‫التعليم والنمو العقلي في المرحلة المدرسية‬

‫ميكن‪ ،‬بك ل بس اطة‪ ،‬جتمي ع أهم النظري ات املقرتح ة حلد اآلن يف ش أن العالق ة بني منو الطف ل والتعلم‪ ،‬يف ثالث ة أص ناف‬
‫أساسية سنقوم بفحصها لكي حندد مفاهيمها األساس‪.‬‬
‫وينبين الصنف األول على افرتاض‪/‬مسلمة استقاللية سريورة النمو وسريورة التعلم عن بعضهما البعض‪ .‬فالتعلم‪ ،‬حسب‬
‫نظريات هذا الصنف‪ ،‬سريورة خارجية موازية إىل حد ما لسريورة منو الطفل‪ ،‬ولكنه ال يساهم فيه بفعالية وال يغريه حقا‪.‬‬
‫يستثمر التعلم نتائج النمو بدال من أن يستبق مساره أو يغري اجتاهه‪ .‬ويعترب بياجي املثال النموذجي هلذا التصور جد املعقد واهلام‬
‫إذ تناول منو التفكري عند األطفال بشكل منفصل متاما عن سريورة التعلم [‪]...‬‬
‫واض ح أن ه ذه النظري ة تص ادر على اس تقاللية كامل ة لك ل من س ريورة النم و وس ريورة التعلم‪ ،‬وتص وغ انطالق ا من ه ذا‬
‫فرضية الفصل التام بني السريورتني يف الزمن‪ .‬وينبغي أن يصل النمو طورا معينا وتصل بعض الوظائف الفكرية مستوى النضج‬
‫قبل أن تشرع املدرسة يف تدريس املفاهيم والعادات للطفل‪ .‬فالتعلم يعقب النمو دائما‪.‬‬
‫ويستند الصنف الثاين على أطروحة مناقضة تؤكد أن التعلم هو النمو[‪ ]...‬يبدو هذا التصور للوهلة األوىل متقدما عن‬
‫سابقه (املؤسس على الفصل التام بني السريورتني) ألنه خيص التدريس باألولوية يف منو الطف ل‪ .‬لكن حتليال أكثر عمقا لهذا‬
‫الصنف الثاين يكشف بأن للصنفني‪ ،‬وعلى الرغم من التناقضات الظاهرة بينهما‪ ،‬كثريا من املفاهيم األساسية املشرتكة بل إهنما‬
‫يلتقيان يف كثري من النقط‪]...[ .‬‬
‫وتوجد جمموعة ثالثة من النظريات تتصف بعزمها على جتاوز احللني املغاليني وذلك بإجراء تركيب بينهما‪ .‬فهي ُتصور من‬
‫جهة سريورة النمو على أهنا مستقلة عن سريورة التعلم‪ ،‬ولكن من جهة أخرى يُنظر إىل هذا التعلم ذاته‪ ،‬حيث يكتسب الطفل‬
‫مجلة من السلوكات‪ ،‬على أنه مطابق للنمو[‪ ]...‬وتعترب نظرية كوفكا مثاال جيدا حيث يعترب منو الطفل بالنسبة هلذه النظرية‬
‫موسوما بسريورتني من طبيعتني خمتلفتني ويشرط كل منهما اآلخر على الرغم من ارتباطهما‪.‬‬
‫من جهة جند النضج الذي يتوقف على منو اجلهاز العصيب‪ ،‬ومن جهة أخرى التعلم الذي يعد هو ذاته سريورة للنمو‪.‬‬
‫متكننا احللول‪/‬األصناف الثالثة‪ ،‬اليت هتمنا واليت عرضناها بنوع من التجرد إزاءها‪ ،‬من اقرتاح حل رابع أكثر دقة‪/‬وضوحا‪.‬‬
‫ن رى ب أن التعلم يب دأ يف ص يغه األولي ة قب ل التعلم املدرس ي‪ ،‬ف األخري ال ينطل ق أب دا من ص فحة بيض اء‪ّ ،‬إذ لك ل تعلم ت اريخ‬
‫سابق[‪]...‬‬
‫ب دهي أن س ريورة اكتس اب التعلم قب ل التح اق الطف ل باملدرس ة ختتل ف متام ا عن اكتس اب معطي ات خمتل ف العل وم يف‬
‫املدرسة‪ .‬على أنه حينما حياول الطفل‪ ،‬عرب األسئلة اليت يطرحها‪ ،‬تعرف أمساء األشياء‪/‬املوضوعات اليت حتيط به يكون قد أُدمج‬
‫يف مسار‬
‫تعلمي خ اص‪ .‬ال ي دخل التعلم والنم و يف متاس‪/‬اتص ال ألول م رة يف املرحل ة املدرس ية ب ل يرتبط ان ببعض هما البعض من ذ‬
‫األيام األوىل من حياة الطفل‪ .‬والسؤال الذي ينبغي أن نطرحه يشكل هبذا صعوبة مزدوجة ويتفرع إىل سؤالني‪.‬‬
‫ينبغي علين ا أوال أن نفهم العالق ة املوج ودة عموم ا بني النم و والتعلم‪ ،‬مث بع د ذل ك حناول أن ن درك‪/‬نس توعب الص فات‬
‫اخلاصة هلذه العالقة يف املرحلة املدرسية‪ .‬ونفضل البدء بالسؤال الثاين ألنه ميكن من إضاءة السؤال األول‪ .‬ويبدو لإلجابة على‬
‫هذا السؤال أنه من الضروري استعراض نتائج بعض األحباث اليت تكتسي يف نظرنا داللة أساسية يف حل إشكاليتنا‪ ،‬واليت يرجع‬
‫هلا الفضل يف إبراز مفهوم علمي جديد‪ ،‬ويتعلق األمر نطاق النمو املمكن‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫لقد ركزنا االهتمام مؤخرا على أنه لتحديد العالقة الفعلية بني النمو والتعلم ال يكفي حتديد مستوى النمو فحسب بل‬
‫ينبغي حتديد مستويني يف النمو على األقل‪ ،‬وإال فإننا لن نوفق يف الوصول إىل العالقة بني النمو وإمكانية التعلم‪ .‬نسمي املستوى‬
‫األول النمو احلايل للطفل وهو يطابق مستوى النمو الذي تبلغه الوظائف النفسية للطفل‪ ،‬وهو الذي نعين حينما حندد العمر‬
‫العقلي لطف ل م ا بواس طة الروائ ز‪ .‬لكن ه ذا املس توى من منو الطف ل ال يُمَكن‪ ،‬كم ا بينت التجرب ة‪ ،‬من حتدي د منو طف ل م ا يف‬
‫وقت ما بشكل تام‪.‬‬
‫لنتصور أننا أخضعنا طفلني الختبار وبأننا حددنا عمرمها العقلي يف ‪ 7‬سنوات‪ ،‬فهذا يعين أن الطفلني قادران على القيام‬
‫مبه ام يف مس توى أطف ال من نفس الس ن‪ .‬ولكن إذا حاولن ا أن خنض عهم لروائ ز‪/‬اختب ارات أخ رى ‪ ،‬فق د يظه ر اختالف كب ري‬
‫بينهما‪ .‬وميكن ألحدهم‪ ،‬بفضل األسئلة املطروحة واألمثلة‪ ،‬النجاح بسهولة يف اختبارات هي من مستوى تالميذ أكرب بسنتني‪،‬‬
‫أم ا اآلخ ر فإن ه‪ ،‬على العكس‪ ،‬لن ينجح س وى يف اختب ار يتج اوزه بس تة أش هر‪ .‬نص ادف هن ا معطي ات متكن من حتدي د نط اق‬
‫النمو املمكن‪.‬‬

‫‪Vygotsky aujourd’hui, 1985‬‬

‫‪2‬‬