّ َ ْ َ ُ ْ َ ْ ٌََْ ََ ْ َََ ْ ََ
{ فلوال كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إال قوم يونس لما آمنوا كشفنا
: ْ ُّ ْ َ َ َّ ْ ُ َ ْ َُْ ْ َ َ َ
ي } يقول لم يكن هذا ي ِف الحي ِاة الدنيا ومتعناهم إىل ِح ن الخز ِ
عنهم عذاب ِ
ف األمم قبلهم لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حي حرصها العذاب فيكت،
إال قوم يونس لما فقدوا نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم،
قذف هللا ف قلوب هم التوبة ولبسوا المسوح وألهوا بي كل بهيمة وولدها،
ّ
ثم عجوا إىل هللا أربعي ليلة
فلما عرف هللا الصدق من قلوب هم والتوبة والندامة عىل ما مض منهم،
كشف هللا عنهم العذاب بعد أن تدىل عليهم قال :وذكر لنا أن قوم يونس
كانوا بنينوى أرض الموصل .
ّ ّ َ َّ َ ْ َ ُ ُ
عن قتادة { :إال قوم يونس } قال :بلغنا أنهم خرجوا فيلوا عىل تل وفرقوا
بي كل بهيمة وولدها يدعون هللا أربعي ليلة ،حب تاب عليهم
عن ابن عباس :إن العذاب كان هبط عىل قوم يونس ،حب لم يكن بينهم
وبينه إال قدر ثلب ميل ،فلما دعوا كشف هللا عنهم
َّ َ ْ َ ُ ُ َ َ َّ َ ُ ُ َ ْ ٌََْ ََ ْ َََ ََ ْ ََ
عن مجاهد { :فلوال كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إال قوم يونس لما آمنوا
} قال :كما نفع قوم يونس زاد أبو حذيفة ف حديثه قال :لم تكن قرية آمنت
حي رأت العذاب فنفعها إيمانها ،إال قوم يونس متعناهم
عن الربيع بن أنس ،قال :ثنا رجل قد قرأ القرآن ف صدره ف إمارة عمر بن
ّ
الخطاب رض هللا عنه ،فحدث عن قوم يونس حي أنذر قومه فكذبوه،
فأخيهم أن العذاب يصيبهم ففارقهم ،فلما رأوا ذلك وغشيهم العذاب
َّ
لكنهم ،خرجوا من مساكنهم وصعدوا ف مكان رفيع ،وأنهم جأروا إىل رب هم
ُ
ودعوه مخلصي له الدين أن يكشف عنهم العذاب وأن يرجع إليهم
َّ ُ َ ْ ٌََْ ََ ْ َََ ََ ْ ََ
رسولهم قال :فف ذلك أنزل { :فلوال كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إال
ناهمُّْ ْ َ َ َّ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ ُ َ َ َّ َ ُ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ
الحياة الدنيا ومتع
ِ الخزي ِف
قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب ِ
حي } فلم تكن قرية غشيها العذاب ثم أمسك عنها إال قوم يونس إىل ً
ً ً
خاصة فلما رأى ذلك يونس ،لكنه ذهب عاتبا عىل ربه وانطلق مغاضبا
ّ
وظن أن لن نقدر عليه ،حب ركب ف سفينة فأصاب أهلها عاصف الري ح
فذكر قصة يونس وخيه .
فرقوا بي كل أنب وولدها من عن ابن أت نجيح ،قال :لما رأوا العذاب ييل ّ
ً
الناس واألنعام ،ثم قاموا جميعا فدعوا هللا وأخلصوا إيمانهم،
فرأوا العذاب يكشف عنهم
َ
قال يونس حي كشف عنهم العذاب :أرجع إليهم وقد كذبتهم؟
وكان يونس قد وعدهم العذاب بصبح ثالثة،
فعند ذلك خرج مغضبا وساء ظنه حدثب الحرث،
عن سعيد بن جبي ،قال :لما أرسل يونس إىل قومه يدعوهم إىل اإلسالم
وترك ما هم عليه ،قال :فدعاهم فأبوا ،فقيل له :أخيهم أن العذاب
نجرب عليه كذبا فانظروا ،فإن بات فيكم فليس ِّ
مصبحهم فقالوا :إنا لم ّ
بشء وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم فلما كان ف جوف الليل ى
ً
أخذ مخالته في ّود فيها شيئا ،ثم خرج فلما أصبحوا تغشاهم العذاب كما
ففرقوا بي اإلنسان وولده وبي البهيمةيتغش اإلنسان الثوب ف القيّ ،
ى
ّ
وولدها ،ثم عجوا إىل هللا ،فقالوا :آمنا بما جاء به يونس وصدقنا فكشف
ً
شيئا ،قالّ :
جربوا عىلّ هللا عنهم العذاب ،فخرج يونس ينظر العذاب فلم ير
ً
كذبا فذهب مغاضبا لربه حب أت البحر
ثنا ابن مسعود ،قال :إن يونس عليه السالم كان قد وعد قومه العذاب
ففرقوا بي ّ
كل والدة وولدها ،ثم خرجوا وأخيهم أنه يأتيهم إىل ثالثة أيامّ ،
ّ
فكف عنهم العذاب ،وغدا يونس ينظر العذاب فجأروا إىل هللا واستغفروه
ً ُ ّ ً
فلم ير شيئا ،وكان من كذب ولم تكن له بينة قتل فانطلق مغاضبا .
غش قوم يونس العذاب مشوا إىل شيخ من عن أت الجلد جيالن قال :لما ى
بقية علمائهم ،فقالوا له :إنه قد نزل بنا العذاب فما ترى؟ فقال :قولوا يا ّ
ح
ح مح الموت ،ويا ّ
ح ال إله إال أنت ح ،ويا ّ حي ال ّ
ِّ
فكشف عنهم العذاب ومتعوا إىل حي.
وإىل لقاء ف الجزء الثات
نلتف ف سالمة وخي
إعداد :قدرى جاد
2022/5/22
الهرم