You are on page 1of 32

‫األثر البيئي في غياب العصر احلجري الوسيط التقليدي‬

‫وإشكالية االنتقال إلى العصر احلجري احلديث في اجلزيرة العربية‬


‫الم ْع َمري‬
‫عبدالرزاق َ‬

‫ملخص‪ :‬تتناول هذه الدراسة إشكالية االنتقال من العصر احلجري القدمي إلى العصر احلجري احلديث في اجلزيرة العربية‪،‬‬
‫إضافة إلى مفاهيمها املختلفة‪ ،‬وتقترح إعادة الرؤوس احلادة غير املعنقة‪ ،‬املرققة من اجلهتني بطريقة الطرق غير املباشر‪،‬‬
‫في ثقافة الشظايا (لوحة ‪ ،)23‬إلى تلك املرحلة االنتقالية‪ ،‬مع أن الباحث ال يستبعد أن تكون الرؤوس األخرى غير املعنقة‪،‬‬
‫أيضاً‪ ،‬املهذبة بطريقة الضغط (لوحة ‪24‬ج‪ :‬أ ‪ -‬ب‪ :25 ،‬أ‪ -‬ب)‪ ،‬تعود‪ ،‬هي األخرى‪ ،‬إلى املرحلة نفسها‪ .‬كما تقترح الدراسة‬
‫وضع هذه األدوات املقترحة للمرحلة املذكورة‪ ،‬حتت مفهوم (لواحق العصر احلجري القدمي)‪ ،‬أو (العصر احلجري القدمي‬
‫الالحق) )‪ ،(Epi-Paleolithic‬أو (لواحق العصر احلجري القدمي العربية) )‪ ،(Arabian Epi-Paleolithic‬خلصوصيتها‪ ،‬أضف إلى‬
‫ذلك أن هذه الدراسة تنظر في األسباب التي قادت في اجلزيرة العربية إلى غياب كل من خصائص العصر احلجري الوسيط‬
‫التقليدية‪ ،‬التي ُعرفت في أوروبا‪ ،‬وخصائص لواحق العصر احلجري القدمي‪ ،‬التي وجدت في الشرق األوسط‪ ،‬وترجعها إلى‬
‫أسباب بيئية‪ ،‬في املقام األول؛ وفي الوقت نفسه تشير إلى مسألة غياب‪ ،‬أو على األقل‪ ،‬عدم تطابق سمات العصر احلجري‬
‫القدمي األعلى في هذه املنطقة‪ ،‬مع سمات العصر املذكور‪ ،‬في األقاليم األخرى‪ ،‬سالفة الذكر‪ ،‬وتعتبرها سبباً من األسباب‬
‫الرئيسة التي قادت‪ ،‬هي األخرى‪ ،‬إلى غياب تلك اخلصائص في املرحلة االنتقالية‪ ،‬أضف إلى ذلك‪ ،‬فإن هذه الدراسة تُقدم‬
‫عدداً من البراهني‪ ،‬حول مسألة اإلقرار بنظرية احلتمية البيئية‪ ،‬من عدمه‪ ،‬من واقع اجلزيرة العربية‪ ،‬مبنية على الربط بني‬
‫الوقائع األثرية‪ ،‬من جهة‪ ،‬واألدوار املُناخية‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬وجوانب أخرى ذات صلة‪.‬‬

‫‪Abstract. This article addresses the problems associated with the transition to the Neolithic in Arabia, in addition‬‬
‫‪to the various concepts regarding the Paleolithic - Neolithic transition. It was suggested that the un steamed point‬‬
‫‪with bifacial retouch indirect percussion which characterized the Flake Culture (Pla. , 23). Nevertheless, the author‬‬
‫‪did not rule out that the other un steamed points with bifacial retouch obtained by pressure might belong to the same‬‬
‫‪period (Pla. , 24C: A-B, 25: A-B). The suggested tools might collectively be termed as Epi-Paleolithic or (Arabian‬‬
‫‪Epi-Paleolithic)، due to their unique properties. The absence of classical Mesolithic was due mainly to environmental‬‬
‫‪reasons, besides other factors such as developmental cultural choice. This study adds more evidences about the‬‬
‫‪feasibility of the environmental determinism theory to explain the climate changes in Arabia. Such conclusion was‬‬
‫‪based on correlating the climate parameters and archaeological findings.‬‬

‫األدوار اجلافة‪ ،‬ولكن األدوار املطيرة‪ ،‬قد تقود‪ ،‬في بعض‬ ‫ال ش��ك أن ل�ع��وام��ل البيئة ت��أث�ي��راً م�ب��اش��راً على حياة‬
‫احل� ��االت‪ ،‬إل��ى النتيجة نفسها‪ ،‬كما ستُشاهد ف��ي هذه‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وأنشطته اليومية‪ ،‬وعلى حتديد خصائص العصور‬
‫الدراسة‪ ،‬وهذا يجعل الباحث يعتقد أن لإلنسان خيارات‬ ‫احلجرية‪ ،‬وحتى على مسألة وجود بعض هذه العصور من‬
‫ذاتية‪ ،‬متفاوتة‪ ،‬إلى جانب الشروط البيئية‪ ،‬حتى وإن كانت‬ ‫عدمه‪ ،‬وبخاصة العصور االنتقالية‪ ،‬مثل العصر االنتقالي‬
‫محدودة‪ ،‬وهو ما سيتم التطرق إليه‪ ،‬كذلك‪ ،‬في هذه الدراسة‪،‬‬ ‫بني العصر احلجري القدمي‪ ،‬والعصر احلجري احلديث‪،‬‬
‫ضمن املواضيع األخرى ذات الصلة‪ ،‬وتستند الدراسة في‬ ‫والذي يُع ُّد املوضوع الرئيس في هذه الدراسة؛ وتأتي في‬
‫سجلها الباحث في‬
‫موضوعها الرئيس‪ ،‬إلى أدوات حجرية‪ّ ،‬‬ ‫مقدمة ه��ذه ال�ع��وام��ل‪ ،‬التغيرات املُناخية‪ ،‬وبشكل خاص‬

‫‪87‬‬
‫عبدالرزاق امل َ ْع َمري‬

‫وه ��و ج�ل�ي��د ف �ي��ور (‪ ،)Würm‬ب ��ال ��دفء‪ ،‬وت�ش�ك��ل األنهار‪،‬‬ ‫عام ‪1990‬م )‪ ،(Rashed 1993a‬في جنوبي اجلزيرة العربية‪،‬‬
‫والبحيرات (لوحة ‪ ،)11 ،10‬واملستنقعات‪ ،‬وس��ادت فيها‪،‬‬ ‫منها مجموعة من أربعة مواقع (خريطة‪2 ،1‬؛ لوحة ‪،)3 -1‬‬
‫أشجار الصنوبر (‪( )Pine‬لوحة ‪ ،)8‬والبتوال (‪ ،)Birch‬التي‬ ‫إضافة إلى معطيات الدراسات البيئية‪ ،‬واآلثارية األخرى‬
‫أخذت حتل‪ ،‬بالتدريج‪ ،‬محل أشجار (التندرا) (‪،)Tundra‬‬ ‫ذات الصلة‪.‬‬
‫إضافة إلى ظهور الشجيرات الفصلية املخضوضرة (لوحة‬
‫املرحلة االنتقالية ب�ين العصر احل�ج��ري القدمي‬
‫‪ ،)8‬إل��ى جانب متايز ملموس ف��ي فصول السنة‪ ،‬وظهور‬
‫والعصر احلجري احلديث‬
‫عالم حيواني جديد (لوحة ‪ ،)8 ،6 ،5‬وبيئة عامة ال تختلف‬
‫خلص‬ ‫كثيراً عن البيئة املعاصرة‪ ،‬من حيث املبدأ(‪ ،)1‬وقد ّ‬ ‫متيزت املرحلة االنتقالية من العصر احلجري القدمي‬
‫اآلثاري‪ ،‬واملتخصص بعلم اإلنسان (‪( ،)Anthropology‬براين‬ ‫األع �ل��ى‪ ،‬إل��ى ال�ع�ص��ر احل �ج��ري احل��دي��ث‪ ،‬ب �ظ��روف بيئية‬
‫فجان) (‪ )Brain Fagan‬بيئة عصر الهولوسني (‪،)Holocene‬‬ ‫جديدة‪ ،‬بوجه ع��ام‪( ،‬لوحة ‪ ،)12-5‬تختلف عن الظروف‬
‫وهو العصر الذي ما يزال مستمراً إلى اآلن‪ ،‬بـ‪( :‬الصيف‬ ‫البيئية القدمية‪ ،‬التي كانت سائدة في عصر البليستوسني‬
‫ال�ط��وي��ل)‪ ،(Fagan 2004) (The long Summer) ،‬مقارنة‬ ‫(‪( )Pleistocene‬ل��وح��ة ‪ .)4‬فقد اتَّسمت ه��ذه البيئة في‬
‫باألدوار اجلليدية التي سادت في عصر البليستوسني‪ .‬ولكن‬ ‫أوروب��ا‪ ،‬ج��راء ذوب��ان آخر جليد من جليد العصر املذكور‪،‬‬
‫على العكس من هذه البيئة اجلديدة التي ظهرت في أوروبا‪،‬‬
‫فقد حدث دور جاف في كثير من مناطق اجلزء اجلنوبي‬
‫م��ن ال�ك��رة األرض �ي��ة‪ ،‬أ َّث��ر ب ��دوره على بيئة ه��ذه املناطق‪،‬‬
‫ومنها اجلزيرة العربية )‪( (McClure 1976‬لوحة ‪،)14 -13‬‬
‫والصحراء األفريقية الكبرى )‪ ،(Shaw 1976‬مع أن إقليم‬
‫البحر األبيض املتوسط متتَّع ببيئة دافئة‪ ،‬وقسط أوفر من‬
‫‪4‬‬
‫املناخ ال ِّرطب‪ ،‬مقارنة مبناطق أخ��رى كثيرة جنوبية‪ ،‬هذا‬
‫فيما يتعلّق بالبيئة‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2 3‬‬

‫أ ّما ما يتعلق بحياة اإلنسان‪ ،‬وثقافته‪ ،‬فإن أوروبا دخلت‬


‫سجل فيها الباحث في عام ‪1990‬م األدوات املقترحة‬
‫اخلريطة ‪ :1‬املواقع التي َّ‬
‫هذه املرحلة االنتقالية في عصر الهولوسني (‪)Holocene‬‬ ‫للواحق العصر احلجري القدمي في اجلزيرة العربية‪ -1 :‬ال َعبر؛ ‪ -2‬طرف‬
‫املب ِّكر‪ ،‬فيما دخلتها منطقة الشرق األوسط في نهاية عصر‬ ‫باغصني ‪ -‬شرق كهف تية في املهرة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫العني؛ ‪ -3‬الوهد؛ ‪-4‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬

‫الشكل‪ :1‬من مساكن لواحق العصر احلجري القدمي في الشرق األوسط ‪-‬‬ ‫سجل فيها الباحث مواقع األدوات‬
‫اخلريطة ‪ :2‬األماكن اجلغرافية التي َّ‬
‫الثقافة النطوفية‪ /‬عني مالحة‪ ،‬وادي األردن‪.‬‬ ‫املقترحة للواحق العصر احلجري القدمي في اجلزيرة العربية‪ -1 :‬مركز‬
‫ال َعبر؛ ‪ -2‬طرف العني؛ ‪ -3‬الوهد (بني هضبة حضرموت‪ ،‬والربع اخلالي)‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫األثر البيئي في غياب العصر احلجري الوسيط التقليدي وإشكالية االنتقال إلى العصر احلجري احلديث في اجلزيرة العربية‬

‫البليستوسني‪ ،‬وق��د أصبحت الكثير من مساكن اإلنسان‬


‫في املرحلة املذكورة (شكل ‪ ،)1‬تشيد قرب مصادر الغذاء‪،‬‬
‫وبخاصة على ضفاف األنهار‪ ،‬والبحيرات (لوحة ‪ ،)11‬هذا‬
‫إل��ى جانب استخدام امل�غ��ارات‪ ،‬والكهوف القريبة بدورها‬
‫من هذه املصادر‪ .‬كما ظهرت في أوروبا‪ ،‬واملناطق القريبة‬
‫منها‪ ،‬مبا في ذل��ك إقليم البحر األبيض املتوسط‪ ،‬تقنية‬ ‫اللوحة ‪ :1‬موقع العبر رقم ‪ -1‬ب‪ :‬وجدت فيه بعض أدوات من لواحق العصر‬
‫احلجري القدمي (املجموعة ‪ -‬أ)‪ ،‬مع أدوات من العصر احلجري القدمي‬
‫(مركز العبر‪ -‬الربع اخلالي)‪ ،‬تصوير الباحث ‪1990‬م‪.‬‬

‫اللوحة ‪ :2‬موقع الوهد رقم‪ :1‬وجدت فيه املجموعة (‪-‬ج) من لواحق العصر‬
‫احلجري القدمي‪ ،‬مع أدوات من العصر احلجري القدمي (املوقع يقع بني‬
‫حضرموت‪ ،‬والربع اخلالي)‪ ،‬تصوير الباحث ‪1990‬م‪.‬‬

‫شكل‪ :2‬مناذج من أدوات العصر احلجري الوسيط (‪ )Mesolithic‬في أوروبا‪:‬‬


‫اجلهة اليسرى م��ن الشكل‪ 5 -1 :‬م��ن موقع (ل��ه م��اس د أزِ ي ��ل) (‪Le Mas‬‬
‫‪ -1:)ďAzil‬نصل‪ -2 ،‬مكيشط طرفي‪ -3 ،‬مكيشط‪ -4 ،‬سنَّارة مستعرضة‬
‫الشكل‪ -5 ،‬زخ��رف��ة على َح� َ�ج��رة مدحرجة (‪)Pebble‬؛ ‪ -13 -6‬م��ن موقع‬
‫(سوفتير) (‪ -7 -6 :)Sauveterre‬نصالن‪ -8 ،‬مكيشط دائ��ري الشكل‪-9 ،‬‬
‫‪ -13‬أدوات قزمية؛ ‪ 22 -14‬من موقع (تردينويز (‪ ))Tarduenois‬في فرنسا‪:‬‬
‫‪ 16 -14‬أدوات قزمية‪ 18 -17 ،‬رؤوس سهام مثلثة الشكل‪20 -19 ،‬أدوات‬
‫قزمية‪ 22 -21،‬مخرزان قزميان احلجم‪ .‬اجلهة اليمنى من الشكل‪ :‬أدوات‬
‫من عظام األي��ل‪ -1 :‬سنَّارة مط َّعمة ب��أدوات قزمية‪( ،‬السويد)‪ -2 ،‬سنَّارة‬
‫بأسنان منشارية الشكل (اجلانب الغربي من أملانيا)‪ -3 ،‬سنَّارة بأسنان من‬ ‫اللوحة ‪ :3‬موقع طرف العني رقم‪ 4‬وجدت فيه أدوات من العصر احلجري‬
‫جهة واحدة (استونيا)‪ -5 ،‬سنَّارة بأسنان من اجلهتني (اجلانب الشرقي من‬ ‫احلديث املبكر (املجموعات أ‪ ،‬ب)‪ ،‬مع أدوات من العصر احلجري القدمي‪،‬‬
‫أملانيا)‪ -6 ،‬خطاف لصيد السمك‪ -7 ،‬فأس من قرون األيل (الدانيمارك)‪،‬‬ ‫وم��ن الفترة املبكرة من العصر احلجري احلديث املتأخر‪ ،‬أيضاً‪ ،‬تصوير‬
‫نق ً‬
‫ال عن (‪.)Mongait 1973: 177‬‬ ‫الباحث ‪1990‬م‪.‬‬

‫اللوحة ‪ :4‬بيئة البليستوسني الشمالية‪ ،‬اللوحة ‪ :5‬بيئة الهولوسني وحيواناتها اللوحة ‪ :6‬بيئة الهولوسني وحيواناتها اللوحة ‪ :7‬بيئة الهولوسني وحيواناتها‬
‫اجلنوبية‪.‬‬ ‫الشمالية‪.‬‬ ‫وحيواناتها املنقرضة (املاموث‪ ،‬ووحيد الشمالية‪.‬‬
‫القرن امل ُ ْصوِ ف)‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫عبدالرزاق امل َ ْع َمري‬

‫جديدة‪ُ ،‬سميت بتقنية صناعة األدوات احلجرية القزمية‬


‫الهندسية الشكل (‪( )2()Geometrical Microlith Tools‬شكل‬
‫‪ ،)22 -6 :2‬إضافة إلى انتشار ال��رؤوس احل��ادة‪ ،‬ورؤوس‬
‫السهام (شكل ‪ ،17 -11 ،8 -2 :6‬شكل ‪ ،)8 -1 :8‬وأدوات‬
‫أخرى‪ ،‬إلى جانب انتشار صناعة األدوات العظمية (شكل‬
‫‪ ،)3 ،2‬وبخاصة ذات الصلة بصيد األسماك (شكل ‪-1 :2‬‬ ‫لوحة ‪ :8‬بيئة الهولوسني وحيواناتها في مناطق السهوب‪.‬‬
‫‪ ،)6‬ال��ذي أصبح عنصراً مهماً في األنشطة االقتصادية‬
‫في هذه املرحلة‪ .‬وقد كان ملنطقة البحر األبيض املتوسط‪،‬‬
‫احلظ األوفر في هذا التحول‪ ،‬ونخص بالذكر‪ ،‬بالد الشام‪،‬‬
‫وهضبة زاغروس‪ ،‬وشمالي العراق‪ ،‬واألناضول‪ ،‬حيث اجته‬
‫املناخ فيها نحو ال��دفء‪ ،‬والرطوبة (لوحة ‪ )9‬أكثر منه في‬
‫أوروب��ا‪ ،‬وظهرت فيها‪ ،‬خ�لال ه��ذا املناخ‪ ،‬أشجار البلوط‪،‬‬
‫لوحة ‪ :9‬بيئة‪ ،‬وحيوانات البحر األبيض املتوسط واملناطق اإلستوائية وشبه‬
‫والفستق‪ ،‬التي حلت محل األشجار السابقة احملبة للبرد‪،‬‬
‫االستوائية في الهولوسني‪.‬‬
‫إضافة إلى ظهور احلبوب البرية‪ ،‬التي كانت في مخابئها‬
‫أثناء املناخ البارد في البليستوسني (كوفني ‪.)18 -17 :1984‬‬
‫أ ّما املناطق التي سادت فيها ظروف مناخية جافة‪ ،‬كاجلزيرة‬
‫العربية (لوحة ‪ ،)14 -13‬فإن سمات املرحلة االنتقالية فيها‬
‫إلى العصر احلجري احلديث‪ ،‬كانت مختلفة‪ .‬ولكن يجب‬
‫اإلش��ارة هنا إلى أن��ه‪ ،‬على الرغم من األث��ر البيئي الكبير‬
‫في حتديد سمات هذه املرحلة االنتقالية‪ ،‬هناك خصائص‬ ‫لوحة ‪ :10‬انتشار الطيور قرب مصادر املياه في الهولوسني‪.‬‬

‫ثقافية‪ ،‬وجدت في العصور السابقة‪ ،‬وبالتالي فقد كانت‬


‫لها‪ ،‬دور في حتديد هذه السمات‪ ،‬أيضاً‪.‬‬
‫تُع ُّد تقنية األدوات القزمية الهندسية الشكل‪ ،‬ابتكاراً‬
‫نابغاً في تلك املرحلة االنتقالية )‪،(Mongait 1973: 179‬‬
‫مع أن مقدمات هذه التقنية‪ ،‬ظهرت في العصر احلجري‬
‫القدمي األعلى (شكل ‪ ،)5‬كما أن مقدمات صناعة األدوات‬
‫العظمية ظهرت‪ ،‬هي األخرى‪ ،‬في العصر املذكور (شكل ‪.)4‬‬ ‫لوحة ‪ :11‬مسكن ُم ْستَ َعاد من مساكن العصر احلجري الوسيط بالقرب من‬
‫مصادر املياه في أوروبا وأشجار البتوال‪.‬‬
‫فقد كانت األدوات القزمية املذكورة‪ ،‬على وجه اخلصوص‪،‬‬
‫مالئمة لنمط العيش اجل��دي��د‪ ،‬ال��ذي ظهر على ضفاف‬
‫األودي��ة‪ ،‬والبحيرات في تلك املناطق‪ ،‬حيث انقرضت على‬
‫إثر ذوبان ذلك اجلليد‪ ،‬احليوانات الضخمة‪ ،‬آكالت النبات‪،‬‬
‫مثل امل��ام��وث‪ ،‬ووحيد القرن املُ� ْ‬
‫�وص��وف‪ ...‬ال��خ في أوروبا‬
‫(لوحة ‪ ،)4‬وحلَّت محلَّها‪ ،‬مع تب ُّدل الغطاء النباتي‪ ،‬حيوانات‬
‫صغيرة احلجم‪ ،‬كاأليائل (لوحة ‪ ،)6‬وغيرها من احليوانات‬
‫األخرى الصغيرة احلجم‪ ،‬نسبياً‪ ،‬والسريعة ال َعدو (لوحة ‪-5‬‬ ‫لوحة ‪ :12‬مسكن ُم ْستَ َعاد من مساكن العصر احلجري الوسيط في أوروبا‬
‫وأشجار الصنوبر‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫األثر البيئي في غياب العصر احلجري الوسيط التقليدي وإشكالية االنتقال إلى العصر احلجري احلديث في اجلزيرة العربية‬

‫‪ ،)9‬كما كثرت الطيور على ضفاف تلك األودية‪ ،‬والبحيرات‬


‫(لوحة ‪ ،)10‬فتطلب ذلك الوضع اجلديد‪ ،‬ظهور هذا النوع‬
‫اجلديد‪ ،‬من األدوات‪ .‬كما استُخدمت هذه األدوات‪ ،‬كذلك‪،‬‬
‫في التعامل مع الغطاء النباتي اجل��دي��د‪ ،‬بعد أن ُط ِّعمت‬
‫صنِعت من العظام‪ ،‬وامل��واد العضوية األخرى‪،‬‬ ‫بها حوامل ُ‬
‫خُ صصت لهذه األدوات‪ ،‬مثل املناجل البدائية (شكل ‪-13‬‬
‫لوحة ‪ :13‬الربع اخلالي‪ ،‬ال��ذي يُحتمل أن كان على ما هو عليه اليوم في‬
‫‪ ،)26 ،25‬لقطف محاصيل النبات البري‪ ،‬وقطع أغصان‬
‫الفترة اجلافة في نهاية البليستوسني‪ ،‬بنا ًء على الدراسات البيئية واآلثارية؛‬ ‫وج ّز النبات‪ ،‬وقطع جذورها‪ ...‬الخ‪ ،‬التي أدخلها‬ ‫األشجار‪َ ،‬‬
‫تصوير الباحث ‪2008‬م‪.‬‬ ‫صنعت‪،‬‬ ‫اإلنسان في وجبته الغذائية‪ ،‬وم��ن ه��ذه األدوات ُ‬
‫أيضاً‪ ،‬السنانير‪ ،‬أو (الشصوص) لصيد األسماك (شكل ‪2‬‬
‫اجلهة اليمنى‪ ،)5 -1 :‬بعد أن ُط ِّعمت حواملها‪ ،‬املصنوعة‪،‬‬
‫هي األخ��رى‪ ،‬من امل��واد العضوية‪ ،‬بهذه األدوات (شكل ‪2‬‬
‫اجلهة اليمنى‪ .)1 :‬وفي املرحلة االنتقالية استُخدم القوس‬
‫بشكل واسع‪ ،‬بدليل كثرة رؤوس السهام‪ ،‬ومنها بعض األدوات‬
‫القزمية‪ ،‬والذي يُعتقد أن ابتكاره حدث في أواخر العصر‬
‫لوحة ‪ :14‬البحيرات اجلافة في الربع اخلالي‪ ،‬محاطة بالكثبانات الرملية‪،‬‬ ‫احل�ج��ري ال�ق��دمي األع �ل��ى‪ ،‬بدليل وج��ود ال ��رؤوس احلادة‪،‬‬
‫تتج َّمع فيها مياه اإلمطار عند هطولها اليوم في احلاالت النادرة؛ تصوير‬ ‫ورؤوس السهام‪ ،‬ومنها ذوات العقب‪ ،‬وبخاصة رؤوس السهام‬
‫الباحث ‪2008‬م‪.‬‬ ‫املذنبة‪ ،‬واملعنّقة (شكل ‪.)24 -22 :5‬‬
‫وعلى الرغم من أن الصيد وجمع القوت الطبيعي‪ ،‬ظال‬
‫في املرحلة املذكورة‪ ،‬عنصران أساسيان للحياة املعيشية‪،‬‬
‫كما كان عليه احلال‪ ،‬من حيث املبدأ‪ ،‬في العصر احلجري‬
‫القدمي؛ ولكن هذه العملية‪ ،‬صارت تُنفذ ب��أدوات جديدة‪،‬‬
‫وفي ظروف طبيعية مختلفة‪ ،‬عن ظروف العصر احلجري‬
‫القدمي‪ ،‬إلى جانب تراكم اخلبرة اإلنسانية الطويلة‪ ،‬والعملية‬
‫لوحة ‪ :15‬يُعتقد أن كانت هذه البيئة املعاصرة‪ ،‬اإلستوائية وشبه اإلستوائية‬ ‫التاريخية نفسها‪ ،‬ف�ص��ار اإلن �س��ان‪ ،‬ف��ي ظ��ل استخدامه‬
‫مشابهة لبيئة الفترات املطيرة في اجل��زي��رة العربية‪ ،‬بنا ًء على معطيات‬
‫للتقنيات اجلديدة‪ ،‬يحصل على غذائه املطلوب في وقت‬
‫الدراسات البيئية واآلثارية‪.‬‬
‫قصير‪ ،‬نسبياً‪ ،‬مقارنة بالوضع الذي كان عليه في العصر‬
‫احلجري القدمي‪ ،‬وفي الوقت نفسه فقد تو ّفر لإلنسان‪ ،‬إلى‬
‫جانب توفير قسط من اجلهد البدني‪ ،‬من خالل استخدام‬
‫هذه األدوات‪ ،‬وقتاً للتفكير والتأمل‪ ،‬فصارت عملية الصيد‪،‬‬ ‫ش �ك��ل‪ :3‬أداوت ح �ج��ري��ة‪ ،‬أغلبها‬
‫واجلمع الطبيعي‪ ،‬في هذه الظروف اجلديدة‪ ،‬عملية خالقة‪،‬‬ ‫قزمية هندسية الشكل (‪Geometrical‬‬
‫‪ ،)Microlith Tools‬إض��اف��ة إلى‬
‫ومك َّثفة في الوقت نفسه‪ ،‬يتم فيها اختيار أنواع محددة من‬ ‫م��واد عظمية على بعضها أشكال‬
‫احليوان‪ ،‬مقارنة بعملية الصيد‪ ،‬واجلمع في العصر احلجري‬ ‫زخ��رف�ي��ة‪ ،‬نُ�ف��ذت بالنحت الغائر‪،‬‬
‫القدمي‪ .‬فتمكن اإلنسان‪ ،‬في وقت مبكر‪ ،‬من استئناس الكلب‬ ‫وج�م�ي�ع�ه��ا م��ن ال �ع �ص��ر احلجري‬
‫الوسيط (‪ )Mesolithic‬في شمالي‬
‫)‪ ،(Zeuner 1963‬والضان )‪ ،(Herre 1963: 243- 244‬حيث‬ ‫أوروبا (ثقافة َمجلِيموز)‪ ،‬نق ً‬
‫ال عن‬
‫استخدم الكلب في عملية الصيد‪.‬‬ ‫(‪.)Brondsted 1960‬‬

‫‪91‬‬
‫عبدالرزاق امل َ ْع َمري‬

‫فقد م َّهدت املرحلة االنتقالية‪ ،‬لظهور العصر احلجري‬


‫احلديث مبقوماته‪ ،‬األساسية‪ ،‬وهي الزراعة‪ ،‬والرعي‪ ،‬من‬
‫حيث امل�ب��دأ‪ ،‬فهي بالقدر ال��ذي تُع ُّد مرحلة انتقالية من‬
‫شكل‪ :4‬مناذج من صناعة األدوات‬
‫العصر احلجري القدمي‪ ،‬إلى العصر احلجري احلديث‪ ،‬من‬ ‫العظمية‪ ،‬وق ��رون احل�ي��وان��ات في‬
‫حيث الزمن‪ ،‬واألساليب التقنية‪ ،‬بالقدر نفسه‪ ،‬تُعد مرحلة‬ ‫العصر احلجري القدمي األعلى في‬
‫انتقالية من منط العيش القائم على الصيد‪ ،‬واجلمع في‬ ‫أوروب��ا‪ ،‬التي حت � َّدت على أساسها‬
‫خ� �ص���ائ���ص ال� �ع� �ص���ر احل� �ج���ري‬
‫العصر احلجري القدمي‪ ،‬إلى االقتصاد اإلنتاجي في العصر‬ ‫الوسيط‪( -‬الثقافة املجدلينية في‬
‫احلجري احلديث؛ أو بعبارة أخ��رى‪ ،‬فإن مقدمات العصر‬ ‫ال عن (‪.)Wymer 1982‬‬ ‫فرنسا)‪ ،‬نق ً‬
‫احلجري احلديث خُ لقت في أحشاء املرحلة االنتقالية‪،‬‬
‫إضافة إلى توافر العوامل الطبيعية ذات الصلة‪ ،‬فيما خُ لقت‬
‫مقدمات هذه املرحلة نفسها‪ ،‬في العصر احلجري القدمي‬
‫ش�� �ك� ��ل‪ :5‬من � � ��اذج م� ��ن األدوات‬
‫األعلى‪.‬‬ ‫احل �ج��ري��ة ف��ي ال �ع �ص��ر احلجري‬
‫ال �ق��دمي األع �ل��ى ف��ي أوروب� ��ا التي‬
‫إشكالية املرحلة االنتقالية بني املضمون واملصطلح‬ ‫حت � � َّدت ع�ل��ى أس��اس �ه��ا خصائص‬
‫العصر احلجري الوسيط‪( -‬بري‬
‫ال يوجد خالف بني الباحثني بوحدة العصر احلجري‬ ‫ج��وردي��ان ف��ي ف��رن �س��ا)‪ ،‬ن�ق� ً‬
‫لا عن‬
‫القدمي‪ ،‬وتقسيماته الرئيسة‪ ،‬من حيث املبدأ‪ ،‬على الرغم‬ ‫(‪.)Wymer 1982‬‬
‫من ال�ف��وارق الزمنية واخلصوصية‪ ،‬التي ب��دأت بالظهور‬
‫منذ حوالي العصر األشولي‪ ،‬ممثلة بثقافة الفؤوس اليدوية‬
‫(‪ ،)Hand-Axe‬في كل من إفريقيا‪ ،‬وأوروبا‪ ،‬واجلزء األكبر من‬
‫قارة آسيا‪ ،‬وانتشار صناعة املهاشم احلجرية (‪،)Choppers‬‬
‫وج � َدت في جنوب شرقي آسيا‪ ،‬وباكستان‪ ،‬واجلزء‬ ‫التي ِ‬
‫ش� � �ك � ��ل‪ :6‬أدوات م � ��ن العصر‬
‫الشمالي الغربي م��ن الهند‪ ،‬وال�ت��ي أدرج��ت حت��ت مفهوم‬
‫احلجري الوسيط (‪ )Mesolithic‬من‬
‫الثقافة (السوآنية) (‪ ،)Soan‬علماً أنه ال توجد إجابة موحدة‬ ‫مواقع على ضفاف نهر الدنيبر‪.‬‬
‫(‪.)Ribakov1989‬‬
‫بني علماء ما قبل التاريخ عن تفسير هذا االختالف ‪(Movius‬‬
‫)‪،1944; Zamiatnin 1951; Lopin 1970; Boriskovskii 1979‬‬ ‫كما متكن اإلنسان‪ ،‬من خالل تلك املعطيات مجتمعة‪،‬‬
‫مبا في ذلك اختالف الصناعة الكلكتونية (‪ )Clactonian‬في‬ ‫من التعامل مع الغطاء النباتي بشكل خالق‪ ،‬خالل عملية‬
‫بريطانيا‪( ،‬نسبة إلى موقع كلكتون) )‪(Clacton-on-Sea, Essex‬‬ ‫جمع الغذاء‪ ،‬ومنها التعرف على احملاصيل البرية‪ ،‬وقطفها‪،‬‬
‫وإدخالها في الوجبة الغذائية‪ ،‬بدليل وجود أدوات سحق هذا‬
‫احلبوب‪ ،‬واملدقات‪ ...‬الخ في املواقع (كوفني ‪ ،)19 :1984‬مبا‬
‫في ذلك مالحظات منو النبات‪ ،‬وشروط هذا النمو‪ ،‬ويُعتقد‬
‫أن ر َّبة املسكن هي التي قامت بهذا الدور‪ ،‬بحكم ارتباطها‬
‫بعمل املنزل‪ ،‬حيث َف َطنت إلى هذه الظاهرة الطبيعة‪ ،‬بشكل‬
‫آلي‪ ،‬خالل عملها اليومي‪ ،‬ممث ً‬
‫ال ذلك مبشاهدتها املتكررة‬
‫شكل‪ :7‬أدوات من العصر احلجري‬
‫الوسيط (‪ )Mesolithic‬في األورال‬
‫لنمو النبات بالقرب من املسكن‪ ،‬بعد صب املاء في التربة‪،‬‬
‫(‪.)Ribakov 1989‬‬ ‫ومن ثم قامت بتكرار هذه العملية بصورة هادفة‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫األثر البيئي في غياب العصر احلجري الوسيط التقليدي وإشكالية االنتقال إلى العصر احلجري احلديث في اجلزيرة العربية‬

‫فيها‪ ،‬وكذا االختالف بني التقنية الليفالوازية (‪،)Levallois‬‬


‫وغير الليفالوازية‪ ،‬في العصر احلجري القدمي األوسط‪،‬‬
‫توسع في العصر احلجري القدمي‬ ‫ولكن ه��ذا االخ�ت�لاف َّ‬
‫األعلى‪ ،‬وص��ار أكثر من ذلك بكثير في املرحلة االنتقالية‬
‫بني العصر احلجري القدمي‪ ،‬والعصر احلجري احلديث‪ ،‬ث َّم‬
‫شكل‪ :9‬أدوات من العصر احلجري‬ ‫تُ ِّوج هذا االختالف بفوارق أخرى كبيرة في العصر احلجري‬
‫ال��وس�ي��ط (‪ )Mesolithic‬ف��ي أسيا‬
‫الوسطى (ك��زاخ�س�ت��ان)‪ ،‬نق ً‬
‫ال عن‬
‫احلديث‪ ،‬وهذا ج َّر نفسه كذلك على التطورات األخرى في‬
‫(‪.)Ribakov 1989‬‬ ‫العصور الالحقة‪.‬‬
‫شكل‪( :10‬العصر احلجري القدمي‬ ‫كما ال يوجد خالف‪ ،‬كذلك‪ ،‬بني الباحثني‪ ،‬من أن العصر‬
‫‪ -‬املرحلة الثالثة)‪ ،‬في فلسطني‪،‬‬
‫ال عن إبراهيم ‪( .1990‬العصر‬ ‫نق ً‬ ‫احلجري القدمي‪ ،‬بوجه عام‪ ،‬اتسم بالصيد‪ ،‬واجلمع‪ ،‬فيما‬
‫احل �ج��ري ال �ق��دمي األع �ل��ى (‪Upper‬‬
‫‪ :)Paleolithic‬م‪ - A‬م ��ن كهف‬ ‫اتسم العصر احلجري احلديث بإنتاج القوت‪ ،‬ولكن اخلالف‬
‫األم�ي��رة‪ -B ،‬من ع��رق األح�م��ر؛ ‪C‬‬ ‫يظهر فيما بينهم‪ ،‬بشكل كبير‪ ،‬في تعريف إنتاج هذا القوت‪،‬‬
‫‪ -‬من الطبقة (‪ )E‬في مغارة الواد؛‬
‫‪ - D‬م��ن ال�ط�ب�ق��ة (‪ )F‬م��ن مغارة‬ ‫حيث يرى بعضهم أن الزراعة‪ ،‬والرعي هما األساس ‪(Childe‬‬
‫ال��واد‪ .‬وجميعها من األدوات التي‬ ‫)‪ ،1936‬فيما يرى آخرون أن الشعوب التي عاصرت الزراعة‪،‬‬
‫حت� � َّددت على أس��اس�ه��ا خصائص‬
‫لواحق العصر احلجري القدمي في‬ ‫والرعي‪ ،‬ولم يوجد عندها هذا النمط من العيش‪ ،‬ظهرت‬
‫بالد الشام‪.‬‬ ‫عندها‪ ،‬هي األخ��رى‪ ،‬تغييرات كيفية جديدة في اجلوانب‬
‫االقتصادية‪ ،‬ومنط العيش‪ ،‬ومنها حتديث رفيع املستوى في‬
‫ش� � �ك � ��ل‪( :11‬ال� �ع� �ص���ر احل� �ج ��ري‬
‫القدمي ‪ -‬املرحلة الرابعة)‪ ،‬النقب‪،‬‬ ‫أدوات الصيد‪ ...‬الخ‪ ،‬فترتب عليها تغيرات كثيرة‪ ،‬في حياة‬
‫ف �ل �س �ط�ين‪ ،‬ن� �ق�ل ً�ا ع ��ن (إبراهيم‬
‫‪ .)2009‬ل��واح��ق العصر احلجري‬ ‫تلك الشعوب‪ ،‬إضافة إلى ظهور جوانب أخرى في الثقافة‬
‫القدمي (‪( )Epi- Paleolithic‬الثقافة‬ ‫يسمى هذا العصر‪،‬‬‫املادية‪ ،‬والروحية‪ ،‬حيث ال ميكن معها أن َّ‬
‫الكبارية)‪ ،‬ذات األدوات القزمية‬
‫الهندسية‪ ،‬ومنها الهاللية‪)d- e( :‬‬ ‫ال��ذي ع��اش��ت فيه ه��ذه ال�ش�ع��وب‪ ،‬بغير العصر احلجري‬
‫واملستطيلة شبه املنحرفة‪،L- r :‬‬ ‫احلديث )‪ .(Mongait 1973: 197‬فعلى أساس تعريف إنتاج‬
‫إض��اف��ة إل��ى األدوات املجهزة من‬
‫شطائر (‪ ،)Blade‬وشرائح حجرية‬ ‫القوت‪ ،‬يتوقف تعريف العصر احلجري احلديث نفسه‪ ،‬وكذا‬
‫(‪ )Micro- Blade‬أو (‪.)Bladelet‬‬ ‫االعتراف بوجوده‪ ،‬من عدمه‪ ،‬مبا في ذلك حتديد طبيعة‬
‫مع ما حتمله من مضامني أثرية‪.‬‬ ‫املرحلة االنتقالية إلى العصر املذكور‪ ،‬وهذا قاد بدوره إلى‬
‫ال في التعبير عن‬ ‫ظهور تع ُّدد املصطلحات‪ ،‬أو (املفاهيم)‪ ،‬أم ً‬
‫وإذا عدنا إلى مرحلة رواد علم اآلثار‪ ،‬الذين ظهروا في‬
‫هذا االختالف‪ ،‬ومنها مصطلحات‪ ،‬قد ال تتطابق‪ ،‬أحياناً‪،‬‬
‫النصف الثاني من القرن التاسع عشر امليالدي‪ ،‬في تعريف‬
‫املرحلة االنتقالية‪ ،‬بني العصر احلجري القدمي‪ ،‬والعصر‬
‫احلجري احلديث‪ ،‬لوجدنا أن العالم الفرنسي (جبريل دي‬
‫قدم أول تقسيم‬
‫‪ ،)Gabriel‬الذي َّ‬ ‫(‪de Mortillet‬‬ ‫مورتيليه)‬
‫للعصر احلجري القدمي‪ ،‬بنا ًء على األدوات احلجرية‪ ،‬اعتقد‬
‫في عام ‪1869‬م أن العصر احلجري القدمي يتبعه مباشرة‬ ‫ش� � �ك � ��ل‪ :8‬أدوات م � ��ن العصر‬
‫احل �ج��ري ال��وس�ي��ط (‪)Mesolithic‬‬
‫العصر احلجري احلديث‪ ،‬ولكن معاصره الفرنسي (إميل‬
‫من نهر الفوجلا (أوروبا الشرقية)‬
‫كارتيالك) (‪ ،)Emile Cartailhac‬الحظ‪ ،‬بعد فترة وجيزة‪ ،‬أن‬ ‫(‪.)Ribakov 1989‬‬

‫‪93‬‬
‫عبدالرزاق امل َ ْع َمري‬

‫(‪ )Geometrical Microlith Tools‬س ِّمى الباحث السويدي‬ ‫ش� �ك ��ل ‪ :12‬ص� �ن ��اع ��ة الفترة‬
‫(أوتتو تُورِ يل) (‪ )Otto Torell‬هذه املرحلة (العصر احلجري‬ ‫ال �ن �ط��وف �ي��ة (ال �ع �ص��ر احلجري‬
‫ال��ق��دمي ‪ -‬امل��رح �ل��ة الرابعة)‪،‬‬
‫الوسيط) (‪ ،)Mesolithic‬ومنذ ذلك احلني أخذ هذا املفهوم‬ ‫م��ن النقب ف��ي فلسطني‪ ،‬نق ً‬
‫ال‬
‫ينتشر‪ ،‬بالتدريج‪ ،‬في املراجع األثرية‪ ،‬وأضحى ثابتاً فيها‬ ‫عن (إبراهيم ‪( :)1990‬لواحق‬
‫العصر احلجري القدمي‪(Epi- ،‬‬
‫إل��ى ال�ي��وم‪ ،‬مع أن ه��ذا التعريف لم يُشفع بتحديد دقيق‬
‫)‪ ،Paleolithic‬وه��ي املرحلة‬
‫ملضمون العصر امل��ذك��ور‪ ،‬آن��ذاك‪،(Mongait 1973: 172) ،‬‬ ‫التي ارتفعت فيها نسبة األزاميل‬
‫وظل على ذلك النحو إلى اليوم‪ ،‬رغم الدراسات الكثيرة‪.‬‬ ‫)‪ (Burin): (d, h-i‬وأنصاف‬
‫ال ��دوائ ��ر‪ ،‬أو ال �ه�لاي��ة الشكل‪:‬‬
‫وبعد أن توسعت ال��دراس��ات‪ ،‬خاصة في أعقاب الدراسة‬ ‫)‪(a-b, g, n-p‬‬
‫الدقيقة ملغارة (له ماس‪ -‬د ‪ -‬أزِ ي��ل) )‪ (Le Mas ďAzil‬في‬
‫فرنسا‪ ،‬كان ذلك خالل األعوام ‪1889 -1887‬م‪ ،‬إضافة إلى‬
‫وج��د أن العصر احلجري‬ ‫مواقع أخ��رى كثيرة في أوروب��ا‪ِ ،‬‬ ‫ش� �ك ��ل ‪ :13‬أدوات حجرية‬
‫الوسيط غير متجانس في ثقافاته في جميع املواقع التي‬ ‫وعظمية من الثقافة النطوفية‬
‫في فلسطني تنسب إلى لواحق‬
‫تنسب إليه‪ .‬فاملواقع املبكرة‪ ،‬وباألخص التي تؤرخ باأللف‬ ‫ال� �ع� �ص���ر احل� � �ج � ��ري ال� �ق���دمي‬
‫التاسع ق‪ .‬م‪ - ،‬وهو التأريخ الذي يبدأ به العصر املذكور‬ ‫(‪)25‬‬ ‫)‪،(Epi-Paleolithic‬‬
‫في أوروبا )‪ ،(Mongait 1973: 172‬أو باأللف العاشر ق‪ .‬م‪،‬‬ ‫منجل‪ )26( ،‬رأس منجل نق ً‬
‫ال‬
‫ع ��ن ;‪(Braidwood 1957‬‬
‫)‪ (Mellaart 1965: 14‬على أكثر تقدير‪ -‬حتمل سمات العصر‬ ‫)‪.Mellaart 1965‬‬
‫احلجري القدمي األعلى‪ ،‬وتستمر هذه السمات في املواقع‬
‫التي تؤرخ بحوالي األلف الثامن ق‪ .‬م‪ ،‬بينما املواقع املتأخرة‪،‬‬
‫التي استمرت إلى األلف اخلامس‪ ،‬وفي بعض األماكن إلى‬
‫األلف الرابع ق‪ .‬م‪ ،‬وجدت فيها مقدمات إنتاج القوت‪ ،‬كما‬ ‫ش�ك��ل ‪ :14‬أدوات م��ن العصر‬
‫احلجري القدمي األعلى من هوا‬
‫وصفت بهذا ال��وص��ف‪ ،‬م��ع أن العصر احل�ج��ري الوسيط‬
‫فطيح (‪ )Haua Feath‬في ليبيا‪،‬‬
‫استمر في مناطق كثيرة من أوروبا إلى ما بعد األلف الرابع‬ ‫ال عن (‪،)Fage, Oliver 1982‬‬ ‫نق ً‬
‫ق‪ .‬م‪.(Mellaart 1965: 18) ،‬‬ ‫وال��ت��ي حت� ��ددت ع �ل��ى أساسها‬
‫لواحق العصر احلجري القدمي‬
‫وعلى أساس هذه االزدواجية‪ ،‬ظهر مصطلح ثان‪ ،‬وهو‬ ‫في املنطقة‪.‬‬
‫(ال�ع�ص��ر احل �ج��ري ال �ق��دمي ال�لاح��ق)‪ ،‬أو (ل��واح��ق العصر‬ ‫هذا االستقراء يترك فراغاً واضحاً بني العصرين املذكورين‪،‬‬
‫احلجري القدمي) (‪ ،)Epi-Paleolithic‬فصار يعبر به عن‬ ‫على اعتبار أن العصر احلجري احلديث لم يأت جاهزاً‪،‬‬
‫املواقع التي تنسب إلى املرحلة املبكرة من العصر احلجري‬ ‫بصورة مفاجأة‪ ،‬وإمنا عبر مقدمات أولية‪ ،‬قادت بدورها إلى‬
‫ظهور العصر املذكور‪ ،‬أو بعبارة أخرى‪ ،‬فإنه إذا أ ُ ِخ َذ بوجهة‬
‫نظر (مورتيليه)‪ ،‬فإن ذلك يعني أن إنسان العصر احلجري‬
‫ش�� �ك� ��ل‪ :15‬أدوات م� ��ن العصر‬ ‫القدمي‪ ،‬الذي عاش في أوروبا‪ ،‬كان قد هجرها بعد انتهاء‬
‫احل�ج��ري ال�ق��دمي األعلى(‪Upper‬‬ ‫العصر املذكور‪ ،‬ثم عاد إليها من جديد في العصر احلجري‬
‫‪( )Paleolithic‬الثقافة الكابسية‬
‫املبكرة) في شمال إفريقيا‪ ،‬نق ً‬
‫احلديث‪ ،‬وهذا االعتقاد يتناقض مع املعطيات األثرية التي‬
‫ال‬
‫ع��ن (‪،)Efimenko 1958:296‬‬ ‫كانت متوافرة‪ ،‬آنذاك‪ ،‬في أوروبا نفسها‪.‬‬
‫والتي حتددت على أساسها سمات‬
‫وفي السبعينيات من القرن املذكور‪ ،‬استناداً إلى هذه‬
‫لواحق العصر احلجري القدمي في‬
‫الثقافة الكابسية املتأخرة‪.‬‬ ‫املعطيات‪ ،‬ومنها األدوات احلجرية القزمية الهندسية الشكل‬

‫‪94‬‬
‫األثر البيئي في غياب العصر احلجري الوسيط التقليدي وإشكالية االنتقال إلى العصر احلجري احلديث في اجلزيرة العربية‬

‫لوحة ‪ :20‬أدوات حجرية مصنوعة على شطائر‪ ،‬وعلى ش��رائ��ح حجرية‬ ‫لوحة ‪ -19‬أ‪ :‬أدوات قزمية وعظمية من لواحق العصر احلجري القدمي في‬
‫من لواحق العصر احلجري القدمي (‪ )Epi-Paleolithic‬في الثقافة اإلبيرو‪-‬‬ ‫الثقافة الكابسية (‪ )Capcian‬في املغرب‪ ،‬إضافة إلى نواة اسطوانية الشكل‬
‫موريتانية في شمالي إفريقيا نق ً‬
‫ال عن (‪.)Elinek 1982: 155‬‬ ‫الستخراج الفِ لق احلجرية التي ُصنعت منها هذه األدوات (‪.)Elinek 1982: 155‬‬

‫ل��وح��ة ‪ -21‬مصنوعات م��ن العصر احل�ج��ري ال�ق��دمي امل�ت��وس��ط‪ ،‬م��ن املواد‬ ‫شكل‪ -16‬مصنوعات من العصر احلجري القدمي املتوسط من رملة‬
‫التي جمعتها البعثة الفرنسية اليمنية من شعبة ( َد ْح � َي��ا) في خميس بني‬ ‫السبعتني في الربع اخلالي‪ ،‬نق ً‬
‫ال عن )‪ ،(Inizan 2007‬متثل اجتاهاً ثقافياً‪،‬‬
‫سعد بتهامة‪ ،‬تتميز بالتقنية الليفالوازية االنتزاع الشطائر (‪ ،)Blades‬وفيها‬ ‫في رأي الباحث‪ ،‬ميكن تسميته باالجتاه الصحراوي في العصر املذكور‪،‬‬
‫تنتشر األنصال (‪ )Points‬غير املهذبة‪ ،‬في الغالب‪ ،‬إلى جانب الشطائر التي‬ ‫وهو يتم َّيز بتقنية الشظايا الليفالوازية‪ ،‬وغير الليفالوازية‪ ،‬وبانتشار‬
‫حلدة جوانبها‪ ،‬كما أن ُح َجر‬ ‫است ُِخدمت أدوات دون تهذيب (‪ّ ِ ،)With out retouch‬‬ ‫التهذيب‪ ،‬ومصادفة األهذاب املزدوجة‪ ،‬وقد تكون تقنية الشظايا غير‬
‫ّ‬
‫جهزت بضربة واحدة دون تُهذيب‬ ‫التفليق (‪ )Striking platform‬ملساء الشكل‪ّ ِ /‬‬ ‫الليفالوازية في هذا االجتاه‪ ،‬على عالقة بظهور لواحق العصر احلجري‬
‫إضافي‪ ،‬فهذه املصنوعات متثل اجتاهاً آخر في ثقافة العصر املذكور‪ ،‬حسب‬ ‫القدمي والعصر احلجري احلديث في ثقافة الشظايا (لوحة‪ :22‬ج ‪ -‬هـ)‬
‫اعتقاد الباحث‪ ،‬ميكن تسميته باالجتاه الساحلي‪ ،‬وقد يكون هو األساس الذي‬ ‫في الهولِسني‪ ،‬بينما التقنية الليفالوازية في هذا االجتاه‪ ،‬على عالقة‬
‫ارتبطت به تقنية الشطائر التي ظهرت بعد العصر املذكور‪ ،‬وباألخص منط‬ ‫بظهور نوعي فسد (شكل‪ ،)24 :19‬وبني ختمة (شكل‪ )23 :19‬في اجلزء‬
‫وعشة‪ ،‬أو (النمط احلضرمي املبكر‪ :‬شكل‪ :19‬أ) في عصر الهولِسني‪.‬‬ ‫اجلنوبي الغربي من الربع اخلالي‪ ،‬من احملتمل‪.‬‬

‫شكل‪ ،16‬لوحة ‪ :21‬ثقافتان من العصر احلجري القدمي األوسط في اجلزيرة العربية‪ ،‬بنيت عليها تطورات العصور احلجرية الالحقة في اجلزيرة العربية‪.‬‬

‫ال�ع�ص��ر احل �ج��ري ال��وس �ي��ط‪ ،‬ال ��ذي ظ�ه��رت ف�ي��ه مقدمات‬ ‫الوسيط‪ ،‬بل إن الثقافة اآلزيلية (نسبة إلى مغارة له ماس‬
‫إنتاج القوت‪ ،‬أو (مقدمات العصر احلجري احلديث)‪ ،‬أو‬ ‫‪ -‬د ‪ -‬أزي��ل) هي التي ُح��ددت بها بداية العصر احلجري‬
‫بعبارة أخ��رى ف��إن العصر احل�ج��ري الوسيط‪ ،‬شطر إلى‬ ‫الوسيط‪ ،‬أو (‪( )Epi-Paleolithic‬لواحق العصر احلجري‬
‫قسمت املرحلة االنتقالية‪ ،‬بوجه ع��ام‪ ،‬إلى‬ ‫شطرين‪ ،‬فيما ِّ‬ ‫القدمي)‪ ،‬فيما استخدم مصطلح ثالث‪ ،‬وهو (فجر العصر‬
‫ثالثة أقسام‪ ،‬وضع كل منها حتت مفهوم يختلف عن اآلخر‪،‬‬ ‫احلجري احلديث‪ /‬أو بواكير العصر احلجري احلديث)‬
‫وك��أن هذه األقسام ص��ارت تتطابق مع ما مت تسجيله من‬ ‫(‪ ،)Proto-Neolithic‬للتعبير ب��ه ع��ن اجل��زء امل�ت��أخ��ر من‬

‫‪95‬‬
‫عبدالرزاق امل َ ْع َمري‬

‫أ‪ -‬أدوات من العصر احلجري القدمي األوسط في اجلزيرة العربية‬


‫(حضرموت) نق ً‬
‫ال عن (‪.)Amirkhanov 1991‬‬

‫‪Epi-Paleolithic‬‬ ‫ج‪ :‬لواحق العصر احلجري القدمي‬


‫ب‪ -‬أدوات من العصر احلجري القدمي األعلى في اجلزيرة العربية‬
‫د‪:‬‬ ‫ال عن (‪.)Amirkhanov 1991‬‬‫(حضرموت) نق ً‬
‫لوحة‪ :22‬أدوات‬
‫هـ‪:‬‬
‫لواحق العصر‬
‫احلجري القدمي‬
‫أملقترحة‪:‬‬
‫(‪ -‬أ‪ - ،‬ب‪ - ،‬ج)‪،‬‬
‫وعالقتها بكل من‬
‫بالعصر احلجري‬
‫القدمي واحلجري‬
‫لواحق العصر احلجري‬ ‫الفترة املبكرة‬ ‫الفترة املتأخرة‬ ‫احلديث في اجلزيرة‬
‫القدمي ‪Epi-Paleolithic‬‬ ‫العصر احلجري احلديث املتأخر (النمط الصحراوي)‬ ‫العربية‪.‬‬

‫لوحة ‪ :22‬صلة العصر احلجري القدمي باملرحل االنتقالية (لواحق العصر احلجري القدمي)‪ ،‬وبالعصر احلجري احلديث في اجلزيرة العربية‪.‬‬

‫ك�م��ا أن مصطلح ف�ج��ر ال�ع�ص��ر احل �ج��ري احل��دي��ث ال‬ ‫أدوات لهذه املرحلة في أوروب��ا‪ ،‬وهي‪ :‬فترة مبكرة‪ ،‬حتمل‬
‫يستخدم في واق��ع األم��ر في أوروب��ا‪ ،‬بل يستخدمه بعض‬ ‫سمات العصر احلجري القدمي األعلى؛ وفترة متوسطة‪،‬‬
‫الباحثني‪ ،‬للتعبير ب��ه ع��ن امل��واق��ع امل�ت��أخ��رة لهذه املرحلة‬ ‫تتسم بتطور األدوات القزمية الهندسية الشكل‪ ،‬إضافة إلى‬
‫االنتقالية في منطقة الشرق األوسط ‪(Mellaart 1965: 18-‬‬ ‫انتشار القواطع‪ ،‬أو (األزاميل) (‪ )Burins‬الصغيرة احلجم‬
‫)‪ ،33‬مبا في ذلك موقع أريحا في فلسطني‪(Moore 1981: ،‬‬ ‫(القزمية)‪ ،‬وفترة ثالثة‪ ،‬وه��ي األخ�ي��رة‪ ،‬س��ارت في اجتاه‬
‫)‪ 5‬فيما ظل مصطلح العصر احلجري الوسيط يستخدم‬ ‫تط ُّور األدوات القزمية الهندسية الشكل نحو التحديث‪،‬‬
‫ف��ي أوروب� ��ا‪ ،‬ب��وج��ه ع ��ام‪ ،‬بينما مصطلح (ل��واح��ق العصر‬ ‫أو (احل��ادث��ة) )‪ ،(Neolithizaton) (Mongait 1973: 175‬أو‬
‫احلجري القدمي) أخذ يعبر به‪ ،‬في واقع األمر‪ ،‬عن املرحلة‬ ‫مبعنى آخر نحو إنتاج القوت في العصر احلجري احلديث‪.‬‬
‫االنتقالية بأكملها‪ ،‬سالفة ال��ذك��ر‪ ،‬في بعض املناطق في‬ ‫وإض��اف��ة إل��ى ه��ذه املصطلحات ال�ث�لاث��ة ال��رئ�ي�س��ة‪ ،‬ظهر‬
‫إفريقيا‪ ،‬وهضبة زاغ��روس‪ ،‬واألناضول‪ ،‬وبالد الشام‪ ،‬مبا‬ ‫يوحد بني العصر احلجري القدمي األعلى‪،‬‬ ‫مصطلح آخر‪ِّ ،‬‬
‫في ذلك املواقع املتأخرة‪ ،‬كالثقافة النطوفية في فلسطني‬ ‫والعصر احلجري الوسيط )‪ ،(Mongait 1973: 172‬ولكن‬
‫)‪ ،(Gilead 1991‬كونها حتمل سمات العصر احلجري القدمي‬ ‫هذا املصطلح األخير‪ ،‬ال يستخدمه الباحثون‪ ،‬في العادة‪،‬‬
‫األعلى‪ ،‬إضافة إلى تاريخها القدمي الذي كان يؤ ّرخ‪ ،‬آنذاك‪،‬‬ ‫وهذا قد يشير في الوقت نفسه‪ ،‬إلى عدم وجود فهم كاف‪،‬‬
‫في نطاق األل��ف الرابع عشر ق‪ .‬م‪( ،‬كوفني ‪،)18 :1984‬‬ ‫ملضمون هذه املرحلة االنتقالية‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫األثر البيئي في غياب العصر احلجري الوسيط التقليدي وإشكالية االنتقال إلى العصر احلجري احلديث في اجلزيرة العربية‬

‫ووصل مؤخراً‪ ،‬إلى ستة عشر ألف سنة ق‪ .‬م‪،‬‬


‫‪(Otte et. al. ,‬‬
‫)‪ ،1995: table 1,: 936, 943‬بل إن بداية هذه املرحلة‪ ،‬صارت‬
‫تؤ ّرخ ما بني األلف التاسع عشر‪ ،‬واأللف السابع عشر ق‪.‬‬
‫م‪( ،‬كفافي‪ ،)3()97 :2010‬ليس هذا‪ ،‬وحسب‪ ،‬بل إن مصطلح‬
‫(‪ ،)Epi-Paleolithic‬أصبح يقسم‪ ،‬هو اآلخر‪ ،‬إلى مرحلتني‪:‬‬
‫لوحة ‪ :16‬البحيرات اجلافة في الربع اخلالي‪ ،‬ومواقع العصر احلجري‬
‫احلديث املتأخر (النمط الصحراوي)‪ ،‬تصوير الباحث ‪2008‬م‪.‬‬ ‫مرحلة مبكرة‪ ،‬وأخرى متأخرة‪.‬‬
‫فيما سجلت في ب�لاد الشام ث�لاث مراحل رئيسة في‬
‫تطور مواقع املرحلة االنتقالية‪ ،‬هي‪ :‬الكبارية املبكرة‪ ،‬والتي‬
‫ي��ؤرخ لها من زه��اء األل��ف الرابع عشر‪ ،‬إل��ى األل��ف الثاني‬
‫عشر ق‪ .‬م؛ والكبارية الهندسية‪ ،‬ويؤرخ لها من األلف الثاني‬
‫لوحة ‪ :17‬مواقع العصر احلجري احلديث املتأخر (النمط الصحراوي)‬ ‫عشر‪ ،‬إلى زهاء األلف العاشر ق‪ .‬م‪ ،‬واملرحلة الثالثة هي‬
‫في البحيرات اجلافة في الربع اخلالي‪ ،‬تصوير الباحث ‪2008‬م‪.‬‬ ‫الثقافة النطوفية‪ ،‬وي��ؤرخ لها من األل��ف العاشر إلى زهاء‬
‫األل ��ف ال�ث��ام��ن ق‪ .‬م‪( ،‬ك��وف�ين ‪ .)19 -18 :1984‬وتتسم‬
‫املرحلة األولى بسيادة الشرائح (‪ ،)Bladelet‬ذات الظهر‪ ،‬أو‬
‫(الظهير) املهذب‪ ،‬في الغالب‪ ،‬وذات الطرف العلوي املبتور‬
‫بطريقة التهذيب (شكل ‪ ،)a - c :11‬إض��اف��ة إل��ى وجود‬
‫بعض األدوات القزمية الهندسية الشكل‪ ،‬فيما اتسمت‬
‫لوحة ‪ :18‬من أدوات النمط الصحراوي في البحيرات اجلافة في الربع‬
‫اخلالي‪ ،‬تصوير الباحث ‪2008‬م‪.‬‬ ‫املرحلة الثانية ب ��األدوات القزمية الهندسية الشكل ذات‬
‫الشكل املستطيل‪ ،‬القريب من املنحرف (شكل ‪،)l - r :11‬‬
‫‪ ،)n - p :12‬واألزاميل (‪( ،)Burin‬شكل ‪ ،)d,h-i :12‬وصناعة‬
‫وهي األدوات التي صارت تحُ َ َّمل على حوامل مصنوعة من‬
‫األدوات العظمية املختلفة‪ ،‬ومنها املناجل (شكل ‪-25 :13‬‬
‫املواد العضوية‪ ،‬وبخاصة العظام‪ ،‬إضافة إلى وجود أدوات‬
‫‪ ،)26‬واخلطاطيف اخلاصة بصيد السمك‪ ،‬واإلبر‪ ،‬وأدوات‬
‫رحي احلبوب؛ بينما اتسمت الثقافة النطوفية بالكثير من‬
‫الزينة‪ ،‬وال� ُّدم��ى‪ ،‬أو املنحوتات‪ ،‬بشكل ع��ام‪ ...،‬الخ (شكل‬
‫املميزات‪ ،‬ومنها انتشار األدوات القزمية الهاللية الشكل‬
‫‪.)13‬‬
‫(‪ ،)Lunet‬أو (على شكل أنصاف الدوائر) (‪( )Segment‬شكل‬
‫أضف إلى ذلك أن مصطلح العصر احلجري الوسيط‬
‫(‪ ،)Mesolithic‬الذي ُعني به‪ ،‬أنه ميثل املقدمات املباشرة‬
‫إلن�ت��اج ال �ق��وت‪ ،‬ال�ت��ي ظ�ه��رت الح�ق�اً ف��ي العصر احلجري‬
‫احلديث‪ ،‬أو أنه أقرب إلى العصر احلجري احلديث‪ ،‬منه‬
‫إلى العصر احلجري القدمي‪ ،‬في واقع األمر ال توجد فيه‬
‫تلك املقدمات في مكان استخدامه في أوروبا‪ ،‬مقارنة بتلك‬
‫املقدمات التي ظهرت في منطقة الشرق األوسط‪ ،‬وبخاصة‬
‫بالد الشام‪ ،‬وشمالي العراق‪ ،‬وهضبة زاغروس‪ ،‬واألناضول‪،‬‬
‫وال �ت��ي يستخدم فيها مصطلح ل��واح��ق العصر احلجري‬
‫شكل ‪ :17‬األدوات التي تركها (زارينس) وآخرون في وسط اجلزيرة معلقة‬
‫القدمي‪ ،‬مع أن العصر األخير ُحدِّد بأنه أقرب إلى العصر‬ ‫بني العصر احلجري القدمي األعلى‪ ،‬واملرحلة االنتقالية‪ ،‬أو كما أسموا هذه‬
‫احلجري القدمي‪ ،‬منه إلى العصر احلجري احلديث‪ ،‬ولكن‬ ‫املرحلة‪ :‬ما بعد العصر احلجري القدمي ‪(Post- Paleolithic) (Zarins et. al.‬‬
‫)‪.1979: 18, fig. 4‬‬

‫‪97‬‬
‫عبدالرزاق امل َ ْع َمري‬

‫‪ ،)18‬وك��ذا في هضبة زاغ��روس‪ ،‬واألن��اض��ول‪ ،‬في وقت لم‬


‫تكن ه��ذه احل �ي��وان��ات م��وج��ودة ف��ي أوروب� ��ا‪ ،‬خ�لال سيادة‬
‫اجلليد في عصر البليستوسني‪ ،‬وم��ن ثم فإنها لم تظهر‬
‫فجأة فيها بعد ذوبان هذا اجلليد‪ ،‬في نهاية العصر املذكور‪،‬‬
‫وب��داي��ة الهولوسني‪ .‬فقد ُسجلت أق��دم عظام الستئناس‬
‫الضان في العراق‪ ،‬في وقت مبكر من دراس��ات آث��ار هذه‬
‫املرحلة في املنطقة‪ ،‬ومنها في موقع َ‬
‫(شا ِن َدار) في الطبقات‬
‫التي تؤرخ باأللف التاسع ق‪ .‬م‪،(Herre 1963: 243- 244) ،‬‬
‫فيما ُسجلت في أوروبا في األلف الثامن ق‪ .‬م‪ ،‬أقدم عظام‬
‫وسع‬
‫حليوان مستأنس‪ ،‬هو الكلب )‪ ،(Zeuner 1963‬وق��د ّ‬
‫نطاق هذا التأريخ بعد ذلك إلى حوالي (‪ )14٫000‬سنة‪،‬‬
‫وفي الوقت الراهن إلى (‪ )36٫000‬سنة )‪(zorich 2012:27‬‬
‫ولكن عملية استئناس الكلب‪ ،‬ارتبطت بهدف استخدامه في‬ ‫ال�ش�ك��ل‪ :18‬األدوات ال�ت��ي ق� َّدم�ه��ا (وا ِل� ��ن) وآخ ��رون ل�ل��واح��ق العصر‬
‫الصيد‪ ،‬فيما استُئنست احليوانات األخرى بهدف إكثارها‪،‬‬ ‫(‪Whalen‬‬ ‫احلجري القدمي (‪ )Epi-paleolithic‬في وسط اجلزيرة العربية‬
‫‪.)et. al. ,1981: 49, fig. 50‬‬
‫والسيطرة عليها‪ ،‬لالستفادة من حلومها‪ ،‬في بادئ األمر‪،‬‬
‫ثم من أصوافها‪ ،‬وألبانها‪ ...‬الخ‪ ،‬أضف إلى ذلك أن هناك‬
‫ال إضافياً‪ ،‬إلى جانب العوامل الذاتية‪،‬‬
‫يتضح أن هناك عام ً‬
‫التي انبثقت عنها ه��ذه املرحلة‪ ،‬له دور كبير في حتديد‬
‫مقدمات إنتاج القوت‪ ،‬وهي الظروف البيئية الطبيعية‪ ،‬أي‬
‫ال بني الشروط الطبيعية‪ ،‬من جهة‪ ،‬والشروط‬ ‫أن هناك تكام ً‬
‫الذاتية عند اإلنسان نفسه‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬فعلى أساس‬
‫العوامل الثقافية‪ ،‬إضافة إلى الظروف البيئية‪ ،‬تتحد طبيعة‬
‫املرحلة االنتقالية‪ ،‬وسمات العصر احلجري احلديث في كل‬
‫إقليم جغرافي على حدة‪.‬‬

‫مقدمات إنتاج القوت في املرحلة االنتقالية‬


‫لقد ظهرت مقدمات إنتاج القوت في وق��ت مبكر من‬
‫مرحلة (لواحق العصر احلجري القدمي) في بالد الشام‪،‬‬
‫لوحة ‪ :23‬األدوات املقترحة للواحق العصر احلجري القدمي (‪Epi-‬‬ ‫ذلك ألن العامل البيئي أدى دوره‪ ،‬في هذه العملية‪ ،‬إلى جانب‬
‫‪ )paleolithic‬في اجلزيرة العربية‪ ،‬وهي املجموعات‪ -( :‬أ‪ - ،‬ب‪- ،‬ج)‪،‬‬
‫املنجزات الثقافية ذات الصلة باإلنسان نفسه‪ ،‬والتي كانت‬
‫وتُع ّ ُد املجموعة (‪ -‬أ) أحدث من املجموعة (‪ -‬ب)‪ ،‬واملجموعة (‪ -‬ب)‬
‫أحدث من املجموعة (‪-‬ج)‪ ،‬وهي من حيث أنواع األدوات‪ -( :‬أ‪ - ،‬ج)‬ ‫قد وج��دت في العصر احلجري القدمي األعلى (‪Upper-‬‬
‫رأسان مستديران القاعدة من رملة السبعتني‪ -( :‬أ) من الصوان من‬ ‫‪( )Paleolithic‬ش�ك��ل ‪ .)10‬ف��احل�ي��وان��ات ال�ت��ي استأنسها‬
‫موقع ال َعبْر‪-( ،1‬ج) من الكوارتزيت من الوهد‪1‬غير مكتمل التجهيز؛‬
‫اإلن �س��ان‪ ،‬ف��ي العصر احل�ج��ري احل��دي��ث‪ ،‬ومنها الضان‪،‬‬
‫فوجت وكهف تية)‪ ،‬الرأس‬ ‫ِّ‬
‫باغسني في املهرة (بني ِ‬ ‫(‪ -‬ب) من موقع‬
‫األعلى منهما‪ ،‬مستعرض الشكل من ذات الطرفني احلادين؛ والرأس‬ ‫وامل��اع��ز‪ ،‬والثيران ال�ب��ري��ة‪ ...‬ال��خ‪ ،‬كانت برية‪ ،‬تعيش قبل‬
‫األسفل من ذات الطرفني احلادين كذلك‪ ،‬ولكن ما يزال في مرحلته‬ ‫ذلك في بالد الشام‪ ،‬والتي تؤكدها‪ ،‬إضافة إلى املعطيات‬
‫األولى من التجهيز‪ ،‬حيث بدأ جتهيزه على مؤنة (‪ )Blank‬قدمية‪ ،‬كانت‬ ‫القدمية الكثيرة‪ ،‬معطيات حديثة (محيسن‪ ،‬أكازاوا ‪:2002‬‬
‫في السابق عبارة عن نواة (‪.)Core‬‬

‫‪98‬‬
‫األثر البيئي في غياب العصر احلجري الوسيط التقليدي وإشكالية االنتقال إلى العصر احلجري احلديث في اجلزيرة العربية‬

‫َفارقاً كبيراً بني العملية التي مت من خاللها استئناس الكلب‪،‬‬


‫والعملية التي استُئنست بها باقي احليوانات األخرى‪.‬‬
‫فالكلب هو الذي قاد نفسه بنفسه‪ ،‬إلى عملية االستئناس‪،‬‬
‫فيما استَدرج اإلنسان إليها باقي احليوانات األخرى‪ .‬لقد‬
‫استُئنس الكلب بطريقة آلية‪ ،‬بُنيت على أس��اس احلاجة‬
‫املشتركة‪ ،‬التي ظهرت بني الكلب‪ ،‬من جهة‪ ،‬واإلنسان‪ ،‬من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬في املرحلة االنتقالية‪ ،‬فقد متثلت حاجة الكلب‬
‫إلى اإلنسان‪ ،‬من خالل حصوله على جزء من الغذاء‪ ،‬الذي‬
‫صار يتو ّفر له في األماكن الدائمة التي يقيم فيها اإلنسان‪،‬‬
‫فيما متثلت حاجة اإلنسان إلى الكلب‪ ،‬في استخدامه في‬
‫صيد احل�ي��وان��ات‪ ،‬واحل��راس��ة‪ ،‬وبخاصة ح�ي��وان��ات البيئة‬
‫اجلديدة الصغيرة احلجم‪ ,‬والسريعة العدو‪ ،‬والتي استدعت‪،‬‬
‫إضافة إلى استخدام القوس‪ ،‬االستعانة بالكلب‪ ،‬وبالتالي‬
‫فقد متت تلك العملية‪ ،‬بصورة عفوية‪ ،‬من خالل تردد الكلب‬
‫على مساكن العصر احلجري الوسيط‪ ،‬ألك��ل ما زاد عن‬
‫حاجة اإلنسان التي كان يُرمى بها من مطابخ تلك البيوت‪،‬‬
‫لوحة ‪ -24‬الترتيب الزمني النسبي بالبِلى ودوره‬ ‫ومن ثم ظهرت أُلفة‪ ،‬بني الكلب‪ ،‬وبني سكان هذه املنازل‪،‬‬
‫في إظهار تطور كل من أدوات ثقافة الشظايا‪ ،‬أو‬
‫وبخاصة ر َّبة البيت‪ ،‬التي يُعتقد أنها قامت‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬بهذا‬
‫الثقافة «العربية»‪ ،‬ومبدأ تقسيم العصر احلجري‬
‫احلديث في هذه الثقافة‪ ،‬من خالل حتديد الرؤوس‬ ‫الدور املهم‪ ،‬بحكم ارتباطها باقتصاد املنزل‪ ،‬ومبدأ األمومة‪،‬‬
‫اخلاصة بالنمط الصحراوي في املجموعة (د) نق ً‬
‫ال‬ ‫ال��ذي جعلها تتعامل برفق مع هذا احليوان‪ ،‬وبخاصة مع‬
‫عن‪( :‬رسالة الدكتوراه لكاتب هذه الدراسة (‪Rashed‬‬
‫صغاره‪ .‬وه��ذه احلاجة املشتركة بني اإلنسان والكلب‪ ،‬قد‬
‫‪ )1993a‬وقد أغني هذا الترتيب بإضافات جديدة‬
‫في أبحاث الحقة (املعمري‪2000‬؛ ‪.)2002‬‬ ‫تفسر استئناس اإلنسان‬ ‫تكون إحدى العوامل الرئيسة التي ِّ‬
‫‪Pl. 24-Chronological relative order of patina discovered the‬‬ ‫لهذا احليوان في وقت مبكر‪.‬‬
‫‪development and division of the Arabian Neolithic of the Flake‬‬
‫” ‪(Arabian) Culture on the basis of the location of the points of‬‬
‫فيما يُ�ع�ت�ق��د أن عملية اس�ت�ئ�ن��اس ال��ض��ان‪ ،‬واملاعز‪،‬‬
‫‪Desert Neolithic“ in group D. This method was worked out in 1993,‬‬ ‫واحليوانات األخرى‪ ،‬متت بطريقة أخرى معقَّدة‪ ،‬وذلك من‬
‫‪(Rashed, 1993a: 64-76, photo: 24-26, pl. 80, 86, 98). New facts were‬‬
‫خالل القبض أوالً على صغارها‪ ،‬خالل عملية الصيد‪ ،‬ومن‬
‫‪( .added to it in 2000; 2002‬املعمري‪2000‬؛ ‪.)2002‬‬
‫ثم التعامل معها بطرق مختلفة‪ ،‬إلى أن أصبحت‪ ،‬بالتدريج‪،‬‬
‫حيوانات أليفة‪ .‬ولكن بصرف النظر عن هذه االفتراضات‪،‬‬
‫ولكن هل يُع ُّد استئناس الكلب في املرحلة االنتقالية‪،‬‬
‫فهناك عامالن أساسيان ظهرا في هذه املرحلة االنتقالية‪،‬‬
‫من مقدمات إنتاج القوت أم ال؟ سؤال يصعب اإلجابة عليه‪،‬‬
‫على األرجح‪ ،‬وهما حاجة اإلنسان إلى استئناس احليوان‪،‬‬
‫فهو من جهة‪ ،‬حيوان مت استئناسه‪ ،‬في واقع األمر‪ ،‬بصرف‬ ‫من جهة‪ ،‬إضافة إلى بداية استعداده للقيام بتلك العملية‪،‬‬
‫النظر عن الطريقة اآللية التي متت بها هذه العملية‪ ،‬ومن‬ ‫من جهة أخ��رى‪ ،‬إل��ى جانب ش��رط ثالث‪ ،‬وه��و توافر هذه‬
‫جهة أخرى‪ ،‬فإن دوره‪ ،‬ظل في نطاق الصيد‪ ،‬مع أنه ميكن‬ ‫احليوانات البرية في البيئة نفسها‪ ،‬وقد تُ ِّوجت هذه العملية‬
‫القول‪ :‬إن عملية السيطرة عليه‪ ،‬كانت محفّزة أو (مغرية)‬ ‫بشكل ت ��ام‪ -‬اس�ت�ئ�ن��اس احل��ي��وان‪ -‬ف��ي ال�ع�ص��ر احلجري‬
‫ل�لإن�س��ان‪ ،‬ألن يستأنس ح�ي��وان��ات أخ ��رى‪ ،‬أو أن�ه��ا جعلت‬ ‫احلديث‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫عبدالرزاق امل َ ْع َمري‬

‫ما بعد احلجري احلديث في‬ ‫النمط الصحراوي‬ ‫النمط الصحراوي املبكر‬ ‫العصر احلجري احلديث ِ ّ‬
‫املبكر‬ ‫لواحق العصر احلجري القدمي‬
‫الصحراء‬ ‫املتأخر‬ ‫‪Early Desert pattern‬‬ ‫‪Early Neolithic‬‬ ‫‪Epi- Paleolithic‬‬
‫‪Post-Neolithic in the Desert‬‬ ‫‪Late Desert pattern‬‬

‫ي‬ ‫ط‬ ‫ح‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫هـ‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫ب‬ ‫‪-‬أ‬ ‫‪-‬ب‬ ‫‪-‬ج‬
‫‪J‬‬ ‫‪I‬‬ ‫‪H‬‬ ‫‪G‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪E‬‬ ‫‪D‬‬ ‫‪C‬‬ ‫‪B‬‬ ‫‪-A‬‬ ‫‪-B‬‬ ‫‪-C‬‬

‫ما بعد العصر احلجري‬


‫احلديث في الصحراء‪،‬‬
‫يتزامن مع العصر البرونزي‬ ‫العصر احلجري احلديث املتأخر‪ /‬النمط الصحراوي‬
‫(‪)Late Neolithic/ Desert Pattern‬‬
‫في املرتفعات اجلنوبية‪.‬‬
‫‪The Post-Neolithic in‬‬
‫‪Desert is Parallel to‬‬
‫‪The Bronze Age‬‬ ‫العصر احلجري احلديث‬ ‫أ‬
‫‪.In The Sothern Highland‬‬ ‫(‪)The Neolithic Age‬‬ ‫‪A‬‬

‫لوحة ‪ :25‬األدوات املقترحة للواحق العصر احلجري القدمي في اجلزيرة العربية (‪ -‬أ‪ - ،‬ب‪ - ،‬ج)‪ ،‬ووضعيتها في ُسلَّم الترتيب الزمني النسبي مبظهر البِلى (‪.)Patina‬‬

‫امل�س��اك��ن ال��دائ�م��ة خ��ارج ن�ط��اق ال�ك�ه��وف (ش�ك��ل ‪ ،)1‬قرب‬ ‫اإلنسان يفكر‪ ،‬أو يسعى إلى استئناس حيوانات أخرى‪ ،‬ولكن‬
‫مصادر الغذاء‪ ،‬إلى جانب استخدام الكهوف‪ ،‬واملغارات‪،‬‬ ‫هذا األمر لم يحدث في مكان االستئناس املبكر للكلب في‬
‫كما وج ��دت ف��ي ه��ذه ال�ث�ق��اف��ات أدوات صيد األسماك‪،‬‬ ‫املدجنة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أوروبا‪ ،‬أضف إلى ذلك أن حتديد عظام احليوانات‬
‫ومنها السنانير‪ ،‬واخلطاطيف‪ ،‬املصنوعة جميعها من عظام‬ ‫املدجنة‪ ،‬ليس بتلك البساطة التي قد‬
‫ّ‬ ‫عن احليوانات غير‬
‫احليوانات (شكل ‪ ،)13‬إضافة إلى أدوات أخ��رى مط ّعمة‬ ‫يتصورها بعضنا‪.‬‬
‫باألدوات القزمية الهندسية الشكل‪ ،‬مبا في ذلك استخدام‬ ‫وفيما يتعلق بالتعامل مع الغطاء النباتي‪ ،‬فقد ُسجلت في‬
‫ُطرق الصيد الراقية‪ ،‬واملنظمة‪ ،‬التي كان يتم فيها اختيار‬ ‫منطقة الشرق األوسط‪ ،‬وبخاصة في املناطق‪ ،‬سالفة الذكر‪،‬‬
‫أنواع محددة من احليوانات‪ ،‬استناداً إلى البقايا العظمية‬ ‫السحق احلجرية‪ ،‬لسحق جذور النباتات‪،‬‬ ‫املدقات‪ ،‬وأدوات َّ‬
‫التي وجدت في مواقع هذه الثقافات‪ ،‬مبا في ذلك األدوات‪،‬‬ ‫وأوراق �ه��ا‪ ،‬وأغصانها‪ ،‬وك��ذا أدوات ال� ّرح��ى‪ ،‬ل َرحي حبوب‬
‫واملصنوعات األخرى‪ ،‬التي ُج ِّهزت من عظام هذه احليوانات‬ ‫نبات القمح‪ ،‬والشعير‪ ...‬الخ‪ ،‬البرية‪ ،‬وكذا املناجل املبكرة‪،‬‬
‫(شكل ‪.)13‬‬ ‫صنعت هيكلها من العظام‪ ،‬في الغالب‪( ،‬شكل ‪:13‬‬ ‫التي ُ‬
‫�ج�نَ��ا ف��ي العصر‬
‫فالقمح‪ ،‬وال�ش�ع�ي��ر‪ ...‬ال��خ‪ ،‬ال �ل��ذان ُه� ِّ‬ ‫وطعمت‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬باألدوات القزمية الهندسية‬ ‫‪ّ ،)26 -25‬‬
‫احلجري احلديث‪ ،‬وظهرت على أساسهما ال��زراع��ة‪ ،‬كانا‬ ‫الشكل‪ ،‬حيث أصبحت هذه األدوات شفرات‪ ،‬أو (أسناناً)‬
‫متوافرين‪ ،‬على هيئة نباتات برية‪ ،‬في املناطق سالفة الذكر‪،‬‬ ‫لهذه املناجل‪ ،‬إضافة إلى ظهور أدوات أخرى ذات صلة‪ ،‬سواء‬
‫وقد قطفها إنسان املرحلة االنتقالية‪ ،‬واستخدمها في وجبته‬ ‫أكان ذلك في الثقافة (الكبارية)‪ ،‬أم في الثقافة (النطوفية)‪،‬‬
‫الغذائية‪ ،‬فعرف قيمتها‪ ،‬وت َعلَّم بالتدريج زراعتها‪ ،‬عندما‬ ‫اللتني انتشرتا في فلسطني‪ ،‬وسوريا‪ ،‬واألردن‪ ،‬ولبنان‪ ،‬والتي‬
‫تُ ِّوجت هذه العملية بنجاح تام في العصر احلجري احلديث‪،‬‬ ‫وصلت فيها تقنية األدوات القزمية الهندسية الشكل ‪(Al-‬‬
‫في الوقت الذي كانت أوروبا في املرحلة االنتقالية‪ ،‬تعيش‬ ‫راق‪ ،‬أم في الثقافة (الزَّارزية)‪ ،‬التي‬
‫)‪ Nahar 2005‬مست ًوى ٍ‬
‫ف��ي مرحلة الصيد‪ ،‬واجل �م��ع‪ ،‬وبخاصة صيد األسماك‪،‬‬ ‫انتشرت في شمال العراق‪ ،‬واألناضول‪ ،‬وهضبة زاغروس‪.‬‬
‫على ضفاف األنهار‪ ،‬والبحيرات‪ ،‬وحتى أن ظهور الزراعة‬ ‫وإضافة إلى ذلك فقد ُش ِّيدت في املرحلة االنتقالية‪،‬‬

‫‪100‬‬
‫األثر البيئي في غياب العصر احلجري الوسيط التقليدي وإشكالية االنتقال إلى العصر احلجري احلديث في اجلزيرة العربية‬

‫(‪Crassard &Bodu‬‬ ‫ش�ك��ل‪ -19‬التنوع الثقافي ف��ي عصر الهولسني بجنوبي اجل��زي��رة‪ 9 ،4 -1:‬م��ن وع�ش��ة‪ ،‬نق ً‬
‫ال ع��ن‬
‫‪)2004;Crassard 2007‬؛ ‪ 17 ،8 ،6 ،5‬من خُ زموم؛ ‪ 7‬من موقع (‪ 26 ،)Gravel Parr‬من وادي سنا‪ ،‬وجميعها من حضرموت‪ ،‬نق ً‬
‫ال‬
‫ال عن (‪23 ،)Amirkhanov 1997‬‬ ‫عن (‪)McCorriston et. al. , 2004; Crassard 2007‬؛ ‪ 10‬من حبيق‪22 ،‬من مِ ِسيْ ِحل باملهرة‪ ،‬نق ً‬
‫ال عن (‪)Zarins 1998‬؛ ‪25‬من ِحمى‪ ،‬نق ً‬
‫ال عن‬ ‫ال عن (‪)McClure 1994‬؛ ‪ 24‬من ظفار‪ ،‬نق ً‬ ‫من (بني ختمة) جنوبي املُندفن‪ ،‬نق ً‬
‫(‪)Zarins et. al. , 1981‬؛ ‪15 -11‬رؤوس ثالثية من املهرة؛ ‪ ،20 ،19‬رؤوس ثالثية‪ 21 ،‬من الرؤوس العربية‪ 28 ،27 ،‬من نوع‬
‫ال عن (‪)Rashed 1993a‬؛ ‪18 ،16‬رؤوس ثالثية من رملة السبعتني‪ ،‬نق ً‬
‫ال عن (املعمري‬ ‫َف َسد‪ ،‬وجميعها من رملة السبعتني‪ ،‬نق َ‬
‫‪)2002‬؛ و‪ -‬من وادي الثيلة في املرتفعات؛ ز‪ -‬من أدوات العصر البرونزي في املرتفعات (جمعها الباحث)؛ ح‪ -‬تقنية‬
‫ال عن (‪)Crassard et. al. ,2006‬؛ ط ‪ -‬أدوات قزمية من‬ ‫الشطائر باستخدام خام األوبسديان من منيزح بحضرموت‪ ،‬نق ً‬
‫أطراف رملة السبعتني الشرقية‪ ،‬وهي تختلف عن األدوات القزمية في أطرافها الغربية‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫عبدالرزاق امل َ ْع َمري‬

‫أو أن مفهوم العصر احلجري الوسيط يجب أن يعبر به‬


‫ع��ن زم��ن املرحلة االنتقالية فقط‪ ،‬ب�ين العصر احلجري‬
‫القدمي‪ ،‬والعصر احلجري احلديث‪ ،‬بينما يظل مضمونها‬
‫األثري مختلفاً من منطقة إلى أخرى‪ .‬فبعض املصطلحات‪،‬‬
‫قد تكون مناسبة للتعبير بها عن ظواهر معينة‪ ،‬في فترة‬
‫اكتشاف هذه الظواهر‪ ،‬ولكن عندما تُكتشف ظواهر أخرى‬
‫جديدة في فترات الحقة‪ ،‬قد جتعل هذه الظواهر اجلديدة‪،‬‬
‫تلك املصطلحات القدمية‪ ،‬ال تفي باملضامني األث��ري��ة‪ ،‬أو‬
‫ظهور عدم اتساق‪ ،‬إن لم يكن تناقض‪ ،‬في بعض احلاالت‪،‬‬
‫بني هذه املصطلحات‪ ،‬ومضامينها األثرية‪ .‬ومع ذلك فإنه‬
‫على الرغم من أهمية تطابق املصطلح مع مضمونه األثري‪،‬‬
‫إ َّال أن األهم من هذا‪ ،‬هو تشخيص الظواهر األثرية نفسها‪،‬‬
‫ومن ثم ميكن البحث عن مفاهيم مناسبة لها‪.‬‬ ‫ش� �ك ��ل‪ :20‬أ‪ -‬ن ��وى من‬
‫العصر احلجري القدمي‬
‫التغيرات ا ُملناخية القدمية في اجلزيرة العربية ذات‬ ‫األع� �ل ��ى؛ ب‪ :‬ن���وى من‬
‫العصر احلجري القدمي‬
‫الصلة باملرحلة االنتقالية‬ ‫األوس� � ��ط ف���ي جنوبي‬
‫ا عن‬ ‫اجل � ��زي � ��رة‪ ،‬ن� �ق�ل� ً‬
‫على الرغم من عدم وجود تصور كاف عن البيئة القدمية‬
‫(‪.)Amirkhanov 1991‬‬
‫في اجلزيرة العربية‪ ،‬بسبب قِ لّة الدراسات البيئية‪ ،‬إالً أن‬
‫فيها‪ ،‬في العصر احلجري احلديث‪ ،‬إلى جانب استئناس‬
‫احليوان‪ ،‬يعيده أغلب الباحثني إلى تأثير العصر احلجري‬
‫احلديث في منطقة الشرق األوسط )‪.(Mellaart 1965: 16‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬فإن مصطلح العصر احلجري الوسيط املستخدم‬
‫في أوروب��ا‪ ،‬قد يكون من املناسب إذا استخدم في املناطق‬
‫التي ظهرت فيها بالفعل مقدمات الزراعة‪ ،‬والرعي‪ ،‬مثل‬
‫بالد الشام‪ ،‬واملناطق األخرى سالفة الذكر‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫هذه املقدمات هي التي ُح��دِّد بها مفهوم العصر احلجري‬
‫الوسيط التقليدي‪ ،‬بينما مصطلح لواحق العصر احلجري‬
‫القدمي‪ ،‬وأقسامه‪ ،‬املستخدمة‪ ،‬في بالد الشام‪ ،‬واألقاليم‬
‫األخ��رى‪ ،‬سالفة الذكر‪ ،‬قد يجدر استخدامها في أوروبا‪،‬‬
‫واملناطق األخرى‪ ،‬التي لم تظهر فيها مقدمات إنتاج القوت‪،‬‬
‫كي تتطابق املصطلحات مع مضامينها األثرية التي ُربطت‬
‫بها‪ ،‬أو أن يُعاد النظر في حتديد مضمون املرحلة االنتقالية‬
‫ش �ك��ل ‪ :21‬من� ��اذج من‬
‫ال � �ن� ��وى ال� �ت���ي وج� ��دت‬ ‫نفسها‪ ،‬ذلك ألن وجود األدوات القزمية ليس بالضرورة أن‬
‫ف ��ي ال �ع �ص��ر احلجري‬ ‫يكون قد رافقه ظهور مقدمات الرعي‪ ،‬والزراعة‪ ،‬والدليل‬
‫احل ��دي ��ث (‪)Neolithic‬‬ ‫على ذل��ك م��ا سلف ذك��ره ف��ي أوروب���ا‪ ،‬ذل��ك ألن مقدمات‬
‫ف ��ي ج �ن��وب��ي اجلزيرة‬
‫العربية‪.‬‬
‫إن�ت��اج ال�ق��وت تتألف م��ن مجموعة متكاملة م��ن العوامل‪،‬‬

‫‪102‬‬
‫األثر البيئي في غياب العصر احلجري الوسيط التقليدي وإشكالية االنتقال إلى العصر احلجري احلديث في اجلزيرة العربية‬

‫اخلماسني )‪ ،(Zarins et. , al. , 1979: 20‬واملهرة ‪(Amirkhanov‬‬


‫)‪ ،1997: 189‬مع تر ّكز أكبر لشدة اجلفاف ما بني (‪ )13‬إلى‬
‫(‪ )12‬ألف سنة )‪ ،(McClure 1976, 1978‬وكذلك ما بني (‪)15‬‬
‫إلى (‪ )13‬ألف سنة‪.‬‬
‫وتتطابق هذه املعطيات‪ ،‬من حيث املبدأ‪ ،‬مع دراسة املناخ‬
‫في وادي الدواسر )‪ ،(Hötzel et. , al. , 1978‬ومنطقة اخلرج‬
‫‪ ،)MacDonald et. , al. , 1975,‬وفي أماكن أخرى من وسط‬
‫اجلزيرة العربية )‪ ،(Hötzel, Zötl 1978‬إضافة إلى املعطيات‬
‫التي أجريت في ُجبة في صحراء النفوذ في الشمال‪ ،‬حيث‬ ‫شكل ‪ -22‬أدوات م��ن العصر احل�ج��ري ال�ق��دمي األع�ل��ى ف��ي جنوبي‬
‫اجلزيرة‪ ،‬نق ً‬
‫ال عن (‪.)Amirkhanov 1991‬‬
‫ُسجلت فيها فترتان نشيطتان لتش ُّكل البحيرات‪ ،‬الفترة‬
‫األول ��ى أرخ لها ب �ـ‪ )25,630 ± 430( :‬ق‪ .‬ح‪ ،‬م��ن عصر‬
‫البليستوسني‪ ،‬بينما أ ِّرخت الفترة الثانية بـ‪)6.685±50( :‬‬
‫ق‪ .‬ح من عصر الهولوسني ‪(Garrard, Harvey 1981: 139-‬‬
‫)‪ .140‬وه��ذه األدوار‪ ،‬س��واء اجلافة‪ ،‬منها‪ ،‬أو املطيرة‪ ،‬لم‬
‫تقتصر على اجلزيرة العربية وحدها‪ ،‬وإمنا شملت مناطق‬
‫أخ��رى مجاورة‪ ،‬مبقادير متفاوتة‪ ،‬ك��األردن & ‪(Hackriede‬‬
‫)‪ ،Wisman 1968,‬وسوريا )‪ ،(Kaiser et. , al. , 173‬والصحراء‬
‫اإلفريقية الكبرى )‪ ...(Shaw 1976‬الخ‪.‬‬
‫ش �ك��ل ‪ :-23‬أ‪ -‬أدوات م ��ن ال �ع �ص��ر احل� �ج ��ري احل ��دي ��ث املتأخر‬
‫وإلى جانب هذه األدوار الثالثة الرئيسة‪ُ ،‬سجلت‪ ،‬كذلك‪،‬‬
‫(م��ج��م��وع��ة ج)؛ ب ‪ -‬أدوات م���ن ال��ع��ص��ر احل� �ج���ري احلديث‬
‫فترات مطيرة‪ ،‬قصيرة امل��دى‪ ،‬إل��ى جانب األدوار اجلافة‬ ‫املبكر (مجموعة ب)‪.‬‬
‫السائدة‪ ،‬منذ نحو األلف اخلامس ق‪ .‬م‪ ،‬وحتى (‪ )3‬آالف‬
‫سنة ق‪ .‬م‪ ،(Masry 1974) ،‬وفيما بعد هذا التأريخ‪ ،‬كذلك‪،‬‬ ‫دراسات املُناخ القدمي التي أجريت بصحراء املُندفن في الربع‬
‫وحتى في الفترة العباسية ‪(Larsen 1977; McClure 1978,‬‬ ‫اخل��ال��ي‪ ،‬وف��ي مناطق أخ��رى من اجل��زي��رة العربية‪ُ ،‬س ّجلت‬
‫)‪ ،Hötzel, Zötl 1978‬غير أن أغزرها‪ ،‬وأطولها هنا‪ ،‬حسب‬ ‫دورتان مطيرتان كبيرتان‪ ،‬وأخرى جافة بينهما‪ ،‬كبيرة أيضاً‪.‬‬
‫إجماع دارس��ي التغيرات املناخية‪ُ ،‬سجلت في نحو األلف‬ ‫فالدورة املطيرة األولى )‪ ،(Hötzel et. , al. , 1978: 233‬تزامنت‬
‫اخلامس ق‪ .‬م‪ ،‬ولكن على الرغم من هذه األدوار املطيرة‬ ‫مع جليد فيورم في الشمال‪ ،‬ومتتد من نحو (‪ )36‬ألف سنة‬
‫القصيرة‪ ،‬التي أت��ت بعد ال��دورة املطيرة الثانية الطويلة‪،‬‬ ‫إلى نحو (‪ )17‬ألف سنة )‪ ،(McClure 1976: 755‬وهي األغنى‪،‬‬
‫سالفة الذكر‪ ،‬ف��إن املناخ اجل��اف املعاصر‪ ،‬ب��دأ يسود من‬ ‫واألكثر رطوبة‪ ،‬مقارنة بالدورة الثانية‪ ،‬مع تركز أكبر لكمية‬
‫حوالي األلف الثالث ق‪ .‬م‪(Marcolongo & Palmieri 1990: ،‬‬ ‫األمطار فيها‪ ،‬في الفترة ما بني (‪ ،)30‬إلى (‪ )21‬ألف سنة‬
‫)‪ ،141‬مبا في ذلك اشتداد التصحر بدرجة كبيرة (لوحة‪:‬‬ ‫)‪ ،(McClure 1976, 1978‬أ َّما الفترة الثانية فتمتد ما بني (‪)9‬‬
‫‪ ،)17 -16 ،14 ،13‬مع وج��ود أمطار قليلة تتساقط على‬ ‫آالف سنة‪ ،‬إلى نحو (‪ )6‬آالف سنة مضت ;‪(Butzer 1974‬‬
‫مرتفعات اليمن في فصل الصيف‪ ،‬جراء الرياح املوسمية‬ ‫)‪ .McClure 1976: 755‬بينما الفترة اجلافة التي ُسجلت بني‬
‫القادمة من احمليط الهندي‪ ،‬وأمطار قليلة‪ ،‬كذلك‪ ،‬تتساقط‬ ‫هاتني الدورتني املطيرتني‪ ،‬يؤرخ لها مابني (‪ )17‬ألف سنة‬
‫على اجلبل األخضر في ُعمان في الشتاء‪ ،‬القادمة إليه من‬ ‫إل��ى نحو (‪ )9‬آالف سنة )‪ ،(McClure 1976, 1978‬أو إلى‬
‫اجتاه الشمال‪ ،‬إلى جانب أمطار نادرة‪ ،‬تسقط‪ ،‬أحياناً‪ ،‬على‬ ‫(‪ )10‬آالف سنة مضت‪ ،‬استناداً إلى معطيات إضافية من‬

‫‪103‬‬
‫عبدالرزاق امل َ ْع َمري‬

‫من األدوات تؤكد وجود العصر املذكور‪.‬‬ ‫بعض املناطق الصحراوية‪.‬‬


‫وملفت لالنتباه في اجلزيرة العربية‪ ،‬كذلك‪ ،‬هو‪ :‬إذا كان‬ ‫أثر التغيرات ا ُملناخية على سمات املرحلة االنتقالية‬
‫غياب العصر احلجري القدمي األعلى‪ ،‬أو غياب تقاليده‬ ‫في اجلزيرة العربية‬
‫النموذجية‪ ،‬مرتبطاً باألحوال املناخية الرطبة‪ ،‬آنذاك‪ ،‬والتي‬
‫تدخُ ل اجلزيرة العربية ضمن املناطق التي ساد فيها‬
‫لم تتطلب من اإلنسان إحداث تغييرات كبيرة في صناعة‬
‫تعاقب األدوار املطيرة‪ ،‬واجلافة‪ ،‬وهو املناخ الذي سيطر على‬
‫أدوات ��ه احل�ج��ري��ة‪ ،‬ف��إن األح ��وال اجل��اف��ة ف��ي نهاية عصر‬
‫اجلزء اجلنوبي من الكرة األرضية‪ ،‬بوجه عام‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫البليستوسني‪ ،‬قادت‪ ،‬هي األخرى‪ ،‬إلى غياب أدوات العصر‬
‫عالم النبات‪ ،‬واحليوان‪ ،‬لم يتغير فيها بشكل كبير‪ ،‬مقارنة‬
‫احلجري الوسيط‪ ،‬أيضاً‪ ،‬وبخاصة تقنية صناعة األدوات‬
‫بأوروبا‪ ،‬أو املناطق التي تأثرت باألدوار اجلليدية‪ ،‬وبشكل‬
‫القزمية الهندسية الشكل‪ ،‬ولكن السؤال املهم هنا‪ ،‬هل هذه‬
‫خ��اص ب��ذوب��ان جليد ف�ي��ورم‪ ،‬أض��ف إل��ى ذل��ك أن اجلزيرة‬
‫األحوال قادت إلى غياب أدوات العصر احلجري الوسيط‪،‬‬
‫العربية تع َّرضت‪ ،‬كما سبق الذكر‪ ،‬ملناخ شديد اجلفاف‪،‬‬
‫سالفة الذكر‪ ،‬أو إلى غياب اإلنسان نفسه‪ ،‬كما يرى البعض‬
‫في البليستوسني املتأخر‪ ،‬بدءاً بـ (‪ )17000‬سنة إلى نحو‬
‫)‪.(Zarins et. al. , 1979: 13, 1980: 16‬‬
‫(‪ )9000‬سنة ق‪ .‬ح‪( ،‬قبل احلاضر)‪ ،(McClure 1967) ،‬وبلغ‬
‫وعلى هذا األساس‪ ،‬ميكن القول مبا أن األدوار اجلافة‪،‬‬ ‫أشده‪ ،‬ما بني (‪ )12 -15‬ألف سنة‪ ،‬وقد كان لذلك املناخ‪ ،‬أثره‬
‫التي ق��د ت��ؤدي ف��ي بعض األم��اك��ن إل��ى غياب اخلصائص‬ ‫الكبير‪ ،‬أيضاً‪ ،‬على عالم النبات‪ ،‬واحليوان‪ ،‬وحياة اإلنسان‪،‬‬
‫األثرية لبعض العصور‪ ،‬فإن األدوار املطيرة‪ ،‬ميكن أن تؤدي‬ ‫إلى درجة أن بعض الباحثني صار يعتقد أن اإلنسان َه َجر‬
‫إل��ى نفس النتيجة‪ ،‬أض��ف إل��ى ذل��ك أن مقدمات العصر‬ ‫اجلزيرة العربية بالكامل في ذلك الدور اجلاف ‪(Zarins et.‬‬
‫احلجري الوسيط‪ ،‬ممثلة ب��األدوات القزمية‪ ،‬والصناعات‬ ‫)‪ ،al. , 1979: 13, 1980: 16‬وهذا ما سيتم العودة إليه في‬
‫العظمية‪ ...‬الخ‪ ،‬سواء أكان ذلك في أوروبا‪ ،‬أم في األماكن‬ ‫مكان آخر من هذه الدراسة‪.‬‬
‫األخرى التي ظهرت فيها‪ ،‬خُ لقت في أحشاء العصر احلجري‬
‫ملفت ل�لان�ت�ب��اه‪ ،‬ك��ذل��ك‪ ،‬أن العصر احل �ج��ري القدمي‬
‫القدمي األعلى (شكل ‪ ،)5 ،4‬وكذا مقدمات لواحق العصر‬
‫األعلى‪ ،‬في املناطق التي وج��د فيها‪ ،‬يتزامن ‪ -‬من حيث‬
‫احلجري القدمي‪ ،‬س��واء أك��ان ذل��ك في ب�لاد الشام (شكل‬
‫املبدأ ‪ -‬مع تأريخ ال��دور املطير‪ ،‬الذي ُسجل في اجلزيرة‬
‫‪ ...)13 -11‬الخ‪ ،‬أم في األناضول‪ ،‬وهضبة زاغ��روس‪ ،‬أم‬
‫العربية‪ ،‬خالل الفترة ما بني (‪ )36‬ألف سنة‪ ،‬و(‪ )17‬ألف‬
‫في بعض املناطق اإلفريقية (لوحة ‪ ،)20-19‬خُ لقت‪ ،‬كذلك‪،‬‬
‫سنة من اآلن‪ ،‬والذي يقابله جليد فيورم في الشمال‪ ،‬وهو‬
‫في أحشاء العصر احلجري القدمي األعلى (شكل ‪،14 ،10‬‬
‫العصر الذي لم تُسجل مواقعه في اجلزيرة العربية‪ ،‬مع أن‬
‫‪ ،)15‬وبالتالي ف��إن وج��ود العصر احل�ج��ري الوسيط في‬
‫هناك مواقع قليلة في ال َي َمن أعيدت إلى العصر املذكور‬
‫اجلزيرة العربية‪ ،‬بالصورة التي وجد فيها في أوروب��ا‪ ،‬أو‬
‫)‪( ،(Amirkhanov 1991: 256- 312‬لوحة ‪ :22‬ب؛ شكل ‪،)22‬‬
‫لواحق العصر احلجري القدمي‪ ،‬بالصورة التي وجدت في‬
‫على الرغم من أنها ليست بتلك الصورة التي ُعرفت في‬
‫بالد الشام‪ ،‬وبعض املناطق في إفريقيا‪ ،‬من غير املمكن‪،‬‬
‫أوروب��ا‪ ،‬أو في الشرق األوس��ط‪ ،‬وبخاصة مناطق اجلوار‪،‬‬
‫طاملا أن العصر احلجري القدمي األعلى لم يوجد فيها‪ ،‬بتلك‬
‫في كل من س��وري��ا‪ ،‬ولبنان ‪(Copeland 1975, Besancon,‬‬
‫وجد فيها‪،‬‬ ‫وجد في املناطق سالفة الذكر‪ ،‬وإن ِ‬ ‫الصورة التي ِ‬
‫)‪ ،Copeland and Hours 1975-7‬وصحراء سيناء‪ ،‬والنقب‪،‬‬
‫بصورة‪ ،‬أو بأخرى‪ ،‬فإنه ال يحمل معه تلك األساليب التقنية‪،‬‬
‫ومواقع أخرى في فلسطني )‪.(Perrot 1968, Henry 1973‬‬
‫واملعطيات األخرى املرافقة‪ ،‬التي كانت من املفترض أن تمُ ّهد‬
‫وصفت مواقع في شمالي اجلزيرة العربية‪ ،‬بأنها تعود‬ ‫كما ُ‬
‫أ ّما لظهور العصر احلجري الوسيط‪ ،‬بتقنيته سالفة الذكر‪،‬‬
‫إلى العصر احلجري القدمي األعلى ‪(Parr et. , al. , 1978:‬‬
‫أو للواحق العصر احلجري القدمي بتقنيته‪ ،‬التي ُعرفت في‬
‫)‪ ،35‬ولكن هذا الوصف لم يُشفع‪ ،‬في واقع األمر‪ ،‬بنماذج‬
‫املناطق املجاورة‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫األثر البيئي في غياب العصر احلجري الوسيط التقليدي وإشكالية االنتقال إلى العصر احلجري احلديث في اجلزيرة العربية‬

‫كان من املفترض أن تمُ َ ِّهد لظهور العصر احلجري الوسيط؛‬ ‫مع أن موقع (شعبة َد ْح� َي��ا‪ /‬أو دحية) في خميس بني‬
‫ثانياً‪ :‬وجود ال��دور اجل��اف‪ ،‬سالف الذكر‪ ،‬في نهاية عصر‬ ‫س�ع��د‪ ،‬ال��واق��ع ف��ي املنطقة االنتقالية ب�ين س�ه��ول تهامة‪،‬‬
‫البليستوسن‪ ،‬ثالثاً‪ :‬عدم التغ ُّير الكبير‪ ،‬في عالم النبات‪،‬‬ ‫واملرتفعات اجلنوبية الغربية ف��ي اليمن‪ ،‬وم��واق��ع أخرى‬
‫واحليوان‪ ،‬من حيث املبدأ‪ ،‬رابعاً‪ :‬عدم استجابة اإلنسان‬ ‫سطحية(‪ ،)4‬اتسمت بتقنية الشطائر (‪ )Blade‬احلجرية‬
‫ب�ق��در ك��اف للمتطلبات البيئية اجل��دي��دة‪ .‬فقد انتشرت‬ ‫(لوحة ‪ ،)21‬ولكن هذا املوقع‪ ،‬نُسب إلى العصر احلجري‬
‫األدوات القزمية الهندسية الشكل في اجلزيرة العربية في‬ ‫القدمي األوس��ط‪ ،(Delagnes, Gaupertb 2009) ،‬بنا ًء على‬
‫وقت متأخر ج��داً‪ ،‬كان ذلك في العصر احلديدي‪ ،‬مع أن‬ ‫تواريخ مطلقة تصل إل��ى أكثر من (‪ )60‬أل��ف سنة‪ ،‬وهذا‬
‫مقدِّ ماتها‪ ،‬سجلت في أواخر العصر احلجري احلديث في‬ ‫يخلق بدوره مهاماً وآفاقاً جديدة‪ ،‬للبحث في أسرار حياة‬
‫بعض املناطق‪ ،‬وفي العصر البرونزي (املعمري ‪ ،)2008‬بل‬ ‫عصور ما قبل التاريخ في اجلزيرة العربية؛ ذلك ألن الباحث‬
‫وهناك الكثير‪ ،‬أيضاً‪ ،‬من األسئلة حول صلة هذه األدوات‪،‬‬ ‫يعتقد أن مثل هذا املوقع‪ ،‬إذا ثبت انتماءه‪ ،‬بصورة قاطعة‪،‬‬
‫مب��وروث العصور احلجرية احمللية في اجل��زي��رة العربية‪،‬‬ ‫إل��ى العصر احل�ج��ري ال�ق��دمي األوس ��ط‪ ،‬فإنه يختلف عن‬
‫من عدمها‪ ،‬إذ يعيدها بعض الباحثني إلى أصول إفريقية‪،‬‬ ‫خصائص العصر نفسه‪ ،‬املتسم بتقنية الشظايا‪ ،‬الذي ُعرف‬
‫‪(Huzayyin 1937: 573 ;Caton- Thompson 1944: 134-‬‬ ‫في باقي مناطق جنوبي اجلزيرة العربية (شكل ‪16‬؛ لوحة‬
‫)‪ ،136 ; Rahimi 1987140‬وبعضهم اآلخر إلى بالد الشام‬ ‫‪ :22‬أ)‪ ،‬وف��ي وس��ط اجل��زي��رة‪ ،‬كذلك‪ ،‬وسيتطرق الباحث‬
‫إلى العصر املذكور في الفقرة اخلاصة باألدوات املقترحة‬
‫للمرحلة االنتقالية بني العصر احلجري القدمي والعصر‬
‫احلجري احلديث‪.‬‬
‫وف��ي جميع احل��االت‪ ،‬ف��إذا ك��ان للتغيرات البيئية‪ ،‬دور‬
‫كبير في حياة البشر‪ ،‬فإن الستجابة اإلنسان‪ ،‬وتفاعله‪ ،‬مع‬
‫هذه التغيرات دور أيضاً‪ ،‬وإ َّال ستكون النظرة قاصرة‪ ،‬على‬
‫األرجح‪ ،‬إذا ُح ِّملت التغيرات البيئية وحدها‪ ،‬تبعية مثل هذه‬
‫األح��داث‪ ،‬سواء كالتي وقعت في اجلزيرة العربية‪ ،‬سالفة‬
‫الذكر‪ ،‬والتي ج ّرت نفسها على التطورات الالحقة‪ ،‬أو في‬
‫أماكن أخرى من العالم؛ وسواء أكان ذلك في عصور ما قبل‬
‫التاريخ‪ ،‬أو في املرحلة التاريخية‪ ،‬إذ ال ميكن تناول األثر‬
‫البيئي على اإلنسان‪ ،‬في منأى عن دور اإلنسان نفسه في‬
‫ثقافته‪ ،‬مع أن هذا الدور‪ ،‬يتزايد بتزايد منجزات اإلنسان‪.‬‬
‫وقدراته املتاحة‪ ،‬وفقاً للمرحلة التاريخية‪.‬‬
‫وبناء على ما تقدم‪ ،‬ف��إن األدوات القزمية الهندسية‬
‫الشكل‪ ،‬وتقنية صناعة الشطائر احلجرية اخلاصة بالعصر‬
‫شكل‪ :24‬أنواع مختلفة من الرؤوس اخلاصة بالعصر احلجري احلديث‬ ‫احلجري الوسيط التي ُعرفت في أوروب��ا‪ ،‬وبعض املناطق‬
‫املبكر‪ ،‬السابقة لظهور النمط الصحراوي في ثقافة الشظايا‪ ،‬يأتي‬
‫ترتيبها في املجموعة (ب) في ُسلّم الترتيب الزمني النسبي بالبِلى‬ ‫األس�ي��وي��ة‪ ،‬غير م��وج��ودة ف��ي اجل��زي��رة العربية‪ ،‬لألسباب‬
‫(‪ ،)Patina‬وهي من موقع طرف العني‪ 4‬في الربع اخلالي‪ :‬السهمان‬ ‫سالفة الذكر‪ ،‬والتي ميكن إيجازها بأربعة عوامل رئيسة؛‬
‫في الرأسني رقم ‪ 6 ،3‬يشيران إلى التهذيب املسطر‪ ،‬أو (األخدودي)‬ ‫وه��ي أوالً‪ :‬غياب تقاليد العصر احلجري القدمي األعلى‬
‫(‪ ،)Fluting Retouch‬وهو التهذيب ال��ذي تخلو منه األدوات املقترحة‬
‫للمرحلة االنتقالية في هذه الدراسة‪.‬‬
‫النموذجية‪ ،‬واملمثلة بتقنية صناعة الشطائر احلجرية‪ ،‬والتي‬

‫‪105‬‬
‫عبدالرزاق امل َ ْع َمري‬

‫املفهوم ما بعد العصر احلجري احلديث (‪،)Post-Neoloithic‬‬ ‫يرجح الباحث أنها‬


‫)‪ ،(Amirkhanov 1997: 220 - 221‬فيما ِّ‬
‫أي�ض�اً‪ ،‬وه��و م��ا ُعني ب��ه ضمنياً‪ ،‬ك��ذل��ك‪ ،‬عند استخدامه‬ ‫ذات أصول محلية (املعمري ‪.)2008‬‬
‫ب��دءأ بعام ‪1954‬م ف��ي جنوبي اجل��زي��رة العربية ‪(Caton-‬‬
‫)‪ ،Thompson 1954‬ثم خالل سبعينيات القرن العشرين في‬
‫م�ع��اجل��ة امل��رح�ل��ة االن�ت�ق��ال�ي��ة ف��ي وس��ط اجلزيرة‬
‫شرقيها )‪ ،(Copeland & Bergne 1976‬وباملضمون نفسه‬
‫العربية‬
‫أعيد استخدامه‪ ،‬مؤخراً‪ ،‬في جنوبي اجلزيرة ‪(Crassard‬‬ ‫‪(Post-‬‬ ‫اس�تُ�خ��دم ف��ي وس��ط اجل��زي��رة العربية مفهوم‬
‫)‪ ،2007‬أ ّما في ُعمان فيستخدم الباحثون األملان‪ ،‬في املقام‬ ‫)‪( Paleolithic‬ما بعد العصر احلجري القدمي) ‪(Zarins et.‬‬
‫األول‪ ،‬مفهوم العصر احلجري املتأخر )‪(The late stone Age‬‬ ‫)‪ ،al. , 1980: 18‬وكذا مفهوم ‪(Epi-Paleolithic) (Gilmore‬‬
‫)‪ (Uerpmann 1992‬للسبب نفسه‪ ،‬أيضاً‪ ،‬بدالً من استخدام‬ ‫‪( et. al. , 1982: 12-13)،‬لواحق العصر احلجري القدمي)‪،‬‬
‫مصطلح العصر احلجري احلديث‪ ،‬ولقناعتهم بعدم وجود‬ ‫أو (العصر احل�ج��ري ال�ق��دمي ال�لاح��ق)‪ ،‬للتعبير بهما عن‬
‫العصر احلجري القدمي األعلى‪ ،‬من احملتمل‪ ،‬وهو املفهوم‬ ‫خصوصية امل�ض�م��ون األث ��ري للعصر ال��واق��ع ب�ين ك��ل من‬
‫الذي يصادف استخدامه‪ ،‬فيما ندر‪ ،‬في األمارات العربية‬ ‫العصر احلجري ال�ق��دمي‪ ،‬والعصر احلجري احل��دي��ث‪ ،‬أو‬
‫املتحدة )‪.(Harris 1998‬‬ ‫(املرحلة االنتقالية بني العصرين املذكورين)‪ ،‬لعدم العثور‬
‫بينما استِخدام ما بعد العصر احلجري القدمي في وسط‬ ‫على األدوات القزمية الهندسية الشكل‪ ،‬التي تمُ ّيز العصر‬
‫اجلزيرة العربية‪ُ ،‬قصد به املرحلة االنتقالية فقط‪ ،‬بني كل‬ ‫أن مفهوم ‪(Epi-‬‬ ‫احل �ج��ري ال��وس�ي��ط )‪ ،(Mesolithic‬م��ع َّ‬
‫من العصر احلجري القدمي‪ ،‬والعصر احلجري احلديث‪ ،‬على‬ ‫)‪ Paleolithic‬قد يكون أكثر حتديداً من املفهوم اآلخر‪ ،‬طاملا‬
‫اعتبار أن العصر احلجري احلديث مت إفراده هنا‪ ،‬وبالتالي‬ ‫أن العصر احلجري احلديث قد أ ُ ْفرِ د هنا‪ ،‬إضافة إلى سمة‬
‫فإن استخدامه‪ ،‬على هذا النحو‪ ،‬يتناقض مع املضمون الذي‬ ‫هذه املرحلة نفسها‪ ،‬غير أن األدوات التي نُسبت إلى لواحق‬
‫وج��د من أجله ه��ذا املفهوم‪ ،‬في األس��اس‪ ،‬مع أن العصر‬ ‫العصر احلجري القدمي‪ ،‬في بالد الشام ;‪(Bar-Yosef 1970‬‬

‫احلجري احلديث‪ ،‬كان يرد عندهم‪ ،‬بني قوسني‪ ،‬أحياناً‪،‬‬ ‫)‪( ،Besancon, Copeland and Hours 1975-7‬شكل ‪،)13 -11‬‬
‫لعدم وجود الزراعة فيه‪ ،‬كذلك ‪(Zarins et. al. , 1980: 17,‬‬ ‫غير متطابقة مع ما مت إف��راده في وسط اجلزيرة العربية‬
‫)‪،notes 2, Zarins 1981: 19, notes 6, Zarins et. al. , 982: 30‬‬ ‫)‪،(Zarins et. , al. , 1980: 17, Zarins et. , al. , 1981: 19‬‬
‫ضمن في هذا املفهوم‪ ،‬غير أن عدم‬ ‫ولكن العصر املذكور لم يُ َّ‬ ‫(شكل ‪ ،)18 ،17‬ومت إفراد مجموعة أخرى من املواقع حتت‬
‫االتفاق بني الباحثني في وسط اجلزيرة العربية‪ ،‬في عدد‬ ‫مفهوم ما بعد العصر احلجري القدمي )‪(Post-Paleolithic‬‬

‫من املسائل‪ ،‬كما ما يبدو‪ ،‬عكس نفسه على عدم االتفاق في‬ ‫)‪،(Whalen et. , al. , 1981: 49; Zarins et. al. , 1980: 18‬‬
‫استخدام أحد املفهومني‪ ،‬للتعبير به عن هذه املرحلة‪ ،‬علماً‬ ‫وأخ��رى تركت معلّقة بني العصر احلجري القدمي األعلى‪،‬‬
‫أن استخدام مفهوم ما بعد العصر احلجري القدمي‪ ،‬غير‬ ‫الذي لم حتدد خصائصه‪ ،‬في األساس‪ ،‬وبني لواحق العصر‬
‫صالح في األساس هنا‪ ،‬كما سلف الذكر‪ ،‬واألهم من هذا‪،‬‬ ‫احلجري القدمي )‪،(Gilmore et. al. , 1982: 12-13, Table 1‬‬
‫هو أن الباحثني هنا‪ ،‬لم يتفقوا كذلك‪ ،‬على طبيعة األدوات‬ ‫الذي لم يُعط‪ ،‬هو اآلخر‪ ،‬حتديداً واضحاً من قبل الباحثني‬
‫احلجرية احملددة لسمات هذه املرحلة االنتقالية‪.‬‬ ‫هنا‪ ،‬كذلك‪.‬‬
‫أ ُ ْدرِ َجت في وسط اجلزيرة العربية مواد حجرية من مواقع‬ ‫‪(Post-‬‬‫يُ�ع� ُّد مفهوم م��ا بعد العصر احل�ج��ري ال�ق��دمي‬
‫يبلغ عدها نحو (‪ )26‬موقعاً في املنطقة الشمالية الغربية‬ ‫)‪ ،Paleolithic‬ذا نطاق واس��ع إل��ى حد كبير‪ ،‬حيث يدخل‬
‫)‪ ،(Whalen et. al. 1981: 49-50‬ومنها املواقع‪,101-205( :‬‬ ‫فيه املضمون األثري لكل من املرحلة االنتقالية بني العصر‬
‫‪ ،)832/281/248-210 ,202-210 ,116-205‬وأخرى في‬ ‫احلجري القدمي‪ ،‬إضافة إلى العصر احلجري احلديث‪ ،‬في‬
‫املنطقة الوسطى ‪(Zarins et. al. , 1979: 13, 17- 18; 1980:‬‬ ‫حالة عدم وجود الزراعة في العصر األخير‪ ،‬وقد يشمل هذا‬

‫‪106‬‬
‫األثر البيئي في غياب العصر احلجري الوسيط التقليدي وإشكالية االنتقال إلى العصر احلجري احلديث في اجلزيرة العربية‬

‫في الوقت نفسه (‪ )Flake-Blade‬أو (‪،)Lamenary- Flake‬‬ ‫)‪ ،18‬مثل (‪ )40 /38 -207‬في صلبوخ‪ ،‬أو (سدوس)‪ ،‬حتت‬
‫والتي كان قد قال عنها قبل ذلك‪ ،‬بأنها بالقدر الذي ميكن‬ ‫مفهوم ما بعد العصر احلجري القدمي (شكل ‪ .)17‬وكذا‬
‫أن تنتمي إلى العصر احلجري القدمي األعلى‪ ،‬بالقدر نفسه‬ ‫أ ُ ْدرِ جت مواد حجرية من مواقع في املنطقة الشمالية‪ ،‬حتت‬
‫ميكن أن تنتمي إلى ما بعد العصر احلجري القدمي ‪(Zarins‬‬ ‫مفهوم العصر احل�ج��ري ال�ق��دمي ال�لاح��ق‪ ،‬ولكن األخيرة‪،‬‬
‫)‪ ، .et. al. , 1979: 18‬وفي الوقت نفسه فإنها تختلف عن‬ ‫تركت معلّقة‪ ،‬في الوقت نفسه‪ ،‬بني العصر املذكور‪ ،‬والعصر‬
‫أدوات امل��واق��ع ال�ت��ي ُق�ي��دت م��ن قبل (زرن �ي��س) نفسه في‬ ‫احلجري القدمي األعلى‪ ،‬كما سلف الذكر ‪(Gilmore et. al.‬‬
‫املنطقة الوسطى‪ ،‬سالفة الذكر‪.‬‬ ‫)‪., 1982: 12-13‬‬
‫حدده (زارينس) من سمات‬ ‫ولكن األهم من هذا‪ ،‬هو ما ّ‬ ‫ص� ِّن��ف (وا ِل� ��ن) م�ص�ن��وع��ات م��ا ب�ع��د ال�ع�ص��ر احلجري‬
‫أخرى مهمة لهذا العصر‪ ،‬من وجهة نظره‪ ،‬وهي عدم وجود‬ ‫القدمي باملكاشط‪ ،‬والسكاكني‪ ،‬واملخارز‪ ،‬واملثاقب‪ ،‬واألدوات‬
‫كل من التهذيب املزدوج‪ ،‬أو (املرقق من اجلهتني) ‪(Bifacial‬‬ ‫املسنَّنة‪ ،‬أو (ذات امل�خ��ال��ب) (‪ ،)Notched Tools‬ومبواد‬
‫)‪ ،retouch‬والرؤوس‪ ،‬بوجه عام‪،(Zarins et. al. ,1980: 18) ،‬‬ ‫ليفالوازية بنسبة متدنية‪ ،‬مقارنة بالعصر احلجري القدمي‪،‬‬
‫وهما الظاهرتان الرئيستان اللتان ميكن أن يتَميز بهما‬ ‫وبأن أحجام األدوات فيها تتأرجح‪ ،‬حسب قوله‪ ،‬بني احلجم‬
‫العصر املذكور‪ ،‬عن غيره من العصور األخرى‪ ،‬إن كان قد‬ ‫الصغير‪ ،‬واحلجم الكبير‪ ،‬كما وصف هذه األدوات‪ ،‬كذلك‪،‬‬
‫وجد بالفعل‪ ،‬كما يعتقد الباحث (لوحة ‪ :22‬ج‪ ،23 ،‬لوحة‬ ‫بخفَّة ل��ون البِلى عليها‪ ،‬مقارنة ب��أدوات العصر احلجري‬ ‫ِ‬
‫‪ - :25‬أ‪- ،‬ب‪- ،‬ج)‪ .‬فالرؤوس احلادة‪ ،‬والتهذيب املرقق من‬ ‫القدمي‪ ،‬وبت َر ُّكز مواقعها على التشكيالت اجلبلية البازلتية‪،‬‬
‫عدان من الروابط املشتركة‪ ،‬في نظر الباحث‪،‬‬ ‫اجلهتني‪ ،‬يُ َّ‬ ‫والريوليتية‪ ،‬واجلرانيتية )‪ .(Whalen et. al. 1981: 49‬ولكن‬
‫بني العصر املذكور‪ ،‬والعصر احلجري احلديث في ثقافة‬ ‫هذا احلديث يُع ُّد‪ ،‬من حيث املبدأ‪ ،‬حديثاً عاماً‪ ،‬غير ُم َحدِّد‬
‫الشظايا‪ ،‬من جهة‪ ،‬وبني العصرين معاً‪ ،‬والعصر احلجري‬ ‫بدقة حملتوى العصر‪ ،‬سالف الذكر‪ ،‬فاألدوات احلجرية التي‬
‫القدمي‪ ،‬من جهة أخرى‪( ،‬لوحة ‪ .)25 ،24 ،22‬وال غرابة في‬ ‫ُذكرت‪ ،‬ال يوجد فيها ما مييزها عن باقي العصور احلجرية‬
‫أن جند أدوات العصر املذكور مختلفة متاماً عند آخرين‪،‬‬ ‫األخ��رى‪ ،‬وإضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن كل ما عرضه (وا ِل��ن) من‬
‫أيضاً‪ ،‬فقد ذكر (عبد النعيم) بأنها تتم َّيز بـالرؤوس الورقية‬ ‫أدوات منوذجية لتحديد العصر املذكور هو ما نقله الباحث‬
‫املُشرشرة احل��واف (‪ )Notched foliates‬وال��رؤوس املثلثة‬ ‫عنه في هذه الدراسة (شكل ‪.)18‬‬
‫القزمية‪ ،‬حسب تعبيره )‪،(Triangular microlithic points‬‬ ‫فإن (زارينس)‪ ،‬الذي ينفي تارة‪ ،‬وجود هذه املرحلة‬ ‫وكذا َّ‬
‫وأدرج�ه��ا حتت مفهوم العصر احلجري الوسيط‪ ،‬والذي‬ ‫)‪ ،(Zarins et. al. , 1979: 13, 1980: 16- 17, 1981: 19‬وتارة‬
‫رآه‪ ،‬في الوقت نفسه‪ ،‬بأنه يساوي لواحق العصر احلجري‬ ‫أخرى‪ ،‬يعود لإلقرار بوجودها‪ ،‬وصف مواقعها بأنها تضم‬
‫ال�ق��دمي‪ ،‬أض��ف إل��ى ذل��ك أن األدوات التي عرضها لهذا‬ ‫ع��دداً بسيطاً من النّوى‪ ،‬والشطائر احلجرية (شكل ‪،)17‬‬
‫العصر )‪ ،(Nayeem 1992 39, 61, 62, pl. XVI, XVII‬هي‬ ‫وكذا الشظايا‪ ،‬ومخلَّفات التصنيع‪ ،‬أما األدوات فهي كما‬
‫رؤوس مر َّققة من اجلهتني من أدوات النمط الصحراوي‪،‬‬ ‫قال‪ :‬املكاشط‪ ،‬واملسننات‪ ،‬أو (ذوات املخالب)‪ ،‬واملثاقب‪،‬‬
‫املعروضة في بعض متاحف املنطقة‪ ،‬تعود‪ ،‬في نظر الباحث‪،‬‬ ‫وب��أن تأثير البِلى على ه��ذه امل��واد لم يظهر إالَ في أدنى‬
‫إلى العصر احلجري احلديث‪ ،‬أغلبها مكسورة األعناق‪ ،‬أو‬ ‫صوره )‪ ،(Zarins et. al. ,1980: 18‬وإضافة إلى هذا النوع من‬
‫القواعد‪ ،‬بينما الرؤوس ذوات األعناق السليمة‪ ،‬من النمط‬ ‫األدوات‪ ،‬الذي يتواجد في أكثر من عصر‪ ،‬أو (غير احملددة‪،‬‬
‫نفسه‪ ،‬نسبها‪ ،‬كاآلخرين‪ ،‬إلى العصر احلجري احلديث‪،‬‬ ‫في نظر الباحث‪ ،‬للواحق للعصر احلجري القدمي)‪ ،‬لم يقدم‬
‫وهذه مشكلة عند الباحث نفسه‪ ،‬إن كان ال يستطيع أن مييز‬ ‫(زارينس) لالستشهاد‪ ،‬من��اذج من هذه األدوات‪ ،‬باستثناء‬
‫حتى بني األدوات السليمة‪ ،‬واألدوات املكسورة‪ ،‬كما أنه أعاد‬ ‫مجموعة صلبوخ‪ ،‬وهي قليلة جداً‪( ،‬شكل ‪ ،)17‬وهي مؤ ّلفة‬
‫تأريخ هذه املرحلة االنتقالية إلى الفترة من‪ )10,000( :‬إلى‬ ‫من بعض الشطائر احلجرية (‪ ،)Blade‬إلى جانب الشظف‬

‫‪107‬‬
‫عبدالرزاق امل َ ْع َمري‬

‫االجتاه الداخلي)‪ ،‬ويتسم هذا االجتاه بتقنية الشظايا‪ ،‬مبا‬ ‫(‪ )6000‬سنة ق‪ .‬م‪ ،‬دون أن يوضح مسوغات افتراضه لهذا‬
‫في ذلك تسجيل التقنية الليفالوازية‪ ،‬ولكن في نطاق صناعة‬ ‫التأريخ‪ ،‬علماً أن العصر احلجري احلديث املبكر‪ ،‬كان قد‬
‫الشظايا احلجرية نفسها‪ ،‬مع وجود عملية التهذيب فيها‪،‬‬ ‫أ ُ ِّرخ له في شمالي اجلزيرة العربية‪ ،‬وشرقيها‪ ،‬منذ بداية‬
‫مبا في ذلك مصادفة الرقائق‪ ،‬أو (ذات الوجهني) (شكل‬ ‫الثمانينيات بالفترة ما بني (‪ )8000‬إلى (‪ )7000‬سنة ق‪ .‬م‪،‬‬
‫غطى هذا االجت��اه معظم أراضي‬ ‫‪16‬؛ لوحة ‪ :22‬أ)‪ ،‬وقد َّ‬ ‫بناء على أوجه املقارنة بني مواده احلجرية‪ ،‬وشبيهاتها في‬
‫اجلزيرة العربية‪ .‬فيما يالحظ أن االجتاه الساحلي ظهر في‬ ‫بالد الشام )‪ .(Zarins et. al. , 1981: 19‬وباختصار فإن بعض‬
‫بعض املواقع‪ُ ،‬قرب األودية في سهول تهامة‪ ،‬ولكن يصعب‬ ‫املتخصصني في معارف قريبة من عصور ما قبل التاريخ‪،‬‬
‫في الوقت احلالي تقدير انتشار هذا االجت��اه‪ ،‬سواء أكان‬ ‫قد تكون عندهم بعض املعلومات العامة عن عصور ما قبل‬
‫ذلك في السهول التهامية نفسها‪ ،‬أم خارجها‪.‬‬ ‫�اف ألن يكتبوا فيها‪ .‬فغياب‬ ‫التاريخ فيعتقدون أن ذل��ك ك� ٍ‬
‫العصر احل�ج��ري ال��وس�ي��ط ف��ي اجل��زي��رة العربية‪ ،‬ممث ً‬
‫ال‬
‫ثاني ًا‪ :‬ترتَّبت على هاتني الثقافتني‪ ،‬أو (العصر احلجري‬
‫باألدوات احلجرية القزمية‪ ،‬والظواهر األخرى املرافقة التي‬
‫القدمي األوس��ط)‪ ،‬إضافة إلى العوامل البيئية‪ ،‬التطورات‬
‫وجدت في أوروبا‪ ،‬سالفة الذكر‪ ،‬أمر متفق عليه بني الباحثني‬
‫الالحقة‪ ،‬ومنها‪ :‬مسألة غياب العصر احل�ج��ري القدمي‬
‫في املنطقة إلى درجة أن بعضهم يقترح عدم ذكر املرحلة‬
‫األعلى‪ ،‬أو على األق��ل غياب تقاليده التي ُعرفت في كل‬
‫االنتقالية بني العصر احلجري احلديث والعصر احلجري‬
‫من أوروبا‪ ،‬وبالد الشام‪ ،‬مع أنه ال يستبعد أن تسجل بعض‬
‫القدمي‪ ،‬في األساس‪( ،‬الشارخ ‪ ،)2003‬أ َّما مسألة الفرق بني‬
‫مواقع هذا العصر ذات الصلة باالجتاه الثقافي الساحلي‬
‫العصر احلجري الوسيط‪ ،‬ولواحق العصر احلجري القدمي‪،‬‬
‫في جنوبي اجلزيرة العربية‪ ،‬أو في أماكن أخرى من اجلزيرة‬
‫فقد متت اإلشارة إليه فيما سبق‪.‬‬
‫العربية‪ .‬كما حتددت‪ ،‬على أساس العصر احلجري القدمي‬
‫األوس��ط طبيعة املرحلة االنتقالية إل��ى العصر احلجري‬ ‫األدوات املقترحة للمرحلة االنتقالية في اجلزيرة‬
‫احل��دي��ث‪ ،‬التي نحن بصددها في ه��ذه ال��دراس��ة‪ ،‬إضافة‬ ‫العربية‬
‫إلى سمات العصر احلجري احلديث نفسه‪ ،‬وال��ذي اتسم‬
‫ال‪ :‬أن اجلزيرة العربية‪ ،‬نتيجة للتغيرات‬ ‫يرى الباحث أو ً‬
‫بالصيد‪ ،‬واجلمع‪ ،‬بدرجة رئيسة‪ ،‬من دون وجود الزراعة‪.‬‬
‫املناخية‪ ،‬والعوامل األخ��رى ذات الصلة بغياب خصائص‬
‫ثالث ًا‪ :‬أن اجلزيرة العربية لم تكن قد خلت بالكامل من‬ ‫العصر احلجري القدمي األعلى النموذجية‪ ،‬سالفة الذكر‪،‬‬
‫وجود اإلنسان في الدور اجلاف الواقع بني (‪ )17000‬سنة‬ ‫أخذت تسير‪ ،‬بالتدريج‪ ،‬منذ زهاء العصر احلجري القدمي‬
‫إلى زهاء (‪ )9000‬سنة ق‪ .‬ح‪ ،‬كما يعتقد بعضنا‪ ،‬استناداً إلى‬ ‫األوس��ط‪ ،‬في اجت��اه خاص بها‪ .‬فالعصر احلجري القدمي‬
‫وجود صلة بني العصر احلجري القدمي‪ ،‬والعصر احلجري‬ ‫األوس��ط يتكون فيها‪ ،‬حسب رؤي��ة ال�ب��اح��ث‪ ،‬م��ن ثقافتني‬
‫احلديث‪ ،‬في األدوات احلجرية‪ ،‬ممثلة تلك الصلة باستمرار‬ ‫رئيستني‪ ،‬إحداهما ميكن تسميتها بالثقافة الساحلية‪ ،‬أو‬
‫تقاليد العصر احلجري القدمي في صناعة أدوات العصر‬ ‫(االجتاه الثقافي الساحلي)‪ ،‬أو (اجتاه َد ْح َيا)‪ ،‬ممثلة مبوقع‬
‫احلجري احلديث (لوحة ‪ ،)24 ،22‬ومنها األدوات املقترحة‬ ‫(شعبة دح�ي��ا ف��ي خميس بني سعد ف��ي ال�ي�م��ن)‪ ،‬وبعض‬
‫في هذه الدراسة للمرحلة االنتقالية إلى العصر املذكور‬ ‫املواقع السطحية في السهول القريبة من املناطق اجلبلية‬
‫(لوحة ‪ ،)25 ،23‬والتي انبثقت‪ ،‬بدورها‪ ،‬كما يعتقد الباحث‪،‬‬ ‫املقابلة لشواطئ البحر األحمر عند مضيق باب املندب‪،‬‬
‫من االجتاه الصحراوي‪ ،‬سالف الذكر‪( ،‬شكل ‪16‬؛ لوحة ‪:22‬‬ ‫وهذا االجتاه يتسم بتقنية الشطائر احلجرية‪ ،‬مبا في ذلك‬
‫أ)‪ .‬فقد جلأ اإلنسان في ذلك الدور اجلاف إلى الواحات‪،‬‬ ‫سيادة التقنية الليفالوازية الستخراج هذه الفلق من النوى‪،‬‬
‫أو بعض األماكن في املرتفعات‪ ،‬أو القريبة منها (لوحة ‪-1‬‬ ‫مع غياب األدوات املرققة من اجلهتني‪ ،‬وعملية التهذيب‪،‬‬
‫‪ ،)3‬حيث ك��ان يتوافر فيها قسط من مصادر املياه‪ ،‬على‬ ‫بوجه عام‪ ،‬باستثناء ما ندر منها (لوحة ‪ .)21‬فيما ميكن‬
‫األرجح‪ .،‬بينما االجتاه الساحلي (لوحة ‪ )21‬نتج عنه‪ ،‬كما‬ ‫تسمية االجتاه الثقافي الثاني‪ ،‬باالجتاه الصحراوي‪ ،‬أو (أو‬

‫‪108‬‬
‫األثر البيئي في غياب العصر احلجري الوسيط التقليدي وإشكالية االنتقال إلى العصر احلجري احلديث في اجلزيرة العربية‬

‫احلجري القدمي (لوحة ‪ ،)23‬ميكن أن تسمى بـ (لواحق‬ ‫يبدو‪ ،‬النمط احلضرمي املبكر في العصر احلجري احلديث‬
‫العصر احل�ج��ري ال �ق��دمي)‪ ،‬أو (العصر احل�ج��ري القدمي‬ ‫(شكل ‪ :19‬أ)‪.‬‬
‫الالحق)‪ ،‬وهو املفهوم الذي ميكن أن يقابل مصطلح ‪(Epi-‬‬
‫ومن عوامل الصلة بني كل من األدوات املقترحة للمرحلة‬
‫)‪ ،Paleolithic‬مع أن األدوات احلجرية التي ستدرج في‬ ‫االنتقالية (لوحة ‪ ،)23‬والعصر احلجري احلديث (لوحة‬
‫هذه املرحلة في اجلزيرة العربية‪ ،‬ال تتطابق مع خصائص‬ ‫‪ :22‬د‪ -‬ه�ـ‪ ،‬لوحة ‪ ،)25 ،24‬من جهة‪ ،‬واالجت��اه الثقافي‬
‫(‪ )Epi-Paleolithic‬التي ُعرفت في مناطق الشرق األوسط‬ ‫الصحراوي في العصر احلجري القدمي األوسط (شكل ‪16‬؛‬
‫(شكل ‪13 ،12 -11‬؛ لوحة ‪ ،)20 ،19‬أو ميكن أن تسمى‬ ‫لوحة ‪ :22‬أ)‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬مبا في ذلك املواقع التي نُسبت‬
‫هذه املرحلة‪ ،‬كذلك‪ :‬لواحق العصر احلجري القدمي العربية‬ ‫إلى العصر احلجري القدمي األعلى هنا (لوحة ‪ :22‬ب)‪،‬‬
‫(‪ ،)Arabian Epi-Paleolithic‬خلصوصية هذه املرحلة في‬ ‫والتي يبدو أنها انبثقت عن هذا االجتاه‪ ،‬أيضاً‪ ،‬وجود النواة‬
‫اجلزيرة العربية‪ ،‬كما ميكن أن تُس ّمى (العصر احلجري‬ ‫(‪ )Core‬ذات اجلهة العاملة‪ ،‬أو (اجلهة املوجبة) املفلطحة‪،‬‬
‫الوسيط‪ ،‬أو العصر احلجري الوسيط العربي) بسبب هذه‬ ‫أو (املستوية)‪ ،‬وشبه املفلطحة‪ ،‬وك��ذا انتزاع الشظايا من‬
‫اخلصوصية‪.‬‬ ‫َّ‬
‫بالطرق امل�ت��وازي‪ ،‬وشبه امل�ت��وازي‪ ،‬في الغالب‬ ‫هذه النواة‪،‬‬
‫فإذا كان العصر احلجري القدمي األعلى‪ ،‬غير موجود‬ ‫األعم‪( ،‬شكل ‪ ،)21 ،20‬مبا في ذلك سيادة الشظايا نفسها‬
‫في اجلزيرة العربية‪ ،‬وغير موجودة‪ ،‬هي األخرى‪ ،‬املرحلة‬ ‫)‪ (Rashed 1993a: 77- 167‬التي صنعت منها أغلب األدوات‬
‫االنتقالية بني العصر احلجري القدمي‪ ،‬والعصر احلجري‬ ‫(شكل ‪ ،)23-22‬وه��ي م��ن امل�ب��ادئ األس��اس�ي��ة التي كانت‬
‫احلديث‪ ،‬إضافة إلى عدم وجود العصر احلجري احلديث‬ ‫سائدة في العصر احلجري القدمي األوس��ط في االجتاه‪،‬‬
‫ن�ف�س��ه‪ ،‬ل �ع��دم وج ��ود ال��زراع��ة ف �ي��ه‪ ،‬ك�م��ا ي��رى ذل��ك بعض‬ ‫سالف الذكر (لوحة ‪ :22‬أ؛ شكل ‪ ،)16‬وحتى عملية التهذيب‬
‫الباحثني‪ ،‬كما سلف الذكر‪ ،‬فما هي يا ترى املفاهيم التي‬ ‫املر ِّقق من اجلهتني‪ ،‬أو (املزدوج) (‪ ،)Bifacial retouch‬والتي‬
‫ميكن أن يُع َّبر بها في هذه املنطقة عن املضامني األثرية‬ ‫تُع ُّد من األساليب التي سادت في العصر احلجري احلديث‬
‫املمتدة فترتها منذ العصر احلجري القدمي األوسط‪ ،‬وحتى‬ ‫(لوحة ‪ :22‬د‪ ،‬هـ‪ ،‬لوحة ‪ ،)25 ،24‬ذات صلة‪ ،‬هي األخرى‪،‬‬
‫ظهور العصر البرونزي؟ علماً أن مواقع العصر البرونزي‬ ‫بتقاليد العصر احلجري القدمي في املنطقة‪ ،‬مبا في ذلك‬
‫نفسه انحصرت‪ ،‬هي األخرى‪ ،‬على مرتفعات جنوبي اجلزيرة‬ ‫وج��ود الرقائق احلجرية‪ ،‬أو (ذوات الوجهني) (‪)Bifaces‬‬
‫العربية‪ ،‬وتهامة‪ ،‬وجنوبيها الشرقي‪ ،‬في األساس‪ .‬أ ّما مفهوم‬ ‫(شكل ‪ ،)1 :16‬وهذه اخلصائص هي التي جعلت الباحث‬
‫(ما بعد العصر احلجري القدمي) (‪ ،)Post-Paleolithic‬الذي‬ ‫يعتقد وج��ود مضمون أث��ري ملرحلة انتقالية‪ ،‬وج��دت بني‬
‫سبقت اإلشارة إليه‪ ،‬فإنه مفهوم واسع النطاق‪ ،‬وفي الوقت‬ ‫العصرين املذكورين‪ ،‬مع أن طبيعة العصر احلجري احلديث‬
‫نفسه فإنه ال يتضمن املضامني األثرية التي وجدت خالل‬ ‫التي وجدت في اجلزيرة العربية‪ ،‬املتسمة بالصيد‪ ،‬واجلمع‪،‬‬
‫هذه الفترة الطويلة‪.‬‬ ‫لم تكن بحاجة إل��ى ظهور مقدمات لها‪ ،‬من حيث املبدأ‪،‬‬
‫ف ��األدوات احلجرية التي ميكن أن تحُ ��دد بها املرحلة‬ ‫بوصفها كانت موجودة في العصر احلجري القدمي‪ ،‬ولكن‬
‫االنتقالية بني العصر ين املذكورين‪ ،‬هي مجموعات الرؤوس‬ ‫اجلديد في العصر احلجري احلديث‪ ،‬يتمثل في حتديث‬
‫احل��ادة غير املعنّقة في ثقافة الشظايا (لوحة ‪ ،)23‬وهي‬ ‫أدوات الصيد‪ ،‬وانتشار ال��رؤوس احل��ادة‪ ،‬ورؤوس السهام‪،‬‬
‫الرؤوس التي سبقت ظهور الرؤوس املعنقة (لوحة ‪ ،)25‬وقد‬ ‫إلى جانب ظهور القوس‪ ،‬على األرجح‪ ،‬استناداً إلى انتشار‬
‫ُعرفت هذه األدوات من خالل طريقة في الدراسة‪ ،‬جمعت‬ ‫رؤوس السهام بني األدوات التي تُنسب إلى العصر احلجري‬
‫بني األساليب التقنية‪ ،‬وتأثير البِلى (‪ )Patina‬على األدوات‬ ‫احلديث (لوحة ‪ :22‬هـ‪ ،‬لوحة ‪ ،25 ،24‬شكل ‪.)19‬‬
‫احلجرية )‪( (Rashed 1993a, 1993b‬املعمري ‪( ،)2002‬لوحة‬ ‫رابع ًا‪ :‬يقترح الباحث أن األدوات التي ميكن إدراجها في‬
‫‪ ،)25 ،24‬سميت بطريقة الترتيب الزمني النسبي‪ ،‬مبظهر‬ ‫املرحلة االنتقالية بني العصر احلجري احلديث‪ ،‬والعصر‬

‫‪109‬‬
‫عبدالرزاق امل َ ْع َمري‬

‫‪22‬هـ‪ ،)25 ،‬ولكن ما سيتم إتباعه‪ ،‬مؤقتاً‪ ،‬في هذه الدراسة‪،‬‬ ‫البِلى‪ ،‬وه��ي خمس مجموعات متسلسلة من األق��دم إلى‬
‫هو إعادة املجموعات الثالث (‪ -‬أ‪ - ،‬ب‪ - ،‬ج) فقط‪ ،‬إلى‬ ‫األح��دث‪ُ ،‬رمِ ��ز لها بخمسة حروف أبجدية‪( :‬أ‪ ،‬ب‪ -( )،‬أ‪،‬‬
‫لواحق العصر احلجري القدمي (لوحة ‪ ،)23‬إلى أن تتوافر‬ ‫‪ -‬ب‪ - ،‬ج) (لوحة ‪ ،)25‬ولكن السؤال الذي يصعب اإلجابة‬
‫معطيات إضافية‪.‬‬ ‫عنه في الوقت الراهن‪ ،‬هو‪ :‬هل هذه املجموعات احلجرية‬
‫فقد وج��د ال�ب��اح��ث عملية الفصل ب�ين ه��ذه اخلمس‬ ‫اخلمس جميعها ترجع إلى لواحق العصر احلجري القدمي‪،‬‬
‫امل�ج�م��وع��ات‪ ،‬سالفة ال��ذك��ر‪ ،‬ف��ي ن�ط��اق الترتيب املرحلي‬ ‫أم ثالث مجموعات منها فقط‪ ،‬هي التي ميكن أن تعود إلى‬
‫النسبي مبظهر البِلى‪ ،‬من خ�لال طبيعة التهذيب املر ّقق‬ ‫هذه املرحلة؟ فيما تعود املجموعتان األخيرتان إلى العصر‬
‫من اجلهتني‪ ،‬إضافة إلى التهذيب األخدودي أو (املسطر)‬ ‫احلجري احلديث املبكر؟‬
‫(‪ .)Fluting Retouch‬فاملجموعات الثالث املبكرة‪ ،‬وهي (‪-‬‬ ‫فقد كانت مهمة الباحث عند تسجيله لهذه املجموعات‬
‫أ‪ - ،‬ب‪ - ،‬ج) تتميز عن املجموعتني األخيرتني‪( :‬أ‪ ،‬ب)‪ ،‬في‬ ‫محصورة في حتديد مواد العصر احلجري احلديث‪ ،‬ولذا‬
‫أن التهذيب فيها يقتصر على عملية الطرق غير املباشر‬ ‫فقد ترك هذه املجموعات الثالث‪ -( :‬أ‪ - ،‬ب‪ - ،‬ج)‪( ،‬لوحة‪:‬‬
‫(لوحة ‪ ،)23‬إلى جانب الطرق املباشر‪ ،‬بصورة ثانوية‪( ،‬لوحة‬ ‫‪ ،)25 ،24 ،23‬خالل كتابته رسالة الدكتوراه‪ ،‬خارج نطاق‬
‫‪- :23‬ج)‪ ،‬وهي في املراحل األول��ى من جتهيز بعض هذه‬ ‫حدده‬
‫العصر احلجري احلديث املبكر‪ ،‬وهو العصر الذي َّ‬
‫األدوات‪ ،‬فيما تتميز املجموعتان (أ‪ ،‬ب) بعملية التهذيب‬ ‫باملجموعات (أ‪ ،‬ب)‪ ،‬في األس��اس (لوحة ‪ ،)24‬فيما حدد‬
‫بالضغط‪ ،‬في الغالب األعم‪ ،‬مبا في ذلك مجموعات العصر‬ ‫العصر احلجري احلديث املتأخر بالرؤوس املعنقة (لوحة‬
‫احلجري احلديث األخرى (لوحة ‪ ،)25 ،24‬كما أن التهذيب‬ ‫‪ ،)25 ،24‬معتقداً أن املجموعات (‪ -‬أ‪ - ،‬ب‪ - ،‬ج)‪ ،‬تعود‬
‫األخدودي يصادف وجوده بدءاً باملجموعتني (أ‪ ،‬ب) (شكل‬ ‫إلى لواحق العصر احلجري القدمي‪ ،‬أو إلى العصر احلجري‬
‫‪ ،)6 ،3 :24‬بينما لم يالحظ وجوده في أي من املجموعات‬ ‫القدمي بوجه عام‪ .(Rashed 1993a: 271-272) ،‬وفي وقت‬
‫األخرى السابقة (املقترحة للواحق العصر احلجري القدمي)‪.‬‬ ‫الح��ق أع��اد الباحث‪ ،‬إح��دى ه��ذه املجموعات إل��ى العصر‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬هناك متايز في طبيعة هذا التهذيب بني‬ ‫احلجري احلديث املبكر (املعمري ‪ :2002‬لوحة ‪ - /3‬أ)‪،‬‬
‫املجموعات التي ميكن أن تُنسب إلى لواحق العصر احلجري‬ ‫وهي املجموعة التي كان قد أشار لها‪ ،‬حينذاك‪ ،‬بـ‪ -( :‬أ)‪،‬‬
‫القدمي نفسه‪ ،‬فاملجموعة (‪ -‬أ)‪ ،‬وهي األحدث‪ ،‬وجد فيها‬ ‫كونها احتوت على التهذيب املر ِّقق من اجلهتني‪ ،‬أو (التهذيب‬
‫التهذيب بالطرق غير املباشر (لوحة ‪ - :23‬أ)‪ ،‬وبالضغط‬ ‫املزدوج) (‪ ،)Bifacial Retouche‬بعمليتي الطرق‪ ،‬من جهة‪،‬‬
‫في املرحلة األخيرة من جتهيز هذه األداة‪ ،‬بينما التهذيب‬ ‫خالل التجهيز األولى لألداة‪ ،‬والضغط في مرحلة التجهيز‬
‫في املجموعتني (‪ -‬ب‪ - ،‬ج)‪ ،‬اقتصر على عملية الطرق‪،‬‬ ‫األخيرة‪ ،‬من جهة أخرى‪.‬‬
‫وبشكل خاص غير املباشر (لوحة ‪- :23‬ب‪- ،‬ج)‪.‬‬ ‫وفي هذه ال��دراس��ة‪ ،‬يرى الباحث أن املجموعات التي‬
‫أضف إلى ذلك‪ ،‬إن املجموعات (‪ -‬أ‪ - ،‬ب‪ - ،‬ج)‪ ،‬وهي‬ ‫رتبت على النحو التالي‪ -( :‬أ‪ - ،‬ب‪ - ،‬ج)‪ ،‬ميكن أن تعود‬
‫امل�ج�م��وع��ات اخل��اص��ة ب�ل��واح��ق العصر احل �ج��ري القدمي‪،‬‬ ‫إلى لواحق العصر احلجري القدمي‪ ،‬فيما املجموعة (‪ -‬أ)‬
‫قليلة العدد إلى حد كبير‪ ،‬مقارنة باالنتشار الواسع ألدوات‬ ‫متثل فترة انتقال بني نهاية لواحق العصر احلجري القدمي‪،‬‬
‫املجموعات (أ‪ ،‬ب)‪ ،‬اخلاصة بالعصر احلجري احلديث‬ ‫ودخول العصر احلجري احلديث املبكر (لوحة ‪ ،)25‬مع أنه‬
‫املبكر‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن املجموعات (‪-‬‬ ‫ال يستبعد‪ ،‬كذلك‪ ،‬أن تكون اخلمس املجموعات بأكملها‬
‫أ‪ - ،‬ب‪ - ،‬ج) سجلت في املواقع التي توجد فيها أدوات‬ ‫ت �ع��ود إل��ى ل��واح��ق ال�ع�ص��ر احل �ج��ري ال �ق��دمي‪ ،‬فيما يبدأ‬
‫العصر احلجري القدمي‪ ،‬من حيث املبدأ‪ ،‬وذلك عند وهاد‬ ‫العصر احل�ج��ري احل��دي��ث ف��ي ثقافة الشظايا‪ ،‬ف��ي هذه‬
‫املرتفعات اجلبلية املوجودة في املنطقة الصحراوية نفسها‪،‬‬ ‫احلالة‪ ،‬بالرؤوس املعنقة (لوحة ‪ ،)25‬أو (ب��أدوات النمط‬
‫مثل مواقع العبر (لوحة ‪ ،)1‬وموقع الوهد (لوحة ‪ ،)2‬أي أن‬ ‫ال�ص�ح��راوي)‪ ،‬وال��ذي ينقسم ب��دوره إل��ى مرحلتني (لوحة‬

‫‪110‬‬
‫األثر البيئي في غياب العصر احلجري الوسيط التقليدي وإشكالية االنتقال إلى العصر احلجري احلديث في اجلزيرة العربية‬

‫السكان‪ ،‬وإلى أن األحوال املناخية‪ ،‬أخذت تسير في اجتاه‬ ‫هذه األدوات ال تتوافر في املواقع التي تنتشر فيها الرؤوس‬
‫التحسن‪ ،‬مقارنة بالوضع ال��ذي كان عليه في املجموعات‬ ‫املعنقة‪ ،‬من حيث املبدأ‪ ،‬وباألخص التي تعود إلى النمط‬
‫السابقة‪ ،‬والذي وصل ذروته نحو األلف السادس‪ ،‬واأللف‬ ‫الصحراوي املتأخر‪ ،‬ولكن ال يستبعد أن توجد‪ ،‬في بعض‬
‫�دل عليه‪ ،‬كذلك‪ ،‬انتشار مواقع‬ ‫اخلامس ق‪ .‬م‪ ،‬وه��ذا ما ي� ّ‬ ‫املواقع التي تعاقب فيها االستيطان في عصور مختلفة‪ ،‬مثل‬
‫العصر احلجري احلديث في اجلزيرة العربية بوجه عام‬ ‫موقع طرف العني رقم‪( 4‬لوحة ‪ ،)3‬الذي يُحتمل أن توجد‬
‫في هذه الفترة‪ ،‬وهي أدوات النمط الصحراوي‪ ،‬في املقام‬ ‫فيه أدوات من أدوات هذه املرحلة االنتقالية‪ .‬فهذه األدوات‬
‫األول‪ ،‬وبخاصة النمط ال�ص�ح��راوي املتأخر (ل��وح��ة ‪:22‬‬ ‫ال تتوافر في املواقع التي تعود إل��ى املرحلة املتأخرة من‬
‫هـ؛ لوحة ‪( (Rashed 1993a: Plate 1) )25‬املعمري ‪:2010‬‬ ‫النمط الصحراوي (لوحة ‪ ،)25 ،24‬وهي املواقع التي تنتشر‬
‫خريطة‪.)1‬‬ ‫بشكل مباشرة في األماكن الصحراوية‪ ،‬ق��رب البحيرات‬
‫اجلافة في الوقت احلاضر (لوحة ‪ ،)18 -16‬التي تشكلت‬
‫فهذه األدوات احلجرية ممثلة في املجموعات (‪ -‬أ‪،‬‬
‫منذ زهاء األلف السادس‪ ،‬واخلامس ق‪ .‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ب‪ - ،‬ج)‪ ،‬حتمل تقاليد م��ن العصر احل�ج��ري القدمي‪،‬‬
‫ممثلة بأساليب التفليق (‪ ،)Knapping‬في املرحلة األولى من‬ ‫فيما تتوافر املجموعات (أ‪ ،‬ب) في املواقع التي انتشرت‬
‫صناعة األدوات احلجرية‪ ،‬إلى جانب ظواهر أخرى جديدة‪،‬‬ ‫فيها أدوات العصر احل �ج��ري احل��دي��ث األخ���رى‪ ،‬املمثلة‬
‫تختلف عن أدوات العصر احلجري ال�ق��دمي‪ ،‬وه��ي وجود‬ ‫بالرؤوس املعنقة‪ ،‬التي تعود إلى الفترة املبكرة من النمط‬
‫الرؤوس احلادة‪ ،‬التي لم تكن منتشرة في العصور السابقة‪،‬‬ ‫الصحراوي (لوحة ‪ :22‬هـ‪ ،‬لوحة ‪ ،)25 ،24‬مثل موقع طرف‬
‫إلى جانب انتشار التهذيب املرقق من اجلهتني‪ ،‬أو (التهذيب‬ ‫العني رقم‪( 4‬لوحة ‪ ،)3‬وذلك عند وهاد بعض املرتفعات في‬
‫املزدوج)‪( ،‬لوحة ‪ ،)22‬والذي ع َّوض عن خشونة املؤن التي‬ ‫املنطقة الصحراوية‪ .‬ويبدو أن هذا االرتباط بالتضاريس‪،‬‬
‫صنعت منها تلك الرؤوس احلادة بالتقاليد القدمية‪ ،‬وهي‬ ‫ُ‬ ‫ميثل قاعدة عامة‪ ،‬وبخاصة في الربع اخل��ال��ي‪ ،‬لعالقته‬
‫تقنية الشظايا احلجرية‪ ،‬وبالطرق القدمية‪ ،‬كذلك؛ وفي‬ ‫بالتغيرات املناخية‪ ،‬فكلما اجته املناخ صوب اجلفاف‪ ،‬كلما‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬فإن هذه األدوات بتلك السمات املزدوجة‪،‬‬ ‫اقترب اإلنسان من البحيرات‪ ،‬التي هي جافة اليوم‪.‬‬
‫املكونة من عناصر قدمية‪ ،‬ممثلة بطرق التفليق‪ ،‬املوروثة‬ ‫رجح الباحث أن يكون اإلنسان‬ ‫وعلى هذا األساس‪ ،‬فقد ّ‬
‫من العصر احلجري ال�ق��دمي‪ ،‬والعناصر احلديثة‪ ،‬ممثلة‬ ‫قد جلأ في ذلك الدور اجلاف الواقع ما بني (‪ )17‬إلى (‪)9‬‬
‫بالرؤوس احل��ادة‪ ،‬وانتشار طريقة التهذيب امل��زدوج (لوحة‬ ‫آالف سنة من اآلن‪ ،‬إلى مناطق الواحات‪ ،‬وبعض املرتفعات‬
‫‪ ،)23‬هي األدوات املرشحة ألن تكون أدوات مرتبطة بلواحق‬ ‫اجلبلية املوجودة في املنطقة الصحراوية نفسها ‪(Rashed‬‬
‫العصر احلجري القدمي في ثقافة الشظايا‪ ،‬والتي تشير‬ ‫)‪ ،1993c: 19‬مثل جبال العبر (لوحة ‪ ،)1‬والوهد (لوحة ‪)2‬‬
‫خصائصها التقنية‪ ،‬إلى أنها انبثقت عن العصر احلجري‬ ‫وط��رف العني (لوحة ‪ ...)3‬ال��خ‪ ،‬أو األماكن القريبة منها‪،‬‬
‫القدمي األوسط‪ ،‬وبشكل خاص عن االجتاه الصحراوي‪ ،‬أو‬ ‫التي كان يتو َّفر فيها‪ ،‬أو بقربها‪ ،‬قسط من مصادر املياه‪،‬‬
‫(االجتاه الداخلي) سالف الذكر (لوحة ‪ .)22‬كما ال يستبعد‬ ‫أضف إلى ذلك أن قلة أعداد املواد احلجرية الداخلة في‬
‫الباحث أن يكون جزء من النمط احلضرمي املبكر (شكل ‪:19‬‬ ‫املجموعات (‪ -‬أ‪ - ،‬ب‪ - ،‬ج)‪ ،‬وك��ذا ن��درة ال��رؤوس فيها‪،‬‬
‫أ)‪ ،‬يرجع‪ ،‬هو اآلخر‪ ،‬إلى لواحق العصر احلجري القدمي‪،‬‬ ‫يشير بدوره‪ ،‬إلى قِ لَّة كثافة االستيطان‪ ،‬آنذاك‪ ،‬وبالتالي إلى‬
‫وهو النمط الذي انبثق‪ ،‬حسب اعتقاد الباحث‪ ،‬عن االجتاه‬ ‫وجود ظروف مناخية جافة في املنطقة‪ ،‬والتي ثبت وجودها‪،‬‬
‫الساحلي‪ ،‬اخلاص بالعصر احلجري القدمي األوسط (لوحة‬ ‫كذلك‪ ،‬من خالل الدراسات املناخية‪ ،‬سالفة الذكر‪ .‬فيما‬
‫‪ ،)21‬أو أن هناك أدوات أق��دم من هذا النمط على صلة‬ ‫ي��دل انتشار م��واد املجموعتني (أ‪ ،‬ب)‪ ،‬النسبي‪ ،‬مقارنة‬
‫بهذا االجت��اه الساحلي‪ ،‬متثل هي األخ��رى‪ ،‬لواحق العصر‬ ‫باملجموعات السابقة (‪ -‬أ‪ - ،‬ب‪ - ،‬ج) )‪ ،(Rashed 1993a‬إلى‬
‫احلجري القدمي‪.‬‬ ‫التد ُّرج في زيادة كثافة النشاط اإلنساني‪ ،‬وارتفاع نسبة عدد‬

‫‪111‬‬
‫عبدالرزاق امل َ ْع َمري‬

‫بيئية؟ أو على العكس من ذلك‪ :‬ليس بالضرورة أن تكون كل‬ ‫وبالتالي‪ ،‬فإن خصائص املرحلة االنتقالية من العصر‬
‫أفعال اإلنسان ناجتة عن ضغط بيئي‪ ،‬وقد تتجلى هذه اإلجابة‬ ‫احلجري القدمي‪ ،‬إلى العصر احلجري احلديث في اجلزيرة‬
‫بصورة أوسع‪ ،‬باملعطيات األثرية‪ ،‬من واقع اجلزيرة العربية‪،‬‬ ‫العربية‪ ،‬متثل وج�ه�اً خ��اص�اً بها‪ ،‬ان�ط�لاق�اً م��ن خصائص‬
‫كذلك‪ ،‬من خالل الربط بني ردة فعل اإلنسان‪ ،‬سالفة الذكر‪،‬‬ ‫العصر احلجري القدمي التي وج��دت في املنطقة نفسها‪،‬‬
‫في ال��دور املطير‪ ،‬وردة فعله األخ��رى‪ ،‬في ال��دور اجلاف‪،‬‬ ‫فهي تختلف عن لواحق العصر احلجري القدمي في بالد‬
‫الذي حدث في الفترة ما بني (‪ )17‬إلى (‪ )9‬آالف سنة خلت‪،‬‬ ‫الشام‪ ،‬وع��ن العصر احلجري الوسيط في أوروب��ا‪ ،‬بغض‬
‫والتي متثلت‪ ،‬هي األخ��رى‪ ،‬بعدم إح��داث تغيير جوهري‪،‬‬ ‫النظر عن التسمية التي ميكن أن تُطلق عليها‪ ،‬وميكن أن‬
‫كذلك‪ ،‬في الثقافة املادية (لوحة ‪ :22‬ج‪ ،)23 ،‬خال ل ذلك‬ ‫تكون خاصة بجنوبي اجلزيرة العربية وحدها‪ ،‬أيضاً‪ ،‬حيث‬
‫الضغط البيئي الشديد‪ ،‬وكذا فإن هذا التغيير اجلوهري لم‬ ‫ال يستبعد أن ي ُعثر في وسط اجلزيرة‪ ،‬وشماليها على نوع‬
‫يحدث‪ ،‬هو اآلخر‪ ،‬في اجلزيرة العربية‪ ،‬في الدور الثاني‬ ‫أخر من األدوات لهذه املرحلة‪.‬‬
‫املطير‪ ،‬الذي وقع ما بني (‪ )9‬إلى (‪ )6‬آالف سنة‪ ،‬مقارنة‬
‫مبناطق اجلوار‪ ،‬والذي تزامن مع العصر احلجري احلديث‪،‬‬
‫خالصة واستنتاجات‬
‫على الرغم من أن الظروف البيئية كانت مهيأة الستئناس‬ ‫سنوجز في هذه اخلالصة‪ ،‬إلى جانب النتائج التي سلف‬
‫احليوان‪ ،‬والزراعة‪ ،‬ولكن اإلنسان استمر على منط الصيد‪،‬‬ ‫ذكرها في مكانها من هذه الدراسة‪ ،‬بعض النتائج العامة‪،‬‬
‫وما أحدثه من تغيير جديد‪ ،‬ظل في نطاق أدوات الصيد‬ ‫وهي‪:‬‬
‫نفسه (شكل ‪.)24 ،19‬‬ ‫ال‪ :‬إن األدوار املطيرة‪ ،‬قد تقود في بعض األماكن‪ ،‬إلى‬ ‫أو ً‬
‫ثاني ًا‪ :‬يرى الباحث أن أول اختالف ثقافي‪ ،‬أو تنوع‪،‬‬ ‫النتيجة نفسها التي قد حتدثها األدوار اجلافة‪ ،‬مثاالً على‬
‫واضح املعالم في ثقافات العصور احلجرية‪ ،‬في اجلزيرة‬ ‫ذلك األح��وال املناخية الرطبة في اجلزيرة العربية‪ ،‬التي‬
‫العربية‪ ،‬ظهر منذ العصر احلجري القدمي األوس��ط‪ ،‬وهو‬ ‫ثبت حدوثها في الفترة ما بني (‪ )17 -36‬ألف سنة خلت من‬
‫االختالف الذي ترتبت عليه الكثير من التطورات الالحقة‪،‬‬ ‫اآلن‪ ،‬والتي جعلت اإلنسان يعيش‪ ،‬في زمن العصر احلجري‬
‫ويتألف هذا التنوع من ثقافتني‪ ،‬أو (اجت��اه�ين)‪ ،‬أحدهما‬ ‫القدمي األعلى (لوحة ‪ :22‬ب)‪ ،‬ولكن بتقاليد العصر احلجري‬
‫ظهر في بعض املواقع الساحلية في تهامة‪ ،‬ممثلة مبوقع‬ ‫القدمي األوسط (لوحة ‪ :22‬أ)‪ ،‬حيث لم جتبره تلك الظروف‬
‫( َد ْح َيا) في اليمن‪ ،‬إلى جانب بعض املواقع التي وجدت في‬ ‫الرطبة‪ ،‬على إح��داث تغيرات جوهرية في صناعة أدواته‬
‫املنطقة الساحلية نفسها (لوحة ‪ ،)21‬ومن احملتمل العثور‬ ‫احلجرية‪ ،‬مع أنه باملقابل‪ ،‬إن كان للتغيرات البيئية‪ ،‬دور كبير‬
‫على مواقع مثلها في أماكن أخ��رى من اجلزيرة العربية‪،‬‬ ‫في حياة البشر‪ ،‬فإن الستجابة اإلنسان وتفاعله‪ ،‬مع هذه‬
‫وهو االجت��اه ال��ذي لم تُع َرف أصوله بعد‪ ،‬واالجت��اه الثاني‬ ‫التغيرات‪ ،‬دور‪ ،‬أيضاً‪ ،‬ولكن أثر هذا اجلانب في اجلزيرة‬
‫شمل املنطقة الصحراوية املعاصرة‪ ،‬أو (املنطقة الداخلية)‬ ‫العربية‪ ،‬ضعيف في الثقافة امل��ادي��ة‪ ،‬كما يالحظ‪ ،‬بدليل‬
‫من اجلزيرة العربية (شكل ‪16‬؛ لوحة ‪ :22‬أ)‪ ،‬مبا في ذلك‬ ‫استمرار تقاليد العصر احلجري القدمي األوس��ط (لوحة‬
‫جنوبي اجل��زي��رة العربية‪ ،‬وجنوبيها ال�ش��رق��ي‪ ،‬وه��و على‬ ‫‪ :22‬أ) في العصر احلجري القدمي األعلى (لوحة ‪ :22‬ب)‪،‬‬
‫صلة في األص��ول‪ ،‬على األرج��ح‪ ،‬بثقافة العصر األشولي‬ ‫مع أن الظروف البيئية‪ ،‬آنذاك‪ ،‬كانت مهيأة لإلنسان‪ ،‬من‬
‫التي وجدت في املنطقة نفسها‪ .‬ويعتقد الباحث أن لهذين‬ ‫الرطب في الفترة من بني (‪- 36‬‬ ‫خالل وجود الدور املناخي ِ‬
‫االجتاهني أثر على املرحلة االنتقالية التي نحن بصددها في‬ ‫‪ )17‬ألف سنة مضت‪.‬‬
‫وجد‬
‫هذه الدراسة‪ ،‬وكذا فإن التنوع الثقافي الكبير‪ ،‬الذي ِ‬ ‫وهذه الظاهرة قد تسهم في تسليط األضواء على اجلدل‬
‫في العصر احلجري احلديث في جنوبي اجلزيرة العربية‪،‬‬ ‫الدائر حول اإلقرار بنظرية احلتمية البيئية‪ ،‬من عدمه‪ ،‬أو‬
‫والذي كان الباحث قد تناوله في دراسات سابقة (شكل ‪)19‬‬ ‫مبعنى آخر‪ :‬هل كل ما يفعله اإلنسان‪ ،‬هو استجابة لضغوط‬

‫‪112‬‬
‫األثر البيئي في غياب العصر احلجري الوسيط التقليدي وإشكالية االنتقال إلى العصر احلجري احلديث في اجلزيرة العربية‬

‫‪ ،)24‬علماً أن النباتات البرية التي كان باإلمكان تهجينها‪،‬‬ ‫)‪( (Rashed 1993a‬املعمري‪ ،)2009 ،2002 ،2000‬على صلة‬
‫في العصر احلجري احلديث‪ ،‬وجدت في اجلزيرة العربية‪،‬‬ ‫في األصول‪ ،‬هو اآلخر‪ ،‬بهذين االجتاهني‪.‬‬
‫على األق��ل ف��ي جنوبيها )‪ ،(Vavilov 1987: 348‬مب��ا في‬ ‫ث��ال�ث� ًا‪ :‬إن التغيرات البيئية‪ ،‬سالفة ال��ذك��ر‪ ،‬إضافة‬
‫ذلك احليوانات البرية‪ ،‬التي كان باإلمكان استئناسها‪ ،‬في‬ ‫إل��ى ع��دم استجابة اإلن�س��ان لهذه التغيرات بشكل كاف‪،‬‬
‫العصر املذكور‪ ،‬مع أنه من الصعب احلكم‪ ،‬بشكل قاطع‪ ،‬في‬ ‫بسب عوامل‪ ،‬أيضاً‪ ،‬بيئية‪ ،‬وذاتية‪ ،‬من احملتمل‪ ،‬أو بعبارة‬
‫ظل املستوى احلالي من الدراسات‪ ،‬فيما يتعلق باستئناس‬ ‫أخ��رى‪( :‬اس�ت�م��رار اإلن�س��ان ف��ي احملافظة على األساليب‬
‫احل�ي��وان‪ ،‬من عدمه‪ ،‬لعدم وج��ود مواقع أثرية كافية في‬ ‫القدمية)‪ ،‬ج � َّردت اجل��زي��رة العربية من مقدمات العصر‬
‫باطن األرض‪ ،‬تسمح بدراسة البقايا العظمية‪ .‬وهذا َج َّر‬ ‫احل�ج��ري احل��دي��ث‪ ،‬التي ك��ان م��ن املفترض أن تظهر في‬
‫نفسه‪ ،‬باملقابل‪ ،‬على منجزات العصر البرونزي‪ ،‬وبخاصة‬ ‫املرحلة االنتقالية‪ ،‬واملمثلة تلك املقدمات‪ ،‬بالتعامل اخلالق‬
‫فيما يتعلق بعدم ظهور املدن الشبيهة مبدن بالد الرافدين‬ ‫مع النبات‪ ،‬واحليوان‪ .‬أو مبعنى آخر إن اجلزيرة العربية‬
‫وال�ش��ام‪ ،‬وم��ا صاحبها من ظواهر أخ��رى‪ ،‬والتي ك��ان من‬ ‫أخذت تسير بخطوات بطيئة في تطورها‪ ،‬منذ زهاء العصر‬
‫املفترض أن تنشأ على أساس وجود ُقرى العصر احلجري‬ ‫احلجري القدمي األعلى‪ ،‬لعدم متكن اإلنسان من مواكبة‬
‫احلديث الزراعية‪ ،‬التي لم توجد في اجلزيرة العربية‪ ،‬هي‬ ‫العصر املذكور‪ ،‬مقارنة مبنجزات العصر نفسه التي وجدت‬
‫األخرى‪ ،‬وهذا سحب نفسه‪ ،‬كذلك‪ ،‬على التطورات األخرى‬ ‫في كل من أوروب ��ا‪ ،‬وال�ش��رق األوس��ط‪ ،‬بسب حياة العيش‬
‫الالحقة‪.‬‬ ‫«ال��رغ��دة» املفترضة‪ ،‬في الفترة املطيرة ما بني (‪ )36‬إلى‬
‫خامس ًا‪ :‬إن اجلزيرة العربية لم تكن خالية من وجود‬ ‫(‪ )17‬ألف سنة‪ ،‬إضافة إلى عدم قدرة اإلنسان على إجناز‬
‫اإلنسان في املرحلة االنتقالية‪ ،‬كما يعتقد بعضنا‪ ،‬وإمنا‬ ‫مقدمات العصر احلجري احلديث خالل الفترة االنتقالية‪،‬‬
‫اقتصرت احل�ي��اة فيها على ال��واح��ات‪ ،‬واألم��اك��ن األخرى‬ ‫سالفة الذكر‪ ،‬مقارنة‪ ،‬كذلك‪ ،‬بالفترة االنتقالية نفسها في‬
‫اجلبلية القريبة من مصادر املياه (لوحة ‪ ،)3-1‬بدليل وجود‬ ‫بالد الشام‪ ،‬بسبب الدور اجلاف‪ ،‬في هذه املرة‪ ،‬الذي وقع‬
‫صلة بني أدوات العصر احلجري القدمي (لوحة ‪ :22‬أ‪ ،‬ب؛‬ ‫ما بني (‪ )17‬إلى (‪ )9‬آالف سنة‪ ،‬إلى جانب العوامل األخرى‬
‫شكل ‪ ،)22 ،20‬والعصر احلجري احلديث (لوحة ‪ :22‬د‪،‬‬ ‫السابقة‪ ،‬بدليل عدم وجود مقدمات الرعي‪ ،‬والزراعة في‬
‫هـ؛ شكل ‪ ،)23 ،21‬مبا فيها صلة هذين العصرين باألدوات‬ ‫تلك املرحلة االنتقالية‪.‬‬
‫املقترحة للمرحلة االنتقالية بينهما (لوحة ‪ :22‬ج‪ ،)23 ،‬مع‬ ‫راب�ع� ًا‪ :‬إن التغيرات املناخية‪ ،‬سالفة ال��ذك��ر‪ ،‬وغياب‬
‫أنه ال شك بأن الكثافة السكانية صارت قليلة إلى حد كبير‪،‬‬ ‫تقاليد العصر احلجري القدمي األعلى النموذجية‪ ،‬إضافة‬
‫بحيث ال ميكن مقارنتها بكثافة االستيطان‪ ،‬سواء في العصر‬ ‫إلى غياب مقدمات العصر احلجري احلديث في املرحلة‬
‫احلجري القدمي األوسط‪ ،‬أو في العصر احلجري احلديث‪،‬‬ ‫االنتقالية‪ ،‬سالفة الذكر‪ ،‬إلى جانب عدم استجابة اإلنسان‬
‫بدليل قلّة هذه األدوات‪ ،‬أو (ندرتها)‪ ،‬من جهة (لوحة ‪،)23‬‬ ‫بقدر كاف لهذه التغيرات‪ ،‬إضافة إلى قِ لَّة عدد السكان‪،‬‬
‫وقلّة مواقعها‪ ،‬من جهة أخرى (خريطة‪2 ،1‬؛ لوحة ‪.)3 -1‬‬ ‫وع��دم وج��ود تفاعل‪ ،‬من احملتمل‪ ،‬مع مناطق اجل��وار في‬
‫س��ادس � ًا‪ :‬إن املرحلة االنتقالية ب�ين العصر احلجري‬ ‫هذه الفترة اجلافة‪ ،‬ج َّردت العصر احلجري احلديث نفسه‬
‫القدمي والعصر احلجري احلديث‪ ،‬تمَ َّ ت في اجلزيرة العربية‪،‬‬ ‫من عنصرين رئيسني‪ ،‬هما الزراعة‪ ،‬وصناعة الفخار‪ ،‬ومن‬
‫ولكن في نطاق أدوات الصيد‪ ،‬ممثلة باملجوعات (‪ -‬أ‪ - ،‬ب‪،‬‬ ‫احملتمل الرعي‪ ،‬الذي لم يظهر‪ ،‬على األرجح‪ ،‬إالً في العصر‬
‫‪-‬ج) املقترحة في هذه الدراسة (لوحة ‪ ،)23‬وهي الرؤوس‬ ‫احلجري احلديث املتأخر‪ ،‬أو في أواخره‪ ،‬مع االنتقال في‬
‫احلادة‪ ،‬والتي تُع ُّد ف َّعالة‪ ،‬من حيث املبدأ‪ ،‬مقارنة باألنصال‬ ‫هذه الفترة‪ ،‬في بعض األماكن إلى الزراعة‪ ،‬بدليل االنتشار‬
‫(‪( )Points‬لوحة ‪ /22‬أ‪ ،)9 ،6-1 :‬وأدوات الصيد األخرى‪،‬‬ ‫الواسع للرؤوس احلادة ورؤوس السهام‪ ،‬منذ بداية العصر‬
‫التي وجدت في العصر احلجري القدمي‪ .‬فهذه الرؤوس‪،‬‬ ‫احلجري احلديث إلى نحو األلف الثالث ق‪ .‬م‪( ،‬شكل ‪،19‬‬

‫‪113‬‬
‫عبدالرزاق امل َ ْع َمري‬

‫املراحل املتأخرة‪ ،‬ولذا فقد كانت مصدراً للهجرات البشرية‬ ‫املقترحة للمرحلة االنتقالية (لوحة ‪ ،)23‬استخدمت مبثابة‬
‫في املنطقة‪ ،‬منذ املرحلة االنتقالية فيما يبدو‪ ،‬وفي العصر‬ ‫رماح للصيد‪ ،‬بعد أن كانت حتمل على حوامل مصنوعة من‬
‫احلجري احلديث املتأخر‪ ،‬كما يُالحظ ذلك‪ ،‬من خالل أدوات‬ ‫املواد العضوية‪ ،‬على األرجح‪ ،‬وهي بذلك تمُ ثل مرحلة انتقال‬
‫النمط الصحراوي (شكل ‪ :19‬د‪ ،‬لوحة ‪ :22‬هـ‪ ،‬لوحة ‪،24‬‬ ‫إلى رؤوس السهام (لوحة ‪ :22‬هـ‪ ،‬شكل ‪ ،)19‬واستخدام‬
‫‪ ،)25‬التي يعتقد الباحث أنها انتشرت خارج حدود اجلزيرة‬ ‫القوس‪ ،‬الذي لم يستخدم‪ ،‬على األرج��ح قبل ذلك‪ ،‬بدليل‬
‫العربية (املعمر‪2005 ،2000‬أ‪2005 ،‬ب)‪ ،‬وقد توالت هذه‬ ‫انتشار هذه ال��رؤوس في العصر احلجري احلديث (لوحة‬
‫الهجرات بعد ذلك في فترات مختلفة‪ ،‬سواء قبيل املرحلة‬ ‫‪25 ،24‬؛ شكل ‪ ،)19‬وال شك أن ذلك رافقه تغييرات أخرى‬
‫التاريخية‪ ،‬أو خاللها‪.‬‬ ‫كثيرة في العصر املذكور‪ ،‬بحيث ال ميكن معها أن يُس َّمي‬
‫ثامن ًا وأخ �ي��ر ًا‪ :‬إن النظر ف��ي ال��واق��ع امل�ع��اص��ر في‬ ‫هذا العصر باسم آخر‪ ،‬غير العصر احلجري احلديث‪ ،‬مع‬
‫اجلزيرة العربية‪ ،‬يتطلب أخذ العبرة‪ ،‬أو (االستفادة) من‬ ‫أن هذه التغييرات‪ ،‬ال ترتقي إلى املستوى الذي تشكلت على‬
‫نتائج دراس��ات عصور ما قبل التاريخ‪ ،‬رغم بعدها الكبير‬ ‫أساسه املجتمعات الزراعية في مناطق اجلوار‪.‬‬
‫عن الوضع احلاضر‪ ،‬طاملا أن ال��دراس��ات اآلثارية تصب‪،‬‬ ‫سابع ًا‪ :‬إن بيئة اجلزيرة العربية مساعدة‪ ،‬على ما يبدو‪،‬‬
‫هي األخ��رى‪ ،‬في خدمة اإلن�س��ان‪ ،‬ليس فقط في معرفة‬ ‫في احملافظة على التقاليد القدمية‪ ،‬كما نراها في األدوات‬
‫املاضي‪ ،‬وحترير ذهنية اإلنسان من التفسيرات غير العلمية‬ ‫احلجرية (لوحة ‪22‬؛ شكل ‪ ،)23 -20‬هذا من جهة‪ ،‬ومن‬
‫حلياته في تلك العصور البعيدة‪ ،‬وحسب‪ ،‬وإمنا في استقراء‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬فإنها جاذبة لالستيطان‪ ،‬في األدوار املطيرة‪،‬‬
‫احلاضر‪ ،‬واملساهمة في بناء املستقبل‪.‬‬ ‫بسبب بيئتها املتنوعة‪ ،‬بدليل االنتشار الواسع للمواقع األثرية‬
‫في الفترات الرطبة‪ ،‬وفي الوقت نفسه تعد بيئة طاردة‪ ،‬في‬
‫األدوار اجلافة‪ ،‬بدليل قِ لَّة أو (ندرة) مواقع أدوات املرحلة‬
‫االنتقالية التي نحن بصددها في هذه الدراسة (لوحة ‪:22‬‬
‫ج‪ ،‬لوحة ‪ ،)23‬إضافة إل��ى عوامل‪ ،‬أخ��رى‪ ،‬وباألخص في‬

‫د‪ .‬عبدالرزاق بن أحمد راشد امل َ ْع َمري‪ :‬قسم اآلثار‪ -‬جامعة امللك سعود‪ -‬اململكة العربية السعودية‪-‬الرياض‪.‬‬
‫‪rashed_almaamary@yahoo.com‬‬

‫الهوامش‪:‬‬
‫(‪ ) 1‬اللوحات اخلاصة بالبيئة‪ ،‬املرفقة بهذه الدراسة‪ ،‬أغلبها من البيئة املعاصرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬استخدم الباحث هذا املفهوم بدءاً بعام ‪1995‬م ليقابل به مصطلح (‪( )Microlith‬املعمري ‪ ،107 :1995‬املعمري ‪ ،23 :2000‬املعمري‪ ،41 :2005‬املعمري ‪:2008‬‬
‫‪.)7‬‬
‫(‪ )3‬ذُكرت هذه التواريخ دون إسناد باملعطيات‪ ،‬أو إحاالت إلى مصادرها‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أغسطس‪2007‬م قام فريق ميني أمريكي مشترك مبسح منطقة باب املندب‪ ،‬واملناطق الداخلية املقابلة لشواطئه‪ ،‬ومن ضمن األدوات التي مت تسجيلها بعض‬
‫الشطائر احلجرية الكبيرة احلجم والتي تتطابق مع الشطائر احلجرية في موقع (شعبة دحيا) في خميس بني سعد‪ ،‬وكان هذا الفريق يتكون من مؤَّلف هذه‬
‫الدراسة‪ ،‬ود‪( .‬بارث تشاوهان) من معهد دراسة العصور احلجرية في والية (إنْدِ يَانَا) في أمريكا‪ ،‬وكل من د‪ .‬سيف احلكيمي‪ ،‬ود‪ .‬أحمد املخالفي من قسم‬
‫اجليولوجية بجامعة صنعاء‪ ،‬وأخصائي اآلثار عزيز الغوري‪ ،‬ومحمد عبدالودود‪ ،‬من الهيئة العامة لآلثار واملتاحف‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫األثر البيئي في غياب العصر احلجري الوسيط التقليدي وإشكالية االنتقال إلى العصر احلجري احلديث في اجلزيرة العربية‬

‫املراجع‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬املراجع العربية‬

‫املعمري‪ ،‬عبدالرزاق راشد ‪2005‬أ‪« .‬النمط األث��ري الصحراوي‬ ‫إبراهيم‪ ،‬معاوية ‪ .2009‬دراس��ات في آث��ار فلسطني‪ .‬منشورات‬
‫وعالقته مبرتفعات جنوبي اجل��زي��رة الغربية وبتهامة وعمان»‪،‬‬ ‫جامعة فيالدلفيا‪ ،‬األردن‪.‬‬

‫أدوماتو‪ ،‬ع‪ ،12‬الرياض‪ ،‬ص ‪.28 -7‬‬ ‫إبراهيم‪ ،‬معاوية ‪« .1990‬فلسطني‪ :‬من أقدم العصور إلى القرن‬
‫ال��راب��ع قبل امل �ي�لاد»‪ ،‬امل��وس��وع��ة الفلسطينية‪ ،‬القسم الثاني‪:‬‬
‫املعمري‪ ،‬عبدالرزاق راشد ‪2005‬ب‪« .‬النمط األثري الصحراوي‬ ‫الدراسات اخلاصة‪ ،‬املجلد الثاني‪ :‬الدراسات التاريخية‪ ،‬الطبعة‬
‫وع�لاق�ت��ه باملرتفعات اجلنوبية م��ن اجل��زي��رة الغربية وبتهامة‬ ‫األولى‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫وحضرموت وعمان وتشكل اجلنس العربي»‪ ،‬في كتاب‪ :‬صنعاء‬ ‫ال�ش��ارخ‪ ،‬عبدالله محمد ‪« .2003‬رؤي��ة جديدة لتقسيم فترات‬
‫احلضارة والتاريخ‪ ،‬املجلد األول‪ ،‬صنعاء‪ ،‬ص ‪.418-373‬‬ ‫العصر احل�ج��ري باملمكلة العربية ال�س�ع��ودي��ة»‪ ،‬ال�ع�ص��ور‪ ،‬ع ‪،9‬‬
‫الرياض‪ ،‬ص‪.32-7‬‬
‫املعمري‪ ،‬ع�ب��دال��رزاق راش� ��د‪« .2008‬م ��وروث العصور احلجرية‬
‫كوفني‪ ،‬جاك ‪ .1984‬الوحدة احلضارية في بالد الشام‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫ودوره في تشكل قرى ومدن حضارة جنوبي اجلزيرة»‪ ،‬في مجلد‪:‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬تعريب قاسم طوب‪.‬‬
‫األنصاري‪ ،‬عبدالرحمن الطيب‪ ،‬خليل املعيقل‪ ،‬عبدالله بن محمد‬
‫محيسن‪ ،‬سلطان‪ ،‬أك��ازاوا تاكيرو ‪« .2002‬مكتشفات متميزة من‬
‫الشارخ‪« .‬املدينة في الوطن العربي في ضوء االكتشافات األثرية‪:‬‬
‫عصور ما قبل التاريخ»‪ .‬أدوماتو‪ ،‬ع‪ ،5‬ص‪ ،22-7‬الرياض‪.‬‬
‫النشأة والتطور» مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪ ،‬اململكة‬
‫كفافي‪ ،‬زي��دان ‪ :2010‬املرحلة االنتقالية من اجلمع إلى اإلنتاج‪ .‬في‬
‫العربية ال�س�ع��ودي��ة‪ 5-2 /‬ذو ال�ق�ع��دة ‪1426‬ه� �ـ (‪ 7-5‬ديسمبر‬ ‫كتاب‪ :‬دراسات في آثار فلسطني‪ ،‬منشورات جامعة فيال دلفيا‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫‪2005‬م)‪ .‬ص‪.34 -7‬‬
‫املعمري‪ ،‬عبدالرزاق راشد ‪« .1995‬العصر احلجري احلديث في جنوب‬
‫املعمري ع�ب��دال��رزاق راش��د ‪« .2009‬دراس ��ات العصر احلجري‬ ‫اجلزيرة العربية»‪ ،‬الثقافة‪ ،‬ع ‪ ،20‬صنعاء‪ .‬ص ‪.112-98‬‬

‫احلديث في جنوبي اجلزيرة العربية‪ :‬نقد املصادر واستخالص‬ ‫املعمري‪ ،‬عبدالرزاق راشد ‪« .2000‬ثقافتان من العصر احلجري‬
‫النتاج»‪ ،‬أدوماتو‪ ،‬ع‪ ،20‬الرياض‪ ،‬ص‪.32-7‬‬ ‫احل��دي��ث ف��ي اجل��زي��رة ال�ع��رب�ي��ة»‪ ،‬أدوم��ات��و‪ ،‬ع‪ ،1‬ال��ري��اض‪ ،‬ص‪7‬‬
‫‪.29-7‬‬
‫املعمري‪ ،‬عبدالرزاق بن أحمد راش��د ‪« .2010‬حتقيب دراسات‬
‫املعمري‪ ،‬عبدالرزاق راشد ‪« .2002‬إضافات جديدة في تقسيم‬
‫ما قبل التاريخ في شبه اجلزيرة العربية»‪ ،‬الدارة‪ ،‬ع‪ ،3‬الرياض‪،‬‬ ‫العصر احلجري احلديث في صحراء اجلزيرة العربية»‪ ،‬أدوماتو‪،‬‬
‫ص‪.260 -167‬‬ ‫ع‪ ،5‬الرياض‪ ،‬ص ‪.44-23‬‬

‫‪115‬‬
‫عبدالرزاق امل َ ْع َمري‬

‫ املراجع غير العربية‬:‫ثاني ًا‬

Amirkhanov H. A. , 1991. Palieolit Yujnoi Aravii. 36:1-23.


Moskva. (In Russian).
Crassard R. , 2007. Apport de la Technologie Lithique
Amirkhanov H. A. , 1997. The Neolithic and ala definition de la prehistoire du Hadramawt, dans le
Postneolithic of the Hadramaut and Mahra. Moscow. context du Yemen et de l’Arabie du Sud. Phd dissertation,
l’Universite Paris 1en (unpublished).
Balout L. , 1955. Préhistoire de I’Afrique du Nord,
Paris. Delagnes A. , et Gaupertb J. , 2009. “ Khamis Bani Saad
(Wadi Surdud). Opérations Archaeologiques”. Yemen
Bar-Yosef O. 1970. The Epi-Paleolithic Culture of
Archaeological Annul. , Vol. , 2: 71-86.
Palestine. Ph. D. dissertation. Hebrew University,
Jerusalem. Efimenko P. 1958. Pervobitnoe obschestvo.
(Prehistory). In Russian. Leningrad.
Besancon J. , Copeland L. , Hours F. 1975- 7. “ Tableaux
de préhistoire Libanaaise”. Paléorient, Vol. 3: 5- 46. Elinek J. , 1982. Bolshoi illusrirovannii Atlas
pervobitnogo cheloveka. Praga. In Russian.
Boriskovskii P. , I. , 1979. Drevneishee proshloe
chelovechestva. Liningrad. (in Russian). Fagan B. , 2004. The Summer: How Changed
Civilization. New York.
Butzer K. ,1974. Environment and Archaeology.
Chicago. Fage J. , D. , Oliver R. , 1982. The Cambridge History
of Africa. Vol.. 1, Cambridge University Press.
Braidwood R. J. 1957. Prehistoric Men. Chicago Natural
History Museum. Garrard A. , Harvey C. , 1981. “Environment and
Settlement during the Upper Pleistocene and Holocene at
Caton-Thompson G. , 1944. The Tombs and Moon
Jubba in the Great Nefud Northern Arabia”. Atlal, Vol.
Temple of Hureidha (Hadhramaut). Oxford: Oxford
, 5: 137- 148.
University Press.
Gilead I. , 1991. “The Upper Paleolithic Period in the
Caton-Thompson G. , 1953. “Some Palaeoliths from
Levant”. Journal of World Prehistory. ,No. , 5: 105-
South Arabia”. Proceeding of the Prehistoric Society.
154.
New Series, London, December, Vol. XIX:189-218.
Gilmore M. , Mohammed Al-Ibrahim, Abduljawwad S.
Child V. G. , 1936. Man Make Himself. London.
Murad, 1982. “Preliminary Report on the Northwestern
Copeland L. , 1975. “The Middle and Upper of Lebanon and Northern Region Survey”. Atlal, Vol. 6: 9- 23.
and Syria in the Light of Recent Research”. In: Wendorf
Harris A. D. , 1998. “A late Stone Age site South of the
F. , and Marks eds, Problems in prehistory: North
Liwa Oasis”. Tribulus, V. , 8, No. ,2: 24-27.
Africa and the Levant. Dallas SMU Press: 317- 350.
Henry D 1973. The Natufian of Palestine F: Its Material
Copeland L. , Bergne P. ,1976. “Flint artifacts from the
Culture and Ecology, Ph. D. dissertation, SMU, Dallas.
Buraimi Area, Eastern Arabia and their relations with the
Near Eastern Post-Paleolithic”. Proceeding of the Ninth Herre W. 1936. “The Science and History of Domestic
Seminar for Arabian Studies, Vol, 6: 40-61. Animals”. In: Science in Archaeology: Brothwel D,
Highs E. (ed)، London: 234- 244.
Crassard R. , Bodu P. , 2004. “Prehistoire du Hadramawt
(Yemen): nouvelles perspectives”. Proceeding of the Hötzel H. , Maurin V. , and Zötl 1978. “ 2, 5, 3. Studies
Seminar for Arabian Studies, Vol. 34:67-84. of the Quaternary Development of the Eastern Part of the
Recharge Area of Wadi ad Dawassir”. In: S. al-Sayari and
Crassard R, McCorriston j. , Oches E. , Espagne J. , and
Josef G, Zötl eds. Quaternary Period in Saudi Arabia.
Sinnah M. , 2006. “Manayzah, early to mid-Holocene
Saad. New York: Springer Verlag: 139- 246.
occupations in Wadi Sanaa (Hadramawt, Yemen) ”.
Proceeding of the Seminar for Arabian Studies, V. Hötzel H. , Zötl F. , 1978. ”3. 2 Climatic Change During

116
‫األثر البيئي في غياب العصر احلجري الوسيط التقليدي وإشكالية االنتقال إلى العصر احلجري احلديث في اجلزيرة العربية‬

the Quaternary Period”. In: Saad S. al-Sayari and Josef G, Arabian Archaeology and Epigraphy Vol. 5: 1-16.
Zötl eds. Quaternary Period in Saudi Arabia. Vienna:
McCorriston J. , Oches E. , Abdalaziz J. Bin Aqil, 2004.
Springer Verlag: 301- 311.
Roots of Agriculture in Southern Arabia (RASA). Interim
Huckriede R. , Wiesemann G. , 1968. “Der jungpleistzäne Report 2004 (Field research 22 January-6 March). Interim
pluvial-see von Gafr und Weitere daten zum quarter Report to the General Organization of Antiquities,
Jordaniens”. Geologica et Paleontologica, Vol. , 2: 73- Museum and Manuscripts, Republic of Yemen.
90. Mellaart James 1965. Earliest Civilizations of the Near
Huzayyin S. A. , 1937. “Egyptian scientific expedition to East. Londen. (Russian Translation, Moscow,1982).
South-West Arabia”. Nature, sept. 18:513-514. Mongait A. L. , 1973. Arkheolgia Zapdnoi Evropi -
Inizan M. -L. ، 2007. ”Peuplements Préhistoriques Kamenii Vek. (The Archaeology of Western Europe -
Anciens”. in: Inizan،Rachad. Art Rupestre et peuplements Stone Age). In Russian, Moscow.
prehistoriques au Yemen. Sanaa: 31-21. Moore A. M. , 1981. ” A Four- Stage Sequence for the
Kaiser K. , Kempf E. , K. , leroi-Gourhan, Arl. , Schütt H. Levantine Neolithic, ca. 8500- 3750 B. C. ”. BASOr 246:
, 1973. “Quärtarstratigraphische untersuchungen aus dem 1- 34.
Damaskus - Becken und siener umgebung”. Zeitschnft Movius 1944 H. L. , Early Man and Pleistocene stratigrahy
für Geomorphologie. , vol. , 17 (new series): 263- 353. in Southern and Eastern Asia. Papers of the Peabody
Ribakov B. , A. , 1989. (General editor): Archaeology Museum of American Archaeology and Ethnology,
USSR: Mesolithic USSR. Cambrdge Mass. , 1944. Vol. XIX, pt 3.

Larsen C. , 1977. Holocene Land Use Variations the Al-Nahar Maysoon 2005. ”Microlithic Typology and
Bahrain Island. Ph. D. Dissertation. The University of Technology of Upper and Epipaleolithc Transition
Chicago. Period, Jordan”. Adumato, No. 12: 7- 46.

Lopin V. P. , 1970. Hijnii Paleolit. KB. (Lower Nayeem M. A. , 1992. Bahrian prehistory and Protohistory
Paleolithic)، (In Russian). of the Arabian Peninsula, Vol. , 2, Huderabad (India).

MacDonald Sir H. , and partners 1975. Riyadh Otte M. , Yalcinkaya I. , Leotard J. , Kartal M. , Bar-
Yosef O. , Kozlowski J. , Bayόn L. B. , & Marshack
Additional Water Resources Study. Kharj Area.
A. , 1995. “ The Epi-Paleolithic of Ӧküzini Cave (SW
Ministry of Agriculture and Water, Kingdom of Saudi
Anatolia) and its mobiliry art”. Antiquity. Vol. , 269/ No.
Arabia, Riyadh.
, 266: 931- 944.
Marcolongo B. , Palmiri a. 1990 “Paleoenviroment
Parre Peter J. , Zarins J. , Muhmmed Ibrahim, Waechet
History of Western Al-A’rus”. Report and Memoirs
J. , Garrad P. , Clarck C. , Bidmed M. , Hamad Al-Badr
IsMEO. Vol. XXIY: 137- 143.
1978. “Preliminary Report on the second phase of the
Masry A. 1974. Prehistory in the Northeastern Northern Province Survey”. Atlal, Vol. 2: 29- 51.
Arabia: the Problem of Interregional Interaction.
Perrot J. , 1968. “La préhstoire Palestinienne”. In:
Field Research Projects. Miami.
Letouzey et Ané (eds). Supplement au Dictionnaire de la
McClure H. 1976. ‘’ Radiocarbon Chronology of late Bible 8: 286- 446.
Quarternary Lakes in the Arabian Desert”. Nature, V.
Uerpmann M. ,1992. “Structuring the Late Stone Age of
263: 755-756.
Southern Arabia”. Arabian Archaeology and Epigraphy,
McClure H. 1978. ”Ar Rub‘ Al Khali”, in: Al Sayari S. No. 3:65-109.
and Zotl J. (eds) Quaternary Period in Saudi Arabia,
Rahimi D. , 1987. “1987 Lithics”. In W. Glansman
Springer Verlag, Vienna: 252- 263.
and A. O. Ghaleb The Wadi al-Jubah Archaeological
McClure H. 1994. ”A New Arabian Stone tool assemblage Project. Vol. , 3. Stratigraphic Probe at Hajar ar-Rayhani.
and notes on the Aterian industry of Neolithic Africa. Washington D. C. The Foundation for the Study of

117
‫عبدالرزاق امل َ ْع َمري‬

Man:139-143. Wymer J. , 1982. The Paleolithic Age. London.


Rashed A. A. , 1993a. Nieolit Yujnoi Aravii (tekhiko- Zamiatnin C. H. , 1951. O Vozniknovenii Lokalnikh
tipologicheskii analiz kamennogo inventarya). razlichii v Koltore paleoliticheskogo Periodi. PChDRch.
Dissertatsiya na soiskanie uchyohnoi stepeni kandidata
(In Russian).
istoricheskih nauk. Sankt-Petersburg. (Unpulbished Ph.
D. dissertation. University of Sankt-Petersburg)، (in Zarins J. , Mohammad Ibrahim, Potts D. , Edens Ch. ,
Russian). 1979. ”The Preliminary Report on the Third Phase of the
Rashed A. A. , 1993b. ”On the patinization of the CASP - the Central province”. Atlal, Vol. 3: 12-19.
Neolithic tools from the South Arabia (the materials of Zarins J. , Whalen M. , Mohammad Ibrahim, Abd Al-
al-Abr region) ”. Russian Archaeology, Vol. 2: 24- 33.
Jawad Mursi, Majid Khan, 1980. The Preliminary Report
Rashed A. A. , 1993c. Nieolit Yujnoi Aravii (tekhiko- on the Central and South-Western Provinces Survey
tipologicheskii analiz kamennogo inventarya). Aftoreferat 1979”. Atlal, Vol. 4: 9- 36.
dissertatsii na soiskanie uchyohnoi stepeni kandidata
istoricheskih nauk. Sankt-Petersburg. (Abstract of Ph. Zarins J. ,Abd Al-Jawad Murad, Khalid S. Al-Yish, 1981.
D. dissertation. University of Sankt-Petersburg)، (in “The second Preliminary. report on the south-western
Russian). province”. Atlal, Vol. 5: 9- 42.
Shaw Brent D. , 1976. “Climate, Environment, and Zarins J. , Abdul-Aziz Rahbini, Mahmood Kamal, 1982.
Prehistory in the Sahara”. World Archaeology, Vol. , 8:
“Preliminary Report on the Archaeological Survey of the
194- 202.
Riyadh Area ”. Atlal, Vol. 6:25-38.
Whalen N. , Killick A. , James N. , Gamal Mosri. ,
Zeuner F. E. 1963. History of Domesticated Animals.
Mahmoud Kamal. 1981. “Preliminary Report on the
Western Province Survey”. Atlal, Vol. 5:43-58. London.

Vavilov N. I. , 1987. Proishozdenie i geographia kulturnih Zarich Zach 2012. "First Domesticated Dog".
rastenii. Leningrad (in Russian). Archaeology Journal, Vol. 65, No. 1: 27.

118

You might also like