You are on page 1of 2

‫والمقصود بالتربية األخالقيَّة العمل على غرس قيم الخير‬ ‫والحقيقة أن للتربية جوانب عديدة‪ ،‬واإلسالم لم يقتصر فيها

،‬واإلسالم لم يقتصر فيها على‬


‫في نفس الطفل‪ ،‬كالصدق واألمانة وب ِّر الوالدين والشجاعة‪،‬‬ ‫جوانب العبادة واألخالق‪ ،‬بل امت َّد ليشمل الجانب العقلي‬
‫ومن أه ِّم جوانب التربية األخالقيَّة العمل على تخليته من‬ ‫واالجتماعي والبدني‪ ،‬فهدف اإلسالم أن يخرج طفالً سويًًّا ينمو‬
‫األخالق البذيئة‪ ،‬كالكذب والجبن وما إلى ذلك‪.‬‬ ‫عقله مع جسده‪ ،‬وتنمو كذلك أخالقه مع عَالقاته االجتماعيَّة‪،‬‬
‫ومن هذه التربية ما يلي‪:‬‬

‫أعطى اإلسالم للعقل عناية خاصَّة‪ ،‬فاإلسالم يُ َشجِّع الطاقات‬


‫العقليَّة ويحترمها‪ ،‬وألقى اإلسالم على عاتق األبوين تربية‬ ‫وتكون هذه التربية بتوجيه عواطف الطفل ومشاعره نحو حُبِّ‬
‫عقل الطفل‪ ،‬فليس المقصود من التربية كما يفهم الكثيرون‬ ‫هللا وحُبِّ رسوله صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وكذلك نزرع في قلوبهم‬
‫الطعام والكساء‪ ،‬بل ال بُ َّد من غذاء عقلي للطفل لينمو عقله‬ ‫الخوف من هللا؛ ألن الحُبَّ يؤدِّي إلى طاعة هللا‪ ،‬والخوف يؤدِّي‬
‫ويستطيع أن يساير الحياة‪ ،‬وحتى ننهض بالعقل ال بُ َّد من‬ ‫إلى البُ ْع ِد عن المعاصي والذنوب‪ ،‬ونح َّدثه عن الجنة والنار‪،‬‬
‫اغترافه من َم ِعين الثقافة والعلم‪ ،‬والتركيز على القرآن‬ ‫فغالبًا ما يستهوي األوالد هذه الحكايات‪ ،‬ونخبرهم أن محبَّتنا هلل‬
‫تنشأ من احتياجنا إليه نحن وآبائنا‪ ،‬فكل شيء بيده سبحانه‬
‫الكريم وسيرة النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وباإلضافة إلى‬
‫وتعالى‪ ،‬وهذا ما يدفعنا أيضًا نحو شكره على نعمه‪ .‬ويعمل‬
‫هذه العلوم ال بُ َّد من االطالع على الكتب العا َّمة والمعارف‬ ‫المربِّي على غرس اإليمان الحقيقي في نفوس األطفال الذي هو‬
‫األخرى‪ ،‬وعلى األبوين كذلك اختيار األصدقاء المتميِّزين‬ ‫سبب سعادتهم في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ونأخذ بيد الطفل إلى العبادة‬
‫بثقافتهم اإلسالميَّة‪.‬‬ ‫بالتدريج‪ ،‬والنبي صلى هللا عليه وسلم أمرنا أن نُ َع ِّو َد الطفل على‬
‫الصالة وهو في السابعة من عمره‪ ،‬ونضربه على التخلُّف عنها‬
‫في العاشرة‪.‬‬

‫ويقصد بالتربية االجتماعيَّة تربية الطفل على آداب‬


‫اجتماعية فاضلة‪ ،‬وهي المنبثقة من العقيدة اإلسالميَّة‪،‬‬
‫كالنظام وحسن التعامل والتص ُّرف الحكيم‪ ،‬وتقوم التربية‬ ‫المقصود بالتربية البدنيَّة هي االعتناء بالجسم؛ وذلك ليكون‬
‫ضا على التربية اإليمانيَّة واألخالقيَّة والعقليَّة‪،‬‬
‫االجتماعيَّة أي ً‬ ‫سلي ًما‪ ،‬فباإلضافة إلى االهتمام بالعضالت وبالحواس‪ ،‬يجب‬
‫وذلك ليستطيع التفاعل في المجتمع والتأثير فيه‪ ،‬وتقع هذه‬ ‫االهتمام بالطاقة الحيوية المنبثقة من الجسم والمتمثِّلة في مشاعر‬
‫المسئوليَّة أ َّوالً على األسرة‪.‬‬ ‫النفس‪ ،‬وطاقة الدوافع الفطرية والنزعات واالنفعاالت‪ ،‬حيث‬
‫يراعي اإلسالم أمرين ها َّمين‪:‬‬
‫وباكتمال هذه الجوانب يصبح لدينا طفل قوي العبادة‪،‬‬
‫مراعاة الجسم من حيث هو جسم يحتاج إلى الغذاء الجيِّد‬
‫صحيح العقيدة‪ ،‬متين الخلق‪ ،‬مثقَّف الفكر‪ ،‬يستطيع أن يخدم‬
‫والمسكن الص ِّح ِّي‪ ،‬والراحة والنوم الجيِّد والحصانة من‬
‫دينه وأُ َّمتَه‪ ،‬وأن يكون لَبِنَة صالحة في المجتمع‪.‬‬ ‫األمراض‪.‬‬

‫وتوفير الطاقة الحيويَّة الالزمة لتحقيق أهداف الحياة‪ ،‬وهي‬


‫أهداف تشمل كيان اإلنسان كله‪.‬‬
‫‪55‬‬ ‫‪4‬‬
‫وهي من أه ِّم األسس التي تقوم عليها عملية التربية‪،‬‬ ‫وصفات المربي هي عامل أساسي في عملية التربية‬ ‫التربية هي عملية بناء وإصالح ورعاية حتى التمام‪ ،‬ولكي‬
‫والنمو النفسي‬
‫ِّ‬ ‫فالرحمة من أسس النشأة القويمة‬ ‫إلحداث التأثُّر‪ ،‬فالكالم الذي ال يتبعه عمل كالرُّ وح بال‬ ‫نضمن إخراج طفل سويٍّ ال بُ َّد من تربيته وتنشئته على‬
‫واالجتماعي لدى األطفال‪ ،‬وبافتقادهم لهذه الصفة تحدث‬ ‫جسد‪ ،‬وال بُ َّد لهذه الصفات من توافرها في األبوين وكذلك‬ ‫اإلسالم‪ ،‬فالنظرة التربوية اإلسالمية تهتم بكل مجاالت‬
‫فجوة كبيرة بين األطفال والمجتمع الذي فيه يعيشون‪ ،‬ولن‬ ‫القائ ِمينَ بأعمال التربية‪ ،‬ومن هذه الصفات‪:‬‬ ‫الحياة الصحيَّة والنفسيَّة واألخالقيَّة واالجتماعيَّة وما إلى‬
‫يكون لهم طريق إال االنحراف والعنف‪ ،‬وكان النبي صلى‬ ‫ذلك‪.‬‬
‫هللا عليه وسلم قدوةً في ذلك فكان رحي ًما باألطفال‪ ،‬وانتقد‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم الرجل الذي قال له إن لي عشرة‬ ‫ق اآلباء‪ ،‬وهي مسئولية وأمانة ال‬ ‫والتربية فريضة في ح ِّ‬
‫ت واحدًا منهم‪ ،‬فقال النبي صلى هللا عليه‬ ‫من األبناء ما قب َّْل ُ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ولنا في النبي صلى هللا عليه وسلم أسوة وقدوة‪ ،‬ولقد خدم‬ ‫يجوز التخلِّي عنها‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬إِنَّا ع ََرضْ نَا األ َمانَةَ َعلَى‬
‫وسلم‪َ " :‬و َما أملك َوقَ ْد نَ َز َع هللاُ الرَّحْ َمةَ ِم ْن قَلبِكَ ‪".‬‬ ‫ض َو ْال ِجبَا ِل فَأَبَ ْينَ أَ ْن يَحْ ِم ْلنَهَا َوأَ ْشفَ ْقنَ ِم ْنهَا‬
‫سيدنا أنس بن مالك النبي صلى هللا عليه وسلم عشر سنين‬ ‫ت َواألَرْ ِ‬ ‫ال َّس َما َوا ِ‬
‫فما قال لشيء فعله لِ َم فعلته‪ ،‬وال لشيء تركه لِ َم تركته‪،‬‬ ‫ً‬
‫اإلن َسانُ إِنهُ َكانَ ظلو ًما َجهُوال}األحزاب‪72 :‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َو َح َملَهَا ِ‬
‫وكان النبي صلى هللا عليه وسلم حلي ًما في تعليم األطفال‪،‬‬
‫ت ُغالَ ًما فِي َحجْ ِر َرسُو ِل‬ ‫وروى عمرو بن سلمة قال‪ُ " :‬ك ْن ُ‬ ‫وهي تقوم على ع َّدة عناصر هي‪ :‬المربِّي والمربَّى‬
‫من صفات المربِّي الناجح االعتدال والوسطية‪ ،‬فالغل ُّو‬ ‫َت يَ ِدي تَ ِطيشُ فِي الصَّحْ فَ ِة‪،‬‬ ‫هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َو َكان ْ‬
‫صلَّى َّ‬ ‫َّ‬ ‫والمنهج‪ ،‬وحتى تؤتي التربية ثمارها ال بُ َّد من توافر‬
‫هللاِ َ‬
‫والتشديد ليس له مكان في ديننا‪ ،‬وغالبًا ما ينفر األوالد من‬ ‫هللاُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ‪:‬يَا ُغالَ ُم‪َ ،‬س ِّم َّ‬
‫صلَّى َّ‬ ‫ال لِي َرسُو ُل َّ‬ ‫صفات في القائم بعملية التربية‪ ،‬وإال لن يرى أثرًا لجهده‬
‫هللاَ‪،‬‬ ‫هللاِ َ‬ ‫فَقَ َ‬
‫طابع المربِّي الذي يجنح إلى الش َّدة والغلظة‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫وعمله‪ ،‬فغالبًا ينشأ الولد على غرار أبيه‪ ،‬يقول الشاعر‪:‬‬
‫َ‬
‫ك‪َ ،‬وكلْ ِم َّما يَلِيكَ‪ .‬فَ َما زَ الت تِل َ‬
‫ك ِط ْع َمتِي بَ ْع ُد‪".‬‬ ‫َو ُكلْ بِيَ ِمينِ َ‬

‫وال بُ َّد للقائم على عمليَّة التربية البعد عن الغضب لما له‬ ‫وينشأ ناشئ الفتيان منَّا *** على ما كان عوَّده أبوه‬
‫من آثار سلبيَّة على نفسيَّة الطفل‪ ،‬وهذه من وصيَّة النبي‬
‫وقد كان النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وهو الذي ال يَ َملُّ من‬ ‫صلى هللا عليه وسلم عندما سأله رجل أن يوصه‪ ،‬فقال له ‪:‬‬ ‫وما دان الفتى بحج ولكن *** يعـوده التدين أقربوه‬
‫كالمه أحد ‪ -‬يتخوَّل أصحابه بالموعظة مخافة الملل‪،‬‬ ‫"ال تَ ْغ َ‬
‫ضبْ "وكرَّر عليه ذلك مرارً ا‪.‬‬
‫وليس المقصود من عملية التربية الكالم إنما الهدف هو‬ ‫فال بُ َّد أن يشعر ِكال األبوين أنهما مسئوالن عن أطفالهما‪،‬‬
‫الفعل‪.‬‬ ‫وهما محاسبان على التقصير في تربيتهما‪ ،‬وعن هذه‬
‫المسئولية يقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪ُ " :‬كلُّ ُك ْم َر ٍ‬
‫اع‬
‫وهاتان الصفتان أساسيَّتان في عملية التربية؛ فالطفل‬ ‫اع َوه َُو َم ْسئُو ٌل ع َْن َر ِعيَّتِ ِه‪،‬‬ ‫َو َم ْسئُو ٌل ع َْن َر ِعيَّتِ ِه‪ ،‬فَ ِ‬
‫اإل َما ُم َر ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫اع َوه َُو َم ْسئو ٌل ع َْن َر ِعيَّتِ ِه‪َ ،‬وال َمرْ أة فِي‬ ‫َوال َّر ُج ُل فِي أَ ْهلِ ِه َر ٍ‬
‫الصغير يحتاج إلى الرفق أكثر من الش َّدة‪ ،‬وقد قال الرسول‬
‫والقدوة الحسنة لها دور كبير في تنشئة األوالد‪ ،‬فغالبًا ما‬ ‫ق ي ُِحبُّ ال ِّر ْفقَ‪َ ،‬ويُ ْع ِطي‬ ‫صلى هللا عليه وسلم‪" :‬إِ َّن َّ‬
‫هللاَ َرفِي ٌ‬ ‫ت زَ وْ ِجهَا َرا ِعيَةٌ َو ِه َي َم ْسئُولَةٌ ع َْن َر ِعيَّتِهَا‪َ ،‬و ْال َخا ِد ُم فِي‬ ‫بَ ْي ِ‬
‫يجنح األوالد إلى التقليد‪ ،‬فالقدوة هنا لها دور كبير في‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫اع َوهُ َو َم ْسئو ٌل عَن َر ِعيَّتِ ِه "‬ ‫َما ِل َسيِّ ِد ِه َر ٍ‬
‫ف‪َ ،‬و َما الَ يُ ْع ِطي َعلَى َما‬ ‫ْطي َعلَى ال ُع ْن ِ‬ ‫َعلَى ال ِّر ْف ِ‬
‫ق َما الَ يُع ِ‬
‫عملية التنشئة‪ ،‬وقد امتدح هللا عز وجل األبوين الصال َحي ِْن‬ ‫ِس َواهُ‪".‬‬
‫و َحفَظَ المال ألبنائهما بصالحهما فقال تعالى‪َ { :‬وأَ َّما‬ ‫وقد أمرنا هللا أن نحمي أنفسنا وأبنائنا من النار يوم القيامة‪،‬‬
‫ْال ِجدَا ُر فَ َكانَ لِ ُغالَ َم ْي ِن يَتِي َم ْي ِن فِي ْال َم ِدينَ ِة َو َكانَ تَحْ تَهُ َك ْن ٌز‬ ‫فقال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آَ َمنُوا قُوا أَ ْنفُ َس ُك ْم َوأَ ْهلِي ُك ْم نَارًا‬
‫ك أَ ْن يَ ْبلُغَا أَ ُش َّدهُ َما‬
‫صالِحً ا فَأَ َرا َد َربُّ َ‬ ‫لَهُ َما َو َكانَ أَبُوهُ َما َ‬ ‫َوقُو ُدهَا النَّاسُ َو ْال ِح َجا َرةُ } التحريم‪6 :‬‬
‫ك } الكهف‪82 :‬‬ ‫َويَ ْست َْخ ِر َجا َك ْنزَ هُ َما َرحْ َمةً ِم ْن َربِّ َ‬

‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

You might also like