You are on page 1of 24

‫ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ”ﺍﻟﻴﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﺪ“‬

‫ﺍﻟﺘﻄﺮﻑ ﻭﺍﻹﺭﻫﺎﺏ‬
‫ّ‬ ‫ﻟﻤﻜﺎﻓﺤﺔ‬

‫‪1‬‬
2
‫كلمة تقدمي ّية‬
‫إىل الق ّراء األع ّزاء‬ ‫ ‬
‫السالم عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد‪،‬‬ ‫ ‬
‫كل من الدليل التوجيهي والتدريبي‬ ‫ُسعدنا كمركز دراسة اإلسالم وال ّدميقراط ّية بتقديم ّ‬ ‫ ‬
‫لربنامج «اليد يف اليد ملكافحة التط ّرف واإلرهاب» ملا اشتمال عليه من مفاهيم وتوجهات ودروس‬
‫وفض النزاعات وإدارة االختالفات والقيادة والتواصل‪ .‬كام أمث ّن جهود‬ ‫يف الرتبية عىل املواطنة ّ‬
‫والسادة أعضاء الهيأة التوجيه ّية ملا اشتملت عليه من‬ ‫ّ‬ ‫اليد‬ ‫يف‬ ‫اليد‬ ‫الفريق العامل عىل برنامج‬
‫إنتاج تأهييل وتربوي وعلمي نحن يف أشد الحاجة إليه أمئ ًة ووعاظا وفاعلني دينيني‪ .‬هذه الجهود‬
‫هي استجابة موفقة الحتياجات ومقتضيات مرحلة جديدة تستدعي املزيد من االعتناء بالشّ أن‬
‫ال ّديني ليك يتالءم أكرث مع حاجيات ومتطلّبات العرص‪.‬‬
‫يرمي برنامج «اليد يف اليد» إىل إرساء خطاب بديل يُق ّدم للفاعلني ال ّدينيني عموما‬ ‫ ‬
‫واألمئّة خصوصا لتعزيز جهودهم يف التص ّدي لظاهرة التط ّرف العنيف باعتامد آليات وتقنيات‬
‫تدريب علمية ومتط ّورة‪.‬‬
‫ت ُربز هذه األدلّة العالقة اإليجاب ّية بني املقاصد اإلميانية واملفاهيم اإلسالم ّية وبني القضايا‬ ‫ ‬
‫الكونية اإلنسانية مبا يسهم يف تطوير خطاب ديني معارصيف منهجيته واقناعه واعتداله‪.‬‬
‫لقد ت ّم إعداد هذه األدلّة والربامج التكوينيّة عىل إثر مجموعة من االجتامعات والورشات‬
‫التفاعلية دارت بني الخرباء يف العلوم الرشعية والكفاءات العلمية واملد ّربني املعتمدين لدى‬
‫مركز دراسة اإلسالم وال ّدميقراط ّية بالتّعاون مع املجلس العلمي لوزارة الشؤون ال ّدين ّية‪ .‬كان كل‬
‫مؤسسات ال ّدولة واملجتمع املدين مبا يحصن‬ ‫هذا تعبريا عن رضورة العمل والتعاون ال ّدامئني بني ّ‬
‫ويرتقي بالبناء الوطني الجمهوري الحديث‪.‬‬
‫لكل من ساهم يف إعداد ومراجعة هذه األدلّة‬ ‫هذا ما يسمح باإلعراب عن شكرنا ّ‬ ‫ ‬
‫وخاصة فريق املركز واللجنة التوجيه ّية بقيادة ال ّدكتور احميده ال ّنيفر‬ ‫ّ‬ ‫التوجيه ّية والتدريب ّية‬
‫بكل من بنزرت وتونس والقريوان والقرصين ومدنني‪.‬‬ ‫واملنسقني الجهويّني ّ‬‫ّ‬
‫كام نشكر وزارة الشؤون ال ّدين ّية وعىل رأسها معايل الوزير السيد أحمد عظّوم عىل تعاونها ال ّدائم‬
‫ودعمها للمجتمع املدين يف تعزيز املنظومة ال ّدين ّية يف التص ّدي لظاهرة التطرف العنيف الّذي‬
‫ويخل بتامسك املجتمعات‪.‬‬ ‫يه ّدد األمن الوطني والدويل ّ‬
‫هذا ما يحدو بنا يف مركز دراسة اإلسالم وال ّدميقراط ّية إىل دعوة كافة املؤسسات‬ ‫ ‬
‫خاصة‬‫الحكومية ومك ّونات املجتمع املدين لتكثيف ُسبل التّعاون وتعزيز مكانة الفاعلني ال ّدين ّيني‪ّ ،‬‬
‫األمئّة والو ّعاظ‪ ،‬ومزيد فاعليتهم من أجل العمل عىل ترسيخ قيم التّسامح واملواطنة وال ّدميقراط ّية‬
‫ورفض العنف والتط ّرف‪.‬‬

‫رئيس مركز دراسة اإلسالم وال ّدميقراط ّية‬ ‫ ‬


‫‪3‬‬
‫الفريق املُرشف عىل الربنامج‪:‬‬
‫• آمنة النيفر‬
‫• آمنة الحنزويل‬
‫• مسعودي العبيدي‬
‫• صربي ال ّدريدي‬
‫• سنية بن كريم‬
‫• منى الخزامي‬

‫نسقون الجهويُون‪:‬‬‫امل ُ ّ‬
‫• منال عبان‬
‫• أ‪ .‬طه بوش ّداخ‬
‫• أ‪ .‬هيثم اإلمام‬
‫• أ‪ .‬صبحي العمري‬

‫أعضاء الهيأة التوجيه ّية‪:‬‬


‫• د‪ .‬احميده النيفر‬
‫• د‪ .‬محمد الشتيوي‬
‫• د‪ .‬فتحي التوزري‬
‫• د‪ .‬مراد ال ّروييس‬
‫• د‪ .‬مص ّدق الجليدي‬
‫• د‪ .‬بثينة الجاليص‬
‫• د‪ .‬نور ال ّدين الجاليص‬
‫• د‪ .‬عيل املخلبي‬
‫• أ‪ .‬بنعيىس ال ّدمني‬
‫• أ‪ .‬محمد بن عيل‬
‫املي‬
‫• أ‪ .‬زياد ّ‬
‫• أ‪ .‬وليد ح ّدوق‬
‫• أ‪ .‬ماهر الزغالمي‬
‫• أ‪ .‬جهاد الحاج سامل‬
‫• أ‪.‬سامي براهم‬
‫• أ‪.‬املنصف الباروين‬
‫• أ‪ .‬عيىس الحجالوي‬

‫‪4‬‬
‫تقديم‬
‫يع ّد هذا الوجيز للدليل التوجيهي إسهاما يف تدشني مرحلة متقدمة إلرساء خطاب‬ ‫ ‬
‫بديل لعامة الفاعلني الدينني يف تونس واألمئة الخطباء والوعاظ خاصة‪ .‬غاية مركز دراسة اإلسالم‬
‫والدميقراطية الذي أرشف عىل إنجـاز الدليل ضــمن مـشـروع « اليد يف اليد» ملكافحة اإلرهاب‬
‫والتطرف العنيف هو تعزيز جهود الفاعلني الدينيني املحليني يف التص ّدي لظاهرة التطرف العنيف‬
‫باعتامد مقاربات وخطاب يفكك اسرتاتيجيات ظاهرة التطرف العنيف ويتجاوزها بتدعيم فكر‬
‫إسالمي أصيل متجدد‪.‬‬

‫ما انتهينا إليه يف الدليل التوجيهي جاء حصيلة سلسلة اجتامعات تشاورية وأعامل‬ ‫ ‬
‫بحثية ولقاءات علمية وورشات تفاعلية بارشها املرشوع منذ انطالقه معتمدا عىل رؤية تربوية‬
‫متكاملة وف ّعالة‪ .‬شاركت يف هذا العمل التأسييس كفاءاتٌ فكرية متميزة يف العلوم الرشعية‬
‫واإلنسانية واالجتامعية والنفسية إىل جانب خرباء وفاعلني رسميني ومبارشين عاملني يف مجال‬
‫الخطابة والدعوة والرتبية دعمتها طاقات شبابية ترصد الواقع وتقيمه وهي جميعها متفقة عىل‬
‫أولوية وضع معامل الرؤية النظرية والعلمية لها من أجل تط ّور نوعي للخطاب الديني البديل‪.‬‬

‫ما تأكدنا منه يف خالصة هذه األعامل التي جمعتنا هو أن ما ينبغي أن يتوفر لإلمام‬ ‫ ‬
‫الخطيب والواعظ املدرس من علوم رشعية ومعرفة تراثية ال ينفصل عن الحاجة امللحة إىل‬
‫التح ّرر من مضائق التقليد وا ّدعاء امتالك الحقيقة مع ما ينج ّر عن ذلك من فكر إطالقي شمويل‪.‬‬
‫عب عنها‬
‫لقد ذهلنا يف الغالب عن أصالة الروح النقدية التي عرفها املسلمون األوائل والتي ّ‬
‫الخليفة الثاين عمر ابن الخطاب ريض الله عنه حني خاطب عبد الله بن عباس‪ ،‬وهو فتى عندئذ‪،‬‬
‫السؤال واملراجعة واالجتهاد قائال‪ « :‬قُل يا ابن أخي وال تحقر نفسك »‪.‬‬
‫مشجعا إياه عىل ّ‬
‫كيف لنا أن نتجاوز ما ضاق من مجاالت االجتهاد والتجديد نتيجة اإلقرار بأنه «ليس‬ ‫ ‬
‫باإلمكان أبدع مام كان»؟ مبثل هذا السؤال برزت لنا ونحن نعمل يف الدليل التوجيهي رضورة‬
‫االنتقال إىل مرحلة أكرث عملية وإجرائية مبا تقتضيه اللقاءات التفاعلية وورشات العمل‪ .‬ذلك هو‬
‫عني ما سيجسده الدليل التدريبي املكمل للدليل التوجيهي مبقوماته التأسيسية والنظرية ومبا‬
‫يفتحه الجانبان املتكامالن من أبواب التالزم العضوي بني النجاح يف إجراء الخصائص العملية وما‬
‫ينجر عنها من إعادة بناء الفكر والوعي والسلوك وبني حسن متثل األساس النظري الذي يستمد‬
‫من الجهد التدريبي مصداقيته وفاعليته وتجدده‪.‬‬

‫عن اللّجنة التوجيهية‬ ‫ ‬


‫الدّكتور إحميدة ال ّنيفر‬ ‫ ‬

‫‪5‬‬
6
‫مفاهيم مفتاحية‬
‫الدين والتد ّين‬
‫‪ّ .1‬‬ ‫ ‬
‫• الدين‪ :‬فكرة كلية مطلقة متعالية غري قابلة للتغري بفعل االجتامع‪ ،‬فالدين مصدره‬ ‫ ‬
‫غيبي ويقوم عىل الوحي اإللهي وموضوعه العقيدة أي عالقة املخلوق بالخالق واالجتامع أي‬
‫عالقة املخلوق باملخلوق‪.‬‬
‫ويتض ّمن الدين رضور ًة مفاهيم وتص ّورات لتيسري حياة االنسان بجلب املصالح ودرء‬ ‫ ‬
‫املفاسد وس ّد الذرائع يف دنياه وآخرته‪ ،‬وله أبعاد قيمية كونية تشرتك فيها جميع اإلنسانية منها‬
‫الرحمة واملحبة والسامحة واإليثار‪...‬‬
‫وال يتناقض الدين مع العقل إذ العقل هو سبب التكليف وبه يكون االعتبار ولذلك ذ ّم الله‬ ‫ ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫التقليد‪َ ﴿ :‬وإِذَا ِق َيل لَ ُه ُم اتَّ ِب ُعوا َما أنْ َز َل اللَّ ُه قَالُوا بَ ْل نَتَّ ِب ُع َما ألْ َف ْي َنا َعلَ ْي ِه آبَا َءنَا ﴾ [البقرة‪]170 :‬‬

‫• أما التدين فهو تجليات ال ّدين مبا هو فكرة كل ّية متعالية مصدرها إلهي‪ ،‬وتتمثل هذه‬ ‫ ‬
‫وتتغي حسب ذاتية املتدين وحسب اختالف األزمنة واألمكنة‬ ‫ّ‬ ‫التجليات يف االجتامع عرب املامرسة‪،‬‬
‫واألعراف االجتامع ّية يف حني يتميز الدين بالثبات واإلطالق ألنّه فكرة كل ّية مفارقة‪ ،‬ولذلك اعتربه‬
‫القرآن فطرة ﴿ فَأَ ِق ْم َو ْج َه َك لِلدِّينِ َح ِنيفًا ِفطْ َرتَ اللَّ ِه الَّ ِتي فَطَ َر ال َّن َ‬
‫اس َعلَ ْي َها لَ ت َ ْب ِد َيل لِ َخلْقِ اللَّ ِه‬
‫اس لَ يَ ْعلَ ُمونَ﴾[الروم‪.]30:‬‬ ‫َذلِ َك ال ِّدي ُن الْ َق ِّي ُم َولَ ِك َّن أَك َ َْث ال َّن ِ‬
‫مم يجعله يتم ّيز‬ ‫وهو فهم للدين يختلف باختالف األشخاص واألمصار واألعصار ّ‬ ‫ ‬
‫بتغي هذه العنارص‪ ،‬وقد يقارب الفهم الصائب ملقصود الخالق أو‬ ‫فيتغي ّ‬ ‫بالظن ّية والنسب ّية‪ّ ،‬‬
‫يبتعد عنه‪ ،‬من خالل تأويالت مغرضة أو أخرى قارصة عن التامس القرائن واألدلّة أو ثالثة‬
‫محكومة ببنية ثقاف ّية كاملة‪.‬‬
‫‪ .2‬األمة والجامعة‬ ‫ ‬
‫تعني األ ّمة الجامعة الكبرية من الناس الذين تربطهم وشائج ثقافية من أهمها الدين‬ ‫ ‬
‫واللغة‪ ،‬ولهم تاريخ مشرتك‪ ،‬وتجمعهم مصالح كربى مشرتكة تقتضيها حياتهم املادية والرمزية‪،‬‬
‫خية‪ ،‬وسط شاهدة‪.‬‬ ‫ولهم حضارة ممتدة يف الزمن‪ .‬واأل ّمة يف االصطالح القرآين أمة واحدة‪ِّ ،‬‬
‫أ‪ .‬أمة واحدة بدليل قوله تعاىل‪ ﴿ :‬إِ َّن َه ِذ ِه أُ َّمتُ ُك ْم أُ َّم ًة َو ِاح َد ًة َوأَنَا َربُّ ُك ْم فَا ْع ُب ُدونِ }‬ ‫ ‬
‫[األنبياء‪َ { ،]92:‬وإِ َّن َه ِذ ِه أُ َّمتُ ُك ْم أُ َّم ًة َو ِاح َد ًة َوأَنَا َربُّ ُك ْم فَاتَّقُونِ ﴾ [املؤمنون‪ .]52:‬والرشط األساس‬
‫لألمة اإلسالمية هو رشط ثقايف جوهري يتمثل يف اشرتاك املنتمني إليها يف اإلميان بالله الواحد‪.‬‬
‫فهي إذن أمة املؤمنني برصف النظر عن اختالف ألوانهم‪ ،‬وألسنتهم‪ ،‬وأوطانهم‪ ،‬وجنسياتهم‪،‬‬
‫ودولهم‪ ،‬ومصالحهم‪.‬‬
‫اس﴾ [آل عمران‪.]110:‬‬ ‫خية بدليل قوله تعاىل‪ ﴿ :‬كُ ْنتُ ْم َخ ْ َي أُ َّم ٍة أُ ْخ ِر َج ْت لِل َّن ِ‬ ‫ب‪ .‬أمة ّ‬ ‫ ‬

‫‪7‬‬
‫وخرييّتها تكمن يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر ثم اإلميان بالله‪.‬‬
‫ج‪ .‬أمة وسط بدليل قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وكَ َذلِ َك َج َعلْ َناكُ ْم أُ َّم ًة َو َسطًا‪[ ﴾...‬البقرة‪ .]143:‬ومام‬ ‫ ‬
‫تعنيه الوسطية اعتدال التصور والسلوك بني طرفني مذمومني‪ ،‬وتعني الوسطية أيضا العدل بني‬
‫الناس‪ .‬فقد ورد يف القرآن الكريم‪ ﴿ :‬ق ََال أَ ْو َسطُ ُه ْم أَلَ ْم أَق ُْل لَ ُك ْم لَ ْولَ ت َُس ِّب ُحونَ﴾ [القلم‪ ،]28:‬قال‬
‫املفرسون‪ :‬أوسطهم أي أعدلهم‪.‬‬
‫ول َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫د‪ .‬أمة شاهدة بدليل قوله تعاىل‪ ﴿ :‬لِتَكُونُوا شُ َه َدا َء َع َل ال َّن ِ‬
‫اس َويَكُو َن ال َّر ُس ُ‬ ‫ ‬
‫شَ هِي ًدا﴾ [البقرة‪ .]143:‬والشهادة نوعان‪ :‬شهادة أخروية‪ ،‬وشهادة دنياوية فعىل األمة مسؤولية‬
‫ثابتة إزاء ذاتها‪ ،‬حاال ومآال‪ ،‬وإزاء اإلنسانية قاطبة‪ ،‬حاال ومآال سواء بسواء‪ ،‬وهي مستأمنة بشكل‬
‫جامعي عىل مدى تحقيق مراد الله يف تعمري األرض وصالحها وعدم إفسادها‪.‬‬
‫أ ّما مفهوم الجامعة فتغلب عليه االعتبارات االجتامعية والسياسية األقرب إىل املجال‬ ‫ ‬
‫العميل وإىل مقتضيات إدارة العمران وتدبري أمور السلطة عىل نحو ما وردت يف النصوص‬
‫املرجعية اإلسالمية‪.‬‬
‫ولعل هذا ما يفرس وفرة ورود مصطلح الجامعة يف املعجم اللغوي للسنة النبوية بالقياس‬
‫إىل محدودية حجم وروده وصيغه الضمنية يف املعجم القرآين‪.‬‬

‫‪ .3‬اآلخر وموقف الذات منه‬ ‫ ‬


‫‪ -‬اآلخر هو كل مختلف عن الذات من كل املوجودات‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ -‬الغري هو كل إنسان آخر مختلف عن الذات‪.‬‬ ‫ ‬
‫وقيمة هذا التمييز يف تنبيهه إىل أنّه ال ميزة للذات ملج ّرد أنّها ذاتك عىل غريك ملج ّرد أنّه‬ ‫ ‬
‫غريك إذ ال فضل لعريب عىل أعجمي إال بالتقوى والله يس ّوي بني املؤمنني والكفّار يف أصل الوجود‬
‫وأمام الرسالة غري أن الفرق أن املؤمنني آمنوا يف حني أن الكفّار جحدوا الرسالة‪.‬‬
‫وظيفة هذا التمييز هي التقريب من املختلفني حتى وإن كان االختالف تناقضا يف‬ ‫ ‬
‫ضبْتُ ْم ِف َسبِيلِ اللَّ ِه فَتَ َب َّي ُنوا َولَ تَقُولُوا لِ َم ْن أَلْقَى‬ ‫الدين يقول الله تعاىل‪ ﴿ :‬يَاأَيُّ َها ال َِّذي َن آ َم ُنوا إِذَا َ َ‬
‫الس َل َم ل َْس َت ُم ْؤ ِم ًنا ت َ ْبتَغُو َن َع َر َض الْ َح َيا ِة ال ُّدنْ َيا ﴾ [النساء‪]94:‬‬ ‫إِلَ ْي ُك ُم َّ‬
‫‪ -‬ويشار إىل اآلخر يف الفقه اإلسالمي ضمن األحكام الفقه ّية القانون ّية اإلسالم ّية التي‬ ‫ ‬
‫تعنيه وتتعلّق هذه األحكام بالعالقات الجامعة بني املسلم وغري املسلم ال غري وال تشمل ما‬
‫يه ّمه من حيث أفعاله وعباداته ألنّه ليس معن ّيا باألحكام اإلسالم ّية يف ذلك‪ .‬وقد أوجبت األحكام‬
‫الخاصة بالعالقات الجامعة بني املسلم واآلخر تصنيفه إىل أنواع‪:‬‬ ‫ّ‬
‫• أهل الحرب وهؤالء ليس لهم يف الفقه اإلسالمي إال ما طلبوه‪.‬‬ ‫ ‬
‫• طالبو األمن يف حمى املسلمني رغم كونهم يف األصل من أهل الحرب ولكن سعيهم‬ ‫ ‬
‫شكِ َني ْاستَ َجا َر َك فَأَ ِج ْر ُه َحتَّى‬‫إىل األمن أخرجهم من النوع األ ّول‪ .‬يقول تعاىل‪َ ﴿ :‬وإِ ْن أَ َح ٌد ِم َن الْ ُم ْ ِ‬
‫يَ ْس َم َع ك ََل َم اللَّ ِه ث ُ َّم أَبْلِ ْغ ُه َمأْ َم َن ُه َذلِ َك ِبأَنَّ ُه ْم قَ ْو ٌم َل يَ ْعلَ ُمونَ﴾ [التوبة‪]6:‬‬

‫‪8‬‬
‫• املعاهدون وهم يف األصل أهل الحرب ولك ّنهم تعاهدوا مع املسلمني عىل عدم‬ ‫ ‬
‫خوضها‪ .‬يقول الله تعاىل‪َ ﴿ :‬وإِ ْن َج َن ُحوا لِ َّ‬
‫لسل ِْم فَا ْج َن ْح لَ َها َوتَ َوك َّْل َع َل اللَّ ِه إِنَّ ُه ُه َو َّ‬
‫الس ِمي ُع‬
‫الْ َعلِي ُم﴾ [األنفال‪]61:‬‬
‫• أهل الذ ّمة وهم الذين رضوا بالعيش يف بالد املسلمني أو الذين رضوا بأن يكون‬ ‫ ‬
‫الحاكم مسلام دون أن يتع ّرضوا للدولة ولقوانينها باملعارضة أو املحاربة‪.‬‬

‫‪9‬‬
10
‫دالالت قرآنية‬
‫‪ .1‬ثراء الداللة القرآنية‪:‬‬ ‫ ‬
‫ثري الداللة ال تنتهي معانيه‪ ،‬وال ميلّه العلامء املجتهدون‪ ،‬وإنّ ا ميلّه‬ ‫إ ّن القرآن الكريم ّ‬ ‫ ‬
‫املقلّدون الذين يجمدون عىل فهم واحد يك ّررونه‪ .‬يقول الله تعاىل‪:‬‬
‫﴿ َولَ ْو أَنَّ َا ِف الْ َ ْر ِض ِم ْن شَ َج َر ٍة أَق َْل ٌم َوالْ َب ْح ُر َ ُي ُّد ُه ِم ْن بَ ْع ِد ِه َس ْب َع ُة أَبْ ُح ٍر َما نَ ِفدَتْ كَلِ َمتُ اللَّ ِه إِ َّن‬
‫اللَّ َه َعزِي ٌز َح ِكي ٌم ﴾ [ لقامن‪] 27:‬‬
‫فاملعرفة النظرية بأحكام القرآن غري كافية‪ ،‬بل قد تكون ضا ّرة إذا صحبها سوء تنزيل‬ ‫ ‬
‫عىل الواقع‪ ،‬كتنزيل اآليات الخاصة باملرشكني العرب عىل املسلمني قصد تكفريهم‪ ،‬وتنزيل اآليات‬
‫التي تأمر بطاعة أويل األمر عىل أمراء الجامعات اإلسالمية‪ ،‬وغري ذلك من التنزيالت الشاذّة‪.‬‬

‫‪ .2‬نفي اإلكراه عىل التدين ومفهوم السامحة‪:‬‬ ‫ ‬


‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ال إكراه ِف ٱلدِّينِ قَد ت َّ َب َّ َي ٱل ُّرش ُد ِم َن ٱلغ َّي ﴾ [البقرة‪]256 :‬‬ ‫ ‬
‫أي خالف يف‬‫«نص» من جهة أنّه ّبي بذاته‪ ،‬يلغي ّ‬ ‫يوصف الكالم يف هذه اآلية بأنّه ّ‬ ‫ ‬
‫موضوعه‪.‬‬
‫تبي طريق الرشد والهدى‬ ‫يؤكّد هذا النص املحكم أ ّن التديّن يقوم عىل االختيار بعد ّ‬ ‫ ‬
‫الغي والضالل‪ .‬فمه ّمة ال ّداعية هي البيان ال اإلكراه والجرب‪.‬‬ ‫من طريق ّ‬
‫يدل عىل أ ّن الدين يقوم عىل حرية االختيار أ ّن العلامء املسلمني ع ّرفوه بأنّه «وضع‬ ‫مم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ ‬
‫إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم إىل ما فيه صالحهم يف الدنيا واآلخرة»‪.‬‬
‫وحل اإلكراه انتفى التديّن‪ ،‬أل ّن التديّن أمر قلبي داخيل يقوم عىل‬ ‫إذا انتفى االختيار ّ‬ ‫ ‬
‫االقتناع الذايت‪.‬‬
‫وقد انبنت روح الرشع اإلسالمي عىل أرضية التيسري ودرء املشقّة وجلب املصلحة‪ ،‬وال‬ ‫ ‬
‫يتس ّنى تحقيق مبدإ التيسري إالّ متى كان الرتفق واملالينة واملالطفة أسسا يف التعامل بني الناس‬
‫وسلوكا يُ ْنتَ َه ُج يف عالقة املسلم مبحيطه‪.‬‬
‫السامحة‪ :‬وقد ورد يف أحاديث‬ ‫يعب عن هذه األسس هو مفهوم ّ‬ ‫وأه ّم مفهوم يف اإلسالم ّ‬ ‫ ‬
‫الرسول متصال باملعاملة بني الناس وبتنظيم العالقات بينهم من الناحية االجتامعية واالقتصادية‬
‫والسياسية‪ ،‬وهو ما يؤكد جوهر اإلسالم إذ الدين معاملة وعبادة‪.‬‬
‫فقد كان النبي صىل الله عليه وسلّم رحيام بالعباد واسع الصدر حليام‪ ،‬فعن أيب هريرة‬ ‫ ‬
‫ُ‬
‫ريض الله عنه‪ :‬قيل يا رسول الله ادع عىل املرشكني‪ ،‬قال‪ّ »:‬إن مل أ بعث لعاّنا وإنّ ا بُعثت رحمة»‪.‬‬
‫ولنئ كانت السامحة اعتداال فهي ال تعني اإلفراط يف اللني واملالطفة فتمحى الضوابط‬ ‫ ‬
‫ويغيب الج ّد يف العبادة وهي ال تعني التضييق واملشقة فتيسء إىل روح الرشع ومبدإ التيسري فيه‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ .3‬نهي القرآن عن التكـفري‪:‬‬ ‫ ‬
‫ضبْتُ ْم ِف َسبِيلِ اللَّ ِه فَتَ َب َّي ُنوا َولَ تَقُولُوا لِ َم ْن‬ ‫قال الله تعاىل‪ ﴿ :‬يَاأَيُّ َها ال َِّذي َن آ َم ُنوا ِإذَا َ َ‬ ‫ ‬
‫أَلْقَى إِلَ ْي ُك ُم َّ‬
‫الس َل َم ل َْس َت ُم ْؤ ِم ًنا ت َ ْبتَغُو َن َع َر َض الْ َح َيا ِة ال ُّدنْ َيا فَ ِع ْن َد اللَّ ِه َمغَانِ ُم كَ ِث َري ٌة كَ َذلِ َك كُ ْنتُ ْم‬
‫ِم ْن قَ ْب ُل فَ َم َّن اللَّ ُه َعلَ ْي ُك ْم فَتَ َب َّي ُنوا إِ َّن اللَّ َه كَا َن بِ َا تَ ْع َملُو َن َخ ِب ًريا ﴾ [النساء‪]94:‬‬
‫بالتبي وعدم الحكم عىل ما يف‬ ‫يف هذه اآلية تحذير شديد من تكفري الناس وأمر ّ‬ ‫ ‬
‫قلوبهم‪.‬‬
‫وفيها تذكري لهؤالء املكفّرين بوضعيتهم قبل أن يؤمنوا‪ ،‬فلو أ ّن بعض الناس كفّروهم‬ ‫ ‬
‫وقتلوهم ملا صاروا مؤمنني‪ ،‬ولك ّن الله َم ّن عليهم باإلميان‪ ،‬فلامذا يفعلون مع غريهم ما يكرهون‬
‫ألنفسهم‪.‬‬
‫نص الشارع‬ ‫وشبيه بالتكفري الغل ُّو والتش ّدد اللذان يؤ ّديان إىل التط ّرف والعنف‪ .‬ولهذا ّ‬ ‫ ‬
‫رشع‪ ،‬ذاك أ ّن جلب املصلحة ودرء املفسدة ال‬ ‫عىل تج ّنبهام حفاظا عىل روح الرشع ومقاصد امل ّ‬
‫يكونان إالّ بتوخي االعتدال يف التفكري واالعتقاد وانتهاج الوسطية يف السلوك واملعاملة‪.‬‬
‫اب لَ تَ ْغلُوا ِف ِدي ِن ُك ْم غ ْ ََي الْ َح ِّق َولَ تَتَّ ِب ُعوا أَ ْه َوا َء قَ ْو ٍم‬ ‫يقول الله تعاىل‪ ﴿ :‬ق ُْل يَاأَ ْه َل الْ ِكتَ ِ‬ ‫ ‬
‫السبِيلِ ﴾ [املائدة‪]77:‬‬ ‫قَ ْد ضَ لُّوا ِم ْن قَ ْب ُل َوأَضَ لُّوا كَ ِث ًريا َوضَ لُّوا َع ْن َس َوا ِء َّ‬
‫قال عبد الرحمن بن شبل‪ :‬سمعت رسول الله صىل الله عليه وسلم يقول‪« :‬اقرءوا‬ ‫ ‬
‫القرآن وال تغلوا فيه وال تجفوا عنه وال تأكلوا به وال تستكرثوا به»‪.‬‬
‫وقد ع ّرف أهل اللغة الغل ّو عىل أنّه مجاوزة الح ّد يف أمر ما والتش ّدد يف إقراره‪ ،‬ويطلق‬ ‫ ‬
‫عليه لفظ التع ّمق أيضا وهو التعريف نفسه الذي تب ّناه أهل الرشع إذ ع ّرفه الحافظ ابن حجر‬
‫بأنّه «املبالغة يف اليشء والتشديد فيه بتجاوز الح ّد»‪.‬‬

‫ومن أسباب الغل ّو‪:‬‬ ‫ ‬


‫• عدم التفقه يف الدّ ين‪ :‬يُ ْعر ُِض املتش ّددون عن النصوص األصلية يف الترشيع والعقيدة‪،‬‬ ‫ ‬
‫متعصبني آلراء األمئة وتحميلها ما ال تحتمل‪.‬‬
‫مع ّولني عىل التقليد‪ّ ،‬‬
‫يتصل باملنحى األخالقي عند بعض املؤ ّولني‪ ،‬إذ‬
‫• االعتداد بالنفس‪ :‬وهو سبب قيمي ّ‬ ‫ ‬
‫النص الرشعي‪.‬‬
‫يعتربون أنفسهم أو أمئتهم األقدر عىل الفهم وإدراك كنه ّ‬

‫‪12‬‬
‫يف التمدن‬
‫‪ .1‬املواطنة ومدنية اإلسالم‬ ‫ ‬
‫كانت األعامل الكربى األوىل التي قام بها الرسول عليه السالم إثر قدومه إىل املدينة‬ ‫ ‬
‫املن ّورة‪ :‬بناء املسجد وكتابة «صحيفة املدينة»‪ ،‬وفرض الهجرة عىل املؤمنني التحاقا باأل ّمة ال ّناشئة‪.‬‬
‫حض‪.‬‬
‫فم ّهد السبيل أمام العرب يك يتد ّرجوا يف مدارج ال ّرقي والتّ ّ‬
‫أ‪ .‬التع ّرب وال ّتمدن‪:‬‬ ‫ ‬
‫بي عليه السالم املسلمني أن يهملوا هذا‬ ‫س ّميت املدينة قبل الهجرة « يرثب»‪ .‬وأمر ال ّن ّ‬ ‫ ‬
‫االسم‪ ،‬وأن يستعملوا بدله «املدينة»‪.‬‬
‫لقّبت املدينة باملن ّورة ألنّها شهدت األنوار املح ّمديّة‪ ،‬وعرفت الهداية ال ّنبويّة‪ ،‬وحوت‬ ‫ ‬
‫النبوي الطّاهر ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أرضها الجسد‬
‫وإل اعترب‬‫ومن هاجر إىل املدينة‪ -‬يف ذلك ال ّزمان‪ -‬مل يكن له أن يغادرها إىل غريها‪ّ ،‬‬ ‫ ‬
‫مرت ّدا عىل عقبيه –ال مبعنى أنّه ترك اإلميان‪ -‬ولكن مبعنى أنّه تع ّرب بعد هجرته أي صار أعراب ّيا‬
‫وعاد إىل حياة «اله ّمج» بعد التّم ّدن‪ .‬ولهذا كان من الكبائر‪« :‬التع ّرب بعد الهجرة»‪.‬‬
‫وسم القرآن األعراب الذين كانوا حول املدينة بنعوت سلب ّية وذلك بسبب غلظتهم‬ ‫ ‬
‫وجالفة طبعهم‪.‬‬
‫لنئ انتهت الهجرة إىل املدينة بفتح مكّة‪ ،‬فإ ّن التع ّرب باق‪ ،‬وهو يقوى ويخفت تبعا‬ ‫ ‬
‫لقرب املسلم من التم ّدن اإلسالمي وبعده عنه‪.‬‬
‫ت ُخرج املدينة البد َو (وهم مادتها البرشيّة) من تع ّربهم‪ ،‬وتدمجهم يف هويّة جديدة‬ ‫ ‬
‫واسعة هي هويّة اللّغة وال ّدين والقيم‪.‬‬
‫تتك ّون املدينة ماديّا من مجموعة برشيّة هم أهلها وق َْص الحكم وفيه حاكمها واألسواق‬ ‫ ‬
‫ٍ‬
‫وفيها معاشهم‪ ،‬ومسجد ذي منرب منه تستم ّد القدس ّية والقيم الحضاريّة‪ ،‬وهذه القيم هي أه ّم‬
‫ما مي ّيز املدينة عن غريها‪.‬‬
‫فالقض ّية يف هذا املقام تتعلّق بالطّابع الثّقايف للتّعايش وبال ّروح التّعاقديّة ال ّراسخة بني‬ ‫ ‬
‫مواطني املدينة‪.‬‬
‫ويعب مفهوم املواطنة عن تشارك يف العيش بني مواطنني‪ ،‬يسود بينهم االحرتام‬ ‫ّ‬ ‫ ‬
‫والتّسامح تجاه التّن ّوع الذي يزخر به املجتمع‪ .‬وهذا تضبطه القيم‪ ،‬وتح ّدده مبادئ العيش‬
‫املشرتك‪ ،‬وتحفظه سلطة القانون‪.‬‬
‫وتقوم املواطنة عىل التم ّدن وهو االنتقال من الهمج ّية والخشونة إىل الرقي والحضارة‪.‬‬ ‫ ‬
‫فعندما يتم ّدن املرء يكون مواطنا‪ ،‬فمج ّرد سكنى املدينة دون االلتزام مبا تستوجبه املواطنة ال يع ّد‬
‫قي»‪.‬‬ ‫التبية والتعليم لذا قالوا‪«:‬ليس كالتّعليم مي ّدن اإلنسا َن ويدفعه إىل ال ُّر ّ‬‫مت ّدنا‪ .‬وسبيل التم ّدن ّ‬

‫‪13‬‬
‫ب‪ .‬مبادئ املدنية‪:‬‬ ‫ ‬
‫تتأسس املدن ّية املنتجة للمواطنة يف اإلسالم عىل املبادئ اآلتية‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ ‬
‫وحدة األصل البرشي‪ :‬فالبرش جميعا خلقهم الله تعاىل من أصل واحد‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ ‬
‫شو َن ﴾ [الروم‪ .]20:‬ويف الحديث‪« :‬كلكم‬ ‫اب ث ُ َّم إِذَا أَنْتُ ْم بَ َ ٌ‬
‫ش ت َ ْنتَ ِ ُ‬ ‫﴿ َو ِم ْن آيَاتِ ِه أَ ْن َخلَ َق ُك ْم ِم ْن ت ُ َر ٍ‬
‫بنو آدم‪ ،‬وآدم من تراب»‪.‬‬
‫الكرامة‪ :‬ملطلق اإلنسان قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ َق ْد كَ َّر ْم َنا بَ ِني آ َد َم ﴾ [اإلرساء‪ .]70:‬دون‬ ‫ ‬
‫إلهي ليس‬ ‫تخصيص بدين أو عرق قومي أو فئة اجتامع ّية أو انتامء ثقا ّيف‪ .‬وهذا التكريم قرار ّ‬
‫ألحد ال ّنزاع فيه أو االجتهاد يف معناه‪.‬‬
‫اح َد ًة َولَ يَ َزالُو َن ُم ْختَلِ ِف َني‬ ‫اس أُ َّم ًة َو ِ‬‫االختالف‪ :‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ ْو شَ ا َء َربُّ َك لَ َج َع َل ال َّن َ‬ ‫ ‬
‫(‪ )118‬إِ َّل َم ْن َر ِح َم َربُّ َك َولِ َذلِ َك َخلَ َق ُه ْم ﴾ [هود‪ .]119 ،118:‬فاالختالف حالة واقع ّية قضتها‬
‫ات َوالْ َ ْر ِض َوا ْخ ِت َل ُف‬ ‫الس َم َو ِ‬‫املشيئة اإللهية‪ .‬وهو حقيقة يف الطّبيعة البرشيّة ﴿ َو ِم ْن آيَاتِ ِه َخل ُْق َّ‬
‫ات لِلْ َعالِ ِم َني﴾ [الروم‪.]22:‬‬ ‫أَل ِْس َن ِت ُك ْم َوأَلْ َوانِ ُك ْم إِ َّن ِف َذلِ َك َليَ ٍ‬
‫التعارف ‪ :‬وهو حقيقية اجتامعية وثقاف ّية يف املجتمع املدين يق ّررها القرآن‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫ ‬
‫اس إِنَّا َخلَ ْق َناكُ ْم ِم ْن َذكَ ٍر َوأُنْثَى َو َج َعلْ َناكُ ْم شُ ُعوبًا َوقَ َبائِ َل لِتَ َعا َرفُوا إِ َّن أَكْ َر َم ُك ْم ِع ْن َد‬ ‫﴿ يَاأَيُّ َها ال َّن ُ‬
‫اللَّ ِه أَتْقَاكُ ْم إِ َّن اللَّ َه َعلِي ٌم َخ ِب ٌري﴾ [الحجرات‪ . ]13:‬واالختالف سبيل للتعارف‪ ،‬ودافع للتّعاون‬
‫والتعايش‪.‬‬
‫عم‬‫الحر ّية‪ :‬وهي مثرة االختالف والتعارف معا‪ ،‬فال معنى لالختالف دون التعبري ّ‬ ‫ ‬
‫يعتنقه املرء من آراء وأفكار‪ ،‬ومن مث ّة تأيت ال ّدعوة بالحكمة واملوعظة الحسنة‪ .‬واألصل يف الحريّة‬
‫حريّة املعتقد والفكر‪ .‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وقُلِ الْ َح ُّق ِم ْن َربِّ ُك ْم فَ َم ْن شَ ا َء فَلْ ُي ْؤ ِم ْن َو َم ْن شَ ا َء فَلْ َي ْك ُف ْر﴾‬
‫[الكهف‪.]29:‬‬
‫كل عظيم يعتمده اإلنسان يك يستجيب الحتياجاته فتستم ّر حياته‪،‬‬ ‫التعاون‪ :‬وهو مبدأ ّ‬ ‫ ‬
‫بدفع اإلثم والعدوان‪ ،‬ويحقّق سعادته بجلب ال ّرب‪ .‬ومنشأ التعاون الحاجة واختالف ال ّناس يف‬
‫ال ّدرجة واألحوال والقدرات‪ ،‬وهام قوام التم ّدن واالجتامع البرشي‪َ ﴿ .‬وتَ َعا َونُوا َع َل ال ِ ِّْب َوالتَّ ْق َوى‬
‫َولَ تَ َعا َونُوا َع َل الْ ِث ِْم َوالْ ُع ْد َوان ﴾ [املائدة‪.]2:‬‬
‫املعاملة وال ّنصيحة‪ :‬حيث جعل النبي عليه الصالة والسالم ال ّدين كلّه فيهام‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ ‬
‫«ال ِّدي ُن ال َّن ِصي َح ُة»‪ .‬وقال‪« :‬ال َّد ِّال َع َل الْ َخ ْ ِي كَفَا ِعلِ ِه»‪.‬‬

‫تجسد املدن ّية من خالل املواطنة‪«( :‬دستور املدينة»)‬


‫ج‪ّ .‬‬ ‫ ‬
‫بي عليه السالم إىل املدينة‪ ،‬كتب كتابا صار يعرف بدستور املدينة فيه‬ ‫عندما انتقل ال ّن ّ‬ ‫ ‬
‫تجسيد ملبادئ املدن ّية واملواطنة‪.‬‬
‫إقرار ال ّتن ّوع واالختالف‪ :‬شمل هذا الكتاب ببنوده سكّان املدينة من مسلمني‬ ‫ ‬
‫(املهاجرون واألنصار)‪ ،‬ومرشكني (كانوا ال يزالون عىل وثن ّيتهم)‪ ،‬ويهود‪.‬‬
‫ضامن حرية االعتقاد والتعبد والتفكري‪ :‬فق ّرر‪« :‬لِلي ُهو ِد ِدي ُن ُه ْم ولِلْ ُمسلِ ْ ِ‬
‫مي ِدي ُن ُه ْم»‪ .‬وأق ّر‬ ‫ ‬
‫مبدأ التناصح عىل الخري وهو ال يكون إال عن اختيار وحريّة‪ ،‬فقال‪ «:‬وأ ّن بينهم ال ّنصح وال ّنصيحة‬
‫وال ّرب دون اإلثم»‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫السلمي‪ :‬ففيه «أنه من خرج آمن‪ ،‬ومن قعد آمن باملدينة‪ ،‬إلّ من‬ ‫األمن الجامعي وال ّتعايش ّ‬ ‫ ‬
‫حق الجار يف األمن واعترب الحفاظ عليه كاملحافظة‬ ‫ظلم وأثم‪ ،‬وأن الله جار ملن ب ّر واتقى»‪ ،‬كام حفظ ّ‬
‫عىل النفس‪ ،‬فقال‪ »:‬وأ ّن الجار كال ّنفس غري مضار وال آثم‪».‬‬
‫ال ّتعاون واملشاركة يف الحياة العا ّمة‪ :‬فمبدأ النصيحة والتعاون عىل» ال ّرب دون اإلثم»‬ ‫ ‬
‫لكل املتعاقدين من أهل الوطن الواحد للمشاركة الف ّعالة واالستفادة ال ّدامئة من‬ ‫يتيح الفرصة ّ‬
‫الطّاقات والخربات فيام ينفع البالد والعباد‪.‬‬
‫نصت الوثيقة عىل شخص ّية العقوبة وأنّها تقترص عىل‬ ‫إقرار مبدأ املسؤولية الفرد ّية‪ّ :‬‬ ‫ ‬
‫الجاين وحده وال تتع ّداه إىل غريه‪ ،‬وال يؤخذ غري املعتدي رهينة بجرم غريه (قريبه أو حليفه)‪ ،‬وأ ّن‬
‫الحق تكون للمظلوم مسلام أو غري مسلم‬ ‫نرصة ّ‬
‫حرمة الوطن‪ :‬كانت املدينة وطنا ألهلها‪ ،‬ومركز املجتمع التّعاقدي املتن ّوع‪ ،‬وحرمتها‬ ‫ ‬
‫للسلم وصونا للحرمات‪.‬‬ ‫لكل مواطنيها مسلمني ويهود ووثنيني‪ ،‬تثبيتا ّ‬ ‫ّ‬
‫الصحيفة» أ ّمة واحدة – باملعنى‬ ‫املساواة يف االنتساب إىل الوطن‪ :‬حيث صار«أهل هذه ّ‬ ‫ ‬
‫ولكل طرف من املتعاقدين عليها عقيدته وح ّريته فيام يعبد‪،‬‬ ‫السيايس‪ ،-‬تنتسب إىل وطن واحد‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وعنارصها متساوون أمام القانون يخضعون له خضوعا مدن ّيا ال دين ّيا‪ ،‬وعىل ال ّدولة العدل بينهم‬
‫وتقسط إليهم ما داموا عىل السلم بعيدين عن الغدر والعدوان‪.‬‬
‫الوالء للوطن‪ :‬وهو يقتيض أداء ما يجب من نفقات تستخلص للشأن العام ويطلب من‬ ‫ ‬
‫الجميع –عىل اختالف مللهم‪ -‬بذل النفس واملال دفاعا عن حياض الوطن‪.‬‬
‫السعة‬
‫لقد كانت الهجرة انتقاال من مكان إىل آخر‪ ،‬وكانت خروجا من االستبداد إىل ّ‬ ‫ ‬
‫والحريّة‪ ،‬وتوطئة للعيش أحرارا كمواطنني متعاونني‪ .‬ووراء ذلك عمل دؤوب من التّعليم‪،‬‬
‫وتهذيب الخلق برفق إخراجا لإلنسان من التّوحش إىل التّم ّدن ومن «الهمج ّية» والفردان ّية إىل‬
‫األنس واملواطنة‪.‬‬

‫‪ .2‬املرأة فـي القرآن‬ ‫ ‬


‫يحتاج حضور املرأة يف القرآن تجلية وبيانا‪ ،‬ووعيا بالوحي املح ّمدي ومقاصده يف شأن‬ ‫ ‬
‫اإلنسان ودوره يف الحياة‪ ،‬وهنا نعرض إىل بعض املسائل املفاهيم ّية ذات العالقة الوطيدة بكتاب‬
‫الله يف شأن املرأة‪.‬‬

‫أ‪ .‬يف أصل الخلق واإلنسان ّية‪:‬‬ ‫ ‬


‫خلق الرجل واملرأة من نفس واحدة فهام يف الجنس واألصل واإلنسان ّية سواء‪ ،‬وقد ُس ّوي‬ ‫ ‬
‫خلقُهام و ُع ّدل يف أحسن صورة مركّبة‪ ،‬مبقتىض إرادة الله وسابق مشيئته‪.‬‬
‫أ ّما قوله تعاىل‪َ ﴿:‬ولَ ْي َس ال َّذكَ ُر ك َْالُنْثى﴾ [آل عمران ‪ ]36 :‬فيؤخذ عىل ظاهره‪ .‬فال ّنفي‬ ‫ ‬
‫نفى للتامثل‪ ،‬وليس نفيا للمساواة يف أصل الخلقة واملاهية‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ب‪ .‬يف ال ّتكريم وال ّتكليف‪:‬‬ ‫ ‬
‫واملرأة مساوية للرجل يف التّكريم ألنّه تكريم لإلنسان عموما وليس للذّكر عىل حساب‬ ‫ ‬
‫األنثى‪ .‬يف التّكليف‪:‬‬
‫الشع ّية واألخالق ويف‬
‫وتستوي املرأة وال ّرجل يف التّكليف عىل مستوى الواجبات ّ‬ ‫ ‬
‫والتغيب وهو ما توضّ حه آيات القرآن‬‫التّحذير ّ‬
‫وهام يستويان يف واجب التديّن والعبادة‪ ،‬وتقاس أعاملهام مبقياس واحد‪.‬‬ ‫ ‬

‫ج‪ .‬القوامة والوالية‪:‬‬ ‫ ‬


‫‪ -‬القـوامـة‪:‬‬ ‫ ‬
‫• الحياة الزوج ّية حياة اجتامعية وال ب ّد فيها من يتح ّمل مسؤول ّية الجامعة زيادة عىل‬ ‫ ‬
‫ويختل نظامهم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لئل يعمل كل فرد ض ّد اآلخر فتنفصم عروة الوحدة الجامعة‬ ‫مسؤول ّية نفسه ّ‬
‫فاملساواة بني الرجال والنساء ليست مطّردة‪.‬‬
‫• ال تتعلق ال ّرئاسة بالذكورة أو األنوثة‪ ،‬وإنّ ا تتعلّق بالعائلة باعتبارها هيئة مرك ّبة من‬ ‫ ‬
‫ائتالف أشخاص‪ ،‬ويف حالة التّوافق والشّ ورى ويف كنف املو ّدة وال ّرحمة‪ ،‬ليست ال ّرئاسة يف العائلة‬
‫الصاع‪ ...‬يف مقابل أداء واجب حامية‬ ‫سوى تراتب ّية اعتباريّة ال تشعر بالتّسلّط وال تثري التوت ّر وال ّ‬
‫األرسة وتثبيت اجتامعها وصيانة وجودها من أن تفرتسه عوامل التّصدع والشّ قاق‪.‬‬
‫• يقيض واجب حامية األبناء بش ّد حبل مصلحتهم بعنق أحد الوالدين‪ ...‬وهو يف هذه‬ ‫ ‬
‫الحالة‪ :‬األب‪ .‬والطّاعة يف البيت إنّ ا هي يف املعروف والخري‪...‬‬
‫• وأصل القيام يف اللّغة هو الوقوف املضا ّد للجلوس واالضطجاع‪ ،‬وإنّ ا يقوم القائم‬ ‫ ‬
‫يتأت من قعود فعندما يقف ال ّرجل خادما ألهله يكون للبيت ق ّواما‪ ..‬وعىل‬ ‫لقصد عمل صعب ال ّ‬
‫السيادة وال ّرئاسة(‪ )...‬ويف الحديث« َس ِّي ُد الْ َق ْو ِم َخا ِد ُم ُه ْم»‪.‬‬
‫قدر القوامة أي الخدمة‪ ،‬تكون ّ‬
‫• والقوامة املذكورة يف اآلية هي قوامة الرجل داخل أرسته ال غري‪ ،‬فيجوز أن تكون املرأة‬ ‫ ‬
‫أي عمل خارج البيت‪ .‬وإذا كانت لل ّرجل زوجة طبيبة يف مستشفى فال دخل له يف‬ ‫رئيسة رجل يف ّ‬
‫عملها الف ّني‪ ،‬وال سلطان له عىل وظيفتها يف مستشفاها‪..‬‬
‫‪ -‬الوالية‪:‬‬ ‫ ‬
‫يستدل املانعون للمرأة من بلوغ منصب الوالية العا ّمة ومن املشاركة يف املجالس‬ ‫ّ‬ ‫•‬ ‫ ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بي صىل الله عليه وسلم أنّه سأل‪َ «:‬م ْن يَ ِل أ ْم َر فَار َِس؟» قَالُوا‪ :‬ا ْم َرأةٌ‪ ،‬ق ََال‪َ « :‬ما‬ ‫النياب ّية بحديث ال ّن ّ‬
‫تدل عىل أ ّن املقصود هي مملكة فارس الضعيفة –‬ ‫أَفْل ََح قَ ْو ٌم يَ ِل أَ ْم َر ُه ْم ا ْم َرأةٌ» ومناسبة الورود ّ‬
‫َ‬
‫حينها‪ -‬وقد جعل مرياث عرشها لفتاة ال تدري شيئا‪ ،‬فكان ذلك إيذانا بأ ّن ال ّدولة كلّها إىل ذهاب‪.‬‬
‫تول اإلمامة العظمى (الخالفة) أل ّن من رشطها عندهم‬ ‫اتفق الفقهاء عىل منع املرأة من ّ‬ ‫ ‬
‫باملؤسسات‪.‬‬‫ّ‬ ‫خاصا باألفراد بل‬ ‫«الذّكورة» فيمن يليها‪ ..‬والواقع أن أمر الوالية مل يعد ّ‬
‫مؤسيس يشرتك يف الحكم فيه عدد من‬ ‫الفردي إىل قضاء ّ‬ ‫ّ‬ ‫• فقد تح ّول القضاء من القضاء‬ ‫ ‬
‫القضاة‪ ..‬فإذا كانت املرأة عضوا مشاركا يف هيئة املحكمة‪ ،‬فال معنى لل ّنظر هل واليتها رشع ّية أم‬
‫ال‪ ،‬ألن الوالية هنا ملؤسسة وجمع‪ ،‬وليست لفرد من األفراد‪ ،‬رجالً كان أو امرأة‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫مؤسسية متثّل االجتهاد الجامعي‬ ‫• واستنباط القانون ومدارسته يت ّم مبشاركة جامع ّية ّ‬ ‫ ‬
‫خصيص يف تقنني األحكام وصياغتها‪ .‬والقايض تبعا لذلك ليس له أن يحكم وفق اجتهاده‬ ‫والتّ ّ‬
‫املطلق وإنّ ا صار منفّذا للقانون الذي ق ّننته املؤسسة الترشيع ّية‪.‬‬
‫يصح أيضا يف السلطة التّتنفيذيّة يف ال ّنظم ال ّدميقراط ّية‬ ‫السالفتني ّ‬ ‫السلطتني ّ‬ ‫صح يف ّ‬‫• وما ّ‬ ‫ ‬
‫واملختصة يف صناعة‬ ‫ّ‬ ‫املؤسسات املق ّننة واملراقَبة‬ ‫« حيث تح ّولت من الفرد إىل الجامعة يف إطار ّ‬
‫املؤسسات وانتخبت لرئاستها فليس من الوارد الحديث عن‬ ‫القرار‪ ...‬فإذا شاركت املرأة يف هذه ّ‬
‫والية املرأة ‪ -‬يف املطلق‪ -‬باملعنى الذي ارتسم قدميا – بحكم الواقع‪ -‬يف أذهان الفقهاء»‪.‬‬
‫قصة ملكة‬ ‫• وهذا الفهم‪ ،‬من جهة طبيعة الحكم ونظام ال ّدولة‪ ،‬ش ّجع عليه القرآن يف ّ‬ ‫ ‬
‫باملؤسسة الشورية‪ .‬وذ ّم فرعون‪ ،‬وهو رجل‪ ،‬النفراده بالوالية‬ ‫ّ‬ ‫سبأ فأثنى عليها ألنّها كانت تحكم‬
‫العامة‪ ،‬واستبداده بالرأي‪.‬‬
‫تول سلطة ال ّدولة‪ ،‬وإمنا العربة باألساس يف كون‬ ‫• فليست العربة باألنوثة أو الذكورة ىف ّ‬ ‫ ‬
‫هذه الوالية «مؤسسة شورية منتخبة ومراقَ َبة» أم هي «سلطان فرد ّي مطلق مستب ّد»؟‬
‫• ويف كتب الفقه قالوا‪َ )...(«:‬ولَ ْو اُبْتُلِي َنا ِبوِلَ يَ ِة ا ْم َرأَ ٍة الْ ِ َما َم َة نَ َف َذ ُح ْك ُم َها لِ َّ ُ‬
‫لضو َر ِة ك ََم‬ ‫ ‬
‫نص قطعي ال تتنازعه ال ّرؤى يف املسألة وإمنا بني القول‬ ‫الس َل ِم»‪ ،‬وهذا ينفي وجود ّ‬ ‫قَالَ ُه ابْ ُن َع ْب ِد َّ‬
‫عندهم باملنع ملا كان معتادا بينهم من حال املرأة يف عزلها عن الشّ أن العام‪.‬‬
‫• بناء عىل هذا املرأة يف اإلسالم كائن مك ّرم مثيل لل ّرجل يف الخلق ويف الحقوق‬ ‫ ‬
‫والواجبات‪ ،‬وإن كان لل ّرجل عليها درجة فذلك لرضورة مبارشة شؤون العائلة وإلزامه بحقوق‬
‫األبناء حال انفصام ال ّزوج ّية‪ ،‬وهذه القوامة تكون له مبقدار ما يخدم أهله ويكون ق ّواما عليهم‪،‬‬
‫وهي له يف بيته‪ ،‬وداخل أرسته‪...‬‬
‫السلطة‪ ..‬وما يعرتض به عليها ناشئ‬ ‫تتول مناصب ّ‬ ‫• أ ّما يف مسألة الوالية فللمرأة أن ّ‬ ‫ ‬
‫بالسلطة ‪...‬أ ّما يف الحكم الجامعي املؤطّر بنصوص القانون املراقب من الهيئات‬ ‫عن عادة التّف ّرد ّ‬
‫االجتامع ّية فإ ّن القرارات فيه ال تنسب للذكر وال لألنثى ألنّها قرارت جامع ّية قانون ّية شوريّة‪.‬‬

‫‪ .3‬مناذج من التعارف‬ ‫ ‬
‫بالسيف تقابلها حقيقة أنّه كان األقوى ح ّجة يف جداله مع األديان‬
‫شُ بهة انتشار اإلسالم ّ‬ ‫ ‬
‫واألفكار فدخل فيه الناس أفواجا يطلبون راحة ال ّروح وطأمنينة القلب وصفاء العقل‪ .‬شعوب‬
‫كثرية كان يكفيها التع ّرف عىل هذا اإلسالم عرب حسن املعاملة واستقامة السلوك‪ ...‬يك يسلموا‪.‬‬

‫أ‪ .‬إسالم مثامة بن أثال‪:‬‬ ‫ ‬


‫كان مثامة س ّيدا من سادات الياممة يقف عىل تجارتها‪ .‬أُ ِس يف املدينة و ُربط إىل سارية‬ ‫ ‬
‫يف املسجد النبوي‪ ،‬وكان الرسول يُحسن إليه يف القول ث ّم أمر بإطالقه يف اليوم الثالث فأسلم وقد‬
‫غي الله قلبه نحو الرغبة يف اإلسالم‪ ،‬ومح ّبة الرسول‪ .‬وحينام اعتمر أخرب املرشكني يف مكّة‪َ « :‬والَ‬ ‫ّ‬
‫َواللَّ ِه‪ ،‬الَ يَأْتِي ُك ْم ِم َن ال َي َم َم ِة َح َّب ُة ِح ْنطَ ٍة‪َ ،‬حتَّى يَأْ َذ َن ِفي َها ال َّنب ُِّي صىل الله عليه وسلم‪».‬‬

‫‪17‬‬
‫ب‪ .‬اإليناس برتانيم القسس‪:‬‬ ‫ ‬
‫كان املسلمون يجدون يف ترانيم القساوسة ما يؤنسهم حتّى أ ّن النووي أخرب أ ّن اسم‬ ‫ ‬
‫تونس راجع إىل عبارة قالها عقبة بن نافع الفهرى فاتح املغرب إذ كان يسمع قرب معسكره‬
‫فس ّميت‬‫أنغام القسس وهم يرتنّ ون يف اللّيل فقال‪ « :‬هذه البقعة تُونس ‪ -‬بحذف الهمزة‪ُ -‬‬
‫بذلكـ»‪.‬‬
‫القبطي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ج‪ .‬نرصة‬ ‫ ‬
‫حادثة القبطي الذي رضبه ابن عمرو بن العاص مشهورة فقد رضب ابن عمرو بن‬ ‫ ‬
‫اقتص له من ظامله وقال قولته الشهرية‪« :‬يا‬
‫العاص املرصي فشكاه إىل عمر بن الخطّاب الذي ّ‬
‫عمرو‪ ،‬متى استعبدتُم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرا ًرا؟»‬

‫د‪ .‬جواز الهديّة إىل املرشك املحارب‪:‬‬ ‫ ‬


‫عن عبد الله بن عمر قال‪«:‬جاءت رسول الله صىل الله عليه وسلم ُح ٌلل‪ ،‬فأعطى عمر‬ ‫ ‬
‫قلت يف حلّة عطارد ما قلت؟ » فقال رسول الله‬ ‫منها ُحلَّة‪ ،‬فقال عمر‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬كسوتنيها وقد َ‬
‫صىل الله عليه وسلم‪« :‬إين مل أَك ُْس َك َها لتَلبِسها»‪ ،‬فكساها عمر أ ًخا له مرشكًا مبكّة‪.‬‬

‫هـ‪ .‬الدّ عاء للكافر بالهداية‪:‬‬ ‫ ‬


‫دعا رسول الله بالهداية لقبيلة دوس وثقيف يف حادثتني مشهورتني‪.‬‬ ‫ ‬

‫و‪ .‬تع ّرف املسيح ّيني عىل اإلسالم‪:‬‬ ‫ ‬


‫أخبار انتقال املسيح ّيني إىل اإلسالم كثرية ترجع إىل سامحة املسلمني وعظمة سلوكهم‪.‬‬ ‫ ‬

‫ز‪ .‬االطمئنان إىل حكم املسلمني‪:‬‬ ‫ ‬


‫بالشق من سقوط بيت املقدس يف يد‬ ‫لقد ّبي «سري أرنولد» موقف املسيح ّيني ّ‬ ‫ ‬
‫املسلمني فيقول‪“:‬ومن املؤكّد أ ّن املسيح ّيني من أهايل هذه البالد قد آثروا حكم املسلمني عىل‬
‫الصليب ّيني‪ .‬ويظهر أن أهايل فلسطني من املسيح ّيني‪ ،‬مل ّا وقع بيت املقدس ىف أيدي املسلمني نهائيا‬
‫بالسادة الجدد واطأمنّوا إليهم ورضوا بحكمهم‪.‬‬ ‫سنة ‪1244‬م ر ّحبوا ّ‬
‫• تربز هذه ال ّنامذج اقتدار اإلسالم عىل ال ّنفاذ إىل قلوب املخالفني يف لني ورفق‪ ،‬ويعود‬ ‫ ‬
‫السليم‪ ،‬وانسجام تعاليمه مع الفطرة البرشيّة‪،‬‬‫ذلك أساسا إىل ارتكاز عقائده عىل بداهات العقل ّ‬
‫ييس عىل املتع ّرف عليه سبيل اعتناقه وارتضائه دينا ورشعة ومنهاج حياة‪.‬‬ ‫مم ّ‬
‫ّ‬

‫‪ .4‬ال عدوان يف الجهاد‬ ‫ ‬


‫أ‪ .‬مسألة الجهاد‬ ‫ ‬
‫لقد تح ّول الجهاد الذي وصفه الرسول عليه الصالة والسالم بـ «ذروة سنام اإلسالم»‬ ‫ ‬

‫‪18‬‬
‫اليوم إىل باب للشبهة وسبب لالتهام‪ ،‬ألن بعض املنتسبني إىل اإلسالم ممن يصفون أنفسهم‬
‫«بالجهاديني» قد اتخذوه عنوانا القرتاف أبشع الفظائع يف حق البرش وترويجها بالصوت والصورة‪.‬‬
‫وهو ما يفرض التصدي لهذا االنحراف التصوري والسلويك‪ ،‬وفق منهج علمي صارم رصني‪.‬‬

‫ب‪ .‬الجهاد يشمل الحياة‬ ‫ ‬


‫إن أول ما ينبغي تقريره بهذا الشأن أن معنى الجهاد ال ينحرص يف القتال‪ ،‬بل يرتبط‬ ‫ ‬
‫بكل مناحي حياة املسلم‪ .‬أما القتال فهو فرع منه محدود حجام و ُحكام بحدود رشعية‪.‬‬
‫وميكن مقاربة البعد الرتبوي للجهاد مثال بتدبر املوضوع املحوري لسورة العنكبوت‬ ‫ ‬
‫التي ورد معناه األسايس يف فواتحها مقرتنا بالحث عىل تح ّمل تبعات الفتنة‪ .‬فكان يف ذلك املقام‬
‫اس أَ ْن يُ ْ َتكُوا أَ ْن يَقُولُوا آ َم َّنا‬
‫داال عىل كامل اإلميان وصدقه‪ .‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬امل (‪ )1‬أَ َح ِس َب ال َّن ُ‬
‫َو ُه ْم لَ يُ ْفتَ ُنو َن (‪َ )2‬ولَ َق ْد فَتَ َّنا ال َِّذي َن ِم ْن قَ ْبلِ ِه ْم فَلَ َي ْعلَ َم َّن اللَّ ُه ال َِّذي َن َص َدقُوا َولَ َي ْعلَ َم َّن الْكَا ِذ ِب َني‬
‫﴾ [العنكبوت‪ .]3 - 1 :‬وقد ورد يف الحديث النبوي أن‪« :‬أفضل جهاد أن يجاهد اإلنسان نفسه‬
‫وهواه»‪.‬‬
‫وميكن مقاربة الجهاد يف مجال التبليغ والتعليم بالتأمل يف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ ْو ِشئْ َنا‬ ‫ ‬
‫لَ َب َعثْ َنا ِف ك ُِّل قَ ْريَ ٍة ن َِذي ًرا (‪ )51‬ف ََل ت ُِطعِ الْكَا ِفرِي َن َو َجا ِه ْد ُه ْم ِب ِه ِج َها ًدا كَ ِب ًريا﴾ [الفرقان‪،]52 ،51 :‬‬
‫والتأمل يف حديث الرسول عليه السالم ‪« :‬من جاء مسجدي هذا مل يأته إال لخري يتعلمه أو يعلّمه‬
‫فهو مبنزلة املجاهدين يف سبيل الله‪ ،‬ومن جاءه لغري ذلك فهو مبنزلة الرجل ينظر إىل متاع غريه»‪.‬‬
‫وميكن مقاربة الجهاد يف العمل وكسب املعاش بالتأمل يف قوله تعاىل‪:‬‬ ‫ ‬
‫ضبُو َن ِف ْالَ ْر ِض يَ ْبتَغُو َن ِم ْن فَضْ لِ اللَّ ِه َوآ َخ ُرو َن يُقَاتِلُو َن ِف َسبِيلِ اللَّ ِه﴾ [املزمل‪:‬‬ ‫﴿ َوآ َخ ُرو َن يَ ْ ِ‬
‫واملكتسبني َ‬
‫املال الحالل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ ،]20‬حيث َس ّوى الل ُه تعاىل بني درجة املجاهدين‬

‫ج‪ .‬القتال فرع محدود من الجهاد‬ ‫ ‬


‫إن اإلذن بالقتال قد ورد يف القرآن الكريم تحت عنوان الدفاع‪ .‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬إِ َّن اللَّ َه‬ ‫ ‬
‫يُ َدا ِف ُع َعنِ ال َِّذي َن آ َم ُنوا إِ َّن اللَّ َه لَ يُ ِح ُّب ك َُّل َخ َّوانٍ كَفُورٍ(‪ )38‬أُ ِذ َن لِل َِّذي َن يُقَاتَلُو َن ِبأَنَّ ُه ْم ظُلِ ُموا‬
‫َص ِه ْم لَق َِدي ٌر﴾ [الحج‪]38-39 :‬‬ ‫َوإِ َّن اللَّ َه َع َل ن ْ ِ‬
‫ويرى الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور أن آية «أ ِذن للذين يقاتَلون بأنهم ظلِموا‪»..‬‬ ‫ ‬
‫جاءت يف مقام لغوي يدل عىل أن القتال املأذون به واحد من أوجه دفاع املسلمني عن أنفسهم‬
‫يف حال وقوع العدوان عليهم‪.‬‬
‫يؤكد هذا املعنى قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وقَاتِلُوا ِف َسبِيلِ اللَّ ِه ال َِّذي َن يُقَاتِلُونَ ُك ْم َولَ تَ ْعتَ ُدوا إِ َّن اللَّ َه َل‬
‫يُ ِح ُّب الْ ُم ْعتَ ِدي َن ﴾ [البقرة‪ .]190 :‬وهي آية تفيد أيضا أن القتال املرشوع هو الذي يكون ضد‬
‫َمن يبارش العدوان عىل املسلمني‪ ،‬فتجب مقاتلته دون سواه ممن مل يرفع سالحا ضدهم‪ .‬وقد‬
‫يجل الطابع اإلنساين ألخالق الحرب يف‬ ‫تضمنت اآلية تحريم العدوان بنهي رصيح يف آخرها‪ ،‬مبا ّ‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫لكن ما الذي س ّوغ لبعض املسلمني مخالفة هذا الفهم الرشيد والقول مبا يسمى «جهاد‬ ‫ ‬
‫الطلب» الذي استباحوا به سفك الدماء املعصومة تحت عنوان مقدس؟‬

‫‪19‬‬
‫د‪ .‬مراجع استدالل‬ ‫ ‬
‫إن الجواب عن هذا السؤال يقتيض مراجعة الرسدية التأويلية ملا سمي بـ «آية السيف»‬ ‫ ‬
‫املتمسكة بنصوص القرآن والسنة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يف ضوء املرجعية اإلسالمية‬
‫إن هذه النصوص تتضمن مراجع استدالل أساسية تساعد عىل مقاربة سليمة ملوضوع الجهاد‬ ‫ ‬
‫يف بُعده القتايل‪ .‬وهي مراجع اجتهدنا أن نجملها يف عرشة عنارص هي التالية‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ اتصاف رسالة اإلسالم بالرحمة‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬أَ ْم ًرا ِم ْن ِع ْن ِدنَا إِنَّا كُ َّنا ُم ْر ِسلِ َني (‪َ )5‬ر ْح َم ًة‬
‫ِم ْن َربِّ َك إِنَّ ُه ُه َو َّ‬
‫الس ِمي ُع الْ َعلِي ُم ﴾ [الدخان‪.]6-5:‬‬
‫‪ 2‬ـ إثبات كرامة اإلنسان‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ َق ْد كَ َّر ْم َنا بَ ِني آ َد َم﴾ [اإلرساء‪]70 :‬‬
‫اس َج ِمي ًعا﴾‬ ‫‪ 3‬ـ قدسية الحق يف الحياة‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َم ْن أَ ْح َيا َها فَ َكأَنَّ َا أَ ْح َيا ال َّن َ‬
‫[املائدة‪.]32 :‬‬
‫‪ 4‬ـ منع اإلكراه‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ل إِكْ َرا َه ِف الدِّينِ ﴾ [البقرة‪.]256 :‬‬
‫‪ 5‬ـ احرتام حرية اإلنسان‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬فَ َم ْن شَ ا َء فَلْ ُي ْؤ ِم ْن َو َم ْن شَ ا َء فَلْ َي ْكفُر﴾ [الكهف‪:‬‬
‫‪.]29‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ 6‬ـ أصالة التعدد داخل األمة‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬فَ ِم ْن ُه ْم ظَال ٌم ل َنف ِْسه َوم ْن ُه ْم ُم ْقتَ ِص ٌد َوم ْن ُه ْم‬
‫ات ﴾ [فاطر‪.]32:‬‬ ‫َساب ٌِق بِالْ َخ ْ َي ِ‬
‫ِ‬
‫‪ 7‬ـ الحق يف االختالف بني البرش‪ ،‬قال تعاىل‪َ ...﴿ :‬ولَ يَ َزالُو َن ُم ْختَلِ ِف َني (‪ )118‬إِ َّل َم ْن َرح َم‬
‫َربُّ َك َولِ َذلِ َك َخلَ َق ُه ْم﴾ [هود‪.]119 ،118 :‬‬
‫‪ 8‬ـ النهي عن االحرتاب البيني قال عليه السالم‪« :‬ال ترجعوا بعدي كفارا يرضب بعضكم رقاب‬
‫بعض»‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ تأسيس العالقات اإلنسانية عىل التعارف‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َج َعلْ َناكُ ْم شُ ُعوبًا َوقَ َبائ َلِ‬
‫لِتَ َعا َرفُوا﴾ [الحجرات‪.]13:‬‬
‫لسل ِْم فَا ْج َن ْح لَ َها ﴾‬‫‪ 10‬ـ واجب الجنوح إىل السلم‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وإِ ْن َج َن ُحوا لِ َّ‬
‫[األنفال‪.]61:‬‬
‫هـ ‪ .‬نقد تأويلية ما يسمي «آية السيف»‬ ‫ ‬
‫تبي معنى الجهاد الصحيح‪ ،‬فإن فريقا من‬ ‫ورغم هذه املراجع والنصوص املحكمة التي ّ‬ ‫ ‬
‫املفرسين والفقهاء قد جنحوا منذ القديم إىل تأويل خاطئ إلحدى آيات القرآن الكريم‪ ،‬وانحرفوا‬
‫مبفهوم الجهاد عن حقيقته ومقاصده‪.‬‬
‫يتعلق األمر باآلية الخامسة من سورة التوبة التي ورد فيها قوله تعاىل‪ ﴿ :‬فَ ِإذَا ان َْسلَ َخ‬ ‫ ‬
‫صو ُه ْم َواقْ ُع ُدوا لَ ُه ْم ك َُّل َم ْر َصدٍ‬ ‫ِ‬
‫شك َني َح ْيثُ َو َجدْتُ ُو ُه ْم َو ُخذُو ُه ْم َوا ْح ُ ُ‬ ‫َ‬
‫الْ شْ ُه ُر الْ ُح ُر ُم فَاقْتُلُوا الْ ُم ْ ِ‬
‫ِ‬ ‫فَ ِإ ْن ت َابُوا َوأَقَا ُموا َّ‬
‫الص َل َة َوآتَ ُوا ال َّزكَا َة فَ َخلُّوا َسبِيلَ ُه ْم إِ َّن اللَّ َه َغفُو ٌر َرحي ٌم﴾ [التوبة‪.]5:‬‬
‫لقد درجت بعض كتب الفقه والتفسري عىل تسمية هذه اآلية بـ «آية السيف» إبرازا ملا‬ ‫ ‬
‫وخصوها مبنزلة عليا يف تحديد معنى بقية آيات‬ ‫ٍ‬ ‫تضمنته من رصامة حربية يف مواجهة املرشكني‪ّ .‬‬
‫القرآن‪ ،‬فا ّدعوا أنها ناسخة ملا يفوق املائة آية مام نزل قبلها من آيات الجهاد‪ .‬وهذا ادعاء ال يقوم‬

‫‪20‬‬
‫عليه دليل قاطع من قرآن أو سنة‪ .‬إمنا استند القائلون بالنسخ املزعوم إىل مجرد تأخر نزول اآلية‬
‫زمنيا‪ ،‬وإىل رواية مقدوح فيها عن الصحايب ابن عباس ريض الله عنهام وعن بعض التابعني‪ ،‬منهم‬
‫قتادة‪ .‬والحال أن قول الصحايب ال يجوز أن يكون دليال عىل النسخ أبدا‪ ،‬ناهيك عن قول التابعي‪.‬‬
‫فاآلية املوالية يف الرتتيب‪ ،‬أي السادسة من سورة التوبة‪ ،‬تُف ِّند هذا املنحى التأوييل‬ ‫ ‬
‫شكِ َني ْاستَ َجا َر َك فَأَ ِج ْر ُه َحتَّى يَ ْس َم َع ك ََل َم‬
‫السقيم من أساسه‪ ،‬إذ جاء فيها‪َ ﴿ :‬وإِ ْن أَ َح ٌد ِم َن الْ ُم ْ ِ‬
‫اللَّ ِه ث ُ َّم أَبْلِ ْغ ُه َمأْ َم َن ُه َذلِ َك ِبأَنَّ ُه ْم قَ ْو ٌم لَ يَ ْعلَ ُمو َن﴾ [التوبة‪ ،]6:‬مبا يفيد أنه ال معنى لوجوب‬
‫مواجهة املرشكني بالقتل عىل اإلطالق‪ ،‬وإال ملا جازت الدعوة إىل إيواء املرشك وحاميته‪.‬‬
‫هذا ما يؤكد أن كل آيات الجهاد الواردة يف القرآن الكريم محكمة غري منسوخة‪ ،‬وأن‬ ‫ ‬
‫كل آية ينبغي أن ت ُف َهم يف سياقها املخصوص‪.‬‬
‫إن الجهاد يف وجهه القتايل إمنا هو مبدأ دفاعي رشعه اإلسالم حامية لكيان املجتمع‬ ‫ ‬
‫وأمنه‪ ،‬وجعله محكوما برشوط وأحكام منها أن يكون تحت راية الدولة‪ ،‬حتى ال يكون سببا يف‬
‫التنازع واالحرتاب البيني أو العدوان عىل الغري‪ .‬وبهذا املعنى تكون وزارة الدفاع يف أي دولة‬
‫مسلمة هي املخولة الوحيدة إلدارة الشأن الجهادي دون سواها‪.‬‬

‫‪21‬‬
22
‫خاتـمة‬
‫• َحر ِْصنا يف هذا الوجيز التوجيهي أن نقدم بصورة مركزة وواضحة ما يحتاجه الفاعل‬ ‫ ‬
‫الديني واإلمام الخطيب من معارف ورؤية وفهم فيام يتناوله من قضايا اإلميان والقيم واألحكام‬
‫التي تواجه حياة املسلم يف عالقته بالله وبذاته واملجتمع والكون‪.‬‬

‫• تزداد أهمية هذا الوجيز بهذا الوضوح كلام أردنا أن ننتج خطابا دينيا رشيدا يجمع‬ ‫ ‬
‫بني الوفاء ملرجعيات الدين الخالص والقدرة عىل مخاطبة الناس مبقتضيات العرص وقيمه‬
‫وقضاياه مع ما يستلزم من حكمة وسداد مبا يؤدي إىل إذكاء نور اإلميان وطأمنينة اليقني لدحض‬
‫ولعل من أه ّم هذه القضايا‬
‫مقوالت الغلو والتشدد التي تسببت يف شتى رضوب العنف والدمار‪ّ .‬‬
‫قض ّية الجهاد التي فُهِمت لدى البعض اعتدا ًء غري م َّرب ٍر رشعا وقانونا عىل الناس‪.‬‬

‫• ت َ َركَّز االهتامم يف هذا الوجيز بأقسامه عىل تلك الخصوصات الرضورية ألي خطاب‬ ‫ ‬
‫ديني بديل مقنع ومعارص‪ .‬لذلك كان البدء باملفاهيم املفتاحية املؤسسة األربعة (الدين –‬
‫حي يف روحيته‬‫التدين‪ -‬األمة – اآلخر املختلف) ألنها األقدر عىل صياغة رؤية ناظمة لخطاب ّ‬
‫وفكره وفعله‪ .‬يف مستوى ثان جاء االهتامم بالدالالت القرآنية والتصورات التأسيسية الداعمة‬
‫لتلك املفاهيم (السامحة – الرحمة – التكفري) والتي تنسج مع تلك املفاهيم رؤية متكاملة‬
‫ومتسقة‪ .‬يف مستوى ثالث كان الوجيز التوجيهي معتنيا بأهم عنرص يف رسالة اإلسالم وهي املهمة‬
‫الحضارية للمسلم مبا يصنعه من َتُّ ُدنٍ هو َمقص ُد الدين وعام ُد نهوض املسلمني‪.‬‬

‫• مل نورد يف هذا الوجيز التوجيهي الجوانب العلمية التي يقتضيها بناء الخطبة بصورة‬ ‫ ‬
‫منتظمة ومركزة وهادفة وتركناها للدليل التوجيهي املفصل يف اعتنائه مبا يقي اإلمام من عيوب‬
‫االرتجال والتكرار واإلطناب‪ .‬كذلك تجنبنا تكثيف مادة هذا الوجيز باإلحاالت واملراجع باستثناء‬
‫اإلحاالت الخاصة باآليات القرآنية التي أثبتناها يف الوجيز؛ فعىل الراغب يف التعرف عىل هذه‬
‫املعطيات التوثيقية العودة إىل الدليل التوجيهي يف صيغته املفصلة‪.‬‬

‫• ثقتنا يف الختام أن هذا الوجيز مع ما وفره مرشوع « اليد يف اليد» من نصوص داعمة‬ ‫ ‬
‫متمثلة يف دليل توجيهي مفصل ودليل تدريبي عميل تك ّون يف مجموعها زادا متكامال لثقافة‬
‫الفاعل الديني يرثي به خربته الرتبوية ويسدد معارفه الرشعية ورؤيته الحضارية ويركّز موقعه‬
‫املجتمعي الذي ينبغي أن يستعيده بجدارة لصالح كل من يتجه إليهم من أفراد وعائالت‬
‫ومجتمع وإنسانية شاملة‪.‬‬

‫‪23‬‬
24

You might also like