You are on page 1of 34

‫األسقف كاليستوس وير‬

‫قوة اسم يسوع‬


‫(صالة يسوع يف التقليد األرثوذكسي)‬

‫ترمجة‬

‫األب بولس يازجي‬

‫منشورات دير السيدة‪ -‬بلمانا ‪4991‬‬


‫كلمة واجبة‬

‫أشكر سيادة املطران يوحنا منصور اجلزيل االحرتام ميرتوبوليت الالذقية وتوابعها على تقدميه الكرمي هلذا‬
‫الكتاب‪.‬‬

‫واألم الرئيسة مكرينا ورهبانيتها يف دير السيدة العذارء – بلمانا على تكرمهم بإصدار هذا الكتاب‪.‬‬

‫واألستاذ باصيل بيطار الذي تكرم بتدقيق لغته العربية‪.‬‬

‫نبع حياةٍ ال ينضب‪ ،‬احلياة اليت نعطش مجيعاً إليها يف‬


‫وقبل الكل‪ ،‬أشكر الرب الذي وهبنا قديسيه َ‬
‫"أرضنا الربية غري املسلوكة وعادمة املاء" (مز ‪ ،)46:1‬القديسني الذين جبهاداهتم تركوا لنا هذا التقليد‬
‫وسر احلياة ومفتاحها‪.‬‬
‫احلي واحمليي حول الصالة فن الفنون ّ‬
‫ّ‬

‫المترجم‬
‫تقديم‬

‫أحد تالميذه‪ 6‬يا رب علّمنا أن نصلّي كما علَّم يوحنا أيضاً تالميذه‪.‬‬
‫الرب يصلّي وملا فرغ قال له ُ‬
‫كان ُّ‬
‫فقال هلم‪ 6‬مىت صلّيتم فقولوا‪" 6‬أبانا الذي يف السماوات" (مىت ‪4 ،4‬و‪ .)1‬الصالة علم وتدريب‪.‬‬

‫وكما علّمهم الرب بالكالم علّمهم أيضاً باملثال "صعد إىل اجلبل ليصلّي" "انفرد عنهم وابتدأ يصلّي"‪.‬‬

‫فلكي تصلّي عليك أوالً أن تسحب نفسك وعقلك من مشاكل العامل واهتماماته‪ .‬مث تستحضر احلضرة‬
‫فأنت واقف يف حضرة الثالوث الق ّدوس‪ ،‬وبعد ذلك اطلب خبشوع وحرارة الروح القدس "أيها امللك‬
‫اإلهلية َ‬
‫دنس‪" "...‬والروح القدس يشفع فينا ٍ‬
‫بأنات ال توصف"‪.‬‬ ‫وطهرنا من كل ٍ‬‫اسكن فينا ِّ‬
‫السماوي‪ ...‬هلّم و ْ‬
‫قال الرب يسوع‪" 6‬مىت صلّيت فادخل إىل خمدعك وأغلق بابك وصلّي إىل أبيك الذي يف اخلفاء‪ ،‬فأبوك‬
‫يفسرها اآلباء ادخل إىل قلبك‪،‬‬
‫الذي يرى يف اخلفاء جيازيك عالنيةً" (مىت ‪" .):،:‬ادخل إىل خمدعك" ّ‬
‫كل ٍ‬
‫دنس‪ ،‬انزع منه أوساخ األهواء كلها وامأله من احملبة‪ ،‬حىت‬ ‫طهره من ِّ‬
‫ولكي تستطيع أن تعود إىل قلبك ّ‬
‫ٍ‬
‫عندئذ جتد يف قلبك الفرح والسالم‪ .‬طهارة القلب تعطيك الفرح وتدفعك إىل الصالة‪.‬‬ ‫حمبة األعداء‪،‬‬
‫"م ْن حيبين حيبه أيب وإليه يأيت وعنده نصنع منزالً" يف القلب‬
‫القلب الطاهر هو هيكل للثالوث القدوس َ‬
‫احملب الطاهر جتد اهلل وتسجد له بالروح واحلق‪.‬‬
‫ّ‬
‫اخرت‬
‫أرضي وكل اهتمام عاملي‪ .‬يقول القديس كربيانوس‪" 6‬لكي تصلّي ْ‬
‫"أغلق بابك" أبعد عنك كل فكر ّ‬
‫أحبب األماكن املنفردة" ويتساءل الذهيب الفم‪" 6‬هل مينعنا الرب عن الصالة اجلماعية مع فخامتها؟‬
‫و ْ‬
‫فيقول‪ 6‬ال ميكن أن مينعها وهو الذي وعد بفاعلية الصالة اجلماعية ‪/‬إن اجتمع اثنان أو ثالثة أكون يف‬
‫وسطهم‪." /‬‬

‫الرب بقوله "ادخل إىل خمدعك وأغلق بابك" أراد أن يق ّدم الشروط احلقيقية للصالة اجلماعية‪ ،‬وعلّم‬
‫إن ّ‬
‫اإلنسان‪ ،‬الذي مل يكن إال الصالة اجلماعية الصالة يف اخلفاء‪ .‬اطلب العزلة أي عزلة النفس وليس‬
‫كنت ال تشتهي اجملد الدنيوي وال‬
‫أبعدت عنك االهتمامات الدنيوية‪ ،‬أو َ‬
‫َ‬ ‫أنت يف عز ٍلة وانفراد إ ْن‬
‫اجلسد‪َ .‬‬
‫ٍ‬
‫عندئذ تستطيع أن تكون يف‬ ‫كنت تنسى اإلهانات‪،‬‬
‫كنت تتجنب اخلصومات‪ ،‬إن َ‬
‫فخفخة العامل‪ ،‬إن َ‬
‫وحدةٍ حىت يف وسط اجلماهري‪.‬‬

‫وبره"‪ .‬اهلل يريد منا يف صلواتنا أن نطلبه هو ونطلب خرياته السماوية قبل كل‬
‫"اطلبوا أوالً ملكوت اهلل ّ‬
‫وجمده‪.‬‬
‫وصمت‪ .‬فاخلشوع يصنع من قلب اإلنسان هيكالً حياً هلل يسطع فيه نوره ُ‬ ‫ٍ‬ ‫شيء‪ .‬نطلبه خبشوع‬

‫ومدرباً‬
‫املطران كاليستوس وير وضع خرباته الروحية يف كتابه "قوة اسم يسوع" ليكون هذا الكتاب معلّماً ّ‬
‫الرب‪.‬‬
‫ويشرق فيهم نور وجه ّ‬
‫ُ‬ ‫للذين يفتشون عن اهلل لريموا عند قدميه خطاياهم ببكاء وتوبة‬

‫واألب بولس يازجي نقل إىل العربية هذا الكتاب راجياً أن يكون مشجعاً ألبنائنا على ممارسة الصالة‬
‫ممارسة صحيحة وحارة وليقيموا بواسطتها إلفة مع اهلل فيمتلئون من الروح القدس ويُغمرون بالنور اإلهلي‪.‬‬
‫آمني‪.‬‬

‫يوحنا‬

‫ميتروبوليت الالذقية وتوابعها‬


‫الصالة والصمت‬

‫أنت أن تصمت‪ ...‬يتوجب‬


‫"عندما تصلّي"‪ ،‬كما يقول أحد الكتاب األرثوذكسيني يف فنلندا‪" ،‬عليك َ‬
‫أوالً أن تصمت أنت؛ واترك صالتك تتكلم"(‪.)4‬‬

‫أهم األشياء وأصعبها يف فن الصالة هو أن نستطيع أن نصمت‪ .‬والصمت ليس باملعىن السليب ‪-‬‬
‫كفاصل بني الكالم أو توقف زمين بني الكلمات‪ -‬ولكن‪ ،‬مبعىن إجيايب جداً‪ ،‬أي وقفة صالة‪ ،‬يقظة‬
‫ووعي؛ سهر؛ وقبل كل شيء إنتباه وإصغاء‪ .‬بالواقع فقط الراهب اهلادئ‪ ،‬أو كل من يتوصل إىل السكون‬
‫وإىل اهلدوء أو الصمت الداخليني‪ ،‬هو من يقدر أن يصغي فعالً‪ ،‬ألنه عندها يسمع صوت الصالة داخل‬
‫قلبه ويدرك أن هذا الصوت ليس منه ولكنه صوت شخص آخر يتكلم داخله‪.‬‬

‫عالقة الصمت بالصالة ستصري واضحة بعد أن نقرأ التعريفات والتحديدات األربعة التالية للصالة‪.‬‬
‫التحديد األول مأخوذ من قاموس أكسفورد املختصر ( ‪The Concice Oxford‬‬
‫يعرف الصالة بأهنا "طلب من اهلل‪ ...‬أو نص نتلوه لكي نصلي"‪ .‬فالصالة هنا‬
‫‪ ،)Dictionary‬الذي ّ‬
‫عرب عنه‬
‫توصف بشكلها البدائي األويل‪ ،‬كلحظة طلب وتضرع إىل اهلل ليهبنا بعض احلاجات‪ ،‬أو كأمر يُ َّ‬
‫ببعض الكلمات‪ .‬هذا املستوى هو مستوى الصالة اخلارجية وليس الداخلية‪ .‬وقالئل منا يقدرون أن‬
‫يكتفوا مبثل هذه الصالة‪.‬‬

‫التحديد الثاين للصالة مأخوذ من أب روحي روسي من هناية العصر السابق‪ ،‬وهذا التحديد للصالة‬
‫أكثر عمقاً من السابق‪" 6‬يف صالتك"‪ ،‬يقول الناسك األسقف ثيوفانس (‪" ،)91-4141‬أساس كل‬
‫شيء هو أن تقف أمام اهلل وذهنك يف قلبك‪ ،‬وأن تقف هكذا دائماً بال انقطاع ليالً هناراً حىت هناية‬
‫عمرك"(‪.)1‬‬

‫الصالة هنا حبسب هذا التعريف ال تعين حصراً كلمات طلب‪ .‬وميكنها أن تتم دون أي كلمة‪ .‬ليست‬
‫عمالً يف حلظة ما‪ ،‬بقدر ما هي حالة وموقف مستمران‪ .‬أن تصلي يعين أن تقف أمام اهلل‪ ،‬أن تأيت يف‬
‫عالقة مباشرة وشخصية معه‪ .‬أن تعرف وتدرك على كل مستويات كيانك‪ ،‬من العقل الباطين إىل الذهن‪،‬‬
‫ونعمق عالقاتنا الشخصية مع‬
‫ومما دون الوعي إىل ما فوقه‪ ،‬أنك توجد يف اهلل وأن اهلل فيك‪ .‬لكي نؤّكد ّ‬
‫اآلخرين ليس من الضروري دائماً أن نطلب أو أن نستخدم الكالم؛ فإنه كلما عرف واحدنا اآلخر وأحبه‬
‫أكثر قلّت احلاجة إىل الكالم لكي يتفاهم معه‪ .‬هذا بالذات ما حيصل يف عالقتنا الشخصية مع اهلل‪.‬‬

‫يف التحديدين السابقني متَّ التشديد والرتكيز على الناحية البشرية‪ ،‬أي على ما يعمله اإلنسان يف الصالة‬
‫وليس ما يعمله اهلل‪ .‬لكن يف العالقة الشخصية اليت تقوم بيننا وبني اهلل‪ ،‬الطرف الذي يلعب الدور‬
‫األساسي ويأخذ املبادرة يف احلوار والعمل هو اإلله السماوي وليس اإلنسان‪ .‬وهذا يصري واضحاً متاماً يف‬
‫حتديدنا الثالث التايل‪ ،‬واملأخوذ عن القديس غريغوريوس السينائي (‪)441:‬؛ يف مقطع له عن الصالة‬
‫يتكلم على الطرق السابقة مث يصل بالنهاية إىل القول‪" 6‬وملَ نطيل يف الكالم؟ الصالة هي من اهلل‪ ،‬الذي‬
‫يعمل ويهيء كل شيء يف كل إنسان"(‪ .)4‬الصالة من اهلل أي ال أبدأ أنا بالصالة وإمنا أشارك؛ وقبل أن‬
‫تكون الصالة عمالً مين هي عمل من اهلل داخلي‪ 6‬كما يقول بولس الرسول‪" 6‬لست أنا أحيا وإمنا املسيح‬
‫يف" (غالطية ‪.)1:61‬‬
‫حييا َّ‬

‫أسلوب الصالة القلبية حتدده بدقة كلمات يوحنا املعمدان عن املسيح "له أن يزيد ويل أن أنقص" (يوحنا‬
‫‪ .)4:64‬هبذا املعىن "نصلي" يعين أن "نصمت"‪" .‬أنت عليك أن تصمت؛ اترك صالتك تتكلم ‪-‬‬
‫وباألحرى اترك اهلل يتكلم"‪ .‬الصالة احلقيقية تعين أن ننقطع حنن عن الكالم وأن نغوص يف قلوبنا مصغني‬
‫هناك إىل صوت اهلل غري املنطوق بكلمات؛ الصالة تعين أن نتوقف عن أن ننشط وحدنا وأن ندخل يف‬
‫حميط نشاط اهلل‪ .‬قبل بداية القداس اإلهلي عندما تكون كل املرحلة التحضريية للقداس قد انتهت وكل‬
‫شيء صار جاهزاً للقداس‪ ،‬يتقدم الشماس مقرتباً من الكاهن ويقول‪" 6‬ها وقت لعمل الرب" ‪ -‬أي وقت‬
‫لينشط فيه اهلل (‪ .)1‬هذا بالذات هو موقف املؤمن يف الصالة‪ ،‬ليس فقط بالقداس اإلهلي وإمنا يف كل‬
‫صالة فردية أو مجاعية‪.‬‬

‫التحديد الرابع نأخذه من القديس غريغوريوس السينائي‪ ،‬فيه يظهر هذا الطابع العميق للصالة بشكل‬
‫جتل للمعمودية"(‪ .)1‬عمل الرب ال‬‫أجلى من حيث أهنا بالعمق نشاط اهلل فينا‪" .‬صالة"‪ ،‬يقول لنا‪" ،‬هي ٍّ‬
‫يظهر فقط يف املعتمدين‪ ،‬الرب حاضر ويعمل يف كل إنسان‪ ،‬وذلك ألن كل إنسان ُخلِ َق على صورة اهلل‬
‫سر‬
‫اسودت‪ ،‬بعد سقوط اإلنسان يف اخلطيئة‪ .‬هذه الصورة تستعيد مجاهلا يف ّ‬ ‫ومثاله‪ .‬لكن الصورة ّ‬
‫املعمودية الذي بواسطته يدخل الرب يسوع والروح القدس ويقطنان هناك فيما يسميه اآلباء "املخبأ‬
‫العميق والسري للقلب"‪.‬‬

‫السر‪ .‬فإن مل يكن‬


‫لكن األغلبية الساحقة اليوم تعتمد يف سن الطفولة وال تعود تتذكر بوعي هذا ّ‬
‫املسيح‪ ،‬الذي س َكنَنا باملعمودية مع الروح القدس‪ ،‬يعمل داخلنا كل حلظة لكان أغلبنا‪ ،‬وإن استثنينا‬
‫ُ‬
‫حاالت نادرة‪ ،‬فارغني من هذه الفاعلية داخلهم وغريبني عن الشعور حبضور الرب يف صالهتم‪ .‬الصالة‬
‫منر من موضع النعمة‬
‫احلقيقية هي إذن كشف وإظهار لنعمة املعمودية املعطاة لنا‪ .‬أن نصلي إذن يعين أن ّ‬
‫احلاضرة يف قلبنا سرياً بالالشعور‪ ،‬أن نصري يف احلالة اليت ندرك هبا متاماً وبوعي داخلي‪ ،‬حيث جنرب‬
‫ونذوق ونشعر بفاعلية الروح القدس بشكل مباشر‪ .‬هكذا حبسب القديس كاليستوس والقديس‬
‫إكسانتوبولس (قرن ‪" ،)41‬هدف احلياة املسيحية هو العودة إىل ملء نعمة الروح القدس احمليي اليت‬
‫أُعطيت لنا يف املعمودية"(‪.):‬‬

‫أنت"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫"يف ما هو بداييت هناك هناييت" (‪ .)T.S. Eliot‬هدف الصالة ميكن أن يُوجز بالعبارة "ص ْر ما َ‬
‫قت على الصورة الكرمية (صورة‬ ‫ِ‬ ‫أي ِص ْر بوعي وإدراك إىل ما قد ِّ‬
‫نت عليه ومن أجله سرياً‪ .‬فأنت ُخل َ‬
‫كو َ‬
‫أنت‪ 6‬وبشكل أدق‪ ،‬عُ ْد إىل ذاتك؛ اكتشف من ال ينقطع عن‬ ‫ِ‬
‫اهلل) وقد جتددت باملعمودية‪ .‬ص ْر ما َ‬
‫كنت‬
‫امتلك من أنت خاصته‪ .‬هذه هي دعوة اهلل لكل من يريد أن يصلي؛ "ما َ‬
‫تكليمك من داخلك؛ ْ‬
‫ستطلبين إن مل تكن قد وجدتين" (باسكال)‪.‬‬

‫ولكن كيف سنبدأ؟ كيف سنتعلم أن نصمت لكي نبدأ نصغي؟! أي بدل أن نوجه كلمات إىل اهلل أن‬
‫نسمع ما يوجهه هو إلينا؟! كيف سننتقل من صالة الكلمات إىل الصالة الصامتة؟! من الصالة الصائرة‬
‫"باحملاولة" إىل تلك "العفوية" (كما يسميها األسقف ثيوفانس)‪ ،‬من "صاليت" إىل صالة املسيح داخلي؟!‬

‫أحد األساليب لبداية هذه السفرة إىل الداخل هو استدعاء اسم يسوع‪.‬‬
‫الرب يسوع‪"...‬‬
‫"أيها ُ‬
‫ليس بالطبع األسلوب الوحيد للصالة‪.‬‬

‫ال ميكن أن توجد عالقة صحيحة بني شخصني إن مل تقم باألساس على احلرية املتبادلة والعفوية بينهما‪،‬‬
‫يصح أيضاً يف عالقتنا مع اهلل بالصالة الداخلية‪.‬‬
‫وهذا ّ‬

‫ال توجد قوانني ثابتة ال تتبدل ومفروضة حبتمية على كل من يريد أن يصلي‪ .‬كما أنه ال يوجد أيضاً‬
‫أسلوب خارجي وطرق طبيعية أو روحية يفرضها اهلل كثمن بديل حلضوره‪ .‬نعمته تُوهب دائماً كهدية جمانية‬
‫ثمن بأي جمهود شخصي أو بأي أسلوب أو طريقة‪ .‬اللقاء بني اهلل واإلنسان يف ملكوت‬
‫وال ميكن أن تُ َّ‬
‫القلب يتم بأساليب خمتلفة ومتنوعة ال ُحتصى وال تنتهي‪ .‬فآباء كثريون يف تارخينا األرثوذكسي قلّما يذكرون‬
‫صالة يسوع وقد ال يذكرون شيئاً البتة (‪.)7‬‬

‫صالة يسوع تشكل لعدد كبري من األرثوذكسيني‪ ،‬عرب العصور‪ ،‬العتبة األساسية والطريق امللكية‪ ،‬وليس‬
‫فقط ملسيحيي الشرق(‪ 6)1‬ففي تالقي الكنيسة الشرقية مع الغربية خالل السنوات الستني األخرية‪ ،‬بَ َهَر‬
‫تقليدنا األرثوذكسي العامل الغريب‪ ،‬ولكن أكثر اجلوانب اليت لفتت إنتباه الغربيني واستقطبت إعجاهبم‬
‫كانت صالة يسوع‪ ،‬الصالة القلبية؛ ومل يوجد كتاب آخر نال إعجاهبم ككتاب "سائح روسي على‬
‫دروب الرب"‪ .‬هذا الكتاب‪ ،‬الذي يكشف الكثري عن صالة يسوع‪ ،‬والذي كان جمهوالً تقريباً يف روسيا ما‬
‫قبل الثورة‪ ،‬هذا نال رواجاً كبرياً يف العامل األرثوذكسي‪ ،‬ومن العام ‪ 491:‬بدأت تظهر له ترمجات خمتلفة‪،‬‬
‫صارت اآلن عديدة جداً (‪.)9‬‬

‫سر فاعلية صالة يسوع وما هو سبب تفضيلها؟!‬


‫وختاماً نتساءل‪ 6‬أين يكمن ُّ‬

‫نلخص ذلك يف األسباب األربعة التالية بشكل أساسي‪ 6‬أوالً يف بساطتها؛ ثانياً يف‬ ‫لرمبا ميكن أن ّ‬
‫مشوليتها؛ ثالثاً يف قوة اسم يسوع؛ ورابعاً يف الرياضة الروحية اليت تتم بتكرارها جبَلَ ٍد وثبات‪ .‬وسوف نتكلم‬
‫كل منها بالتفصيل‪.‬‬ ‫على ٍّ‬
‫البساطة‬

‫استدعاء اسم يسوع صالةٌ متتاز خاصة بالبساطة‪ ،‬إهنا قريبة وممكنة لكل مسيحي‪ ،‬ولكن مع بساطتها‬
‫التخشع‪ .‬كل من يرغب بأن يردد صالة يسوع لساعات أو لفرتات طويلة كل‬
‫ّ‬ ‫سر‬
‫تقود إىل أعمق أعماق ّ‬
‫يوم ‪ -‬أو أكثر من ذلك‪َ ،‬م ْن يُرد أن يرافق صالته حبركات جسدية وطبيعية كربطها مع تن ّفسه أو غري ذلك‬
‫املدربني هم نادرون‬
‫ليدربه‪ .‬مثل هؤالء املختربين و ِّ‬ ‫ٍ‬
‫شخص آخر متمرن ّ‬ ‫حيتاج بال شك ألب روحي‪ ،‬أي إىل‬
‫ختوف‪ ،‬فقط‬
‫يردد هذه الصالة بدون أي ّ‬
‫مبدرب كهذا ميكنه أن ّ‬
‫بالواقع يف أيامنا‪ .‬ولكن َم ْن ليس له صلة ِّ‬
‫مخس عشرة دقيقة‬
‫عليه أن حي ّدد الوقت بفرتات قصرية ‪ -‬يف البداية كل فرتة عليها أالّ تزيد عن عشر إىل َ‬
‫كل مرة – وبالطبع دون أن يتدخل حبركة جسده الطبيعية النظامية والعادية‪.‬‬

‫ملمارسة صالة يسوع ليس هناك من حاجة إىل شروط ُمسبقة أو تدريب خاص قبل ذلك‪ .‬للمبتدئ‪،‬‬
‫يكفي أن نقول ما يلي‪ 6‬ابدأ‪ .‬لكي تتعلم السري عليك أن تقوم بأول خطوة‪ .‬لكي تتعلم السباحة يتوجب‬
‫يف البداية أن ترمي نفسك يف املاء‪ .‬كذلك األمر يف صالة يسوع‪ 6‬ابدأ بلفظ اسم يسوع بوعي وعبادة‬
‫ردد اسم يسوع‬
‫تردد اسم يسوع وإمنا ف ّكر فقط بيسوع‪ّ .‬‬
‫وحمبة‪ .‬ألصق ذهنك به‪ .‬كرره‪ .‬ال تف ّكر أنك ّ‬
‫ببطء وبساطة وهدوء (‪.)4:‬‬

‫األسلوب اخلارجي للصالة يتعلّمه اإلنسان بسهولة‪ .‬بشكل أساسي‪ ،‬الشكل اخلارجي هلا يتألف من‬
‫الرب يسوع املسيح‪ ،‬يا ابن اهلل‪ ،‬ارمحين"‪ .‬لكن ال توجد عبارة ثابتة واحدة فقط‪.‬فكثرياً ما‬
‫الكلمات "أيها ّ‬
‫ُختتصر‪ ،‬ونقدر أن نردد "أيها الرب يسوع املسيح‪ ،‬ارمحين" أو "أيها الرب يسوع" أو أيضاً "يا يسوع"‪ ،‬وإن‬
‫كانت اللفظة األخرية نادرة يف تقليدنا‪ .‬ميكننا أن نطيل العبارة بإضافة "أنا اخلاطئ" يف هنايتها‪ .‬وهكذا‬
‫نش ّدد على روح التوبة‪ .‬بعض املرات ندخل فيها ابتهاالً للعذراء أو القديسني‪ .‬ولكن األساسي واجلوهري‬
‫حر بإجياد العبارة اليت يشاؤها ويراها‬
‫والذي ال مثيل له هو حضور اإلسم اإلهلي "يسوع"‪ .‬كل واحد منا ّ‬
‫تتجاوب معه ومع حاجاته أكثر‪ .‬العبارة اليت نعتمد عليها ميكن من وقت آلخر أن نبدهلا؛ لكن دون أن‬
‫يصري ذلك باستمرار‪ 6‬ألنه وكما يقول القديس غريغوريوس السينائي "الشجرة اليت تُنزع وتُزرع مرات عديدة‬
‫ال تُش ّكل لنفسها جذوراً"(‪.)44‬‬
‫نردد هبا هذه الصالة‪ .‬بشكل عام‬
‫مرونة مشاهبة ميكننا أن منارسها يف موضوع الظروف اخلارجية اليت ّ‬
‫يوجد أسلوبان "العفوي" و "احملدد"‪ .‬بالعفوي نقصد تالوة وترداد الصالة يف ساعات العمل واخلدمات‬
‫اليومية‪ .‬نستطيع أن نردد اسم يسوع مرات عديدة يف الساعات املختلفة من النهار‪ ،‬تلك الساعات اليت‬
‫كانت ستبقى روحياً ضائعة‪ 6‬مثالً عندما ننشغل بعمل روتيين يدوي أو أتوماتيكي‪ ،‬مثل حلظات اإلرتداء‪،‬‬
‫الغسيل‪ ،‬أو أي عمل يدوي كالعمل يف البستان أو أعمال احلياكة‪ ،‬بينما نتمشى أو نسري أو نقود‪ ،‬بينما‬
‫مهم‪ .‬عندما ال نقدر أن ننام‬
‫ننتظر الباص‪ .‬أيضاً يف حلظة ما قبل الشروع يف عمل أو حديث صعب أو ّ‬
‫أو عندما نستيقظ وقبل أن ننهض من النوم‪ .‬جانب هام يعطي لصالة يسوع فرادة هو بساطتها اليت متكننا‬
‫من ترداد الصالة يف حلظات يكون فيها ذهننا متعباً مثقالً وتصري آنذاك الصلوات األخرى والنصوص‬
‫صعبة اإلستخدام‪ .‬إهنا صالة تساعد جداً يف حلظات اإلضطراب والتعب واإلرهاق‪.‬‬

‫هذه الصالة "العفوية" هي اجلسر الذي يساعدنا على عبور اهلوة الفاصلة بني صلواتنا "احملددة" ‪ -‬يف‬
‫"ساعات الصالة"‪ ،‬إن كان يف خمدعنا أو يف الكنيسة ‪ -‬وبني مشاغلنا اليومية احلياتية‪" .‬صلوا على الدوام"‬
‫صر الرسول بولس (‪4‬تسالونيكي ‪)4761‬؛ لكن كيف حيصل ذلك مع كل االهتمامات واملشاغل‬
‫يؤكد ويُ ّ‬
‫اليت لدينا؟! األسقف ثيوفانس جييب‪" 6‬األيدي بالعمل والروح يف القلب حنو اهلل" (‪.)41‬‬

‫عندما نبدأ برتديد الصالة القلبية بشكل معتاد وبالالشعور نشعر أينما كنا باحلضور اإلهلي ‪ -‬ليس فقط‬
‫أمام املذبح أو يف الربية كنساك‪ ،‬وإمنا أيضاً يف املطبخ‪ ،‬يف املعمل ويف املكتب‪ .‬ونصري هكذا نظري‬
‫لفرنديوس الذي "كان متحداً بقلبه باهلل خالل فرتة النهار واألشغال أكثر مما يف حلظات وساعات عمله‬
‫الروحي"‪.‬‬

‫"إهنا خدعة كبرية أن تظن أن ساعة صالتك خمتلفة عن أي ساعة أخرى من يومك‪ ،‬إذ حنن مدعوون أن‬
‫نتحد باهلل يف ساعات العمل كما يف حلظات الصالة" (‪.)44‬‬

‫احلر والعفوي لصالة يسوع يتقوى ويكتمل برتداد الصالة بشكل منتظم بأوقات "حمددة"‪،‬‬
‫هذا الرتداد ّ‬
‫ونتفرغ لألمر‪ ،‬تاركني كل انشغال آخر خارجي‪ .‬ويف‬
‫أي عندما نركز كل انتباهنا يف تكرار هذه الصالة ّ‬
‫هذه الصلوات "احملددة" أيضاً ال توجد نواميس أو قوانني حمددة تأسرنا وإمنا تنوع ومرونة‪ .‬ليس من‬
‫املطلوب أي وقفة معينة‪ .‬يف التقليد األرثوذكسي ترداد اسم يسوع ميكن أن يتم وحنن جالسون‪ ،‬وميكن أن‬
‫يتم وحنن واقفون أو راكعون‪ ،‬ولرمبا يف حاالت مرضية أو ظروف تعب وإهناك وحنن متمددون‪ .‬بشكل عام‬
‫حندق بأيقونة أمامنا مضاءة‬
‫جو من العتمة أو وحنن مغلقون أعيننا‪ ،‬وليس وحنن ِّ‬
‫نردد اسم يسوع يف ّ‬
‫ّ‬
‫بشموع أو بقنديل أمامها‪ .‬الراهب القديس سلوان اآلثوسي (‪ )4941-41::‬اعتاد أن خيفي الساعة‬
‫أوالً بعيداً يف درٍج لكي ال يسمع دقاهتا‪ ،‬وبعدها كان يُنزل قلنسوته الرهبانية حىت يسرت هبا عينيه ويس ّد‬
‫أذنيه (‪.)41‬‬

‫لكن العتمة ميكنها أن جتلب لنا نعاساً‪ .‬فإن نعسنا وحنن نردد الصالة جالسني أو ساجدين‪ ،‬ميكننا أن‬
‫نقف قليالً‪ ،‬ونرسم إشارة الصليب مع كل ترداد منحنني حىت تلمس أصابعنا األرض كسجدة صغرية‪،‬‬
‫ميكننا أيضاً أن نقوم بسجدة كبرية ساجدين حىت تلمس جبهتنا األرض‪ .‬عندما نردد صالة يسوع وحنن‬
‫جالسون ليكن الكرسي مناسباً‪ ،‬ال يساعد أن يكون مرحياً جداً‪ ،‬يُفضَّل أالّ يكون له مساند لليد أو‬
‫للظهر‪ .‬ميكننا أيضاً أن نردد الصالة وحنن باسطون أيدينا هبيئة صليب‪.‬‬

‫املسبحة ‪ ،Komboskini‬عادة فيها ‪ 4::‬حبة‪ ،‬تُستخدم مع ترداد اسم يسوع‪ ،‬ليس فقط لكي‬
‫نع ّد مرات الصالة ولكن بشكل أساسي لكي تساعدنا على الرتكيز ولكي تنتظم صالتنا بإيقاع معني‪.‬‬
‫تعداد مرات الصالة ال يهم إن كان مبسبحة أو بأسلوب آخر‪ .‬باحلقيقة أنه يف كتاب "سائح روسي على‬
‫دروب الرب"‪ ،‬السائح القديس أعطى أمهية كبرية لعدد املرات اليت يكرر هبا الصالة وبدقتها كل يوم‪ ،‬وبدأ‬
‫من ‪ 4:::‬حىت وصل إىل ‪ ::::‬مث أيضاً إىل ‪ 41:::‬مرة يف اليوم‪ .‬يف الكتاب يبدو أن السائح كان‬
‫يردد به الصالة بدقة وبأمانة‪ ،‬ال أكثر وال أقل‪ .‬اإلحلاح على دقة العدد بشكل عام‬
‫لديه كقانون عدد حم ّدد ّ‬
‫غري مألوف‪ ،‬على األرجح يف الكتاب يُراد التشديد ليس على العدد حب ّد ذاته ولكن باألحرى على موقف‬
‫السائح‪ 6‬السائح أراد أن ميتحن طاعته ومهَّته ونشاطه يف تطبيق القانون الذي وضعه له أبوه الروحي دون‬
‫تردد‬
‫أي تعديل أو تغيري‪ .‬هبذا اخلصوص ُمميّزة هي نصيحة األسقف ثيوفانس‪" 6‬ال يشغلك عدد املرات اليت ّ‬
‫حي‪ .‬إطرد‬
‫هبا صالة يسوع‪ .‬ليكن مهك الوحيد أن خترج صالتك هذه من قلبك كما ينفجر املاء من نبع ّ‬
‫من داخلك كل فكر عن العدد" (‪.)41‬‬
‫هذه الصالة ميكننا ممارستها يف اجلماعة‪ ،‬لكن املعتاد أن نكون على انفراد‪ .‬الكلمات ميكن تردادها إما‬
‫بلفظها بصوت مسموع أو بالقلب‪ .‬يف التقليد األرثوذكسي عندما تكون مسموعة تكون كرتداد وليس‬
‫كرتتيل‪ ،‬جيب أال تكون ممارستها بعجلة أو ُمتعِبة أو ُجم ِهدة‪ .‬الكلمات‪ ،‬علينا أن نلفظها دون أي اجتهاد‬
‫خاص أو بعناية زائدة عن اللزوم‪ ،‬على العكس جيب أن خترج الصالة حبرية وتأخذ إيقاعها (‪)Rithme‬‬
‫الطبيعي حبيث "ترتل" هي داخلنا‪ ،‬مع الوقت‪ ،‬بلحنها اخلاص هبا‪ ،‬الستارتس (أب روحي باللغة الروسية)‬
‫برثينيوس من كييف يُشبِّه تدفق الصالة من القلب هبدير وخرير مياه اجلدول الطبيعي (‪.)4:‬‬

‫من كل ما سبق‪ ،‬نتأكد أن صالة يسوع ممكنة يف كل زمن ولكل عمر‪ ،‬ولكل إنسان يف أي مكان وأي‬
‫ِ‬
‫للمخترب واملتقدِّم‪ ،‬ممكنة مع اآلخرين كما على انفراد‪ ،‬مفيدة‬ ‫وقت كان‪ .‬إهنا صالة مناسبة للمبتدئ كما‬
‫لِ َم ْن يف الربية كما لِ َم ْن يف املدينة‪ ،‬يف مناطق هدوء مطلق كما يف وسط بيئة صاخبة‪ .‬فصالة يسوع ممكنة‬
‫دائماً‪.‬‬
‫الشمولية‬

‫الهوتياً‪ ،‬وكما يقول السائح الروسي‪ ،‬صالة يسوع "ختفي داخلها كامل احلقائق اإلجنيلية" "إهنا تلخيص‬
‫وسر‬
‫التجسد ّ‬
‫ّ‬ ‫سر‬
‫لكل اإلجنيل" (‪ .)47‬هذه العبارة احملدَّدة حتتوي على أهم عمدتني يف اإلميان املسيحي‪ّ ،‬‬
‫الثالوث األقدس‪ .‬فهي تتكلم يف البداية على طبيعيت املسيح ‪ -‬اإلله التام واإلنسان التام‪ 6‬على طبيعته‬
‫البشرية عندما نستدعيه بامسه البشري "يسوع"‪ ،‬االسم الذي أعطته إياه أمه العذراء مرمي بعد والدته يف‬
‫بيت حلم‪ .‬وتتكلم على طبيعته اإلهلية عندما ندعوه رباً قائلني‪" 6‬أيها الرب" و "يا ابن اهلل"‪ .‬يف جزئها‬
‫جلي ‪ -‬إىل األقانيم الثالثة‪ .‬فبينما تتجه إىل االبن‪ ،‬األقنوم الثاين‪،‬‬
‫الثاين تتطرق ‪ -‬وإن كان بشكل غري ٍّ‬
‫تذكر أيضاً اآلب‪ ،‬ألهنا تدعو يسوع "ابن اهلل"؛ والروح القدس أيضاً بنفس الدرجة وارد يف هذه الصالة‪،‬‬
‫رب إالّ بالروح القدس" (‪4‬كور ‪ .)4641‬وهكذا إذن‪ ،‬إن صالة‬
‫ألنه "ال أحد يستطيع أن يقول يسوعُ ٌ‬
‫يسوع تتضمن كل الرتياذلوجية وكل اخلريستولوجية* (ما خيتص بالثالوث األقدس من عقائد وبطبيعيت‬
‫املسيح)‪.‬‬

‫ليتورجياً‪ ،‬أيضاً‪ ،‬ما تتضمنه ال يقل عما خيص الناحية العقائدية‪ ،‬فهي حتتوي على أهم حلظتني من‬
‫"حلظات" العبادة املسيحية‪ ،‬حلظات تأمل جمد اهلل وطلبه مبحبة‪ ،‬وحلظات التوبة والشعور باخلطأ وعدم‬
‫اإلستحقاق‪ .‬ففي هذه الصالة هناك حركة دائرية وصاعدة ونازلة‪ .‬يف النصف األول نتجه حنو اهلل‪" 6‬أيها‬
‫الرب يسوع املسيح‪ "...‬ويف النصف الثاين نعود إىل ذواتنا خبشوع‪" 6‬ارمحين أنا اخلاطئ"‪" .‬هؤالء‪ ،‬كل من‬
‫ذاق هبات الروح القدس"‪ ،‬يقول يف مقاالته القديس مكاريوس الكبري‪" ،‬ميلكون يف الوقت ذاته الوعي‬
‫حبقيقتني‪ 6‬األوىل‪ ،‬هي الشعور بالفرح والتعزية‪ ،‬والثانية هي الشعور باخلوف والنوح على الذات" (‪.)41‬‬
‫وهذه هي احلقيقة املزدوجة لصالة يسوع‪.‬‬

‫التخشع ‪ -‬مها متحدتان ومتسايرتان‬


‫هاتان اللحظتان ‪ -‬حلظة التأمل باجملد اإلهلي وحلظة الشعور باخلطأ و ّ‬
‫مع حلظة ثالثة عندما نلفظ هبا كلمة "ارمحين"‪ .‬ال "ارحم" مت ّد اجلسر بني عدالة اهلل وبني طبيعتنا واخلليقة‬
‫الساقطة‪ .‬من يصلي قائالً "ارمحين" يف الوقت نفسه ينوح من جهة على عدم استحقاقه ويصرخ من جهة‬
‫ثانية صرخة ٍ‬
‫رجاء‪ .‬يتكلم ليس فقط على خطيئته وإمنا أيضاً على جتاوزها‪ .‬ويؤكد أن اهلل من عرش جمده‬
‫يقبلنا‪ ،‬رغم كوننا خطاةً‪ ،‬هكذا شاعرين خبطيئتنا نشعر أيضاً أننا مقبولون لديه؛ فصالة يسوع ال حتوي‬
‫فقط دعوًة للتوبة‪ ،‬وإمنا أيضاً التماساً للسماح واخلالص‪ .‬فقلب ومركز هذه الصالة "يسوع" حيمل لنا‬
‫بالذات معىن اخلالص‪" 6‬وتدعني امسه يسوع ألنه هو َم ْن ُخيلِّص شعبه من خطاياهم" (مىت ‪ .)1464‬فإن‬
‫كانت صالة يسوع حتمل لوناً من النوح واحلزن على اخلطيئة فهذا احلزن هو "حزن هبي" و "نوح فرح" كما‬
‫يعرب عنه القديس يوحنا السلمي (‪.):19+‬‬
‫ّ‬
‫غىن كهذا‪ ،‬ليتورجي وعقائدي‪ ،‬مستور يف صالة يسوع‪ .‬غىن موجود وحاضر ليس فقط بشكل معنوي‬
‫سر هذه الصالة وقيمتها يكمنان يف كوهنا جتعل هذه احلقائق حيّة‪ ،‬حبيث‬
‫جمرد وإمنا بشكل حيوي قوي‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫ال تبقى مفاهيم نظرية وإمنا إميان يدخل إىل كل كياننا‪ ،‬ولكي ندرك هذه الفاعلية والقوة لصالة يسوع‬
‫علينا أن نعاجل هذا املوضوع من وجهتني أخريني أوسع‪" 6‬قوة االسم" وفاعلية "التمرين والتكرار"‪.‬‬
‫"قوة االسم"‬

‫"عظيم هو اسم ابن اهلل وغري حمدود ويضبط العامل بأسره" هذا ما يؤكده كتاب الراعي هلرماس (‪ .)49‬ال‬
‫ميكننا أن نفهم عمق صالة يسوع يف التقليد األرثوذكسي ودورها يف احلياة الروحية إن مل نشعر ولو قليالً‬
‫مبعىن وبقوة ونعمة اسم يسوع‪ .‬فإن كانت صالة يسوع ذات فاعلية مميّزة من سائر الصلوات األخرى‬
‫فذلك يعود السم يسوع الذي حتويه‪.‬‬

‫يف العهد القدمي (‪ ،)1:‬كما يف حضارات أخرى قدمية كثرية‪ ،‬يوجد تطابق عميق وأساسي بني نفس‬
‫اإلنسان وامسه‪ .‬كل شخصية وميزاهتا تنطوي حتت امسه‪ .‬أن تعرف اسم شخص ما فهذا ينوب عن معرفته‬
‫بالذات وكأنك بذلك تتعرف إليه حقاً؛ وتبين معه عالقة حمددة ‪ -‬ولرمبا نوعاً من السيادة عليه ‪ -‬هلذا ذاك‬
‫املالك الغريب الذي صارع يعقوب عند بئر جمرى يعقوب رفض أن يكشف له عن امسه (تك ‪.)19641‬‬
‫املوقف نفسه جنده يف جواب املالك ل منوح‪ِ 6‬ملَ سؤالك عن امسي‪ ،‬وامسي عجيب؟" (قضاة ‪.)41644‬‬
‫تغيري يف االسم يعين أيضاً تغيرياً جذرياً يف منحى احلياة‪ ،‬كما ب ّدل أبرام امسه وصار ابراهيم (تك ‪،)1647‬‬
‫أو أيضاً يعقوب صار "اسرائيل" (تك ‪ .)11641‬بنفس األسلوب تب ّدل اسم شاول عند ارتداده إىل‬
‫بولس (أ ع ‪ .)9644‬والراهب يف خدمة الرسامة الرهبانية يأخذ امساً جديداً‪ ،‬عادة ليس من اختياره‪ ،‬لكي‬
‫يظهر التغيري اجلذري احلاصل‪.‬‬

‫يف التقليد العربي‪ ،‬أن تقوم بشيء باسم آخر‪ ،‬أو أن تدعو وتتوسط باسم شخص ما‪ ،‬هي أمور ذات‬
‫أمهية كبرية‪ .‬عندما تتوسط باسم ٍ‬
‫أحد ما كأنك جتعله حاضراً‪ .‬فعندما يُذكر االسم‪ ،‬هذا االسم على الفور‬
‫يستدعي نفسه‪ ،‬هلذا استدعاء اسم ما له هذه األمهية (‪ .)14‬كل ما ينطبق على اسم بشري ينطبق أكثر‬
‫وبال قياس على االسم اإلهلي‪ .‬جمد اهلل وقوته حاضران يف امسه ويعمالن باستدعائه‪ .‬اسم اهلل هو‬
‫كم ْن يتقدم‬
‫كم ْن يرمتي يف نعمته و َ‬
‫فم ْن يستدعي اسم الرب بإرادته وبانتباه هو َ‬
‫"عمانوئيل" أي اهلل معنا‪َ .‬‬
‫للرب كآلة وضحية حية يف يدي اهلل‪ .‬إىل هذه الدرجة كان الشعور بعظمة اسم اهلل عند اليهود حيث‬
‫العلي‬
‫"الرباعي" مل يكن يُلفظ بشكل مسموع حىت يف العبادة يف اجملمع‪ 6‬هلذه الدرجة هو مؤثّر لفظ اسم ّ‬
‫(‪.)11‬‬
‫أناس تعافوا من‬
‫تو ٌ‬ ‫هذا املفهوم لالسم يف العهد القدمي عرب منه إىل العهد اجلديد‪ .‬فشياطني طُِرَد ْ‬
‫كرم هذه القوة كما يليق وتُعطى قيمتها احلقيقية‪.‬‬
‫أوجاعهم باسم الرب يسوع‪ ،‬ألن االسم هو قوة عندما تُ َّ‬
‫هناك آيات كثرية أخرى ذات أمهية وتوضح قوة االسم اإلهلي‪ ،‬كما يف الصالة الربّانية‪" 6‬ليتقدس امسك"‪،‬‬
‫أو يف صالة يسوع الوداعية‪" 6‬كل ما تطلبونه من اآلب بامسي يكون لكم" (يوحنا ‪ .)446:‬وصيته‬
‫معمدين إياهم باسم اآلب واالبن والروح القدس" (مىت‬
‫األخرية لتالميذه كانت‪" 6‬اذهبوا وبشروا كل األمم‪ِّ ،‬‬
‫‪)49611‬؛ مصارحة بطرس الرسول أنه ال خالص إالّ "باسم يسوع الناصري" (أع ‪)41-4:61‬؛‬
‫السري اجلديد الذي‬ ‫كل ر ٍ‬
‫كبة" (فيلييب ‪)4:61‬؛ االسم ِّ‬ ‫كلمات بولس الرسول‪" 6‬لكي جتثو باسم يسوع ُّ‬
‫سيُعطى لنا على حصاة بيضاء يف األيام األخرية (رؤيا ‪.)4761‬‬

‫هذه األمهية الكتابية السم يسوع ِّ‬


‫تشكل األساس والقاعدة لصالة يسوع‪ .‬اسم اهلل مرتبط بشكل فعلي‬
‫سري خاص‪ ،‬وينوب عن حضور الرب غري املنظور وعن‬ ‫بشخصه؛ هكذا استدعاء اسم الرب ذو طابع ّ‬
‫القديسني‬
‫َْ‬ ‫شيخ ّي غزة‬
‫السري ملسيحيي اليوم‪ ،‬كما كان يف الزمن الرسويل‪ ،‬اسم يسوع هو قوة‪ .‬حبسب َ‬
‫فعله ّ‬
‫شر" (‪" .)14‬اجل ْد أعداءك باسم‬
‫أي روح ّ‬
‫برصنوفيوس ويوحنا (القرن السادس)‪" .‬تذ ّكر اسم اهلل فتحطّم ّ‬
‫يسوع"‪ ،‬ينصحنا القديس يوحنا السلمي‪" ،‬ألنه ال يوجد سالح أقوى منه ال يف السماء وال على‬
‫األرض‪ ...‬فليلتصق ذكر يسوع بنَ َف ِس َ‬
‫ك فتعرف حينذاك منفعة اهلدوء" (مقالة ‪.):4 ،17‬‬

‫يفيد شيئاً‪ .‬الصالة القلبية السم يسوع ليست‬


‫االسم فعالً قوة‪ ،‬لكن ترداده بشكل ميكانيكي غري و ٍاع ال ُ‬
‫مدعو أن يشارك يف العمل‬
‫سحراً وال حجاب شعوذة‪ .‬كما يف كل اخلدمات األسرارية األخرى‪ ،‬اإلنسان ّ‬
‫احلي وحماولته النسكية واجلهادية‪ .‬إذن يتوجب علينا أن ندعو اسم يسوع بوعي‬ ‫مع اهلل بواسطة إميانه ّ‬
‫ومتجمع وبسهر داخلي مثبّتني أفكارنا يف فهم كلمات الصالة‪ ،‬واعني إىل َم ْن نتّجه يف طلبنا‬
‫ّ‬ ‫وبذهن مرّكز‬
‫حارة كهذه ليست سهلة بالواقع من البداية‪ ،‬هلذا أحسن‬
‫وم ْن هو الذي جييب عن سؤال قلبنا‪ .‬صالة ّ‬
‫َ‬
‫سري‪ .‬القديس غريغوريوس السينائي يتكلم باستمرار على "الشدة واجلهد"‬
‫القديسون بتسميتها استشهاد ّ‬
‫عرض هلما كل َم ْن يسلكون درب هذه الصالة‪ .‬هناك حاجة إىل حماولة "ال تنقطع"؛ كل َم ْن‬
‫اللذين يت ّ‬
‫يدخل هذا اجلهاد سيأتيه الفكر برتكه وذلك "لشدة الصرب واالنتباه املطلوب من الذهن"‪" .‬أكتافكم‬
‫مرات كثرية بأوجاع يف الرأس"‪" ،‬لكن اصربوا دائماً بشوق ملتهب طالبني الرب‬
‫ستتعب وستشعرون ّ‬
‫بقلوبكم" (‪ .)11‬فقط بإميان وصرب هذا مقدارمها سوف نعرف القوة احلقيقية السم يسوع‪.‬‬

‫هذه الرجولة وهذا القرار واإلميان تأخذ شكالً خاصاً هو التكرار‪ ،‬وقبل كل شيء‪ ،‬الواعي واليقظ‬
‫واملستمر‪ .‬الرب يسوع أوصى تالميذه قائالً‪" 6‬فإن صليتم فال تكثروا الكالم عبثاً" (مىت ‪ .)76:‬فتكرار‬
‫متجمع ال يكون "عبثاً"‪ ،‬التكرار املستمر لصالة يسوع له‬
‫صالة يسوع‪ ،‬عندما يتم بانتباه ووعي وبداخل ِّ‬
‫وجيمع صالتنا وثانياً جيعلها داخلية وأكثر عمقاً‪.‬‬
‫يوحد ّ‬
‫نتيجة مضاعفة‪ 6‬فأوالً ّ‬
‫تجميع الذات‬

‫ما أن نبدأ حماولتنا اجل ّدية بالصالة "بالروح واحلق"‪ ،‬حىت ندرك ونعي على الفور مقدار تفككنا وتشتتنا‬
‫الداخلي‪ ،‬وفقدان الوحدة الداخلية‪ .‬فرغم كل اجتهادنا بالوقوف أمام اهلل‪ ،‬فإن أفكارنا ال هتدأ عن السعي‬
‫بقلق وبال هدف هنا وهناك‪ ،‬كما تدور الذبابة بشكل ضائع (األسقف ثيوفانس) أو كقفزات القرود من‬
‫غصن آلخر دون مسعى أو هدف (راما كريسنا)‪ .‬تأمل يعين‪ ،‬قبل كل شيء‪ ،‬أنه توجد هناك حيث أنت‪،‬‬
‫لكننا عادة عاجزون عن إيقاف أفكارها من الضياع حيثما صدف‪ ،‬يف كل زمان وكل مكان‪ .‬نتذ ّكر‬
‫املاضي‪ ،‬منتد حنو املستقبل‪ ،‬خنطط ملا سنعمله فيما بعد؛ بشر وأماكن حيضرون أمامنا كسلسلة ال هناية هلا‬
‫وال تتوقف‪ .‬ليس لنا القدرة على جتميع ذاتنا هناك حيث جيب أن نوجد‪ ،‬هنا أمام اهلل وأمام حضرته‪ .‬حنن‬
‫بالواقع غري قادرين على عيش حقيقة اللحظة اآلتية؛ احلاضر املباشر‪ .‬هذا التفكك الداخلي هو إحدى‬
‫نتائج السقوط املأساوية‪ .‬الناس الناجحون يف حياهتم‪ ،‬كما لوحظ حسناً‪ ،‬هم من يعملون شيئاً واحداً كل‬
‫أمر كهذا صعباً حىت يف األعمال‬
‫مرة‪ .‬ولكن أن تعمل كل شيء يف دوره ليس أمراً سهالً‪ .‬فإن كان ٌ‬ ‫ّ‬
‫اخلارجية فهو أصعب بكثري يف الصالة الداخلية‪.‬‬

‫يتوجب علينا إذن؟! كيف سنتعلم أن نعيش يف اللحظة والواقع والزمن؟ كيف سيمكننا أن منتلك‬ ‫ماذا ّ‬
‫حلظتنا ووقتنا‪ ،‬أن ال نضيّع هذه الفرص؟ يف هذا املضمار بالذات تكمن فرادة املساعدة اليت تق ّدمها صالة‬
‫يسوع‪ .‬ترداد صالة يسوع باستمرار ميكنه أن يوصلنا؛ بنعمة الرب‪ ،‬من التشتت السابق‪ ،‬إىل الوحدة‬
‫"يتوجب عليك أن تربط ذهنك‬ ‫ِ‬
‫اح َم أفكارك"‪ ،‬يقول األسقف ثيوفانس‪ّ ،‬‬ ‫ف تدافُ َع وتز ُ‬
‫الداخلية‪" .‬لكي تُوق َ‬
‫بفكرة واحدة‪ ،‬أو باالسم الواحد [اسم يسوع]" (‪.)1:‬‬

‫اآلباء النساك‪ ،‬بشكل خاص برصنوفيوس ويوحنا‪ ،‬مييّزون أسلوبني يف حرب األفكار‪ .‬األسلوب األول هو‬
‫لألقوياء و"الكاملني"‪ .‬هؤالء يقدرون أن جييبوا على أفكارهم ويتص ّدوا هلا‪ ،‬أي أن يواجهوها ويدخلوا يف‬
‫ومضر لألغلبية منّا‪ ،‬وقد يقود إىل عواقب غري مفيدة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لكن أسلوباً كهذا هو صعب‬ ‫حساب معها‪ّ .‬‬
‫فاحملاولة أن ننزع فكراً ونستبدل به آخر بقوة إرادتنا‪ ،‬غالباً ما تزيد ختيالتنا فقط وتزيد خميلتنا قوًة‪ .‬ختيالتنا‬
‫الرد عليها مباشرة حماولني‬
‫عندما نضغط عليها متيل للعودة بشكل أقوى‪ .‬فبدل أن نقاوم أفكارنا مبحاورهتا و ّ‬
‫حنول ونلصق انتباهنا بشيء آخر‪ .‬بدل أن ننظر إىل‬
‫طردها بإرداتنا‪ ،‬يستحسن ويكون من األحكم أن ِّ‬
‫الرد عليها‪ ،‬األفضل أن ننظر إىل فوق‪ ،‬إىل الرب يسوع‬
‫أسفل إىل خميالتنا املضطربة وأن جنتهد جاهدين يف ّ‬
‫تفوق قوة أفكارنا‪ ،‬اليت ال ميكننا أن نبددها‬
‫وأن نسلّم ذواتنا إىل يديه‪ ،‬مستدعني امسه‪ .‬ونعمة امسه سوف ُ‬
‫نفرغ‬
‫بقوتنا الفرديّة‪ .‬مسلكيتنا ومنهجيتنا الروحية جيب أن تكون إجيابية ال سلبية‪ .‬فعوض أن حناول أن ّ‬
‫ذهننا من األفكار السيئة‪ ،‬من األفضل أن منأله باألفكار الصاحلة‪" .‬ال حتاور األفكار اليت تأتيك من‬
‫الشياطني"‪ ،‬ينصحنا القديسان برصنوفيوس ويوحنا "ألنه هذا بالذات ما يبتغيه أولئك األشرار‪ ،‬أن‬
‫التفت إىل الرب لكي ينصرك عليهم باسطاً أمامه ضعفك‪ ،‬ألنه هو القادر أن يطردهم‬
‫يشغلوك‪ .‬عُ ْد و ْ‬
‫ويفنيهم" (‪.)17‬‬

‫صالة يسوع إذن‪ ،‬هي أسلوب عملي لكي حنيد هبا عن األفكار اليت تزعجنا‪ .‬ال ميكننا أن مننع األفكار‬
‫نفع من أن نقول‬
‫مبجرد أن نريد ذلك‪ .‬هل هناك ٌ‬ ‫والصور عنّا يف الصالة‪ ،‬ال ميكننا إيقاف جريها‪ّ .‬‬
‫ألنفسنا‪" 6‬توقّف عن التنفس"‪" ،‬ذهن ِّ‬
‫مفكر ال ميكنه التوقّف عن التفكري" يقول القديس مرقس الناسك‬
‫وتشوشه بال انقطاع مثل اختالط أصوات العصافري يف الصباح‪.‬‬
‫(‪ ،)11‬األفكار سوف تزمحه باستمرار ِّ‬
‫حنول انتباهنا عنها‪" ،‬رابطني" ذهننا‬
‫فإن كان يتع ّذر علينا أن نوقف كل تلك األصوات‪ ،‬فإنه مبقدورنا أن ِّ‬
‫الذي ال يتوقف عن التفكري "بفكرة واحدة أو باالسم الوحيد" ‪ -‬اسم يسوع‪ .‬حبسب القديس ذياذوخس‬
‫(القرن اخلامس)‪" ،‬عندما نكون قد أغلقنا كل خمارج ذهننا بذكر اهلل‪ ،‬عندها فكرنا يطلب منّا بالضرورة‬
‫فكرة لينشط هبا‪ ،‬فلنعطه عندها‪ ،‬النشاط الوحيد احلقيقي له‪ ،‬ترداد اسم يسوع" (‪" .)19‬مجِّع ذهنك‬
‫املسيب هنا وهناك بذكر اسم يسوع" (‪ .)4:‬يقول القديس فيلوثيوس السينائي (القرن التاسع والعاشر)‪.‬‬
‫فبدل أن نوقف أفكارنا بقوتنا الذاتية‪ ،‬نُسلِّم طاقات ونشاط فكرنا إىل "ذكر امسه"‪.‬‬

‫حبسب إفاغريوس البنطي (‪" ،)449+‬الصالة هي طرح لألفكار" (‪ ،)44‬وهذا ال يعين اصطداماً قاسياً‪،‬‬
‫إن ترداد اسم يسوع يساعدنا على طرح وترك‬ ‫وال ضغطاً جنونياً‪ ،‬وإمنا حركة هادئة ليّنة للتحرر منها‪َّ .‬‬
‫خياالتنا اليت ال قيمة هلا وعلى أن نستبدل هبا تذكار ربنا يسوع املسيح وإن كان علينا عندما نصلي أالّ‬
‫تتدخل يف صالتنا‪ ،‬فعلينا بالتأكيد أالّ نزيدها ونشجعها‪.‬‬
‫متعمد كل تلك األفكار اليت ّ‬
‫نطرد بعنف ّ‬
‫الصالة القلبية ليست جتميعاً للذهن مبعىن تأملي مثالً يف بعض اجلوانب من حياة املسيح‪ ،‬أو يف بعض‬
‫األمثال واحلكم اإلجنيلية‪ .‬وأكثر من ذلك‪ ،‬فهي ليست أيضاً حواراً داخلياً يف مسائل عقائدية أو الهوتية‪،‬‬
‫كما هو مثالً معىن كلمة "‪ -omoousion‬مسا ٍو يف اجلوهر"‪ ،‬أو عقائد وعبارات جملمع خلقيدونية‪.‬‬

‫نفرق ونفصل بني الصالة القلبية‪ ،‬صالة يسوع‪ ،‬وبني طرق الغوص الداخلي‬ ‫من هذه الناحية جيب أن ّ‬
‫التأمل وجتميع الذهن والرتكيز الدارج يف الغرب منذ زمن املرتدين الربوتستانت (أغناطيوس لويوال‪ ،‬فرانسوا‬
‫و ّ‬
‫دوسال‪ ،‬الفونسوس ليفووري‪ ...‬اخل)‪.‬‬

‫نتعمد أن جنلب صورة له يف ذهننا‪ .‬هذا سبب من‬


‫عندما نصلي مرددين اسم يسوع خملصنا‪ ،‬علينا أالّ ّ‬
‫نفضل ترداد هذه الصالة يف العتمة على تردادها ناظرين إىل أيقونة ما‪ .‬القديس‬
‫األسباب اليت جتعلنا ّ‬
‫غريغوريوس السينائي يوصينا‪" 6‬احفظ ذهنك من أية صورة أو شكل أو لون"‪ .‬احرتز من اخليال يف‬
‫الصالة‪ ،‬ففي ذلك خطر أن تتحول إىل شارد صاحب خياالت عوض أن تكون مصلياً هادئاً (‪!! )41‬‬
‫خديعة ٍ‬
‫ذاتية بينما أنت تصلي‪ ،‬ال‬ ‫ٍ‬ ‫القديس نيل سورسكي ‪ Nil Sorski‬يقول‪" 6‬لكي ال تصري فريسة‬
‫تسمح لذاتك بقبول أية صور أو أفكار أو مشاهد وختيالت" (‪" .)44‬عندما تصلي ال تسمح ألية صورة‬
‫أو فكرة أن تقطع صالتك إىل املسيح" يكتب األسقف ثيوفانس‪ ..." .‬اهلدف هو أن تقف أمام اهلل‬
‫حاضر داخلك‬ ‫ٍ‬
‫وعميق أن اهلل‬ ‫ني ٍ‬
‫ثابت‬ ‫وتشعر حبضوره‪ ،‬والشعور هبذه احلضرة اإلهلية يعين أنك حتيا مع يق ٍ‬
‫ٌ‬
‫أنت ذاتك‪ .‬هذا احلس أن اهلل يرى أعماق‬‫ويف كل مكان‪ ،‬إنه يرى داخلك‪ ،‬ويعرفك أكثر مما تعرف َ‬
‫تصور‪ ،‬وجيب أن يبقى حصراً يقيناً وحساً" (‪ .)41‬فقط‬
‫القلوب والكلى‪ ،‬جيب أالّ ترافقه أية صورة أو ّ‬
‫نكون ألنفسنا تصورات ما‪ ،‬وإمنا حنيا يف حس‬
‫عندما نردد الصالة ونستدعي هكذا اسم يسوع ‪ -‬دون أن ّ‬
‫وتوحد الذات‪.‬‬
‫جتمع الذهن ّ‬
‫ويقني حضوره ‪ -‬عندها فقط سوف منلك خربة قوة هذه الصالة القلبية‪ ،‬اليت ِّ‬
‫الصالة القلبية‬

‫وجممعة‬
‫موحدة لذاتنا ِّ‬
‫الرتداد املستمر واملتواصل السم يسوع بوعي ونقاء جيعل هذه الصالة من جهة أوىل ِّ‬
‫لذهننا‪ ،‬ومن جهة ثانية جيعلها تصري أكثر عمقاً وأكثر داخلية‪ ،‬باألحرى تصري جزءاً منّا ومن داخلنا ‪-‬‬
‫كل الوقت‪ .‬فتصري هذه‬
‫أي ليست فرضاً أو شيئاً نقوم به يف حلظات وأوقات ما‪ ،‬وإمنا نصري حنن صالةً َّ‬
‫الصالة حالةً وليست حادثةً‪ .‬هذه هي الصالة احلقيقية لإلنسان‪ ،‬أي الصالة اليت كلماهتا ومعانيها‬
‫متطابقة بالكلية مع مصلِّيها‪.‬‬

‫يعرب عنه الدائم الذكر بول إفذوكيموف (‪" 6)497: -49:4‬يف السراديب واملغاور املسيحية‬
‫هذا ما ّ‬
‫القدمية‪ ،‬الرمسة اليت شاعت كانت صورة اإلمرأة املصلية (‪ )Orans‬اليت ترمز للحالة الوحيدة احلقيقية‬
‫للنفس البشرية‪ .‬ليس كافياً أن نصلي‪ 6‬جيب علينا أن نصري صال ًة ‪ -‬صالة متجسدة‪ .‬ال يكفي أن منجد‬
‫اهلل يف فروض وأوقات حمدَّدة وإمنا جيب أن تصري كل حياتنا وكل تصرف ومسلك لنا وكل حتية ال بل حىت‬
‫البسمة‪ ...‬كلها أن تصري تسبحة وجمداً هلل‪ ،‬ذبيحة تسبيح‪ ،‬تقدمة‪ ،‬صالة‪ .‬جيب أن نقدم هلل ليس مما منلك‬
‫وإمنا كل ذاتنا"(‪ .)41‬هذا ما حيتاج له العامل اليوم‪ ،‬ليس أناساً يرددون صلوات بتواتر كثيف أو ضعيف‬
‫وإمنا أناساً هم صالة‪.‬‬

‫لون الصالة اليت وصفها إفذوكيموف هنا‪ ،‬ميكن أن حن ّدده بشكل أدق ب "الصالة القلبية"‪ .‬الصالة يف‬
‫متدرجة‬
‫التقليد األرثوذكسي‪ ،‬كما ويف أديان ومذاهب أخرى‪ ،‬تُصنَّف يف درجات خمتلفة‪ ،‬هي مستويات ّ‬
‫أكثر مما هي مراحل متعاقبة‪ 6‬صالة الشفاه (لفظية)‪ ،‬صالة الذهن (عقالنية)‪ ،‬صالة القلب (أو الذهنية‬
‫بالقلب)‪ .‬ترداد اسم يسوع‪ ،‬صالة يسوع‪ ،‬تبدأ كما كل صالة أخرى‪ ،‬من مستوى الشفاه‪ ،‬واليت فيها‬
‫متعمدة وجدية‬
‫الكلمات تتعاقب صادرة من اللسان‪ ،‬مرتافقة مع إرادة حرة‪ ،‬وبنفس الوقت مع حماولة َّ‬
‫لرتكيز الذهن يف معاين الكلمات اليت يلفظها اللسان‪ .‬مع الوقت ومبعونة الرب‪ ،‬صالتنا هذه تنمو وتصبح‬
‫أكثر عمقاً وداخلية‪ .‬تبدأ مشاركة الذهن تصري أقوى بينما تضعف أمهية الكلمات واللفظات أمامها‪ .‬ولرمبا‬
‫وقت ما تتوقف بالكلية هذه اللفظات‪ .‬ونبدأ برتديد اسم يسوع هبدوء دون أي حركة يف الشفاه‪ .‬عندما‬‫يف ٍ‬
‫حيصل ذلك نكون‪ ،‬بنعمة الرب‪ ،‬قد ارتقينا من املستوى األول إىل الثاين‪ .‬هذا ال يعين أن الرتداد باللفظ‬
‫سيتوقف كلياً‪ ،‬ستوجد دائماً حلظات حىت "املتقدمون" واملختربون ملراحل أمسى سيشتهون أن يلفظوا اسم‬
‫خيص الروح كلنا‬
‫يسوع بصوت مسموع‪ .‬ومن منّا بالفعل‪ ،‬يستطيع أن يظن نفسه "متقدماً"‪ ،‬مبا ّ‬
‫"مبتدئون"‪.‬‬

‫لكن الدخول إىل العمق سفرته ال تتوقف عند هذا املستوى‪ ،‬فاإلنسان أكثر بكثري من ذهن وعقل‪ .‬فعدا‬
‫عن إمكانياته العقلية والذهنية هناك مشاعره‪ ،‬ميوله‪ ،‬حساسيته‪ ،‬باإلضافة لكل مشاعره الباطنية والغريزية‬
‫املوجودة يف شخصيته‪ .‬كل هذه األبعاد يوجد هلا دور وعمل يف الصالة‪ .‬ألن كل اإلنسان مدعو للصالة‬
‫النشاف‪ ،‬هكذا على الصالة أن تتغلغل من اخلارج‪ ،‬من العقل‪،‬‬
‫والعبادة‪ .‬فكما تتغلغل نقطة احلرب يف ورقة ّ‬
‫إىل الداخل لتحتضن كل جزء من كياننا‪.‬‬

‫بكالم أدق‪ ،‬هذا يعين أننا مدعوون لنتقدم ونرتقي إىل املستوى األكمل‪ ،‬من الثاين إىل الثالث‪ ،‬من‬
‫الصالة "الذهنية" إىل الصالة "القلبية"‪ ،‬حيث يرتكز الذهن يف القلب‪ .‬كلمة "قلب" هنا‪ ،‬نقصدها مبعناها‬
‫السامي (عربي‪-‬شرقي) الكتايب وليس باملعىن احلديث للكلمة‪ ،‬ف "قلب" يعين لنا أكثر من حركات‬
‫وعواطف وتأثرات‪ .‬وإمنا كامل الشخصية اإلنسانية‪ .‬القلب هو املعىن األساسي العميق للكائن البشري‪،‬‬
‫اإلنسان الداخلي‪" ،‬ذاتنا احلقيقية العميقة‪ ،‬اليت ال تكتمل إال عرب التضحية واملوت"(‪ ،)4:‬وحب ّد تعبري‬
‫وحسب وإمنا أيضاً مركز الروح‪ ،‬ليس الروح فقط‬
‫ْ‬ ‫‪" ،B.Vgsheslavtsev‬القلب ليس هو مركز النفس‬
‫وإمنا اجلسد أيضاً‪ ،‬ليس فقط مركزاً لإلدراك وإمنا أيضاً لغري املدرك‪ ،‬إنه بعبارة واحدة‪" ،‬املركز املطلق"(‪.)47‬‬
‫ُ‬
‫حبسب هذا التفسري‪ ،‬القلب هو أكثر من عضو يف اجلسد‪ ،‬عضو القلب هو رمز خارجي للقوى الروحية‬
‫واإلدراكية الالحمدودة يف اإلنسان‪ ،‬املخلوق على صورة اهلل ومثاله‪.‬‬

‫لكي ينجح سفرنا إىل الداخل‪ ،‬ولكي نصل إىل الصالة احلقيقية‪ ،‬من الضروري أن ندخل إىل هذا "املركز‬
‫املطلق"‪ ،‬أي أن خنرج من الذهن وننحدر حنو القلب‪ ،‬بشكل أبسط حنن ال خنرج من الذهن وإمنا ننحدر‬
‫مع الذهن إىل القلب‪ ،‬فاهلدف والغاية ليست صالةً للقلب‪ ،‬وإمنا صالة ذهنية يف القلب‪" ،‬صالة للذهن‬
‫يف القلب"‪ ،‬ألن اإلمكانيات العقالنية واإلدراكية والوعي هي هدايا إهلية وجيب أن تشرتك بدورها يف‬
‫تسبحته وخدمته‪ .‬هذه ال "وحدة العقل بالقلب" تعيد الوحدة الداخلية اليت تفككت عند السقوط‪ ،‬فتعيد‬
‫اإلنسان من جديد إىل كماله األول واكتماله‪ .‬صالة القلب هي عودة إىل الفردوس‪ ،‬هي إلغاء للسقوط‬
‫بشكل من األشكال‪ ،‬هي عودة إىل احلالة املثالية الفردوسية اليت ما قبل السقوط‪ ،‬أي تعود باإلنسان من‬
‫حالته اآلنية الساقطة ال "ما دون طبيعية" إىل تلك "الطبيعية" واليت كانت قبل اخلطيئة‪ .‬فهي واقع‬
‫إسختولوجي‪ ،‬هي ذوق مسبق للموعودات واآلتيات‪ ،‬الشيء الذي ال ميكن امتالكه يف دهرنا احلاضر‬
‫بكليته‪.‬‬

‫كل َم ْن حقق ولو البعض القليل ‪ -‬رغم نواقصه وضعفه ‪ -‬من "الصالة القلبية" يكون قد بدأ فعالً‬
‫العبور الذي سبق وذكرناه ‪ -‬االنتقال من حماولة الصالة إىل الصالة العفوية‪ ،‬من الصالة اليت أنا أتلوها إىل‬
‫الصالة اليت خترج وحدها‪ ،‬أو بتعبري أفضل الصالة اليت يقوهلا املسيح داخلي‪ .‬وهذا ألن القلب له معىن‬
‫مضاعف يف احلياة الروحية‪ ،‬فهو يف الوقت ذاته مركز الكيان البشري ومكان لقاء اإلنسان باهلل‪ .‬هو يف ٍ‬
‫آن‬
‫و ٍ‬
‫احد مكان معرفة الذات‪ ،‬حيث يكتشف اإلنسان فيه ذاته كما هو‪ ،‬وأيضاً هو املكان الذي فيه يتجاوز‬
‫ذاته وحيث يدرك ذاته وطبيعته كمعبد للثالوث األقدس‪ ،‬حيث الصورة تأيت يف ٍ‬
‫لقاء وجهاً لوجه مع مثاهلا‬
‫السر الذي يفصل‬
‫ويتعرف عليه ويعرب احلاجز وحدود ّ‬
‫األصلي‪ .‬يف أعماق داخله وقلبه جيد اإلنسان كيانه ّ‬
‫بني املخلوق وخالقه‪" .‬هناك أعماق مستورة وخمبأة يف القلب" على حد تعبري القديس مكاريوس املصري‬
‫"‪ ...‬هناك اهلل مع مالئكته‪ ،‬النور واحلياة هناك هي‪ ،‬هناك املدن السماوية‪ ،‬امللكوت‪ ،‬الرسل‪ ،‬كنوز النعمة‪،‬‬
‫كل شيء هناك" (‪.)41‬‬

‫يف‪ .‬فليست‬
‫فالصالة القلبية إذن حتدد املكان الذي فيه "عملي" يتطابق بالواقع مع نشاط شخص آخر ّ‬
‫املتعمدة إىل الصالة العفوية‬
‫هي بعد صالة إىل يسوع وإمنا صالة يسوع ذاته‪ .‬هذا االنتقال من الصالة ّ‬
‫جندها بشكل واضح ومؤثّر يف كتاب "سائح روسي على دروب الرب" ‪" 6‬وباكراً يف صباح أحد األيام‬
‫شعرت وكأن الصالة أيقظتين" (‪)49‬؛ إىل ذلك احلني كان السائح يقول الصالة‪ ،‬من اآلن بدأت الصالة‬
‫خترج وحدها‪ ،‬وحىت يف نومه وذلك ألن صالته صارت متّحدة بصالة اهلل داخله‪.‬‬

‫َّقراء كتاب السائح الروسي رمبا يأخذون من مطالعتهم له الفكرة أن االنتقال من الصالة اللفظية إىل تلك‬
‫أمر سهل ومسألة أسلوب ميكانيكي‪ .‬السائح‪ ،‬كما يبدو‪ ،‬جنح يف الوصول إىل هذه الدرجة‬
‫القلبية هي ٌ‬
‫يوضح أن خربته وجتربته هذه‪ ،‬وإن مل تكن‬ ‫السامية للصالة القلبية خالل فرتة أسابيع قليلة‪ .‬جيب أن ّ‬
‫الفريدة من نوعها والوحيدة‪ ،‬كانت حالة استثنائية‪ .‬عادة الصالة القلبية هذه يصل إليها غالبية النساك ‪-‬‬
‫إ ْن وصلوا ‪ -‬بعد أتعاب نسكية وجهادات طويلة‪ .‬هناك اخلطر‪ ،‬أنه عندما يبدأ أحدنا برتداد صالة يسوع‪،‬‬
‫يظن ويتخيّل أيضاً أنه قد‬
‫مرات كثرية ّ‬
‫يظن على الفور أنه بدأ ينتقل من الصالة اللفظية إىل تلك القلبية‪ّ .‬‬
‫جنح يف الوصول إىل الصالة الصامتة بينما هو يف الواقع ال يصلي مطلقاً‪ ،‬وإمنا قد سقط يف نوع من الفراغ‪،‬‬
‫صائراً فريسةً ألفكاره أو منزلقاً يف نوع من السهو أو الغفوة واحللم يف املنام‪ .‬لكي ال نسقط يف مثل هذه‬
‫املتعمدة واملقصودة وأن جنتهد يف ترداد‬ ‫املخاطر‪ ،‬يوصينا معلِّموا هذه الصالة أن ّ‬
‫نلح ونثابر يف الصالة َّ‬
‫صالة يسوع مشدِّدين على أمهية جتميع كل انتباهنا على كلمات الصالة بدل التفكري بالقلب‪ .‬هي ذي‬
‫مثالً نصيحة األب الروحي إيوسيف (‪ )4919+‬من منطقة ‪ Nea skiti‬يف اجلبل املقدس آثوس‪6‬‬
‫"عمل صالة يسوع هو أن تغصب ذاتك على تردادها بفمك باستمرار وبال انقطاع‪ ...‬وأن تنتبه فقط إىل‬
‫رددها دائماً وباللسان وبصوت مسموع‪ ...‬هناك حاجة‬
‫الكلمات "يا ريب يسوع املسيح ارمحين"‪ّ ...‬‬
‫لغصب الذات وحملاولة مستمرة إىل أن تعتاد يف البداية" (‪.)14‬‬

‫الصالة القلبية عندما تُعطى لنا‪ ،‬تأيت كهبة من اهلل الذي يوزع كيفما وعندما يشاء‪ .‬وليست حاصل‬
‫حتصيل ألسلوب أو طريقة ما‪ .‬القديس اسحق السوري (القرن السابع)‪ ،‬يوضح ندرة هذه املوهبة‪ ،‬إذ‬
‫يقول‪" 6‬بالكاد واحد بني عشرة آالف ميكن أن نعتربه أهالً ملوهبة وهبة الصالة الدائمة"‪ ،‬مث يضيف‪" 6‬أما‬
‫عن األسرار اليت هي وراء الصالة النقية‪ ،‬فبالكاد يوجد واحد يف كل جيل بشري اقرتب من معرفتها"‬
‫(‪.)11‬‬

‫واحد بني عشرة آالف‪ ،‬وواحد يف جيل‪ 6‬بالواقع إنه إنذار وأمر يؤثّر فينا ويزعزعُنا‪ ،‬لكنه جيب أالّ يُضعف‬
‫عزائمنا‪ ،‬درب الدخول إىل أعماقنا دائماً مفتوح وللجميع‪ .‬واجلميع على ح ّد السواء عليهم أن يسلكوه‪،‬‬
‫شيء من خربة ومذاق أسرار القلب‬ ‫كل بقدر مستطاعه يف هذه احلياة‪ ،‬وسيحصلون بالتأكيد على ٍ‬
‫ٌّ‬
‫أخص سيتعلمون ولو بشكل ومبقدار متواضع‬
‫ّ‬ ‫العميقة مهما كان ذلك قليالً؛ من ناحية أخرى وبشكل‬
‫ماذا تعنيه الصالة احلقيقية‪.‬‬
‫تمارين وطرق جسدية‬

‫موضوع مشكوك فيه‪ ،‬وتعليم اآلباء اهلدوئيني األرثوذكس حوله كان‬


‫ٍ‬ ‫من احلسن اآلن أن نتكلم على‬
‫فهمه دائماً؛ وهو دور اجلسد يف الصالة‪.‬‬
‫ُمساءً ُ‬
‫باملادة‪ ،‬املركز الذي يلتقي فيه القوام‬
‫القلب كما ذكرنا‪ ،‬هو مركز الشخصية اإلنسانية‪ ،‬مكان لقاء الروح ّ‬
‫البشري بكل أبعاده الروحية والنفسية‪ .‬فإن كان للقلب هذان البعدان‪ ،‬املنظور وغري املنظور‪ ،‬عندها تكون‬
‫الصالة القلبية صالة مزدوجة‪ ،‬صالة قلب وجسد‪ .‬فقط عندما يشارك اجلسد تغدو الصالة حقيقية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وإجنيلية له‪ ،‬هو كائن واحد نفس جسدي ‪ -‬وليس نفساً مسجونة يف‬ ‫الكائن اإلنساين من نظرةٍ ٍ‬
‫كتابية‬
‫جسد تطلب الفرار منه ‪ -‬وإمنا تركيب مضاعف واحد‪.‬‬

‫اجلسد ليس جسماً مادياً مطلوباً منّا غلبته‪ ،‬أو كتلةً ماديةً املرجو جتاهلها‪ ،‬على العكس اجلسد يلعب‬
‫وجه يف خدمة‬ ‫دوراً مهماً وإجيابياً جداً يف احلياة الروحية وهو ُحملَّى ُ‬
‫و"من ّقط" مبواهب وحماسن ميكنها أن تُ َّ‬
‫الصالة‪.‬‬

‫املتجسد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫إذا كان هذا ينطبق على أية صالة‪ ،‬فكم باحلري على صالة يسوع‪ ،‬كوهنا استدعاء البن اهلل‬
‫بتجسده اقرتن ليس فقط بنفس وإرادة وذهن بشريني وإمنا أيضاً أخذ‬
‫الكلمة الذي "صار جسداً"‪ .‬املسيح ّ‬
‫روحنَها الرب‬
‫فحول البشرة إىل نبع للقداسة ال يتوقف‪ .‬كيف إذن ميكن هلذه البشرة اليت َ‬ ‫جسداً بشرياً‪َّ .‬‬
‫يسوع أن تلعب دوراً مساعداً يف صالة يسوع وبالصالة الذهنية يف القلب؟‪.‬‬

‫طور اآلباء اهلدوئيون أسلوباً‬ ‫ِ‬


‫ومساعدة على جتميع الذات‪َّ ،‬‬ ‫لكي تغدو مشاركة اجلسد بالصالة سهلة‬
‫"رياضةً" أو "فناً بدنياً" طبيعياً حول ذلك‪ .‬كل نشاط روحي أو نفساين له وقع أو انعكاس على الصعيد‬
‫اجلسدي‪ ،‬حبسب وضعنا الداخلي مثالً يتغري لوننا أو نتنفس بسرعة أو ببطء‪ ،‬ضربات قلبنا ذاهتا تزداد أو‬
‫تنقص‪ .‬والعكس بالعكس‪ ،‬فكل تبدل جسدي يؤثر بشكل ما على وضعنا ونشاطنا الروحي‪ ،‬سلبياً أو‬
‫إجيابياً‪ .‬هكذا بإمكاننا إذن‪ ،‬إن راقبنا بعض اخلدمات اجلسدية وحتكمنا هبا بأسلوب ما‪ ،‬أن نساعد على‬
‫تشديد انتباهنا وتركيزنا ووعينا يف الصالة‪ .‬هذه هي القاعدة واملبدأ الذي عليه تعتمد ال "أساليب" اهلدوئية‬
‫للصالة‪.‬‬

‫وبالتفصيل‪ ،‬هذا األسلوب والرياضة البدنية بشكل أساسي تتألف من ثالث نقاط أساسية‪6‬‬

‫‪ )4‬الوضع اخلارجي‪ 6‬القديس غريغوريوس السينائي ينصح باجللوس على مقعد منخفض ارتفاعه عن‬
‫األرض حوايل ‪11‬سم؛ الرأس واألكتاف منحنيان والعينان متجهتان إىل مكان القلب‪ .‬ويزعم أن هذا‬
‫الوضع يصري ضرورياً وحتمياً بعد مرور بعض الوقت‪ .‬آباءٌ آخرون يطلبون أكثر من ذلك‪ ،‬أن نضع رأسنا‬
‫بني ركبتينا متمثلني بإيليا النيب يف جبل الكرمل (‪.)14‬‬
‫‪ )1‬ضبط التن ّفس‪ 6‬التنفس جيب أن يصري أهدأ وأبطأ وبالوقت نفسه أن يرتبط مع "ريتم" الصالة‬
‫(إيقاعها)‪ ،‬عادة مع الشهيق نلفظ "يا ريب يا يسوع املسيح‪ ،‬يا ابن اهلل"‪ ،‬ومع الزفري "ارمحين أنا اخلاطئ"‪.‬‬
‫وهناك بالطبع أساليب أخرى ممكنة‪ .‬توزيع أقسام الصالة ميكنه أيضاً أن يُضبط مع دقات القلب‪.‬‬
‫درب على جتميع فكره يف منطقة حم ّددة من جسمه‪،‬‬
‫‪ )4‬غوص داخلي‪ 6‬كما املبتدئ يف ألعاب اليوغا يُ َّ‬
‫كذلك اهلدوئي‪ ،‬يرّكز فكره يف منطقة القلب‪ .‬فبينما يتنفس بالشهيق حياول أن جيعل ذهنه "يغوص" مع‬
‫اهلواء الداخل إىل أعماقه ليبحث عن مكان القلب‪ .‬تفاصيل وشروحات أطول يف هذا املوضوع ال تُقدَّم يف‬
‫وجمرب ِ‬
‫وخمترب‬ ‫متمرن ِّ‬
‫كتابات خوفاً من سوء فهمها‪ .‬تفاصيل هذه املسرية كثرية لدرجة جتعل إرشاد شخص ِّ‬
‫ضرورياً جداً‪.‬‬

‫املبتدئ‪ ،‬بدون مرشد كهذا‪ ،‬حماوالً أن يبحث عن مكان القلب‪ ،‬يقع يف خطر أن ينحدر قليالً عن‬
‫موضعه احلقيقي‪ ،‬هناك إىل األحشاء اليت هي مركز ونبع الشهوات اجلسدانية اليت تدنِّس الذهن والقلب‬
‫(‪.)11‬‬

‫من البديهي أنه‪ ،‬عندما نتدخل يف الوظائف واحلركات اجلسدية الطبيعية‪ ،‬عندها حنتاج النتباه كثري‪ ،‬كما‬
‫أي استخدام بدين خاطئ أو ضغط غري صحيح قد يؤدي إىل‬
‫يف حركة التنفس أو يف دقات القلب‪ُّ .‬‬
‫الضرر باجلسد والعطب بقوى اإلنسان اإلدراكية ذاهتا‪ .‬هلذا أهم أمر هو وجود مرشد خبري‪ .‬عندما ال‬
‫وموجه كهذا‪ ،‬من البديهي أنه على املبتدئ أن يقتصر على األسلوب البسيط لرتداد الصالة‬
‫يوجد قائد ِّ‬
‫مرات كثرية قد يالحظ‪ ،‬بدون أية حماولة خاصة‬
‫دون أن يعري أي انتباه إىل ربطها بتنفسه أو بدقات قلبه‪ّ .‬‬
‫من جهته‪ ،‬أن كلمات الصالة تتماشى مع نَ َف ِسه أو دقات قلبه‪ ،‬وإن مل حيصل شيء كهذا فال يوجد‬
‫بالواقع أي سبب للقلق ولكن فليتابع صالته الذهنية براحة وحرية‪.‬‬

‫سهل للبعض‬
‫بالطبع األساليب والرياضات البدنية السابقة تبقى دائماً أمراً مساعداً‪ ،‬أمراً ظهر باخلربة أنه يُ ِّ‬
‫عمل الصالة‪ ،‬لكن هذا ال يعين أنه ُحمتَّم ومفروض على اجلميع‪ .‬صالة يسوع ميكن أن ُمتارس بشكلها‬
‫األمسى دون أي أسلوب بدين مما سبق ذكره‪ .‬القديس غريغوريوس باالماس (‪ )4419 -419:‬بينما‬
‫اعترب االعتماد على تلك األساليب شيئاً ذا ركيزة حىت الهوتية‪ ،‬بنفس الوقت واجه مثل هذه األساليب‬
‫كأمر ثانوي وليس أساسياً وخاصة للمبتدئني (‪ .)11‬هلذا عند كل اآلباء واملعلمني اهلدوئيني‪ ،‬األساسي‬
‫ليس ضبط التنفس أو دقات القلب وإمنا االنتباه الداخلي والشعور السري حبضور الرب يسوع‪.‬‬

‫يف ال ‪ 41:‬عاماً األخرية‪ ،‬اآلباء والكتّاب األرثوذكس أعاروا أمهية أقل من السابق هلذه الطرق‪ .‬نصيحة‬
‫األسقف أغناطيوس ‪ )41:7 -41:7( Brianchinaninov‬مؤثرة‪6‬‬

‫"ننصح أخوتنا األحباء أال حياولوا أن يعتادوا هذه األساليب‪ ،‬وإن مل يصلوا إليها وحدهم‪ .‬كثريون‪،‬‬
‫وخربوا رئاهتم ومل يرحبوا شيئاً‪ .‬جوهر املوضوع هو احتاد‬
‫حماولني أن يتعلموها بالسعي‪ ،‬هدموا صحتهم‪ّ ،‬‬
‫الذهن بالقلب خالل الصالة وهذه الوحدة نكسبها بنعمة الرب يف الوقت املناسب الذي يراه هو‪.‬‬
‫أسلوب أبسط ال يقل عنها أمهية‪ ،‬وهو ترداد هذه الصالة مع وقفة أو‬
‫ٌ‬ ‫استبدل هبا‬
‫َ‬ ‫األساليب السابقة قد‬
‫نرددها مع نَ َف ٍ‬
‫س هادئ وبطيء وبذهن ملتصق بكلمات الصالة‪ .‬هبذا‬ ‫اسرتاحة صغرية يف هناية كل مرة ِّ‬
‫األسلوب املساعد نستطيع بسهولة أن حنقق درجة مقبولة من االنتباه" (‪.)1:‬‬

‫تردد صالة يسوع ‪ /4::/‬مرة‬ ‫خيص سرعة ترداد الصالة‪ ،‬يتابع األسقف أغناطيوس نصيحته‪" 6‬لكي ِّ‬
‫مبا ّ‬
‫تردد‬
‫عجلة حتتاج لنصف ساعة‪ .‬لكن بعض النساك حيتاجون ويتطلبون وقتاً أكثر‪ .‬ال ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫بانتباه وبدون‬
‫صلواتك بعجلة‪ ،‬الواحدة تلو األخرى‪ .‬توقف قليالً بني الواحدة والتالية‪ ،‬هكذا تساعد ذهنك على‬
‫التجمع والرتكيز‪ .‬تردادك للصالة دون فواصل ووقفات يع ّكر الذهن‪ .‬تن ّفس بانتباه‪ ،‬هبدوء وبطء" (‪.)17‬‬
‫ّ‬
‫املبتدئون‪ ،‬عادة‪ ،‬مييلون لرتداد الصالة بشكل أسرع‪ ،‬لرمبا ‪ 1:‬دقيقة لل ‪ 4::‬مرة‪.‬‬
‫تشابه مذهل جنده بني نصائح اآلباء اهلدوئيني وبني أساليب ممارسي اليوغا والصوفية اهلندية (‪.)11‬‬
‫لتقليديْن مستقلَ ْني أو منفصلني؟ وإن كان‬
‫فألي درجة هذا التشابه هو نتاج الصدفة‪ ،‬أو تطور متشابه َ‬
‫هناك عالقة بني تلك الصوفيات واهلدوئيني املسيحيني ‪( -‬إذ أن بعض التشاهبات تنفي افرتاض الصدفة‬
‫سبباً هلا) ‪ ،-‬فأي طرف هو الذي استعار ِم َن اآلخر؟! إنه بالفعل موضوع مفتوح للبحث والدراسة‪ .‬وإن‬
‫تبت يف املوضوع‪ ،‬فإن أمراً مهماً جيب أالّ يُنسى وهو أنه مع هذه‬
‫كانت الدالئل املتوفرة حىت اليوم قليلة ال ّ‬
‫التشاهبات توجد أيضاً فروقات‪ .‬كل الصور هلا أطر وكل أطر األيقونات تشرتك بصفات عامة واحدة‪.‬‬
‫خيص صالة‬
‫ولكن الصور اليت فيها قد تكون خمتلفة بالكلية‪ .‬وما يهمنا هو الصورة وليس اإلطار‪ .‬فيما ّ‬
‫يسوع‪ ،‬األساليب البدنية هي مبثابة األُطر‪ ،‬بينما ذكر اسم يسوع هو الصورة داخل ذلك اإلطار‪ .‬إطار‬
‫حيول انتباهنا عن املضمون‬
‫هذه الصالة يتشابه بالفعل مع أساليب خارج املسيحية‪ ،‬إال أن هذا جيب أالّ ِّ‬
‫الفريد واخلاص بصالة يسوع‪ .‬اجلوهر يف صالة يسوع ليس "كيفية" اجللوس أو الرتداد والتكرار حب ّد ذاته‪،‬‬
‫"م ْن" نتكلم‪ .‬هنا نتجه حنو كلمة اهلل املتجسدة بالذات خملصنا يسوع املسيح ابن اهلل وابن‬
‫وإمنا هو إىل َ‬
‫العذراء مرمي‪.‬‬

‫وجود أساليب ورياضات بدنية مرتافقة مع صالة يسوع جيب أالّ تُعمينا عن حقيقة هذه الصالة‪ .‬صالة‬
‫يسوع ليست "رياضة" لكي تساعدنا على جتميع ذاتنا وليست يوغا مسيحية أو ماندرا مسيحية [املاندرا‪6‬‬
‫دعاء يستخدمه اهلنود يف عبادهتم بشكل تكرار وترداد لعبارة خمتصرة وقصرية شريفة]‪ ،‬وإن كان كثريون قد‬
‫ذهبوا إىل هذا التفسري‪ .‬إهنا على العكس صالة تتجه أوالً حنو شخص آخر‪ ،‬حنو اهلل الذي صار إنساناً‪،‬‬
‫الرب يسوع املسيح خملصنا وفادينا‪ .‬إذن صالة يسوع تبعد بعداً شاسعاً عن أي أسلوب ترداد فردي‬
‫ت عن هذا البعد فقدت معناها‪.‬‬ ‫داخلي مغلق‪ .‬هي من ب ٍ‬
‫عد ونوعية وطبيعة خمتلفة‪ ،‬وإن فُ ِ‬
‫صلَ ْ‬ ‫ُ‬
‫يرددها يؤمن بيسوع كابن اهلل‪.‬‬
‫أول بعد أساسي لصالة يسوع هو "اإلميان"‪ .‬الصالة تفرتض أن من ِّ‬
‫حي بالرب يسوع‪ ،‬مبَ ْن هو ومبا صنع ألجلنا‪ .‬لكن إن كان إميان غالبيتنا متزعزعاً‪،‬‬
‫فخلف الرتداد إميان ّ‬
‫أعن قلّة‬
‫ويتواجد مع شكوك‪ ،‬فنحن حنتاج دائماً أن نصرخ مع والد ذلك املصروع‪" 6‬أؤمن يا رب لكن ْ‬
‫إمياين" (مرقس ‪ ،)1169‬لكن على األقل جيب أن توجد الرغبة يف اإلميان‪ ،‬أن يتواجد شيء من اخلشوع‬
‫أو بذرة حمبة ليسوع املسيح الذي ما زلنا نعرفه قليالً جداً‪.‬‬
‫البعد الثاين لصالة يسوع هو بعد "شركة"‪ ،‬فنحن ال نستدعي الرب كأفراد منفصلني‪ ،‬معتمدين حصراً‬
‫على قوانا الذاتية‪ ،‬وإمنا ندعو بامسه كأعضاء جسده وشركاء يف شركة الكنيسة‪ .‬كبار اآلباء والكتَّاب مثل‬
‫القديسني برصنوفيوس‪ ،‬غريغوريوس السينائي واألسقف ثيوفانس كانوا يفرتضون من البديهي أن من‬
‫ينصحوهم هبذه الصالة هم من املعتمدين والذين يشاركون يف حياة الكنيسة األسرارية‪ ،‬االعرتاف واملناولة‪.‬‬
‫أبداً مل يعتربوا هذه الصالة كبديل هلذه األسرار‪ ،‬على العكس كانوا يعتربون َّ‬
‫أن َم ْن حييا يف الكنيسة هو من‬
‫عليه أن ميارس صالة يسوع أو َم ْن مارسها فعالً حبق‪.‬‬

‫ولكن اليوم‪ ،‬يف زمن البحث والتفكك الكنسي‪ ،‬يوجد فعالً كثريون ِممَّن ميارسون صالة يسوع وهم‬
‫بعيدون كل البعد عن حياة الكنيسة ودون أن يكونوا أعضاءً فعالني فيها‪ ،‬وليس من املستبعد أنه ليس‬
‫لديهم إميا ٌن واضح وأكيد بالرب يسوع أو بأي مبدأ آخر‪ .‬هل سنحاكمهم؟! هل سنمنعهم من ترداد‬
‫صالة يسوع؟! بالطبع ال‪ ،‬ما داموا يبحثون بالفعل عن نبع احلياة‪ .‬الرب يسوع مل يرفض أحداً سوى‬
‫املرائني‪ .‬ولكن بالوقت ذاته بكل بساطة ومع معرفتنا لعدم استحقاقنا ولضعفنا حنن‪ ،‬نشعر أيضاً أننا‬
‫مسؤولون وندرك أن هذا الوضع شاذ وغري صحيح‪ ،‬ويتوجب علينا أن نعلمهم بذلك‪.‬‬

‫نهاية المسيرة‬

‫هناية املطاف واملقصد املنشود لصالة يسوع‪ ،‬كما لكل الصلوات عامة‪ ،‬هي أن تتحد صالتنا مع الصالة‬
‫اليت يقوهلا فينا الرب‪ ،‬ورئيس الكهنة العظيم‪ .‬أي مبعىن آخر أن تصري حياتنا حياته‪ ،‬ونَ َفسنا واحداً مع‬
‫النَ َفس اإلهلي الذي يضبط املسكونة‪ .‬فالغاية النهائية ميكن حتديدها حسناً بالعبارة اآلبائية "تألّه"‪.‬‬
‫األرمشندريت سرجيوس بولفاكوف يقول‪" 6‬عندما حيضر اسم يسوع يف القلب البشري جيلب معه قوة‬
‫التألّه" (‪ .)19‬ويقول القديس أثناسيوس الكبري‪" 6‬لقد صار اإلله الكلمة إنساناً ليصري اإلنسان إهلاً"‬
‫(‪ .)1:‬هذا الذي هو إله بالطبيعة تقبَّل و َّاختذ جسداً لكي نقتبل حنن بدورنا وبنعمته ألوهيته‪ ،‬ولنصري‬
‫املتجسد هو أسلوب‬
‫ّ‬ ‫التوجه بصالة يسوع حنو الكلمة اإلله‬ ‫"مشاركي الطبيعة اإلهلية" (‪1‬بطرس ‪ّ .)164‬‬
‫السر الذي بواسطته يصل اإلنسان إىل التشبّه باهلل‪.‬‬
‫سر التألّه داخلنا‪ّ ،‬‬
‫لتحقيق ّ‬
‫عندما جتعلنا الصالة القلبية نتحد بالرب يسوع‪ ،‬تساعدنا لنشارك بدورنا يف إسكان الثالوث األقدس‬
‫فينا‪ .‬وبقدر ما تصري الصالة جزءاً منا ندخل يف حركة احملبة الكائنة بني اآلب واالبن والروح القدس‪ .‬عن‬
‫هذه احملبة كتب القديس اسحق السوري الكلمات الرائعة التالية‪6‬‬

‫"احملبة‪ ،‬هي امللكوت الذي كلمنا عنه املسيح رمزياً عندما وعد تالميذه‪/ 6‬أنتم ستأكلون وتشربون على‬
‫املائدة معي يف ملكويت‪ ،/‬ماذا سيأكلون هناك غري احملبة ؟!‪ ...‬إن وصلنا إىل احملبة نكون قد أهنينا السفر‬
‫ووصلنا إىل آخر اإلحبار إىل تلك اجلزيرة حيث يوجد اآلب واالبن والروح القدس" (‪.)14‬‬

‫سر التألّه البشري غالباً ما يأخذ شكالً خارجياً هو رؤية النور اإلهلي غري املخلوق‪.‬‬
‫يف التقليد اهلدوئي‪ّ ،‬‬
‫هذا النور الذي رآه القديسون يف الصالة مل يكن نوراً رمزياً‪ ،‬وال نوراً خملوقاً حسياً؛ إنه بالذات األلوهة‬
‫والنور اإلهلي غري املخلوق الذي ملع وأضاء من املسيح يف التجلي على جبل ثابور والذي سوف يضيء‬
‫ويسطع يف كل املسكونة عند اجمليء الثاين‪ .‬هناك عبارة شهرية ومجيلة للقديس باالماس عن هذا النور غري‬
‫ف" إىل السماء الثالثة (‪1‬كور ‪6)11641‬‬ ‫ِ‬
‫املخلوق‪ .‬يصف إذن القديس رؤية بولس الرسول عندما "اختُط َ‬
‫"بولس رأى نوراً ال حدود له‪ ،‬من كل اجلهات‪ .‬مل َير أحداً أو هناية البتّة هلذا النور الذي ظهر له وملع‬
‫حوله‪ ،‬فقد كان مبثابة ٍ‬
‫مشس أعظم مبا اليقاس وأرحب من كل املسكونة‪ .‬ويف وسط هذه الشمس انتصب‬
‫هو صائراً كعني بالكلية" (‪.)11‬‬

‫إىل مثل هذه املعاينات السامية للمجد اإلهلي نستطيع أن نصل بواسطة ترداد اسم يسوع‪ ،‬الصالة القلبية‬
‫جتعل نور التجلّي يدخل ويتغلغل إىل كل حنايا حياتنا‪ .‬الرتداد غري املنقطع هلذه الصالة كان له نتيجتان‬
‫املادي احمليط به‪ ،‬إذ غدا كل‬
‫حتول عالقته مع العامل اخلارجي ّ‬
‫على السائح الروسي اجملهول االسم‪ّ ،‬أوالمها‪ّ 6‬‬
‫سر احلضرة اإلهلية‪ ،‬فيكتب‪6‬‬
‫شيء حوله شفافاً يكشف من ورائه َّ‬
‫عندما كنت أصلي من قليب‪ ،‬كل شيء حويل كان يصري مجيالً ورائعاً‪ .‬األشجار‪ ،‬العشب‪ ،‬الطيور‪،‬‬
‫األرض‪ ،‬اهلواء‪ ،‬والنور غدا كأنه يقول ويكشف يل أن كل ذلك هو من أجل اإلنسان‪ ،‬وكلها تشهد على‬
‫حمبة اهلل للبشر‪ ،‬وأن كل شيء يرفع تسبحةً هلل ويرتّل له ذوكصولوجيته‪ .‬هكذا أدركت ما تعنيه "الفيلوكاليّا"‬
‫يف "صوت كل املخلوقات واملوجودات"‪ ...‬كنت أشعر إذن مبحبة ملتهبة ومتأججة ليسوع ولكل شيء من‬
‫خالئق اهلل (‪.)14‬‬

‫حب ّد عبارة لألب ‪" ،Bulgakov‬عندما يشع نور اسم يسوع من القلب عندها يضيء كل املسكونة"‬
‫(‪.)11‬‬

‫وحولت عالقة السائح ليس فقط‬ ‫والنتيجة الثانية هلذه الصالة على سائحنا كانت‪َّ ،‬‬
‫أن الصالة جدَّدت َّ‬
‫باخلالئق اليت حوله وإمنا بالناس الذين قربه‪6‬‬

‫أكن أسري كالسابق حامالً مجّاً من األفكار ومثقالً‬


‫"بدأت إذن ترحااليت وأسفاري من جديد‪ ،‬لكن مل ْ‬
‫ُ‬
‫ومفرح ْني‪ .‬اجلميع كانوا مهذبني ولطيفني‬
‫َ‬ ‫سعيديْن‬
‫هبا‪ .‬استدعاء اسم يسوع كان جيعل طريقي ومسرييت َ‬
‫جرح يب مرةً أحد‪ ،‬مل أكن أف ّكر إال حبالوة الصالة‪" 6‬كم هي‬
‫معي‪ ...‬وكأن الكل كانوا حيبونين‪ ...‬إن َّ‬
‫عذبة صالة يسوع"!! عندها الغضب واإلهانة‪ ...‬كانا يعربان‪ ،‬وكنت أنسامها كليهما" (‪.)11‬‬

‫"احلق أقول لكم‪ ،‬كل ما فعلتموه مع أحد أخويت هؤالء الصغار فيب قد فعلتموه" (مىت ‪ .)1:611‬صالة‬
‫يسوع جتعلنا نرى املسيح يف كل إنسان وكل الناس يف املسيح‪.‬‬

‫فصالة يسوع إذن ليست أسلوباً للهرب واخلروج من العامل وال رفضاً للعامل‪ ،‬على العكس هي جداً‬
‫إجيابية‪ .‬ال تضمر رفضاً للعامل واخلليقة‪ ،‬وإمنا تعطي لكل إنسان ولكل شيء يف اخلليقة قيمته وكرامته‬
‫وأمهيته احلقيقية‪ .‬وكما تقول الدكتورة ‪6Nadejda Gorodetzky‬‬

‫"ميكننا أن نستخدم هذا االسم (اسم يسوع) يف كل مكان وزمان‪ ،‬عندما نلتقي بآخرين؛ عندما نرى أي‬
‫شيء‪ ،‬كتباً‪ ،‬زهوراً؛ كلما ف ّكرنا وأينما نظرنا"‪.‬‬
‫اسم يسوع ميكنه أن يصري مفتاحاً سرياً لكل العامل‪ ،‬أداة ووسيلة للتضحية ولتقريب كل شيء وكل‬
‫إنسان كقربان‪ .‬اسم خيتم كل العامل باخلامت اإلهلي‪ .‬ولرمبا هكذا نستطيع أن نتكلم على "الكهنوت امللوكي"‬
‫كهنوت كل املؤمنني‪ .‬عندما نتّحد مع رئيس كهنتنا العظيم (يسوع املسيح) ميكننا أن نبتهل إىل الروح‬
‫سراً إهلياً (‪.)1:‬‬
‫القدس‪ 6‬اجعل صالتنا ّ‬
‫يصح على‬
‫"الصالة تعين عمالً‪ ،‬نشاطاً‪ .‬أصلّي‪ ،‬يعين أعمل وأنشط بأقصى درجة" (‪ ،)17‬وهذا إن كان ّ‬
‫يصح على صالة يسوع‪ .‬بينما هذه الطريقة من الصالة تبدو وكأهنا مناسبة للرهبان‬
‫كل صالة فباألكثر ّ‬
‫وللمتوحدين (‪ ،)11‬هي بنفس الوقت وبنفس املقدار صالة مناسبة لسائر املؤمنني ملتزوجني‪ ،‬ألطباء‬
‫وأطباء نفسانيني‪ ،‬لرجال العمل االجتماعي‪ ،‬وجلايب الباص وللمعلم‪ ...‬اخل‪ .‬ترداد اسم يسوع عندما يتم‬
‫ويتعمق أكثر يف أعماله املختلفة‪ ،‬وذلك دون أن‬ ‫ٍ‬
‫بشكل صحيح جيعل كالً منا‪ ،‬كائناً من كان‪ ،‬ينجح ّ‬
‫مرددها أكثر‬
‫يقطعنا أو يفصلنا عن اآلخرين وإمنا على العكس يوحدنا هبم‪ .‬ألن هذه الصالة جتعل ِّ‬
‫إحساساً مبشاكل ومتاعب ومصاعب اآلخرين‪ .‬صالة يسوع جتعل من مصلِّيها "إنساناً لآلخرين"‪ ،‬أداة‬
‫صريه مركزاً حياً وفعلياً لإلتصال باآلخرين‪.‬‬
‫حية للسالم‪ ،‬السالم اإلهلي‪ ،‬تُ ّ‬
‫"والسبح هلل دائماً"‬
‫كلمة عن المؤلف‬

‫املطران كاليستوس وير (‪ُ ،)Timothy Ware‬ولِ َد يف إنكلرتا سنة ‪ .4941‬درس اليونانية القدمية‬
‫والالتينية يف جامعة أوكسفورد وذلك خالل األعوام ‪ ،4911 -4911‬باإلضافة إىل الفلسفة والالهوت‬
‫وحصل من هذه اجلامعة يف العام ‪ 491:‬على شهادة الدكتوراة بأطروحة حول القديس مرقس الناسك‬
‫(القرن اخلامس)‪.‬‬

‫ترّب ونشأ يف عائلة انكليكانية (بروتستانت متطرفني)‪ .‬احتك مع األرثوذكسية ألول مرة‬
‫انكليزي األصل‪ّ ،‬‬
‫يف العام ‪ ،4911‬يف بداية حياته اجلامعية‪ ،‬عندما بدأ حيضر اخلدم اإلهلية والقداس اإلهلي يف كنائس‬
‫املهاجرين اليونان والروس األرثوذكسية‪ ،‬املوجودة يف لندن‪.‬‬

‫وقربه إىل األرثوذكسية كان القداس اإلهلي‪ ،‬كما تقيمه وحتياه كنيستنا‪ ،‬وأيضاً تقليدها الرسويل‬
‫ما أماله ّ‬
‫الصايف وحياهتا النسكية الصوفية احليّة‪ 6‬باألخص كيف‪ ،‬يف الكنيسة األرثوذكسية‪ ،‬الصالة والالهوت‬
‫أمر واحد ال يتجزأ‪.‬‬
‫واحلياة هي ٌ‬
‫بعد مرحلة انتظار دامت ‪ :‬سنوات‪ ،‬قبلته الكنيسة األرثوذكسية يف لندن العام ‪ .4911‬سنة ‪49:1‬‬
‫ُشرطن مشاساً متسمياً "كاليستوس"‪ .‬العام ‪ُ 49::‬سيِّم كاهناً مث بنفس العام لبس اإلسكيم الرهباين يف‬
‫دير القديس يوحنا احلبيب يف جزيرة "بطمس"‪.‬‬

‫يف اخلريف من نفس العام ‪ ،49::‬عاد األب كاليستوس إىل أوكسفورد وتسلّم رئاسة الرعية هناك‪.‬‬
‫مدرساً للعلوم الالهوتية والشرقية والتارخيية يف تلك‬
‫وبالوقت نفسه عُ ِّني أستاذاً يف جامعة أوكسفورد ِّ‬
‫اجلامعة‪ .‬العام ‪ 497:‬صار عضواً يف ‪ College Rembroke‬يف تلك املدينة‪.‬‬

‫إنه مؤلف كتاب "الكنيسة األرثوذكسية" ‪( The Orthodox Church‬مرتجم إىل العربية‪6‬‬
‫تعرف إىل كنيستك)‪.‬‬
‫سلسلة ّ‬
‫وهذا الكتاب متداول اآلن بلغات خمتلفة أخرى وله صدى وانتشار واسع جداً‪ .‬أيضاً كتب مؤلفه‬
‫‪ ،Eustrotios Argenti‬عن حياة ونشاط هذا الالهويت الذي عاش يف القرن ‪ .41‬أيضاً مؤلفه‬
‫‪ The Orthodox Way‬الرؤية األرثوذكسية‪ .‬كتبه ترتجم على الفور إىل أهم اللغات العاملية‬
‫املسيحية (الفرنسية‪ -‬اليونانية‪ -‬والعربية والصربية)‪ ...‬املطران كاليستوس هو أحد مصدري اجمللة الالهوتية‬
‫‪ Sobornost‬وهو نائب رئيس اجلمعية العلمية "القديسني ألفانوس وسرجيوس" اليت تصدِّر هذه اجمللة‪.‬‬
‫وهو أيضاً عضو يف اللجنة العقائدية "األرثوذكسية‪ -‬أنكليكانية" منذ العام ‪.4974‬‬

‫إنه أيضاً املسؤول عن إصدار امليناون والرتيوديون باللغة االنكليزية‪ .‬يتابع دراساته وحبوثَهُ يف مواضيع عن‬
‫تاريخ الكنيسة األرثوذكسية وأيضاً يهتم اآلن برتمجة األجزاء اخلمسة لل "فيلوكاليا" إىل اللغة االنكليزية‪.‬‬

‫بعد عرض وطلب رئيس أساقفة انكلرتا سيادة املطران "ميثوديوس" اُختري األب كاليستوس أسقفاً من قبل‬
‫البطريركية املسكونية يف القسطنطينية‪ .‬إنه أول أسقف من أصل انكليزي أرثوذكسي منذ عهد االنقسام!!‬
‫سيامته أسقفاً متت يف ‪ :‬حزيران ‪ 4911‬يف لندن‪.‬‬

‫كتابه الذي ترمجناه إىل العربية "قوة اسم يسوع"‪ ،‬يعتمد باألساس على جمموعة حماضرات ألقاها يف‬
‫انكلرتا ويف الواليات املتحدة أمام حضور أرثوذكسي وفري‪ .‬يف كتابه هذا‪ ،‬كما يف كل نصوصه ومؤلفاته‬
‫يفسر وينقل هذا التقليد بالذات‪ ،‬لكي ينقله‬
‫عامة‪ ،‬يبقى أميناً وملتصقاً بالتقليد األرثوذكسي وحياول أن ّ‬
‫بدوره كما تسلّمه‪ ،‬ولكن بأسلوب مناسب وقريب من إنسان الغرب كما من إنسان الشرق‪.‬‬

You might also like