You are on page 1of 377

‫قسم اإلرشاد النفسي‬

‫محاـضرـات في اإلرشاد النفسي الديني‬

‫إعداد المحاضر ‪:‬أنور البرعاوي‬


‫تقديم وتعريف‪:‬‬ ‫•‬
‫التوجيه أو اإلرشاد النفسي عملية تتضمن مجموعة من الخدمات التي‬ ‫•‬
‫تق ّدم لألفراد لمساعدتهم على فهم أنفسهم‪ ،‬وإدراك مشكالتهم‪،‬‬
‫واإلنتفاع بقدراتهم في التغلب على هذه المشكالت وفي تحقيق أقصى‬
‫ما يستطيعون الوصول إليه من نمو وتكامل في شخصياتهم‪.‬‬
‫وهذه العملية بهذا الوصف الذي يجمع بين معظم التعريفات الواردة‬ ‫•‬
‫عن اإلرشاد كمصطلح حديث عملية ليست جديدة‪ ،‬وليست سهلة ‪.‬‬
‫فجدتها ألننا نعتقد أن المنهج الرباني المتمثل باإلسالم – بصفته دينا ً‬ ‫•‬
‫شامالً – قد تضمن عملية اإلرشاد والتوجيه بأصلها وفرعها‪ ،‬فالقرآن‬
‫كتاب هداية وإرشاد‪ ،‬والسنة والسيرة تفصيل وتطبيق لذلك‪.‬‬
‫وأما عدم سهولتها فألن عملية اإلرشاد المذكورة تحتاج إلى علم‬ ‫•‬
‫وقدرة ومهارة في آن واحد‪.‬‬
‫تعريف اإلرشاد النفسيـ الدينيـ‬
‫• يعرف اإلرشاد النفسي الروحي (الديني) بأنه مجموعة من الخدمات‬
‫التخصصية التي يقدمها اختصاصيون في علم النفس اإلرشادي‬
‫ألشخاص يعانون من سوء توافق نفسي أو شخصي أو اجتماعي‬
‫(‪ .)Corey, 2005‬و يهدف إلى مساعدتهم على تجنب الوقوع في مشكالت أو‬
‫محن نفسية أو اجتماعية أو أسرية‪ ،‬وتقليل آثارها إذا وقعت‪،‬‬
‫وتزويدهم بالمعارف الدينية والعلمية والمهارات الفنية لتحسين‬
‫توافقهم النفسي مع هذه الظروف استرشاداً بالعبادات والقيم الدينية ‪،‬‬
‫مثل ‪ :‬التقوى‪ ،‬والتوكل ‪ ،‬والصبر ‪ ،‬واإليمان ‪ ،‬والدعاء ‪ ،‬هذا من‬
‫ناحية ‪ ،‬ومن ناحية أخرى استغالل فنيات وأساليب و نظريات اإلرشاد‬
‫النفسي بأنواعها كوسائل معينة لمساعدة المسترشد على تحقيق النمو‬
‫الذاتي وتحمل المسئولية االجتماعية وتحقيق أهدافه المشروعة من‬
‫الناحية الدينية في نطاق قدراته وإمكاناته (السهل‪.)2001 ,‬‬
‫• مفهوم االرشاد النفسى الدينى من منظور إسالمي‪:‬‬
‫اإلرشاد النفسي الديني عند (صبحي‪ )1988 ,‬هو أحد‬
‫المساعدات اإلرشادية التي تستخدم كأداة للتغلب على‬
‫العقبات التي تقف في سبيل التوافق النفسي‪ ،‬و تحقيق‬
‫الحاجات النفسية والفسيولوجية لدى األفراد بصفة‬
‫عامة‪ ،‬والشباب بصفة خاصة‪ ,‬وذلك عن طريق اإلفادة‬
‫من محتوى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة كأحد‬
‫المساهمات في تصحيح األفكار والتصورات الخاطئة‪.‬‬
‫• وقد أُشير أيضا ً بأن اإلرشاد والعالج النفسي الديني هو أسلوب توجيه‬
‫و استبصار يعتمد على معرفة الفرد لنفسه‪ ،‬ولربه‪ ،‬ولدينه‪ ،‬وللقيم‬
‫والمبادئ الروحية و الخلقية‪ ،‬وهذه المعرفة غير الدنيوية المتعددة‬
‫الجوانب واألركان تعتبر مشعالً يوجه الفرد في دنياه‪ ،‬ويزيده‬
‫استبصاراً بنفسه‪ ،‬وبأعماله‪ ،‬وطرائق توافقه في حاضره ومستقبله‪.‬‬
‫وقد أشار هذا التعريف إلى عمليتي التوافق واالستبصار كهدفين‬
‫مهمين لإلرشاد والعالج النفسي الديني (فهمي‪.)1987 ,‬‬
‫عرف (زهران‪ )1999 ,‬اإلرشاد والعالج النفس الديني بأنه‬ ‫• و لقد ّ‬
‫أسلوب توجيه وإرشاد وتربية وتعليم‪ ،‬يقوم على معرفة الفرد لنفسه‬
‫ولدينه ولربه والقيم الروحية واألخالقية‪ .‬وأنه عـالج نفسي تدعيمي‪،‬‬
‫يوفـر نوعا ً من اإلرشاد الدعوي‪.‬‬
‫• وعرّ ف أيضا ً (مرسي و محمد) اإلرشاد والعالج النفسي الديني‬
‫اإلسالمي بأنه عمليات تعلم وتعليم نفسي اجتماعي‪ ,‬تتم في‬
‫مواجهة بين شخص متخصص في علم النفس اإلرشادي (مرشد)‪,‬‬
‫وشخص أخر‪ M‬يقع عليه التوجيه واإلرشاد (المسترشد)‪ ،‬و يستخدم‬
‫فيه فنيات وتقنيات وأساليب فنية ومهنية‪ ،‬ويهدف إلى مساعدة‬
‫المسترشد على حل مشكالته ومواجهتها بأساليب توافقية مباشرة‪،‬‬
‫وإعانته على فهم نفسه‪ ،‬ومعر‪M‬فة قدراته وميوله وتشجيعه على‬
‫الرضا بما قسم هللا له‪ ،‬وتدريبه على اتخاذ قر‪M‬اراته بهدي من‬
‫شرع هللا حتى ينشأ عنده طلب الحالل بإرادته‪ ،‬وترك الحرام‬
‫بإرادته‪ ,‬ويضع لنفسه أهدافا ً واقعية مشر‪M‬وعة‪ ،‬ويفيد من قدر‪M‬ته‬
‫بأقصى وسعها في عمل ما ينفعه وينفع اآلخرين‪ ،‬ويجد تحقيق‬
‫ذاته من فعل ما ير‪M‬ضي هللا فينعم بالسعادة في الدنيا واآلخر‪M‬ة‪.‬‬
‫عرف (إبراهيم‪ )1980 ,‬اإلرشاد والعالج النفسي الديني بأنه‬ ‫• و كذلك ّ‬
‫عملية توجيه وإرشاد وعالج وتربية وتعليم تتضمن تصحيح وتغيير‬
‫تعلم سابق خطأ‪ ،‬وهو إرشاد تدعيمي يقوم على استخدام القيم‬
‫والمفاهيم الدينية والخلقية‪ ،‬ويتناول فيه المرشد مع المسترشد‬
‫موضوع االعتراف والتوبة واالستبصار‪ ،‬وتعلم مهارات وقيم جديدة‬
‫تعمل على وقاية وعالج الفرد من االضطرابات السلوكية والنفسية‪.‬‬
‫• و حول هذا التعريف يرى (رجب‪ )2009 ,‬أن هذا التعريف يتضمن‬
‫عدداً من النقاط المهمة‪ ،‬فقد أشار التعريف إلى تصحيح وتغيير التع ّلم‬
‫السابق الخاطئ واستبداله بالتع ّلم الصحيح وهو مبدأ مهم من مبادئ‬
‫النظرية السلوكية والعالج المعرفي السلوكي‪ ،‬كما أشار التعريف إلى‬
‫العالج التدعيمي كأحد االتجاهات العالجية الحديثة‪ ،‬فضالً عن إشارة‬
‫التعريف إلى االستبصار والوقاية كنقاط مهمة مميزة لإلرشاد والعالج‬
‫النفسي الديني‪ ،‬فاإلرشاد وقاية‪ ،‬والعالج يهدف إلى االستبصار‪.‬‬
‫وبهذا المعنى يكون هذا التعريف قد أضاف وصفا ً لعملية اإلرشاد‬
‫النفسي الديني من حيث ‪ :‬كيف تتم ؟ وأهميتها في وقاية الفرد من‬
‫االضطرابات السلوكية والنفسية‪.‬‬
‫عرف (خضر‪ )2000 ,‬اإلرشاد النفسي الديني بأنه محاولة‬ ‫• وقد ّ‬
‫مساعدة الفرد الستخدام المعطيات الدينية للوصول إلى حالة‬
‫من التوافق تسمح له بالقدرة على ضبط انفعاالته إلى الحد‬
‫الذي يساعده على النجاح في الحياة‪.‬‬
‫• و في تعريف آخر ترى (ياركندي‪ )2003 ,‬أن اإلرشاد النفسي‬
‫الديني هو استخدام مبادئ وأحكام الدين في توجيه سلوك‬
‫األفراد بحيث يتفق مع هذه المبادئ واألحكام‪.‬‬
‫عرف (األحمد‪ )1999 ,‬اإلرشاد النفسي الديني بأنه‬ ‫• بينما ّ‬
‫مجموعة من األساليب والمعارف والخدمات يقدمها أخصائيون‬
‫في اإلرشاد معتمدين على القرآن والسنة‪ ,‬بهدف تحقيق الصحة‬
‫النفسية‪.‬‬
‫• ويع ّرـف أيضا ً (الحبيب‪ )2005 ,‬اإلرشاد النفسي الديني‬
‫بأنه طريقة من الطرق اإلرـشادية التي تستخدم فنيات‬
‫الدين وقيمه ومفاهيمه في إصالح عيوب النفس‬
‫وإرجاعها إلى فطرـتها السليمة التي فطرها هللا عليها‪.‬‬
‫• و في تعريف آخر يرى (المهدي) أن اإلرشاد النفسي‬
‫الديني هو إرـشاد روحي بمعناه الغيبي غير المحسوس‬
‫باإلضافة إلى االهتمام الملحوظ بالعالج النفسي الذي‬
‫أخضع للدراسة على صعيد العلم و التجربة أحياناً‪،‬‬
‫وبذلك يجمع بين األخذ باألسباب واللجوء إلى خالقها‪.‬‬
‫كل هذه التعريفات عرضت لإلرشاد والعالج النفسي الديني كعملية لها‬ ‫•‬
‫أهدافها وفنياتها و مبادئها و مراحلها‪.‬‬
‫يقصد باإلرشـاد النفسي الديني اإلرشاد النفسي الديني اإلسالمي‪ ,‬حيث‬ ‫•‬
‫أعطى الدين اإلسالمي تصوراً كامالً عن النفس اإلنسانيـة في صحتها‬
‫ومرضـها‪ ،‬كما أنه الرسالة الخاتمة‪ ،‬التي جاءت لتناسب كل زمـان‬
‫ومكان ولإلنسانية عامـة‪.‬‬
‫ويتضح من العرض السابق لمفهوم اإلرشاد النفسي الديني من المنظور‬ ‫•‬
‫اإلسالمي أنه ركز على أنه شكل من أشكال اإلرشاد النفسي الحديث‬
‫يستمد أساسياته وفنياته من اإلسالم‪ ،‬وأنه ذو فعالية في تخفيف‬
‫االضطرابات النفسية‪ ،‬األمر الذي يسهم في تحقيق االتزان الروحي‬
‫واالستقرار النفسي في نهاية المطاف (رجب‪.)2009 ,‬‬
‫و العالج النفسي الديني هو أحد أنواع العالج النفسي المحددة المبادئ‪،‬‬ ‫•‬
‫و المفاهيم‪ ،‬و األسس‪ ،‬و الخطوات‪ ،‬والفنيات التي تهتم بتوجيه‬
‫المسترشد إلى االهتمام بعالج االضطراب الذي يعانى منه وفق المفاهيم‬
‫الدينية الصحيحة‪ ،‬و األفكار السليمة التي تساعده على التوافق النفسي‪،‬‬
‫و االجتماعي‪ ،‬و الروحي‪.‬‬
‫• واإلرشاد النفسي بالتعريفات السابقة أيضا يشتمل على عناصر خمسة‪:‬‬
‫‪ – 1‬أنه عملية‪:‬أي أنه ليس حديثا ً عارضا ً بل هو مفهوم يتصف‬
‫باالستمرارية وتحتاج هذه العملية إلى فترات من الزمن منتظمة حتى تتاح‬
‫الفرصة للمرشد النفسي أن يالحظ ما قد يطرأ من التغيرات في سلوك‬
‫المسترشد‪.‬‬
‫‪ – 2‬أنه عملية تعليمية‪:‬فهو ليس نصيحة أو حالً جاهزاً‪ ،‬وإنما هو‬
‫مساعدة المسترشد على تعلم كيفية عرض مشكلته‪ ،‬وكيفية التعرف على‬
‫جوانب شخصيته‪ ،‬وكيف يحل المشكلة على ضوء ذلك‪.‬‬
‫‪ – 3‬أنه مساعدة‪ :‬وهذا من أهم عناصر اإلرشاد النفسي بل إن بعض‬
‫المتخصصين يصفون عملية اإلرشاد بأنها‪( :‬المساعدة) أي أن عملية‬
‫اإلرشاد = المساعدة‪ ،‬واعتبروا هذا العنصر هو المفتاح األساسي للعملية‪.‬‬
‫‪ – 4‬أنه مبني على العالقة اإلنسانية‪ :‬فالصلة األخوية والمشاركة‬
‫الوجدانية بين المرشد النفسي والمسترشدين يتوقف عليهما نجاح العملية‬
‫اإلرشادية‪.‬‬
‫‪ – 5‬المرشد النفسي يكون مهنيا ً متدرباً‪ :‬فالمرشد ينبغي أن يتصف‬
‫بالخبرة والخلفية الشاملة في علم النفس والتربية‪ ،‬ويفضل من عمل في‬
‫مهنة التدريس أو العالج النفسي أو من تدرب على اإلرشاد‪ ،‬وأثبت جدارته‬
‫كل وفق مجال عمله‪.‬‬
‫• من درـاستك للتعريفات‬
‫السابقة ‪ ...‬بين‪/‬ي أـهم أوـجه‬ ‫نشاط ‪1‬‬
‫التشابه وـاالـختالف بينها‪.‬‬

‫• اكتب بطريقتك تعريفا‬


‫لإلرشاد النفسي الديني ‪.‬‬
‫نشاط‬
‫• هناك فرق يبدو كبيراً بين اإلرشاد النفسي الروحي‬
‫(الديني) وبين الوعظ الديني‪ .‬فالوعظ الديني فيه تعليم‬
‫للشخص وتوجيه‪ ,‬غالبا ً ما يكون من جانب واحد‪ ،‬وهو‬
‫كما نسمع في دور العبادة وفي البرامج الدينية في‬ ‫الفرق بين‬
‫اإلذاعة والتلفزيون مثال‪ .‬ويهدف الوعظ الديني إلى‬
‫تحصيل و توجيه معلومات دينية منظمة فقط‪.‬‬ ‫اإلرشاد‬
‫• أما بالنسبة لإلرشاد النفسي الروحي (الديني) فهو يهتم‬ ‫النفسي‬
‫بتكوين حالة نفسية متكاملة نجد فيها السلوك متماشيا ً‬
‫ومتكامال مع المعتقدات الدينية للمسترشد‪ ،‬مما يؤدي‬ ‫الديني‬
‫إلى توافق الشخصية والسعادة ويؤدي إلى الصحة‬ ‫وـالوـعظ‬
‫النفسية‪ ,‬والمرشد النفسي يستطيع أن يقوم باإلرشاد‬
‫النفسي الروحي‪ ،‬ولكنه ال يستطيع أن يقوم به وحدة ”‬ ‫الديني‬
‫‪” Eugene, 1995‬‬
‫وـجهة اإلرشاد في المنهج اإلسالـمي‬

‫عندما نتكلم عن المنطلقات والمحتويات والوسائل فإننا‬ ‫•‬


‫نجد أن المنهج اإلسالمي قد طرـح رـؤية مستقلة عن‬
‫النفس البشرية‪ ،‬وحاجاتها وطرـيقة إشباع تلك الحاجات‪،‬‬
‫وأسس هذا الطرح في النقاط الثالث التالية‪ ،‬والتي يجب‬
‫أن يعيها المرشد المسلم ويتعامل على أساس منها‪:‬‬
‫‪ -1‬الحاجات‪.‬‬ ‫•‬
‫‪ -2‬ضوابط إشباع الحاجات وكيفياته‪.‬‬ ‫•‬
‫‪ -3‬كيفية بناء الشخصية وترقيها (تشكل الشخصية)‪.‬‬ ‫•‬
‫• أوال‪ :‬الحاجات‪:‬‬
‫• إن لإلنسان حاجات جسمية ونفسية تجعله يحس بضرورة إشباعها‪،‬‬
‫وسد مطالبها‪ ،‬وعندما يحول حائل بين الحاجة وبين اإلشباع يقع‬
‫االضطراب النفسي أو الجسمي أو كالهما‪ ،‬فالجوع يشير إلى الحاجة‬
‫للطعام‪ ،‬واإلرهاق يشير إلى الحاجة للنوم‪ ،‬والخوف إلى الحاجة إلى‬
‫األمان‪ ،‬والعثور بالوحدة إلى الحاجة للرفقة وهكذا‪ ،‬ومن يمنع شيئا ً‬
‫من هذه الحاجات يقع له االضطراب فمنع النوم يؤدي إلى إنهيار‬
‫الجسم‪ ،‬وفقد األمن يؤدي إلى القلق والخوف‪ ،‬وفقد الرفقة يؤدي إلى‬
‫انهيار الجسم‪ ،‬وفقد األمن يؤدي إلى القلق والخوف‪ ،‬وفقد الرفقة‬
‫يؤدي إلى االغتراب والوحشة‪ ،‬وتلك تمثل اضطرابات جسمية أو‬
‫نفسية‪ ،‬وفي منهج اإلسالم بيان لحاجات اإلنسان النفسية وأهميتها‪،‬‬
‫ومن أهم الحاجات التي أشار إليها القرآن أو السنة بشكل عام ما يلي‪:‬‬
‫• ‪ -1‬الحاجة إلى األمن والطمأنينة‪.‬‬
‫ض َر َب هللاُ َم َثالً َق ْر َي ًة َكا َن ْت َءا ِم َن ًة ُّم ْط َم ِئ َّن ًة‬ ‫{و َ‬ ‫• قال تعالى‪َ :‬‬
‫هللا َفأ َ َذا َق َها‬
‫ان َف َك َف َرـ ْت ِبأ َ ْن ُع ِم ِ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ل‬‫ك‬‫ُ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫د‬‫غ‬ ‫َ‬ ‫ـ‬
‫ر‬‫َ‬ ‫ا‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬
‫ز‬ ‫ـ‬
‫ر‬‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ِي‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫َيأ‬
‫ص َن ُعونَ }‪.‬‬ ‫وع َوا ْل َخ ْوفِ ِب َما َكا ُنو ْا َي ْ‬ ‫اس ا ْل ُج ِ‬ ‫هللاُ لِ َب َ‬
‫• ويقول الرسول صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬من أصبح منكم‬
‫معافي في جسده‪ ،‬آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما‬
‫حيزـت له الدنيا))‪.‬‬
‫• ‪ -2‬والحاجة إلى الحب‪ :‬أي حب اآلخرين له حسب درجات‬
‫{وا َّلذِينَ َت َب َو ُءو الدَّا َرـ َوا ْإلي َمانَ مِن‬ ‫عالقاتهم به‪ ...‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫َق ْبلِ ِه ْم ُي ِح ُّبونَ َمنْ ه َ‬
‫َاج َر إِلَ ْي ِه ْم}‪.‬‬
‫وكان المهاجرون أحوج ما يكونون إلى هذه المحبة‪ ،‬فقد تركوا بالدهم‬ ‫•‬
‫وأموالهم وأهلهم‪ ،‬وأقبلوا على ديار جديدة‪ ،‬وبيئة غريبة‪ ،‬وقد ضمن لهم‬
‫المنهج اإلسالمي هذه المحبة‪ ،‬حيث أمد األنصار رضي هللا عنهم‬
‫إخوانهم المهاجرين بما يحتاجون إليه من محبة وقبول وتأييد ومؤازرة‪.‬‬
‫وقال صلى هللا عليه وسلم‪((:‬والذي نفسي بيده ال تدخلوا الجنة حتى‬ ‫•‬
‫تؤمنوا‪ ،‬ولن تؤمنوا حتى تحابوا‪ .‬أوال أدلكم على شئ إذا فعلتموه‬
‫تحاببتم؟ أفشوا السالم بينكم))‪.‬‬
‫‪ -3‬والحاجة إلى الحرية وإلى التقدير وإلى النجاح وإلى غير ذلك من‬ ‫•‬
‫الحاجات التي يقصد اإلسالم إلى إشباعها‪.‬‬
‫ونظرة اإلسالم إلى الحاجات أوسع وأدق مما ذكره علماء النفس سواء‬ ‫•‬
‫من حيث المنطلق أو من حيث الحاجة ذاتها أو من حيث طريقة‬
‫إشباعها‪ ،‬فاإلسالم ينظر إلى تكوين اإلنسان على أنه يشتمل على الجسد‬
‫والروح معاً‪:‬‬
‫س َّو ْي ُت ُه َو َن َف ْخ ُ‬
‫ت فِي ِه‬ ‫ين‪َ ،‬فإِ َذا َ‬ ‫{إِ ْذ َقال َ َر ُّب َك لِ ْل َمالَ ِئ َك ِة إِ ِّني َخال ُِق َب َ‬
‫شراً ِّمن طِ ٍ‬ ‫•‬
‫سا ِجدِينَ }‪.‬‬ ‫مِن ُّروحِي َف َق ُعو ْا َل ُه َ‬
‫• فاإلنسان قبضة من طين األرض تتمثل في حقيقة الجسد‪ :‬العضالت‬
‫واألعضاء واألحشاء واألكسجين والحديد واأليدروجين‪ ..‬إلخ وهو نفخة‬
‫من روح تتمثل في الجانب الروحي لإلنسان‪ :‬في الوعي واإلدراك والعقل‬
‫واإلرادة والعاطفة وفي الخير والبر واإلخاء‪ ..‬إلخ وشواهد ثقلة الجسم‬
‫كثيرة وهي تمثل اتجاهات في السلوك‪:‬‬
‫{و ُت ِح ُّبونَ ا ْل َمال َ ُح ًّبا َج ًّما}‪.‬‬
‫سانُ مِنْ َع َج ٍل} َ‬ ‫{خل َِق اإلِن َ‬ ‫• ُ‬
‫وء}‪.‬‬
‫س ِ‬ ‫س ألَ َّم َ‬
‫ارةُ ِبال ُّ‬ ‫• {إِنَّ ال َّن ْف َ‬
‫• وشواهد سمو الروح كثيرة وهي تمثل اتجاهات في السلوك أيضاً‪:‬‬
‫ض ُّرعا ً َو ُخ ْف َي ًة َّلئِنْ‬ ‫• {قُلْ َمن ُي َن ِّجي ُكم ِّمن ُظلُ َما ِ‬
‫ت ال َب ِّر َوا ْل َب ْح ِر َتدْ ُعو َن ُه َت َ‬
‫شاك ِِرينَ ‪ ،‬قُ ِل هللاُ ُي َن ِّجي ُكم ِّم ْن َها َومِن ُكل ِّ َك ْر ٍ‬
‫ب‬ ‫نجا َنا مِنْ َه ِذ ِه َل َن ُكو َننَّ مِنَ ال َّ‬ ‫أَ َ‬
‫ش ِر ُكونَ }‪.‬‬ ‫ُث َّم أَن ُت ْم ُت ْ‬
‫ِسكِينا ً َو َيتِيما ً َوأَسِ يراً}‪.‬‬ ‫الط َعا َم َع َلى ُح ِّب ِه م ْ‬‫{و ُي ْط ِع ُمونَ َّ‬ ‫• َ‬
‫وعلى هذا األساس قامت الحاجات منبعثة من هذا التكوين الفريد‪ .‬فالحاجات إما أن‬ ‫•‬
‫تنطلق من الروح‪ ،‬أو من الجسد‪ ،‬أو منهما جميعا ً وال فصل بينهما فهو تكوين ممتزج‬
‫مترابط‪ ،‬ولتميز هذا األساس جدت حاجات لم ينتبه لها علماء النفس‪ ،‬واختلفت حاجات‬
‫الختالف األساس الذي بنيت عليه ونشير هنا إلى بعضها‪:‬‬
‫‪ -1‬الحاجة إلى الهداية‪ :‬التي تتمثل في التطلع والرغبة في التعرف الواعي على الخالق‬ ‫•‬
‫البارئ‪ ،‬والجدير بالذكر أن الشباب – بغير اإلرشاد السليم – يتعرض للشك الفلسفي‬
‫في قضايا األلوهية والوحي والبعث والنشور‪ ..‬ولكنه حتى عندئذ يعاني قلقا ً روحيا ً ال‬
‫ذهنيا ً فحسب ألن الجانب الروحي في كيانه متفتح وفي حالة نشاط‪ .‬وحين ال يجد الزاد‬
‫الصحيح فإنه يضطرب ويختل‪ ،‬ويكون القلق هو العرض الدال على ذلك‪.‬‬
‫الص َرا َط‬
‫وقد نص القرآن على هذا في السورة العظيمة سورة الفاتحة‪{:‬اِهْ ِد َنا ِّ‬ ‫•‬
‫ال ُم ْس َتقِي َم}‪ .‬إذ أن الحاجة إلى الهداية أمر مهم لإلنسان ونعمة عظيمة من الرحمن‪.‬‬
‫{ َي ُم ُّنونَ َع َل ْي َك أَنْ أَ ْس َل ُموا قُل الَّ َت ُم ُّنو ْا َع َل َّى إِ ْسالَ َم ُكم َب ِل هللاُ َي ُمنُّ َع َل ْي ُك ْم أَنْ َهدَا ُك ْم ل ِِإلي َم ِ‬
‫ان‬ ‫•‬
‫صادِقينَ }[‪.]61‬فالهداية إلى اإليمان نعمة كالطعام والشراب والهواء يمتن هللا‬ ‫إِن ُكن ُت ْم َ‬
‫بها على من يشاء من عباده فتمتلئ بها جوانحه‪ ،‬ويطمئن قلبه‪ ،‬ويقابلها التيه‬
‫والضياع الذي يشعر معه الفرد بالحاجة إلى من يهديه الطريق ويقوده إلى الجادة‪.‬‬
‫‪ –2‬الحاجة إلى التوبة‪ :‬حيث تتناسب مع طبيعة اإلنسان المعرض‬ ‫•‬
‫للخطأ واإلنحراف والقابل للندم واألسف والرجوع‪.‬‬
‫هللا َجمِيعا ً أَ ُّي َه ال ُم ْؤ ِم ُنونَ َل َعلَّ ُك ْم ُت ْفلِ ُحونَ }[‪.]62‬‬‫{و ُتو ُبو ْا إِ َلى ِ‬
‫َ‬ ‫•‬
‫وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا‬ ‫•‬
‫لذهب هللا بكم ولجاء بقوم يذنبون هللا فيستغفرون فيغفر لهم))[‪.]63‬‬
‫‪ – 3‬الحاجة إلى الذكر من الغفلة والنسيان‪:‬‬ ‫•‬
‫قال تعالى‪َ { :‬ولَ َقدْ َع ِهدْ َنا إِلَى َءا َد َم مِن َق ْبل ُ َف َنسِ َى َولَ ْم َن ِجدْ لَ ُه َع ْزماً}‬ ‫•‬
‫ب مِنْ َه َذا‬ ‫سى أَن َي ْه ِد َي ِن َر ِّبي ألَ ْق َر َ‬ ‫يت َوقُلْ َع َ‬ ‫{و ْاذ ُكر َّرـ َّب َك إِ َذا َنسِ َ‬
‫[‪َ .]64‬‬
‫وب}[‪.]66‬‬ ‫شداً}[‪{.]65‬أَالَ ِبذ ِْك ِر هللاِ َت ْط َم ِئنُّ ا ْلقُلُ ُ‬ ‫َر َ‬
‫واألذكار الشرعية المطلقة والمقيدة لتلبية الحاجة إلى الذكر كثيرة‬ ‫•‬
‫ليس هذا مقام سردها وهي تدل على الحاجة الماسة للذكر وعلى كونه‬
‫ضرورة اإلنسان المطبوع على الغفلة والمستهدف من قبل الشيطان‬
‫وجنده‪.‬‬
‫‪ – 4‬الحاجة إلى اإلنتماء‪ :‬وهي من الحاجات المذكورة في علم‬ ‫•‬
‫النفس‪ ،‬لكن اإلسالم أسسها بطريقة مختلفة‪ .‬فاإلنسان يحتاجـ إلى‬
‫الجماعة أو الحزب وينفر من العزلة والوحدة‪ .‬وقد أسس اإلسالم‬
‫هذه الحاجة على مبادئ مرنة وواسعة يمكن أن تسع الناس جميعاً‪.‬‬
‫س ْل َنا َك إِالَّ َر ْح َم ًة لِ ْل َعا َلمِينَ }[‪.]67‬‬ ‫{و َما أَ ْر َ‬ ‫َ‬
‫فلم يجعل اإلنتماء على أساس األرض أو اللون أو الجنس‪ ،‬وإنما‬ ‫•‬
‫جعله على أساس العقيدة والفكر‪ ،‬وعلى أساس الوحدة النفسية‬
‫والقلبية المبنية على وحدة الشعور والوالء والتوجه‪.‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬إِ َّن َما ال ُم ْؤ ِم ُنونَ إِ ْخ َوةٌ}[‪.]68‬‬ ‫•‬
‫وب ُك ْم َفأ َ ْ‬
‫ص َب ْح ُتم‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫نَ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ء‬
‫ً‬ ‫ا‬ ‫د‬
‫َ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫هللا َعلَ ْي ُك ْم إِ ْذ ُكن ُت ْم أ‬
‫ت ِ‬ ‫{و ْاذ ُك ُرو ْا ن ِْع َم َ‬ ‫َ‬ ‫•‬
‫ِبن ِْع َم ِت ِه إِ ْخ َواناً}[‪.]69‬‬
‫‪:‬‬‫•ثانيا‪ :‬إشباـع الحاـجات‬
‫• أما طريقة إشباع الحاجات وكيفياته فقد بينه المنهج اإلسالمي‪،‬‬
‫وشرع لكل جانب من جوانب حياة اإلنسان هدياً‪ ،‬وبدخول‬
‫اإلنسان في اإلسالم يصبح مخاطبا ً بهذا الهدي الذي ينظم له‬
‫كيفيات السلوك‪ ،‬والتعامل مع الجهات المختلفة للحياة‪ ،‬والذي‬
‫يشرع له من األحكام واآلداب والنظم ما يتالءم مع طبعه وجبلته‬
‫وطاقته النفسية‪ ،‬إذ الشريعة اإلسالمية شريعة الفطرة والتيسير‪،‬‬
‫نزلت من عند هللا الخالق البارئ فهي ((نوره الذي به أبصر‬
‫المبصرون‪ ،‬وهداه الذي به اهتدى المهتدون‪ ،‬وشفاؤه التام الذي‬
‫به دواء كل عليل‪ ،‬وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد‬
‫استقام على سواء السبيل‪ ،‬فهي قرة العيون‪ ،‬وحياة القلوب ولذة‬
‫األرواح‪ ،‬فهي بها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء‬
‫والعصمة))[‪.]70‬‬
‫ولبيان اإلطار العام أو المحاورـ التي تنظم مطالب‬ ‫•‬
‫اإلنسان وكيفيات اإلشباع‪ ،‬نشير إلى مقاصد الشرـيعة‬
‫اإلسالمية والترـتيبات الهرمية للمطالب داخل هذه‬
‫المقاصد‪ .‬فالشريعة جاءت لخدمة مقاصد رئيسية هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬حفظ الدين‪.‬‬ ‫•‬
‫‪ - 2‬حفظ النفس‪.‬‬ ‫•‬
‫‪ - 3‬حفظ العقل‪.‬‬ ‫•‬
‫‪ - 4‬حفظ النسل‪.‬‬ ‫•‬
‫‪ - 5‬حفظ المال‪.‬‬ ‫•‬
‫• ومن البدهى أن هذه المقاصد الخمسة ال ينفصل بعضها عن‬
‫بعض انفصاالً تاماً‪ ،‬بل هي متداخلة يخدم بعضها بعضاً‪ ،‬ويكمل‬
‫بعضها اآلخر‪ ،‬وبعض الحاجات تع ّد مشتركة بين أكثر من‬
‫مقصد من مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫• ويمكن أن نم ّثل للحاجات وكيفية ضبطها – من خالل مفهوم‬
‫مقاصد الشريعة والتدرج في تحقيقها‪ – ‬بالحاجة إلى الطعام‪،‬‬
‫فالطعام به يحفظ اإلنسان نفسه‪ ،‬ويقيم جسمه‪ ،‬وهذا الحفظ‬
‫تارـة يكون ضرورـيا ً وهو ما يقيم أصل الحياة ويدفع الموت عن‬
‫اإلنسان‪ ،‬ولهذا أباح هللا األكل من الميتة لسدّ الرـمق‪ ،‬وتارة‬
‫يكون حاجيا وهو ما يمدّ الجسم بحاجاته المهمة وعناصره‬
‫المتكاملة‪ ،‬وتارة يكون تحسينيا ً يشمل كماليات الطعام كبعض‬
‫التوابل والمقبالت والمرطبات‪ ..‬إلخ‬
‫• وبالتدرـج نفسه يقع الحكم الشرعي من الوجوب إلى‬
‫الندب إلى اإلباحة‪ ،‬فطلب الطعام والسعي له والتزويد به‬
‫يكون تارـة فرضا ً الزما ً وهو ما يقيم الحياة ويدفع‬
‫الموت‪ ،‬وتارة يكون واجبا ً أو مستحبا ً وهو ما يتناوله‬
‫اإلنسان عادة من العناصر والمكونات الغذائية التي‬
‫يحتاج إليها الجسم لكماله سوائه وتارة يكون مباحا ً وهو‬
‫في حق كماليات الطعام‪.‬‬
‫بعد الوضوح النظري لكيفية إشباع الحاجات تأتي الممارسة الفعلية‬ ‫•‬
‫والمواجهة العلمية حيث تبرز هذه المطالب والحاجات وهي أكثر ما‬
‫تكون وأشد ما تكون إلحاحا ً في فترة الفتوة والشباب‪ ،‬بسبب تميزها‬
‫بالحيوية والجدة والقوة وفقد الحياة‪ ،‬فالحاجة إلى الطعام‪ ،‬والشراب‪،‬‬
‫والنكاح‪ ،‬والنجاح‪ ،‬والتقدير‪ ،‬والذكر‪ ،‬واإلستطالع‪ ،‬والسكن النفسي‪،‬‬
‫والهداية‪ ،‬والتوبة‪ ،‬واإلنتماء وغير ذلك تكون واضحة مشتدة‪ ،‬في هذه‬
‫المرحلة‪ .‬وهنا تبرز أهمية مفاهيم المواجهة والممارسة لإلشباع‪ ،‬حيث‬
‫أن للمنهج النفسي اإلسالمي مفاهيم معرفية نفسية ذات مصطلحات‬
‫خاصة‪ ،‬تصف طبيعة العالقة بين الحاجات المتعددة الملحة وأنواع‬
‫وطرق إشباعها‪ ،‬ومن هذه المفاهيم‪:‬‬
‫‪ - 2‬الوسطية (االعتدال في اإلشباع)‪.‬‬ ‫‪ - 1‬االبتالء‪.‬‬ ‫•‬
‫‪ - 4‬الصبر‪.‬‬ ‫‪ - 3‬المجاهدة‪.‬‬ ‫•‬
‫وفيما يلي إشارة إلى إثنين منها‪:‬‬ ‫•‬
‫‪ – 1‬مفهوم االبتالء‪ :‬حيث أن الحياة إنما خلقت لإلبتالء‬ ‫•‬
‫واإلختبار والنظر‪ ،‬في عمل هذا اإلنسان وسلوكه أحسن هو أم‬
‫سيئ أمعروف أم منكر أسوي أم شاذ قال تعالى‪:‬‬
‫سنُ َع َمالً}[‪.]76‬‬‫الح َيا ِة لِ َي ْبلُ َو ُك ْم أَ ُّي ُك ْم أَ ْح َ‬
‫{ا َّلذِي َخ َل َق ا ْل َم ْو َت َو َ‬ ‫•‬
‫اج َّن ْب َتلِيهِ}[‪.]77‬‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫سانَ مِن ُّن ْط َف ٍة أَ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫إل‬‫ا‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫{إِ َّنا َخ َل‬ ‫•‬
‫ٍ‬
‫ش ِّر َوا ْل َخ ْي ِر فِ ْت َن ًة َوإِ َل ْي َنا ُت ْر َج ُعونَ }[‪.]78‬‬ ‫{و َن ْبلُو ُكم ِبال َّ‬ ‫َ‬ ‫•‬
‫وتتصف حياة اإلنسان في هذا الوجود بالمعاناة والمشقة‪:‬‬ ‫•‬
‫نسانَ فِي َك َبدٍ}[‪.]79‬‬ ‫{ َل َقدْ َخلَ ْق َنا اإلِ َ‬ ‫•‬
‫سانُ إِ َّن َك َكا ِد ٌح إِ َلى َر ِّب َك َكدْ حا ً َف ُمالَقِيهِ}[‪.]80‬‬ ‫{ َيا أَ ُّي َها اإلِن َ‬ ‫•‬
‫وإذاً فالمعاناة والشدة في طبيعة الحياة ووجود الخيارات وأنواع‬ ‫•‬
‫المطلوبات يجعل اإلنسان في حالة اختبار وإمتحان في مسالكه‪،‬‬
‫واختياراته وهذا هو مفهوم اإلبتالء الذي يحرص المنهج النفسي‬
‫اإلسالمي على وضوحه عند المسلم وتحسيسه به‪.‬‬
‫‪ – 2‬مفهوم المجاهدة‪ :‬مادامت الحاجات والمطالب موجودة‬ ‫•‬
‫متأصلة في اإلنسان والبد من إشباعها‪ ،‬والبد من كيفية معينة‬
‫لإلشباع وفق المنهج اإلسالمي – كما مر – وما دام هذا اإلشباع‬
‫بهذه الكيفية المحددة نوع من اإلبتالء لهذا اإلنسان للنظر أيستقيم‬
‫في إشباع هذه الحاجات أم ينحرف‪ ،‬إذاً فالبد من عملية المجاهدة‬
‫والمقاومة في سبيل الفوز على عناصر الشر ودواعي الفتنة‪،‬‬
‫وذلك بإشباع حاجات النفس إشباعا ً متكيفا ً مع الضوابط والهيئات‬
‫الشرعية المبنية على أصولها المستقلة في المنهج اإلسالمي‪.‬‬
‫س ُب َل َنا}[‪.]81‬‬
‫{وا َّلذِينَ َجا َهدُو ْا فِي َنا َل َن ْه ِد َي َّن ُه ْم ُ‬
‫قال تعالى‪َ :‬‬ ‫•‬
‫ومن قول الرسول صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬ ‫•‬
‫((حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره))[‪.]82‬‬ ‫•‬
‫وهكذا تستمر المجاهدة متمثلة في تعدد المطالب وتجددها‪ ،‬وفي‬ ‫•‬
‫قدرة الفرد وإرادته لضبط إشباعها حسب الكيفية المقصودة من‬
‫الشارع‪ ،‬ومن خالل النصر والهزيمة في هذه المجاهدة والمقاومة‬
‫يتم الترقي أو الهبوط في سلم اإليمان‪.‬‬
‫• ثالثا‪ :‬تشكل الشخصية‪:‬‬
‫• عملية اإلرشاد تعني بمعرفة كيفية تشكل الشخصية‪ ،‬وكيفية تعديل‬
‫هذا التشكيل‪ ،‬وهذه المعرفة تساعد على تحديد الخلل في شخصية‬
‫المسترشد وعلى العمل لعالجها وفق التصور النفسي اإلسالمي لبناء‬
‫الشخصية‪.‬‬
‫• ويرتبط موضوع إشباع الحاجات إرتباطا ً وثيقا ً بتكوين الشخصية إذ‬
‫أن حاجات اإلنسان النابعة من كيانه وطريقة إشباعها يؤثران في‬
‫بناء شخصيته‪ ،‬وقد ذكرنا إغفال علماء النفس لجوانب من حاجات‬
‫اإلنسان عندما تطرقنا لموضوع الحاجات‪ ،‬ومن أسباب هذا اإلغفال‬
‫إعراض علماء النفس عن الشق اآلخر من كيان اإلنسان وهو‬
‫الجانب الروحي‪ .‬ويرى محمد عثمان نجاتي أن هذا االغفال ((أدى‬
‫إلى قصور واضح في فهمهم للشخصية اإلنسانية وفي معرفتهم‬
‫للعوامل المحددة للشخصية السوية وغير السوية‪ ،‬كما أدى هذا إلى‬
‫عدم اهتدائهم إلى تكوين مفهوم واضح دقيق للصحة النفسية))‪.‬‬
‫أن إغفال الجانب الروحي خصوصاً‪ ،‬وإغفال النظر إلى طبيعة حياة اإلنسان وغاياته‬ ‫•‬
‫عموماً‪ ،‬أدى إلى عدم االهتداء إلى الطريقة الشاملة والمناسبة لبناء الشخصية‪،‬‬
‫وإلى ربط ذلك بمفاهيم بنائية داخلية وخارجية متناسبة مع هذه الطبيعة‪.‬‬
‫الشخصية تتشكل في المنهج اإلسالمي من خالل ترقيها في درجات اإليمان – وفق‬ ‫•‬
‫المفهوم الشرعي لإليمان – ولربط ما سبق ذكره من إشباع الحاجات وكيفياته‬
‫بتشكل الشخصية يمكن تصور ذلك في سلسلة من ثالث حلقات ‪.‬‬
‫إن الشخصية تنبني في البيئة اإلسالمية وفق مفهومي الدين واإليمان اللذين‬ ‫•‬
‫يقررهما القرآن والسنة والنبوية‪ ،‬وذلك بتدرجها في سلم اإليمان الذي يؤهلها‬
‫الكتساب صفات وسمات معينة حسب الدرجة التي تقع فيها‪ .‬أما المبادئ التي ينبني‬
‫عليها هذا التصور فتتمثل في أربعة مبادئ لمفهوم اإليمان وآثاره وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن العمل والسلوك مكون رئيسي لإليمان‪ - 2 .‬أن اإليمان يزيد وينقص‪.‬‬ ‫•‬
‫‪ -4‬أن للمؤمنين صفات وسمات‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أن المؤمنين يتفاوتون في اإليمان‪.‬‬ ‫•‬
‫• وتمثل هذه المبادئ األربعة تسلسالً مرتبا ً أي أن األول يؤدي‬
‫إلى الثاني والثاني يؤدي إلى الثالث وهكذا‪.‬‬
‫• المبدأ األول‪:‬‬
‫• إن األعمال والممارسات أو السلوك – في مصطلح علم‬
‫النفس داخل في مسمى اإليمان إلى جانب االعتقاد والشعورـ‪.‬‬
‫• قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬اإليمان بضع وستون‬
‫شعبة – وفي رواية بضع وسبعون شعبة – أعالها قول ال‬
‫إله إال هللا وأدناها إماطة األذى عن الطرـيق والحياء شعبة‬
‫من اإليمان))‪ .‬فاإليمان له شعب متعددة وكل شعبة منه‬
‫تسمى إيمانا ً فالصالة من اإليمان والزكاة والصوم والحج‬
‫كذلك‪ ،‬واألعمال الباطنة كالتوكل واإلنابة إلى هللا من اإليمان‬
‫واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تنتهي هذه الشعب‬
‫إلى إماطة األذى عن الطرـيق‪.‬‬
‫• وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬من رأى منكم منكرـاً‬
‫فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه‪،‬‬
‫وذلك أضعف اإليمان))‪ .‬وفي رواية ((ليس ورـاء ذلك من‬
‫اإليمان حبة خردل))‪.‬‬
‫• وهذا يدل على قوة اإليمان وضعفه بحسب األعمال كما ً وكيفاً‪،‬‬
‫وهو مبدأ مهم في مجال درـاسة السلوك وتوجيهه وتنميته‪،‬‬
‫ويترتب عليه تصور واسع وشامل ألنشطة اإلنسان وجزـئيات‬
‫سلوكه‪ ،‬فصومه وصالته وصدقه وبره وصلته وخلقه‬
‫ومعاملته وزياراته وأعماله وتجارته وجميع أنواع سلوكه‪،‬‬
‫الصغيرة والكبيرة‪ ،‬هي أجزاء في اإليمان سلبا ً أو إيجابا ً سواء‬
‫كانت أجزاء هذا السلوك فردية أم إجتماعية عبادية أو عادية‬
‫فهي إنجاز وتحصيل لإليمان أو خسارة فيه حسب اتجاه‬
‫السلوك‪ ،‬وموقعه من الكيفيات الشرعية المحددة للفرد المسلم‪.‬‬
‫• قال بن عمر رضي هللا عنه‪ (( :‬لقد لبثنا برهة من دهر‪ ،‬وأحدنا‬
‫ليؤتى اإليمان قبل القرآن تنزل السورة على محمد صلى هللا عليه‬
‫وسلم فنتعلم حاللها وحرامها‪ ،‬وأمرها وزاجرها وما ينبغي أن‬
‫يوقف عنده منها‪ ،‬كما يتعلم أحدكم السورة‪ .‬ولقد رأيت رجاالً‬
‫يؤتى أحدهم القرآن قبل اإليمان يقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته‬
‫ما يعرف حالله وال حرامه‪ ،‬وال أمره وال زاجره‪ ،‬وال ما ينبغي‬
‫أن يوقف عنده منه وينثره نثر الدقل))‪.‬‬
‫• ويقول جندب بن عبدهللا‪(( :‬كنا مع النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫ونحن غلمان حزاوره فتعلمنا اإليمان قبل أن نتعلم القرآن‪ ،‬ثم‬
‫تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً))‪.‬‬
‫• وبهذا الفهم لإليمان ندرك أنه محل للتحصيل واالنجاز‪ ،‬إذ أن‬
‫األعمال والممارسات داخلة فيه‪ ،‬فالفرد في حالة تحصيل يومي‬
‫لإليمان حسب أنواع سلوكه وهيئاته ومقداره‪.‬‬
‫• المبدأ الثاني‪:‬‬
‫أن اإليمان يزيد وينقص وفق مقدار السلوك واتجاهه‪ ،‬وهذا‬ ‫•‬
‫يترتب على المفهوم السابق الذي يجعل السلوك واألعمال جزءاً‬
‫من اإليمان‪ ،‬فاإليمان المشتمل على السلوك يزيد وينمو بالطاعة‬
‫وينقص وينحسر بالمعصية‪.‬‬
‫قال تعالى‪{:‬إِ ِّن َما ال ُم ْؤ ِم ُنونَ ا َّلذِينَ إِ َذا ُذك َِر هللاُ َو ِج َل ْت قُلُو ُب ُه ْم َوإِ َذا‬ ‫•‬
‫ُتلِ َي ْت َع َل ْي ِه ْم َءا َيا ُت ُه َزادَ ْت ُه ْم إِي َماناً}‪.‬‬
‫ورةٌ َف ِم ْن ُهم َّمن َيقُول ُ أَ ُّي ُك ْم َزادَ ْت ُه‬
‫س َ‬ ‫نز َل ْت ُ‬ ‫{وإِ َذا َما أ ُ ِ‬ ‫وقال تعالى‪َ :‬‬ ‫•‬
‫َه ِذ ِه إِي َمانا ً َفأ َ َّما ا َّلذِينَ َءا َم ُنو ْا َف َزادَ ْت ُه ْم إِي َمانا ً َو ُه ْم َي ْس َت ْبشِ ُرونَ }‪.‬‬
‫وهذه الزيادة في اإليمان المذكورة في اآليات ليست مجرد‬ ‫•‬
‫التصديق بأن هللا أنزلها بل زادتهم إيمانا ً بحسب مقتضى اآلية‬
‫وما يترتب عليها من أمر أو نهي أو تشريع‪.‬‬
‫ويتبين من هذا أن اإليمان موضوع تحصيلي يشبه المادة التي تعد أو‬ ‫•‬
‫توزن والتي يحدث لها الزيادة كما يحدث لها النقصان بحسب السلوك‬
‫المكتسب‪ ،‬وأن لإليمان أثراً تراكميا ً وفقا ً للتحصيل العلمي والعملي الذي‬
‫عال من الكم والكيف حتى يكون اإليمان أمثال‬ ‫قد يصل إلى مستوى ٍ‬
‫الجبال‪.‬‬
‫قال مالك بن دينار‪(( :‬اإليمان يبدو في القلب ضعيفا ً ضئيالً كالبقلة فإن‬ ‫•‬
‫صاحبه تعاهده فسقاه بالعلوم النافعة واألعمال الصالحة وإماط عنه الدغل‬
‫وما يضعفه ويوهنه‪ ،‬أوشك أن ينمو ويزداد‪ ،‬ويصير أمثال الجبال‪.))..‬‬
‫وقيل لبعض السلف‪(( :‬يزداد اإليمان وينقص؟ ((قال‪ :‬نعم يزداد حتى‬ ‫•‬
‫يصير أمثال الجبال‪ .‬وينقص حتى يصير أمثال الهباء))‪.‬‬
‫ونخلص من هذا إلى أن دخول األعمال في اإليمان يؤدي به إلى الزيادة أو‬ ‫•‬
‫النقصان عبر البرنامج اليومي لسلوك الفرد‪ ،‬وأن هذا المبدأ ذو قيمة‬
‫يكون اإليمان‬
‫نفسية داخلية وذو قيمة سلوكية خارجية‪ ،‬ألن األعمال غذاء ّ‬
‫واإليمان الداخلي المتعمق في النفس دافع لمزيد من السلوك والعمل‪.‬‬
‫• المبدأ الثالث‪:‬‬
‫أن الناس يتفاوتون في اإلسالم واإليمان على مراتب‪ ،‬وهذا مبني على‬ ‫•‬
‫درجات إيمانهم المشتمل على السلوك‪ .‬ولذلك فإن الناس طبقات‬
‫ودرجات في مستوى اإليمان يبدأ من وجود أصل اإليمان والذي يعد‬
‫في أدنى المستويات وينتهي إلى الطبقات العليا السابقة إلى الخيرات‪.‬‬
‫اص َط َف ْي َنا مِنْ ِع َبا ِد َنا َف ِم ْن ُه ْم َظالِ ٌم‬
‫اب الَّذِينَ ْ‬ ‫قال تعالى‪ُ {:‬ث َّم أَ ْو َر ْث َنا ا ْل ِك َت َ‬ ‫•‬
‫اب ُق ِبا ْل َخ ْي َراتِ}[‪.]96‬‬ ‫س ِ‬ ‫ِّل َن ْفسِ ِه َو ِم ْن ُهم ُّم ْق َتصِ ٌد َو ِم ْن ُه ْم َ‬
‫فالظالم لنفسه هو المسلم ظاهراً وباطنا ً[‪ .]97‬والبد أن يكون معه‬ ‫•‬
‫إيمان‪ ،‬ولكن لم يأت بالواجب‪ ،‬والمقتصد الذي أدى الواجب وترك‬
‫المحرم‪ ،‬والسابق بالخيرات هو المحسن الذي عبد هللا كأنه يراه وهو‬
‫يقع في الدرجات العالية من اإليمان‪.‬‬
‫ثم إن هذا الترتيب ينبني عليه إختالف الدرجات في الجزاء األخروي‪:‬‬ ‫•‬
‫ِيم‪،‬‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫ن‬‫َّ‬ ‫ج‬‫َ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫انٌ‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ح‬
‫ٌ‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ينَ‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ِنَ‬‫م‬ ‫انَ‬‫ك‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َّ‬ ‫قال تعالى‪َ {:‬فأ َ‬ ‫•‬
‫ٍ‬
‫ِين}[‪.]98‬‬ ‫ب ا ْل َيم ِ‬ ‫ص َحا ِ‬ ‫سالَ ٌم َّل َك مِنْ أَ ْ‬ ‫ِين‪َ ،‬ف َ‬ ‫ب ا ْل َيم ِ‬ ‫ص َحا ِ‬ ‫َوأَ َّما إِن َكاَن مِنْ أَ ْ‬
‫• المبدأ الرابع‪:‬‬
‫أن لشخصيات المؤمنين سمات وصفات تتفاوت حسب درجاتهم في اإلسالم‬ ‫•‬
‫واإليمان وقد سبقت اإلشارة إلى بعض أقسام المؤمنين التي وردت في القرآن‬
‫تحت أنماط معينة كالشخصية الظالمة لنفسها والمقتصدة والسابقة بالخيرات‪.‬‬
‫اص َط َف ْي َنا مِنْ ِع َبا ِد َنا َف ِم ْن ُه ْم َظالِ ٌم ِّل َن ْفسِ ِه َو ِم ْن ُهم‬
‫اب الَّذِينَ ْ‬‫قال تعالى‪ُ {:‬ث َّم أَ ْو َر ْث َنا ال ِك َت َ‬ ‫•‬
‫ت ِبإِ ْذ ِن هللاِ}‪.‬‬ ‫اب ُق ِب َ‬
‫الخ ْي َرا ِ‬ ‫س ِ‬‫ُّم ْق َتصِ ٌد َو ِم ْن ُه ْم َ‬
‫فالنمط الظالم لنفسه هو المفرط في فعل بعض الواجبات المرتكب لبعض‬ ‫•‬
‫المحرمات‪ ،‬والنمط المقتصد هو الذي اقتصر على التزام الواجبات واجتناب‬
‫المحرمات فلم يزد على ذلك ولم ينقص منه‪ ،‬وهؤالء هم األبرار وأصحاب‬
‫اليمين‪.‬والنمط السابق بالخيرات هو الذي يتقرب إلى هللا بالنوافل بعد الفرائض‪،‬‬
‫ويترك ما ال بأس به خوفا ً مما به بأس‪ ،‬سمته دوام التقرب إلى هللا والمزيد من‬
‫الطاعات‪ ،‬عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪:‬‬
‫قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬إن هللا تعالى قال‪(( :‬من عادى لي وليا ً فقد‬ ‫•‬
‫آذنته بالحرب‪ .‬وما تقرب إلى عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه‪ ،‬وال يزال‬
‫عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به‪،‬‬
‫وبصره الذي يبصره به‪ ،‬ويده التي يبطش بها‪ ،‬ورجله التي يمشي بها‪ ،‬ولئن‬
‫سألني ألعطيته‪ ،‬ولئن استعاذني ألعيذ ّنه‪ ،‬وما ترددت عن سئ أنا فاعله ترددي‬
‫عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته))‬
‫• ومن الواضح في تعريف هذه األنماط أو الطبقات الناحية‬
‫اإلجرائية العملية‪ ،‬فهي ليست تعريفات نظرية أو عامة‪ ،‬وإنما‬
‫تصف هيئة السلوك وفقه متطلبات الهدي اإلسالمي‪ ،‬فالمقتصد‬
‫مثالً – هو الذي اقتصر على التزام الواجبات وإجتناب‬
‫المحرمات‪ ،‬فالتعريف محدد وواضح‪ ،‬ورغم وجود هذه التعريفات‬
‫لبعض األنماط إال أن هذا المبدأ هو أحوج المبادئ إلى‬
‫االستقصاء للوصول إلى أنواع أوصاف المؤمنين‪ ،‬وطبقاتهم من‬
‫القرآن الكريم ومن السنة وشروحاتها ومن أقوال سلف األمة‬
‫وعلمائها‪ ،‬ليتسنى تحديد هذه األنماط أو بعضها كي تكون أهدافا ً‬
‫عملية لبناء الشخصية المسلمة‪ ،‬وليتسنى اقتراح البرامج‬
‫والسبل لتحقيق هذه األهداف وفق التسلسل والكيفيات المذكورة‬
‫في المصادر اإلسالمية‪ ،‬ووفق ما يقترحه النفسيون أو‬
‫التربويون فيما هو محل لالجتهاد‪.‬‬
‫• وهكذا يتبين – مما سبق – أن المنهج النفسي اإلسالمي ينطلق‬
‫في نظرته لإلرشاد والعالج من نظرة شاملة ومتكاملة لإلنسان‪،‬‬
‫الذي هو محل اإلرشاد فحاجات اإلنسان النابعة من كيانه‬
‫وطبيعته الحلقة األولى في التعرف على الحالة أو المشكلة‪ ،‬وقد‬
‫فصل المنهج اإلسالمي هذه الحاجات سواء كانت متفقة مع طرح‬
‫النفسيين أم مختلفة أو جديدة‪ ،‬وهيئة اإلشباع وضوابطه هي‬
‫الحلقة الثانية وهي ذات أثر فعال في بناء عادات اإلنسان‬
‫ومسالكه في سوائه وانحرافه – وقد وضع اإلسالم منهجا ً‬
‫واضحا ً ومحدداً لضوابط اإلشباع وكيفياته‪ ،‬ولم يغفل المنهج‬
‫اإلسالمي تكوين الشخصية ومحدداتها‪ ،‬وكيفيات بنائها‬
‫وأنماطها‪ ،‬ألنها الكيان المتكامل للفرد‪ ،‬والذي تظهر عليه هيئات‬
‫السواء أو اإلنحراف‪ ،‬وتكمن فيه أسباب الصحة والمرض‪ ،‬وتلك‬
‫الحلقة المهيمنة والمك ّملة للعملية اإلرشادية والعالجية‪.‬‬
‫‪‬يتميز المنهج اإلسالـمي و يختلف عن غيرـه‬
‫من المناـهج في العملية اإلرشادية ‪.‬‬
‫‪‬ناقش ‪/‬ي صحة المضمون‪.‬‬ ‫نشاط ‪2‬‬
‫‪‬تعد مسألة تشكيل الشخصية في المنهج‬
‫اإلسالـمي من األـهدـاف الكبرـى لإلرشاد‪.‬‬
‫ما أـهم المبادئ التي يرـتكز عليها‬
‫المنهج اإلسالـمي لتحقيق ذلك؟‬
‫أـهدـاف اإلرشاد النفسي الديني‬
‫أـهدـاف اإلرشاد النفسيـ الدينيـ‬
‫• تجتمع مقاصد اإلرشاد في استثمار طاقات الشباب الذاتية والتهيئة لبناء‬
‫أو تعديل فكرهم وسلوكهم‪ .‬وتوجيه اهتماماتهم‪ ،‬ورفع مستوى اإلستجابة‬
‫الداخلية للتهذيب النفسي والخلقي ويمكن أن تفصل بعض هذه األهداف‬
‫بما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الكشف عن الحاجات الحقيقية لدى الشباب والمشكالت التي يتعرضون لها‪.‬‬
‫‪ - 2‬مساعدة الشباب على فهم أنفسهم في مراحل النمو المختلفة‪ ،‬والوصول بنمو‬
‫الشباب إلى أحسن مستوياته‪.‬‬
‫‪ - 3‬إمداد الشباب بمجموعة من الخدمات مثل‪ :‬التعريف بالوسط التعليمي وبكيفيات بناء‬
‫العالقات األسرية واإلِجتماعية والطالبية‪ ،‬وباإلِرشاد النفسي والمساعدة على وضع‬
‫األهداف الدراسية والمهنية‪.‬‬
‫‪ - 4‬اكتشاف واستخدام الوسائل اإلِرشادية المختلفة التي تدعم العملية التعليمية وتؤدي‬
‫إلى الشوق والشغف بها‪.‬‬
‫‪ - 5‬المساعدة على حل المشكالت النفسية والتعليمية التي يواجهها الشاب في الوسط‬
‫التربوي‪.‬‬
‫األـهدـاف العاـمة لإلرشاد النفسي الديني‬

‫• الهدف األكبر لإلرشاد هو إعادـة الفرد لخالقه‬


‫وـتقوية العالـقة بينهما وـجميع األـهدـاف هي‬
‫لتحقيق هذـا الهدف األكبر وـالوـصول إليه‬
‫وـهذـه األـهدـاف العاـمة تكمن فيما يليـ‪:‬‬
‫• ‪ 1‬ـ حل الصراعات الداخلية للفرد‪:‬ـ‬
‫• هناك صراع بين الخير والشر داخل اإلنسان‪ ،‬يقول‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم‪" :‬يوجد في اإلنسان لمة‬
‫للخير ولمة للشر فأما لمة الخير فإيعاد بالخير وتصديق‬
‫باهلل وأما لمة الشر فإبعاد بالشر وتكذيب باهلل"‬
‫وبالتالي تصبح عملية حل الصراع عملية ذاتية ـ قد ال تحتاج‬
‫إلى مرشد ـ وذلك بتغليب جانب الخير‪ ،‬والمسلم يدرك أن‬
‫له عدواً يتداخل على نفسه هو الشيطان وأن عليه محاربته‬
‫وذلك بطاعة هللا ومجاهدة نفسه والسبق للخيرات "قد أفلح‬
‫من زكاها وقد خاب من دساها” والمرشد المسلم عليه أن‬
‫يساعد المسترشد على تقوية جانب الخير باالستعانة بكتاب‬
‫هللا وسنة المصطفى صلى هللا عليه وسلم ويبصره بمداخل‬
‫الشيطان‪.‬‬
‫• إن حل هذه الصراعات يقوم على أساس الوعي واإلدراك‬
‫الكاملين‪ ،‬أنه يقوم على أساس استخدام المنهج اإليماني‬
‫وتحكيم العقل في تحديد أسباب االنحراف وبذلك فإن حل‬
‫الصراع في اإلسالم يكون في المستوى الشعوري‬
‫المسؤول الواعي بما حوله‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ التعامل مع األفكار غير المنطقية‪:‬ـ‬ ‫•‬
‫بدأ اإلسالم دعوته بإعالم الناس أن هناك خلالً يشوب عقيدتهم والمتمثل‬ ‫•‬
‫في الشرك باهلل وأرشدهم إلى الفكرة الصحيحة وهي توحيد هللا واإليمان‬
‫به "ال تجعل مع هللا إلها ً آخر فتقعد مذموما ً مخذوالً" (اإلسراء‪.) 22 :‬‬
‫ثم انتقل بعد ذلك في تغيير أفكارهم الخاطئة حول بعض العادات‬ ‫•‬
‫والسلوكيات الضارة والمرشد المسلم يتبين بوضوح كيف هجم القرآن‬
‫على األفكار الخاطئة وغير المنطقية عند المشركين وأن هذا يعتبر خطا ً‬
‫أساسيا ً من خطوط المنهج اإلسالمي وعلى سبيل المثال‪:‬‬
‫في مجال األلوهية‪" :‬هللا خير أما يشركون" (النحل‪.)59 :‬‬ ‫•‬
‫في مجال الربوبية‪" :‬قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم ‪،‬‬ ‫•‬
‫سيقولون هللا " (المؤمنون‪.)86 :‬‬
‫في مجال البعث‪" :‬وضرب لنا مثالً ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم"‬ ‫•‬
‫في مجال العلم‪" :‬أال يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" (الملك‪.)14 :‬‬
‫في مجال االتجاه نحو اإلناث‪" :‬وإذا بشر أحدهم باألنثى ظل وجهه مسوداً‬ ‫•‬
‫وهو كظيم يتوارى من القوم" (النحل‪.)58 :‬‬
‫• ‪3‬ـ زيادة الوعي‪:‬ـ‬
‫• ينبه اإلسالم أتباعه إلى ضرورة زيادة الوعي‬
‫واالستبصار بما حولهم واستحضار قدراتهم واستخدام‬
‫حواسهم بما يوصلهم إلى الحقائق‪ ،‬وأساليب زيادة‬
‫الوعي في القرآن كثيرة منها‪ :‬إعادة عرض األحداث‬
‫ليزداد الوعي بها بعد تحليلها يقول تعالى‪" :‬قل سيروا‬
‫في األرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمـين" (النحل‪.):‬‬
‫‪ 4‬ـ تقليل انشغال الفرد بالماضي والتركيز على الحاضر‪:‬ـ‬ ‫•‬
‫إن لوم اإلنسان لنفسه على ما فاته من فرص في الماضي تولد اضطرابا ً نفسيا ً في‬ ‫•‬
‫الوقت الذي ال تفيد كثيراً‪ ،‬كما أن انشغال اإلنسان بمخاوف قد تحدث في المستقبل‬
‫ينغص على الفرد حاضره ويجعله نهبا ً لالنفعاالت الضارة لذا نبه القرآن الكريم أن‬
‫التحسر على ما فات في الماضي أمر غير مرغوب فيه فقال‪" :‬لكيال تحزنوا على ما‬
‫فاتكم وال ما أصابكم وهللا خبير بما تعملون" (آل عمران)‪ .‬كما بين القرآن أن االنشغال‬
‫بما لم يقع غير مرغوب فيه أيضا ً فطلب توكيل األمر هلل فيما يستقبل فقال‪" :‬قل لن‬
‫يصيبنا إال ما كتب هللا لنا هو موالنا وعلى هللا فليتوكل المؤمنون" (التوبة)‪.‬‬
‫واالنصراف عن التفكير فيما فات في الماضي أو مصائب المستقبل يعني االنصراف‬ ‫•‬
‫عن التشاؤم والهموم والمخاوف والقلق‪ ،‬فالماضي مضى وال يفيد فيه سوى‬
‫االستغفار والتوبة وأخذ العبر‪ ،‬وأما الحاضر فهو ما يستطيع أن يحققه اإلنسان لذا‬
‫عليه استغالله أفضل استغالل واالستفادة منه ألبعد الحدود‪ ،‬وأما المستقبل فعلمه‬
‫عند هللا لذا ال ننشغل بما قد يحدث فيه من مصائب لكن نتجهز له بحسن االستعداد‬
‫وعمل الصالحات‪.‬‬
‫وال شك أن كثير من األمراض واالضطرابات النفسية ترجع إلى انشغال الفرد بأمور‬ ‫•‬
‫ال يملك حيالها شيئا ً من حيث منعها أو عدمه ولكنه يملك أسباب الوقاية منها‪،‬‬
‫واالنشغال حول الغد بما فيه من أحداث يشكل ضغطا ً كبيراً جعل الكثيرين يهربون‬
‫إلى الالواقع من خالل تعاطيهم المخدرات بدالً من انطالقهم إلى الواقع متسلحين‬
‫باإليمان‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ الوصول إلى هوية النجاح‪:‬ـ‬ ‫•‬
‫يطلب اإلسالم من أتباعه معايشة الواقع ومواجهته وعدم‬ ‫•‬
‫الهروب منه "قل يا أيها الكافرون‪ ،‬ال أعبد ما تعبدون" ‪.‬‬
‫ويطلب منهم تحمل مسؤولياتهم بكافة أنواعها يقول‬ ‫•‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم‪" :‬كلكم راع وكلكم مسؤول‬
‫عن رعيته"‬
‫ويحدد لهم هوية النجاح ويطلب منهم التحقق بها "اهدنا‬ ‫•‬
‫الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم" ‪.‬‬
‫كما ينفرهم من هوية الفشل ويحذرهم منها "غير‬ ‫•‬
‫المغضوب عليهم وال الضالين" ‪.‬‬
‫ويحدد لنا القرآن هوية النجاح في أكثر من موضع وما هي‬ ‫•‬
‫الصعاب الحميدة المطلوب التخلق بها ومنها‪ :‬اإليمان ـ‬
‫التقوى ـ البر ـ اإلحسان ـ اإليثار ـ التعاون ـ التطهر ـ العفة ـ‬
‫الصبر ـ الوفاء ـ الشجاعة ‪.........‬إلخ‪.‬‬
‫ويحدد هوية الفشل وصفات أصحابها ومنها‪ :‬الشرك ـ الكفر‬ ‫•‬
‫ـ الكذب ـ النفاق ـ الزنا ـ السرقة ـ الظلم ـ العدوان‪....‬‬
‫يقول تعالى عن هوية النجاح‪":‬قد أفلح المؤمنون الذين هم‬ ‫•‬
‫في صالتهم خاشعون‪ ،‬والذين هم عن اللغو معرضون‪”...‬‬
‫ويقول عن هوية الفشل‪":‬ومن أعرض عن ذكري فإن له‬ ‫•‬
‫معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى"‬
‫• ‪ 6‬ـ تنمية الشعور بالمسئولية‪:‬‬
‫• يقرر اإلسالم أن اإلنسان محاسب على كل ما يقوم به من قول أو فعل قل أو كثر‬
‫قال تعالى‪" :‬فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره‪ ،‬ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" (الزلزلة‪:‬‬
‫‪ 7‬ـ ‪ .)8‬لهذا فقد طلب القرآن من اإلنسان أن يرشد نفسه ويزكيها "بل اإلنسان على‬
‫نفسه بصيرة" (القيامة‪ .)14 :‬والمسؤولية التي يحددها اإلسالم تشمل كافة نواحي‬
‫الحياة بل اإلسالم توسع في تحمل المسئولية فطلب من المسلم تحمل مسؤولية‬
‫هداية العباد قال تعالى‪" :‬ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" (النحل‪:‬‬
‫‪ .)125‬إن كثيراً من المشاكل النفسية سببها تهرب الفرد من تحمل مسؤولياته وعدم‬
‫الخل ُ ْق"‬
‫مواجهته للواقع‪ ،‬فمن أخطر االضطرابات النفسية ما يسمى "اضطرابات ُ‬
‫حيث يلجأ الفرد للجريمة والعدوان والزنا والسرقة وغيرها من الجرائم التي يقوم‬
‫بها أناس تخلوا عن مسؤولياتهم‪.‬‬
‫• والمدقق في حقيقة اإلسالم يجد أنه كله بناء للمسؤولية‪ ،‬فالصالة مسؤولية على‬
‫الفرد أن يقيمها في أوقات معينة بشروط معينة وأركان معينة‪ ،‬وفي التزام‬
‫الشخص نحو أهل بيته مسؤولية‪ ،‬وااللتزام نحو الفقراء والمحرومين مسؤولية‬
‫الجميع القادر عليه أن يعطي وغير القادر عليه أن يحض القادرين " وال يحض‬
‫على طعام المسكين" (الماعون ‪ )3:‬بل ينفرد اإلسالم بخاصية هامة وهي إمكانية أن‬
‫يعاقب الفرد نفسه حين يتخلى عن مسؤولياته في صورة كفارات يكون هو الرقيب‬
‫على نفسه في أدائها‪.‬‬
‫• وهذه األهداف عامة لإلرـشاد والتوجيه‪ ،‬والبد عند القيام‬
‫باإلِرشاد النفسي من تحديد األهداف الخاصة للحالة‬
‫المراد عالجها‪ ،‬وللعملية التوجيهية التي سيقوم بها‬
‫المرشد على نطاق فرـدي أو جماعي أو داخل الوسط‬
‫التعليمي‪ ،‬فإذا كانت الحالة مثالً هي إخفاق طالب في‬
‫درـاسته أو تخلفه عن زمالئه‪ ،‬فيجب وضع أهداف‬
‫محددة للعملية اإلرـشادية التي سيقوم بها الموجه لعالج‬
‫هذه المشكلة بالنسبة لهذا الطالب‪.‬‬
‫• واإلرشاد بهذه األهداف يمثل جزـءاً من مهمة الداعية في‬
‫اإلسالم‪ .‬واإلسالم منهج شامل للحياة ييسرـ للناس‬
‫السعادة والسواء والصحة النفسية‪ ،‬ويرشد المرشدين‬
‫إلى الطريق األمثل لتحقيق الذات‪ ،‬ونمو الشخصية‪،‬‬
‫وترقي النفس في مدارج الكمال اإلنساني‪.‬‬
‫اء ْت ُكم َّم ْوعِ َظ ٌة ِّمن َّر ِّب ُك ْم َوشِ َفا ٌء لِّ َما‬ ‫اس َقدْ َج َ‬ ‫• { َيا أَ ُّي َها ال َّن ُ‬
‫ُدى َو َرـ ْح َم ٌة لِّ ْل ُم ْؤ ِم ِنينَ }[‪.]4‬‬ ‫ُور َوه ً‬ ‫صد ِ‬ ‫فِي ال ُّ‬
‫سوالً ِّم ْن ُه ْم َي ْتلُو ْا َع َل ْي ِه ْم‬‫• {ه َُو ا َّلذِي َب َع َث فِي األ ُ ِّم ِّيينَ َر ُ‬
‫اب َوا ْلح ِْك َم َة َوإِن َكا ُنو ْا مِن‬ ‫َءا َيا ِت ِه َو ُي َز ِّكي ِه ْم َو ُي َع ِّل ُم ُه ُم ال ِك َت َ‬
‫ين}[‪.]5‬‬ ‫ضالَ ٍل ُّم ِب ٍ‬ ‫َق ْبل ُ لَفِى َ‬
‫• والقرـآن يعالج ويرشد اإلِنسان بطرـق مختلفة‪ ،‬فتارة‬
‫بطريق القدوة‪ ،‬وتارة باإلِستدالل العقلي وتارة بمخاطبة‬
‫الوجدان بالموعظة والعبرة وتارة بغير ذلك‪.‬‬
‫فالطريقة االقتدائية مثل قوله تعالى‪:‬‬ ‫•‬
‫س ْو َء َة أَخِي ِه َقالَ‬ ‫اري َ‬ ‫ف ُي َو ِ‬ ‫ض لِ ُير َي ُه َك ْي َ‬ ‫ث فِي األَ ْر ِ‬ ‫{ َف َب َع َث هللاُ ُغ َرابا ً َي ْب َح ُ‬ ‫•‬
‫ص َب َح‬ ‫س ْو َء َة أَخِي َفأ َ ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ب َفأ ُ َو ِار َ‬ ‫ت أَنْ أَ ُك َون ِم ْثل َ ه ََذا ال ُغ َرا ِ‬ ‫َي َاو ْي َل َتي أَ َع َج ْز ُ‬
‫مِنَ ال َّنا ِدمِينَ }[‪.]6‬‬
‫والطريقة االستداللية مثل قوله تعالى‪:‬‬ ‫•‬
‫س َلما ً ِّل َر ُج ٍل َهلْ‬‫سونَ َو َر ُجالً َ‬ ‫ش َركا ُء ُم َت َ‬
‫شا ِك ُ‬ ‫{ض َر َب هللاُ َم َثالً َّر ُجالً فِي ِه ُ‬ ‫َ‬ ‫•‬
‫ان َم َثالً ا ْل َح ْم ُد هَّلِل ِ َبلْ أَ ْك َث ُر ُه ْم الَ َي ْع َل ُمونَ }[‪.]7‬‬ ‫َي ْس َت ِو َي ِ‬
‫والطريقة الوعظية مثل قوله تعالى‪:‬‬ ‫•‬
‫ش ْى ٌء َعظِ ي ٌم‪َ ،‬ي ْو َم َت َر ْو َن َها‬ ‫اع ِة َ‬ ‫الس َ‬ ‫{ َيا أَ ُّي َها ال َّن ُ‬
‫اس ا َّتقُو ْا َر َّب ُك ْم إِنَّ َز ْل َز َل َة َّ‬ ‫•‬
‫ت َح ْم ٍل َح ْم َل َها َو َت َرى‬ ‫ض ُع ُكل ُّ َذا ِ‬ ‫ض َع ْت َو َت َ‬ ‫َت ْذ َهل ُ ُكل ُّ ُم ْرضِ َع ٍة َع َّما أَ ْر َ‬
‫شدِيدٌ}[‪.]8‬‬ ‫هللا َ‬
‫اب ِ‬ ‫ارى َو َلكِنَّ َع َذ َ‬ ‫س َك َ‬ ‫ارى َو َما هُم ِب ُ‬ ‫س َك َ‬‫اس ُ‬ ‫ال َّن َ‬
‫وكأن من مقاصد القرآن استخدام األساليب المتنوعة في اإلِرشاد‬ ‫•‬
‫وتنبيه المرشدين لذلك مع أن الهدف واحد وهو معالجة النفس‬
‫البشرية وتزكيتها في المواقف المختلفة‪.‬‬
‫نشاط ‪33‬‬
‫نشاط‬

‫لو طلب منك ترـتيب األـهدـاف‬


‫السابقة حسب أـهميتها‪.‬‬
‫فكيف يمكنك ترـتيبها ؟‬
‫مع بيان التبرير المنطقي و العلمي‬
‫س‬‫أ‬
‫و‬
‫ـ‬ ‫س‬
‫ا‬ ‫ب‬ ‫م‬
‫ئ‬ ‫د‬
‫ر‬‫إل‬‫ا‬
‫د‬‫ا‬‫ش‬
‫ن‬‫ل‬ ‫ا‬
‫س‬‫ف‬
‫ل‬‫ا‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫دي‬
‫ي‬
‫يقوم اإلرشاد النفسي على أسس عامة تتمثل في عدد من‬
‫المسلمات والمبادئ التي تتعلق بالسلوك البشر‪M‬ي والعميل‬
‫وعملية اإلرشاد ‪ ،‬وعلى أسس فلسفية تتعلق بطبيعة‬
‫اإلنسان وأخالقيات اإلرشاد النفسي ‪ ،‬وعلى أسس نفسية‬
‫وتر‪M‬بوية تتعلق بالفر‪M‬وق الفردية ومطالب النمو ‪ ،‬وعلى‬
‫أسس اجتماعية تتعلق بحاجات الفرد والمجتمع ‪ ،‬وعلى‬
‫أسس فسيولوجية تتعلق بالجهاز‪ M‬العصبي والحواس ‪،‬‬
‫ويقوم اإلرشاد النفسي الديني على أسس ومبادئ ومفاهيم‬
‫دينية روحية وأخالقية ‪.‬‬
‫• يسعى علم النفس الديني إلى التأصيل الديني لإلرشاد والعالج‬
‫النفسي من خالل تأسيس اإلرشاد النفسي على أسس ومنطلقات‬
‫وممارسات دينية تجعل اإلرشاد النفسي أكثر كفاءة عند األفر‪M‬اد‬
‫في وقايتهم من االضطرابات النفسية ومساعدتهم على استعادة‬
‫الصحة النفسية (كمال إبراهيم مرسي) ‪.‬‬
‫ويمثل الدين من الجانب الروحي واألخالقي في اإلنسان ‪ ‬حجر‪M‬‬
‫الزاوية في اإلرشاد النفسي الديني ‪،‬فهو يخاطب الروح بما‬
‫يحمله من سمو ورفعة ‪ ،‬وما يحث عليه من أخالق حميدة‪،‬‬
‫وتمسك بالقيم والمثل العليا ‪ ،‬واإلرشاد يبر‪M‬ز تلك الجوانب‬
‫واألبعاد ‪ ،‬وتلك العالقات التي تربط اإلنسان بجوانبه المختلفة ‪.‬‬
‫• إن اإلرشاد النفسي الديني يقوم على أسس تعتمد على معطيات األديان‬
‫السماوية من الكتب المقدسة وسنة األنبياء والمنقول عن أعالم الدين‬
‫من القيم والمبادئ الدينية والخلقية ‪ ،‬وذلك تبعا ً لدين كل مسترشد ‪،‬‬
‫فاإلرشاد النفسي الديني للمسترشد المسلم مثالً يعتمد على مبادئ‬
‫وأسس مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية وإسهامات العلماء‬
‫المسلمين أمثال الغزالي وابن القيم والكندي والرازي وغيرهم ‪.‬‬
‫• ولذلك يشير الشرقاوي إلى أن اإلرشاد النفسي الديني يستمد أسسه من‬
‫ض إِ َّن ُه‬‫ت َو ْاألَرْ ِ‬ ‫نز َل ُه الَّ ِذي َيعْ َل ُم السِّرَّ ِفي ال َّس َم َاوا ِ‬‫قول هللا تعالى ‪ " :‬قُ ْل أَ َ‬
‫ان َغفُوراً رَّ ِحيما ً " (الفرقان ‪َ " ، ) 6 ،‬و ِس َع َربِّي ُك َّل َشيْ ٍء ِع ْلما ً‬ ‫َك َ‬
‫ُون " (األنعام ‪َ " ،)80،‬يا أَ ُّي َها ال َّناسُ َق ْد َجاء ُك ُم الرَّ سُو ُل ِب ْال َح ِّق ِمن‬ ‫أَ َفالَ َت َت َذ َّكر َ‬
‫ت‬‫رَّ ِّب ُك ْم َفآ ِم ُنو ْا َخيْراً لَّ ُك ْم َوإِن َت ْكفُرُو ْا َفإِنَّ هَّلِل ِ َما ِفي ال َّس َم َاوا ِ‬
‫كيما ً " (النساء ‪.)170،‬‬ ‫ان هّللا ُ َعلِيما ً َح ِ‬
‫ض َو َك َ‬ ‫َواألَرْ ِ‬
‫• ويرى زهران أن اإلرشاد النفسي الديني يقوم على أسس‬
‫ومفاهيم ومبادئ وأساليب دينية يمكن صياغتها فيما يلي‪:‬‬
‫• ‪ -1‬أن هللا ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬خلق اإلنسان ‪ ،‬وهو يعلم‬
‫ِين ‪َ ،‬وا َّلذِي‬
‫ِ‬ ‫د‬‫ه‬‫ْ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ِي‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫ِي‬ ‫ذ‬‫ل‬‫َّ‬ ‫من خلق ‪ ،‬قال تعالى ‪ " :‬ا‬
‫ِين“‬
‫شف ِ‬ ‫ت َف ُه َو َي ْ‬‫ض ُ‬ ‫ِين ‪َ ،‬وإِ َذا َم ِر ْ‬
‫ه َُو ُي ْط ِع ُمنِي َو َي ْسق ِ‬
‫‪ -2‬أن هللا ‪ -‬سبحانه وتعالى‪  -‬يعلم أسباب انحراف سلوك‬
‫اإلنسان وفساده واضطرابه‪.‬‬
‫‪ -3‬أن هللا ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬هو الذي يعرف طرق‬
‫الوقاية من تلك االنحرافات و االضطرابات‪.‬‬
‫• بينما يشير فرج إلى أنه يمكن تحديد أسس اإلرشاد النفسي‬
‫الديني اإلسالمي في النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلفادة مما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية من قيم‬
‫ومفاهيم دينية وخلقية في اإلرشاد النفسي الديني ‪.‬‬
‫‪ - 2‬األخذ بما توصل إليه علم النفس الحديث في مجال اإلرشاد‬
‫النفسي الديني ‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلفادة من التراث اإلسالمي ‪ ،‬وما تركه علماء المسلمين من‬
‫آراء ونظريات نفسية في اإلرشاد النفسي الديني ‪.‬‬
‫‪  - 4‬قابلية السلوك للتعديل والتغيير ‪ ،‬حيث يؤكد اإلسالم على‬
‫أهمية العقل والتفكير وقابلية اإلنسان للتعلم ‪.‬‬
‫‪ -5‬التدرج في تعديل السلوك من البسيط إلى الصعب‪ ،‬حيث يقر‬
‫اإلسالم بمبدأالتدرج في التخلص من العادات والسلوكيات‬
‫السيئة وتعلم سلوكيات جديدة بدالً منها‪.‬‬
‫• ويشير مرـسي ‪ ،‬و الرشيدي إلى أن اإلرـشاد النفسي الديني‬
‫اإلسالمي يستمد مسلماته ومبادئه من الشريعة اإلسالمية ‪،‬‬
‫والتي تستند على األسـس التالية ‪:‬‬
‫‪ - 1‬النصيحة عماد الدين وقوامه‪ ،‬فالدين النصيحة كما قال صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ -2‬اإلرشاد من أفضل األعمال عند هللا ألن فيه نفع الناس‪.‬‬


‫‪ - 3‬اإلرشاد خدمة يقصد بها وجه هللا وطلب مرضاته‪.‬‬
‫‪ -4‬يقوم اإلر‪M‬شاد على تنمية إرادة الفرد في طلب ما ينفعه وترك ما‬
‫يضره‬
‫‪ -5‬كل شخص حر في اتخاذ قراراته بنفسه واختيار ما يناسبه من‬
‫األنشطة التي أحلها هللا له‪.‬‬
‫‪ -6‬االلتزام في اإلر‪M‬شاد بالمحافظة على خصائص النظام والتمسك‬
‫باألخالق اإلسالمية‪.‬‬
‫• في حين يرى عبد الحميد محمد شاذلي أن اإلرشاد النفسي‬
‫الديني يعتمد على أسس أهمها ‪:‬‬
‫• معرفة الخالق ‪ ،‬معرفة الذات ‪ ،‬والصدق مع الذات ‪،‬‬
‫وقبول الذات‪ ،‬وقبول القضاء والقدر‪ .‬فاإلرشاد النفسي‬
‫الديني يقوم على أساس اللجوء إلى هللا عند الشدة ‪ ،‬وهذه‬
‫طبيعة نفسية بشر‪M‬ية ‪ ،‬وأن في اتصال اإلنسان بفاطره‬
‫وموجده " خالقه " القوي العليم الخبير رابطة وثيقة ‪ ،‬تقود‬
‫إلى األمن النفسي ‪ ،‬فإذا أفضى بمخاوفه وقلقه إلى هللا ‪، ‬‬
‫ولجأ إليه هدأت نفسه وشعرت بالسكينة ‪ ،‬وبذلك يشفى من‬
‫الجزع والفزع والخوف والحزن ‪.‬‬
‫• ولذلك أشار كل من حسن محمد شرقاوي‪ ،‬ومحمد حسين‬
‫عمار إلى أن اإلرشاد النفسي الديني اإلسالمي يرتكز على‬
‫ركيزة‪ M‬مهمة مؤداها اللجوء إلى هللا عند الشدة ‪ ،‬كما أن‬
‫المداومة على الذكر والصالة في وقتها تجعل اإلنسان دائما ً مع‬
‫خالقه ‪ ،‬ويتخلص بذلك من كل ما يساوره من اضطرابات ‪،‬‬
‫وتغمره السكينة ويشعر بالرضا والطمأنينة في أحواله جميعها‪،‬‬
‫فهو دائما ً في معية هللا ‪ ،‬ويتقي الفزع والجزع والهم ؛ ألنه‬
‫يطلب من هللا أن يزيل عنه الكرب والقلق ‪ ،‬ألنه ال يعلم‬
‫المستقبل‪ .‬وتظهر تلك األسس في عملية اإلرشاد النفسي الديني‬
‫لخفض قلق المستقبل المهني ‪  Carrer Related Future Anxiety‬النعكاسها‬
‫على شخصية الفرد خالل عملية اإلرشاد النفسي الديني‬
‫‪  Religious Counseling Process‬الذي يجعل العمل أو المهنة ‪Work or‬‬
‫‪  Carrer‬أحد مكونات اإليمان ‪.‬‬
‫• يشير عبد العزيز محمد النغيمشي (‪ )1991‬إلى أن‬
‫الشخصية تنبني في البيئة اإلسالمية وفق مفهومي الدين‬
‫واإليمان اللذين يقدرهما القرآن والسنة النبوية ‪ ،‬وذلك‬
‫بتدرجهما في سلم اإليمان الذي يؤهلهما الكتساب صفات‬
‫وسمات معينة حسب الدرجة التي تقع فيها ‪ ،‬أما المبادئ‬
‫التي ينبني عليها هذا التصور لتلك الشخصية يتمثل في‬
‫أربعة مبادئ هي ‪:‬‬
‫• ‪ - 1‬أن العمل والسلوك مكون رئيس لإليمان‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن اإليمان يزيد وينقص‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن المؤمنين يتفاوتون في اإليمان‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن للمؤمنين صفات وسمات‪.‬‬
‫وتمثل هذه المبادئ األربعة تسلسالً خطيا ً أي أن األول يؤدي‬
‫إلى الثاني ‪ ،‬والثاني يؤدي إلى الثالث ‪ ،‬وهكذا ‪.،‬‬
‫• ويقوم اإلرشاد النفسي الديني على مجموعة من المبادئ هي ‪:‬‬
‫‪ -1‬المناقشة الدينية القائمة على النظرة الموضوعية لألفكار واحترام‬
‫حرية الفرد في التفكير‪.‬‬
‫‪  - 2‬يعد اإلرشاد النفسي الديني إرشاداً بنائيا ً وموجها ً نحو المشكالت‬
‫النفسية ‪.‬‬
‫‪ - 3‬يقوم على نموذج تربوي ؛ حيث إنه في طريقته إلرشاد األفراد ذوي‬
‫المشكالت النفسية يولي اهتماما ً أكثر لعملية التعلم بجانب عملية التفاعل‬
‫‪ ،‬فالجلسة تبدأ بمادة تعليمية دينية ونفسية يلقيها المرشد مع الحرص‬
‫على إعطاء مفاهيم وتصورات صحيحة للمبادئ والقيم اإلسالمية ‪ ،‬كما‬
‫يتم التعليم أيضا ً من خالل القدوة ‪.‬‬
‫‪ - 4‬يقوم على التركيز على " الهنا واآلن " على اعتبار أن القرآن‬
‫والسنة موجودين في " الهنا واآلن " فالمنظور اإلسالمي يقول ‪ " :‬أنا‬
‫وأنت مع هللا“هنا واآلن " ‪.‬‬
‫‪ - 5‬تعتمد فنيات اإلرشاد النفسي الديني على الفهم الصحيح للعبادات‬
‫الدينية وممارستها ممارسة الرياضة الروحية ‪( ‬محمد عبد التواب معوض )‪.‬‬
‫• بينما تشير هناء يحي أبو شهبة إلى أن األسس التي يقوم‬
‫عليها اإلرشاد النفسي في ضوء اإلسالم ‪ ،‬تتمثل في ‪ :‬قابلية‬
‫السلوك للتعديل ‪ ،‬والجوانب العقلية جزء مهم في تعديل‬
‫السلوك‪ ،‬وتصرفات اإلنسان تقوم على أساس من الوعي‬
‫والشعور بها ‪ ،‬والمسئولية فردية وجماعية ‪ ،‬واإلرشاد‬
‫‪ ‬والعالج يكون بدافع من الشخص نفسه ‪ ،‬وإقرارـ مبدأ الفـروق‬
‫الفردية ‪ ،‬اإلرشاد والعالج علم ثم عمل ‪ ،‬واختيارية القرار‬
‫وحرية التصرف ‪،‬واختالف طرائق اإلرشاد والعالج باختالف‬
‫الموقف وحالة الفرد ‪.‬‬
‫• أسس اإلرشاد النفسي الديني اإلسالمي‪:‬‬
‫تشير (أبو شهبه‪ )2007 ,‬إلى أن األسس التي يقوم عليها اإلرشاد‬
‫النفسي في ضوء اإلسالم ‪ ،‬تتمثل في‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلفادة مما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية من قيم ومفاهيم‬
‫دينية وخلقية في اإلرشاد النفسي الديني‪.‬‬
‫‪ - 2‬األخذ بما توصل إليه علم النفس في مجال اإلرشاد النفسي الديني‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلفادة من التراث اإلسالمي‪ ،‬وما تركه علماء المسلمين من آراء‬
‫ونظريات نفسية في اإلرشاد النفسي الديني‪.‬‬
‫‪ -4‬قابلية السلوك للتعديل والتغيير‪ ،‬حيث يؤكد اإلسالم على أهمية العقل‬
‫والتفكير وقابلية اإلنسان للتعلم‪.‬‬
‫‪ -5‬التدرج في تعديل السلوك من البسيط إلى الصعب‪ ،‬حيث يقر اإلسالم‬
‫بمبدأ التدرج في التخلص من العادات والسلوكيات السيئة وتعلم‬
‫سلوكيات جديدة بدالً منها‪.‬‬
‫• فاإلرشاد النفسي الديني يقوم على أساس اللجوء إلى هللا‬
‫عند الشدة‪ ،‬و هذه طبيعة نفسية بشرية‪ ،‬وأن في اتصال‬
‫اإلنسان بفاطره وموجده " خالقه " القوي العليم الخبير‬
‫رابطة وثيقة‪ ،‬تقود إلى األمن النفسي‪ ،‬فإذا أفضى‬
‫بمخاوفه و قلقه إلى هللا‪ ،‬ولجأ إليه هدأت نفسه وشعرـت‬
‫بالسكينة‪ ،‬و بذلك يشفى من الجزع و الفزع و الخوف و‬
‫الحزن‪.‬‬
‫• نستطيع من خالل عرض األسس والمبادئ التي يستند عليها‬
‫اإلرشاد النفسي الديني ‪ ،‬أن نحدد أسس اإلرشاد النفسي الديني‬
‫اإلسالمي لخفض قلـق المستقبل المهني ‪ ،‬فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلر‪M‬شاد النفسي الديني إرشاد بنائي موجه نحو حل‬
‫المشكالت المهنية لخفض التوتر الناتج عن نقص فرص العمل‬
‫بعد التخرج‪.‬‬
‫‪ - 2‬قابلية السلوك للتعديل؛ لتأكيد الدين اإلسالمي على أهمية‬
‫العقل والتفكير ‪ ،‬وقابلية اإلنسان للتعلم ‪ ،‬واكتساب العادات‬
‫والمهارات المهنية‪.‬‬
‫‪ - 3‬مراعاة الفروق الفردية ‪ ،‬فكل فرد حر في اتخاذ قراراته‬
‫بنفسه ‪ ،‬واختيار ما يناسبه من األنشطة التي أحلها هللا له‪.‬‬
‫‪  -4‬فنيات اإلرشاد النفسي الديني اإلسالمي وعملية اإلرشاد‬
‫مصدرها الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫المطلوب ‪:‬‬
‫م‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ر‬‫ع‬ ‫ت‬ ‫‪‬‬
‫ا يلي ‪:‬‬ ‫ا‬
‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫ئ‬ ‫د‬‫ا‬ ‫ب‬ ‫م‬‫ل‬
‫‪...........‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬‫‪:‬‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫أل‬ ‫ا‬
‫‪.........‬‬
‫نشاط‪44‬‬
‫نشاط‬
‫ة‬ ‫ء‬‫ا‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫‪‬‬
‫ثم‬ ‫ق‬ ‫ب‬‫س‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫أ‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ص‬
‫سس‬
‫ي‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫ب‬‫م‬ ‫و‬
‫ضوء‬
‫‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ع‬‫ت‬‫ل‬‫ا‬
‫أهمية اإلرشاد النفسي الديني والحاجة إليه‬
‫وتطبيقاته‬
‫• في هذـه المقارـبة سنتناول أـهمية اإلرشاد الديني من عدـة‬
‫جوـانب أـهمها‪:‬‬
‫أوال‪:‬أهمية اإلرشاد النفسي الديني كإرشاد نفسي‪.‬‬ ‫•‬
‫ثانيا‪ :‬أهمية اإلرشاد النفسي الديني كإرشاد ديني‪.‬‬ ‫•‬
‫ثالثا ‪ :‬أهمية الدين في عالج األمراض النفسية‪.‬‬ ‫•‬
‫رابعا ‪ :‬مبررات الرافضين للعالج النفسي الديني‪.‬‬ ‫•‬
‫خامسا ‪ :‬أخطاء المسرفين في العالج النفسي الروحي‪.‬‬ ‫•‬
‫أوال‪ :‬أـهمية اإلرشاد النفسي الديني‬
‫كإرشاد نفسي‬
‫• أهمية اإلرشاد النفسي الديني ووظائفه‪:‬‬
‫يمثل الدين أهمية كبيرة بما يمثله من جانب رـوحي‬
‫وأخالقي في اإلنسان و يعتبر هو‪  ‬حجرـ الزـاوية في‬
‫اإلرشاد النفسي الديني‪ ،‬فهو يخاطب الروح بما يحمله‬
‫من سمو ورفعة ‪ ،‬وما يحث عليه من أخالق حميدة‪،‬‬
‫وتمسك بالقيم والمثل العليا ‪ ،‬واإلرـشاد يبرز تلك‬
‫الجوانب واألبعاد ‪ ،‬وتلك العالقات التي تربط اإلنسان‬
‫بجوانبه المختلفة (‪.)Cashwell & Young, 2005‬‬
‫• يؤدي الدين جملة من الوظائف التي ال غنى عنها لكل من‬
‫الفر‪M‬د والجماعة ‪ ،‬وكونه عامالً مهما ً في حياة اإلنسان‬
‫النفسية ‪ ،‬وعنصراً أساسيا ً في نمو شخصيته ‪ ،‬وأعظم دعائم‬
‫السلوك ‪ ،‬حيث يوفر قاعدة وجدانية تضمن األمن واالطمئنان‬
‫النفسي واالتزان االنفعالي ‪ ،‬وتفاؤل وحب للحياة ‪ ،‬وعدم‬
‫النظرة إليها نظرة تشاؤمية ‪ ،‬وتأكيد الهوية ؛ لما يوفره‬
‫اإلحساس الديني من اإلحساس بالسعادة والرضا والقناعة‬
‫واإليمان بالقضاء والقدر ‪ ،‬ويخفف من وطأة الكوارث‬
‫واألزمات التي تعتر‪M‬ض طريق الفرد ‪ ،‬فيشعر الفرد‬
‫باالطمئنان وعدم الخوف أو التشاؤم من المستقبل ‪ ،‬من خالل‬
‫إطار عالقة اإلنسان بخالقه ‪ ،‬التي تعد موجها ً لسلوكه في شتى‬
‫منـاحي الحياة ‪ ،‬وفي كل مر‪M‬حلة عمرية من حياة اإلنسان‬
‫• وتتسم مرحلة المراهقة بنوع من اليقظة والنضج الديني ‪،‬‬
‫والحاجة إلى تعقل الدين والشعائر الدينية ‪ ،‬وإن علم النفس‬
‫وعلم االجتماع قد أفردا فرعا ً مستقالً لتناول الظاهر‪M‬ة‬
‫‪The‬‬‫الدينية سميا ‪ :‬علم النفس الديني ‪Psychology of Religious‬‬

‫وعلم االجتماع الديني ‪ The Sociology of Religious‬على أساس أن‬


‫الدين يعد تجسيما ً ألعلى الطموحات اإلنسانية بإعتبار‪M‬ه‬
‫حصن األخالق ‪ ،‬الذي يعد المصدر‪ M‬األساسي ألمن‬
‫األفراد لتحقيق السالم الداخلي لهم‬
‫• وأظهرت الكثير من البحوث والدراسات أن الدين يؤدي دوراً‬
‫إيجابيا ً في الوقاية من أعراض االضطرابات النفسية لدى‬
‫المراهقين ؛ نظراً الرتباط ارتفاع مستوى التدين بالكثير من‬
‫الجوانب اإليجابية لدى األفراد ‪ ،‬فيؤدي إلى صحة نفسية أفضل‬
‫وقدرة أكبر على مجابهة األمراض والتغلب على آثارها السلبية‬
‫وسرعة الشفاء من األعراض النفسية والقدرة على تحمل الضغوط‬
‫الناتجة عن أحداث الحياة القاسية ‪.‬‬
‫• وعلى الجانب اآلخر أشارت العديد من الدراسات إلى وجود عالقة‬
‫ارتباطيه موجبة بين التوجهات الدينية وتقدير الذات ‪ ،‬ووجود‬
‫عالقة ارتباطية سلبية مع كل من القلق واالكتئاب ‪ ،‬وأن األفراد‬
‫األكثر تدينا ً أقل قلقا ً واكتئابا ً وأكثر تأكيداً لذواتهم‪.‬‬
‫• وإن من أبرز الوظائف التي يؤديها الدين للفرد‬
‫والجماعة تحقيق االستقرار النفسي ‪ ،‬فحينما يصاب‬
‫األفراد بالتمزق النفسي والصراعات الداخلية يحقق‬
‫لهم الدين توازنا ً نفسيا ً عن طريق ما يسوقه من‬
‫عالج نفسي ‪ ،‬وتوجيه إلهي ‪ ،‬لقول هللا تعالى ‪ " :‬أَ ُه ْم‬
‫ش َت ُه ْم فِي ا ْل َح َيا ِة ال ُّد ْن َيا‬ ‫َي ْقسِ ُمونَ َر ْح َم َة َر ِّب َك َن ْحنُ َق َ‬
‫س ْم َنا َب ْي َن ُهم َّمعِي َ‬
‫س ْخ ِر ّيا ً‬
‫ض ُهم َب ْعضا ً ُ‬ ‫ت لِ َي َّتخ َِذ َب ْع ُ‬
‫ض د ََر َجا ٍ‬ ‫ض ُه ْم َف ْو َق َب ْع ٍ‬ ‫َو َر َف ْع َنا َب ْع َ‬
‫َو َر ْح َم ُت َر ِّب َك َخ ْي ٌر ِّم َّما َي ْج َم ُعونَ " ( الزخرف ‪ ، )32 ،‬ففي حمى‬
‫الدين تخف وطأة الحياة ‪ ،‬وتهون أمور الدنيا ‪،‬‬
‫وتصبح هذه المظاهر أمراً ثانويا ً وبعيداً عن‬
‫المألوف‬
‫• ويؤدي الشعور الديني إلى اإلحساس بالسعادة والرضا‬
‫والقناعة واإليمان بالقضاء والقدر خيره وشره ‪ ،‬الذي‬
‫يعين الفرد على مواجهة الضغوط ‪ ،‬ويمنح الثقة‬
‫والقوة لمواجهة التحديات واألزمات التي تعترضه في‬
‫مجرى حياته ‪ ،‬فيكون المالذ وقت الشدة ‪ ،‬الذي‬
‫يشعره باألمان وعدم الخوف والتشاؤم ‪ ،‬لليقين بأن هللا‬
‫‪ -  -‬يتدخل في األحداث المهمة من أجل األفضل‬
‫دائما ً ‪ ،‬الذي يتحقق للفرد من خالل ‪ :‬الدعاء ‪،‬‬
‫والصالة ‪ ،‬والشكر مما يوفر له أسمى صور الـدعم‬
‫والطمأنينة‪.‬‬
‫• ولذلك يذهب البعض إلى أنه مع هذا الدعم تتناقض مشاعر‪M‬‬
‫الخوف والقلق ‪ ،‬وخاصة قلق المستقبل‪ ،‬فيطمئن الفر‪M‬د على‬
‫مصيره المستقبلي ؛ األمـر الذي يسهم في تحقيق السـواء‬
‫النفسي ‪ ،‬العتبار‪M‬ه بعداً أساسيا ً للشخصـية السوية ‪.‬‬
‫• إن للدين وظائف وآثاراً نفسية واجتماعية على الفرد‬
‫والمجتمع ‪ ،‬حيث يزود الفر‪M‬د بنسق من القيم والمبادئ والمعايير‪M‬‬
‫والمحكات االجتماعية التي توفر له التكيف مع من حوله ‪،‬‬
‫ويز‪M‬وده بر‪M‬ؤية عالم آخر غير محسوس فيه الخالص ‪ ،‬تشعره‬
‫باالستقرار‪ M‬النفسي ؛ ألنه بمثابة اإلطار المرجعي المعياري‬
‫الذي يلجأ إليه الفرد في سعيه لكل ما قد يواجهه من مختلف‬
‫صور الصراع‬
‫وأجـملت الوظـائف النفسية واالجتماعية للدين فيما يلي ‪:‬‬ ‫•‬
‫‪ -1‬توفير نظام من الضبط االجتماعي من خالل المساهمة في تكوين‬ ‫•‬
‫ضمير الفرد والجماعة‪ ،‬حيث تقوم المبادئ الدينية ‪ ،‬وما يرتبط بها من‬
‫قيم ومعتقدات مختلفة بتقوية الضبط االجتماعي الداحلى ‪ ،‬وبهذا أسهمت‬
‫في تكوين ضمير اإلنسان وتقوية دواعي الخير لديه‪.‬‬
‫‪ -2‬يساعد الدين على توفير األمن الذي يعد مصدراً أساسيا ً للصحة‬ ‫•‬
‫النفسية ‪ ،‬واختفاء عوامل القلق النفسي لدى مختلف األفراد في المجتمع ‪،‬‬
‫حيث أن قيام الدين بمحاولة التنبؤ بأسرار ما بعد الحياة واتجاهه لتبشير‬
‫المؤمنين خيراً ‪ ،‬وتوعد المسيئين شراً ‪ ،‬يعمل على حل الكثير من‬
‫االضطرابات النفسية ‪ ،‬وبالتالي تقوية عوامل االستقرار في حياة الفرد ‪.‬‬
‫‪ -3‬القيام بوظيفة تثقيفية تعليمية من خالل القصص الديني عن حياة‬ ‫•‬
‫السابقين ‪.‬‬
‫• بينما يرى‬
‫رشاد عبد العزيز موسى ‪:‬‬

‫أهمية اإلرشاد النفسي الديني‬


‫في سيكولوجية الدين تكمن‬
‫في عالج االضطرابات‬
‫النفسية باختالف أنواعها ‪،‬‬
‫األمر الذي يدعم االهتمام‬
‫ببرامج اإلرشاد النفسي‬
‫الديني وفاعليتها في عالج‬
‫االضطرابات ‪ ،‬يعد بمثابة‬
‫إضافة جديدة للتراث‬
‫السيكولوجي ‪.‬‬
‫• ونجد في كالم الحق تبارك وتعالى أفضل توجيه وأصوب‬
‫إرشاد ‪ ،‬وذلك ألنه عندما يخاطب النفس اإلنسانية ‪ ،‬فإنما‬
‫يخاطبها مخاطبة العليم بأسر‪M‬ارها الخبير بما يفسدها‬
‫ويزكيها ‪ ،‬المطلع على مواطن القوة والضعف‪ M‬فيها ‪،‬‬
‫مصداقا ً لقول هللا تعالى ‪ " :‬أَال َي ْع َل ُم َمنْ َخ َل َق َوه َُو ال َّلطِ ُ‬
‫يف ا ْل َخ ِبي ُر " ( الملك)‬

‫• وفي سنة النبي ‪ -  -‬إيضاح للمنهج اإلرشادي المتكامل‬


‫في القرآن الكريم ‪ ،‬وتفصيل لما جاء مجمالً فيه ‪ ،‬كما أن‬
‫ما تر‪M‬كه لنا سلفنا الصالح من تراث له قيمته ‪ ،‬لم يخر‪M‬ج‬
‫عن نطاق المصدرين األساسيين لديننا الحنيف ‪ ،‬الكتاب‬
‫والسنة‪.‬‬
‫• فالدين عنصر أساسي في حياة اإلنسان حيث تشمل التربية الدينية السليمة‬
‫‪ ،‬كما يتضمن النمو الديني السوي‪ ،‬وتشمل الصحة النفسية السعادة في‬
‫الدنيا واآلخرة ‪ ،‬ولذلك فالتربية الدينية المبكرة تعد وسيلة وقائية لصحة‬
‫اإلنسان النفسية فهي تساعده على تكوين نظام ثابت من القيم والمعايير‬
‫األخالقية حيث تصبح ركيزة أساسية تقوم عليها أساليب تكيف اإلنسان ‪،‬‬
‫وبقدر ما يفيد سلوكه وتفكيره من هذا النظام بقدر ما يكون أقدر على‬
‫التكيف النفسي؛ ألنه المالذ من المشكالت االنفعالية والصدمات النفسية‬
‫بما يحمله من أفكار وقيم قد تكون عالجا ً لكثير من المشكالت التي يقع‬
‫فيها الفرد ‪ ،‬والتي قد تؤثر في نفسيته تأثيراً كبيراً ‪ ،‬فكثير من الناس‬
‫يكون التخفيف للكثير من آالمهم النفسية يكمن في تذكرهم المفاهيم الدينية‬
‫مما يجعلهم يجدون في ذلك راحة نفسية وطمأنينة روحية ‪ ،‬ويخفف الدين‬
‫القلق النفسي وله صلة كبيرة بالنمو العام عند المراهقين‪.‬‬
‫• وبجانب ذلك نجد اختالفات كثيرة بين المدارس المختلفة‬
‫للعالج واإلر‪M‬شاد النفسي في نظرتهما إلى طبيعة الدوافع‬
‫المحركة للسلوك ‪ ،‬وإلى طبيعة التهديدات المثيرة للقلق ‪،‬‬
‫والمثيرة لنشوء أعر‪M‬اض األمراض النفسية ‪ ،‬تجعل من‬
‫الصعب الوصول إلى اتفاق عام بين هذه المدار‪M‬س‬
‫المختلفة حول نظرية متكاملة في الشخصية وتوافقها ‪،‬‬
‫فكل مدرسة من هذه المدارس تنظر إلى اإلنسان من‬
‫زاوية معينة ومحددة‪.‬‬
‫• ولقد بدأت تظهر منذ بداية‬
‫الستينات حتى اآلن المقدمات‬
‫التي قام بها علماء النفس التي‬
‫تنادي بأهمية اإلفادة من‬
‫التعاليم والقيم الـدينية في‬
‫اإلرشاد النفسي والصحة‬
‫النفسية ‪ ،‬وترى أن اإليمان‬
‫الحقيقي باهلل قوة هائلة تمد‬
‫اإلنسان المتدين بطاقة روحية‬
‫تعينه على تحمل مشاق الحياة‬
‫وتجنبه القلـق الناتج عـن‬
‫االهتمام بالحياة المادية‪.‬‬
‫القرآن‬
‫‪)1962‬القرآن‬
‫حموده((‪)1962‬‬
‫الوهابحموده‬
‫عبدالوهاب‬ ‫كتابات‪: :‬عبد‬
‫فيكتابات‬ ‫االتجاهاتفي‬
‫تلكاالتجاهات‬ ‫•• تمثلت‬
‫تمثلتتلك‬
‫إسالمي‪، ،‬‬
‫نفسإسالمي‬‫علمنفس‬‫مالمحعلم‬
‫‪)1983‬مالمح‬
‫عمر((‪)1983‬‬ ‫ماهرعمر‬
‫ومحمدماهر‬
‫النفس‪، ،‬ومحمد‬
‫وعلمالنفس‬
‫وعلم‬
‫الحميد‬
‫عبدالحميد‬‫وسيدعبد‬
‫إسالمي‪، ،‬وسيد‬
‫نفسإسالمي‬ ‫علمنفس‬
‫نحوعلم‬ ‫‪)1984‬نحو‬
‫الشرقاوي((‪)1984‬‬
‫محمدالشرقاوي‬‫وحسنمحمد‬
‫وحسن‬
‫السوية"‪، ،‬‬ ‫الشخصية‬ ‫"‬ ‫المية‬ ‫إسٍ‬ ‫نفسية‬ ‫دراسات‬ ‫سلسة‬
‫مرسي (‪ )1985‬سلسة دراسات نفسية إسٍ المية " الشخصية السوية"‬ ‫)‬ ‫‪1985‬‬ ‫(‬ ‫مرسي‬
‫وعلم‬
‫النبويوعلم‬
‫والحديثالنبوي‬
‫النفس‪، ،‬والحديث‬
‫وعلمالنفس‬
‫القرآنوعلم‬
‫‪)1987‬القرآن‬
‫نجاتي((‪)1987‬‬ ‫عثماننجاتي‬
‫ومحمدعثمان‬
‫ومحمد‬
‫إسالمي‬
‫نفسإسالمي‬ ‫علمنفس‬‫نحوعلم‬
‫‪)1990‬نحو‬
‫مهدي((‪)1990‬‬‫الفتاحمهدي‬
‫عبدالفتاح‬
‫ومحمدعبد‬
‫‪، ،)2000‬ومحمد‬‫النفس((‪)2000‬‬
‫النفس‬
‫والتدين‬
‫الدينوالتدين‬
‫وسيكولوجيةالدين‬
‫اإلسالم""‪، ،‬وسيكولوجية‬
‫ضوءاإلسالم‬‫فيضوء‬ ‫النفسيفي‬
‫العالجالنفسي‬
‫""العالج‬
‫الديني‪، ،‬‬
‫النفسالديني‬
‫علمالنفس‬
‫‪)1993‬علم‬
‫موسى((‪)1993‬‬‫العزيزموسى‬
‫عبدالعزيز‬‫علىعبد‬‫ورشادعلى‬
‫‪، ،)2002‬ورشاد‬
‫((‪)2002‬‬
‫‪، ،)2001‬‬
‫النبوية((‪)2001‬‬
‫والسنةالنبوية‬
‫الكريموالسنة‬
‫القرآنالكريم‬
‫ضوءالقرآن‬
‫النفسيفيفيضوء‬‫العالجالنفسي‬
‫أساليبالعالج‬
‫أساليب‬
‫النبوي‬
‫والهديالنبوي‬
‫اإللهيوالهدي‬
‫الوحياإللهي‬
‫ضوءالوحي‬‫فيضوء‬ ‫اليوميةفي‬
‫حياتنااليومية‬
‫فيحياتنا‬‫النفسيفي‬
‫اإلرشادالنفسي‬
‫اإلرشاد‬
‫تالوة‬
‫‪، ،)1994‬تالوة‬
‫خليل ((‪)1994‬‬‫يوسفخليل‬
‫محمديوسف‬‫‪ ، ،)2001‬محمد‬
‫الديني((‪)2001‬‬‫العالجالديني‬
‫‪، ،)2001‬العالج‬
‫((‪)2001‬‬
‫مرسي‬
‫كمالمرسي‬ ‫عوده‪، ،‬كمال‬
‫ومحمدعوده‬
‫النفس‪، ،‬ومحمد‬
‫اطمئنانالنفس‬
‫علىاطمئنان‬ ‫وأثرهاعلى‬
‫الكريموأثرها‬
‫القرآنالكريم‬
‫القرآن‬
‫العلى‬
‫وعبدالعلى‬
‫واإلسالم‪، ،‬وعبد‬
‫النفسواإلسالم‬
‫علمالنفس‬ ‫ضوءعلم‬
‫فيضوء‬ ‫النفسيةفي‬
‫الصحةالنفسية‬
‫‪))1994‬الصحة‬ ‫((‪1994‬‬
‫ومصطفى‬
‫الوجداني‪، ،‬ومصطفى‬
‫والتهذيبالوجداني‬
‫القرآنيوالتهذيب‬
‫النفسالقرآني‬
‫علمالنفس‬ ‫‪)1996‬علم‬
‫الجسماني((‪)1996‬‬
‫الجسماني‬
‫العيسوي‬
‫محمدالعيسوي‬‫الرحمنمحمد‬
‫وعبدالرحمن‬
‫جديد‪، ،‬وعبد‬
‫قرآنيجديد‬
‫نفسقرآني‬‫علمنفس‬ ‫‪))1998‬علم‬
‫محمود((‪1998‬‬
‫محمود‬
‫الشناوي‬
‫((‪ )2001‬سيكولوجية اإلسالم واإلنسان المعاصر ‪ ،‬ومحمد محروس الشناوي‬
‫محروس‬ ‫ومحمد‬ ‫‪،‬‬ ‫المعاصر‬ ‫واإلنسان‬ ‫اإلسالم‬ ‫سيكولوجية‬ ‫)‬ ‫‪2001‬‬
‫ومحمد‬
‫النفسي ‪، ،‬ومحمد‬
‫والعالجالنفسي‬
‫لإلرشادوالعالج‬
‫اإلسالميلإلرشاد‬
‫التوجيهاإلسالمي‬
‫بحوثفيفيالتوجيه‬‫‪)2001‬بحوث‬
‫((‪)2001‬‬
‫النفس‬
‫علمالنفس‬
‫فيعلم‬‫الكريمفي‬
‫للقرآنالكريم‬
‫العلميللقرآن‬
‫اإلعجازالعلمي‬
‫‪، ، ))2006‬اإلعجاز‬‫محمد((‪2006‬‬‫رمضانمحمد‬
‫رمضان‬
‫النفسي‪.‬‬
‫والتحليلالنفسي‪.‬‬
‫والتحليل‬
‫الدينية‬
‫المفاهيمالدينية‬
‫استخدامالمفاهيم‬
‫أهميةاستخدام‬
‫إلىأهمية‬
‫الدراساتإلى‬
‫منالدراسات‬‫العديدمن‬ ‫•• وأشارت‬
‫وأشارتالعديد‬
‫ومنها‪: :‬‬
‫النفسية‪،،‬ومنها‬
‫الصحةالنفسية‬
‫وتحقيقالصحة‬
‫النفسيوتحقيق‬
‫والعالجالنفسي‬
‫اإلرشادوالعالج‬
‫فياإلرشاد‬
‫في‬
‫‪،،1985‬‬
‫زهران‪1985‬‬ ‫السالمزهران‬
‫عبدالسالم‬
‫وحامدعبد‬
‫‪،،1980‬وحامد‬
‫صبحي‪1980‬‬‫سيدصبحي‬ ‫دراسةسيد‬
‫دراسة‬
‫‪،،1990‬‬
‫البنا‪1990‬‬ ‫العظيمالبنا‬
‫عبدالعظيم‬
‫وإسعادعبد‬
‫‪،،1985‬وإسعاد‬
‫الشرقاوي‪1985‬‬
‫ومصطفىالشرقاوي‬
‫ومصطفى‬
‫محمود‬
‫وزينبمحمود‬ ‫‪،،Park‬وزينب‬ ‫‪،،Stark‬وو‪1990‬‬
‫‪Parketetalal, ,1990‬‬ ‫وو‪1990‬‬
‫‪Stark, ,1990‬‬
‫‪،،Sung‬وو‬‫‪Sungmook‬‬ ‫&‪mook‬‬ ‫‪&Christelle‬‬
‫‪Christelle1993‬‬ ‫‪،،1991‬وو‪1993‬‬
‫شقير‪1991‬‬‫شقير‬
‫وأخرون‬
‫البحيريوأخرون‬
‫الرقيبالبحيري‬
‫وعبدالرقيب‬
‫‪،،Azhar‬وعبد‬
‫‪Azhar etetalal, ,1994‬‬
‫‪1994‬‬
‫التواب‬
‫عبدالتواب‬‫محمدعبد‬
‫‪،،Azhar‬وومحمد‬
‫‪Azhar, ,etal‬‬ ‫‪،،1994‬وو‪1995‬‬
‫‪etal, ,1995‬‬ ‫‪1994‬‬
‫‪،،1998‬‬
‫فرج‪1998‬‬ ‫العزيزفرج‬
‫عبدالعزيز‬
‫إبراهيمعبد‬
‫ومحمودإبراهيم‬
‫‪،،1996‬ومحمود‬‫معوض‪1996‬‬
‫معوض‬
‫محمد‬
‫‪،،Berry‬وومحمد‬ ‫‪،،2000‬وو‪2002‬‬
‫‪Berry, ,2002‬‬ ‫خضر‪2000‬‬ ‫الباسطخضر‬
‫وعبدالباسط‬
‫وعبد‬
‫‪،،2001‬وو‬
‫عمار‪2001‬‬ ‫ومحمدعمار‬
‫‪،،2001‬ومحمد‬
‫الشناوي ‪2001‬‬
‫محروسالشناوي‬
‫محروس‬
‫‪Salleh‬‬
‫‪SallehMobd‬‬ ‫‪،،Qulsoom‬و‪,‬و‪Mobd, ,etetalal,‬‬
‫‪QulsoomInayat‬‬ ‫‪Inayat2001‬‬
‫‪2001‬‬
‫حسني‬
‫وإيمانحسني‬
‫‪،،2003‬وإيمان‬
‫المحارب‪2003‬‬
‫إبراهيمالمحارب‬
‫وناصربنبنإبراهيم‬
‫‪،، 2002‬وناصر‬
‫‪2002‬‬
‫وهناء‬
‫‪،،2004‬وهناء‬‫شهبه‪2004‬‬ ‫أبوشهبه‬‫يحيأبو‬
‫وهناءيحي‬
‫‪،،2004‬وهناء‬
‫العيوطي‪2004‬‬
‫محمدالعيوطي‬
‫محمد‬
‫‪.2006‬‬
‫شهبه‪.2006‬‬‫أبوشهبه‬
‫أبو‬
‫نشاط‬

‫ما أـهم الوظائف النفسية‬


‫التي يؤديها الدين؟‬
‫ي‬‫ن‬ ‫ا‬‫ث‬
‫أ‬ ‫‪:‬‬ ‫ا‬
‫م‬‫ه‬
‫ا‬ ‫ية‬
‫ر‬ ‫إل‬
‫اد‬ ‫ش‬
‫ال فن‬
‫ل‬‫ا‬ ‫سي‬
‫ن‬‫ي‬ ‫د‬
‫ر‬ ‫ي إك‬
‫د‬‫ا‬‫ش‬
‫ن‬‫ي‬ ‫د‬
‫ي‬
‫• يحتل التدين مكانة بارزة بين حاجات األفراد ‪ ،‬بوصفه دافعا ً‬
‫فطريا ً لدى الفرد للتوحيد وعبادة هللا ‪ ،‬وطلب العون منه سبحانه ‪،‬‬
‫وقد أعتبره‪ Allport‬حاجة نفسية موروثة ‪ ،‬فمعظم الناس عبر‬
‫تاريخ البشرية يمارسون شكالً ما من أشكال التدين ‪ ،‬يمثل لهم‬
‫محدداً لهويتهم‪.‬‬
‫• وقد أقر الدين اإلسالمي بفطرية التدين لدى األفراد ‪ ،‬ففي القرآن‬
‫الكريم ‪ ،‬نجد قول هللا تعالى ‪َ " :‬وإِ ْذ أَ َخ َذ َر ُّب َك مِن َبنِي آدَ َم مِن‬
‫ت ِب َر ِّب ُك ْم َقالُو ْا َب َلى‬ ‫ش َهدَ ُه ْم َع َلى أَنفُسِ ِه ْم أَ َل ْس ُ‬ ‫ور ِه ْم ُذ ِّر َّي َت ُه ْم َوأَ ْ‬
‫ُظ ُه ِ‬
‫ش ِهدْ َنا أَن َتقُولُو ْا َي ْو َم ا ْلقِ َيا َم ِة إِ َّنا ُك َّنا َعنْ ه ََذا َغافِلِينَ " ( األعراف‬ ‫َ‬
‫ين َحنِيفا ً ف ِْط َر َة هَّللا ِ‬ ‫‪ ، )172 ،‬وقول هللا تعالى ‪َ " :‬فأَقِ ْم َو ْج َه َك لِلدِّ ِ‬
‫اس َع َل ْي َها ال َت ْبدِيل َ ل َِخ ْل ِق هَّللا ِ َذلِ َك الدِّينُ ا ْل َق ِّي ُم َو َلكِنَّ‬
‫ا َّلتِي َف َط َر ال َّن َ‬
‫اس ال َي ْع َل ُمونَ " ( الروم ‪ ، ) 30 ،‬وفي السنة النبوية ‪،‬‬ ‫أَ ْك َث َر ال َّن ِ‬
‫نجد قول النبي ‪ " : - -‬ما من مولود إال يولد على الفطرة "‬
‫(رواه مسلم ‪ ،‬وأحمد )‪.‬‬
‫• ولذا يشير محمد عودة ‪ ،‬وكمال مرسي إلى أن الحاجة‬
‫للتدين استعداد فطري عند اإلنسان ‪ ،‬وهي حاجة ملحة‬
‫نامية ‪ ،‬يتعلم الفرد كيف يشبعها من خالل عمليات التنشئة‬
‫االجتماعية في البيت والمدرسة ‪ ،‬وأن التدين الحقيقي‬
‫الجوهري أفضل من التدين الظاهري في إشباع الحاجة‬
‫إلى التدين ‪ ،‬وينادي علماء علم النفس والطب النفسي‬
‫والصحة النفسية بضرور‪M‬ة تنمية الحاجة إلى الدين‬
‫وإشباعها للوقاية من االضطر‪M‬ابات النفسية ‪.‬‬
‫• وتعتمد الصحة النفسية أساسا ً على االلتزام بفطرة هللا‬
‫تعالى التي فطر الناس عليها ‪ ،‬وهي عقيدة التوحيد ‪،‬‬
‫وعبادة هللا تعالى ‪ ،‬واتباع المنهج الذي وضعه لإلنسان في‬
‫الحياة ‪ ،‬والذي بينته لنا السنة النبوية ‪ ،‬وما دام قلب‬
‫اإلنسان على الفطرة السليمة المكملة بالشريعة المنز‪M‬لة ‪،‬‬
‫يكون اإلنسان سويا ً متمتعا ً بالصحة النفسية ‪ ،‬ولكن إذا ما‬
‫تأثر اإلنسان بمؤثرات غير مالئمة من البيئة يكون من‬
‫شأنها تحول القلب عن فطرته السليمة المستقيمة ‪،‬‬
‫وأصيب اإلنسان ‪ ،‬أي بالمرض النفسي‬
‫( محمد عثمان نجاني ‪. )309 ، 2000 ،‬‬
‫• لقد كان إشباع دافع التدين على مر العصور سبيالً‬
‫لتخفيف التوتر الذي لدى الفر‪M‬د ‪ ،‬خاصة عندما تتهدد‬
‫حياته أو تغلق أبواب الحلول لمشكالته ‪ ،‬فيدعوا ر‪M‬به ‪،‬‬
‫وتتجه فطرته إلى مالكها بأي سبيل من السبل ‪ ،‬لقول‬
‫المولى ‪ " : -  -‬قُلْ َمن ُي َن ِّجي ُكم ِّمن ُظلُ َما ِ‬
‫ت ا ْل َب ِّرـ َوا ْل َب ْح ِر‬
‫ض ُّرعا ً َو ُخ ْف َي ًة لَّ ِئنْ أَ َ‬
‫نجا َنا ِمنْ هَـ ِذ ِه لَ َن ُكو َننَّ ِمنَ‬ ‫َتدْ ُعو َن ُه َت َ‬
‫شاك ِِرينَ " ( األنعام ‪.)63 ،‬‬ ‫ال َّ‬
‫• ويشير فيصل محمد خيرـ الزراد إلى أن معظم علماء النفس‬
‫المحدثين يرون أن اإلرشاد النفسي الديني يعمل على إصالح‬
‫السلوك لما له من تأثير قوي في النفس وفي السلوك‪ ،‬فالقرآن‬
‫الكريم حافل باآليات الكريمة التي تعتبر منهجا ً للهداية والشفاء‬
‫واالستقامة بالسلوك ‪ ،‬لقول هللا تعالى ‪َ " :‬نحْ نُ َنقُصُّ َع َلي َ‬
‫ْك‬
‫َن َبأَهُم ِب ْال َح ِّق إِ َّن ُه ْم ِف ْت َي ٌة آ َم ُنوا ِب َرب ِِّه ْم َو ِز ْد َنا ُه ْم ُه ًدى " (الكهف ‪،‬‬
‫ين َوالَ‬ ‫آن َما ه َُو ِش َفاء َو َر‪M‬حْ َم ٌة لِّ ْلم ُْؤ ِم ِن َ‬ ‫‪َ " ، )13‬و ُن َن ِّز ُل ِم َن ْالقُرْ ِ‬
‫ين إَالَّ َخ َساراً " (اإلسراء ‪َ " ، )82،‬يا أَ ُّي َها ال َّناسُ َق ْد‬ ‫الظالِ ِم َ‬ ‫َيزي ُد َّ‬
‫ِ‬
‫ص ُدو ِر‪َ M‬و ُه ًدى‬ ‫َجاء ْت ُكم م َّْو ِع َظ ٌة مِّن ‪َّM‬ر ِّب ُك ْم َو ِش َفاء لِّ َما ِفي ال ُّ‬
‫فين"(الشعراء‪.)،‬‬ ‫ت َفه َُو َي ْش ِ‬ ‫"وإِ َذا َم ِرضْ ُ‬ ‫ين " ( يونس‪َ ،) 57 ،‬‬ ‫َو َرحْ َم ٌة لِّ ْلم ُْؤ ِم ِن َ‬
‫• وتشير إيمان حسني محمد العيوطي إلى أن أهمية اإلرشاد‬
‫النفسي الديني كإرشاد ديني تظهر في أنه يتناول معطيات‬
‫دينية ذات أساس سماوي وليس وصفي ‪ ،‬تمس الجوانب‬
‫الروحية واألخالقية في اإلنسان مما يجعل له طبيعة خاصة ‪،‬‬
‫أدت إلى ظهور اهتمام واضح به في كثير من الدول ‪ ،‬وخاصة‬
‫العر‪M‬بية ‪ ،‬بحيث ألزمت خريجي معاهدها وكلياتها الدينية‬
‫باالهتمام بمراكز الخدمة االجتماعية والعالج النفسي ‪.‬‬
‫• وتبرز الحاجة إلى اإلرشاد النفسي الديني لكون‬
‫المجتمعات تشهد حالة من تزايد الوعي بالهوية‬
‫الثقافية ‪ ،‬من خالل البحث عن معالم قومية لعلم‬
‫النفس بصفة عامة ‪ ،‬واإلرشاد النفسي بصفة‬
‫خاصة ‪ ،‬استناداً لما أشارت إليه العديد من‬
‫الدراسات واألبحاث إلى عدم مالءمة أساليب‬
‫اإلرشاد األخرى للمجتمعات اإلسالمية ‪.‬‬
‫• ولذلك فإن نقل اإلرشاد كما هو معروف من‬
‫المجتمعات الغربية إلى المجتمعات اإلسالمية‪،‬‬
‫ليس مناسبا ً ‪ ،‬ألنه ليس النموذج األمثل‬
‫للتطبيق في هذه المجتمعات ‪ ،‬العتبارات‬
‫كثيرة من أهمها ما يلي ‪:‬‬
‫• أ‪ -‬يعد نقل اإلرشاد من مجتمع إلى مجتمعات أخرى تختلف عنها‬
‫في عقيدتها ومناهج الحياة فيها من األخطاء المنهجية ما ينبغي‬
‫إعادة النظر فيها ‪ ،‬ألن اإلرشاد ال يمارس في معزل عن قيم‬
‫وعادات وفلسفة الحياة والمجتمع الذي يطبق فيه‪.‬‬
‫• ب‪ -‬بالرغم من نمو اإلرشاد في المجتمع الغربي في العقدين‬
‫الماضيين ‪ ،‬إال أن االضطرابات النفسية أخذت في التزايد ‪ ،‬مما‬
‫يدل على عدم قدرته على تحقيق أهدافه في تلك المجتمعات (كمال‬
‫إبراهيم مرسي ‪ ،‬وبشير الرشيدي ‪. )11- 10 ، 1988 ،‬‬
‫• ج‪ -‬وجود فروق جوهرية بين الثقافة الغربية التي نشأ فيها‬
‫النموذج اإلرشادي والثقافة العربية اإلسالمية التي ينتقل إليها ‪،‬‬
‫وتتلخص هذه الفروق في ‪ :‬فلسفة الحياة ونظامها ‪ ،‬طبيعة اإلنسان‬
‫وأهدافه وغاياته في الحياة ‪ ،‬واألخذ باألسباب والتوكل على هللا‬
‫(كمال إبراهيم مرسي‪.)105 ،1999 ،‬‬
‫• د‪ -‬اختالف قيم المجتمع العربي اإلسالمي عن قيم المجتمع الغربي‬
‫في العقيدة ‪ ،‬ومنهج الحياة الذي ترتب على اختالف ثقافتهما ‪،‬‬
‫األمر الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى اختالف طبيعة اإلرشاد‬
‫والحاجة إليه وأهدافه في مجتمعنا العربي عن المجتمع الغربي‪.‬‬
‫• هـ‪ -‬اإلرشاد والعالج النفسي الفعال هو الذي يرتبط بثقافة‬
‫المجتمعات ويتفق مع معتقداتها وقيمها‪ ،‬ويساند نظرة اإلنسان فيها‬
‫إلى الحياة ‪ ،‬وعلى المرشد أو المعالج النفسي أن يكون واعيا ً‬
‫بخصوصيات ثقافة المسترشد حتى يرشده ويعالجه في إطارها‪.‬‬
‫• و‪ -‬إن الكثير من علماء النفس في البيئة اإلسالمية أدركوا أهمية‬
‫التأصيل اإلسالمي لإلرشاد النفسي فأخذوا ينقبون في القرآن‬
‫الكريم والسنة الشريفة واجتهادات علماء المسلمين ‪ ،‬مما يسهم في‬
‫بناء علم نفس إرشادي مرتبط بالثقافة اإلسالمية ‪.‬‬
‫نشاط‬
‫المرشد الديني يرـفض رـفضا‬
‫قاطعا الترـاث النفسي‬
‫المعاـصر ‪ ،‬مرـكزـا على‬
‫المحتوـى الديني في‬
‫عملية اإلرشاد ‪...‬‬
‫ما رـأيك في المضمون‬
‫السابق ؟؟؟!‬
‫ثالثا‪:‬‬
‫أـهمية اإلرشاد الدينيـ‬
‫في عالج األـمرـاـض النفسية‬
‫أهمية الدين في عالج األمراض النفسية‬
‫• لقد تبين من خالل تتبع آراء كثير من علماء النفس المرموقين حول قيمة‬
‫العالج الديني مالم يدع شكا في ان هذا الفرع جدير بالدراسة واالهتمام لكونه‬
‫يزال مجهوال عندنا لما تكتنفه من غيبيات ميتابسيكلوجية لم تتمكن عقول بعض‬
‫المثقفين من استيعابها ‪ .‬فراحو ينكرونه ويتمادون في ذلك اإلنكار إلى حد‬
‫أخرجهم من دائرة التعقل واإلنصاف على أنه يمكن لهذا التطرف الفكري أن‬
‫يعالج بالبحث والحوار وتوسيع األفق المعرفي ‪.‬‬
‫• ويجب اإلشارة إلى أن الفوائد التربوية والطبية الموجودة بالدين دفعت بعلماء‬
‫النفس على اختالف أديانهم أن ينشئوا فرعا خاصا في علم النفس أطلقو عليه‬
‫اسم علم النفس الديني ‪ ,‬أوجدوا من خالله نوعا متميزا من العالج هو العالج‬
‫الديني أو العالج الروحي أو العالج اإليماني ‪ .‬ومن العلماء المفكرين الذين‬
‫تنبهوا إلى هذا األمر نذكر‪:‬‬
‫• ‪ -1‬وليم جيمس يرى في كتابه (إرادة االعتقاد ) أن الفكر‪M‬ة‬
‫الدينية تقدم لنفوسنا الطمأنينة والسعادة والسالم ‪ ,‬ولذا يجب أن‬
‫نعدها صحيحة تبعا لمعيار‪ M‬المنفعة‪ ....‬وكان يؤكد دوما على أن‬
‫أعظم عالج للقلق هو اإليمان وأن المرء الذي قوي إيمانه باهلل‪,‬‬
‫خليق بأال يتعكر طمأنينته التقلبات السطحية المؤقتة ‪,‬ألنه‬
‫عصي على القلق محتفظ أبدا بأتز‪M‬انه‪.‬‬
‫• ‪ -2‬ألكسيس كاريل ‪ :‬إن الصالة حسب ر‪M‬أيه ليست مجرد ترديد‬
‫آلي طقوسي ‪ ,‬ولكنها سمو ال يدركه العقل ‪ .‬وقد الحظ كاريل‬
‫أن هناك تغيرات تشريحية ووظيفية في األنسجة واألعضاء‬
‫تحدث خالل العبادة مما نتج عنه شفاء لبعض األمراض‬
‫البار‪M‬ثولوجية وهذا مادفعه إلى التأكيد على أهمية النشاط‬
‫الروحي الذي لم يهتم به كثير من العلماء ‪.‬‬
‫• ‪ .3‬هنري لينك ‪ :‬بعد تجارب دامت خمسة عشر عاما في التحليل‬
‫النفسي أدرك هذا العالم قيمة الحياة الدينية في عالج األمراض النفسية‬
‫حيث يقول في كتابه العودة إلى اإليمان ‪":‬لقد أدركت أهية العقيدة الدينية‬
‫بالنسبة لحياة اإلنسان ‪ ,‬ووجدت من نفسي استعداد لمضاهاة تجاربي‬
‫السابقة على مرضاي بالنتائج الباهرة التي أتت بها االختبارات العظيمة‬
‫التي توليت األشراف عليها وقد استخلصت على دار للعبادة يتمتع‬
‫بشخصية أقوى وأفضل ممن ال دين له أو ال يزاول عبادة ما (‪.)25‬‬
‫• ‪ .4‬كارول يونغ ‪ :‬كان من المحللين النفسانيين بأستثمار الدين في عالج‬
‫األمراض النفسية‪ ,‬وله كتاب قيم في ذلك الشأن عنوانه (الرجل‬
‫العصري يبحث عن روح) ذك فيه مايلي‪ :‬استشاريني في خالل األعوام‬
‫الثالثين الماضية أشخاص من مختلف شعوب العالم المتحضر ‪,‬‬
‫وعالجت مئات من المرضى‪ ,‬فلم أجد مشكلة واحدة من مشكالت أولئك‬
‫الذين بلغو منتصف العمر ‪ ,‬أي الخامسة والثالثين أو نحوها ‪ ,‬ال ترجع‬
‫في أساسها االفتقار إلى اإليمان وخورجهم عن تعاليم الدين (‪ )...‬ولم‬
‫يبرأ واحد من هؤالء المرضى إال عندما استعاد إيمانه‪ ,‬واستعان بأوامر‬
‫الدين ونواهيه على مواجهة الحياة ‪.‬‬
‫• وبعد هذا العرض الوجيز لبعض اراء النفس‬
‫الغربيين حول قيمة العالج الديني في شفاء‬
‫األمراض النفسية ‪ ,‬يجد بنا أن نطرح السؤال‬
‫اآلتي ‪ :‬مالدافع الذي يكمن وراء رفض هذا‬
‫العالج عند بعض الدراسين والمثقفين؟‬
‫مبررات الرافضيين للعالج‬
‫للعالج النفسي الديني‬
‫• تحت تأثير النزعة المادية نجد طائفة من علماء النفس على اختالف‬
‫مدارسهم ينكرون أي أثر لروحيات في ميدان علم النفس عامة فهذا‬
‫العلم في رأيهم قد تحرر إلى األبد من الغيبيات يوم أن انفصل عن‬
‫الفلسفة ودخل ميدان التجريب سنة ‪ 1879‬م بفضل المعمل‬
‫السيكولوجي الذي أنشئه العالم األلماني فينت في مدينة ليفزج‬
‫األلمانية‪ .‬ولذلك فأن أي حديث عن تأثير الغيبيات في احداث‬
‫المرض النفسي ‪ ,‬أو الشفاء منه يعتبر ردة غير مغفورة ‪ ,‬تخرج‬
‫صاحبها من عداد العلماء وتلحقه بصفوف الدجالين فالدين في‬
‫نظرهم ينبغي ان يبتعد عن علم النفس وعن الحقول المعرفية‬
‫األخرى ‪ .‬ومن خالل هذا الموقف يمكن استنتاج الخصائص العامة‬
‫لنظريات النفسية الغربية المضادة لدين كما يحددها الدكتور محمد‬
‫حمزة السليماني‬
‫* إنها نظريات تدور في إطار مادي صرف وقائمة على فلسفة إلحادية‬ ‫•‬
‫* افتقارها إلى النظرة الشمولية لألنسان والكون والحياة‪.‬‬ ‫•‬
‫* افتقارها إلى الجوانب الروحبة واألخالق اإليمانية ‪.‬‬ ‫•‬
‫وألن الذين ينكرون دور العالج الديني من بني جلدتنا إنما يفعلون ذلك‬ ‫•‬
‫اقتداء ببعض العلماء الغربيين جاهلين بذلك األمكانيات العالجية التي‬
‫تتضمنها القدرات الروحية في شفاء األمراض النفسية ‪ ،‬فأن ماتم‬
‫عرضه من آراء صادرة من قبل علماء غربيين متخصصين حول مكانة‬
‫الدين في الحياة النفسية في اإلنسان من شأنه أن يخفف من حدة ذلك‬
‫الرفض‪ ,‬ويضعنا وجه لوجه أمام حقيقة ال يمكن التهرب منها وهي أن‬
‫نتائج الباربسيكولوجيا والميتابسيكولوجيا ‪ ,‬أصبحت قضايا تحاذي العلم‬
‫وال تناقضه أن التناقض يكمن في عقوألولئك الذين حصرو أنفسهم في‬
‫العالم المادي مع العلم ان هذا األخير ال يمثل سوى الخبرة الظاهر من‬
‫الكون وليس الكون كله‪.‬‬
‫• لكن من باب اإلنصاف والموضوعية‪ ,‬نكد على فكرة هامة وهي أن الذين‬
‫يرفضون العالج الديني من الذين ينتمون إلى الثقافة اإلسالمية ال‬
‫يرفضون الدين ‪ ,‬كشعائر تعبدية – إذ الكثير منهم يمارس فعال تلك‬
‫الشعائر بصدق وأقتناع – وأنما يرفضون كطريقة عالجية ‪ ,‬وهم في ذلك‬
‫مدفعون بعدة أسباب يمكن عرضها كالتالي‪ * :‬تأثرهم الشديد بالنظريات‬
‫الغربية التي تبين لنا أن أكثرها قائمة على أسس مادية صرفة‪.‬‬
‫• *جهلهم بالنتائج الباهرة التي أسفرت عنها الدراسات والبحوث التي قام‬
‫بها علماء النفس المسلمين المعاصرين في ميدان العالج الديني‪.‬‬
‫• *ظهور انحرافات أخالقية وطبية وشرعية خطيرة بسبب مايقوم به بعض‬
‫الشعوذين والداجلين والمتطفلين حينما يستخدمون الدين لعالج األمراض‬
‫النفسية‪ ,‬وقصدهم في ذلك ابتزاز أموال الناس والعبث بأعراضهم ‪.‬‬
‫• وإذا اتفقنا مع هؤالء على مشروعية السبب الرابع فأن األسباب الثالثة‬
‫األولى غير مشروعة‪ .‬وردا على ذلك يمكن القول ‪ :‬إن النظريات‬
‫الغربية في علم النفس إنما نشأت في سياق ثقافي وأيدلوجي يختلف‬
‫تمام االختالف عن السياق الحضاري اإلسالمي وإنه لمن الخطأ العظيم‬
‫أن نتأثر بتلك النظريات ونستجلبها دون وعي بتلك الفوارق ‪ .‬ثم إن‬
‫عدم االطالع على التجارب االسالمية الرائدة في هذا الميدان ال يجد‬
‫مايبرره سوى قلة االهتمام ‪ ,‬وضيق األفق المعرفي ‪.‬‬
‫• وأخيرا فأن التجارب والدراسات ‪ ,‬حول العالج الديني ‪ ,‬أصبحت من‬
‫المسلمات ‪ ,‬خصوصا بعد إنشاء فرع علم النفس الديني ‪ ,‬الذي تميز عن‬
‫غيره من الفروع‪ .‬بقواعده ‪ ,‬وأسسه واصطالحاته‪ ,‬ونظرياته‪.‬‬
‫• وإذا اتضح لنا مما تقدم ‪ ,‬أن التطرف في رفض العالج الديني ‪,‬خطأ ال‬
‫مبرر له ‪ ,‬أفال يحق لنا أن نعرض بعض المحاوالت الناجحة في هذا‬
‫الميدان؟‬
‫أـخطاء المسرـفين في الدعوـة‬
‫إلى العالج الرـوـحي ‪:‬‬
‫• إذ يبدو لبعض المتدينين في مجتمعنا أن األمراض النفسية ال تعدو أن‬
‫تكون حاالت من المس أو السحر‪,‬أو العين وبالتالي فأن عالجها حسب‬
‫تصورهم ‪ .‬يكمن في الرقية التي ال تحتاج إال لقراءة إيات من القرآن‬
‫الكريم أو أدعية مأثورة يتلوها الراقي لكي يزول المرض نهائيا ‪.‬‬
‫• إذا كان قد تبين لنا مما سبق ذكره أن العالج الروحي أصبح وسيلة ال‬
‫غنى عنها لعالج االكتئاب أو غيره من األمراض النفسية ‪ ,‬فال يعني‬
‫ذلك أننا ندعو إليه مطلقا دون ضوابط أو شروط ‪ ,‬إذ نالحظ في اآلونة‬
‫األخيرة تفشي ظاهرة الرقية ‪ -‬كأحدى وسائل العالج الروحي الكثيرة ‪-‬‬
‫مما يدعو إلى التفكير في الحد من سوء استعمالها حتى توضع في‬
‫إطارها العلمي والشرعي الذي يليق بها‪.‬‬
‫• وال شك أن تأثير القوى الشيطانية على اإلنسان قضية مسلم بها‬
‫‪-‬حسب رأينا – إال أنه ينبغي التنبيه إلى أن االعتقاد المطلق بأن كل‬
‫مرض نفسي يعود إلى السحر أو المس أو العين هو شطط ال يقبله‬
‫الدين نفسه‪ ...‬وحتى نتفادى هذه الفوضى العالجية يمكن أن نعرض‬
‫شروط الرقية الشرعية كاآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬ال يجوز لمن يمارس هذا النوع من العالج أن يقبل عليه إال بعد إذن‬
‫وتزكية ‪ ,‬يقدمان له من طرف هيئة علمية معتمدة أوعالم متخصص‪.‬‬
‫‪ .2‬ال يسمح بأن تكون الوسائل المستعملة في العالج الديني خارجة عن‬
‫اإلطار الشرعي ‪ ,‬وإال فتح المجال للدجل والشعوذة ‪.‬‬
‫‪ .3‬يحبذ أن يلتقي الممارسون لهذا النوع من العالج دروسا تكوينية في‬
‫علم النفس‪,‬حتى يتمكنو من تشخيص األمراض النفسية ‪ ,‬والتمييز‬
‫بين ماهو ذو طبيعة روحية ‪ ,‬وما هو ذو طبيعة عصبية أو نفسية‪.‬‬
‫• ويكفي أن نعرـف أن أسالفنا من األطباء وعلماء النفس رغم‬
‫تدينهم وقرـبهم من صدر اإلسالم ‪ ,‬كانت بحوثهم في األمراض‬
‫النفسية مفعمة بالروح العلمية العقالنية التجريبية ‪ .‬وسنعرض‬
‫بعض تلك البحوث حول مرض االكتئاب عند ابن سينا كنموذج‬
‫بارز في هذا المجال ‪ .‬فلقد عرف هذا المرض وأطلق عليه‬
‫مصطلح الميالنخوليا ‪ ,‬كما تنبه إلى أسبابه المتمثلة في اختالل‬
‫التوازـن البيوكيميائي ‪ ,‬واإلفراز الغددي ‪ ,‬فذكر أن وجود المرة‬
‫السوداء في الدماغ ‪ ,‬والمرة السوداء هي من األخالط األربعة‬
‫( المرة السوداء‪ ,‬الصفراء‪ ,‬الدم‪ ,‬البلغم من المسببات الرئيسية‬
‫إلحداثه ‪ .‬كما أنه استطاع بعبقريته أن يكتشف أصنافا عديدة‬
‫من الميالنخوليا هي ‪:‬‬
‫الميالنخوليا السوداوية المحضة‪ :‬تعادل مايسمى‬ ‫•‬
‫بالكآبة أو االكتئاب في اللغة الطبية المعاصرة‪.‬‬
‫الميالنخوليا السوداوية الدموية‪ :‬تبرزـ عند صاحبها في‬ ‫•‬
‫شكل فرح ‪ ,‬وضحك مفرط‪ ,‬وتعادل مايسمى عندنا‬
‫اليوم بالهوس االنهياري‪.‬‬
‫الميالنخوليا السوداوية الصفرـاوية ‪ :‬وهي أدنى من‬ ‫•‬
‫الجنون ‪ ,‬وتعادل الفصام المزاجي ‪.‬‬
‫الميالنخوليا السوداوية البلغمية‪ :‬تسبب لصاحبها قلة‬ ‫•‬
‫الحرـكة والكسل والسكون ‪ ,‬وهي تعادل االنهيارـ‬
‫العصبي‪.‬‬
‫وقد قدم ابن سينا منهجية عالجية دوائية ونفسية تتمثل‬ ‫•‬
‫فيما يلي ‪:‬‬
‫يجب أن يبادر بعالج المر‪M‬ض قبل أن يستحكم‪ ,‬فأنه سهل‬ ‫•‬
‫في االبتداء صعب عند االستحكام‪.‬‬
‫يجب أن يفرح صاحبه ويطرب ويجلس في المواضع‬ ‫•‬
‫المعتدلة‪ ,‬ويرطب هواء مسكنه‪.‬‬
‫وال أضر له من الفر‪M‬اغ والخلوة‪.‬‬ ‫•‬
‫يتغير‪ M‬العالج باختالف‪ M‬أنواع الميالنخوليا‪.‬‬ ‫•‬
‫النوم أفضل عالجات الميالنخوليا‪.‬‬ ‫•‬
‫• وقد كان ابن سينا ينصح بالنظام الغذائي واألدوية العشبية ‪ .‬كما ركز‬
‫في عالج الميالنخوليا خاصة على النارينج‪ ,‬وهو مايسمى اليوم‬
‫الفاليريانا ‪ ,‬الذي أثبتت العيادة الحديثة فاعليته‪.‬‬
‫• هذا وال يفوتنا ونحن نتحدث عن االكتئاب في تراثنا الطبي اإلسالمي‬
‫أن نذكر جهود الطبيب إسحاق بن عمران توفي(‪ ,)908‬الذي كتب‬
‫مقالة في الميالنخوليا جاء فيها أن الميالنخوليا مرض بدني يؤثر في‬
‫الصحة الجسدية للمريض‪ ،‬وقد وصف أعراض الكآبة فتكلم عن‬
‫مشاعر الحزن والوحدة والوهم والخوف باإلضافة إلى األفكار‬
‫الرهيبة التي تنتاب الريض كأن يتوهم المريض أنه بال رأس وأنه‬
‫يسمع أصواتا ال حقيقة لها‪ ,‬وأنه يخشى سقوط السماء على رأسه‬
‫فيتجنب السير تحتها كما أن هذا الطبيب ذكر األمراض األعراض‬
‫المصاحبة للميالنخوليا كالكآبة ‪ ,‬واألرق ‪ ,‬والصداع ‪ ,‬ولمعان‬
‫العينين‪ ,‬والعزوف عن الطعام ‪.‬‬
‫• وقد تكلم الطبيبان علي بن زين الطبري ‪ ,‬وأحمد بن أبي االشعت ‪ ,‬عن‬
‫هذا المرض تشخيصا وعالجا مما دفع بالمستشرق جيمس كولمان إلى‬
‫القول ‪ :‬أنه لم يكن هناك غير العرب يستطيع تطوير بعض األفكار‬
‫العلمية عن األمراض العقلية ‪ ,‬فقد نشأت أول مصحة عقلية في بغداد‬
‫سنة ‪792‬م ‪.‬‬
‫• إن هذا العرض التاريخي لما كان عليه الطب النفسي عند المسلمين في‬
‫سالف من االيام من شأنه أن يحد من المغاالة في التفسيرات الغبية‬
‫والروحية التي يبادر إليها بعض المثقفين وغير المثقفين عندنا ‪ ,‬حينما‬
‫تواجههم حاالت المرض النفسي ‪ ,‬فقد اتضح لنا جليا أن أسالفنا من‬
‫األطباء والعلماء كانو أكثر اعتداال ‪ ,‬وعقالنية منا بالرغم من أنهم‬
‫عاشوا في عصر بعيد عن التطورات العلمية التي نشهدها اليوم ‪ ,‬مما‬
‫يدفعنا إلى التاكيد على أن تراثنا يتضمن كثيرا من عناصر التصحيح‬
‫والتجديد التي نطمح إليها سواء في ميدان علم النفس أو في الميادين‬
‫المعرفية األخرى‪.‬‬
‫هل رـفض علماء النفس المعاـصرـون‬
‫االستفادـة من الدين‬
‫نشاط‬
‫في العالج النفسي ؟‬
‫وـضح مع التمثيل‪.‬‬
‫وـما دور العرب في تطوير العالج‬
‫النفسي؟؟؟‬
‫نشاط‬
‫عملية اإلرشاد وـمراــحلها‬

‫عملية اإلرشاد وـمراــحلها‬

‫عملية اإلرشاد وـمراــحلها‬

‫عملية اإلرشاد وـمراــحلها‬


‫الواجبات‬ ‫• •‬
‫الواجبات‬
‫اإلرشاد‪:‬‬ ‫• •‬
‫قبلقبل‬
‫اإلرشاد‪:‬‬
‫التلقي‬ ‫مصادر‬
‫التلقي‬ ‫مصادر‬ ‫• •‬
‫فيفي‬
‫المسترشد‪:‬‬ ‫معرفة‬
‫المسترشد‪:‬‬ ‫•‪-1-•1‬‬
‫معرفة‬
‫المسترشد‪:‬‬
‫المسترشد‪:‬‬ ‫• •‬
‫عندعند‬

‫استعداد‬ ‫••‬
‫استعداد‬
‫لالسترشاد‪:‬‬
‫النفسيلالسترشاد‪:‬‬ ‫••‬
‫النفسي‬ ‫الشباب‪:‬‬ ‫فترة‬
‫الشباب‪:‬‬ ‫تحديد‬
‫فترة‬ ‫––‬
‫تحديد‬

‫التلقي‬ ‫مصادر‬ ‫• •‬
‫فيفي‬

‫ومراحلها‬
‫اإلرشادومراحلها‬
‫عمليةاإلرشاد‬
‫التلقي‬ ‫مصادر‬

‫عملية‬
‫• •‬ ‫تاريخ‬ ‫علىعلى‬
‫تاريخ‬ ‫االطالع‬ ‫‪- -‬‬
‫االطالع‬
‫المسترشد‪:‬‬
‫المسترشد‪:‬‬ ‫عندعند‬
‫الشبان‬ ‫‪-‬‬
‫‪-‬الشبان‬

‫المرشد‪:‬‬ ‫صفات‬
‫المرشد‪:‬‬ ‫صفات‬ ‫• •‬
‫فيفي‬ ‫الشباب‬ ‫طبيعة‬ ‫إدراك‬ ‫––‬
‫الشباب‬ ‫طبيعة‬ ‫إدراك‬
‫واستعداداتهم‪:‬‬
‫واستعداداتهم‪:‬‬

‫رشاد‬ ‫لإل‬ ‫‪-2‬التهيئة‬


‫لإل ِ‬
‫رشاد‬ ‫‪-2‬التهيئة ِ‬ ‫المعرفي‬ ‫االستعداد‬
‫المعرفي‬ ‫––‬
‫االستعداد‬
‫((القابلية))‬
‫((القابلية))‬ ‫لالسترشاد‬
‫لالسترشاد‬
‫النمو‬ ‫مطالب‬
‫النمو‬ ‫––‬
‫مطالب‬
‫الشباب‬ ‫مرحلة‬
‫الشباب‬ ‫فيفي‬
‫مرحلة‬
‫• تقديم ‪:‬‬
‫للعملية اإلرشادية مراحل تمر بها وتحتاج من المرشد الوعي التام بالحالة من‬
‫كافة جوانبها ‪ .‬ونقدم هنا مرحلة الشباب كنموذج تطبيقي لهذه المراحل و‬
‫أولها أهم اإلجراءات المتخذة قبل البدء بفعاليات العمل اإلرشادي وتشمل ‪:‬‬
‫تحديد األهداف الخاصة بالحالة ‪ ،‬و معرفة المسترشد‪ ،‬و تحديد فترة‬
‫الشباب‪،‬واالطالع على تاريخ الشباب‪،‬و إدراك طبيعة الشباب‬
‫واستعداداتهم‪ ،‬واالستعداد المعرفي لالسترشاد‪ ،‬و مطالب النمو في مرحلة‬
‫الشباب ‪.‬‬
‫• وفي المرحلة الثانية التهيئة لإلرشاد وفيها يركز المرشد على ثالثة أمور‬
‫قبل أن يدخل فعليا في العملية وهي‪ :‬صفات المرشد‪ ،‬ومصادر التلقي عند‬
‫المسترشد‪ ،‬واالستعداد النفسي لالسترشاد‪.‬‬
‫• ومما سبق يتضح لنا أن عملية اإلرشاد تمر بمرحلتين تحضيريتين قبل‬
‫البدء الفعلي بالمعالجات ؛ مما يجعلنا نؤكد أن التحضير للجيد سيؤدي إلى‬
‫نتائج جيدة ونجاح عملية اإلرشاد‪.‬‬
‫• أوال‪ :‬الواجبات قبل اإلرشاد‪:‬‬
‫تجتمع مقاصد اإلرشاد في استثمار طاقات المسترشد الذاتية والتهيئة لبناء أو‬ ‫•‬
‫تعديل فكرهم وسلوكهم‪ .‬وتوجيه اهتماماتهم‪ ،‬ورفع مستوى اإلستجابة الداخلية‬
‫للتهذيب النفسي والخلقي ويمكن أن تفصل بعض هذه األهداف بما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الكشف عن الحاجات الحقيقية لدى الشباب والمشكالت التي يتعرضون لها‪.‬‬ ‫•‬
‫‪ - 2‬مساعدة الشباب على فهم أنفسهم في مراحل النمو المختلفة‪ ،‬والوصول بنمو‬ ‫•‬
‫الشباب إلى أحسن مستوياته‪.‬‬
‫‪ - 3‬إمداد الشباب بمجموعة من الخدمات مثل‪ :‬التعريف بالوسط التعليمي‬ ‫•‬
‫وبكيفيات بناء العالقات األسرية واالجتماعية والطالبية‪ ،‬وباإلِرشاد النفسي‬
‫والمساعدة على وضع األهداف الدراسية والمهنية‪.‬‬
‫‪ - 4‬اكتشاف واستخدام الوسائل اإلِرشادية المختلفة التي تدعم العملية التعليمية‬ ‫•‬
‫وتؤدي إلى الشوق والشغف بها‪.‬‬
‫‪ - 5‬المساعدة على حل المشكالت النفسية والتعليمية التي يواجهها الشاب في‬ ‫•‬
‫الوسط التربوي‪.‬‬
‫‪ -‬معرفة المسترشد‪:‬‬
‫ثم البد من معرفة الشاب الذي هو موضوع اإلرشاد‪ ،‬وهذه المعرفة تأخذ‬ ‫•‬
‫اتجاهين‪:‬‬
‫‪ -1‬معرفة حال الشاب عامة في هذه المرحلة ((مرحلة الشباب))‪.‬‬ ‫•‬
‫‪ – 2‬معرفة حال الشاب الخاص الذي سيتم إرشاده‪ ،‬صفاته وتاريخه‬ ‫•‬
‫وظروفه‪ ،‬وتاريخ الحالة‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫كون شقافته حول‬ ‫واألمر األول يتم االستعداد له من قبل المرشد منذ أن ّ‬ ‫•‬
‫اإلِرشاد فهو البد أن يكون قد أطلع على الثقافة المتخصصة في هذا الميدان‬
‫في فروع علم النفس والتربية واإلِجتماع من جانب‪ ،‬والسيرة والتاريخ‬
‫والثقافة اإلِسالمية وما يلزم من معلومات شرعية من جانب آخر‪.‬‬
‫وأما األمر الثاني فالبد من إلمام المرشد الداعية باألساليب والطرق‬ ‫•‬
‫والكيفيات التي توصله إلى معلومات شرعية من جانب آخر‪.‬‬
‫وأما األمر الثاني فالبد من إلمام المرشد الداعية باألساليب والطرق‬ ‫•‬
‫والكيفيات التي توصله إلى معلومات كافية وصحيحة عن الحالة‪ ،‬وإلى‬
‫تفسير هذه المعلومات وتحليلها من أجل إعطاء إرشاد مناسب للحالة‪.‬‬
‫ويتناول هذا البحث الجوانب التي ينبغي اإلِشارة إليها حول الثقافة‬ ‫•‬
‫اإلسالمية والتخصصية في مجال معرفة الشباب‪.‬‬
‫– تحديد فترة الشباب‪:‬‬
‫• ليس هناك قول حاسم وواحد في تحديد سن البلوغ أو سن‬
‫الشباب عند علماء اإلسالم‪ ،‬فبعض الفقهاء يقرر أن الحد‬
‫األدنى للبلوغ يقع في بداية العاشرة واألعلى بالثامنة عشرة‪،‬‬
‫كما هو قول أبي حنيفة (رحمه هللا)‪ ،‬ويتفق الجمهور وفيهم‬
‫أحمد والشافعي على أن سن خمسة عشر يعد هو حد البلوغ‬
‫على ما في حديث ابن عمر عندما عرض على رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه ثم لما‬
‫عرض يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة أجازة‪ ،‬وقد‬
‫جعل هذا عمر بن عبدالعزيز حداً بين الصغار والكبار‪.‬‬
‫• ويستدل أيضا ً على البلوغ بالتغيرات الخارجية مثل نبات شعر‬
‫العانة‪ ،‬ويترتب عليه تحمل المسئولية‪ ،‬كما ورد في استعراض‬
‫بني قريظة لمعرفة صبيانهم من رجالهم‪.‬‬
‫• ((عن عطيه القرظي‪ ،‬قال‪ :‬كنت في سبى بني قريظة فكانوا‬
‫ينظرون‪ ،‬فمن أنبت الشعر قتل‪ ،‬ومن لم ينبت لم يقتل‪ ،‬فكنت‬
‫فيمن لم ينبت‪.‬‬
‫أما سن األشد فقد ورد في قول هللا تعالى‪:‬‬ ‫•‬
‫س َن ًة َقال َ َر ِّب أَ ْو ِز ْعنِي أَنْ أَ ْ‬
‫ش ُك َر َن ْع َم َت َك ا َّلتِي‬ ‫ش َّدهُ َو َبلَ َغ أَ ْر َبعِينَ َ‬
‫{ح َّتى إِ َذا َبلَ َغ أَ ُ‬
‫َ‬ ‫•‬
‫صل ِْح لِي فِي ُذ ِّر َّيتِي‬ ‫ضاهُ َوأَ ْ‬ ‫صالِحا ً َت ْر َ‬ ‫ي َوأَنْ أَ ْع َمل َ َ‬ ‫أَ ْن َع ْم َت َعلَ َّي َو َعلَى َوالِ َد َّ‬
‫ت إِ َل ْي َك َوإِ ِّني مِنَ ال ُم ْسلِمِينَ }[‪.]11‬‬ ‫إِ ِّني ُت ْب ُ‬
‫وحدد ابن عباس بداية األشد بثمان عشرة‪ ،‬وفسر األشد ببلوغ مرحلة‬ ‫•‬
‫اح}‪.‬‬ ‫{وا ْب َتلُو ْا ا ْل َي َتا َمى َح َّتى إِ َذا َبلَ ُغو ْا ال ِّن َك َ‬
‫النكاح قال تعالى‪َ :‬‬
‫والمتخصصون المحدثون في علم النفس ليس لديهم تحديد قاطع لفترة‬ ‫•‬
‫المراهقة والشباب‪ ،‬فهناك وجهات نظر مختلفة ذلك أن التغيرات التي تحدث‬
‫فيهما تتم في مدة تتراوح ما بين تسع سنوات وخمس عشرة سنة ويختلف‬
‫األطفال فيما بينهم في السن التي يبدأون فيها بالدخول في مرحلة المراهقة‪،‬‬
‫ويرى – مثالً – الدكتور سعد جالل أن فترة المراهقة والشباب تقع بين سن‬
‫العاشرة إلى سن الثالثين‪ ،‬ويقسمها إلى ثالث فترات‪ ،‬فترة ما قبل الحلم‪،‬‬
‫الفتوة وهي تقابل في نظره المراهقة‪ ،‬وتمتد إلى سن الواحدة‬ ‫ّ‬ ‫وفترة‬
‫والعشرين‪ ،‬وفترة الرشد إلى سن الثالثين‪.‬‬
‫ويشير سعد جالل إلى أن سن الشباب يبدأ من البلوغ إلى سن الثالثين‪.‬‬ ‫•‬
‫• ويرى عمر الشيباني أن بداية مرحلة الشباب ونهايتها يمتد من سن‬
‫الثانية عشرة إلى سن الخامسة والعشرين بالنسبة للغالبية من أبناء‬
‫المدن‪ ،‬الذين ساروا سيراً طبيعيا ً في نموهم وتعليمهم وهو يرى أنهما‬
‫بهذا التحديد تتقابل مع مراحل التعليم في البالد العربية المتوسطة‬
‫والثانوية والجامعية‪ ،‬أي أن طالب كل هذه المدارس يعتبرون من‬
‫الشباب ومعنيون ببرامج الشباب‪.‬‬
‫• وقد أخذ مؤتمر وزراء الشباب العرب عام ‪1969‬م بوجهة النظر القائلة‬
‫بأن فترة الشباب تقع بين سن الخامسة عشرة والخامسة والعشرين‪.‬‬
‫• ومن هذه اآلراء المتعددة يمكن الخلوص إلى أن هناك فترة يتفق عليها‬
‫المختصون‪ ،‬تلك الفترة هي الواقعة ما بين (‪ 15‬إلى ‪ ،)25‬وهذه الفترة‬
‫مشتملة في سن الشباب أو األشد عند علماء اإلسالم‪ ،‬حيث تكون بداية‬
‫بلوغ القوة البدنية واإلِدراكية والمعرفية‪ ،‬وهؤالء هم الذين خاطبهم‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم في حديث ((يا معشر الشباب من استطاع‬
‫منكم الباءة فليتزوج))‪.‬‬
‫‪ -‬االطالع على تاريخ الشبان‪:‬‬
‫• أول ما ينبغي على مرشد الشباب – بهذا التحديد المذكور آنفا ً – اإلِطالع‬
‫على التاريخ الشبابي من خالل قصص القرآن وسيرة الرسول صلى هللا‬
‫ليكون رصيداً للنموذج السوي‬ ‫عليه وسلم والصحابة وشباب اإلِسالم ّ‬
‫وليكون نبراسا ً عمليا ً لوقاية الشباب وإرشادهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المتزن من الشباب‬
‫• وما لم يكن المرشد مطلعا ً على أحوال فتوة األنبياء وفتوة الرسول صلى‬
‫هللا عليه وسلم وفتوة األجيال األولى من شباب المسلمين عندما كان‬
‫المسلمون في أوج مجدهم وقوتهم وفي أعلى المستويات من اإلِستقامة‬
‫وممارسة دور الهداية واإلِرشاد للمجتمعات‪ ،‬ما لم يكن كذلك فهذا أول‬
‫نقص في ثقافة المرشد عن الشباب وأحوالهم‪ ،‬ونحن نعلم أن العصبة‬
‫المؤمنة التي تركزت في دار األرقم في مكة – وعلى يديها تحقق نصر‬
‫اإلِسالم – كان أكثرهم شباباً‪ ،‬فعمر رضي هللا عنه كان عمر سبعا ً‬
‫وعشرين‪ ،‬وعثمان كان عمره قرابة الثالثين‪ ،‬وعلي رضي هللا عنه كان‬
‫أصغر من أسلم من الصبيان وهكذا كان عبدهللا بن مسعود‪ ،‬وعبدالرحمن‬
‫بن عوف‪ ،‬واألرقم بن أبي األرقم وسعيد بن زيد‪ ،‬ومصعب بن عمير‪،‬‬
‫وبالل بن رباح‪ ،‬وع ّمار بن يسار‪ ،‬وعشرات غيرهم‪ ..‬بل مئات‪ ..‬كلهم‬
‫كانوا شباباً‪.‬‬
‫واإلِطالع على هؤالء الشباب وكيف تعاملوا مع أنفسهم‪ ،‬وكيف أدوا‬ ‫•‬
‫أدوارهم وأشبعوا حاجاتهم ومطالبهم العضوية والنفسية واإلِجتماعية‪،‬‬
‫وكيف تم إرشادهم بالمنهج الرباني عموما ً وعلى يدي النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم خصوصاً‪ .‬وكذلك إرشاد بعضهم لبعض‪ ،‬اإلِطالع على هذا‬
‫يعد خلفية ضرورية توجيه إرشاد أبناء المسلمين‪ .‬والنماذج العلمية‬
‫في هذا كثيرة ال تحصى نشير إلى بعضها‪.‬‬
‫أبو بكر‪( :‬دورة في الدعوة واإلِرشاد‪ ،‬موقفه في اإلِسراء والمعراج‪،‬‬ ‫•‬
‫مواقفه في الهجرة‪ ،‬أمثلة صدقه وتصديقه)‪.‬‬
‫علي بن أبي طالب‪( :‬دوره في الهجرة‪ ،‬قصته في إسالم أبي ذر‪ ،‬دوره‬ ‫•‬
‫القيادي‪ ،‬مشاركته في المعارك والمسئووليات)‪.‬‬
‫مصعب بن عمير‪( :‬موقفه من الجاهلية أول إسالمه‪ ،‬دوره في التعليم‬ ‫•‬
‫واإلِرشاد‪ ،‬مشاركته في المعارك‪ ،‬استشهاده)‪.‬‬
‫– إدراك طبيعة الشباب واستعداداتهم‪:‬‬
‫• ويجب أن يلم المرشد بطبيعة هذه المرحلة (المراهقة والشباب)‪ ،‬ومن ذلك‬
‫علمه بهشاشة البناء الفكري ورقة العاطفة والوجدان‪ ،‬واالستعداد‬
‫لإلستقامة أو اإلِنحراف‪ ،‬وأن سهولة إنحراف الشباب وصعوبة سيطرتهم‬ ‫ِ‬
‫لإلرشاد إلى المجاهدة‬ ‫على غرائزهم أمر متوقع‪ ،‬ومن ثم هناك حاجة ماسة ِ‬
‫والصبر اللذين يؤديان إلى الشعور بالنجاح واإلِنتظار على الضعف‬
‫والشهوات والمغريات‪ .‬وقد ورد في األثر ((عجب ربكم من شاب ليست له‬
‫صبوة)) كما دلت النصوص على عظم شأن المجاهدة التي يمارسها الشاب‬
‫مع نفسه‪ ،‬ومن ذلك حديث ((سبعة يظلهم هللا في ظله يوم ال ظل إال ظله‪))..‬‬
‫‪ ...‬ويذكر منهم ((شاب نشأ في عبادة ربه)) لما يتميز به الشاب من غرائز‬
‫عنيفة وحاجات ملحة تطلب اإلِشباع السريع‪ ،‬وقد ضرب هللا المثل بقصة‬
‫يوسف الشاب وانتصاراته المذهلة على الرغبات النفسية والبيئية والنوازع‬
‫البشرية األرضية‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬قا َل ْت َف َذالِ ُكنَّ الَّذِي ل ُ ْم ُت َّننِي فِي ِه َو َل َقدْ َر َاود ُّت ُه‬
‫ص َم َولَئِن لَّ ْم َي ْف َعلْ َما َءا ُم ُرهُ لَ ُي ْس َج َننَّ َو َل َي ُكونا ً ِّمنَ‬
‫اس َت ْع َ‬‫َعن َّن ْفسِ ِه َف ْ‬
‫ف َع ِّني‬ ‫ص ِر ْ‬‫ب إِلَ َّي ِم َّما َيدْ ُعو َننِي إِلَ ْي ِه َوإِالَّ َت ْ‬ ‫الس ْجنُ أَ َح ُّ‬
‫الصاغِ ِرينَ ‪َ ،‬قال َ َر ِّب ِّ‬ ‫َّ‬
‫ب إِ َل ْي ِهنَّ َوأَ ُكن ِّمنَ ا ْل َجا ِهلِينَ }‪.‬‬
‫ص ُ‬‫َك ْي َدهُنَّ أَ ْ‬
‫– االستعداد المعرفي لالسترشاد‪:‬‬
‫• ثم البد من العلم باالستعداد المعرفي لالسترشاد عند الشباب‬
‫ومعرفة موقف الشباب من الكبار والنظرة التي من خاللها يحكم‬
‫الشاب على من هم أكبر منهم‪ ،‬ووجود أو إنعدام الجسور بين‬
‫الطرفين‪ ،‬وهذه المعلومة ضرورية للمرشد الذي يريد أن يصل‬
‫إلى عقول الشباب‪ ،‬ويخاطب وجدانهم‪ ،‬في هدايتهم وحل‬
‫مشكالتهم‪ ،‬وفي هذا المجال يدّ عى الشباب وخصوصا ً في‬
‫المراهقة أن الراشدين لم يعودوا يفهمونهم ويدركون ظروفهم‪،‬‬
‫ومشكالتهم‪ ،‬ويؤيد ذلك بحوث عديدة منها بحث أجرى في تركيا‬
‫وزع فيه استخبار على ‪ 3000‬من المراهقين وكان من بين‬
‫األسئلة‪( :‬هل تظن أن الكبار يفهمونك على حقيقتك؟) فكانت‬
‫النتيجة أن معظم المراهقين الذين تزيد أعمارهم على ‪ 14‬سنة‬
‫أجابوا بالنفي‪.‬‬
‫• ولعل إنصراف المراهقين والشباب إلى الفئات من العمر نفسه‪ ،‬وقرب‬
‫بعضهم من بعض يدل على وجود الشعور بالتفاهم بينهم‪ ،‬حيث يرى‬
‫المراهق أن صديقه فقط هو القادر على فهمه‪ ،‬ومن ثم فإنه يكون هو‬
‫مصدر االستشارة والتأييد والتوجيه‪.‬‬
‫• على أن هذه النزعة إلى األعراض عن الراشدين‪ ،‬وعدم استشارتهم‬
‫تخف ويبدأ الشاب بعد المراهقة أو في نهايتها يعود أدراجه ليستأنس‬
‫برأي الكبار‪ ،‬ويطلب التفاهم معهم‪ ،‬والنصيحة منهم‪ ،‬وقد أشارت بعض‬
‫الدراسات إلى ذلك فقد دلت دراسة على عينة من (‪ )1560‬طالبا ً‬
‫وطالبة من المدارس الثانوية بمدينة الرياض على أن الطالب في عمر‬
‫(‪(( )18 ،17 ،16‬وهو وسط المراهقة)) أقل توجها ً إلى األساتذة‪،‬‬
‫بينما الشباب في عمر (‪ 22 ،21 ،20‬وما فوق) يكثر توجههم إلى‬
‫الكبار لالسترشاد واالستشارة‪ .‬وفي دراسة لكيورتز ‪   Curtis‬على‬
‫عينة حجمها (‪ )9056‬مراهق استنتج منها أن اإلِعجاب واإلِقبال على‬
‫آراء الكبار يضعف في سني المراهقة األولى‪ ،‬كما أن اإلِعجاب بآراء‬
‫األصدقاء أو الزمالء يكون محدوداً في نهاية المراهقة بخالف الحال‬
‫في السنوات األولى للمراهقة‪.‬‬
‫• ويرى عدد من الباحثين ضرورة حساب هذه االتجاهات‬
‫عند التعامل مع الشباب‪ ،‬ومحاولة بناء صداقة وأخوة‬
‫يتم من خاللها ممارـسة اإلرـشاد والنصيحة‪ ،‬وأن يحاول‬
‫المرشد إزـالة الحواجز والعقبات التي يرـى المرـاهقون‬
‫والشباب وجودها بينهم وبين الكبار‪ ،‬وذلك بفهمهم‬
‫وتقدير حاجاتهم ومطالب نموهم مع المحافظة على صفة‬
‫االستاذية في الفكرـ والسلوك‪ ،‬والتي تهئ لالقتداء‬
‫والقناعة بطلب المشورة من قبل الشباب‪.‬‬
‫– مطالب النمو في مرحلة الشباب‪:‬‬ ‫•‬
‫معرفة مطالب النمو لدى الشباب وحاجاتهم النفسية كالحاجة إلى األمن‬ ‫•‬
‫والرفقة والتقدير والنجاح والمكانة االجتماعية وغير ذلك مما هو مفصل‬
‫في كتب علم النفس والتربية‪ ،‬وقد أشار المتخصصون في هذا المجال إلى‬
‫قوائم بالحاجات المهمة للشباب منها ما ينطبق على الشباب عموما ً ومنها‬
‫ما ال ينطبق إال على بيئات معينة‪ ،‬وال ينطبق على البيئة اإلِسالمية‪.‬‬
‫وللشباب في المنهج اإلسالمي حاجات أخرى تضاف إلى قوائم الحاجات‪،‬‬
‫كالحاجة إلى الهداية‪ ،‬وإلى السكن النفسي المتمثل بالزواج المبكر‪ ،‬والحاجة‬
‫إلى التوبة من ثقل الخطايا والذنوب‪.‬‬
‫قال تعالى‪:‬‬ ‫•‬
‫ضل َّ َفإِ َّن َما َيضِ ل ُّ َع َل ْي َها}[‪.]29‬‬ ‫{ َّم ِن اهْ َت َدى َفإِ َّن َما َي ْه َتدِي لِ َن ْفسِ ِه َو َمن َ‬ ‫•‬
‫وقال تعالى‪:‬‬ ‫•‬
‫{ومِنْ َءا َيا ِت ِه أَنْ َخ َل َق َل ُكم ِّمنْ أَنفُسِ ُك ْم أَ ْز َواجا ً ِّل َت ْس ُك ُنو ْا إِ َل ْي َها}[‪.]30‬‬‫َ‬ ‫•‬
‫وقال تعالى‪:‬‬ ‫•‬
‫س ِّي َئاتِ}[‪.]31‬‬ ‫{وه َُو الَّذِي َي ْق َبل ُ ال َّت ْو َب َة َعنْ عِ َبا ِد ِه َو َي ْعفُو ْا َع ِن ال َّ‬‫َ‬ ‫•‬
‫ثانيا ‪:‬التهيئة ل ِإلرشاد ((القابلية))‬ ‫•‬
‫والقابلية تعني استعداد المرء لالستشارة واالسترشاد‬ ‫•‬
‫وذلك بزوال العوائق التي يمكن أن تقف حائالً بين‬
‫اإلِنسان وبين اإلِستفادة‪ ،‬واإلِقتناع بالنصيحة وبوجوب‬
‫األسباب والدواعي التي تدفعه وتحثه على سماعها‬
‫لإلرشاد‪ ،‬والمتمثلة في وجود‬ ‫وتطبيقها وهذه الهيئات ِ‬
‫الدواعي وإرتفاع العوائق تدورـ في ثالثة محاور‪:‬‬
‫‪ - 1‬في صفات المرشد‪.‬‬ ‫•‬
‫‪ - 2‬في مصادر التلقي عند المسترشد‪.‬‬ ‫•‬
‫لإلسترشاد‪.‬‬
‫‪ - 3‬في االستعداد النفسي ِ‬ ‫•‬
‫في صفات المرشد‪:‬‬ ‫•‬
‫فأما صفات المرشد فالبد أن يتوفر فيه ما يأتي‪:‬‬ ‫•‬
‫‪ – 1‬الصدق واإلِخالص‪ :‬حيث تمثل صفة اإلِخالص حجر األساس الذي‬ ‫•‬
‫يتكئ عليه الممارس لألعمال اإلِرشادية والدعوية‪ ،‬وفقد هذه الصفة يمثل‬
‫أول عائق في طريق اإلرشاد‪.‬‬
‫ش ِر ْك ِب ِع َبا َد ِة َر ِّب ِه أَ َحدَ ا}‪.‬‬‫صالِحا ً َوالَ ُي ْ‬ ‫اء َر ِّب ِه َف ْل َي ْع َملْ َع َمالً َ‬
‫{ َف َمن َكانَ َي ْر ُجو لِ َق َ‬ ‫•‬
‫‪ – 2‬القدوة فالشباب الذي يرى المرشد يؤجل ويهمل ال يمكن أن يتعلم منه‬ ‫•‬
‫النظام والجدية‪ ،‬والمراهق الذي يرد المرشد يدخن ويكذب ويسرق من‬
‫عمله وال يصلي ال يمكن أن يتعلم ترك التدخين والصدق واألمانة‬
‫والمحافظة على الصالة‪ ،‬والشاب الذي يرى المرشد مضطرب النفس سئ‬
‫الخلق‪ ،‬ال يمكن أن يسترشد به في صحة النفس وحسن الخلق‪ .‬ذلك أن فاقد‬
‫الشئ ال يعطيه‪ ،‬وسلوك المرشد في هذه الحال يمثل عائقا ً دون االسترشاد‬
‫بتوجيهاته مهما كانت المحاولة وإمكانات التخصص‪.‬‬
‫هللا أَن َتقُولُو ْا‬ ‫{ َيا أَ ُّي َها ا َّلذِينَ َءا َم ُنو ْا لِ َم َتقُولُونَ َما الَ َت ْف َعلُونْ ‪َ ،‬ك ُب َر َم ْقتا ً عِن َد ِ‬ ‫•‬
‫َما الَ َت ْف َعلُونَ }‪.‬‬
‫اب أَ َفالَ َت ْعقِلُونَ }‪.‬‬ ‫س ُك ْم َوأَن ُت ْم َت ْتلُونَ ال ِك َت َ‬
‫س ْونَ أَنفُ َ‬ ‫{أَ َتأْ ُم ُرونَ ال َّن َ‬
‫اس ِبا ْل ِب ِّر َو َتن َ‬ ‫•‬
‫• وقد أدرك عمر بن الخطاب رضي هللا عنه فاعلية هذه الخصلة حين كان‬
‫يجمع أهل بيته فيقول لهم‪(( :‬إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا‪ ،‬وإن الناس‬
‫ينظرون إليكم‪ ،‬كما ينظر الطير إلى اللحم‪ ،‬فإن وقعتم وقعوا وإن هبتم‬
‫هابوا‪ ،‬وإني وهللا ال أوتى برجل وقع فيما نهيت الناس عنه إال أضعفت له‬
‫العذاب‪ ،‬لمكانه مني‪ ،‬فمن شاء منكم فليتقدم ومن شاء فليتأخر وهكذا فإن‬
‫قوة الفعل تواكب قوة القول من حيث التأثير‪ ،‬السيما في مواطن اإلِرشاد‬
‫والعالج والتربية‪ ،‬وقد كان عمر – بهذا السبب – فأمر الناس وينهاهم فال‬
‫يتأخر أحد عن السمع والطاعة واالستجابة‪.‬‬
‫• ومن المعلوم لدى المربين والمرشدين أن التعلم بالمالحظة (أي االقتداء)‬
‫أحد النماذج المهمة والمؤثرة والتي تفرض نفسها في الواقع‪ ،‬وقد أثبت‬
‫جدواها في التغيير‪ ،‬وقد بينت دراسات عديدة‪ ،‬أن التالميذ يتأثرون بسلوك‬
‫معلميهم وتصرفاتهم‪ ،‬أكثر من تأثرهم بأقوالهم ونصائحهم فالمعلم‬
‫المستجيب والمتعاون وااليثاري والودود‪ ..‬إلخ يزود طالبه بأنماط سلوكية‬
‫هامة تسعى التربية إلى تكوينها جاهدة عن األجيال‪.‬‬
‫• إن التربية واإلِرشاد بالقدوة الصالحة هي العماد في تقويم االعوجاج‪ ،‬وهي‬
‫الباب إلى ترقية الشباب نحو الفضائل والمكرمات النبيلة واألساليب‬
‫الصحيحة الحميدة‪.‬‬
‫‪ – 3‬العلم‪ :‬فالمرشد ينبغي أن يكون عالما ً بأصول اإلِرشاد والتوجيه سواء ما كان‬ ‫•‬
‫من المصادر الشرعية‪ ،‬أو من المراجع المتخصصة الحديثة‪ .‬وكون المرشد يعرف‬
‫بقلة العلم‪ ،‬وضحالة اإلِطالع‪ ،‬وإنعدام متابعة المعلومات يؤدي بالشباب إلى‬
‫اإلِعراض عنه‪ ،‬والزهادة بما عنده‪ ،‬فال يقصدونه لتوجيههم وحل مشكالتهم وحال‬
‫هذا المرشد كحال من قال فيه الشاعر‪.‬‬
‫أما‪ ‬ذوو‪ ‬الجهل‪ ‬فارغب‪ ‬عن‪ ‬مجالسهم‪        ‬قد‪ ‬ضل‪ ‬من‪ ‬كانت‪ ‬العميان‪ ‬تهديه‬ ‫•‬
‫والعلم يمهد لقبول المرشد واألخذ برأيه والعناية بنصحه‪:‬‬ ‫•‬
‫{قُلْ َهلْ َي ْس َت ِوى ا َّلذِينَ َي ْعلَ ُمونَ َوالَّذِينَ الَ َي ْع َل ُمونَ }[‪.]37‬‬ ‫•‬
‫‪ – 4‬توفر القدرات والوسائل‪ :‬وهذا جانب مكمل للعلم‪ ،‬فإن العلم وحده ال يكفي‬ ‫•‬
‫إلِحداث التغيير بل البد من القدرات ووسائل التغيير‪ ،‬سواء كانت هذه القدرات‬
‫قدرات شخصية ونفسية أو قدرات مادية وإدارية‪ .‬ولذلك فإن عملية اإلِرشاد قد‬
‫تعاق أو تتعثر ال لفقد العلم أو اإلِخالص أو القدوة في المرشد‪ ،‬وإنما لفقد القدرة‬
‫واإلِمكانية‪.‬‬
‫• في مصادر التلقي عند المسترشد‪:‬‬
‫• وأما مصادر التلقي عند المسترشد وهو المحور الثاني للتهيئة فمن المعلوم أن‬
‫اإلرشاد إلى مستحقه تتمثل في جهات‬ ‫هناك عوائق كثيرة تحول دون وصول ِ‬
‫التحكم‪ ،‬ومصادر التوجيه للشاب‪ ،‬فهو ينتمي إلى أسرة وإلى صحبة‪ ،‬وهو يتلقى‬
‫اإلعالم‪ ،‬ومؤسسات المجتمع المختلفة‪ .‬كل هذه مصادر للتلقي إما أن‬ ‫من وسائل ِ‬
‫لإلرشاد وإما أن تعوقه‪ ،‬ونوضح هذا الجانب بمثالين‪:‬‬
‫تهئ ِ‬
‫‪ – 1‬المثال األول‪:‬‬
‫• من األسرة كمؤثر مهم في سلوك الشاب وفكره‪ ،‬حيث أن األسرة تعتبر المحضن‬
‫األول الذي يتفاعل معه الفرد منذ البداية األولى لحياته‪ ،‬وهي إما أن تكون‬
‫مساعدة للفرد على إشباع حاجاته الجسمية والنفسية األساسية‪ ،‬وعلى تحقيق نموه‬
‫إلشباع‬
‫المتكامل إذا كانت العالقة به تقوم على أسس سليمة‪ ،‬أو تكون معرقلة ِ‬
‫حاجات الفرد‪ ،‬ومثبطة لهمته ومطامحه وغير مبالية بدوره ومستقبله‪ ،‬ومن ثم‬
‫اإلرشاد وبين الشباب بصورة مباشرة أو غير مباشرة‪ .‬المباشرة تكون‬ ‫تحول بين ِ‬
‫اإلهتمام بإرشاد الشباب وتوجيهه وإشغاله عن ذلك أو الحيلولة بينه وبين‬‫بعدم ِ‬
‫اإلرشاد والتوجيه‪ ،‬بدالً من توثيقها وحث الشباب على السماع منها‬‫جهات ِ‬
‫واستثمارها‪ .‬وغير المباشرة تكون بالرصيد التراكمي من سوء المعاملة للشباب‬
‫أثناء طفولته ومراهقته وتقييد حريته ومعاملته كطفل صغير‪ ،‬والتسلط عليه‬
‫بطريقة ال تسمح بتنمية روح المبادأة والمشورة ومناقشة اآلراء‪.‬‬
‫لإلسترشاد واإلِستعانة بآراء‬‫• وهذا ينعكس على استعدادات الشاب ِ‬
‫اآلخرين ومناقشتهم للوصول إلى أفضل الطرق لسالمة النمو‪،‬‬
‫وحل المشكالت التعليمية والنفسية‪.‬‬
‫• إن إيجاد الذهنية القابلة للنصيحة المبنية على االقتناع الفكري‬
‫بضرورة المداولة والمحاورة في مشكالت الشاب وقضاياه أمر‬
‫البد منه‪ ،‬إذا كانت األسرة قد أفسدت الذهنية وأفقدتها القابلية‪.‬‬
‫• ‪ – 2‬والمثال الثاني‪:‬‬
‫• هو األعالم كمصدر مهم من مصادر التلقي‪ ،‬والتي يتم عبرها تلقي عشرات‬
‫األنواع من ثقافة الوسيلة وثقافة الغاية ومن منابع مختلفة‪ ،‬ومصدر التلقي‬
‫هذا مصدـر جماهيري يمارس دور التوجيه واإلِرشاد بطريقته الخاصة‪،‬‬
‫والباحث في تأثير وسائل األعالم الجماهيرية على الشباب توجيها ً وإرشاداً‪،‬‬
‫عليه أن يمعن النظر في التأثير بعيد المدى الذي يمكن لهذه الوسائل أن‬
‫تحدثه في عقليات الشباب ونفسياتهم‪ ،‬وسلوكهم اإلجتماعي‪ ،‬وأن يأخذ في‬
‫حسبانه البعد التراكمي للوسائل اإلعالمية التي يتلقاها الشباب في مختلف‬
‫مراحل حياتهم وخصوصا ً في مرحلة الصبوة والمراهقة والفتوة‪.‬‬
‫• ((إن رسالة واحدة تهدف إلى تغيير موقف ما أو تحوير سلوك‬
‫إجتماعي معين‪ ،‬قد ال يكون لها أثر مباشر وسريع على نفسيات‬
‫الشباب‪ ...‬ولكن تراكم عدد كبير من الرسائل اإلعالمية بطرق‬
‫مشوقة وجذابة وعبر مدى زمني ممتد وهي تركز على موقف‬
‫معين أو تبشر بسلوك محدد قد يكسب ذلك الموقف أو السلوك‬
‫شرعية إجتماعية ويكسر الحواجز النفسية بين الجمهور وبين‬
‫ذلك الموقف أو السلوك المعتاد عليه ويتقبله واقعا ً معترفا ً به))‪.‬‬
‫• في االستعداد النفسي لالسترشاد‪:‬‬
‫المحور الثالث للتهيئة ويتمثل في االستعداد النفسي لإلسترشاد وهذا الجانب‬ ‫•‬
‫يتعلق بصاحب القضية أو المشكلة‪ ،‬وهو الطالب – هنا – والحديث في هذا‬
‫الموضوع من ألصق األمور بموضوع اإلرشاد‪ ،‬فإن صاحب المشكلة هو موضوع‬
‫اإلرشاد ومقصوده‪ ،‬وكما أنه البد من استعداد الطالب النفسي للتعلم‪ ،‬فإنه البد من‬
‫استعداد الطالب لإلسترشاد‪ ،‬ولهذا جعل بعض المخططين لتعليم القيم واألخالق‬
‫مرحلة قبلية البد من توفرها سموها‪( :‬االستقبال)‪ ،‬وهو أول مراحل هذا التعلم‪ ،‬إذ‬
‫أن اإلستعداد النفسي واإلنتباه اإلختياري لسماع اإلرشاد والنظر فيه أول خطوة‪،‬‬
‫وال يتم ما بعدها إال بها‪ ،‬وفي بعض األحيان يواجه المربون الصعوبات والعقبات‬
‫في سبيل تحقيق هذا المستوى الضروري للتربية‪.‬‬
‫ش ِهيدٌ}‪.‬‬ ‫س ْم َع َوه َُو َ‬ ‫ب أَ ْو أَ ْل َقى ال َّ‬‫قال تعالى‪{ :‬إِنَّ فِي َذلِ َك َلذ ِْك َرى لِ َمن َكانَ لَ ُه َق ْل ٌ‬ ‫•‬
‫ض أَ ْك َث ُر ُه ْم َف ُه ْم الَ َي ْس َم ُعونَ ‪َ ،‬و َقالُو ْا قُلُو ُب َنا فِي أَ ِك َّن ٍة ِّم َّما َتدْ ُعو َنا‬
‫وقال تعالى‪َ { :‬فأ َ ْع َر َ‬ ‫•‬
‫اع َملْ إِ َّن َنا َعا ِملُونَ }‪.‬‬‫اب َف ْ‬‫إِ َل ْي ِه َوفِي َءا َذا ِن َنا َو ْق ٌر َومِن َب ْي ِن َنا َو َب ْي ِن َك ح َِج ٌ‬
‫ويتركز إهتمام المرشد في هذه المرحلة التي هي نهاية عملية التهيئة وبداية‬ ‫•‬
‫عملية اإلرشاد على جلب إنتباه الطالب إلى أهمية اإلرشاد وإيجاد الرغبة لديه في‬
‫اإلستقبال والسماع‪.‬‬
‫• وهذا يبدي صعوبة إيصال اإلِرشاد إلى الشاب الذي يتلقى من هذه الوسائل‬
‫بمحتوياتها المعاصرة والتي يظهر عليها اإلِنحراف مما ينعكس على واقع الشباب‬
‫الخلقي التأثر باإلِرشاد‪ ،‬وقد بين هللا في القرآن أثر التراكم على القلب وتكوينه‬
‫للحجب والموانع التي تحول بينه وبين التأثر بالموعظة واإلِحساس بالمصيبة‪،‬‬
‫والشعور بالوازع أو الدافع إلى الخير وطلبه قال تعالى‪:‬‬
‫ساطِ ي ُر األَ َّولِينَ ‪َ ،‬كالَّ َبلْ َرانَ َع َلى قُلُ ِ‬
‫وب ِهم َّما َكا ُنو ْا‬ ‫• {إِ َذا ُت ْت َلى َع َل ْي ِه َءا َيا ُت َنا َقال َ أَ َ‬
‫َي ْكسِ ُبونَ }‪.‬‬
‫• أي غطى على قلوبهم ما كانوا يكسبون من اإلثم والمعصية‪ ،‬والقلب الذي يعتاد على‬
‫المعصية ينطمس ويظلم‪ ،‬ويرين عليه غطاء كثيف يحجب النور عنه ويحجبه عن‬
‫النور‪ ،‬ويفقده الحساسية شيئا ً فشيئا ً حتى يتبلد ويموت‪ .‬ومما يؤسف له ويزيد األمر‬
‫سوءاً أن معظم الناس يعلمون هذه الخطورة لوسائل اإلعالم ولكنهم رغم ذلك ال‬
‫يهتمون بتصحيح أوضاعهم‪ ،‬وتحصين نفوسهم‪ ،‬والعمل على حجب أو تخفيف هذه‬
‫اآلثار المتراكمة‪ ،‬ففي دراسة قام بها الدكتور عبدالرحمن عيسوي على اآلثار النفسية‬
‫واإلجتماعية للتلفزيون وجد أن التلفزيون يضر أكثر مما ينفع عند الغالبية من أفراد‬
‫المجتمع‪ ،‬حيث ان ‪ %72‬من العينة اإلحصائية قالت أن ضرره أكثر من نفعه‪.‬‬
‫حتى تكون عملية اإلرشاد علمية‬
‫وـعملية و فعالة ‪ ..‬يجب على المرشد‬
‫أن يكون ملما بحالة المسترشد‪.......‬‬
‫وـحتى تكون المعرـفة دقيقة يقوـم‬
‫المرشد بإعدـاد بطاقة لدرـاسة الحالة‬

‫نشاط‬
‫ابن بطاقة حالة تشتمل على أـهم‬
‫المعلوـمات الالزـم معرـفتها لنجاح‬
‫عملية اإلرشاد‪.‬‬
‫أسباب االـضطرـاب النفسي في رـأي الدين‬
‫• من األسباب الرئيسية لالضطرابات واألمراض النفسية من وجهة نظر‬
‫الدين ما يلي ‪:‬‬
‫• الذنوب ‪:‬‬
‫• الذنب هو مخالفة القوانين اإللهية واتباع هوى النفس األمارة بالسوء‪.‬‬
‫وتعتبر الذنوب والخطايا واقتراف اآلثام وارتكاب المعاصي للقلب‬
‫كالسموم إن لم تهلكه أضعفته‪ ،‬وهي ال تصدر إال عن قلب ضعيف‬
‫اإليمان فعالً‪ .‬قال هللا تعالى ‪ …" :‬ومن يكسب إثما ً فإنما يكسبه على‬
‫نفسه…"‪ (.‬النساء ‪ ) 111 :‬وقال تعالى ‪ …" :‬إن الذين يكسبون اإلثم‬
‫سيجزون بما كانوا يقترفون ” (االنعام ‪." ) 120 :‬‬
‫• الضالل ‪:‬‬
‫• إن الضالل عن سبيل هللا والكفر واإللحاد والبعد عن الدين‪ ،‬ومعصية هللا ورسوله‪،‬‬
‫وعدم ممارسة العبادـات‪ ،‬وتشويش المفاهيم الدينية‪ ،‬يؤدي إلى اضطراب السلوك‪.‬‬
‫قال هللا تعالى ‪ " :‬من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها "(يونس )‬
‫وقال تعالى ‪ " :‬ومن يكفر باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر فقد ضل ضالالً‬
‫بعيداً (النساء) "‪.‬‬
‫• ومن الضالل اتباع الشيطان الذي يضل أولياءه ويزين لهم أعمالهم مما يؤدي إلى‬
‫انحراف السلوك‪ .‬قال هللا تعالى ‪ " :‬إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا… "( فاطر)‬
‫• ومن الضالل اإلعراض عن ذكر هللا مما يؤدي إلى الشقاء‪ .‬قال تعالى ‪" :‬‬
‫• ومن أعرض عن ذـكري فإن له معيشة ضنكا… "( طه) وقال تعالى ‪ " :‬ومن يعش‬
‫عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا ً فهو له قرين ( ‪ ) 36‬وإنهم ليصدونهم عن‬
‫السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ( الزخرف) "‪.‬‬
‫• ومن الضالل الغفلة‪ ،‬قال هللا تعالى ‪ " :‬وال تكونوا كالذين نسوا هللا فأنساهم أنفسهم‬
‫أولئك هم الفاسقون ( الحشر ) "‪ .‬وقال تعالى ‪ " :‬اقترب للناس حسابهم وهم في‬
‫غفلة معرضون (األنبياء‪." ) 1 :‬‬
‫• ومن الضالل ارتكاب ما حرم هللا قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬اتق‬
‫المحارم تكن أعبد الناس "‬
‫• الصراع ‪:‬‬
‫أخطر الصراعات لدى اإلنسان هو الصراع بين قوى الخير وقوى الشر فيه‪ .‬وبين‬ ‫•‬
‫الحالل والحرام‪ ،‬وبين الجانب المالئكي والجانب الحيواني في اإلنسان‪ .‬فيتأثر بذلك‬
‫اطمئنان النفس المطمئنة ويحيلها إلى نفس مضطربة‪ .‬ونحن نعرف أن الصراع إذا‬
‫استحكم صرع اإلنسان وأدى إلى القلق الذي يؤرقه ويخيفه‪ ،‬والصراع بين الخير‬
‫والشر عند اإلنسان دائم ومستمر‪ ،‬وهو كالصراع بين جيشين مع كل منهما سالحه‬
‫فأيهما غلب اآلخر قهره وكان الحكم له‪ ،‬فالقلب إذا كان ضعيفا ً والفرد شهوانياً‪،‬‬
‫والحظ قليالً من التوكل والتوحيد‪ ،‬انتصر الشر على الخير‪ ،‬وحين ينتصر الشر على‬
‫الخير تتسلط الوساوس ‪.‬‬
‫وكم يقابل الفرد من صراعات نتيجة للفرق بين القيم المتعلمة القيم الفعلية والفرق‬ ‫•‬
‫بين المثل التي يتبناها الفرد وبين الواقع الفعلي ‪.‬‬
‫ضعف الضمير ‪ :‬ـ‬ ‫•‬
‫يقول البعض إن األمراض النفسية ومظاهر سوء التوافق النفسي هي أمراض‬ ‫•‬
‫الضمير‪ ،‬أو هي حيلة هروبية من تأنيب الضمير‪ .‬ويضاف إلى ضعف الضمير‬
‫الضعف األخالقي واالنحراف السلوكي الذي يترتب على ذلك‪.‬‬
‫• أسباب أخرى ‪:‬‬
‫• هناك أسباب أخرى كثيرة منها األنانية وإيثار الحياة الدنيا والتكالب‬
‫عليها‪ ،‬واتباع الغرائز والشهوات‪ ،‬والتبرج واإلغراء‪ ،‬والغيرة‬
‫والحقد وحسد الناس على ما آتاهم هللا من فضله‪ ،‬والشك‬
‫واالرتياب‪ (.‬زهران)‬

‫تعقيب ‪ :‬ونرى أنه يمكن إضافة إلى ما ذكر من أسباب االضطراب‬


‫أيضا ً ‪:‬‬
‫• أن يتطلع االنسان إلى ما في يد غيرـه وقد نهى القرـآن‬
‫عن ذلك فقال " وال تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا ً‬
‫منهم زهرـة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ”‬
‫• كما قال الرسول (ص) " ارـض بما قسم هللا تكن أغنى‬
‫الناس " ‪.‬‬
‫• ومنها أن يظهر االنسان خالف ما يبطن وهو ما يسمى‬
‫بالنفاق وقد كشفهم هللا فقال " إن المنافقين يخادعون‬
‫هللا وهو خادعهم " ‪ (.‬النساء ‪)142 :‬‬

‫• ومنها محبة الكافرين والظالمين واتخاذهم أولياء من‬


‫دون هللا قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا عدوي‬
‫وعدوكم أولياء تقلون إليهم بالمودة وقد كفروا بما‬
‫جاءكم من الحق " ( الممتحنة ‪)1 :‬‬
‫أعراض االضطراب النفسي في رأي الدين‬
‫• تعتبر أعراض االضطراب النفسي في رأي الدين استجابة غير سوية‬
‫لضمير الفرد بسبب ما تعرض له من إهمال‪ ،‬أو نتيجة لقيامه بسلوك‬
‫يتضمن نوعا ً من التحدي السافر لتعاليم الدين‪ ،‬ومن األعراض‬
‫الرئيسية لالضطراب النفسي من وجهة نظر الدين ما يلي ‪:‬‬
‫• االنحراف ‪ :‬ـ ويشمل االنحرافات السلوكية وعلى رأسها االنحرافات الجنسية‪،‬‬
‫ويشمل أيضا ً االنحرافات االجتماعية المختلفة مثل الكذب والسرقة والعدوان‬
‫والتمرد واإلدمان‪ ،‬وغير ذلك من أشكال السلوك المنحرف‪.‬‬
‫• الشعور باإلثم ‪ :‬ـويكون الشعور باإلثم والخطيئة والذنب نتيجة لما ارتكبه الفرد‬
‫من أعمال وسوس إليه بها الشيطان وكان يود أال يرتكبها‪ ،‬ويعتبر عنصراً أساسيا ً‬
‫في تكوين العصاب‪ ،‬وهذا مما يثقل كاهل اإلنسان ويجعله يتوقع العقاب‪ .‬ونحن‬
‫نعرف أن محور العصاب هو الخطيئة والشعور باإلثم مما يهدد الذات ويسبب حالة‬
‫عدم االتزان النفسي وسوء التوافق االجتماعي‪ ،‬قال هللا تعالى‪ …":‬لكل امرئ‬
‫منهم ما اكتسب من اإلثم "‪ (.‬النور ‪)11 :‬‬
‫الخوف ‪ :‬ـ‬ ‫•‬
‫ونقصد الخوف المرضي الدائم المتكر‪M‬ر الذي ال يمكن‬ ‫•‬
‫ضبطه أو التخلص منه أو السيطرة عليه‪ ،‬والذي يتملك‬
‫سلوك اإلنسان المخطئ يحكمه ويصاحبه سلوك عصابي‬
‫قهري‪.‬‬
‫القلق ‪ :‬ـ‬ ‫•‬
‫وهو آفة عصر‪M‬نا الذي أصبح يطلق عليه "عصر‪ M‬القلق"‪.‬‬ ‫•‬
‫وهو خوف غامض غير محدد مصحوب بالتوتر والضيق‬
‫والتهيب وتوقع الخطر‪ ،‬وعدم االستقرار العام‪ ،‬مما يعوق‬
‫الفرد عن اإلنتاج‪ ،‬ويجعل سلوكه مضطرباً‪.‬‬
‫• االكتئاب ‪ :‬ـ‬
‫• وهو حالة يشعر فيها الفرد بالكآبة والكدرـ والغم والحزن‬
‫الشديد وانكسار النفس والتشاؤم دون سبب مناسب أو‬
‫لسبب تافه‪ ،‬فيفقده لذة الحياة‪ ،‬ويرـى أنها خالية من األمن‬
‫والسالم‪ ،‬ال معنى لها وال هدف له فيها‪ ،‬فتثبط عزـيمته‬
‫ويفقد اهتمامه بعمله وشئونه‪ ،‬وقد يكرـه الحياة‪ (.‬زـهران )‬
‫• تعقيب ‪:‬‬
‫• من أعراض االضطراب النفسي أيضا ً ‪ :‬الكذب والذي‬
‫يحاول الفرد أن يغطيه فيكثر من الحلف واأليمان ‪ ،‬كذلك‬
‫من مظاهره الغيبة للناس والنميمة بين األفراد كذلك يعتبر‬
‫الحقد والحسد من مظاهر عدم السواء في الشخصية في‬
‫نظر‪ M‬الدين ‪ ،‬ومن مظاهر االضطراب أيضا ً منع الخير‬
‫واالعتداء على حقوق اآلخرين وقد جمع القرآن هذه‬
‫المظاهر جميعها فقال ‪ " :‬وال تطع كل حالف مهين ‪،‬‬
‫هماز مشاء بنميم‪ ،‬مناع للخير معتد أثيم " ( القلم)‬
‫• الوقاية الدينية من المرض النفسي‪:‬‬
‫ومن ذلك كله يتجلى أن اإليمان كثيرا ما تؤدي العقيدة المثلى والسلوك‬
‫الصالح الستقرار األنا واطمئنان النفس ‪ ،‬لكن السلوك الذي يخرج عن‬
‫الدين أو بالعكس الذي يأخذ شكل العبادة المفرطة يصل أحيانا أمرا‬
‫خطيرا قد يؤدي إلى الشذوذ واالنحراف وإلى مشتبكات نفسية معقدة‬
‫ومن ذلك ينبغي أن تتضمن الوقاية من المرض النفسي في البيئة العربية‬
‫اإلسالمية االهتمام بالتربية األخالقية‪ ،‬وبتركيز القيم الدينية كدعامة‬
‫للسلوك السوي وكشرط أساسي للتوافق النفسي واالجتماعي‪.‬‬
‫• والمعروف‪ ،‬أن الدين اإلسالمي يوحي باالهتمام بالحياة الدنيا واآلخرة‪،‬‬
‫وبإحداث توازن بين الملذات والماديات واألخالقيات والروحانيات كي يتم‬
‫التوافق النفسي‪.‬ولقد قال علي بن أبي طالب رضي هللا عنه " اعمل‬
‫لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل آلخرتك كأنك تموت غدا "‪.‬‬
‫• ولنختم كالمنا بقول الشيخ الرئيس ابن سينا الذي أشار إلى أن أنفع البر‬
‫هي الصدقة وأزكى السر هو االحتمال‪ ،‬وخير العمل ما صدر عن خالص‬
‫نية‪ ،‬وخير النية ما صدر عن الحكمة والفضائل وعن معرفة هللا أول‬
‫األوائل‬
‫نشاط‬

‫هناك العديد من األسباب التي تؤدي‬


‫إلى االـضطرـاب النفسي كما أشار‬
‫لها القرـآن الكريم وـالسنة النبوية المطهرـة‪.‬‬
‫اكتب تقريرـا توـضح فيه‬
‫اشارـات القرـآن وـالسنة إلى جملة‬
‫من األسباب و األـعرـاـض المرـضية النفسية‪.‬‬
‫الصحة النفسية بين رؤيتين‬
‫• غالبا ما تتمثل الصراعات النفسية في التناقض بين قوى‬
‫الخير والشر‪ ،‬وبين الغرائزـ المحرمات‪ ،‬من ذلك الشعور‬
‫بالذنب والخطأ الذي كثيرـا ما يتسبب في القلق والفزـع‬
‫والعدوان واضطرـاب الطبع والسلوك ‪ .‬بيد أن أصول‬
‫الشخصية األساسية في البيئة اإلسالمية ال تزـال ترتكز‬
‫على القيم الحضارية المنبثقة من تعاليم اإلسالم ألن هذه‬
‫القيم تبقى من العناصر الرئيسية الواقية من المرض‬
‫النفسي والمخففة لوطأته عند حدوثه‪.‬‬
‫• وقد أكد الكثير من علماء اإلسالم على مفعول تعاليم الدين بقصد ترضية‬
‫النفس واطمئنانها بواسطة التوبة واالستبصار واكتساب االتجاهات‬
‫الجديدة الفاضلة‪ ،‬وأن شخصية المسلم ترتكز على اإليمان بالقضاء‬
‫والقدر والبر والتقوى وعلى مسئولية االختيار وطلب العلم والصدق‬
‫والتسامح واألمانة والتعاون والقناعة والصبر واالحتمال والقوة والصحة‬
‫الخ‪ ،‬وكل هذه الخصال تشجع على إنماء الشخصية واكتمالها بقصد‬
‫السعادة النفسية الشاملة‪.‬‬
‫• ومن هنا يتجلى مفعول العالجات التقليدية في البيئة اإلسالمية‪ ،‬األمر‬
‫الذي يفرض على األطباء المحدثين أن يأخذوا هذه الطرق بعين االعتبار‬
‫ويدرسونها كي تستفيد ممارستهم الخاصة بتعاليمها وبذلك يحصل‬
‫التنسيق والتكامل المنشود ويأتي هذا المقالة بعديد من اآليات البينات‬
‫والقيم األخالقية المستخلصة من الحديث النبوي ومن أقوال أعالم‬
‫الفالسفة والعلماء المسلمين‪ ،‬في هذا الصدد‪.‬‬
‫•‬
‫إن الصحة النفسية تهدف إلى تنمية الفرد وجعله قادرا على نشاط مثمر‬
‫وربط عالقات سوية مع الغير مع التمتع بإرادة ثابتة وعقيدة مثلى‬
‫ليعيش في سالم وسعادة مع نفسه وذويه والمجتمع بصفة عامة‪.‬‬
‫وإن الصراعات الباطنية التي يخوضها المرء طيلة حياته من شأنها أن‬
‫تتسبب في اضطرابات نفسية شديدة إن لم يقع حلها بصفة مرضية‬
‫وأخطر الصراعات تتمثل في األنانية المفرطة والرغبات الملحة لتحقيق‬
‫الشهوات مهما كانت الطرق والحيل المستعملة لهذا الغرض‪.‬‬
‫• وقد أجمع الكثير من العلماء على أن الخطأ هو في الذنب واأللم الذي‬
‫يشربه اإلنسان نتيجة ما ارتكبه من أعمال سيئة وقذرة‪.‬‬
‫وتعتبر هذه لعقدة كعنصر أساسي لتكوين العصابات يعني األمراض‬
‫العصبية باعتبار أن مظاهر سوء التوافق النفسي تمثل أمراض الضمير‬
‫بل هي حيلة دفاعية للهروب من تأنيب الضمير‪.‬‬
‫ومن أهم األعراض النفسية المرضية مشاعر القلق والحصر والشعور‬
‫بالذنب والخطأ أو بالعكس العدوان الظلم والسلوك المضطرب‪،‬‬
‫والمنحرف الخارج عن اإلقليم والمقاييس االجتماعية‪.‬‬
‫• ومن هنا نفهم الروابط والفوارق التي تقوم بين القيم الدينية والتحاليل‬
‫النفسية الفرودية مثال حيث أن النظرية الفرويدية يمكن أن تؤدي إلى‬
‫سيطرة الغرائز الجنسية في كل الحاالت‪ ،‬ولربما تشجع على ذلك في‬
‫مفهومها السطحي الشائع بينما تحث القيم الدينية على التحكم في الدوافع‬
‫والتغلب عليها بسيطرة النفس الفاضلة الضمير وهو األنا األعلى عند فرويد‬

‫ونفهم إذن كيف ال يسعنا في مجتمعنا العربي اإلسالمي وقد أثبتت ذلك‬
‫تجربتنا الطويلة إال أن نتماشى مع هذه القيم الدينية األصيلة التي ال تزال‬
‫قائمة في النفوس بشكل من األشكال‪ ،‬وتعالج عادة الفرد من الصراع الذي‬
‫يتخبط فيه انطالقا من هذه المقاييس‪.‬‬

‫وكثيرا ما يكون المريض يفهم خطابنا هذا وال يفهم كالما آخر مثل الكالم‬
‫الغامض المعقد الذي نستخرجه من بعض النظريات شبه العلمية الغربية‬
‫المصدر والتي ال تنفك باقية يوما بعد يوم عرضة إلى االنتقاد والمراجعة في‬
‫المجتمع الغربي نفسه‪.‬‬
‫زد على ذلك كشرط تقني أساسي للتشخيص والعالج‪ ،‬ضرورة فهم‬ ‫•‬
‫المريض من الداخل والتماشي معه يعني مع اعتقاداته وقيمه وإجماال‬
‫مع قواعد شخصيته األساسية وهو السبيل األفضل لمعاينته الدقيقة‬
‫ولتركيز تشخيص مرضه بصفة قويمة ثابتة‪.‬‬
‫هذا وإن الدين اإلسالمي كثيرا ما يكون وسيلة لتحقيق األمان والسالم‬ ‫•‬
‫النفسي وهو إيمان وأخالق وعمل صالح وهو الطريق إلى سيطرة العقل‬
‫وإلى المحبة والسبيل القويم إلى القناعة واالرتياح والطمأنينة والسعادة‬
‫والسالم‪.‬‬
‫وقد أكدت التجربة منذ ما يقرب من ثالثين سنة أن اللجوء إلى هذه‬ ‫•‬
‫المقاييس يصبح أمرا حتميا وعمال ناجعا في أغلب الحاالت‪ ،‬وذلك‬
‫بالرغم من تطور المجتمع السريع وابتعاد بعض األوساط فيه عن القيم‬
‫الدينية األصيلة‪.‬‬
‫وقد كتب وحلل وألف الكثير من األطباء والعلماء المسلمين في مجال‬ ‫•‬
‫السعادة النفسية‪ ،‬وإن كل المذاهب الفلسفية اإلسالمية التي تعرضت إلى‬
‫فهم الروح وتحليل جوهرها وماهيتها قد أتت كما هو معلوم بتعاليم قيمة‬
‫لتحقيق االطمئنان لألفراد والجماعات‪ ،‬عبر الزمان والمكان‪.‬‬
‫•اإلرشاد الديني‬
‫•و الصحة النفسية‬
‫•كيف يحقق اإلسالـم الصحة النفسية؟؟؟‬
‫تقديم ‪:‬‬
‫اإلرشاد النفسي الديني ‪ Religious Psychological Counseling‬إرشاد شامل التجاهات‬
‫واستراتيجيات إرشادية أخرى كثيرة ‪ ،‬حيث نجد له جانبا ً حليليا ً يبرز كيفية‬
‫تناوله وتحليله ألسباب وأعراض االضطراب النفسي لدى الشخص ‪ ،‬ومثل ما‬
‫يقوم به المرشد النفسي الديني أثناء المقابلة اإلرشادية في الكشف عن‬
‫مكبوتات الالشعور ‪ ،‬وتعرفها وإخراجها إلى حيز شعور المسترشد لعالجها ‪،‬‬
‫كما يحدد المرشد النمو الديني والقيم المؤثرة على المسترشد ‪ ،‬وكيفية اإلفادة‬
‫منها في عملية اإلرشاد ‪ ،‬باإلضافة إلى امتالكه جانبا ً إنسانيا ً يبرز في تعامله‬
‫مع اإلنسان كوحدة كلية شاملة ‪ ،‬وفي نظرته لصاحب اإلرادة القوية والعقيدة‬
‫الصحيحة على أنه مسئول عن اختياراته وأفعاله وأقواله ‪ ،‬مما يجعله متمتعا ً‬
‫بالتوافق والصحة النفسية ‪ ،‬باإلضافة إلى الجانب المعرفي المتمثل في تناول‬
‫العمليات المعرفية العقلية وآليات التفكير الشامل ‪ ،‬أما الجانب السلوكي في‬
‫اإلرشاد النفسي الديني فيتمثل في استخدامه مبادئ وقوانين التعلم وعمليات‬
‫عادة التعلم وتغيير وتعديل السلوك لمساعدته على التغلب على اضطراباته‬
‫النفسية ‪ ،‬باإلضافة إلى أساليب الترغيب والترهيب من وسائل الثواب والعقاب‪.‬‬
‫ومن آليات الصحة النفسية التي يوظفها الدين كروافع نفسية ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬الصالة ‪: Pray‬الصالة وسيلة يلجأ إليها الفرد طلبا ً‬
‫لألمن والطمأنينة ‪ ،‬وهو يسير في خضم شدائد الحياة ‪،‬‬
‫فقد أشار كل من ‪ Martin & Carlson‬إلى أن الصالة تعد من أقدم‬
‫الفنيات التي تستخدم في التدخالت العالجية ‪ ،‬وأضاف‬
‫أيضا ً كل من ‪ Finne & Malony‬أن الصالة كفنية عالجية‬
‫مناسبة لخفض القلق ‪ ،‬فيتعلم الفرد منها االسترخاء‬
‫الذي يسهم كفنية للعالج النفسي الديني في تخفيف‬
‫أزمات الحياة ‪ ،‬وتكوين اتجاهات موجبة للتعامل مع‬
‫ظروف الحياة ‪،‬باإلضافة إلى أن ما يمكن أن ‪ -‬يتعلمه‬
‫الفرد من خالل الصلوات الخمس في اليوم ‪ ،‬واالقتناع‬
‫بأن األمور كلها بيد هللا ‪،‬يصبح عادة عامة في جميع‬
‫مناحي سلوكه ‪ ،‬ويحميه من والتوتر واالنفعاالت الحادة ‪.‬‬
‫• إن حالة االسترخاء و‪š‬الهدوء النفسي التي تحدثها‬
‫الصالة تساعد على التخلص أيضا ً من القلق الذي يشكو‬
‫منه المرضى النفسيون ‪ ،‬فعادة ما تستمر تلك الحالة‬
‫بعد االنتهاء من الصالة ‪ ،‬وقد يو‪š‬اجه الفرد وهو في هذه‬
‫الحالة – االسترخاء – بعض األمور أو المواقف المثيرة‬
‫للقلق ‪ ،‬أو قد يتذكرها ‪ ،‬وتكرار تعرض الفرد لهذه‬
‫المواقف المثيرة للقلق أو‪ š‬تذكره لها أثناء وجوده في‬
‫حالة االسترخاء والهدوء النفسي عقب الصلوات ‪ ،‬إنما‬
‫يؤدي إلى ما يسمى بلغة النظرية السلوكية في عم‪š‬لية‬
‫اإلرشاد‪ š‬النفسي بـ ‪ " :‬اإلنطفاء " التدريجي للقلق ‪،‬‬
‫وإلى ارتباط هذه المواقف المثيرة للقلق بحالة‬
‫االسترخاء والهدوء النفسي ‪ ،‬وبذلك يتخلص الفرد م‪š‬ن‬
‫القلق الذي كانت تثيره هذه المواقف‪.‬‬
‫• {باإلضافة إلى ذلك ‪ ،‬فإن من أهم‬
‫ما تعتمد علية نظرية التحليل‬
‫النفسي ‪ -‬إحدى نظريات اإلرشاد‬
‫النفسي ‪ -‬أن مجرد إفضاء الفرد‬
‫بمشكالته وهمومه والتعبير‬
‫عنها إلى شخص أخر يسبب له‬
‫راحة نفسية ‪ ،‬من خالل تخفيف‬
‫حدة قلقه ‪ ،‬وهذا ما يسمى بـ ‪" :‬‬
‫التفريغ االنفعالي " ‪ ،‬فإذا كانت‬
‫حالة اإلنسان النفسية تتحسن إذا‬
‫أفضى بمشكالته آلخرين ‪ ،‬فما‬
‫بالك بمقدار التحسن الذي يمكن‬
‫أن يطرأ عليه إذا أفضى‬
‫بمشكالته هلل ‪ -‬سبحانه وتعالى –‬
‫{‬
‫• وقد أشار كالً من مارتن و كارـلسون‬
‫(‪ )Martin & Carlson, 1988‬إلى أن الصالة‬
‫تعد من أقدم الفنيات التي تستخدم في‬
‫التدخالت العالجية‪ ،‬وقد أُشير أيضا ً إلى‬
‫أن الصالة هي فنية عالجية مناسبة‬
‫لخفض القلق لدى األفراد‪ ,‬فيتعلم الفرد‬
‫منها االسترـخاء الذي يسهم كفنية‬
‫للعالج النفسي الروحي (الديني) في‬
‫تخفيف أزمات الحياة الصعبة‪ ،‬وتكوين‬
‫اتجاهات جيدة و مناسبة للتعامل مع‬
‫ظروف هذه الحياة‪ ،‬واالقتناع بأن األمر‬
‫كله بيد هللا (‪.)Corey, 2005‬‬
‫‪ -2‬الوضوء‪ :‬الوضوء يسبق الصالة و له آثار نفسية‬
‫وجسمية وروحية واجتماعية عظيمة ‪ ،‬فهو ليس تطهيراً‬
‫للجسد مما قد يكون علق به من درن ‪ ،‬ولكنه أيضا ً تطهير‬
‫للنفس وتحريرها من مشاعر الذنب واإلثم والعصيان ‪،‬‬
‫لقول النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬أرأيتم لو أن نهراً‬
‫بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات‪ ,‬هل يبقى من‬
‫درنه شيء ؟ قالوا ال يبقى من درنه شيء‪ .‬قال ‪ :‬فذلك مثل‬
‫الصلوات الخمس‪ ,‬يمحو هللا بهن الخطايا " ( رواه البخاري و مسلم )‪،‬‬

‫باإلضافة إلى أن استخدام الماء في الوضوء كما أشار‬


‫رشاد عبد العزيز موسى (‪ - ) 2001‬يحدث حالة من تجديد‬
‫النشاط ‪ ،‬وإزالة التوتر وإحداث حـالة الراحة واالسترخاء ‪،‬‬
‫وهذا ما أشارت إليه نظريات اإلرشاد النفسي الحديث ‪،‬‬
‫• كما أوضح زهران ( ‪ )1995‬بـ ‪ " :‬اإلرشاد النفسي بالماء‬
‫" الذي يستعمل في عالج حاالت القلق والهياج الحركي‬
‫واالنطواء ‪ ،‬وله تأثيره اإليجابي على الجهاز العصبي ‪،‬‬
‫فيؤدي إلى استرخاء العضالت‪ ،‬وتهدئة المريض‪.‬‬
‫يشير محمد عثمان نجاتي ) إلى أن الماء البارد يهدئ من‬
‫فورة الدم الناشئة عن االنفعال ‪ ،‬كما يساعد على تخفيف‬
‫التوتر العضلي عند الغضب ‪ ،‬حيث قال ‪ " :‬إن الغضب من‬
‫الشيطان ‪ ،‬وإن الشيطان خلق من نار وإنما تطفأ النار‬
‫بالماء ‪ ،‬فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " وقد استخدم النبي ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬الوضوء في عالج االضطرابات‬
‫النفسية ‪ ،‬ومن بينها (رواه أبو داود)‪.‬‬
‫• ‪-3‬الصوم‪ :‬اإلعجاز العلمي والنفسي في الصوم ‪:‬‬
‫درـاسة طبية ونفسية عن بيولوجيا الجهازـ العصبي والسلوك‬
‫أثناء الصوم ‪ ،‬تحاول هذه الدراسة اإلجابة عن العديد من‬
‫التساؤالت التي أورـدها بعض المستشرقين وبعض المشككين‬
‫وهواة الجدل‪ ،‬في عصر ازـدهارـ تكنولوجيا علم النفس‬
‫الفسيولوجي والدراسات النفسية و البيولوجية للمخ والجهاز‬
‫العصبي لإلنسان‬
‫• حيث يسأل البعض ما هي الحكمة من الصوم وتحمل الحرمان‬
‫والصيام عن أشياء حللها هللا من غرائز وشهوات ورغبات بل‬
‫وأحلها له طوال العام وما فائدة ذلك ؟‬
‫• وتجيء عدة إجابات غير مباشرة من دراسات نفسه حديثة‬
‫من الغرـب‪.‬‬
‫• فالشيء المدهش أن يصدر من الغرب في السنوات األخيرـة‬
‫سلسلة دراسات صدر أغلبها من الواليات المتحدة األمريكية‬
‫ومراكز علمية غربية أخرـى تشير إلى خطورـة انفجار رغبات‬
‫الناس وتضخم شهواتها وفقد قدرتهم على تقليل النهم وكثرة‬
‫االختيارات وتعدد االستجابات وعدم السيطرة على غرـيزة‬
‫التملك وشهوة الرـغبات‬
‫• ‪ .‬فقد أكدت دراسات " د‪ .‬كانمان " من جامعة " برنستون "‬
‫األمريكية أن عدم خفض االختيارات والتحكم في الرغبات قد‬
‫أدى بالفعل – حسب دراسته الميدانية – إلى تزايد اإلحساس‬
‫بالكآبة بل وظهور معدالت االكتئاب بدرجة تتناسب عكسيا ً مع‬
‫وفرة وكثرة االختيارات‪ ،‬وأشار أن الناس لم يتعلموا طريقة‬
‫للسيطرة على شهواتهم‪.‬‬
‫• أما دكتور " تفيرسكي " من جامعة‪"  ‬ستانفورد " فقد توصل إلى‬
‫نفس النتيجة‪ ،‬وأخيراً في عام ‪ 2004‬صدرت دراسة دكتور " باري‬
‫شوارتز " ‪ Barry Schwartz‬التي أكدت ارتفاع معدالت مرض‬
‫االكتئاب ومشاعر اإلحباط و التعاسة نتيجة اإلفراط في االختيارات‬
‫وعدم القناعة – وهذا اللفظ بدأ يدخل ضمن االصطالحات النفسية‬
‫العلمية – وأشار أيضا ً إلى أن أغلب أفراد المجتمع ال يعرفون طريقة‬
‫لضبط شهواتهم وخفض نهم وشره رغباتهم‬
‫• كل هذه الدراسات وغيرها تؤكد ضرورة أن يتدرب اإلنسان ولو‬
‫ألسابيع محددة على هذا األسلوب من الضبط الذاتي للشهوات وبالتالي‬
‫للغرائز و االنفعاالت والسلوك‪ ..‬أي ضرورة أن يتعلم ضبط شهواته‬
‫بالصوم لفترة كافية‪ ،‬ولقد أدهشني تخصص مراكز طبية في الغرب‬
‫للعالج بالصوم مع التأمل المتسامي ‪ Transcendental meditation‬ومنها مركز‬
‫شهير في السويد وآخر في البرتغال‬
‫• وتتضح حكمة الصوم وفوائده إلى جانب حكمته الدينية التي ال‬
‫يستطيع بشر الوصول إلى أعماق أسرارها‪ ..‬فاهلل سبحانه يقول‬
‫في كتابه العزيز " يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب‬
‫على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " ‪ ..‬ثم تأتي أحاديث الرسول –‬
‫صلى هللا عليه وسلم – لتحدد موصفات الصوم المتكامل الذي‬
‫يتصف بضبط الشهوات والصبر على الرغبات وتحمل الجوع‬
‫والعطش ‪ ..‬أي برنامج متكامل لتنمية قدرات اإلنسان على‬
‫الضبط الذاتي وإعادة برمجة الجهاز العصبي والسلوكي بلغة هذا‬
‫العصر ‪ ،‬فيقول صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬ليس الصيام من األكل‬
‫والشرب وإنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد ‪ ،‬أو جهل‬
‫عليك‪ ،‬فقل إني صائم ‪ ..‬إني صائم"‪ (..‬في حديث النبي عن أبي‬
‫هريرة رضي هللا عنه‬
‫• ولقد تأكدت من خالل دراسة أكثرـ من عينة عشوائية من‬
‫المتطوعين وأصحاب المشكالت النفسية من جوانب‬
‫اإلعجازـ العلمي والنفسي في الصوم‪ ،‬وفعاليته في تعديل‬
‫التفكير والسلوك والتخلص من العادات غير المرـغوبة‬
‫وتنمية القدرـة على الضبط الذاتي ونوجز نقاط اإلعجاز‬
‫العلمي الحديثة عن الصوم في المنهج اإلسالمي كاألتي‬
‫• إن الضبط الذاتي الذي يلتزم به الصائم بيولوجيا ونفسيا ً‬
‫وسلوكيا ً ‪ ..‬ابتداء من االمتناع عن األكل والشرب والجماع ‪،‬‬
‫وانتهاء بكف األذى وغض البصرـ ‪ ..‬يمنحه تدريبا ً عاليا ً وقدرة‬
‫جيدة على التحكم في المدخالت والمثيرات العصبية مع القدرـة‬
‫على خفض المؤثرات الحسية ومنعها من إثارة مرـاكزـ االنفعال‬
‫لديه بدرجة ترتبط بخفض اإلثارـة في نشاط التكوين الشبكي في‬
‫المخ ‪ ..‬وهذه الحالة هي درجة من الحرمان الحسي ‪deprivation‬‬
‫‪ Sensory‬ولقد ثبت أن تقليل المؤثرات الحسية له تأثيرات‬
‫إيجابية على النشاط الذهني والقدرة على التفكير المترابط‬
‫العميق والتأمل واإليحاء ‪ ..‬وإن الضبط الذاتي قد اتبع في‬
‫أغلب األديان وبواسطة األنبياء والحكماء والمفكرين ‪ ..‬وأنه‬
‫يمنح اإلنسان قدرات عالية على الصفاء والحكمة والتوازن‬
‫النفسي‬
‫• إن تحمل ألم الجوع والصبر عليه يحسن من مستوى مادة‬
‫السيروتونين ‪ Serotonin‬وكذلك ما يسمى بمخدرات األلم‬
‫الطبيعية التي يقوم المخ بإفرازها وهي مجموعتان تعرفان بـ ‪:‬‬
‫(‪ )1‬مجموعة األندورفين ‪ Endorphins‬كب من ‪ 31‬حمضا ً‬
‫أمينيا ً ‪ Amino Acids‬مستخلصا ً من الغدة النخامية‬
‫‪ Pituitary Gland‬ولهذه المواد خواص في التهدئة وتسكين‬
‫األلم أقوى عشرات المرات من العقاقير المخدرة والمهدئة‬
‫الصناعية (‪ )2‬مجموعة االنكفالين ‪ Enkephalins‬وتتركب من‬
‫عدد ‪ 5‬أحماض أمينية ‪ Amino Acids‬وتوجد في نهايات‬
‫األعصاب ‪ .‬ولكي يستمر إفراز هذه المواد المهدئة والمسكنة‬
‫والمزيلة لمشاعر األلم و االكتئاب البد أن يمر اإلنسان بخبرات‬
‫حرمان ونوع من ألم التحمل وأن يمتنع عن تناول المواد‬
‫والعقاقير التي تثير البهجة وتخدر األلم خاصة األفيون ومشتقاته‬
‫وبعض العقاقير المخدرة الحديثة‬
‫‪    ‬يحتاج تعلم الصبر واإلرادة إلى تدريبات وردت في كثير‬
‫من دراسات علم النفس الحديثة ‪ ..‬ويمثل الصوم تدرـيبا ً‬
‫يوميا ً منظما ً يساعد اإلنسان على تغيير أفكاره واتجاهاته‬
‫وسلوكه بصورة عملية تطبيقية تشمل ضبط وتنظيم‬
‫المراكز العصبية المسئولة عن تنظيم االحتياجات‬
‫البيولوجية والغرائزـ من طعام وجنس ‪ ،‬وأيضا ً الدوائر‬
‫العصبية والشبكات الترابطية األحدث التي تشمل التخيل‬
‫والتفكير وتوجيه السلوك‬
‫يساعد الصوم على حدوث تفكك نوعي في الحيل النفسية ‪Mental‬‬
‫‪ Mechanisms‬وهي حيل وأساليب ال شعورية يلجأ إليها الفرد‬
‫لتشويه ومسخ الحقيقة التي ال يريد أن يقبلها أو يواجهها بصدق ‪،‬‬
‫وذلك حتى يتخلص من المسئولية ومن حالة التوتر والقلق الناتجة‬
‫عن رؤية الواقع الذي يهدد أمنه النفسي واحترامه لذاته ‪ ..‬فهي‬
‫مثل األكاذيب التي بلغت درجة التصديق والمعايشة على المستوى‬
‫أال شعوري ‪ ..‬وهذا الحيل النفسية أنواع متعددة مثل الكبت‬
‫واإلسقاط واإلنكار‪ ،‬ولكن أكثرها مقاومة وتشويها ً للواقع ما يسمى‬
‫بحيلة العقلنة ‪ ، Intellectualization‬حيث يستخدم الفرد الفهم‬
‫الخبيث غير المسئول محل الفهم الصادق الذي يحرك اإلنسان لعمل‬
‫الخير واإلحسان‪ .‬ولقد وجدت ضعف أغلب هذه الحيل المعوقة للنمو‬
‫اإلنساني خالل الصوم وأثناء جلسات العالج النفسي ويحدث هذا‬
‫االنهيار للحيل الدفاعية مع الصائم العادي كلما ازداد خشوعه‬
‫وصدقه‪ ..‬وقد الحظت ارتباط ذلك باتساع دائرة الترابط بين التفكير‬
‫الواعي والعقل الباطن بما يسمى بعملية ‪Information‬‬
‫‪ processing‬أي إعادة تنسيق المعلومات على مستويات المخ‬
‫المختلفة وهي تماثل إعادة برمجة العقل‬
‫• يساعد الصوم على ممارسة خلوات عالجية ‪ ،‬وتأمل ‪ ،‬مما‬
‫يساعد الفرد على الخروج من دوامة الصراعات اليومية والتوتر‬
‫وإهدار الطاقات النفسية والذهنية ‪ ،‬وإصدار أوامر للعقل‬
‫بالتسامح والعفو‬
‫• يحدث أثناء الصيام تعديل مستمر للحوار الذاتي وما يقوله الفرد‬
‫لنفسه طوال اليوم من عبارات وجمل تؤثر في أفكاره‬
‫وانفعاالته ‪ .‬ويمثل الصوم فرصة لغرس معاني وعبارات إيجابية‬
‫مع االستعانة باألذكار والدعاء وممارسة العبادات بانتظام ‪..‬‬
‫ويحدث ذلك في إطار مبادئ علم النفس الحديثة حيث يتم التعلم‬
‫من خالل التكرار وإتباع قاعدة التعليم المتدرج‪ ،‬التعلم بالمشاركة‬
‫الفعالة ‪ ،‬وأسلوب توزيع التعلم ‪ ..‬كل ذلك في إطار منظومة‬
‫متكاملة تسمح بإعادة برمجة حقيقية للجهاز العصبي‬
‫والسلوكي ‪ ..‬وتعديل التفكير وتغيير العادات ‪ ..‬وحيث يصبح‬
‫الصوم عبادة وتأمل ‪ ..‬وأيضا ً تعديل للنفس البشرية والتخلص‬
‫من االنفعاالت االضطرابات النفسية‪ ..‬وإطالق لطاقات العقل‬
‫• ولنذكر إجماال هنا تعاليم ومرتكزات الصحة النفسية كما‬
‫يراها الخلفاء الراشدون ورجال التصوف وأعالم الفلسفة‬
‫والفقه والمنطق اإلسالمي الذين أصبحت تحاليلهم قدوة‬
‫للنهضة الفكرية بالغرب أمثال الكندي والفارابي والرازي‬
‫وابن سينا والغزـالي وابن شد وابن النفيس وإسماعيل‬
‫الجرجاني وابن رشد وابن العربي وابن الجزار ومحمد‬
‫الصقلي وغيرهم ‪.‬‬
‫• ا‪ -‬طريقة العالج الديني‪:‬‬
‫يضع البعض " العالج الديني " الذي يقوم على مبادئ روحية سماوية مقابل "‬
‫العالج النفسي " الدنيوي الذي يرتكز على السعادة في دار الدنيا بكل جوانبها‬
‫المادية واألدبية ويقصد بذلك طرق العالج التي تقوم على أساليب ومفاهيم وضعها‬
‫البشر ولو كانت نفسية المصدر واألهداف‪.‬‬
‫• لكن الدين يوفر أحيانا األمن الذي قد ال تستطيع أساليب علم النفس المعاصر أن‬
‫توفره ‪ ،‬ومع ذلك ففي طرق العالج النفسي الدنيوي نجد بعض أعالمه يؤمنون بأن‬
‫الدين عامل هام في إعادة الطمأنينة إلى النفس‪ .‬فقد أكد كارل يونج أهمية الدين‬
‫وضرورة إعادة فرص اإليمان والرجاء لدى المريض‪ ،‬وأكد ستيكل أهمية تدعيم‬
‫الذات األخالقية على هذا األساس‪ .‬ومن ذلك يصبح الحالج النفسي الديني أسلوب‬
‫توجيه وإرشاد وتربية وتعليم‪ .‬ويقوم على معرفة الفرد لنفسه حسب المبادئ‬
‫الروحية واألخالقية العقائدية‪.‬‬
‫• ويمكن أن يمارس العالج الديني كل من المعالج النفسي والطبيب النفساني وكذلك‬
‫المربي وحتى رجل الدين على شرط أن يكون هؤالء على دراية بأمر المصاب ويقع‬
‫إرشادهم وتطلب مشاركتهم في هذا المجال من طرف الطبيب النفساني الحديث‪،‬‬
‫وهذا األمر يجري العمل به مثال في عديد من المصحات النفسية التي تعالج بأوروبا‬
‫محاوالت االنتحار مثل مصحة فيينا المختصة بحاالت الطوارىء االنتحارية‪ ،‬ذلك‬
‫ألن العالج النفسي الديني ككل العالجات النفسية بمثابة عملية يشترك فيها المعالج‬
‫والمريض معا ‪.‬‬
‫‪ -2‬استخدامات العالج النفسي الديني‪:‬‬
‫هذا ويمكن اليوم حسب ما أكدته لنا التجارب استخدام العالج النفسي‬
‫الديني في البالد العربية واإلسالمية‪ -‬بصفة خاصة ‪ -‬والحاالت التي‬
‫يتضح أن أسبابها وأعراضها تتعلق بالسلوك الديني للمريض ‪،‬‬
‫باإلضافة إلى الهذيانات الدينية نفسها بل في غالب الحاالت فإن‬
‫العالج الديني يفيد كثيرا في نوبات القلق والوسواس والهستيريا‬
‫وتوهم المرض أو داء المراق والخواف والرهاب واالضطرابات‬
‫االنفعالية‪ ،‬ومشكالت الزواج وكل الصراعات الفتاكة المبنية على‬
‫التكالب عن‪ ،‬ملذات دار الدنيا أو على الهرب في وضعية اليأس‬
‫واالنهيار النفسي‪ ،‬وخاصة اإلدمان على الكحول الذي يحرمه الدين‬
‫وحاالت االكتئاب والتشاؤم والمسالك االنتحارية المحرمة أيضا بتاتا‬
‫في القرآن والحديث‪ ،‬وحتى الوضعية السيكوباتية التي هي مشهورة‬
‫بشدة تأصلها وصعوبة عالجها‪.‬‬
‫• ‪ -3‬قواعد التربية الدينية في اإلسالم‪:‬‬
‫هذا وإن التربية بمعناها الواسع تشمل عادة صفة من صفات‬
‫التربية الدينية السيما في بالدنا العربية واإلسالمية وهي منبثقة‬
‫من المحيط األطلسي سواء من األبوين أو من المدرسة ‪ ،‬ذلك أن‬
‫تربية الشخص تتضمن تقويمه ني حدود إطار أخالقي للسلوك وإن‬
‫القيم الروحية واألخالقية المنبثقة من تعاليم اإلسالم كثيرا ما تهدي‬
‫الفرد إلى االستقامة والسلوك السوي ولقد قيل " من يسلك‬
‫باالستقامة يسلك باألمان " وفي كل األحوال يبقى مشكل‪ ،‬سلوك‬
‫اإلنسان مرتبطا بمكارم أخالقه إن األخالق ‪ ،‬المستمدة من الدين‬
‫تنظم سلوك اإلنسان وتهديه إلى الصراط المستقيم وتحاسبه إن هو‬
‫أخطأ أو انحرف‪ .‬وقال رسول هللا ‪ " :r‬إنما بعثت ألتمم مكارم‬
‫األخالق " وقال على بن أبي طالب رضي هللا عنه‪ " :‬نعم‬
‫الحسب الخلق الحسن "‪.‬‬
‫وحسن األخالق يتماشى مع االستقرار النفسي وترضية الضمير‬
‫والكف عن السباق نحو شهوات الدنيا وما ينتج عن ذلك من حسد‬
‫وحقد وصراع بين األشخاص وفي نفسيه الفرد بذاته‬
‫• ‪ - 4‬شخصية المسلم واطمئنان النفس‪:‬‬
‫ولو أردنا استعراض سمات شخصية المسلم كما حددها الدين الستغرقنا في‬
‫الحديث‪ ،‬طويال فلنكتف ببعض نماذج تستخلص من كالم هللا عز وجل‬
‫وحديث رسوله حول سمات شخصية المسلم‪.‬‬

‫‪ -1‬اإليمان بالقدر‪ :‬قال تعالى‪( :‬قل لن يصيبنا إال ما كتب هللا لنا هو موالنا‬
‫وعلى هللا فليتوكل المؤمنون وهنا ينبغي أن يفسر هذا القول دوما بصفة‬
‫إيجابية كحث على قبول المصائب بصدر رحب دون االلتجاء إلى مظاهر‬
‫اليأس والوهن واالنهيار أو دون االلتجاء إلى السلوك العدواني المعاكس أو‬
‫التهجمات المفرطة التي ال يحمد عقباها‪ ،‬ودال يعني ذلك االستسالم بل العمل‬
‫على أن نتعدى أمرنا ونقفز بعد ذلك إلى األمام لنتغلب على الشدائد‬
‫والمصائب‪.‬‬

‫‪ -2‬مسئولية االختيار‪ :‬قال تعالى‪ { :‬بل اإلنسان على نفسه بصيرة } ‪ ،‬وهنا‬
‫تتجلى حرية الفرد في اختيار مواقفه وسلوكه بكل دراية وهو هدف عديد‬
‫من العالجات النفسية المعاصرة‪.‬‬
‫•‬
‫‪ -3‬طلب العلم‪ :‬قال هللا تعالى‪( :‬فتعالى هللا الملك الحق وال تعجل بالقرآن من‬
‫قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما ) ‪ ،‬ويتضمن ذلك قابلية‬
‫المؤمن للتوعية واإلرشاد‪.‬‬
‫‪ -4‬الصدق‪ :‬قال تعالى‪( :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا هللا وكونوا مع الصادقين )‬
‫والصدق فضيلة هامة جدا يرتكز عليها اطمئنان النفس إلى حد بعيد ‪ ،‬ويقاس‬
‫به مدى انهيارها إذا خلفت ذلك‪ ،‬من ذلك أن بعض األخصائيين في علم‬
‫النفس الحديث قد اخترعوا ركائز لقياس مقدرة الفرد على الصدق واإلخالص‬
‫استخبار الصدق لهنري باروخ ‪.‬‬
‫‪ - 5‬التسامح ‪ :‬قال هللا تعالى (وال تستوي الحسنة وال السيئة ادفع بالتي هي‬
‫أحسن فإذا الذي بينك وبينه كأنه ولي حميم } ‪ ،‬والتسامح من الفضائل‬
‫الهامة الطمئنان النفس ونيل االرتياح ‪.‬‬
‫‪ -6‬األمانة‪ :‬قال تعالي‪( :‬إن هللا يأمركم أن تؤدوا األمانات إلى أهلها وإذا‬
‫حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن هللا نعما يعظكم به إن هللا كان سميعا‬
‫بصيرا ) ‪.‬‬
‫•‬
‫‪ -7‬الرحمة ‪ :‬قال رسول هللا ‪ " : r‬الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من‬
‫في األرض يرحمكم من في السماء " وهذه الخصال الحميدة لها وزن كبير‬
‫في سلوك األفراد األسوياء والمرضى في آن واحد‪ ،‬ولنذكر هنا بطاعة‬
‫الوالدين والعناية بهما وبضرورة حسن معاملة األولياء ألبنائهم ولذويهم‬
‫على أسس المحبة والرحمة‪.‬‬

‫‪ -8‬التعاون ‪ :‬قال هللا تعالى‪( :‬وتعاونوا على البر والتقوى ) وقال أيضا‪( :‬إنما‬
‫المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا هللا لعلكم ترحمون ‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن‬
‫المنكر ويقيمون الصالة ويؤتون الزكاة ويطيعون هللا ورسوله أولئك‬
‫سيرحمهم هللا إن هللا عزيز حكيم ) وقال رسول هللا ‪ ": r‬ال يؤمن أحدكم حتى‬
‫يحب ألخيه ما يحب لنفسه " وفي ذلك أعظم العبر وأسمى التعاليم للتوافق‬
‫األسري واالجتماعي الذي ترتكز عليه قواعد الصحة النفسية‪.‬‬
‫•‬
‫‪ -9‬القناعة‪ :‬وهي من أفضل الخصال البشرية التي تنهي عن التناطح‬
‫العنيف نحو تحقيق السعادة المادية التي ال حد لها ‪ ،‬والتشبع بقيم التنافس‬
‫القاسي الذي ال رحمة فيه ألحد والذي يتصف به من سوء الحظ عديد من‬
‫مظاهر المجتمعات العصرية المرتكزة على قاعدة االستهالك شرقا وغربا‪،‬‬
‫وقد ازدادت في هذه المجتمعات األمراض النفسية في الكم والكيف كما هو‬
‫معروف‪.‬‬
‫أما القناعة فهي تعالج االضطرابات النفسية الناجمة عن الحقد والغيرة‬
‫وكراهية الغير المنافس‪ ،‬ومن جهة أخرى السلوك المنحرف الناتج عن‬
‫اإلحباط وما ينتج عنه من سوء التوافق الفردي مع الذات ومع الغير‪ ،‬وإن‬
‫كان المسلم يحمد هللا فليس لغرض غير‪ .‬غرض السعادة الروحية‬
‫واالطمئنان وقبول حالته بصدر رحب مع المالحظ أن ذلك ال يعني االستسالم‬
‫والفشل والركود في الذل والخسارة والخصاصة بل إن القيم األخالقية‬
‫اإلسالمية تشجع كما هو معروف من جهة أخرى على اإلقدام واإلزعاج‬
‫واالبتكار لكن بدون أن تستعمل في ذلك وسائل القهر والعنف والحيل‬
‫الظالمة والرذائل المكروهة بصفة عامة‪.‬‬
‫•‬
‫‪ -10‬الصبر‪ :‬قال تعالى‪( :‬يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصالة إن هللا مع‬
‫الصابرين ) (‪ ....‬وبشر الصابرين )‪ ،‬ويا لها من عبرةـ فائقة في هذا الصدد حيث‬
‫تتكاثر األمثلة في مجال الطب النفسي التي تبرهن على أهمية الصبر والتحكم في‬
‫النفس على هذا األساس‪.‬‬
‫‪ -11‬العفة‪ :‬قال تعالى‪ ( :‬وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن‬
‫الجنة هي المأوى ) ومن هنا يتجنب الفرد الشر والرذائل على مختلف أنواعها‪.‬‬
‫‪ -12‬القوة والصحة‪ :‬قال رسول هللا ‪ " : r‬المؤمن القوي خير وأحب إلى هللا من‬
‫المؤمن الضعيف‪ " ..‬وقال‪ " :‬إن هللا لم يضع داء إال وضع له دواء "‪.‬‬
‫وفي ذلك تشجيع على تقوية النفس وتسييرها نحو اإلقدام والشجاعة ومزيد من‬
‫الفاعلية والتفاؤل للخير مستقبال وكذلك بقصد تجنب كل بوادر اليأس واالنهيار‪.‬‬
‫هذا وينبغي للطبيب النفسي المسلم المعاصر أن يفهم كل هذه التعاليم والقيم في‬
‫مظاهرها اإليجابية الفاضلة وفي غاية من االتزان واالعتدال‪ ،‬ليتمكن من تحقيق‬
‫التوافق النفسي والرقي البشري للفرد والجماعات في كل المجاالت ‪.‬‬
‫• ومن هنا نستخلص في آخر األمر قوة مفعول العالجات‬
‫التقليدية النفسية التي تستعمل إلى يومنا هذا في كل األقطار‬
‫العربية اإلسالمية في زوايا األولياء الصالحين ‪ ،‬ومن طرف‬
‫المعالجين التقليديين غير األطباء الذين يبرهنون أحيانا على‬
‫مهارة مدهشة وعلى تحكم دقيق في أساليب عالجاتهم‬
‫الروحانية هذه بينما يعجز بعض األطباء المحدثين‪ ،‬على أن‬
‫هؤالء المعالجين يتصفون أحيانا بالشعوذة والتدجيل من سوء‬
‫الحظ وعلى الطبيب المعاصر الماهر أن يغربل ما بين‬
‫الفضائل والرذائل وما بين اللب والقشور‪ ،‬ويستخلص من كل‬
‫هذه الطرق العبرة والمفاهيم الصحيحة ليركز المريض على‬
‫أساس إيجابي انطالقا من اعتقاداته األصلية وفي فائدته أوال‬
‫وبالذات‪.‬‬
‫‪ ‬يلعب الوـضوء و الصالـة دورـا فاـعال‬ ‫نشاط‬
‫في تحقيق الصحة النفسية للمسلم‪.‬‬
‫وـضح ذلك بإيجاز‪.‬‬
‫‪ ‬كيف يحقق الصوـم الصحة النفسية للمسلم؟؟‬
‫‪ ‬كان لعلماء النفس المسلمين رـأيا جليا‬
‫في بيان أـهمية الدين كرـافعة‬
‫للصحة النفسية للمسلم‪.‬‬
‫تحدث عن هذـه اآلرـاء في نقاط محددـة‪.‬‬
‫الوسائل وـالفنيات‬
‫المستخدـمة في‬
‫اإلرشاد الديني‬
‫• تقديم‪:‬‬
‫اإلرشاد النفسي الديني طريقة توجيهية وإرشاد وعالج وتربية‬ ‫•‬
‫وتعليم‪ ،‬وتقوم على معرفة الفرد لنفسه ولربه ولدينه والقيم والمبادئ‬
‫الدينية واألخالقية ‪.‬‬
‫وهدف اإلرشاد النفسي الديني كما ذكرنا تحرير الشخص المضطرب‬ ‫•‬
‫من مشاعر اإلثم والخطيئة التي تهدد طمأنينته وأمنه النفسي‪،‬‬ ‫فنيات‬
‫ومساعدته على تقبل ذاته وتحقيق وإشباع الحاجة إلى األمن والسالم‬
‫النفسي‪.‬‬ ‫اإلرشاد‬
‫ويحتاج اإلرشاد النفسي الديني إلى المرشد المؤمن ذي البصيرة‬ ‫•‬ ‫النفسي‬
‫القادر على اإلقناع واإليحاء والمشاركة االنفعالية‪ ،‬الذي يتبع تعاليم‬
‫دينه ويحترم األديان السماوية األخرى‪.‬‬
‫الديني‬
‫ويمكن أن يمارس اإلرشاد الديني كل من المرشد النفسي والمربي‬ ‫•‬
‫وعلماء الدين‪ ،‬وحبذا لو كان ذلك في شكل فريق متكامل‪.‬‬
‫إن اإلرشاد النفسي الديني عملية يشترك فيها المرشد والمسترشد‪،‬‬ ‫•‬
‫والمرشد يتناول مع المسترشد موضوع االعتراف والتوبة‬
‫واالستبصار‪ ،‬ويشتركان معا ً في عملية تعلم واكتساب اتجاهات وقيم‪،‬‬
‫والمسترشد يلجأ إلى هللا بالدعاء مبتغيا ً رحمته‪ ،‬مستغفراً إياه ذاكراً‬
‫صابراً على كل حال‪ ،‬متوكالً على هللا مفوضا ً أمره إليه‪.‬‬
‫يرى أبو النور ( ‪ ) )1996‬أنه توجد العديد من الفنيات الخاصة بالعالج‬
‫النفسي الديني التي لها أثر فعال في عالج النفس اإلنسانية من اضطراباتها‬
‫المختلفة ‪ ،‬وهذه الفنيات تستمد منهجها وإجراءاتها من الكتاب والسنة ‪،‬‬
‫وهي عديدة ومتنوعة ‪ ،‬وتتناول العالج بالتوحيد ‪ ،‬باألدعية واألذكار ‪،‬‬
‫باالستغفار‪ ،‬بالصبر ‪ ،‬بالصالة ‪ ،‬بالتخيل ‪ ،‬باالسترخاء ‪ ،‬باألضداد ‪ ،‬وتلك‬
‫الفنيات يمكن اعتبارها فنيات معرفية سلوكية في آن واحد ‪ ،‬وتركز على‬
‫أفكار المريض واتجاهاته المرضية المختلة وظيفيا ً وتمده بالمهارات التي‬
‫تساعده على ممارسة السلوكيات المتكيفة‪ .‬يشير)‪ Worthington ( 1989‬إلى أن‬
‫اختيار المعالج أو المرشد النفسي للفنيات اإلرشادية في عملية اإلرشاد‬
‫النفسي الديني يتوقف على شروط مهمة وهي‪:‬‬
‫&أن يعرف المرشد أن استخدام أي فنية عالجية إنما تساعد في تحقيق‬
‫التعزيز اإليجابي للناحية الدينية للعميل ‪.‬‬
‫&أن يستخدم المرشد الفنيات الموجودة في الدين الذي يؤمن به ‪،‬‬
‫باإلضافة إلى الفنيات األخرى ‪ ،‬مثل ‪ :‬فنيات التحليل النفسي ‪ ،‬أو‬
‫السلوكية ‪ ،‬أو‬
‫المعرفية ‪ ،‬أو الوجودية وغيرها‪.‬‬
‫&االندماج الديني ‪ Religious Involvement‬أي المشاركة الدينية‬
‫بين المعالج والعميل التي تؤدي إلى العالقة القوية‬
‫وإزالة الفوارق بينهما‪.‬‬
‫• هذا ما يميز اإلرشاد النفسي الديني عن اإلرشاد النفسي االنتقائي أو‬
‫التكاملي ‪ ،‬كأسلوب وصفي متكامل منظم لمزيج من الفنيات المختلفة ‪ ،‬التي‬
‫ينتقل خاللها المرشد حسب ظروف المسترشد صاحب المشكلة ‪ ،‬الذي يأتي‬
‫للعالج االنتقائي بمجموعة من االضطرابات النفسية الناتجة عن مشكالت‬
‫متعددة ؛ األمر الذي يحتم على المرشد مواجهتها بعالجات متعـددة‬
‫الوسائل ‪ ،‬مع التركيز على استدامة العالج ؛ باستخدام األبعاد السبعة‬
‫للشخصية ‪ ، BASIC– ID‬هي ‪ :‬السلوك ‪ ،‬والوجدان ‪ ،‬واإلحساس ‪ ،‬والتخيل ‪،‬‬
‫والمعرفة ‪،‬والعالقات الشخصية ‪ ،‬والعقاقير ولذا تشير )‪ Qulsoom Inayat(2001‬إلى‬
‫أن اإلرشاد النفسي التكاملي ‪ Integrative Counseling‬يعد وسيلة من وسائل‬
‫اإلرشاد النفسي الذي يتعامل مع العميل داخل اإلطار الطبيعي واالجتماعي‬
‫له ‪ ،‬ولكن اإلرشاد النفسي اإلسالمي ينتفع من المبادئ األساسية لإلرشاد‬
‫التكاملي ‪ ،‬ويضيف إليها بعداً جديداً ‪ ،‬وهو العالقة بين العميل وخالقه ‪.‬‬
‫ويرى ابن القيم أن أساليب العالج الديني هي األساليب اإليمانية‬
‫المعروفة من محاسبة النفس والتوبة واإلنابة والرجوع إلى هللا‬
‫والدعاء والذكر والعبادات ‪ ،‬وقد أورد الكثير من هذه الجوانب في‬
‫كتبه ‪ ،‬مثل ‪ :‬مدارج السالكين ‪ ،‬والوابل والصيب من الكلم‬
‫الطيب ‪ ،‬وإغاثة اللهفان‪ ،‬وطريق الهجرت‪š‬ين وباب السعادتين ‪،‬‬
‫والجواب الكافي (الداء والدعاء) ‪ ،‬والطب النبوي‪000‬وغيرها ‪.‬‬
‫• ومن خالل المراجعة المسحية للدراسات السابقة حول اإلرشاد النفسي‬
‫الديني في خفض قلق المستقبل – على حد علم الباحث – عرضت تلك‬
‫الدراسات لعديد من الفنيات ‪ :‬كاألدعية واألذكار ‪ ،‬والوضوء ‪ ،‬والصالة ‪،‬‬
‫والتوحيد ‪ ،‬وقراءة القرآن الكريم ‪ ،‬وأمثلة من حياة الرسول صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وأسفرت عن فعاليتها في عالج النفس اإلنسانية من‬
‫اضطراباتها المختلفة ؛ ألنها تستمد منهجها وإجراءاتها من القرآن‬
‫الكريم والسنة النبوية ‪ ،‬ويمكن استخدام بعض هذه الفنيات في إطار‬
‫الفنيات النفسية التي نادت بها نظريات اإلرشاد النفسي الحديثة ؛ لتدعيم‬
‫تلك الفنيات النفسية بالمحتوى الديني ؛ لتعرف مدى فعاليتها في تخفيف‬
‫قلق المستقبل المهني‪.‬‬
‫• وعلى الرغم مما في القرآن الكريم من معلومات كثيرة وشاملة عن‬
‫النفس اإلنسانية ‪ ،‬أكثر مما في العلوم الدنيوية األخرى ‪ ،‬فليس في‬
‫القرآن الكريم " نظرية نفسية " مخططة مبوبة ذات فصول وتفصيالت ‪،‬‬
‫ولكن هذه المعلومات المنبثقة في ثنايا القرآن الكريم يمكن أن تستوحى‬
‫في استخالص نظرية شاملة عن النفس ‪ .‬و يشير محمود إبراهيم عبد‬
‫العزيز فرج إلى أنه ال توجد فنيات محددة لإلرشاد النفسي الديني ‪ ،‬ولكن‬
‫المرشد النفسي يستخدم الفنيات التي يتميز بها اإلرشاد النفسي الديني أو‬
‫الموجودة في اإلرشاد الدنيوي ‪ Secular Counseling‬فهو يستخـدم‬
‫العالج التحليلي ‪ ،‬والسلوكي ‪ ،‬والمعرفي ‪ ،‬واإلرشاد النفسي الديني ‪.‬‬
‫• وأخيرا عند ذكرـ األساليب والفنيات التي‬
‫يستخدمها المرشد في اإلرشاد الديني قد نجد‬
‫تشابها ً بينها وبين بعض األساليب‬
‫المستخدمة في بعض النظرـيات الغرـبية‬
‫كالسلوكية وغيرها ولكن ال بد أن ندرك أن‬
‫هذه األساليب كانت موجودة قبل السلوكيون‬
‫وقبل التحليليون وقبل غيرهم وهي وإن‬
‫نسبت لهم لكن ال يرجع الفضل في إيجادها‬
‫لهم وال لهم السبق في استخدامها بل نجد في‬
‫المصادر اإلسالمية ما يبين أنه استخدمها‬
‫وعالج بها ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬االعتراف ‪ :‬ـ‬ ‫•‬
‫نظرية االعتراف بالذنب وظلم النفس أمام هللا نظرية قرآنية‪ .‬وضرب القرآن الكريم‬ ‫•‬
‫مثالً من االعتراف بالذنب بما صدر عن آدم وحواء عليهما السالم عند مخالفتهما‬
‫أمر هللا‪ ،‬إذ قاال كما جاء في قوله تعالى ‪ " :‬ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا‬
‫وترحمنا لنكون من الخاسرين"( األعراف ‪ )23 :‬وذكر في قصة سيدنا يونس عليه السالم‪،‬‬
‫قال هللا تعالى ‪ " :‬وذا النون إذ ذهب مغاضبا ً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في‬
‫الظلمات أن ال إله إال أنت سبحانك إني كنت من الظالمين (األنبياء ‪ ) 87 :‬فاستجبنا له‬
‫ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين "‪.‬‬
‫واالعتراف يتضمن شكوى النفس من النفس طلبا ً للخالص وللغفران‪ .‬إن االعتراف‬ ‫•‬
‫فيه إفضاء اإلنسان بما في نفسه إلى هللا‪ ،‬وهو يزيل مشاعر الخطيئة واإلثم‬
‫ويخفف من عذاب الضمير‪ ،‬ويطهر النفس المضطربة ويعيد إليها طمأنينتها‬
‫‪،‬ويظهر مفهوم الذات الخاص حيث يكشف الفرد عن ( عورته النفسية ) بقصد‬
‫اإلرشاد‪.‬‬
‫ولذلك يجب على المرشد مساعدة المسترشد على االعتراف بخطاياه وتفريغ ما‬ ‫•‬
‫بنفسه من انفعاالت ومشاعر اإلثم المهددة‪ .‬ويتقبل المرشد ذلك في حياد‪ .‬ويتبع‬
‫االعتراف التكفير عن اإلثم والرجوع إلى الفضيلة‪.‬‬
‫‪ - 2‬التوبة ‪:‬‬ ‫•‬
‫هي طريق المغفرة‪ ،‬وأمل المخطئ الذي ظلم نفسه وانحرف سلوكه‬ ‫•‬
‫وحطمته الذنوب وهو في حالة جهالة‪ ،‬أي اندفاع وطغيان شهوة‪ ،‬وصحا‬
‫ضميره‪ .‬قال هللا تعالى ‪ " :‬إنما التوبة على هللا للذين يعملون السوء‬
‫بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب هللا عليهم "( النساء)والتوبة‬
‫تحرر المذنب من آثامه وخطاياه وتشعره بالتفاؤل والراحة النفسية‪ .‬قال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬التائب حبيب الرحمن‪ ،‬والتائب من‬
‫الذنب كمن ال ذنب له"‪ (.‬ابن ماجة) والتوبة تؤكد الذات وتجعل الفرد‬
‫يتقبل ذاته من جديد بعد أن كان يحتقرها‪ .‬ونحن نعرف أن " كل ابن آدم‬
‫خطاء وخير الخطائين التوابون " ( ابن ماجة ) قال هللا تعالى ‪ " :‬إن هللا‬
‫يحب التوابين ويحب المتطهرين "‪ (.‬البقرة) وقال تعالى ‪ " :‬وهو الذي‬
‫يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون "‪ (.‬الشورى)‬
‫والتوبة لها أركان ثالثة ‪ :‬علم وحال وفعل‪،‬‬
‫فالعلم هو معرفة ضرر الذنب المخالف ألمر هللا‪.‬‬ ‫•‬
‫والحال هو الشعور بالذنب‪.‬‬ ‫•‬
‫والفعل هو ترك الذنوب والنزوع نحو فعل الخير‪.‬‬ ‫•‬
‫• والتوبة ال بد أن يتبعها تغيير السلوك المنحرف إلى‬
‫سلوك سوي صالح‪ .‬قال هللا تعالى ‪ " :‬كتب ربكم على‬
‫نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب‬
‫من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم "‪ (.‬االنعام ) ومن‬
‫شروط التوبة العزـم على عدم العودة إلى المعاصي‬
‫والذنوب‪ .‬قال هللا تعالى ‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى‬
‫هللا توبة نصوحا ً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم‬
‫ويدخلكم جنات تجري من تحتها األنهار"(التحرـيم) وفي‬
‫الحديث القدسي قال هللا عز وجل‪" :‬أنا عند ظن عبدي‬
‫بي‪ ،‬وأنا معه حيث يذكرني‪ ،‬وهللا أفرح بتوبة عبده‪ ،‬من‬
‫أحدكم يجد ضالته بالفالة‪ ،‬ومن تقرب إلي شبراً‪ ،‬تقربت‬
‫إليه ذراعاً‪ ،‬ومن تقرب إلي ذرـاعاً‪ ،‬تقربت إليه باعاً‪،‬‬
‫وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه أهرول"‪(.‬ابن ماجة )‬
‫• ‪ - 3‬االستبصار ‪:‬‬
‫• هو الوصول بالفرد إلى فهم أسباب شقائه النفسي ومشكالته‬
‫النفسية والدوافع التي أدت إلى ارتكاب الخطيئة والذنوب‪ ،‬وفهم‬
‫المستر‪M‬شد لنفسه وطبيعته اإلنسانية ومواجهتها‪ ،‬وفهم ما بنفسه‬
‫من خير ومن شر‪ ،‬وتقبل المفاهيم الجديدة‪ ،‬والمثل الدينية العليا‪.‬‬
‫ويتضمن هذا نمو الذات التي تحكم السلوك السوي لإلنسان في‬
‫ضوء بعدين رئيسيين ‪ :‬البعد الرأسي الذي يحدد عالقة اإلنسان‬
‫بربه‪ ،‬والبعد األفقي الذي يحدد العالقة بين اإلنسان وأخيه‬
‫اإلنسان‪ .‬قال هللا تعالى ‪ " :‬بل اإلنسان على نفسه بصيرة"‪ (.‬القيامة)‬
‫• ‪ - 4‬التعلم ‪:‬‬
‫• ويتضمن تغير السلوك نتيجة خبرة التوجيه واإلرشاد واكتساب‬
‫مهارات وقيم واتجاهات جديدة‪ .‬ومن خالل ذلك يتم تقبل اآلخرين‪،‬‬
‫والقدرة على ترويض النفس وعلى ضبط الذات وتحمل‬
‫المسئوليات‪ ،‬والقدرة على تكوين عالقات اجتماعية مبنية على‬
‫الثقة المتبادلة والقدرة على التضحية وخدمة اآلخرين‪ ،‬واتخاذ‬
‫أهداف واقعية مشروعة في الحياة مثل القدرة على الصمود وعلى‬
‫العمل واإلنتاج‪ .‬وهكذا يتم تكوين وتنمية النفس اللوامة أو الضمير‬
‫أو األنا األعلى كسلطة داخلية أو رقيب نفسي على السلوك‪ .‬ويتم‬
‫تطهير النفس وإبعادها عن الرغبات المحرمة وغير األخالقية‬
‫وغير االجتماعية‪ .‬ويستقيم سلوك الفرد بعد أن يتبع السيئات‬
‫الحسنات فتمحوها‪ ،‬وتطمئن النفس المطمئنة‪ .‬قال هللا تعالى ‪ " :‬إن‬
‫الحسنات يذهبن السيئات "‪ (.‬هود) وقال تعالى ‪ " :‬يا أيتها النفس‬
‫المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي‬
‫* وادخلي جنتي "‪ (.‬الفجر)‬
‫‪ - 5‬الدعاء ‪ :‬ـ‬
‫• هو سؤال هللا القريب المجيب واالستعانة يه والتضرع إليه وااللتجاء‬
‫إليه في كشف الضر عند الشدائد‪ .‬قال هللا تعالى ‪ " :‬وإذا سألك عبادي‬
‫عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا‬
‫بي لعلهم يرشدون "‪ ( .‬البقرة ‪ .)186:‬وقال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬إذا سألت فاسأل هللا‪ ،‬وإذا استعنت فاستعن باهلل "( أحمد ‪2756 :‬‬

‫• وفي الدعاء سمو روحي يقوي الفرد باإليمان‪ .‬وهو عالج أكيد للنفس‬
‫التي أشرفت على الهالك حين يطلب اإلنسان العون من القوي القادر‬
‫فيشعر بالطمأنينة والسكينة ويزول عنه الخوف ويتخلص مما هو فيه‬
‫من الهم والتوتر والضيق والقلق‪ .‬قال هللا تعالى ‪ " :‬وقال ربكم ادعوني‬
‫أستجب لكم…"‪ ( .‬غافر ‪)60 :‬‬

‫• ويجب أن يستمر الدعاء في السراء والضراء‪ .‬روي عن النبي صلى‬


‫هللا عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬دعوة ذي النون‪ ،‬إذ دعا ربه وهو في بطن‬
‫الحوت " ال إله إال أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "‪ .‬لم يدع بها‬
‫رجل مسلم في شيء قط إال أستجيب له‪.‬‬
‫( أحمد ‪) 1464 :‬‬
‫‪ - 6‬ابتغاء رحمة هللا ‪ :‬ـ‬ ‫•‬
‫وفي ذلك قوة روحية تؤدي إلى التفاؤل واألمل وتخلص من اآلالم‬ ‫•‬
‫والمتاعب‪ ،‬وباإليمان واألمل يعالج الفرد ما يعتريه من مشكالت متذرعا ً‬
‫بالحكمة والصبر مترقبا ً رحمة هللا وانفراج األزمة‪ .‬قال هللا تعالى‪…" :‬‬
‫ورحمتي وسعت كل شيء…"‪(.‬االعراف ‪)156 :‬‬
‫‪ - 7‬االستغفار ‪ :‬ـ‬ ‫•‬
‫إن اإلنسان ـ غير المعصوم من الخطأ ـ إذا أخطأ وشعر أنه ظلم نفسه‬ ‫•‬
‫وصحا ضميره‪ ،‬ال يقنط من رحمة هللا بل يذكره ويستغفره‪ ،‬واثقا ً في‬
‫قوله تعالى ‪ " :‬استغفروا ربكم إنه كان غفاراً "‪(.‬نوح ‪ )10:‬وقال‬
‫تعالى ‪ " :‬ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر هللا يجد هللا غفورا "‬
‫( زهران ‪) 355 : 1998 ،‬‬
‫•بعض الوسائل و الفنيات‬
‫و النماذج السلوكية‬
‫‪1‬ـ استخدـاـم النماذج السلوـكية الصحيحة ( المالـحظة)‪.‬‬
‫• مثال‪ " :‬لقد كان لكم في رسول الله أسوـة حسنة" ( األـحزـاب‪:‬‬
‫‪.)21‬‬

‫(الحشر‪.)9 :‬‬ ‫• " ويؤـثرـون على أنفسهم ولو كان بهم خصاـصة"‬
‫‪ .2‬ـ التنفيس االنفعالي‪.‬‬
‫• مثال‪" :‬إن العين لتدمع وإن القلب ليحز‪M‬ن ‪ .......‬قالوا‪ :‬أتبكي يا‬
‫ر‪M‬سول هللا وقد نهيتنا عن البكاء؟! قال‪ :‬هذه رحمة جعلها هللا في‬
‫قلوب المؤمنين"( أحمد ‪) 21332 :‬‬
‫‪ 3‬ـ العبادات كعالج نفسي‪.‬‬
‫• مثال‪" :‬إن الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر هللا أكبر"‬
‫(العنكبوت‪".)45 :‬واستعينوا بالصبر والصالة وإنها لكبيرة إال‬
‫على الخاشعين" (البقرة‪".)45 :‬إن اإلنسان خلق هلوعاً‪ ..‬إال‬
‫المصلين" (المعارج‪ 19 :‬ـ ‪.)26‬‬
‫‪ 4‬ـ ضبط النفس وـقوـة اإلرـادـة‪ :.‬مثال‪" :‬ليس الشديد بالصرـعة إنما‬
‫الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"‪(.‬النووي‪" )،‬قل للمؤمنين‬
‫يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم"‬
‫‪ 5‬ـ االسترـخاء‪.‬‬
‫• مثال‪" :‬إذا غضب أحدكم وهو واقف فليجلس وإن كان جالسا ً فليتكئ"‪(.‬‬
‫أحمد ‪) 20901 :‬‬
‫"إذا غضب أحدكم فليتوضأ"‪(.‬أحمد ‪) 17579 :‬‬ ‫•‬
‫‪ 6‬ـ استخدـاـم حديث النفس‪.‬‬
‫• مثال‪" :‬فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل‪ :‬إني صائم"‪ (.‬أحمد ‪) 7276 :‬‬
‫"إذا حدثتك نفسك قائلة‪ :‬من خلق هللا؟ فقل‪ :‬آمنت باهلل"‪ (.‬أحمد ‪:‬‬
‫‪) 7708‬‬
‫• ‪ 7‬ـ استخدـاـم الموـعظة التي تقوم على تحليل الموقف وما يترتب‬
‫عليه ومساعدة الفرد على الحكم على السلوك وتغييره‪.‬‬
‫مثال‪ :‬قصة الرسول مع الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنا‪.‬‬ ‫•‬
‫‪ 8‬ـ استخدام التعزيز من خالل‪ :‬الثواب ـ المدح ـ تنمية التعزيز‬ ‫•‬
‫الداخلي بطلب األحر من هللا‪.‬‬
‫مثال‪" :‬من قتل قتيالً فله سلبه"( أحمد ‪" ) 22161 :‬من أحيا‬ ‫•‬
‫أرضا ً ميتة فهي له"( أحمد ‪") 13916 :‬إن هللا يحب المحسنين"‬
‫(آل عمران ‪" )134:‬وهللا مع الصابرين"(البقرة‪)153:‬‬
‫‪ 9‬ـ استخدام أسلوب العقاب إلبطال السلوك السلبي أو إضعافه‪.‬‬ ‫•‬
‫مثال‪" :‬الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة وال‬ ‫•‬
‫تأخذكم بهما رأفة في دين هللا" (النور‪.)2 :‬‬
‫" والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزا ًء بما كسبا نكاالً من عند‬ ‫•‬
‫هللا" (النساء‪.)38 :‬‬
‫‪ 10‬ـ استخدام أسلوب اإلهمال واإلعراض إلطفاء السلوك السلبي‪.‬‬ ‫•‬
‫مثال‪" :‬والالتي تخافون نشوزهم فعظوهن واهجروهن في المضاجع‬ ‫•‬
‫واضربوهن" (النساء‪.)34 :‬‬
‫‪ 11‬ـ الكف بالنقيض (استخدام استجابة قوبة مضادة الستجابة مؤلمة)‪.‬‬ ‫•‬
‫مثال‪ ......" :‬فأصابكم غما ً بغم لكيال تحزنوا على ما فاتكم وال ما‬ ‫•‬
‫أصابكم" (آل عمران‪.)153 :‬‬
‫‪ 12‬ـ إزالة الحساسية التدريجي‪.‬‬ ‫•‬
‫مثال‪ :‬كيفية تحريم الربا وتحريم الخمر‪.‬‬ ‫•‬
‫‪ 13‬ـ وقف الخواطر‪.‬‬ ‫•‬
‫مثال‪" :‬وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ باهلل من إنه هو السميع‬ ‫•‬
‫العليم" "األعراف‪( .)200 :‬الشناوي ‪) 131 : 2001 ،‬‬
‫• وقد عرف اإلمام الغزالي الخاطر‬
‫'بما يخطر على القلب ' فينبه بعد أن كان غافالً‬
‫عنه ‪ ،‬ويحرك اإلرادة في الفعل ‪ .‬فالخاطر‬
‫يحرك الرغبة ‪ .‬والرغبة تحرك العزم ‪.‬‬
‫والعزم يحرك النية ‪ .‬والنية تحرك األعضاء ‪.‬‬
‫فالخواطر مبدأ األفعال الظاهرة والباطنة ‪.‬‬
‫• واتفق ابن القيم مع الغزالي في تفسير األفعال بالخواطر ‪ ،‬فقال في‬
‫غض البصر ‪:‬‬
‫'إن النظرة تولد الخطرة ‪ ،‬ثم تولد الخطرة فكرة ‪ ،‬ثم تولد الفكرة‬
‫شهوة ‪ ،‬ثم تولد الشهوة إرادة ‪ ،‬تقوى فتصير عزيمة ‪ ،‬فيقع الفعل' ‪.‬‬
‫• وتفسير السلوك بالخواطر وما يقع فيها من إرادة كاألتي ‪:‬‬
‫• الخاطر يولد فكرة ‪.‬‬
‫والفكرة تظهر حاجة أو رغبة ‪.‬‬
‫• والحاجة تولد اإلرادة ‪.‬‬
‫• واإلرادة تثير الدافع ‪.‬‬
‫• والدافع يحرك السلوك ‪ ،‬أو االستجابة أو الفعل ‪.‬‬
‫وهذا التخيل يتفق مع ما تقول به نظرية دوافع‬
‫السلوك بالحاجات في علم النفس الحديث ‪.‬‬
‫والتي تفترض أن المثيرات الخارجية‬
‫والداخلية تثير حاجة ‪ ،‬والحاجة تثير دافعا ً ‪،‬‬
‫والدافع يحرك إلى سلوك وسيلي ‪ ،‬لتحقيق‬
‫األهداف التي تشبع الحاجات ‪.‬‬
‫• وال يمكن لنا فهم الناس والتنبؤ بسلوكاتهم إال‬
‫إذا عرفنا دوافعهم والحاجات التي تشبعها‪:‬‬
‫< املثريات اخلارجية وادلاخلية >> احلاجة>> ادلافع>>السلوك‪.‬‬
‫• من خالل ما سبق نرى أن اإلرشاد اإلسالمي‬
‫يتسع لكل طريقة يفكر فيها الكاتب المسلم ولكن‬
‫فقط عندما نطبقها كمرشدين مسلمين ينبغي أن‬
‫نستخدمها في إطار المنهج اإلسالمي القائم على‬
‫وجود عقيدة صحيحة والقيام بواجب العبادة‬
‫وشرط المعاملة‪ ،‬وإن لم نطبق هذه الطرق في‬
‫هذا اإلطار فإن النتيجة ستكون كما يحدث في‬
‫الغرب‪ :‬ظاهر فيه الشفاء وباطن فيه انحراف‬
‫جديد سرعان ما يظهر مرة أخرى‪.‬‬
‫ما الدالالت النفسية لكل فنية مما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬االـعترـاف؟‬

‫نش‬
‫‪ .2‬االستغفار و التوـبة؟؟‬

‫اط‬
‫‪ .3‬الدعاء؟؟‬
‫‪ ‬يتسع اإلرشاد الديني لكل فنية‬
‫من شأنها أن تساـهم في تحقيق‬
‫الشفاء النفسي للمريض‬
‫اإلرشاد النفسي الديني‬
‫وـنظريات اإلرشاد النفسي المعاـصر ‪.‬‬

‫• تمهيد‬
‫• ال ينكر أحد أهمية النظرية في االر‪M‬شاد النفسي حيث أنها‬
‫تمثل خريطة واضحة المعالم أمام المرشد فهي تساعده في‬
‫الطريقة التي يتعامل بها مع المسترشد وقد تعددت‬
‫النظر‪M‬يات حيث حملت كل نظرية اتجاها ً معينا ً وفما يلي‬
‫عرض مختصر ألهم مكونات النظريات الغربية في‬
‫االرشاد ومقارنتها باالرشاد النفسي الديني‬
‫‪ -1‬اإلرشاد الديني والنظرية التحليلية‬
‫• يرى المعالج بالتحليل النفسي أن اإلنسان ينطلق من جوانب ترتبط بالشر حتى‬
‫السلوك الذي يبدو أنه خير هو حيل دفاعية تنطلق من رغبات شهوانية محرمة لذا‬
‫فإن هدفه األساسي هو مساعدة المريض على استحضار المخزونات الموجودة في‬
‫الالشعور إلى حيز الشعور والتعامل معها ويعتمد المعالج على التداعي الحر‬
‫وتشجيع التحويل من المريض للمعالج والتعامل مع مواد ال شعورية وبالذات‬
‫األحالم‪ ،‬ومنطلق هذه النظرية مؤداه أن سلوك اإلنسان محكوم بغريزتي الجنس‬
‫والعدوان ومحورهما الشر ووجود رغبات محرمة تعارضهما ضوابط المجتمع‬
‫واألخالق‪ ،‬لذا ترى هذه النظرية أن الصراع دائم بين مكونات "الهو" المعبر عن‬
‫الشهوات و"األنا األعلى" المعبر عن القيم والضمير و"األنا" كجانب تنظيمي‬
‫بينهما‪ ،‬وكذلك الصراع بين الالشعور بما يحتويه من مكبوتات وبين الشعور‬
‫ومحاوله هذه المكبوتات الخروج من الالشعور الذي ال يملك حتى الفرد مفاتيحه لذا‬
‫يحاول المعالج خالل رحلة العالج الطويلة هو مساعدة المريض على استحضار ما‬
‫في الالشعور إلى حيز الشعور ويتعرف عليه من خالل المعالج وتفسيراته‪.‬‬
‫(الشناوي‪)96 :1991 :‬‬
‫• تعليق‪:‬ـ‬
‫• اإلرشاد الديني ال يقبل هذا المنطلق فاإلنسان ليس شرير‪M‬اً‬
‫بل في فطر‪M‬ته الخير والشر "وهديناه النجدين" (البلد)‪ .‬كما‬
‫أن الصراع في اإلنسان بين الخير والشر وليس مع‬
‫مكونات افتراضية وهمية قال بها فرويد ولم يستطيع‬
‫التدليل عليها كما أن الصراع وحل الصراع في اإلسالم‬
‫يتم في مستوى الوعي والشعور وأنه ال يحتاج هذا الوقت‬
‫الخارق الذي يأخذه المعالج السيكودينامي بل قد يأخذ‬
‫لحظات فقط إذا غلب جانب الخير فيه‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلرشاد الديني والنظرية السلوكية‬
‫يرى المرشد في هذه النظرية أن اإلنسان خالي من الخير والشر في طبيعته فسلوك‬ ‫•‬
‫اإلنسان (والذي يعبر عن شخصيته) هو استجابات مقابل مثيرات‪ ،‬ويهدف المرشد‬
‫في هذه النظرية إلى تعليم المرضى سلوكيات جديدة وإبطال سلوكيات غير‬
‫مرغوبة‪ ،‬ويفترض المرشدون السلوكيون أن السلوك السوي وغير السوي إنما هو‬
‫مكتسب نتيجة العالقة مع أحداث البيئة سواء كانت مثيرات قبل السلوك أو معززات‬
‫وعقاب تقع بعد السلوك أو نتيجة مالحظة أحداث تقع أمامه وقد أطلقوا على النوع‬
‫األول (اإلشراط الكالسيكي) وعلى الثاني (اإلشراط اإلجرائي) وعلى الثالث (التعلم‬
‫بالمالحظة) وتقوم طرق اإلرشاد السلوكي على تحليل الروابط بين السلوك وما‬
‫يؤثر فيه من مدعمات أو عقاب أو سلوكيات يقوم بها اآلخرون ويالحظها الفرد ثم‬
‫التدخل بنا ًء على ذلك والذي قد يكون كالتالي‪:‬‬
‫أ ـ غرس سلوك جيد‪.‬‬ ‫•‬
‫ب ـ تقوية سلوك ضعيف موجود‪.‬‬ ‫•‬
‫ج ـ إضعاف سلوك أو إلغائه بالعقاب‪.‬‬ ‫•‬
‫د ـ وقف السلوك بإلغاء التدعيم من خالل اإلطفاء‪.‬‬ ‫•‬
‫هـ ـ أو بعرض نماذج سلوكية جيدة يالحظها الشخص‪ (.‬الشناوي‪)1991،‬‬ ‫•‬
‫• تعليق‪:‬ـ‬
‫• أخطأت هذه النظرية في اعتبارها اإلنسان خالي من الخير والشر‬
‫فاإلسالم يعتبر أن الخير والشر موجودان في طبيعة اإلنسان‪" .‬فألهمها‬
‫فجورها وتقواها" (الشمس‪ )7 :‬واعتبارها أن الخير والشر من صنع‬
‫البشر وصنع البيئة التي يعيش فيها الفرد وبالتالي فقدت المعيار الذي‬
‫يحتكم له الفرد وجعلته معياراً متغيراً ليس له ثبات وال استقرار‪ ،‬كما‬
‫أسرفت في اهتمامها بدور األحداث الالحقة أو السابقة مما جعل‬
‫اإلنسان وكأنه آلة أمام تلك األحداث كما أنها اختزلت طاقات اإلنسان‬
‫وقدراته واعتبرت أنه يمكن تعميم التجارب التي أجريت على فئران‬
‫المختبرات والقطط والكالب على اإلنسان متجاهلة المميزات الهائلة‬
‫والجذرية التي يمتاز بها اإلنسان على الحيوان‪ .‬فاهلل يقول‪" :‬ولقد‬
‫كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات"‬
‫(اإلسراء‪ .)70 :‬كما أن األساليب التي يستخدمها السلوكيون لتعديل السلوك‬
‫هي جيدة لكن ليس بمعزل عن الجوانب العقلية وخصائص الفرد والتي‬
‫يجب أن تؤخذ بعين االعتبار‪.‬‬
‫‪-3‬اإلرشاد الديني واالتجاه العقالني االنفعالي‬
‫• يرى أصحاب االتجاه العقالني االنفعالي أن االضطراب النفسي ينشأ‬
‫نتيجة اضطراب التفكير من حيث‪ :‬كيف ينظر المرء للحوادث؟ ما هو‬
‫تفسيره لها؟ ما هي خبرته المعرفية من قبل؟ وكان "إلبرت أليس" أهم‬
‫رواد هذا االتجاه الذي يرى أن ما يعانيه الفرد من انفعاالت مكدرة‬
‫كالقلق والحزن ال تنتج عما وقع له من أحداث قريبة تبدو في الظاهر‬
‫وكأنها أسباب هذه االنفعاالت‪ ،‬وإنما هو نتيجة ألفكار خاطئة موجودة‬
‫لدى هذا الشخص حول األحداث التي وقعت‪ ،‬وهو "أي إلبرت أليس"‬
‫يرى أن العالج يكمن في التعرف على الجانب غير العقالني في التفكير‬
‫ثم مهاجمته وتوضيح عدم عقالنيته يلي ذلك إحالل األفكار الصحيحة‬
‫أي العقالنية مكانه ثم يكون بعد ذلك ما قد يكون من أساليب تعديل‬
‫السلوك‪ ( .‬الشناوي‪)1991،‬‬
‫• تعليق‪:‬ـ‬
‫• ال شك أن الحديث عن وجود عقالنية وال عقالنية في تفكير اإلنسان هو‬
‫أمر جيد وجميل ولكن ما هو معيار العقالنية الذي يحاكم "إلبرت‬
‫إيليس" إليه أفكار الناس فيصنف أن هذا التفكير عقالني وهذا غير‬
‫عقالني؟! الحقيقة أنه ال يوجد معيار موضوعي ثابت ولكن يوجد معيار‬
‫شخصي وقد يكون المعيار من المعالج يحاول به أن يبرز للمسترشد ال‬
‫عقالنية أفكاره و" إلبرت إيليس" نفسه عرف عنه ادعاؤه بأن الدين‬
‫جانب من العوامل التي تنمي األفكار الالعقالنية‪ ،‬لذا فإن وجاهة الفكرة‬
‫ال تلبث أن تضيع في خضم غياب المعيار في تحديد ما هو خير وما هو‬
‫شر‪ .‬أما في اإلرشاد الديني فإن المعيار واضح وهو متمثل في القرآن‬
‫الكريم‪ .‬حيث يقول القرآن الكريم‪" :‬وأن هذا صراطي مستقيما ً فاتبعوه‬
‫وال تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " (األنعام)‪.‬‬
‫‪ -4‬اإلرشاد الديني و(نظرية الجشطلت)‬
‫• يرى أصحاب هذه النظرية أن االضطراب النفسي ينشأ عن انشغاالت‬
‫المرء بأحداث لم تتم في الماضي أو أحداث لم تقع في المستقبل وعدم‬
‫معايشة الحاضر وعدم تقدير المسئولية وعدم المالمسة المباشرة لما‬
‫يمر به من خبرات لذا فهدف المعالج في هذه النظرية هو زيادة الوعي‬
‫لدى الفرد بحيث يتمكن الفرد من مالمسة خبراته والواقع الذي يعيش‬
‫فيه وتعتمد هذه النظرية في تحقيق هذا الهدف جملة من األساليب‬
‫تهدف إلى استحضار قدرات الفرد ليشعر بما حوله ويالمسه وبالتالي‬
‫يزداد إدراكه لواقعه وما يجري حوله وتقل انشغاالته التي ال فائدة من‬
‫ماض ضاع فيه شيء أو مستقبل يتخوف مما فيه تخوفا ً‬ ‫ورائها حول ٍ‬
‫كبيراً‪ ،‬لذا يتخذ "بيرلز" من مبدأ "هنا واآلن" مبدأً أساسيا ً في العالج‬
‫حيث يستهدف زيادة وعي الفرد بما يقع حوله في المكان والزمان‬
‫وعدم تشتيت انتباهه بالبحث في الماضي أو المستقبل‪ ،‬ويوافق "بيرلز"‬
‫"فرويد" على أهمية غريزة الجنس في سلوك اإلنسان ويضيف لها‬
‫غريزة أولية هي "الجوع" ويدعو إلى إشباع هذه الحاجات لتنمو‬
‫الشخصية بشكل سليم‪ ( .‬الشناوي‪)101 :1991،‬‬
‫• تعليق‪:‬ـ‬
‫مما ال ريب في أن كثيراً من األمراض النفسية ترجع إلى‬
‫انشغاالت بأمور ال يملك اإلنسان حيالها شيئا ً سوا ًء من حيث‬
‫القدرة على منعها أو عدمه‪ .‬ولكن "بيرلز" نراه يهتم بالجوانب‬
‫البيولوجية تاركا ً وراءه الجوانب الروحية العليا‪ ،‬بل حتى حين‬
‫يهتم بالمسؤولية كجانب عام في بناء الشخصية نجده يقول‪:‬‬
‫"وإن الفرد المثالي لن يتحمل مسؤولية فرد آخر" أي أن كل فرد‬
‫عليه مسؤولية نفسه فقط وهذا تخلي عن مسؤوليات مهمة أكبر‬
‫كالمسؤولية عن الوالدين والزوجة واألوالد والمجتمع قال تعالى‪:‬‬
‫"يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً" (التحريم‪.)5 :‬‬
‫‪ -5‬اإلرشاد الديني ونظرية العالج بالواقع‬
‫•‬
‫يرى "وليام جالسر" أن الطفل يولد ولديه حاجة لتكوين هوية وأنه‬
‫يرتبط بهذه الحاجة حاجتان فرعيتان هما الحاجة للحب والحاجة للشعور‬
‫باألهمية وأن الشخص قد يطور هوية نجاح أو هوية فشل وذلك من‬
‫خالل اندماجه مع اآلخرين وإشباع الحب واألهمية‪ ،‬ويعتبر "جالسر" أن‬
‫االضطراب النفسي هو تكوين هوية فشل وهي راجعة عن ابتعاد الفرد‬
‫عن الواقع والمسؤولية واالستقامة لذا فهدف العالج في هذه النظرية‬
‫هو الوصول بالمسترشد إلى تحقيق هوية نجاح من خالل إدماجه مع‬
‫شخص له مثل هذه الهوية كالمرشد مثالً في عالقة تتسم بالحب وسعيا ً‬
‫به نحو تنمية المسؤولية ومالمسة الواقع واتباع الطريق الصحيح‬
‫(االستقامة) ومن خالل خطة واقعية يدرك فيها الفرد مسؤولياته عن‬
‫أعماله وإصالح حياته‪ ( .‬الشناوي‪)106 :1991،‬‬
‫• تعليق‪:‬ـ‬
‫ال شك أن نظرية العالج بالواقع وأن "جالسر" من‬
‫القالئل الذين ألمحوا إلى أهمية الدين واألخالق في‬
‫اإلرـشاد النفسي ولكن الخلل في هذه النظرية هو افتقادها‬
‫إلى المعيار الموضوعي في الحكم‪ .‬فجالسرـ يبين أهمية‬
‫"اتباع الطريق الصحيح" واالستقامة ولكن ما هو معيارـ‬
‫هذه االستقامة؟ ال يوجد سوى المعيار الشخصي والذي‬
‫قد ال يكون موجوداً عند المرشد نفسه وهذه مشكلة‪.‬‬
‫‪ -6‬اإلرشاد الديني ونظرية العالج بالمعنى‬
‫• يرى "فرنكل" صاحب نظرية العالج بالمعنى أن االضطراب النفسي‬
‫ناتج عن فقدان الشخص معنى لحياته وهو ما أطلق عليه "الفراغ‬
‫الوجودي"‪ ( .‬الشناوي‪)113 :1991،‬‬
‫تعليق‪:‬ـ‬
‫هذه النظرية توضح الحال النفسي الذي وصل له اإلنسان في الغرب‬
‫عندما تخلى عن الدين فخلت حياته من كل معنى ومن كل قيمة تبرر‬
‫وجود هذا اإلنسان في هذه األرض‪ ،‬ثم ما هو الهدف الذي سيضعه‬
‫فرنكل للمسترشد وما هو المعنى الذي سيكسبه لحياته ال شك أنها‬
‫أهداف ومعاني أرضية ال تصلح أن تكون أهدافا ً حقيقية ولذلك سيخف‬
‫المسترشد ثم ال يلبث أن يعود من جديد‪ .‬أما اإلسالم فقد جعل هدفا ً‬
‫عظيما ً ومعنا ً رائعا ً للحياة فقال‪" :‬وما خلقت الجن واإلنس إال‬
‫ليعبدون" (الذاريات‪59 :‬‬
‫‪ -7‬اإلرشاد الديني ونظرية الذات‬
‫• ترى هذه النظرية أن اإلنسان موجه بالخير وأن الشر طارئ‬
‫عليه فهو قادم من عمل المجتمع ممثالً في معارضات من لهم‬
‫أهمية في حياة الفرد وخاصة في طفولة وأن المرء لو ترك‬
‫لكيانه الذاتي فإن حكمه على خبرـاته سيكون سليما ً وال يضطرب‬
‫نفسيا ً بينما تجاوبه لتقويمات المجتمع وشروط األهمية التي‬
‫يطرحها المجتمع هو الذي يدفعه إلى إنكار بعض خبراته مما‬
‫ينشئ القلق والمرض النفسي وأن الفرد هو الذي ينبغي أن يضع‬
‫معاييره من داخله‪.‬‬
‫• فهذه النظرية ترى أن االضطراب النفسي لدى الفرد يأتيه نتيجة افتقاره‬
‫لعالقة آمنة مع األشخاص ذوي األهمية في حياته والذين يحتاج إلى‬
‫موافقتهم ورضاهم عن تصرفاته‪ .‬وأن المعالج عليه توفير عالقة آمنة‬
‫للمسترشد خالية من التهديد الذي اعتاد أن يستقبله ممن حوله مما‬
‫جعله يرفض ذاته فتعيد له هذه العالقة اآلمنة القدرة على التعامل مع‬
‫خبراته تساعده على تحقيق ذاته ويرى "روجرز" أن اإلنسان لديه‬
‫دافع قوي هو دافع "تحقيق الذات" وهذا له حاجتان فرعيتان هما‪:‬‬
‫الحاجة إلى التقدير الذاتي والحاجة إلى تقدير من اآلخرين وهذه‬
‫األخيرة ال يحصل عليها بسهولة وإنما يطالبه اآلخرون بشروط مقابل‬
‫إعطاءه تقديرهم‪ ،‬سمى "روجرز" هذه بـشروط األهمية" التي‬
‫يستقبلها من الوالدين ثم من األشخاص المهمين بالنسبة له ‪.‬‬
‫• ويرجع "روجرز" االضطراب إلى محاولة الفرد الوفاء بشروط األهمية‬
‫ولو على حساب اهتماماته وخبراته وذاته مما ينشئ االضطراب لذا‬
‫على المرشد رفع شروط األهمية في العملية اإلرشادية‪.‬‬
‫( الشناوي‪)116 :1991،‬‬
‫• التعليق‪:‬ـ‬
‫• ال شك أن اإليجابية تظهر خالل هذا االتجاه اإلنساني لهذه‬
‫النظرية إال أن الخيرية التي يراها "روجرز" هي تصور شخص‬
‫فإنه يبرر وجود الشر في اإلنسان إلى عمل المجتمع التي تبنى‬
‫على أساس القيم واألخالق والدين بل يتطرف "روجرز" فيقرر‬
‫أن معايير المجتمع تلك هي التي تعرقل نموه النفسي‪ ،‬وال شك‬
‫أن روجرز ومدرسته لهم الفضل في إبراز الجانب الوجداني في‬
‫اإلنسان ونادوا بالعودة إلى إنسانية اإلنسان إال أنه أخطأ عندما‬
‫جعل اإلنسان هو الخصم وهو الحكم هو الفاعل للسلوك وهو‬
‫الذي يضع معايير القبول ومعايير الخير والشر وهذه دعوة إلى‬
‫الفوضى وال شك حيث لن يكون هناك معياراً ثابتا ً نحتكم له بل‬
‫معايير شخصية ال ضابط لها وال حاكم‪ ،‬كما يربط "روجرز" حياة‬
‫اإلنسان كفرد غايته األولى واألخيرة هي تحقيق ذاته ومعايشة‬
‫الخبرات التي تحقق رضاه عن نفسه‪ ،‬أما ما يوافق اآلخرين فهذا‬
‫ال يهم بل هو سبب مرضه وكأنه يرى كما فرويد أن الصحة‬
‫النفسية هي التحرر من قيود المجتمع‬
‫• تعليق عام على النظرـيات‪:‬ـ‬
‫• من خالل كل ما سبق يرى الكاتب أن أي نظرية ال تأخذ‬
‫الدين في حسابها حين تتحدث عن اإلنسان وعن سلوكه‬
‫وعن اضطراب هذا السلوك وكيفية إصالحه هي بغيرـ‬
‫شك نظرية قاصرـة غير موضوعية محكومة بذاتية‬
‫واضعيها وفلسفتهم وفرق كبير أن يكون مصدرـ معرفتنا‬
‫ربانيا ً يتنزـل به الوحي أو سنة نبوية تتبع هذا الوحي‬
‫وبين أن يكون مصدر هذه المعرفة حول النفس مجرد‬
‫مقولة بشرـية ال أساس لها بل ربما يكون صاحبها‬
‫مضطربا ً نفسيا ً أو مدمنا ً للمخدرـات أو صاحب شخصية‬
‫بالغة التقصير‪.‬‬
‫في ضوء درـاستك لنظريات‬
‫اإلرشاد‬
‫المعاـصرـة بين ما يلي ‪:‬‬ ‫نشاط‬

‫‪ -1‬الفرق بين اإلرشاد الديني وـاإلرشاد المعاـصر‪.‬‬


‫‪ -2‬أي النظريات أقرب لإلرشاد الديني ‪.‬‬
‫مع التعليل ‪.‬‬
‫‪ -3‬أي النظريات تتعارـض مع اإلرشاد الديني ‪.‬‬
‫مبينا مظاـهر االـختالف ‪.‬‬
‫‪ -4‬كيف للمرشد المسلم االستفادـة من هذـه‬
‫النظريات؟‬
‫بعض أساليب اإلرشاد النفسي الديني‬

‫إ ن اختيار المعالج النفسي أو المرشد النفسي للفنيات و األساليب في عملية اإلرشاد‬


‫النفسي الروحي (الديني) يتوقف على شروط مهمة كما أشار إليها ‪Worthington‬‬
‫)‪ ( 1989‬سابقا ‪ ،‬وهذه الشروط هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يعرف المرشد أن استخدام أي فنية إرشادية إنما تساعد في تحقيق التعزيز‬
‫اإليجابي للناحية الروحية للمسترشد‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يستخدم المرشد النفسي الفنيات الموجودة في الدين الذي يؤمن به‪،‬‬
‫باإلضافة إلى الفنيات األخرى‪ ،‬كفنيات التحليل النفسي مثالً‪ ,‬أو فنيات العالج‬
‫السلوكي‪ ،‬أو فنيات العالج المعرفي‪ ,‬أو العالج الوجودي و غيرها‪.‬‬
‫‪ -3‬االندماج الديني (‪ )Religious Involvement‬أي المشاركة الدينية بين‬
‫المرشد والمسترشد داخل العملية اإلرشادية و التي تؤدي إلى العالقة القوية وإزالة‬
‫الفوارق بينهما‪.‬‬
‫• و يذهب البعض بالقول بأنه ال توجد فنيات محددة لإلرشاد والعالج‬
‫النفسي الديني‪ ،‬ولكن المرشد النفسي يستخدم الفنيات التي يتميز بها‬
‫اإلرشاد النفسي الديني أو الموجودة في اإلرشاد النفسي بشكل عام‪,‬‬
‫فهو يستخـدم فنيات العالج التحليلي‪ ،‬أو فنيات العالج السلوكي‬
‫مثالً‪ ،‬أو فنيات العالج المعر‪M‬في‪ ،‬و الديني‪.‬‬
‫• فالعالج النفسي الديني هو عالج شامل التجاهات واستراتيجيات‬
‫عالجية أخرى كثيرة‪ ،‬حيث يظهر له جانب تحليلي يبرز‪ M‬كيفية‬
‫تناوله وتحليله ألسباب وأعراض االضطراب النفسي لدى‬
‫الشخص‪ ،‬مثل ما يقوم به المعالج أو المرشد النفسي الديني أثناء‬
‫المقابلة اإلرشادية في الكشف‪ M‬عن مكبوتات الالشعور‪ ,‬وتعريفها‬
‫وإخراجها إلى حيز شعور المسترشد لعالجها‪.‬‬
‫• كما يحدد المعالج أو المر‪M‬شد النفسي النمو الديني و القيم‬
‫المؤثرة على المسترشد‪ ،‬وكيفية اإلفادة منها في العملية‬
‫اإلرشادية‪ ،‬باإلضافة إلى امتالكه جانبا ً إنسانيا ً يبرز في‬
‫تعامله مع اإلنسان كوحدة كلية شاملة‪ ،‬و في نظرته‬
‫لصاحب اإلرادة القوية والعقيدة الصحيحة على أنه مسئول‬
‫عن اختياراته و أفعاله و أقواله‪ ،‬مما يجعله متمتعا ً‬
‫بالتوافق والصحة النفسية‪ ،‬باإلضافة إلى الجانب المعرفي‬
‫المتمثل في تناول العمليات المعر‪M‬فية العقلية وآليات التفكير‬
‫الشامل‪.‬‬
‫• فالدين اإلسالمي ثرى باألفكار والمفاهيم التى يمكن‬
‫االعتماد عليها فى دحض وطرد األفكار الخرافية‬
‫والمخاوف واألوهام وبث الطمأنينة والسكينة فى‬
‫النفوس ‪ ..‬كما أن السنة المطهرة بها العديد من النماذج‬
‫السلوكية التى قدمها الرسول الكريم ويمكن االعتماد‬
‫عليها فى تعديل السلوكيات والعادات السيئة غيرـ‬
‫المرغوبة ‪ ..‬وبذل كل الجهود الممكنة إلخراج العالج‬
‫بالقرآن من دائرة الجان والعفاريت وتخليصه من براثن‬
‫الدجل والشعوذة ‪.‬‬
‫تطبيقات عملية لمنهج الرسول في تعديل‬
‫السلوك وتغيير العادات‬
‫المنهج النبوـي‬
‫المنهج النبوـي‬
‫المنهج النبوـي‬
‫• ظهر في السنوات األخيرة كم هائل من الدراسات واألبحاث التجريبية‬
‫المنضبطة التي تشير جميعها إلى إن السلوك اإلنسان ال يتغير من خالل‬
‫التوجيهات والنصائح أو كثرة الوعظ والكالم عن القيم النبيلة والفضائل‬
‫واآلداب الرفيعة ‪ ..‬فالبرغم من أهمية هذه النصائح والتوجيهات إال أن‬
‫أثرها الفعلي في تعديل التفكير وتغيير االتجاهات والسلوك يظل محدودا ما‬
‫لم يرتبط بتطبيقات عملية وأنماط سلوكية تستمر لفترات طويلة وتدعم من‬
‫البيئة المحيطة لضمان تكرارها وتثبيتها حتى تتحول إلى عادات راسخة‬
‫في السلوك االنسانى ‪ ..‬ويصدق هذا بالطبع بل ويصبح اكثر الحاحا ً فى‬
‫عصرنا هذا ‪ ..‬عصر السرعة والتعجل والتشوش الذهنى الناتج عن تأثير‬
‫الثقافات والسلوكيات الواردة الينا من الشرق والغرب ‪ ،‬وحالة عدم‬
‫التوازن وفقدان القدرة على تحديد االهداف ومواصلة السعى لتحقيقها التى‬
‫اصبحت ايضا من العوامل التى تؤكد على ان التغيير االيجابى المنشود لن‬
‫يأتى ابدا من خالل الخطاب الوعظى اوالتوجيهات الصارمة او العلوم‬
‫والمحفوظات النظرية المنفصلة عن الواقع ‪ ،‬والتى تجعل الناس تعيش فى‬
‫منظومة ال نهائية من االزدواجيات والتناقضات ‪..‬‬
‫• ان السلوك والعادات ال تستقر وتستمر إال من خالل اساليب‬
‫وتطبيقات عملية قادرة على تحويل المعانى والمفاهيم االخالقية‬
‫الى انماط ثابتة من السلوك تقوم على مفاهيم وافكار ايجابية‬
‫يحرص المجتمع على مكافئتها وتدعيمها حتى تتأصل وتستمر‪.‬‬
‫• ان ما يسمعه الشباب من نصائح وتعاليم مرسلة وخطب نارية‬
‫يتبخر من الذهن بعد دقائق تحت تأثير التشوش الذهنى وزحام‬
‫الحياة وضغوطها ‪ ..‬وارتباك التفكير وتداخل القيم وعدم وضوح‬
‫االهداف والرؤية المستقبلية ‪ ،‬وفيضان المثيرات التى يراها‬
‫الناس فى الفضائيات ‪ ،‬والصراعات التى يعايشونها على ارض‬
‫الواقع ‪.‬‬
‫• لذلك فإن تعديل التفكير والتخلص من االفكار السلبية واالنهزامية‬
‫الهدامة وكذلك تعديل السلوك وتبنى انماط وعادات صحية‬
‫وايجابية راسخة ومستمرة لن يحدث إال من خالل التحول من‬
‫الثقافة الوعظية و علوم الكالم وفلسفة االخالق الى التدريب‬
‫والتطبيق العملى لعلوم سلوكية إسالمية عصرية وتطبيقية جديدة‬
‫‪.‬‬
‫• ولقد اشتمل القرآن والسنة النبوية الشريفة على عدد هائل من هذه النماذج‬
‫السلوكية العملية والتطبيقات العملية فى كيفية التصرف فى مختلف نواحى‬
‫ومواقف الحياة وتحت مختلف الضغوط والظروف النفسية واالجتماعية ‪ ،‬مما‬
‫يفرض علينا ضرورة دراسة وتحليل هذه النماذج والمهارات السلوكية والتدريب‬
‫عليها ‪ ..‬بل وضرورة تأسيس علوم جديدة فى فقه السلوك تهتم بدراسة تلك‬
‫االساليب السلوكية وتطويرها لتتناسب مع العصر وظروفه ‪ ،‬وان يكون ذلك وفق‬
‫مناهج التفكير العلمى التجريبى ‪ ..‬مع االستفادة من علوم النفس والطب النفسى‬
‫واالجتماع وبحوث التعلم وعلوم النفس المعرفية وقواعد العلوم السلوكية والتى‬
‫من اهمها التدرب فى تعديل السلوك واستخدام اسلوب المكافأة والتدعيم وغيرها‬
‫لتثبيت السلوكيات المرغوبة والعادات االيجابية ‪.‬‬
‫• ولقد وردت النماذج السلوكية العظيمة التى قدمها الرسول (صلى هللا عليه و سلم)‬
‫فى مواقف الحياة المختلفة فى السنة وفى تراثنا الدينى ‪ ..‬وجميعها تحتاج الى‬
‫إعادة دراستها وعمل نوعا ً من الحفريات السلوكية التى تهتم بتحليل ودراسة‬
‫السلوك ومهاراته وال تتوقف عند النص اللفظى او التعاليم والحكم اللفظية‬
‫المرسلة بمعنى أن ال يقتصر اهتمامنا على الحديث وألفاظه –رغم اهميته البالغة‪-‬‬
‫بل على السلوكيات والتصرفات بمهاراتها وخطوات ممارستها تبعا ً لكل الظروف‬
‫المحيطة بها ‪ ..‬وهناك العديد من اساليب تعلم السلوكيات المختلفة وتثبيتها‬
‫واالستفادة منها مثل التعلم عن طريق النمذجة (التعلم من النماذج الضمنية )‬
‫والتكرار والمحاكاة وأساليب الضبط الذاتى وغيرها‪..‬‬
‫• ولقد قدم الرـسول صلى هللا عليه وسلم نماذج عملية حية ذات‬
‫طبيعة تعليمية تسمى في علم النفس بالنماذج الضمنية وتعتبر‬
‫أحد اساليب تعديل السلوك في علم النفس الحديث ‪.‬‬
‫• وال شك أن العديد من الدراسات واألبحاث التجرـيبية الحديثة‬
‫تؤكد أن سلوك اإلنسان ال يتغير بمجرد االستبصار أو العلم‬
‫بسبب المشكلة كما كان يعتقد فرويد ومدارس علم النفس‬
‫التقليدية ‪.‬‬
‫• وأن التوجيه والنصح والوعظ أو التعاليم المرـسلة ـ رغم‬
‫أهميتها ـ ال تكفي لتعديل السلوك وتثبيت السمات واألنماط‬
‫السلوكية الجديدة وأنه قد آن األوان إلى التحول من الثقافة‬
‫الوعظية إلى األساليب العصرية التطبيقية ‪ ،‬فتغير السلوك‬
‫شئ صعب واكتساب بعض السمات والعادات أكثر صعوبة ‪،‬‬
‫• ولقد قدم اإلسالم مجموعة من االساليب الفعالة في هذا‬
‫المجال تتفق مع األبحاث الحديثة ومع آرـاء علماء‬
‫معاصرين ‪ ،‬فقد أشار األمام الغزالي رـحمه هللا في كتابه "‬
‫إحياء علوم الدين " إلى عدة اساليب وردت في تراثنا‬
‫اإلسالمي لتعديل السلوك واستخدم لفظ رياضة النفس ليؤكد‬
‫على أهمية التدريب العملي المستمر الكتساب وتثبيت‬
‫السلوكيات المرغوبه ‪ :‬فعلى سبيل المثال يوضح كيفية‬
‫السيطرة على الغضب وتعلم الحلم والصبر من خالل التدريب‬
‫الذي يبدأ بالتكلف واإلفتعال ـ إذا لزم األمر ـ لفترـة زمنية‬
‫كافية مصداقا للحديث الشرـيف (( إنما العلم بالتعلم والحلم‬
‫بالتحلم )) حتى يصبح جزـ ًء من المنظومة العصبية‬
‫والسلوكية للفرـد ‪..‬ويتطلب ذلك األلتزـام بخطوات متدرجة‬
‫تصاعديا ً ‪ ,‬مع التقيد الصارم بنظام محكم ومتواصل ‪.‬‬
‫ومن النماذج العملية التي قدمها الرسول صلى هللا عليه وسلم‬ ‫•‬
‫لتزكية المهارات االجتماعية والتواصل اإلجتماعي الذي يدعم‬
‫التوافق االجتماعي والصحة النفسية ‪..‬‬
‫أنه صلى هللا عليه وسلم كان يبدأ من لقيه بالسالم وبوجه‬ ‫•‬
‫بشوش ‪ ..‬وكان إذا لقى أحداً من الصحابة بدأه بالمصافحة‪ ..‬وكان‬
‫يؤثر الداخل عليه بالوسادة التى تحته‪..‬‬
‫وكان يعطى كل من جلس إليه نصيبا ً من وجهه‪ ..‬أى من النظر اليه‬ ‫•‬
‫واالهتمام به‪ ..‬وكان فى كل سلوكه يتسم بالحياء والتواضع‪..‬‬
‫كما كان أكثر الناس تبسما ً وضحكا فى وجه أصحابه‪ .‬لقد كان‬ ‫•‬
‫محبوبا يلتف الناس حوله ويتعلقون به‪ ..‬فصدق فيه قول العزيز‬
‫الحكيم " فبما رحمة من هللا لنت لهم ولو كنت فظا ً غليظ القلب‬
‫النفضوا من حولك ” فاعفوا واصفحواً” وقولوا للناس حسناً”‪.‬‬
‫• و كان صلى هللا عليه و سلم ـ يردد في أكثر من موقف‬
‫• ( تبسمك في وجه أخيك صدقة (‬
‫لذلك ننصح كل شخص ان يزكى فى نفسه هذه الصفات ‪:‬‬
‫‪ -‬أن يبتسم فى وجه اآلخرين‪ ..‬وهناك مقولة فى الغرب تقول‬
‫"إذا اردت ان تعيش سعيداً‪ ..‬فقط ابتسم فى وجه من تقابله"‪.‬‬
‫‪ -‬ان يكثرـ من القاء السالم وتحية اآلخرين وان يبدأ بالمصافحة‪.‬‬
‫‪ -‬ان يعطى اهتمامه لكل من يجلس إليه او يتحاور معه‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون عطوفا ً لين القلب فى تعامله مع الناس‪.‬‬
‫‪ -‬ان يقول للناس قوالً حسنا ً واليكن غليظ القلب أو القول‪.‬‬
‫‪ -‬ان يدرب نفسه على التسامح و الصفح والعفو باستمرار‪ ،‬فهى‬
‫أهم مفاتيح السعادة والنجاح والصحة النفسية ‪.‬‬
‫• وتعتبر االضافات العلمية واالكلينيكية مثل العالج النفسى الذاتى‬
‫بالقرآن ‪ ..‬الخلوة العالجية والتأمل ‪ ..‬وما تضمنته من اساليب‬
‫عملية متعددة لتعديل التفكير والسوك ‪ ..‬هى جهد متواضع‬
‫مخلص يأمل من خالله ان يساهم فى تخليص العالج النفسى‬
‫الدينى والعالج بالقرآن من براثن الدجل والشعوذة ‪.‬‬
‫• وان يقدم مجموعة مبسطة من االساليب العالجية العصرية‬
‫النابعة من التراث الدينى والثقافى والتى تناسب الشخصية‬
‫العربية وتخلصها من الجمود والتمركز حول الذات والوقوع فى‬
‫اخطاء التفكير والسلوك ‪.‬‬
‫• وال شك ان مجتمعاتنا العربية فى أشد الحاجة الى مثل تلك‬
‫االساليب العصرية المبسطة فى زمن القلق والتشوش والحيرة ‪..‬‬
‫وفى غياب الجهات التى يمكن أن تأخذ بيد الشباب نحو المزيد‬
‫من الصحة النفسية والتفكير المنطقى والسلوك السوى ويعلمه‬
‫فنون ومهارات معالجة مشكالت العصر وتحمل ضغوطه ‪.‬‬
‫اإلعجاز السلوكي و األخالقى في اإلسالم‬
‫• يتضمن القرآن الكثير من اإلشارات العلمية و الحقائق‬
‫التي توصلت إليها بعض العلوم الطبيعية الحديثة في‬
‫الطبيعة و الكيمياء‪  ‬و الفلك و الجيولوجيا و األحياء و‬
‫البيولوجيا و غيرـها من دالئل إعجاز القرآن وأنه من‬
‫عند خالق هذا الكون و مبدعه ‪ ,‬الذي دعا اإلنسان‬
‫للتفكر و التأمل‪  ‬في كل ما حوله من مخلوقات هللا ( قل‬
‫سيرـوا في األرـض فانظروا كيف بدأ الخلق) (العنكبوت)‬
‫• إن األجدر بالدراسة و االهتمام هو اإلعجاز السلوكي و‬
‫األخالقى فى اإلسالم من خالل مقارنة سلوكيات و أفعال‬
‫الرسول "صلى هللا عليه وسلم" و أسلوبه في تعديل سلوك‬
‫وعادات من حوله طبقا ً لمعطيات العلوم السلوكية و علم النفس‬
‫المعرفي السلوكي الحديث وألساليبه وميادين تطبيقه ‪ ,‬والتحكم‬
‫فيها‪ ‬و تعديلها نحو خير الفرـد و المجتمع ‪ ,‬ومن خالل مقارنة‬
‫ما ورد في القرـآن الكريم من نصوص‪ ‬و إشارات و توجيهات‬
‫لتعديل السلوك اإلنساني وما قدمه الرسول‪ -‬صلى هللا عليه و‬
‫سلم‪ -‬من نماذج و تطبيقات عملية للسلوك السوي وكيفية‬
‫ضبطه و تعديله بما توصلت إليه الدراسات الحديثة يدل‬
‫بصورة قاطعة على أن القرآن ليس من عند محمد‪ ,  ‬بل هو‬
‫من عند الخالق العظيم العالم بالنفس اإلنسانية التي خلقها‬
‫وأبدع صنعها‬
‫• إن سلوكيات الرسول وتعاليمهـ و إرشاداته‬
‫والنماذج العملية التي قدمها لتغيير من حوله ال‬
‫يمكن أن تصدر من شخص عادي نشأ في بيئة‬
‫فقيرة في كل شئ ‪ ,‬ال يعرف الناس فيها حتى آداب‬
‫الحوار و المخاطبة و‪  ‬قواعد العالقات اإلنسانية‬
‫السليمة‪.‬‬
‫اإلعجاز السلوكي في شخصية الرسول‪...‬‬

‫• إن التاريخ يشهد ‪ ‬بأن التغيير في سلوكيات و عادات أي مجتمع ال‬


‫يمكن أن يحدث خالل سنوات قليلة إال باستخدام الحزم و القوة و العنف‬
‫الذي قد يصل إلى حد البطش‪,‬و الذي قد يظلم و يقهر البعض في سبيل‬
‫المجموع ‪..‬فجميع الثورات التي غيرت المجتمعات في غضون سنوات‬
‫قليلة تميزت بفرض نظم صارمة تبطش كاإلعصار بمن يقف في‬
‫طريقها‪ ..‬وال تفرق وال تميز بل تفرض النظم و القوانين القاسية علي‬
‫الجميع بالقوة الغاشمة فيتغير الناس نتيجة الخوف ‪..‬‬
‫• أما اإلسالم فقد عدل في سلوكيات أفراد المجتمع وعاداتهم باإلقناع‬
‫والرفق والرحمة فأنصف المظلومين وحرر العبيد المقهورين‪.‬‬
‫• لقد كانت بالد العرب قبل اإلسالم موطنا ً للوثنية و الجمود والقسوة و‬
‫العنف‪ ..‬فكيف تغيرت خالل سنوات قليلة في عصر النبوة إلى مجتمع‬
‫فاضل يلتزم أفراده بسلوكيات متحضرة ؟! وكيف تغيرت سلوكيات‬
‫وعادات الناس وقتها فتعلموا الضبط الذاتي و تخلصوا من العصبية‬
‫و الغضب بالحلم و تخلصوا من الحقد و العدوانية وتعلموا الرفق و‬
‫العفو و اإلحسان‪ ,‬و كيف تحول الحرص على جمع المال و النهم و‬
‫الطمع إلى سخاء و مساعدة الفقير و المحتاج‪.‬؟ بل كيف تخلصوا من‬
‫إدمان الشراب و أسوأ الخصال كالغيبة و النميمة و الرياء و آفات‬
‫اللسان األخرى كالسب و الفحش‪  ‬و السخرية و االستهزاء باآلخرين‬
‫‪ ..‬فكيف تحولت هذه السلوكيات إلى آداب و سلوكيات راقية‪..‬ال شك‬
‫أننا أمام معجزة بكل المقاييس ألنها تمت في سنوات محدودة و على‬
‫مستوى جماعي لم يحدث ولن يحدث في التاريخ البشري ‪.‬‬
‫• ‪ ‬لقد استطاع الرسول – صلى هللا عليه و سلم‪ -‬تحويل القبائل المتناحرة‬
‫والجماعات الغوغائية التي تغير على بعضها البعض وتستحل الدم و الحرمات‬
‫‪ ‬وتتفاخر بعدوانها و اغتصابها للحقوق ‪ ..‬إلى جماعات متضافرة تلتقي حول‬
‫أهداف سامية و يحكم عالقاتها نظم و قواعد راقية ومشاعر الحب و العطف و‬
‫اإلحسان‪.‬‬
‫• إن أساليب تعديل السلوك التي وردت في التشريع الذي نزل به القرآن وقدمه‬
‫الرسول في نماذج عمليه تتفق مع أحدث نتائج ‪ ‬أبحاث ودراسات علوم‪  ‬النفس‬
‫والسلوك و بيولوجيا الجهاز العصبي في اإلنسان ‪ ..‬وهى تمثل إعجاز وتحد ًيا‬
‫سا لمنهج إسالمي في ضبط وتعديل السلوك البشري‪ ..‬يمكن االستفادة‬ ‫علم ًيا وأسا ً‬
‫العملية منه في العديد من مجاالت الصحة النفسية وعالج المشكالت النفسية و‬
‫االجتماعية ‪ ..‬و تطوير المجتمع من خالل إطالق طاقات العقل البشري المكبل‬
‫بالقيود و الصراعات و المشكالت النفسية و التي أصبحت كالغراء يلصقنا بالتخلف‬
‫و الجمود‬
‫• ومن أساليب تعديل السلوك التي وردت في القرآن و السنة و التي تمثل إعجازاً‬
‫علميا ً حيث أنها وردت أيضا ً في األبحاث العلمية الحديثة و دراسات علماء‬
‫معاصرين‪..‬ما يلي‪-:‬‬
‫أوالً‪ :‬شخصية الرسول و التو كيدية‬

‫• التو كيدية ‪ Assertiveness‬هي تأكيد الذات و القدرة على‬


‫التعبير عن المشاعر و األفكار بدرجة عالية من الصحة النفسية‬
‫و الفاعلية ‪ ,‬ولقد أخذ هذا المفهوم أهميته العلمية بعد دراسات‬
‫العالم األمريكي "سالتر‪  " Salter‬عام ‪ 1994‬و الذي أكد فيه‬
‫أهمية التو كيدية ( تأكيد الذات) كخاصية أو سمة شخصية مثلها‬
‫مثل االنبساطية أو االنطواء ‪.‬‬
‫• ولقد أشار أيضا ً كالً من " ولبي ‪ "Wolpe‬و"الزاروس‬
‫‪ "lazarus‬قبل ذلك بسنوات إلى هذه الخاصية كقدرة يمكن من‬
‫خالل تدريبها تحقيق درجات أعلى من الصحة النفسية ‪,‬ويمكن‬
‫أيضا ٌ من خالل دراستها فهم المشكالت االجتماعية والنفسية و‬
‫عالجها‪ ,‬و لذلك اتجه عدد كبير من العلماء إلى ابتكار برامج‬
‫لتنمية و تدريب هذه القدرة ‪.‬‬
‫• للتعبير عن النفس و الدفاع عن الحقوق الشخصية للفرد‬
‫بل إن لها معاني أخرى متعددة منها مهارة التصرف‬
‫بحكمة وفق ظروف و متطلبات كل موقف ‪ , ‬ويحتاج‬
‫الشخص الذي يرغب فى اكتساب وممارسة هذه‬
‫المهارات والقدرات إلى توافر سمات شخصية إيجابية‬
‫ناتجة – كما يقول دوالرد وميللر – عن تعلم طويل األمد‬
‫يبدأ منذ الطفولة تقوم به البيئة كارتباطات متكررـة بين‬
‫منبهات واستجابات‪  ‬تشكل فى النهاية مجموعة من‬
‫العادات أو األساليب االعتيادية لالستجابة التي تعلمها‬
‫الشخص من المحيطين به ودعمتها البيئة‬
‫• والذي يدرس سلوكيات الرسول‪ -‬صلى هللا عليه و سلم –‬
‫في المواقف المختلفة يلمس التو كيدية بمفهومها الذي‬
‫أشارت إليه الدراسات الحديثة حيث تجمع بين المهارات‬
‫االجتماعية و الدفاع عن الحقوق بالحكمة و اللين و‬
‫الرحمة و الموعظة الحسنة‪ ,‬ولكنه ال يجد من علمه ممن‬
‫يحيط به ‪ ,‬وال يلمح أي أثرـ للبيئة التي تغرس السلوكيات‬
‫اإلنسانية والسمات اإليجابية الطيبة وترعاها وتدعمها ‪..‬‬
‫فمن الذي علمه إال هللا رـب العالمين ؟! ومن أين له بهذه‬
‫القدرات‪ ‬و المهارـات التي ال يمكن أن تنشأ فجأة في مجتمع‬
‫كانت مهارات أفراده تتركز حول القوة الغاشمة و العدوان‬
‫على األخر‪ ..‬هذا هو األعجاز أعلى وأرـقى درجاته ‪.‬‬
‫• ومن أسس التو كيدية – كأسلوب للصحة النفسية و السلوك‬
‫القويم – ما جاء في حديث الرسول – صلى هللا عليه و سلم‬
‫‪": -‬ال يكن أحدكم إمعة ‪ ,‬يقول‪:‬أنا مع الناس ‪ ,‬إن أحسن‬
‫الناس أحسنت ‪    ,‬وإن أساؤوا أسأت !!‪ ".. ..‬الحديث‬
‫"عن الترمذي"‬
‫• فقد جسد الرسول للمسلمين قوة اليقين في شخصه‪ ,‬و روعة‬
‫اإليمان و الثبات على المبدأ و عدم الخوف من الباطل ‪ ,‬و عن‬
‫ابن عباس عن رسول هللا –صلى هللا عليه و سلم – " من‬
‫أسخط هللا في رضي الناس سخط هللا عليه ‪ " .. ..‬الحديث‬
‫• فعلى المسلم أن يتجاهل حماقات الحمقى و أن يستخف بما يلقاه‬
‫من ظلم و سخرية و استنكار عندما يخرج عن مسيرة الباطل أو‬
‫يشذ عن‪  ‬عرف الجهال ‪ ,‬و أن يقول رأيه بثبات و ال يخشى فى‬
‫هللا لومه الئم ‪ ,‬وأن يمضى إلى غايته بثقة في عون هللا و‬
‫تأييده ‪ ,‬ال يخشى من قسوة النقد أو الهمز و اللمز أو تجريح‬
‫األلسنة مادام على حق ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬تعديل السلوك بالتأمل و التفكير‬
‫• من اإلعجاز السلوكي في القرآن و السنة أن يتفقا مع أحدث‬
‫دراسات علم النفس و أبحاث العالج و تعديل السلوك اإلنساني و‬
‫مع مدارس العالج المعرفي السلوكي‪Cognitive behavior( ‬‬
‫‪ )al therapy‬التي أسسها ‪ ‬أرون بيك ‪ ""Aaron Beck ‬و‬
‫مدرسة العالج العقالني ‪"  "Rational Emotive Therapy‬‬
‫التي أسسها ‪ ‬ألبرت إليس ‪ ...   ""Albert-Ellis‬و غيرها‬
‫و التي كشفت و فندت الكثير من االفتراضات الخاطئة للتحليل‬
‫النفسي التقليدي و المدارس التابعة له‪ ..‬و جميع هذه االتجاهات‬
‫الحديثة تعتمد في تعديل سلوك الفرد على تعديل التفكير و المفاهيم‬
‫و التصورات السلبية الخاطئة‪.‬‬
‫• ويرى عالم النفس " كانفر‪  " Kanfer‬ومن جامعة إلينوي بأن‬
‫فاعلية العالج النفسي و تعديل سلوك اإلنسان يعتمد في األساس‬
‫على عوامل ذات طابع ذهني و فكري ‪ ,‬و قد أكد ‪  ‬ولبي ‪ ‬‬
‫"‪ "Wolpe‬أن التغيرات االيجابية في السلوك تحدث نتيجة تأكيد‬
‫الذات و أنها تشمل ضمنا ً تغير في طريقة تفكير الفرد و في تقديره‬
‫لألشياء ‪ ,‬و أن مخاوف الفرد تكون في كثير من األحيان مبالغات‬
‫و تشويه للواقع و يحدد الرسم التخطيطي التالي العالقة بين‬
‫التفكير و االنفعال و السلوك و أنها عالقة دائرية متصلة يدخل‬
‫فيها الدوائر العصبية التي تتحكم في النشاط العصبي و الهرموني‬
‫للجسم ولقد حرص القرآن الكريم على دعوة اإلنسان للتفكر و‬
‫التدبر و التأمل و التعلم و قد اتبع الرسول في كل مواقفه هذا‬
‫المنهج و جسده فكراً و عمالً‪.‬‬
‫• فالقرآن الكريم بدأ آياته بدعوة اإلنسان للتعلم " أقرأ" و‬
‫كرر توصية اإلنسان بالتفكر " أولم يتفكروا في أنفسهم‬
‫ما خلق هللا السماوات و األرض وما بينهما إال بالحق و‬
‫أجل مسمى"(الروم)‪" ..‬و في أنفسكم أفال تبصرـون"‪!..‬‬
‫• ولقد كان أول شئ علمه هللا تعالى ألدم عليه السالم هو‬
‫أسماء جميع األشياء " وعلم أدم األشياء كلها"و تؤكد‬
‫الدراسات الحديثة أن تعلم أسماء األشياء هو تعلم‬
‫المفاهيم و الرموز و القدرة على التفكير التجرـيدي و‬
‫هي أهم خطوات تعلم التفكير التي تساعد على التحليل و‬
‫التركيب و المقارنة و التمييز واتخاذ القرارـات وحل‬
‫المشكالت‬
‫ثالثا‪ :‬النمذجة و المحاكاة‬
‫• أستخدم الرسول –صلى هللا عليه و سلم – أسلوب تقديم نماذج سلوكية تطبيقية‬
‫في مواقف حية ‪ ( overt modeling‬وربما كان هذا من أحد أباب نزول‬
‫القرآن منجما ً حسب األحداث و المواقف) والتي تمثل أفضل أساليب التعلم و‬
‫أكثرها تأثيراً ‪ ,‬فقد قدم القدوة و عرض طريقه و أسلوب السلوك الصحيح في‬
‫كل موقف من المواقف ‪ ,‬و استعان بالتصوير و التجسيد و تنشيط المخيلة و‬
‫القدرة على التوقع و التصور ‪ ,‬كما استعان بالقصص و األمثال و تجسيد‬
‫المشاهد و تقديم البيانات اللفظية و العملية ليشرح المواقف التعليمية التي‬
‫تسهل عمليات التعلم و تساعد اإلنسان على تغيير تصرفاته و التغلب على‬
‫العادات و السلوكيات السلبية‪.‬‬
‫• ولقد أتاح ذلك للمسلمين التعلم بالمالحظة كأحد أهم وأحدث أساليب‬
‫التعلم وتعديل السلوك والتي وردت في دراسات العديد من العلماء‬
‫المعاصرين و منهم أ لبرت باندورا‪    " " Albert Bandora‬و‬
‫في أبحاث أصحاب نظرية التعلم االجتماعي ‪Social‬‬
‫‪.(observational) learning‬‬
‫العالج النفسي الذـاتي بالقرـآن‬
‫• منذ أكثر من عشرة سنوات‪ ..‬وبعد صدور كتاب "وداعا ً‬
‫للقلق‪ ..‬بالعالج النفسى الذاتى"‪ ..‬متضمنا أحدث أساليب‬
‫العالج النفسى الذاتى التى ابتكرها وطورها مجموعة من‬
‫كبار علماء النفس والعالج النفسى حتى أصبحت هذه‬
‫مدارس وأساليب واسعة االنتشارـ فى أمريكا والعديد من‬
‫الدول الغربية‪ ..‬إن حاجة اإلنسان العربي والمسلم فى‬
‫هذا العصر الملىء بالصراعات واالضطرابات إلى طرق‬
‫وأساليب فى العالج النفسى الذاتى تمكنه من عالج‬
‫مشكالته النفسية التى دون الحاجة للذهاب إلى الطبيب‬
‫النفسى‪ ،‬وأيضا كأساليب مساندة للعالج الدوائى‬
‫(بالعقاقير) الذى يصفه الطبيب ‪ ..‬خاصة اذا كان الطبيب‬
‫اليعطى مريضه الوقت الكافى للمناقشة والحوار وفهم‬
‫صراعاته ومشكالته وآفكاره وأنفعاالته‪.‬‬
‫• بالفعل كانت مسئولية ضخمة أن ابحث عن أساليب عالجية‬
‫جديدة ومبتكرة‪ ..‬نابعة من القرآن الكريم وأخرـى من السنة‬
‫المطهرـة ‪،‬ووضعها فى إطارـ عصرـى وبمنهج علمى حديث‬
‫يعالج مشكالت اإلنسان النفسية التى يعانى منها الفرد فى‬
‫هذا العصر ‪,‬بلغته وأدواته) وبطريقة مبسطة يسهل ألى‬
‫شخص ان يستخدمها للتخلص من اضطرـاب أو مشكلة أو‬
‫مرض نفسى‪ ،‬وباتباع المنهج العلمى فى التجريب‬
‫وتشخيص المرض وفق أحدث مناهج التشخيص ‪ ,‬ثم إختيار‬
‫العالج ومقارـنته بأساليب عالجية أخرـى ‪ ,‬وبعد التطبيق تم‬
‫قياس النتائج باختبارات علمية مقننة‪ ،‬وفى حاالت كثيرـة‬
‫تمت إعادة التجرـبة على عينات مختلفة من المرضى الذين‬
‫تم اختيارهم بطرـيقة عشوائية‪  .‬‬
‫• وبالفعل أجريت سلسلة من الدراسات العملية لالستفادة‬
‫من القرآن الكريم فى عالج عدة أمراض ومشكالت‬
‫نفسية مختلفة مثل القلق‪ ،‬والخوف‪ ،‬والوسواس‬
‫القهرـى وخالفه‪ .‬وكانت النتائج فى ‪ %80‬من الحاالت‬
‫تفوق نتائج العالج النفسى بأساليب ومدارـس غربية‪.‬‬
‫لقد أكدت هذه الدرـاسات قوة الجانب الدينى فى‬
‫الشخصية العربية‪ ..‬وان الكثيرين يلجأون إليه بدون أى‬
‫توجيه فى لحظات الشدة واأللم النفسى‪ .‬ان الشخصية‬
‫العرـبية تميل إلى االسلوب الذى تتبعه مدارس العالج‬
‫المعرـفى "آلرـون بيك" والعالج العقالنى "أللبرت‬
‫إليس" ‪.‬‬
‫• ألنها تلجأ إلى العالج عن طريق مخاطبة العقل الواعى وتعديل التفكير‬
‫من خالل المناقشة المنطقية ودحض األفكار االنهزامية الخاطئة وغير‬
‫المنطقية وعدم الخوض فى العقد الجنسية والالشعور وخالفه ‪ ..‬وهذا‬
‫األسلوب يتوافق تماما ً مع أسلوب القرآن الكريم فى عالج النفس‬
‫وتصحيح إنحرافها‪ .‬وكثيراً ما شاهدنا بعض المرضى العرب يرفضون‬
‫إكمال العالج بالتحليل النفسى أو باألساليب المماثلة له النها تضعهم فى‬
‫صراع مع الذات ومع المجتمع‪ ،‬النها بشكل مباشر أو غير مباشر تدفع‬
‫المريض إلى إشباع رغباته وغرائزه بدون أن تحدد له الطريقة‬
‫المناسبة لمفاهيم وقيم المجتمع‪ ،‬كما أنها تهمل مناقشة األفكار‬
‫والمشكالت الحالية للمريض‪.‬‬
‫• وإذا كان البعض يدعى ان الطب النفسى وعلم النفس العالقة لهما‬
‫بالدين‪ ،‬فأننا نؤكد خطأ هذا االدعاء وعدم صحته تماما ً خاصة فيما‬
‫يتعلق بجزئية العالج النفسى حيث تصبح القضية هى تعديل اعتقادات‬
‫وافكار ومفاهيم مرتبطة أشد االرتباط باألخالق والعادات والدين‪ .‬لقد‬
‫اعتمد العالج النفسى على مر العصور على الدين واستعان به لمساعدة‬
‫االنسان على مواجهة لحظات الهزيمة واأللم واليأس ‪،‬‬
‫• وان إساءة استخدام البعض لهذه الجوانب‬
‫المشر‪M‬قة فى حياة البشر ال يجعلنا نرفضها أو‬
‫ندير‪ M‬ظهرنا لها‪ .‬ان تجاهل الحضارة الغربية‬
‫ألهمية الجوانب الروحية والدينية وضعها اآلن‬
‫فى مأزق وهى تكتشف‪ M‬كل يوم آثار األيمان‬
‫واالعتقاد فى النشاط النفسى والذهنى بل وفى‬
‫تغيير بيولوجيا الجهاز العصبى وكافة أجهزة‬
‫الجسم‪ ،‬وعلى سبيل المثال فقد تم التأكد بصورة‬
‫جازمة على ازدياد قدرة جهاز المناعة على‬
‫قهر األمراض المختلفة‪ ,‬حتى تلك األمر‪M‬اض‬
‫الخبيثة‪ ,‬عندما ينجح األنسان فى توظيف‬
‫طاقات األيمان الهائلة الموجودة داخله‪.‬‬
‫• ولقد أدرك عالم النفس األمريكى وليم جيمس‬
‫‪ William James‬أهمية األيمان لألنسان‬
‫لتحقيق التوازن النفسى ومقاومة القلق ‪ ,‬أما عالم‬
‫النفس األشهر كارل يونج ‪ Carl Jung‬فقد قال ‪:‬‬
‫" لم أجد مريضا ٌ واحدا ٌ من مرضاى الذين الذين‬
‫كانوا فى المنتصف الثانى من العمر ‪ ,‬من لم‬
‫تكن مشكلته األساسية هى إفتقاره الى وجهة‬
‫نظر دينية فى الحية " ‪ .‬ولقد أكدت عدة دراسات‬
‫نشرت فى الغرب ‪,‬وتنطبق علينا أيضا ٌ ‪ ,‬عدم‬
‫أهتمام األطباء والمعالجين النفسيين بالدين‬
‫ومبادئه السمحة فى األستقامة واألحسان‬
‫والتسامح ‪ ,‬ودورها فى الصحة النفسية للفرد ‪,‬‬
‫• وهذه األساليب يمكن االستفادة منها بواسطة الشخص‬
‫المتخصص أو غير المتخصص ‪ ..‬كما يمكن استخدامها‬
‫بمفردها أو مع الدواء الذى نحرص دائما ان يكون تحت‬
‫أشراف الطبيب المتخصص‪ ..‬ويمكن أستخدامها أيضا مع‬
‫أساليب عالج نفسى أخرى لتعديل جوانب محدده من‬
‫الشخصية والسلوك ‪ .‬لقد تأكد أن اكثر العالجات النفسية‬
‫فائدة وتأثيراً‪ ،‬هى ما أرتبط منها بالدين والثقافة‬
‫والبيئة‪..‬‬
‫• ويؤكد النرت )‪ Lannert, J. (1991‬أ ن فى دراسته الشهيرة التى نشرت فى‬
‫مجلة علم النفس اإلنسانى أن نسبة كبيرة من األطباء والمعالجين‬
‫النفسيين ال يتلقون تعليما ٌ أو تدريبا ٌ كافيا ٌ عن الدين وأثره فى الصحة‬
‫النفسية والعالج النفسى ‪ ,‬وقد شكلت الجمعية األمريكية للطب النفسى‬
‫فريقا من الباحثين ‪ Task Force‬لدراسة الجوانب الدينية والروحية وآثارها‬
‫على الصحة النفسية وتخصيص موضع لها ‪ V Code‬فى الدليل‬
‫األحصائى لألمراض النفسية ‪ , DSM – IV‬مما يشكل دافعا ٌ آخر لنا‬
‫لألهتمام بالعالج النفسى الدينى وتطويره خاصة مع ضعف النتائج‬
‫والفشل فى عالج بعض األمراض النفسية واألدمان فى المنطقة العربية‬
‫والتى أكدتها أكثر من دراسة من منظمة الصحة العالمية ‪ WHO‬وغيرها ‪.‬‬
‫• نقدم هذه المجموعة من أساليب العالج النفسى الذاتى الدينى التى‬
‫تستند إلى آيات عظيمة من القرآن الكريم وتطبيقات عملبة وسلوكية‬
‫ونماذج حية قدمها الرسول –صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬ومن خالل عدة‬
‫أساليب عالجية تختلف تماما ً عما هو شائع من طرق العالج بالقرآن‪..‬‬
‫• ولقد لوحظ من خالل الممارـسات األكلينيكية الطويلة ان‬
‫بعض المرضى يعالجون أنفسهم ذاتيا بقراءة القرـآن‬
‫بعمق وخشوع وتأمل لمعانيه ‪ ,‬وأنهم ينجحون غالبا ً فى‬
‫خفض درـجة توترـهم والتغلب على مشاعر الخوف‬
‫والقلق والوساوس التى تسيطر على أذهانهم بدرـجة‬
‫كبيرة تساند العالج الدوائى وأساليب العالج األخرى ‪.‬‬
‫ولقد شجعنى هذا على االستفادة من العالج بالقرآن‬
‫بإبتكارـ أساليب علمية تستند إلى ما تدعو إليه بعض‬
‫اآليات مع طريقة عملية تقوم على التجريب والقياس‬
‫العلمى المنضبط للعالج بالقرـآن ‪ ..‬بصورة ذاتية‪..‬‬
‫يمارـسها الشخص بنفسه بعد ان يشرحها له الطبيب‬
‫المعالج ويدرـبه عليها‪ ..‬او بعد أن يطلع الشخص بنفسه‬
‫عليها ويفهمها جيداً‪..‬‬
‫• والعالج النفسى من خالل الدين موجود فى الغرب من قديم اآلزل‬
‫على يد "أب االعتراف" الذى كان يسمح للمريض بالتنفيس عن‬
‫همومه وآالمه‪ ..‬والتطهر من مشاعر الذنب‪ ..‬والتخفف من وطأة‬
‫الصراع النفسى‪ ..‬وبالطبع فان ذلك يضعنا أمام مسئوليتنا‬
‫وضرورة إبتكار وتطوير أساليب للعالج النفسى مستمدة من‬
‫ديننا الحنيف‪ ..‬وهو ثرى بإرشاداته وتوجيهاته فى التعامل مع‬
‫النفس اإلنسانية‪ ..‬وكيفية تعديل مواطن الضعف والمرض‬
‫واالعوجاج فيها‪ .‬وألن المرض النفسى عمله ذات وجهين‬
‫أحدهما نفسى معنوى أخالقى واألخر بيولوجى جسمانى فان‬
‫العالج يجب ان يكون متكامالً يعالج آالم النفس بالكلمة‬
‫والمناقشة وتعديل التفكير والسلوك‪ ..‬ويعالج الجسم الذى أختلت‬
‫وظائفه بالدواء‪0‬‬
‫• مما يؤكد أهمية الدمج بين العالج بالعقاقير واألدوية والعالج‬
‫النفسى والدينى فى عالج تكاملى شامل ‪ .‬ويرى "جالسر" وهو‬
‫رائد مدرسة العالج بالواقع‪ ..‬ان الصحة النفسية ترتبط باخالقيات‬
‫الفرد وبالقيم والمفاهيم التى يتبناها‪ ..‬اكثر من ارتباطها بأشباع‬
‫الغرائز‪ ..‬وان الصحة النفسية هى السلوك السوى الذى يمكن‬
‫الفرد من إشباع حاجاته فى اطار الواقع مع مراعاة حقوق‬
‫اآلخرين والمجتمع‪ ..‬ويؤكد "جالسر" على ضرورة وجود عالقة‬
‫إنسانية قوية صادقة بين الطبيب المعالج والمريض‪ ..‬وليست‬
‫بالطبع مثل تلك العالقة العابرة التى يصف فيها الطبيب الدواء‬
‫للمريض ويكتفى بذلك‪ .‬وهكذا لم نبعد كثيراً عما جاء به القرآن‬
‫منذ مئات السنين! "وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة‬
‫للمؤمنين واليزيد الظالمين إالخساراً” ‪( .‬االسراء) وأساليب العالج‬
‫النفسى الذاتى الدينى التي اختبرها الباحث وقدمها في عدد من‬
‫الدراسات واألبحاث في مؤتمرات دولية متعددة ‪ ,‬نستعرض منها‬
‫ما يلي ‪ :‬‬
‫‪-1‬أسلوب‪ :‬أستبصار النفس بالمالحظة‬
‫‪-2‬أسلوب‪ :‬العالج بتأمل ذكر هللا‬
‫‪-3‬أسلوب‪ :‬تزكية السمات والصفات اإليجابية‬
‫‪-4 .‬تطبيق منهج الرسول ـ ص ـ في تعديل السلوك ( باستخدام‬
‫أسلوب النمذجة "تقديم نماذج عملية"‪ ,‬القصص‪ ،‬األمثال‪ ،‬مهارات‬
‫التواصل ) البيانات العملية وكذلك أسلوب التدعيم والمكافأة‬
‫‪-5 .‬الخلوة العالجية والتأمل‬
‫‪-6‬الضبط الذاتي ‪ :‬التعلم والتحلم وعالج الغضب ( القوة النفسية‬
‫) ‪-7‬أسلوب التشبع بالرضا‪.‬‬
‫• ‪ .‬وهذه االساليب التتعارض ‪ -‬بل تكمل‪ -‬دور ووظيفة العالج‬
‫الدوائى الذى يصفه الطبيب المتخصص‪ ..‬وهى تهدف إلى تنمية‬
‫الوظائف الذهنية والمعرفية ‪ 0‬وقد حقق أستخدام هذه األساليب‬
‫نتائج ممتازة وملحوظة فى العديد من المشكالت واالضطرابات‬
‫النفسية ولقد كان للمريض ‪ -‬فى أغلب الحاالت – الدور الرئيسى‬
‫فى تحمل مسئولية العالج وتنفيذ خطواته ‪ ,‬و هو الذى يقرأ‬
‫القرآن ويردد اآليات المحددة ‪ ..‬اللهم إال فى حاالت قليلة التى‬
‫كان يسمح فيها لبعض األقارب أواألصدقاء بالجلوس مع‬
‫المريض ومساعدته ‪ 0‬ويجب ان نحذر هنا من التطرف والمغاالة‬
‫فى الجوانب الدينية والعقائدية ‪ ..‬حيث ثبت ‪ -‬بما اليدع مجاالً‬
‫للشك ‪ -‬االثر السلبى للتعصب والتطرف على سالمة التفكير‬
‫وعملياته المختلفة‪ 00‬وضرورة إدراك أن العالج الدينى يقوم فى‬
‫األساس على تنمية وغرس القد رة على التسامح وقبول اآلخر‬
‫والتوافق مع المجتمع ‪0‬‬
‫العالج بتأمل ذكر هللا ‪:‬‬ ‫•‬
‫أظهرت الدراسات النفسية التأثير المباشر لذكر هللا وتأمل معاني القرآن‬ ‫•‬
‫على عمليات التفكير بدرجة يمكن االستفادة منها فى العالج النفسي‪ .‬وفى‬
‫الغرب ظهرت فى اآلونة األخيرة عدة دراسات تؤكد دور التفكير والعوامل‬
‫الذهنية المختلفة فى االضطرابات النفسية وتدحض وتفند فى نفس الوقت‬
‫آراء التحليل النفسي والنظريات المماثلة التى ربطت شخصية الفرد‬
‫وسلوكه بأحداث الطفولة‪ ،‬والعقد الجنسية والالشعور ودرجة إشباع الغرائز‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫لقد أيدت دراسات حديثة وتجارب علماء معاصرين إمكانية تعديل أفكار‬ ‫•‬
‫ومفاهيم الفرد وسلوكه ‪ ،‬والتحكم فى عمليات التفكير أثناء حدوثها باإليقاف‬
‫أو طرد األفكار غير المرغوبة ‪ ،‬مع غرس أفكار أو عبارات تحل محل‬
‫األفكار االنهزامية أو المرضية غير المرغوبة‪.‬‬
‫أيضا أثبتت التجارب "دوالرد" و"ميللر" أن االستجابة االنفعالية للشخص‬ ‫•‬
‫تتوقف على استخدام اللغة واالستدالل الرمزي‪ ..‬وعلى المعاني الذى يقولها‬
‫الفرد لنفسه ويقتنع بها‪.‬‬
‫ويرى عالم النفس "كانفر" بأن فاعلية األنماط الرئيسية فى العالج النفسي‬ ‫•‬
‫الحديث تعود إلى طريقة وأسلوب التفكير‪ ،‬وقناعة المريض بمعاني‬
‫ومعتقدات معينة‪ ،‬مما يؤثر بالتالي على إدراك المريض للواقع إن كان‬
‫محايداً أو يحمل فى طياته عناصر تهديد وخطر‪.‬‬
‫• كما وصف "ماهونى" من كمبريدج أهمية عدد من‬
‫التجارب التى ابتكرها بعض تالميذ العالم "بافلوف"‬
‫حول ارتباط االستجابات االنفعالية للفرد بما يفكر فيه‬
‫ويرـكز ذهنه عليه‪ .‬أى أن الشخص يمكن أن يستثير‬
‫نفسه انفعاليا ً فيشعر بالتوترـ والقلق والخوف ‪ ،‬أو يبث‬
‫الطمأنينة فى نفسه بان يركزـ تفكيره ويردد لنفسه‬
‫عبارات ومعاني تحض على ذلك‪ ،‬وعلى سبيل المثال إذا‬
‫ردد الشخص عبارة مثل (اننى سأنجح فى إنجاز ذلك‬
‫العمل وان إرادتي قوية ال تلين)‬
‫فان حالته االنفعالية والمزاجية تتحول إلى األفضل بما يساعد على إنجاز العمل‬ ‫•‬
‫بالفعل‪ ،‬وينجح الجسم فى شحذ كافة قدراته البيولوجية والنفسية فى هذا االتجاه‪..‬‬
‫بعكس إذا قال الفرد لنفسه (أنني سأفشل‪ ،‬فأنا ضعيف اإلرادة وال أستطيع إنجاز هذا‬
‫العمل)‪ ..‬ففي مثل تلك الحالة ينخفض أداؤه وتنخفض أيضا ً قدراته البيولوجية‬
‫والنفسية بحيث يهزم نفسه بالفعل ويفشل حسب ما توقع‪ ..‬وحسب ما أعد نفسه‪.‬‬
‫‪ ‬نالحظ هنا أن التفكير واإليحاء الذاتي يحركان قدرات الفرد‪ ،‬ويؤثران فى توقعاته‬ ‫•‬
‫وانفعاالته وسلوكه‪.‬‬
‫وعلى سبيل المثال فان الشخص المكتئب إذا أوحى لنفسه بشيء من األمل من خالل‬ ‫•‬
‫تكرار وترديد فكره أو عبارة توحي بالتفاؤل فإن االكتئاب يقل بصورة ملحوظة‪ .‬أى‬
‫أن تغيير أو تعديل أفكار الفرد يؤدى بالتالي إلى تغيير وتعديل السلوك واالنفعال‪.‬‬
‫كذلك فان كل سلوك يصاحبه أفكار وانفعاالت معينة ‪ ..‬فمثالً إذا كان اإلنسان يمارس‬ ‫•‬
‫الجنس فانه ال يستطيع أن يفكر فى شيء محزن أو مفرح بل البد وان يوظف أفكاره‬
‫وتخيالته وانفعاالته فيما يمارسه‪ ..‬وإذا كان اإلنسان حزينا فال يستطيع أن يفكر فى‬
‫أمر مضحك‪ ..‬لذلك فإن تعديل التفكير يترتب عليه بالتالي تعديل االنفعال والسلوك‪..‬‬
‫وأنه يمكننا أن نستخدم تلك القاعدة فى العالج‪ .‬ولقد تأكد ‪ -‬كما ذكرنا ‪ -‬إمكانية‬
‫غرس وإحالل معاني وأفكار محل أخرى‪..‬‬
‫• وهذا يعنى القدرة على تعديل السلوك واالنفعال ‪ ..‬بل‬
‫والنشاط العصبي والهرموني للجسم بمجرد تعديل‬
‫التفكير ‪ ,‬مع التركيز على فكرة أو عبارة وتكرارها ‪،‬‬
‫وكلما كانت الكلمات التى يرددها الفرد ذات معان سامية‬
‫و مصداقية دينية راسخة – و هذا ما يحدث فى حالة‬
‫ذكر هللا – كلما أستطاع التحكم فى نشاطه الذهني ‪,‬‬
‫وكلما كان أقدر على التخلص من األفكار السلبية‬
‫واالنهزامية ومن المخاوف والواسوس المسببة للتوتر‬
‫والمرض النفسي خاصة إذا صاحب تكرار وترديد هذه‬
‫األذكار تأمل لمـعنى كلماتها وتخيل لألماكن المقدسة أو‬
‫السماء والبحر الممتد بال نهاية شاهدا ٌ على قدرة‬
‫وعظمة الخالق ‪ ..‬جل جالله‪.‬‬
‫• ‪ .‬ويجدر أن نستعرض أخطاء التفكير الشائعة التى تؤدى إلى أغلب‬
‫االضطرابات النفسية ‪ ,‬والتي يمكن للعالج بتأمل ذكر هللا مساعدة‬
‫الشخص على طردها من الذهن أو إعاقة تأثيرها السلبي أو إيقافها‬
‫أو إبدالها بأخرى ايجابية ‪ ..‬كاآلتي‪:‬‬
‫• أخطاء متعلقة بمحتوى األفكار والمفاهيم والمعتقدات ‪:‬‬
‫• األول‪:‬أخطاء تتعلق بأسلوب وطريقة التفكير‪.‬الثاني‪ :‬األخطاء‬
‫المتعلقة بمحتوى األفكار والمفاهيم‪:‬وتشمل أخطاء محتوى التفكير‬
‫الكثير من المعتقدات والمفاهيم واألفكار الخاطئة ووجهات النظر غير‬
‫المنطقية أو المبالغ فيها‪ ،‬وكذلك التصورات الخاطئة واالتجاهات‬
‫المريضة التى تنتهي بهزيمة الفرد فى مواجهة مواقف الحياة‬
‫المختلفة‪ .‬مثل أن يعتقد الفرد أنه أفضل من اآلخرين ويجب أن‬
‫يحترمه الجميع‪ ،‬أو أن يعتقد انه مضطهد من الجميع ألنه فقير أو‬
‫من أسرة غير معروفة‪ ،‬أو يعتقد أن جميع النساء يجب أن يعاملن‬
‫بالقسوة‪ ،‬أو مثل المرأة التى تعتقد أن جميع الرجال خائنين وال أمان‬
‫لهم‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬األخطاء المتعلقة بأسلوب وطريقة التفكير‪:‬‬ ‫•‬
‫التطرف فى األحكام‪ :‬حيث يرى الفرد األشياء إما سوداء أو بيضاء‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫وهو يكره ويحب دون توسط أو اعتدال‪.‬‬
‫التصلب‪ ،‬ومواجهة المواقف المختلفة المتنوعة بطريقة تفكير واحدة‬ ‫‪.2‬‬
‫المبالغة‪ ،‬مثل المبالغة فى تفسير الموقف مما يؤدى إلى إثارة انفعاالت‬ ‫‪.3‬‬
‫القلق أو الخوف‪ ،‬وكذلك المبالغة فى تقدير اآلخرين سلبا ً أو إيجابا ً مما‬
‫يؤدى إلى اضطراب العالقة بهم‬
‫التعميم‪ :‬وهو أسلوب من التفكير يؤدى تعميم الخبرات الجزئية تعميما ً‬ ‫‪.4‬‬
‫سلبيا ً مما يؤدى بالتالي إلى العديد من األنماط المرضية خاصة‬
‫االكتتاب والفصام‪.‬‬
‫الثنائية واالزدواجية‪ :‬وهى جزء من معاناة الشخصية المتسلطة ضيقة‬ ‫‪.5‬‬
‫األفق التى تفتقد إلى المرونة‪ ،‬لذا تضطر دائما ً أن تمارس دوراً فى‬
‫العلن وتتبنى عكسه فى الخفاء‪.‬‬
‫التجريد االنتقائي‪ :‬حيث يعزل الفرد خاصية معينة من سياقها ويؤكدها‬ ‫‪.6‬‬
‫فى سياق آخر مثل الذى يؤكد على أنه غير مرغوب فيه من الجميع إذا‬
‫لم يرحب به أحد الحاضرين‪.‬‬
‫‪ .7‬أخطاء الحكم واالستنتاج ‪ :‬الحساسية للنقد وتضخيم‬
‫المواقف واألحداث‪ .‬ويؤكد أغلب الباحثين أن استمرار‬
‫التفكير والتخيل بطريقة خاطئة بتحول إلى عادة مرضية‬
‫يفقد معها الفرد إدراكه الموضوعي للواقع وتقييمه‬
‫الصحيح للذات‪ ،‬وإلى اعتياد المبالغات االنفعالية مع توقع‬
‫الخطر من مثيرات ال تتضمن أى تهديد للذات‪ ،‬وينتج عن‬
‫تبنى أساليب التفكير الخاطئة هذه انفعاالت ومشاعر‬
‫سلبية عديدة (كالخوف‪ ،‬التوتر‪ ،‬الحزن( وأخطاء التفكير‬
‫المذكورة إذا تزايدت تسببت فى تشويه صورة الذات‬
‫والواقع وحركت وجدان الفرد وانفعاالته وسلوكه فى‬
‫االتجاه المرضى‪ ..‬وإذا أستمر هذا التزايد فى تشويه‬
‫وتحريف الواقع تحولت هذه األفكار إلى ضالالت‬
‫وهذاءات يصعب مناقشتها أو تعديلها بالمنطق‪.‬‬
‫• ومن العوامل التى تساعد على تحول أخطاء التفكير إلى أعراض‬
‫مرضية التربية التى تعتمد على التمركز حول الذات والعجز عن‬
‫فهم اآلخر والتعاطف معه‪ ،‬وما يترتب على ذلك من ريبة وشك‬
‫وسوء تفسير كل موقف يتفاعل فيه الفرد مع اآلخرين‪.‬‬
‫• وأسلوب "العالج بتأمل ذكر هللا" ‪ ..‬تقوم فكرته على تدريب‬
‫المريض أو صاحب المشكلة على التحكم فى عمليات التفكير‬
‫وتنمية قدراته على طرد وإيقاف األفكار الهدامة السلبية ‪ ،‬بغرس‬
‫آيات القرآن واألذكار لتحل محل أو تطرد أو توقف االفكار‬
‫المرضية السلبية‪ ،‬وذلك فى جو يسمح بالتأمل الذهني والتخيل‬
‫اإليجابي والتحكم فى درجة الوعي وعمليات التفكير المختلفة ‪.‬‬
‫• وقد رأينا كيف أن العديد من مدارس العالج النفسي الناجحة والمنتشرة فى العالم‬
‫اآلن تضع برنامجا تهدف إلى عالج الفرد من خالل تعديل تفكيره وتنمية قدرته‬
‫على الضبط الذاتي وإيقاف سلسلة األفكار االقتحامية السلبية التى تثير مراكز‬
‫االنفعال‪ ،‬باالستعانة بعدة طرق مثل تكرار عبارات تساعد على اإليحاء الذاتي أو‬
‫كأن يقوم المريض بتوجيه انتباهه لمثير آخر‪..‬‬
‫• وتتم عملية تدريب المرضى وأصحاب المشاكل النفسية على التحكم فى أذهانهم‬
‫وطرد األفكار االنهزامية الحزينة أو المخيفة وإيقاف الوساوس المزعجة من خالل‬
‫تأمل ذكر هللا‪ ..‬اى ترديد وتكرار اآليات واألذكار والشخص فى حالة تأمل‬
‫واستغراق ذهني عميق يساعد على غرس معاني ذكر هللا ويشبع العقل بكل كلمة‬
‫تذكر هللا وقدرته على المساعدة والعون‪ .‬بل ويشبع العقل إلى حد تعطيل كل‬
‫الدوائر الذهنية األخرى المحملة بأفكار وتصورات سلبية هدامة‪.‬‬
‫• ولقد أكد ظهور موجات ألفا فى تخطيط الدماغ لبعض المرضى الذين مارسوا‬
‫العالج النفسي الذاتي بالقرآن مع التغيرات االيجابية األخرى مثل انخفاض سرعة‬
‫التنفس وضغط الدم وتناقص سرعة ضربات القلب إلى فعالية هذا األسلوب‬
‫العالجي نفسيا بيولوجيا‪ .‬إال أن هذا الجانب التجريبي قد توقف لعدم توافر‬
‫اإلمكانيات‪.‬‬
‫خطوات استخدام أسلوب تأمل ذكر هللا‪:‬‬ ‫•‬
‫يجب أن يتبع الفرد الخطوات التالية التى تساعد على التهيؤ والتأمل الذهني للتأثير‬ ‫•‬
‫الفعال على درجة الوعي وعمليات التفكير حتى يتمكن من إيقاف وطرد األفكار‬
‫والتصورات السلبية والتخلص منها‪ ،‬ويفضل البدء بتسجيل االنفعاالت واألفكار فى‬
‫الجدول التالي قبل ممارسة التدريب‪ ..‬وان يتبع الخطوات التالية‪:‬‬
‫أن يمارسه فى مكان هادئ ‪ ..‬مريح‪ ..‬خال من اإلزعاج والمؤثرات المشتتة لالنتباه‪.‬‬ ‫•‬
‫أن يمارسه وهو جالس على مقعد مريح منتصب الظهر‪ ..‬ويفضل أن تتكرر الممارسة‬ ‫•‬
‫فى نفس المكان‪ -.‬أن يجعل الضوء خافت نوعا ً ‪ ..‬وجو الحجرة معتدل الحرارة‪.‬‬
‫أن يضع ساعة أو منبه أمامه‪ .‬يمكن استخدام بخور خفيف إذا أراد الشخص ذلك‪ .‬أن‬ ‫•‬
‫يفصل الحرارة عن التليفون‪.‬‬
‫أن يرتدى مالبس خفيفة غير ضيقة لتمكنه من االسترخاء‪.‬‬ ‫•‬
‫أن يتنفس بانتظام وعمق وبطء‪ ..‬وأن يالحظ تنفسه الهادئ العميق‪.‬‬ ‫•‬
‫أن يغلق عينيه خاصة خالل الدقائق الخمس األولى على أن تتجه العين وهى مغلقة إلى‬ ‫•‬
‫األمام ويمكن إن يفتحها بعد ذلك مع تركيز النظر على هدف ثابت ال يثير االنتباه‪.‬‬
‫أن يمنع العقل من الشرود والتفكير فى أى موضوع أو مشكلة‪ ..‬بان يركز فى البداية‬ ‫•‬
‫على مالحظة جسده المسترخي وأنفاسه المنتظمة‪ ..‬والهواء يدخل ويخرج من انفه‬
‫ورئتيه ببطء وعمق‪.‬‬
‫• بعد ذلك يبدأ فى ترديد وتكرار كلمات "ذكر هللا" أو تكرار آيات‬
‫قصيرة أو آية الكرسي بعمق بحيث يتردد صداها فى أركان نفسه‬
‫وكيانه‪ ..‬وأن يشبع عقله بها وان يطرد من ذهنه أى فكرة أخرى‬
‫فور ظهورها فى حيز الوعي‪ ..‬وال يعطى ذهنه أو تفكيره أى‬
‫فرصة للشرود بعيداً‪..‬‬
‫• وان يكون على يقين بأنه يقوم بطرد األفكار السلبية السيئة من‬
‫ذهنه اآلن مستعينا بهذه اآليات الكريمة واألذكار المطهرة‪.‬‬
‫يستمر هذا التدريب من ‪ 30 -10‬دقيقة أو أكثر ‪..‬‬
‫• ‪ .‬ولقد نجح بعض المرضى فى االكتفاء باستخدام بعض‬
‫خطوات هذا األسلوب وهذا األمر ممكن خاصة إذا كان‬
‫الشخص ليس لديه الصبر أو القدرة على الكتابة والمتابعة‬
‫• ‪ .‬وذكر هللا ‪ -‬كما ورد فى العديد من معاجم األلفاظ والتفسيرات ‪ -‬هو‬
‫"إقرار باللسان‪ ،‬وتصديق بالقلب"‪ ،‬أى أنه ترديد وتكرار مع تركيز‬
‫ذهني يوقظ المشاعر ويحرك القلب‪ ،‬وبالتالي يمكن أن يؤثر فى‬
‫محتوى وتيار التفكير ويساعد فى إيقاف وطرد األفكار والتصورات‬
‫المشوهة واالنهزامية المسببة للمرض واالضطراب النفسي وهذا ما‬
‫تأكد لنا من خالل تجريب إكلينيكي وعملي تم على مدار سنوات من‬
‫البحث والدراسة‪.‬‬
‫• وفى فضيلة الذكر وردت العديد من اآليات الكريمة مثل‪ :‬أال بذكر هللا‬
‫تطمئن القلوب" (سورة الرعد ( "فاذكروني أذكركم"( سورة البقرة) أذكروا هللا ذكراً‬
‫كثيرا(ً"سورة األحزاب)‪41:‬فاذكروا هللا قياما ً وقعوداً وعلى جنوبكم) سورة النساء)‪:‬‬
‫وتأمل معاني ذكر هللا ‪ -‬كما ذكرنا ‪ -‬هو أن تركيز اإلنسان ال يجب أن‬
‫ينحصر فى الترديد اآللي بالتكرار وإنما التركيز المتأمل فى معنى كل‬
‫كلمة وكل لفظ يصف قدرات هللا عز وجل أى أن يشعر اإلنسان بكل‬
‫كيانه بداللة وأهمية كل لفظ يردده عن هللا سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫• فذكر هللا يرتبط على الدوام بحضور القلب والمشاعر‪ ،‬أما الذكر باللسان والقلب اله‬
‫أى أن ذهن الفرد مشغول بهموم ومشاكل الحياة وبدون تركيز وتأمل فهو قليل‬
‫الجدوى‪ .‬وذكر هللا يتضمن ترديد عبارات "سبحان هللا"‪" ،‬هللا اكبر"‪" ،‬ال اله إال‬
‫هللا" "الحمد هلل" ‪" ،‬أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم " ‪" ،‬أعوذ باهلل من الخبث‬
‫والخبائث"‪ ..‬الخ أو ذكر نعم هللا ومحبته والشوق إليه كذلك ذكر أسماء هللا الحسنى‬
‫وترديدها‪.‬‬
‫• وفى حاالت أخرى تمت االستعانة بقراءة المعوذتين أو آية الكرسي عدة مرات‬
‫إليقاف وطرد األفكار والوساوس غير المرغوبة بنجاح أو التعوذ باهلل من الشيطان‬
‫ومن الخبث والخبائث‪ .‬ومن حديث معاذ بن جبل قال‪" :‬آخر كلمة فارقت عليها‬
‫رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬قلت‪" :‬يا رسول هللا أخبرني بأحب األعمال إلى‬
‫هللا عز وجل"‪ ،‬قال‪" :‬أن تموت ولسانك رطب بذكر هللا عز وجل"‪ .‬ومن األذكار‬
‫التى وردت عن الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم – ما يلي‪" :‬أعوذ بكلمات هللا‬
‫التامات من شر ما خلق"‪ .‬رواه مسلم‪" .‬بسم هللا الذى ال يضر مع اسمه شيء فى‬
‫األرض وال فى السماء وهو السميع العليم"‪" .‬اللهم أنت السالم ومنك السالم‬
‫تباركت يا ذا الجالل واإلكرام" "ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬له الملك وله‬
‫الحمد وهو على كل شيء قدير"‪" .‬ال حول وال قوة إال باهلل"‪.‬‬
‫• أما نص آية الكرسي ‪" :‬هللا ال إله إال هو الحي القيوم ال تأخذه‬
‫سنة وال نوم له ما فى السماوات وما فى األرض من ذا الذى‬
‫يشفع عنده إال بأذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وال‬
‫يحيطون بشيء من علمه إال بما شاء وسع كرسيه السماوات‬
‫واألرض وال يؤده حفظهما وهو العلى العظيم" صدق هللا‬
‫العظيم‪*****" .‬ويستخدم هذا األسلوب فى إيقاف وطرد‬
‫المخاوف والمفاهيم والتصورات واألفكار السلبية المخيفة أو‬
‫المتشائمة أو االنهزامية التى تتسبب فى إثارة مراكز االنفعال‬
‫بدرجة تؤدى إلى التوتر أو القلق أو االكتئاب أو الوسواس‬
‫القهري ‪ ..‬وغيرـها‪.‬‬
‫• كذلك فقد تكون االفكار السلبية غير واضحة فى ذهن الفرد‪ ..‬فقد تظهر‬
‫فى حيز الوعي على شكل تصورات أو تخيالت مخيفة أو مزعجه أو‬
‫على صورة توقعات مقبضه غير مكتملة المالمح والتفاصيل‪ .‬وللتخلص‬
‫من جميع تلك العوامل الذهنية من أفكار وتوقعات وتصورات غير‬
‫مرغوبة‪..‬‬
‫• نستخدم أسلوب تأمل ذكر هللا تبعا للخطوات المذكورة مصحوبا‬
‫باستخدام الجدول الذى ينظم استخدام هذا األسلوب ويزيد من فعاليته‬
‫إلى جانب ما يكتسبه الفرد من استبصار ووعى باالنفعاالت واألفكار‬
‫السلبية التى يعانى منها‪.‬‬
‫• هذا إلى جانب االرتباط الشرطي الذى يحصله الفرد عندما يالحظ ويقيم‬
‫درجة التحسن كل مرة من تأمله لذكر هللا‪ .‬علما بان بعض المرضى‬
‫كانوا يفضلون استخدام األسلوب بدون إتباع خطواته وبدون كتابة‬
‫المالحظات فى جداول ألسباب تتعلق بهم‪..‬‬
‫• وقد حققوا رغم ذلك نتائج طيبة ولكن درجتها ومدة استمراريتها كانت‬
‫أقصر نوعا ً من هؤالء الذين استخدموا الجداول بانتظام واتبعوا‬
‫الخطوات المذكورة‪.‬‬
‫• وخطوات استخدام الجدول كاآلتي‪:‬يمكن استخدام الجدول فى أى وقت‬
‫من اليوم وان كان يفضل أن يكون عقب شعور الفرد بانفعاالت أو أفكار‬
‫سلبية غير مرغوبة‪ ..‬كما يستخدم قبل ممارسة جلسة العالج بتأمل ذكر‬
‫هللا حسب الخطوات المذكورة من قبل‪ .‬تستخدم الخانة األولى لتحديد‬
‫اليوم والتاريخ والوقت‪ .‬تستخدم الخانتين الثانية والثالثة لتحديد‬
‫االنفعاالت السلبية واألفكار االنهزامية ودرجة شدتهما (من صفر إلى‬
‫‪ 10‬درجات) ‪ .‬الخانات السابقة يتم تسجيل البيانات الخاصة بها قبل‬
‫بدء جلسة العالج بتأمل ذكر هللا‪ .‬الخانة الرابعة يسجل الفرد فيها نص‬
‫اآليات أو األذكار التى رددها والمدة التى أستغرقها‪ ،‬علما بأن البعض‬
‫يحتاج لفترة تزيد عن النصف ساعة‪ .‬الخانة الخامسة واألخيرة تستخدم‬
‫بعد انتهاء الجلسة ويسجل الفرد فيها مقدار انخفاض حدة االنفعاالت‬
‫التى كان يعانى منها قبل جلسة العالج (من صفر إلى ‪ 10‬درجات( ‪.‬‬
‫• يستخدم هذا الجدول بعد استخدام أسلوب االستبصار بمالحظة الذات‬
‫بأسبوعين ‪ .‬كما يمكن البدء باستخدام أسلوب تأمل ذكر هللا مباشرة‪.‬‬
‫ولمدة ال تقل عن ثالثة شهور‪.‬‬
‫• أما عن شدة الصوت فإن مريض االكتئاب والحزن يحتاج أن يردد‬
‫األذكار أو اآليات المختارة بصوت قوى ومرتفع نوعا ً ينبه جهازه‬
‫العصبي و دافعيته وحماسه‬
‫• أما مريض القلق والتوتر والخوف فإنه يحتاج للترديد بصوت بطيء‬
‫عميق هادئ‪ ..‬مع إيقاع منتظم واثق يؤكد من خالله ذاته وثقته باهلل‬
‫وبنفسه‪ .‬وإذا كان الفرد ممن يستطيعون التحكم فى درجة االنتباه‬
‫والتركيز لما يردده من آيات أو أذكار فانه يستطيع ممارسة العالج‬
‫بتأمل ذكر هللا فى أى مكان و بدون التقيد بالخطوات المذكورة‪ ..‬ولكن‬
‫ليس أثناء قيادة السيارات أو الوقوف أمام آالت أو أجهزة تتطلب‬
‫االنتباه والتركيز‪.‬‬
‫أساليب ضبط النفس والتحكم في االنفعاالت‬
‫• عندما يواجه اإلنسان شيئا ً يمنعه من الوصول إلى هدفه أو‬
‫تحقيق ما يرغبه أو يعترض مسيرته نحو تحقيق أحالمه وأمانيه‬
‫‪ ..‬فإنه يشعر بوجود مشكله أو عائق يسبب له التوتر واإلحباط ‪,‬‬
‫وعندما يتزايد التنافس والتزاحم والصراع وتسيطر المفاهيم‬
‫والقيم المادية وتتراجع القيم الروحية والدينية واألخالقية ‪..‬‬
‫تتضاعف متاعب الناس ويتزايد العدوان المتبادل والمشاحنات ‪..‬‬
‫ويسقط الناس همومهم على بعض‪ ..‬وتكون هناك حاجة ملحة‬
‫لتعلم أساليب ضبط النفس والتحكم في االنفعاالت والتزود‬
‫بمهارات حل المشكالت والتفاوض‪.‬‬
‫• وتمثل الخلوة العالجية أحد طرق الضبط الذاتي والسيطرة على‬
‫النفس ‪ ..‬و اكتساب الهدوء والثبات وتجنب الرعونة والغضب‬
‫والتصرـفات الحمقاء التي قد تكلف الفرد خسائر ال حصر‬
‫لها ‪ ..‬وبالتالي فان الخلوة لها دورـ هام في تجنب المشكالت‬
‫وتفادي مضاعفاتها وإعداد الفرد لمواجهتها بأسلوب علمي‬
‫صحيح‪ ‬يعدل من أفكارـه الخاطئة وتفاعالته التي تسبق‬
‫مواجهة المشاكل المختلفة ‪..‬‬
‫• فاالسترخاء الذهني والروحي وطرد أو إعاقة األفكارـ المشوهة‬
‫والمخاوف والمبالغات االنفعالية ثم غرس قيم ومفاهيم إيجابية‬
‫عن التسامح والعفو ونبذ الغضب والثبات االنفعالي ‪..‬‬
‫• كذلك فإن محاكاة سلوكيات ومواقف الرسول ـ صلى هللا‬
‫عليه وسلم ـ والصحابة وكيفية معالجتهم لمثل هذه‬
‫المواقف – رـاجع توكيد الذات ‪ -‬يستطيع الشخص أن يعدل‬
‫من استجاباته وأن يحاكي هؤالء العظماء وقوتهم النفسية‬
‫في اجتياز هذه االختبارـات الصعبة بمهارة وثقة وثبات‪.‬‬
‫• فالشخص الذي يعاني من سرعة االستثارـة االنفعالية‬
‫والغضب عليه أن يغرس في ذهنه ويكرـر باستمرـارـ قوله‬
‫تعالى ‪" :‬فاعف عنهم واصفح إن هللا يحب المحسنين"‬
‫(المائدة ‪" .)13‬ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه‬
‫عداوة كأنه ولي حميم" (فصلت‪" .)34‬ولمن صبرـ وغفر‬
‫أن ذلك من عزم األمور" (الشورى‬
‫• ولقد ُط لب من بعض المرضى الذين يعانون من الرهاب االجتماعي (الخوف من المواقف‬
‫االجتماعية) وتجنب الناس نتيجة الحساسية الشديدة للنقد وخوفهم من أن يوجه إليهم أي‬
‫نوع من المضايقة أو األذى ‪ ..‬تكرار الحديث الشريف ” المؤمن الذي يخالط الناس‬
‫ويصبر على آذاهم أفضل من المؤمن الذي ال يخالط الناس وال يصبر على أذاهم (ورد في‬
‫”‬

‫الترمذي ‪ ،‬وأحمد في مسنده ‪" ،‬والبخاري في األدب )‬


‫ابدأ بتحديد المشكلة الرئيسية وحصر المعلومات المتعلقة بها ‪..‬‬ ‫•‬
‫وعزلها عن المشاكل األخرى الثانوية ‪..‬‬ ‫•‬
‫حاول أن تفهم جيداً كيف نشأت تلك المشكلة‪ ..‬و‬ ‫•‬
‫ما هو دورك الحقيقي فيها ‪..‬‬ ‫•‬
‫واستخدم مفكرة لتدوين هذه المعلومات ‪..‬‬ ‫•‬
‫تأتي بعد ذلك مرحلة وضع الفروض ‪ ..‬وأعنى بها الحلول المحتملة التي تطرأ على ذهنك‬ ‫•‬
‫ثم أكتبها في مفكرتك ‪ ..‬وأمام كل فرض أو حل مقترح أكتب سلبياته وإيجابياته ‪..‬‬ ‫•‬
‫بعد ذلك استبعد الفروض والحلول الضعيفة ‪..‬‬ ‫•‬
‫ثم أبدأ بأفضل هذه الحلول لتجربته على أرض الواقع واختبار مدى فاعليته ‪..‬‬ ‫•‬
‫وعليك أن تعرف أن حل أي مشكلة البد أن يتضمن مكاسب وخسائر ‪..‬‬ ‫•‬
‫كما يجب أن تدرك ضرورة تفتيت القوى التي تسبب لك المشكلة بمعنى أن ال تجمع‬ ‫•‬
‫الخصوم ضدك ‪..‬‬
‫بل إذا استطعت أن تخترق بذكاء الروابط التي تحركهم معا ً تكون قد نجحت في تفتيت‬ ‫•‬
‫المشكلة إلى أجزاء يسهل التعامل معها‬
‫• إذا لم يصلح الحل األول سجل مزاياه وعيوبه وأنتقل إلى الحل الثاني وهكذا‬
‫• والخلوة العالجية تمنح صاحب المشكلة ذهنا ً صافيا ُ فيرى ويحلل‬
‫أسبابها بدقة بحيث يستطيع أن يتعامل مع المشكلة بدون اندفاعات‬
‫هوجاء أو انفعاالت حمقاء تعطل التفكير السليم ‪ ..‬كذلك فإنها تحيد‬
‫مشاعر الغضب وتكسب الفرد الثبات والهدوء وهي من العوامل التي‬
‫تؤثر كثيراً في الوصول إلى حلول جيدة ‪.‬ومبتكرة‪ ‬‬
‫• و اإلعداد النفسي قبل مواقف الشدة واألزمات يعرفه كبار رجال‬
‫السياسة ويمارسونه تحت مسميات أخرى ‪ ..‬وخالل الخلوة يمكن أن‬
‫يقوم الشخص (بعمل بروفة) تجربة على دوره قبل ممارسته على‬
‫مسرح الواقع‪ ‬‬
‫وهناك عدة وصايا ومفاهيم يمكن أن تفيد الشخص في مثل تلك المواقف ‪:‬‬ ‫•‬
‫احترام الخصم وتجنب استخدام األلفاظ أو التلميحات الجارحة يفيد كثيراً في حل‬ ‫•‬
‫المشكلة وعدم تعقيدها‬
‫الثقة في النفس وأن يلتقي بصرك بالخصم بدون استفزاز ودون أن تهتز أو تنفعل‬ ‫•‬
‫أن تجلس في هدوء وثبات‬ ‫•‬
‫يفضل أن تنتظر حتى تسمع وجهة النظر األخرى كاملة‬ ‫•‬
‫عندما تفاجأ بمعركة أو هجوم لست مستعداً له ال تجعل تركيزك ينصب على موضوع‬ ‫•‬
‫المناقشة بل على الشخص الغاضب نفسه بأن تعلن بحزم أن المناقشة مع االنفعاالت‬
‫لن تصل إلى نتيجة ‪ ..‬ويمكنك االنسحاب بحجة التحقق من المعلومات أو الكالم الذي‬
‫طرح ‪ ..‬أو بحجة دراسة الموضوع‬
‫هناك أيضا ً أسلوب التساؤل السلبي ‪ ..‬عندما تكون المشكلة مع رئيس أو شخص هام‬ ‫•‬
‫في حياتك وال تريد أن تخسره ‪ ..‬وذلك بأن تعترف بأن هناك خطأ‪  ‬ثم تبدى استعدادك‬
‫إلصالحه ‪ ..‬بل ويمكن أن تسأله إذا كان هناك أي سلبيات أخرى يرى أنها تحتاج‬
‫للتغيير ‪..‬‬
‫• المرـونة وما يسمى بالتلون االنفعالي ‪ ..‬أمر هام يجب أن‬
‫تضعه في اعتبارك ‪ ..‬بحيث تكون قادراً على إظهارـ‬
‫الثناء والتقدير والمدح إذا استدعى األمرـ ( بدون نفاق‬
‫أو مبالغة) ‪ ..‬وأن ال تطيل الثبات والجمود على حالة‬
‫انفعالية واحدة ‪ ..‬بل البد أن تتعلم أهمية أن تعبر لحظات‬
‫الغضب والضيق بسرعة ‪.‬‬
‫• تذكر أن النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ كان يسيطر على‬
‫غضبه وانفعاله بقدرة رائعة وعن أبو داود والنسائي‬
‫عن أبي موسى ‪ :‬أن النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ كان‬
‫إذا خاف قوما ً قال ‪ " :‬اللهم إنا نجعلك في نحورهم ‪،‬‬
‫ونعوذ "بك من شرورـهم“‬
‫السيطرة على الغضب و اـالنفعاالت السلبية‬
‫التحكم في انفعال الغضب والسيطرة على النفس من األمور بالغة األهمية لكي ينجح‬ ‫•‬
‫اإلنسان في حياته ويستطيع أن يتوافق مع نماذج البشر على اختالف طباعها‬
‫وأخالقها‪ ..‬وأيضا ً لكي يتجنب ما يسببه الغضب من اضطرابات نفسية وعضوية‬
‫متعددة‪ ،‬ويتفادى كثرة التصادم واالحتكاك والذي يحصد ـ بسببه خصومات‬
‫وعداوات كثيرة ‪.‬‬
‫ومن الذكر الذي يفيد اإلنسان كثيراً في مثل تلك الحاالت ويفضل تسجيله و ترديده‬ ‫•‬
‫وغرسه في الذهن باستمرار أثناء جلسات الخلوة العالجية وبعدها ‪..‬ومنه اآلية‬
‫الكريمة‬
‫" ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم"‪ ( ‬فصلت )‬ ‫•‬
‫ولم أر في الحقيقة أعظم أثراً في إزالة الغضب واالنفعاالت المدمرة المصاحبة له‬ ‫•‬
‫من ترديد تلك اآلية الكريمة وغرسها في الذهن على محو األفكار والمخاوف‬
‫واالنفعاالت ‪:‬المرتبطة بالغضب مثل‬
‫"ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم األمور " (الشورى ) ‪ ‬‬ ‫•‬
‫" فاعف عنهم واصفح إن هللا يحب المحسنين‪ "(  ‬المائدة )‬ ‫•‬
‫" منهج الرسول فى تعديل السلوك فى حاالت الغضب "‬ ‫•‬
‫يتصدر الغضب وسرعة االنفعال قائمة العوامل المسببة لالضطرابات النفسية‬ ‫•‬
‫والتشوش الذهني وإهدار طاقات الناس النفسية والبدنية ‪ ،‬وهو أيضا ً من أهم‬
‫أسباب اختالل التوافق واللياقة النفسية واالجتماعية ‪ ,‬وهناك حقيقة ال تقبل‬
‫الجدل تقول ‪ ":‬ال ينال العال من كان طبعه الغضب " ‪ ،‬فالغضب ال يفرز إال‬
‫الضغينة والحقد ‪ ،‬وهو نار تحرق العقل وتسحق البدن وتصيبه بأمراض ال‬
‫حصر لها ‪ .‬ويتفق معظم علماء النفس على أن الغضب ضرورة لحماية النفس‬
‫من عدوان العالم الخارجي ‪ ،‬ولكن عندما يصبح الفرد سهل االستثارة يغضب‬
‫ألتفه األسباب وتزداد حدة انفعاالته لفترات طويلة فانه سوف يعانى من أعراض‬
‫التوتر المستمر والقلق المزمن وضعف التركيز واإلعياء الذهني و البدني وفقد‬
‫الرغبة فى االستمتاع بالحياة ‪ ،‬مع بعض األعراض االكتئابيه‪.‬‬
‫والغضب مثل البخار المضغوط فى ‪ ‬إناء محكم إذا لم يجد منفذاً لخروجه فانه‬ ‫•‬
‫يصيب الفرد بمرض أو أكثر من تلك المجموعة المسماة باألمراض النفس‪-‬‬
‫جسمية مثل قرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم والذبحة الصدرية والقولون‬
‫العصبي والصداع العصبي المزمن ‪ ..‬الخ ‪ ,‬ويعبر البعض عن ذلك بأن الغضب‬
‫إذا لم يخرج فسوف يستقر فى أحشائك‪.  ‬‬
‫• وللرسول (ص) منهج فعال لتعديل السلوك فى حاالت الغضب يتضمن‬
‫عدة طرق وأساليب ناجحة نذكر أحدها وهو يهدف إلى طرد األفكار‬
‫الخاطئة المثيرة لالنفعال أوالً بأول ‪ ،‬بتكرار وترديد بعض اآليات‬
‫الكريمة "فاعف عنهم واصفح إن هللا يحب المحسنين" (المائدة ‪)13‬‬
‫"ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم األمور" (الشورى ‪.)43‬والحديث‬
‫الشريف "الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب" وأن يحاكى ويقلد‬
‫الثبات والقوة النفسية والحلم فى نماذج األنماط السلوكية للرسول‬
‫الكريم (ص) ومنها أنه كان يوما يمشى ومعه أنس فأدركه أعرابي‬
‫فجذبه جذبا ً شديداً وكان عليه برد غليظ الحاشية ‪ ،‬قال "انس" رضي‬
‫هللا عنه ‪" :‬حتى نظرت إلى عنق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وقد‬
‫أثرت فيه حاشية البرد من شدة جذبه " فقال ‪" :‬يا محمد هب لي من‬
‫مال هللا الذي عندك " فالتفت إليه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫وضحك ثم أمر بإعطائه ومنع الصحابة من التعرض له ‪ ،‬ولما أكثرت‬
‫قريش إيذائه قال ‪" :‬اللهم اغفر لقومي فإنهم ال يعلمون" وعفا عنهم‬
‫جميعا ً ‪ ,‬تلك هي أعظم درجات القوة النفسية وداللة اكتمال العقل‬
‫وانكسار قوة الغضب وخضوعها التام للعقل والحكمة‬
‫•‬
‫• وإذا أردت التدريب على هذا المنهج عليك فى نهاية كل‬
‫يوم أن تجلس فى خلوة عالجية مسترـخيا ً على مقعد‬
‫مريح وأن تأمر ذهنك بطرد كل األفكار السلبية والهموم‬
‫وأن تتأمل منهج الرسول الذى ذكرناه والمواقف العملية‬
‫المثيرة للغضب التى تعرضت لها ومدى نجاحك فى‬
‫تطبيق وتقليد هذا المنهج فى معالجتها ‪ ..‬وأن تتابع ذلك‬
‫وتسجله فى مفكرـتك الخاصة يوميا ً لمدة شهر وسوف‬
‫تشعرـ بالقوة النفسية وتزايد قدراتك فى السيطرـة على‬
‫الغضب‪ ‬‬
‫ذكر هللا طارد للمخاوف‬
‫• ذكرـ هللا يزيل المخاوف واألفكار والتصورات السلبية‬
‫والوساوس ويطردها من الذهن فى الحال ‪ ,‬ويعيق‬
‫تأثيرها على مراكز االنفعال ‪ ..‬ويطردها من الذهن فى‬
‫الحال ‪ ,‬وهذه الحقيقة هي حجرـ الزاوية وأساس أسلوب‬
‫الخلوة العالجية الذي تأكد من خالل مالحظة عشرات‬
‫الحاالت من المرـضى والمتطوعين‪ .‬ولقد أثبتت‬
‫االختبارات النفسية والتقييم اإلكلينيكي واستمارات‬
‫مالحظة الذات انخفاض معدالت االنفعاالت المختلفة‬
‫نتيجة زوال األفكار الخاطئة والمخاوف والوساوس‬
‫باستخدام أسلوب الخلوة العالجية ‪.‬‬
‫• وتتوافق هذه النتائج مع ما ورد في كتب الوعظ واإلرشاد والفقه‬
‫وغيرها عن فضيلة الذكر في بث الطمأنينة في النفس (أال بذكر هللا‬
‫تطمئن القلوب) وتخليصها من الخوف والغضب واالنفعاالت السلبية‬
‫غير المرغوب ويؤكد األمام الغزالي ‪" :‬أنه بالذكر تنمحي المخاوف‪،‬‬
‫فإذا ذكر الذاكر هللا عمرت قلبه الطمأنينة‪ ،‬وغمره الرضا‪ ،‬بعد أن كان‬
‫متوجسا ً خائفاً‪ ،‬يائسا ً قانطا ً ‪ "..‬والذكر كما يقول الشيخ سيد سابق في‬
‫كتابه "فقه السنة" ‪" ..‬هو ما يجرى على اللسان والقلب‪ ،‬من تسبيح‬
‫هللا تعالى وتنزيهه وحمده والثناء عليه ‪،‬ووصفه بصفات الكمال ونعوت‬
‫الجالل" وقد ورد في العديد من معاجم األلفاظ والتفسيرات أن ذكر هللا‬
‫هو "إقرار باللسان‪ ،‬وتصديق بالقلب" ‪ ..‬يأنه ترديد وتكرار مع تركيز‬
‫ذهني يوقظ المشاعر ‪ ..‬ويحرك القلب ‪ ..‬وبالتالي يمكن أن يؤثر في‬
‫محتوى وعمليات التفكير ‪ ،‬ويساعد بالتالي على إيقاف وطرد األفكار‬
‫والتصورات والتخيالت المشوهة واالنهزامية المسببة لألمراض‬
‫النفسية المختلفة ‪.‬‬
‫• ولقد جربت مع عدد من المرضى ومن األشخاص العاديين الذين‬
‫يعانون من مشاكل شخصية واضطرابات في التوافق درجة‬
‫أعمق من الترديد والتكرار لألذكار المختلفة تشمل تأمل معنى كل‬
‫كلمة وكل لفظ يصف قدرة هللا ـ عز وجل ـ على مساعدة العبد‬
‫وعونه والتركيز على المعنى واستخدام المخيلة في تصور أشكال‬
‫المساعدة والعون التي يتمناها اإلنسان من خالق ه عز وجل ‪..‬‬
‫ولقد كانت النتائج مبشرة وحققت درجة أسرع وأطول أثراً في‬
‫خفض معدالت التوتر واإلحباط وإزالة االنفعاالت السلبية ‪ ..‬ولكن‬
‫استخدام المخيلة وتأمل المعاني فى هذا المجال مازال يحتاج إلى‬
‫دراسات أخرى‪.‬‬
‫• وبقول الشيخ سيد سابق في كتابه فقه السنة ‪" :‬إذا اطمأن القلب‬
‫للحق اتجه نحو المثل األعلى‪ ،‬وأخذ سبيله إليه دون أن تلفته‬
‫عنه نوازع الهوى‪ ،‬وال دوافع الشهوة‪ .‬ومن ثم عظم أمر الذكر‪،‬‬
‫وجل خطره في حياة اإلنسان‪ ،‬ومن غير المعقول أن تتحقق هذه‬
‫النتائج بمجرد لفظ يلفظه اإلنسان‪ ،‬فإن حركة اللسان قليلة‬
‫الجدوى مالم تكن مواطئة للقلب‪ ،‬وموافقة له" ‪.‬‬
‫• وتشير اآلية الكريمة من سورة األعراف إلى الذكر فتقول ‪:‬‬
‫"واذكر ربك في نفسك تضرعا ً وخيفة ودون الجهر من القول‬
‫بالغدو واآلصال والتكن من الغافلين" (األعراف‪ .)205‬واآلية‬
‫تشير إلى أنه يستحب أن يكون الذكر سراً‪ ،‬الترتفع به األصوات‪.‬‬
‫• ويضيف الشيخ سيد سابق في نفس المرجع المذكور‪ :‬ومن‬
‫األدب أن يكون الذاكر نظيف الثوب طاهر البدن طيب الرائحة‪،‬‬
‫فإن ذلك مما يزيد النفس نشاطاً‪ ،‬ويستقبل القبلة ما أمكن‪ ،‬ولقد‬
‫وردت العديد من اآليات الكريمة في الذكر‪ ،‬منها‪ "( :‬أال بذكر هللا‬
‫تطمئن القلوب " ( سورة الرعد ‪ "(28‬فاذكروني أذكركم "‬
‫( سورة البقرة ‪ "( 152‬اذكروا هللا ذكراً كثيراً " ( سورة‬
‫األحزاب ‪ "( . 41‬فاذكروا هللا قياما ً وقعودا وعلى جنوبكم"‬
‫(سورة النساء ‪103‬ويتضمن ذكر هللا ترديد عبارات ‪" :‬الحمد‬
‫هلل" ‪" ،‬سبحان هللا" ‪" ،‬هللا أكبر" ‪" ،‬أستغفر هللا" ‪" ،‬ال إله إال‬
‫هللا" ‪" ،‬أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم"‪" ،‬أعوذ باهلل من الخبث‬
‫والخبائث" ‪ ..‬الخ أو ذكر نعم هللا والشوق إليه‪ ،‬كذلك ذكر أسماء‬
‫هللا الحسنى وترديدها ‪ ..‬والذكر أيضا ً يشمل قراءة المعوذتين‬
‫وآية الكرسي ‪( .‬‬
‫الخلوة العالجية ‪ ...‬و‬
‫التأمل‬
‫• الخلوة فى المفهوم اإلسالمى تعنى اختالء الفرد بربه فترة من الزمن ينسلخ‬
‫فيها من هموم الدنيا ومشاغلها ‪ ..‬ويتوجه إلى هللا بالذكر والدعاء‬
‫والمناجاة ‪،‬والخلوة ليست البعد عن الناس حبا ً في العزلة‪ ..‬أو هروبا ً من‬
‫مواجهة أعباء الحياة ومسئولياتها ‪ ..‬بل هي فترة قصيرة من البيات‬
‫والكمون ‪ ..‬واستراحة محدودة لتصفية الذهن وتنقية النفس وإجالء‬
‫البصيرة وتطهير الروح ‪ ..‬إنها أشبه ما تكون بالصيانة الدورية المنتظمة‬
‫الكتشاف أوجه القصور والتقصير ‪ ..‬والتفكير في آالء هللا وتأمل حكمته‬
‫وجميل صنعه‪ ..‬ثم العودة لتأمل مسيرة الحياة وتعديل ما يستطيع المرء‬
‫منها‪.‬‬
‫• ومن جانب آخر يمكن االستفادة من خواص الخلوة فى بعض النواحى‬
‫العالجية ‪ ,‬حيث تعتبر الخلوة صقالً لإلرادة ‪..‬والخلوة أيضا ً تحقق لإلنسان‬
‫االسترخاء وفرصة التأمل والتركيز الذهنى الذى يساعد الفرد على الوصول‬
‫إلى أفضل الحلول لمشاكله ‪ ..‬واألفكار المبتكرة الخالقة‪ ..‬واإلبداع الراقي‬
‫المستنير ‪ ..‬وهي تعوضه عن بعض خسائره ‪ ..‬فعندما اعتزل سيدنا إبراهيم‬
‫عليه السالم قومه ‪،‬أبدله هللا من هو خير منهم ‪ ..‬ووهب له إسحاق‬
‫ويعقوب وجعلهما من األنبياء ‪" :‬فلما أعتزلهم وما يعبدون من دون هللا‬
‫وهبنا له إسحاق ويعقوب وكال (جعلنا نبيا ً ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا‬
‫لهم لسان صدق علياً" (سورة مريم‪)49:‬‬
‫• تزداد حاجة الناس في هذا العصر إلى طرق وأساليب سهلة‬
‫ومبسطة نابعة من البيئة والتراث يمكن اللجوء إليها عند‬
‫الشعور بالتوتر والقلق واإلحباط‪ ،‬وعند مواجهة الضغوط‬
‫والمشكالت التى تحتاج إلى االسترخاء والهدوء وإعادة تنظيم‬
‫التفكير ‪ ..‬بل وإعادة برمجة العقل حتى يصل الفرد إلى إعادة‬
‫صياغة وترتيب أفكاره وأهدافه ‪ ،‬وأيضا إلى تخلصه من‬
‫االضطرابات النفسية واالنفعاالت السلبية الناتجة عن ضغوط‬
‫الحياة ومشاعر اإلحباط والفشل واختالل التوازن والقدرة على‬
‫التوافق النفسي واالجتماعي‪.‬‬
‫• والشك أن كل إنسان يحتاج – من وقت آلخر – أن يخلو بنفسه‬
‫ويبتعد قليالً عن صخب الحياة ومشاكلها ليفكر بهدوء ويعيد‬
‫تنظيم عالمه الداخلي‪ ،‬وتفحص وتقييم أفكاره وخبراته والمواقف‬
‫التى تعرض لها ثم يحدد لنفسه خطة عمل ويتخذ القرارات‬
‫ويحدد لنفسه الخطوات‪..‬‬
‫• و الخلوة العالجية‪  ‬تتضمن تدريب الشخص على التخلص من األفكار‬
‫السلبية االنهزامية المعوقة والمخاوف والوساوس المزعجة والمواقف‬
‫والذكريات المؤلمة ‪ ,‬بحيث يصل إلى درجة أن يأمر ذهنه بالتوقف فوراً عن‬
‫التفكير فى هذه األفكار السلبية أو أن يطردها من ذهنه ويحل محلها أفكاراً‬
‫إيجابية تشحن طاقاته النفسية وتحفزها لالنطالق من جديد فى االتجاه‬
‫الصحي السليم وتكمله مشوار الحياة بعزيمة وإرادة ال تلين ‪.‬‬
‫• والخلوة العالجية أسلوب عالجي نابع من ميراثنا الديني والثقافي وقد اثبت‬
‫فعاليته بل وتفوقه على أساليب العالج النفسي األخرى المستوردة من‬
‫الغرب والتي تخفى فى ثناياها مفاهيم وأفكار ال تتناسب مع طبيعة وظروف‬
‫الشخصية العربية‪.‬‬
‫• لقد كان الهدف من استخدام أسلوب الخلوة العالجية هو تحويل النصائح‬
‫والمواعظ واألفكار االيجابية إلى أفكار نشطة وفعالة بغرسها فى الذهن عن‬
‫طريق التأمل والتكرار فى حالة من التركيز الذهني العالي وفى جو من‬
‫الهدوء واالسترخاء يسمح بتحويل هذه المنظومات األخالقية والصياغات‬
‫اللفظية إلى مفاهيم ومعتقدات تدفع الفرد دائما ً إلى السلوك المرغوب ‪ .‬ولقد‬
‫تأكد من خالل عدد من الدراسات التى قدمتها على مدار سنوات طويلة أن‬
‫الخلوةـ العالجية تفوق على أسلوب التأمل المتسامي ‪Transcendental‬‬
‫‪  ، Meditation‬وأسلوب البرمجة العصبية اللغوية ‪ NLP‬التى تنتشر فى‬
‫الغرب حاليا ً بصورة ملفته للنظر ‪ ..‬وأن نتائجها أقوى وأعمق ‪.‬‬
‫• ولقد لوحظ أيضا أن الشخص الذى يعانى من مشكالت أو أمراض نفسية ال‬
‫يستطيع فى كثير من الحاالت االستفادة من أساليب العالج الغربية التى‬
‫تعتمد على حث المريض وتحريضه على الحرية الجنسية على أساس أنها‬
‫من أهم أسس الصحة النفسية فى المفاهيم الغربية‪ .‬وذلك بالطبع دون‬
‫مراعاة لظروف النشأة الدينية واالجتماعية ومنظومة القيم والمفاهيم التى‬
‫تحكم سلوك المريض الشرقي ‪ ،‬ولذلك فقد نتج عن هذه األساليب العديد من‬
‫المضاعفات واالنتكاسات لكثير من المرضى الذين يعالجون بها ‪ ,‬ولقد‬
‫عالجت عشرات الحاالت التى تدهورت وأصيبت بأعراض وانتكاسات حادة‬
‫نتيجة عالجها بأساليب وطرق غير مناسبة‪ ..‬ومما زاد الطين بله وجود‬
‫عدد من المعالجين بهذه األساليب من غير المتخصصين وممن تلقوا دورات‬
‫أو تدريبات قصيرة المدى ال تتعدى فى بعض األحيان أيام أو أسابيع‬
‫محدودة ‪.‬‬
‫• ‪ ..‬ويمثل الحوار الذاتي أهمية قصوى فى الخلوة العالجية حيث يعتبر تعديل‬
‫الحوار الذاتي – ما يقوله الشخص لنفسه ‪  -‬إلى جمل ايجابية حماسية‬
‫متفائلة من أهم خطوات الخلوة العالجية حيث يقوم الفرد ببناء وتصميم‬
‫هذه الجمل والعبارات االيجابية الصحية ويكررها بتركيز ذهني عالي‬
‫ويجعلها تحل محل الجمل والعبارات السلبية التى يقولها لنفسه ‪ ،‬والتي‬
‫تتسبب فى التوتر االكتئاب وهزيمة الذات ‪.‬‬
‫• وال شك أن الخلوة والتأمل هي من الخصائص المميزة‬
‫للشخصية العربية‪ ،‬وأن االعتماد على الرعي والزراعة‬
‫قد أتاح الفرـصة للتأمل واالنطالق بالخيال فى أماكن‬
‫رحبة متسعة ال يقوم النشاط اإلنساني فيها على التحديد‬
‫والضبط والدقة‪  ‬الشديدة التى تتميزـ بها المجتمعات‬
‫الصناعية‪ ،‬ولقد أدركت المجتمعات الغربية أهمية تنمية‬
‫القدرة على التأمل ودوره فى الصحة النفسية بل‬
‫وفعاليته فى العالج النفسي ‪.‬‬
‫• إن الخلوة تحقق للشخص العربي فرصة سانحة باالسترخاء الذهني‬
‫والجسدي الذى يحتاجه فى ظل ظروف وضغوط هذا العصر وهى أيضا‬
‫فرصة للتدريب على الضبط الذاتي لطرد االفكار السلبية واالنهزامية‬
‫وغرس االفكار االيجابية وإعادة تقييم سلوكياته ومتابعة التدريب عليها‬
‫وهى فى النهاية يمكن أن ينظر إليها على أنها أسلوب سهل يناسب‬
‫الشخصية العربية ويساعدها على تثبيت وغرس منظومة القيم‬
‫واألخالقيات وتحويلها إلى أنماط سلوكية وعادات راسخة ‪ ،‬وال اعتقد أن‬
‫هناك وسيلة أخرى فى ظل التشتت الذى تمليه علينا الفضائيات والثقافات‬
‫والعادات المثيرة والمبهرة التى تخترق حياتنا من كل اتجاه يمكن أن‬
‫تقوم بتحويل النسق الوعظي والتعليمات الخطابية والحكم البالغية إلى‬
‫سلوكيات عملية إال من خالل التدريب على إعادة برمجة العقل والتأمل‬
‫بأسلوب الخلوة العالجية وهى فى النهاية محاولة لتحويل الثقافة العربية‬
‫التقليدية بازدواجياتها وما تسببه من صراعات نفسية تستهلك طاقات‬
‫الفرد فقط فى حدود الخطابة والهتاف بمكارم األخالق لحظات الحماس ثم‬
‫تبخر هذه الشعارات االنفعالية بعد لحظات ونسيانها ‪.‬‬
‫• أما عن مفهوم الخلوة فى الترـاث الديني فهو يشمل‬
‫العديد من المفاهيم والمعاني منها ترك مشاغل الدنيا‬
‫والتفرغ لذكر هللا ومناجاته وأن يخلو اإلنسان بنفسه‬
‫لكي يتأمل عالمه الداخلي ولكي يتعبد ويحاسب نفسه‬
‫على أخطائها‪ ..‬ولكي يزـيد نفسه صقالً وصفاء‪.‬‬
‫• ولقد نصح الرسول – صلى هللا عليه وسالم – عقبة بن‬
‫عامر رضي هللا عنه بالخلوة ‪ ..‬قائالً ‪" :‬أمسك عليك‬
‫لسانك‪ ،‬وليسعك بيتك‪( "..‬رواه أبو داود والترمذي)‪.‬‬
‫فوائد الخلوة‪...‬‬
‫ولقد رـأى العديد من علماء وـفقهاء اإلسالـم أن فى الخلوـة فوـائد‬ ‫•‬
‫وـمميزـات كثيرـة منها‪:‬‬
‫تجنب آفات اللسان وعثراته الكثيرة ‪ ،‬وقد جاء عن رسول هللا صلى‬ ‫‪.1‬‬
‫هللا عليه وسلم ‪" :‬رحم هللا عبداً سكت فسلم أو تكلم فغنم" ‪.‬‬
‫البعد عن الرياء والمداهنة والزهد في الدنيا والتخلق باألخالق‬ ‫‪.2‬‬
‫الحميدة‪.‬‬
‫تفقد أحوال النفس‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫حفظ البصر ‪ ..‬وتجنب النظر إلى ما حرم هللا النظر إليه‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫التفرغ للذكر‪ ..‬ويروى عن سيدنا معاذ بن جبل ـ رضي هللا عنه – ‪ ‬‬ ‫‪.5‬‬
‫أنه قال ‪" :‬كلم الناس قليالً ‪ ،‬وكلم ربك تعالى كثيراً ‪ ،‬لعل قلبك يرى‬
‫هللا تعالى"‬
‫‪  ‬تهذيب األخالق ‪ ..‬والبعد عن قسوة القلب ‪..‬وقد قال رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫‪.6‬‬
‫وسلم ‪ " :‬ال تكثروا الكالم بغير ذكر هللا ‪ ،‬فإن كثرة الكالم بغير ذكر هللا قسوة‬
‫للقلب ‪ ،‬وأن أبعد الناس من هللا تعالى القلب القاسي " ‪ ( .‬رواه الترمذي والبيهقي )‬
‫التمكن من عبادة التفكر واالعتبار ‪ ..‬وقد وصف اإلمام الغزالي حالة من التفكر‬ ‫‪.7‬‬
‫فوق مستوى الوعي العادي واليقظة !!‪ ..‬يستطيع المرء أن يدرك فيها ماال‬
‫يدركه العقل وحواسه في الحاالت العادية ‪.‬‬
‫‪  ‬لذة المناجاة ‪ ..‬حيث يقول اإلمام "الغزالي" في موسوعته "إحياء علوم الدين"‬ ‫‪.8‬‬
‫عن آراء بعض األولياء والصالحين ‪" :‬أنه ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل‬
‫الجنة إال ما يجده أهل المناجاة في قلوبهم بالليل من حالوة المناجاة" ‪ ..‬وقال‬
‫بعضهم أيضا ً ‪" : ..‬لذة المناجاة ليست من الدنيا ‪ ،‬وإنما هي من الجنة أظهرها‬
‫هللا تعالى ألوليائه ‪ ،‬ال يجدها سواهم" ‪.‬‬
‫محاسبة النفس‪  ‬ومعاتبتها ‪ ..‬قال تعالى ‪" :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا هللا ولتنظر‬ ‫‪.9‬‬
‫نفس ما قدـمت لغد" ( سورة الحشر ‪ .. )18‬وهذه إشارة واضحة إلى ضرورة‬
‫محاسبة النفس على ما مضى من أعمال ‪ ..‬وان يلوم اإلنسان نفسه إذا أخطأت ‪..‬‬
‫وأن يذكرها بطريق الصواب والهداية‪" :‬وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين"‬
‫( سورة الذاريات ‪.)55‬‬
‫• وهكذا ‪ ..‬فإن الخلوة تتيح لإلنسان االبتعاد المؤقت عن عالم‬
‫الضوضاء والهرج والمرج إلى واحة الخلوة بهدوئها وما تمنحه‬
‫إياه من صفاء ذهني ونفسي يجعله يرى بوضوح حقيقة وأسباب‬
‫مشاكله وهمومه ‪ ..‬ويرتب أفكاره وخططه وأهدافه ‪ ..‬ويشحن‬
‫قواه المعنوية ‪ ..‬ويشحذ همته وشجاعته لمواجهة الصعوبات ‪..‬‬
‫واستعادة عزيمته ومضاعفة ثقته بنفسه‪ .‬إضافة إلى تجديد‬
‫صلته بربه وتوثيقها‪ ..‬وإدراك أن ضغوط الحياة ومشاكلها ال‬
‫تستحق كل هذا العناء وأن اإلنسان يستطيع أن ينجو منها عندما‬
‫يريد إذا دخل إلى واحة الخلوة وأطلق العنان لخياله وتأمالته‪.‬‬
‫• والخلوة بما تحتويه من تأمل وتخيل وحوار ذاتي – وجميعها‬
‫عوامل فكرية – تساعد على تعديل انفعاالت الفرد وسلوكه‪.‬‬
‫• ولقد ثبت بالعديد من األدلة التجريبية واإلكلينيكية أن العوامل‬
‫الفكرية التى تشمل التفكير والتخيل والتصور واالستنتاج والتوقع‬
‫فورا على مراكز االنفعال بالدماغ التى تفرز بالتالي‬
‫تتصل وتؤثر ً‬
‫عد ًدا من الهرمونات والمواد الناقلة العصبية المسببة للتوتر‬
‫والتغيرات الفسيولوجية المصاحبة له‪.‬‬
‫• ومن هرمونات التوتر المعروفة هرمون األدرينالين الذى يؤدى‬
‫إفرازه إلى توتر العضالت وخفقان القلب وارتفاع ضغط الدم‬
‫وزيادة معدل التنفس‪ ،‬واتساع حدقة العين‪ ،‬ونقل كميات كبيرة‬
‫من السكر من الكبد إلى الدم حتى تتوفر الطاقة والوقود للمعركة‬
‫التى استعد لها الجسد بأمر من مراكز االنفعال تحت تأثير‬
‫ضا‬
‫العوامل الفكرية المخيفة والمهددة‪ ،‬ويصاحب هذه التغيرات أي ً‬
‫تعطل عمليات الهضم واضطراب إفراز العصارات المعدية‬
‫والمعوية‪.‬‬
‫• كما تساعد الخلوة العالجية الشخص على التدريب على ضبط‬
‫االنتباه والتحكم فيه‪ ..‬وبتكرار ممارسة جلسات الخلوة يكتسب‬
‫الفرد قدرة أكبر على طرد األفكار الهدامة وتحويل انتباهه‬
‫وتركيزه إلى شئ آخر مضاد يحقق له الطمأنينة والهدوء‬
‫والسكينة مثل ذكر هللا أو الدعاء‪.‬‬
‫• وبعد فترة من ممارسة الخلوة يشعر الشخص بسهولة التخلي‬
‫عن التفكير السلبي واالندماج القهري فى األفكار والمواقف‬
‫المؤلمة‪.‬كذلك يفيد ذلك التدريب الشخص على التحكم فى درجة‬
‫التهيؤ الذهني‪ ..‬بالتركيز على موضوع إيجابي مرغوب بوضعه‬
‫فى بؤرة الوعي والشعور مع استخدام التكرار والترديد بأسلوب‬
‫يماثل التسميع الذاتي الذى يستخدمه الطالب إلبقاء معلومة‬
‫معينة فى حالة نشطة فى الذاكرة‪ .‬ويرى بعض علماء النفس أن‬
‫أصحاب القدرات والمهارات الفائقة يحققون قدراتهم الخارقة‬
‫بتكرار تركيز االنتباه والتهيؤ الذهني وحصر التفكير فيما يريد‬
‫ذلك الشخص إنجازه‪.‬‬
‫جلسة الخلوة العالجية‪....‬‬
‫شروطها ‪:‬‬ ‫•‬
‫تبدأ جلسة الخلوة العالجية بإعداد وتجهيز المكان المالئم ‪ ..‬والذي يجب أن يتصف‬ ‫•‬
‫بالهدوء وعدم وجود ما يشتت االنتباه من ضوضاء أو أصوات أجهزة تليفزيون أو‬
‫مذياع وخالفه ‪ ..‬وأن يوجد في هذا المكان مقعد مريح‪ ..‬ومنضدة‪ ..‬وساعة لتحديد‬
‫الوقت‪ ..‬ودفتر أو أوراق وقلم لتسجيل األفكار والمالحظات‪ ..‬ويفضل إغالق جرس‬
‫التليفون ‪.‬‬
‫كما يجب أن يكون المكان مريحا ً نظيفاً‪ ..‬ويمكن تزويد المكان ببعض الزهور أو‬ ‫•‬
‫النباتات‪.‬‬
‫ومدة جلسة الخلوة ‪ 30‬دقيقة‪ ..‬يوميا أو ‪ 3‬مرات أسبوع ًيا ويقسم وقت الجلسة على‬ ‫•‬
‫خطواتها الثالث بحيث تستغرق كل خطوة حوالي ‪ 10‬دقائق تقري ًبا‪ ..‬ولكي يحقق‬
‫الفرد التحسن المرغوب والتغير اإليجابي الذي يبقى لفترات طويلة يجب أن يمارس‬
‫الخلوة العالجية لمدة ‪ 3‬شهور على األقل‪ .‬وال تتعارض جلسة الخلوة العالجية مع‬
‫تناول العقاقير المهدئة أو المضادة للقلق أو االكتئاب إال إذا كان الشخص فى حالة‬
‫تهدئه زائدة بسبب تلك العقاقير‪.‬‬
‫• ويجب أن نشير إلى أن جلسة الخلوة يمكن أن‬
‫أيضا إلى نتائج طيبة إذا لم تتوافر هذه‬
‫تؤدى ً‬
‫الشروط جمي ًعا‪ ..‬بل أن البعض استطاع أن يحقق‬
‫فائدة جيدة من ممارسة الخطوة األولى فقط من‬
‫خطوات الخلوة وفى وقت أقل من نصف الوقت‬
‫المذكور‪ ......‬ويمكن إيجاز خطوات الخلوة العالجية‬
‫كاآلتي‪:‬‬
‫الخطوة األولى‪ " :‬اـلخروج من الدوامة "‬
‫تهدف هذه الخطوة إلى‪:‬‬ ‫•‬
‫‌أ‪   -‬الخروج الفوري من التوتر والقلق واالنفعاالت غير‬ ‫•‬
‫المرغوبة باالسترخاء والتنفس العميق ببطء‪ ..‬ولمدة خمس‬
‫دقائق تقري ًبا‪.‬‬
‫ضا من لعبة تبديد وإهدار الطاقات النفسية‬
‫‌ب‪ -‬الخروج أي ً‬ ‫•‬
‫والذهنية بأن يصدر الشخص األوامر لعقله ومخيلته بطرد جميع‬
‫األفكار االنهزامية السلبية وأن يطرد أيضا وبحزم أى تخيل أو‬
‫تصور مكروه أو مزعج أو مخيف‪.‬‬
‫‌ج‪    -‬إصدار أوامر للعقل بالتسامح والعفو (مع تكرار اآليات‬ ‫•‬
‫الكريمة واألحاديث الشريفة التى تدعو لذلك)‪.‬‬
‫الخطوة الثانية ‪ " :‬التأمل والتشبع بالرضا "‬

‫• تهدف هذه الخطوة إلى‪:‬‬


‫• ‌أ‪   -‬أن يتأمل اإلنسان ويستعرض النعم الذى وهبه هللا‬
‫إياها‪ ..‬وأن يستخدم مخيلته وذاكرـته فى اجترـار‬
‫واستعراض هذه النعم‪.‬‬
‫• ‌ب‪ -‬أن يكررـ وهو يستعرض هذه النعم وما حققه من‬
‫إنجازات – مهما كانت ضئيلة ومحدود – عبارة "الحمد‬
‫هلل ‪ ..‬الحمد هلل"‪.‬‬
‫الخطوة الثالثة‪ " :‬شحن وتوجيه اإلرادة "‬

‫وتهدف هذه الخطوة إلى‪:‬‬ ‫•‬


‫‌أ‪   -‬تعديل الحوار الذاتي وما يقوله الفرد لنفسه أثناء الخلوة بحيث يصيغ جمالً‬ ‫•‬
‫وعبارات حماسية وإيجابية تغرس فى نفسه الحماس والعزيمة واألمل‪.‬‬
‫‌ب‪ -‬إعادة صياغة األهداف وخطوات تحقيقها‪ ...‬ويمكن أن يسجل الهدف‬ ‫•‬
‫المراد تحقيقه فى ورقة متابعة يحتفظ بها الشخص كنموذج لخطة عمل مبسطة‬
‫تجعله يركز دائ ًما على هدفه ويتجنب التشتت في المشاكل والمشاغل الجانبية‬
‫وأن يراعى التدرج واالستمرارية بصبر لتحقيق ذلك الهدف وان يستعين‬
‫بالدعاء وطلب العون والمدد من هللا تعالى‪.‬‬
‫‌ج‪ -‬كذلك فان الخلوة العالجية تمثل فرصة لمناجاة الخالق سبحانه وتعالى‬ ‫•‬
‫وتأمل آيات كتابه العظيم وأحاديث رسوله الكريم‪.‬‬
‫• وتمهد كل خطوة من هذه الخطوات الطريق للخطوة‬
‫التالية‪ ..‬فالخطوة األولى تخفض درـجة التوتر والقلق‬
‫واالنفعاالت غير المرغوبة فتسمح للذهن بالتأمل وغرس‬
‫الشعورـ بالرضا‪ ..‬والذي يؤدى بالتالي إلى مزيد من‬
‫التحررـ من الشحنات االنفعالية‪ ..‬فتتحسن القدرات‬
‫الذهنية وتزداد القدرـة على التركيز واألداء الذهني‬
‫والحماس والدافعية مما يضاعف من القدرة واإلرادة‬
‫إلنجاز األهداف المرغوبة‪.‬‬
‫• وتعتمد ممارسة خطوات الخلوة بالتفصيل على‬
‫حالة الشخص وظروفه المختلفة لذلك تختلف‬
‫الخطوات من حالة إلى أخرى‪.‬‬
‫التساـمح‬ ‫المفعول‬
‫‪..‬‬ ‫عالج نفسى سريع‬
‫• ثبت علميا ً أن من أهم صفات الشخصيات المضطربة والتي تعاني من القلق المزمن‬
‫هو أنها ال تعرف التسامح ‪ ..‬ولم تجرب لذة العفو ونسيان اإلساءة‪ .‬ولقد ضرب‬
‫رسول هللا ـ صلى هللا عليه وسلم ـ عشرات األمثلة على التسامح والعفو‪ ،‬وعلى‬
‫نفس الدرب سار الصحابة رضوان هللا عليهم ‪ ..‬قال هللا تعالى‪":‬خذ العفو وأمر‬
‫بالعرف وأعرض عن الجاهلين" ‪ ( .‬األعراف ‪ )199‬وقال تعالى‪" :‬وإن تعفو أقرب‬
‫للتقوى" ‪..‬وقال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أفضل أخالق أهل الدنيا واآلخرة أن تصل‬
‫من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك"‪.‬‬
‫• أنت أيضا ً تستطيع أن تدرب نفسك على العفو والتسامح بتكرار هذه اآليات الكريمة‬
‫واألحاديث الشريفة في السيطرة على الغضب وغرسها في ذهنك واالستعانة بها‬
‫خالل جلسات الخلوة‪ ،‬بل وأن تسجلها وتحتفظ بها في ورقة في دفترك أو في حافظة‬
‫نقودك لتعود إليها كل فترة وتستعين بها في إطفاء نار الغضب التي تنشأ نتيجة‬
‫العديد من األسباب ـ في عصرنا هذاـ مثل الزحام والتنافس على لقمة العيش بل‬
‫ونتيجة أسباب بسيطة ومتكررة ويومية مثل تبادل التحية بين الناس أو عدم تقديم‬
‫التحية المناسبة والترحيب بالجار أو الزميل ‪ ..‬وما يكتنف ذلك من سوء تفسير‬
‫وتأويل واالعتقاد الخاطئ بتجاهل البعض لنا أو تعمدهم عدم تقديرنا‪.‬‬
‫اسلوب التشبع بالرـضا‬
‫• التشبع بالرضا يشمل رضا الشخص عن قدراته وصورته وهيئته‬
‫وإمكانياته "التى منحها هللا له‬
‫• لكي يصل الشخص لذلك الشعور الجميل بالرضا والسكينة عليه‬
‫أن يركز تفكيره وخياله فى استعراض وتأمل النعم التي أنعم هللا‬
‫بها عليه من الصحة والستر والمال والولد ‪ ،‬والقدرة على‬
‫االستمتاع بالحياة في حدود (هنا واآلن) كما يقول مبدأ مدرسة‬
‫"الجشطلت" األلمانية في العالج النفسي ‪ ..‬وأن يحمد هللا على‬
‫ما أعطاه إياه من حواس وملكات ونعم وقدرات ال تقدر بمال وال‬
‫يمكن تعويضها بكنوز الدنيا وما فيها ‪ ..‬كذلك عليه أن يستعرض‬
‫ما حققه من نجاح (مهما كان محدودًا) وما استطاع أن يقدمه‬
‫ويتلقاه من حب وعطف من أفراد األسرة واألصدقاء والزمالء‬
‫والجيران ‪.‬‬
‫• ولقد حقق هذا األسلوب البسيط – حتى عند استخدامه‬
‫بمفرده – زـوال التوتر والقلق والشعورـ بالسالم والرـضا‬
‫والطمأنينة لعشرات ممن كانوا يعانون من قلق الصراع‬
‫الدامي لتحقيق الرغبات والطموحات ‪ ..‬بل استطاع عدد‬
‫من المرضى الذين كانوا يعانون من األرق والكوابيس‬
‫المزعجة المخيفة أن يستمتعوا بنوم هادئ عميق عند‬
‫ممارسة هذا األسلوب قبل النوم مباشرة‪ .‬وبالطبع‪..‬‬
‫يكتمل الشعور بالرـضا إذا أقترن أيضا بالدعاء والذكر‬
‫وطلب العون والمدد من القوى المعين ‪.‬‬
‫ضا رضا الشخص عن قدراته وصورته‬ ‫• والتشبع بالرضا يشمل أي ً‬
‫وهيئته وإمكانياته التى منحها هللا له‪..‬‬
‫• وأتذكر شا ًبا فشل فى االرتباط والزواج عدة مرات بسبب شعوره‬
‫بقبح شكله مما كان يثير لديه الشعور الشديد بالنقص والخجل‬
‫واالرتباك ‪ ..‬وباستعراض تاريخه الشخصي وخبراته السابقة‬
‫أتضح أنه كان مقبوالً من أكثر من فتاة ولكن زواجه لم يكتمل‬
‫بإحداهن ألسباب مادية فطلبت منه أن يسجل هذه الخبرات‬
‫اإليجابية وأن يجعلها حيه فى ذهنه ويركز تفكيره فيها ويرددها‬
‫لنفسه كلما شعر بقبح شكله أو كلما حدث موقف يوحى إليه‬
‫بذلك‪ ..‬ولقد تم تدريبه فى جلسات الخلوة على التركيز على هذا‬
‫الموضوع فى الخطوة الثانية‪ ..‬ورغم أن هذه األفكار كانت‬
‫تسيطر على ذهنه بإلحاح إال أنه استطاع بعد عدة شهور‬
‫التخلص منها‪ ..‬ومن المشاعر واالنفعاالت السلبية التى تعقبها ‪.‬‬
‫ملحقات‬
‫بناء النفس‬
‫المسلمة‬
‫وـبقي حيًّا بذـكرـه ***‬
‫ثان‬
‫وـالذـكر لإلـنسان عمر ٍ‬

‫وـالبغي مهما طال عدوـانه ***‬


‫فالله من عدوـانه أكبر‬

‫هللا أسعدني بظل عقيدتي ***‬


‫أفيستطيع الخلق أن يشقوني‬
‫ت ***‬‫كل بذل إذا العقيدة ري َع ْ‬ ‫•‬
‫دون بذل النفوس نذر زهيد‬ ‫•‬
‫مسلم يا صعاب لن تقهريني ***‬ ‫•‬
‫في فؤادي زمازم ورعود‬ ‫•‬
‫ال أبالي ولو أُقيمت بدربي ***‬ ‫•‬
‫وطريقي حواجز وسدود‬ ‫•‬
‫من دمائي في مقفرات البراري ***‬ ‫•‬
‫يطلع الزهر والحياة والورود‬ ‫•‬
‫إن ما يميز دين اإلسالم أنه دين مثالي واقعي ال دين‬
‫خيالي فنصر اإلسالم ال يكون فقط بالمعجزات‬
‫والكرامات وخوارق العادة ‪,‬وإ ّنما النصر يكون بالرجال‬
‫والنساء الذين يعشقون هذا الدين ويضحون بكل ما‬
‫يملكون في سبيل هللا ‪.‬‬
‫و ضرب ر‪M‬سول هللا صل وآل بيته وأصحابه الكرام‬
‫األمثال العظيمة في التضحية والفداء وعلمونا معنى‬
‫الصدق في المبدأ‪,‬فحر‪M‬ي بنا أن نقتدي بهم وأن نحافظ‬
‫على ما قدموه لنا وأن نكون خير خلف لخير سلف‪. M‬‬
‫س َوا ِحدَ ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬
‫ف‬ ‫ن‬ ‫من‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫خ‬ ‫ي‬ ‫ذ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ب‬
‫َّ‬ ‫‪M‬‬
‫ر‬‫َ‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫َّ‬
‫ت‬ ‫ا‬ ‫اسُ‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫ال‬ ‫ا‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫• ( َيا أ‬
‫يرا َو ِن َسا ًء َوا َّتقُوا‬ ‫ث ِم ْن ُه َما ِر َجاالً َك ِث ً‬ ‫َو َخ َل َق ِم ْن َها َز ْو َج َها َو َب َّ‬
‫ان َع َل ْي ُك ْم َر‪ِ M‬قي ًبا)‬ ‫هللا َك َ‬
‫ون ِب ِه َواألرْ َحا َم إِنَّ َ‬ ‫هللا ال ِذي َت َسا َءلُ َ‬ ‫َ‬
‫هللا َوقُولُوا َق ْوالً َس ِدي ًدا * يُصْ لِحْ‬ ‫َ‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ا‬ ‫وا‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫ين‬
‫َ‬ ‫ذ‬‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫(يا أ‬
‫هللا َو َرسُو َل ُه َف َق ْد‬ ‫َل ُك ْم أَعْ َما َل ُك ْم َو َي ْغ ِف ‪ْM‬ر َل ُك ْم ُذ ُنو َب ُك ْم َو َمن ي ُِط ِع َ‬
‫از َف ْو ًزا َع ِظي ًما)‬ ‫َف َ‬
‫قال الشيخ محمد أحمد الراشد حفظه هللا‬
‫لف في َو َر ِع ِه و َت ْق َواه‬ ‫الس ِ‬ ‫مث ِل َ‬ ‫• لَسْ َنا َك ْ‬
‫الح‬ ‫صْ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ٍ‬
‫ة‬ ‫و‬ ‫ْ‬
‫ف‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫بعدَ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ب‬ ‫ع‬‫ُ‬ ‫ج‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ٍ‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ي‬
‫َّ‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫إيما‬ ‫ٍ‬
‫ة‬ ‫عز‬ ‫ل‬
‫ُ‬ ‫هْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫ك‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫• ل‬
‫ِ‬
‫الخ َطأ!‬ ‫َ‬
‫س ِب ْيل ُ‬ ‫يس ه َُو َ‬ ‫ض َل َنا َو َت ْكمِيلِ ِه َل َ‬ ‫اء َف ْ‬ ‫‪..‬علينا أنْ َن ْع َتقِ َد أنَّ سبيل َ إِ ْن َم ِ‬
‫ش ْرعِ َيةِ‪،‬‬ ‫س ِبيل ُ ال َّت ْو َب ِة ال َّ‬ ‫فس القاتل َ َل َها‪َ ،‬بلْ ه َُو َ‬ ‫شدي ِد لل َّن ِ‬ ‫قريع ال َّ‬ ‫ال َّت ِ‬
‫ار َنا‪َ ،‬وفِي‬ ‫س ِ‬ ‫ٍ‪،‬و َي ُك ْونُ َذلِ َك فِي أَ ْو ِل َم َ‬ ‫َم َّر ًة َب ْع َد َم َّر ٍة َب ْع َد َم َّرة َ‬
‫أَ ْواسِ ـِطهِ‪ ،‬وفِي أَ َواخ ِِر ِه‬
‫صب ِْر‪َ ،‬ن ُس َّد َث َغ َرا ِ‬
‫ت‪M‬‬ ‫اصي ِب ْال َح ِق َو ْال َّ‬ ‫ُح‪َ ،‬و ِبال َت َو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص‬ ‫ا‬‫ن‬‫َ‬ ‫َّ‬
‫ت‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ت‬ ‫ال‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫•‬
‫دَار َنا َو ُن ْك ِم ُل ِب َنا َء َنا‪.‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ِ‬
‫الحاجة العظيمة ما َّسة إلى بناء أنفسنا‪ ،‬وتأسيسها على تقوى من هللا‬ ‫•‬
‫ورضوان‪ ،‬أشد من الحاجة إلى الطعام والشراب والكساء‪.‬‬
‫إِي وهللا لذلك ولعدة أسباب لعلنا أن نقف عليها‪:‬‬ ‫•‬
‫أوالً‪ :‬لكثرة الفتن والمغريات وأصناف الشهوات والشبهات؛ فحاجة‬ ‫•‬
‫المسلم اآلن –ال ريب‪ -‬إلى البناء أعظم من حالة أخيه أيام السلف‪،‬‬
‫والجهد –بالطبع‪ -‬البد أن يكون أكبر؛ لفساد الزمان واإلخوان‪،‬‬
‫وضعف المعين‪ ،‬وقلة الناصر‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬لكثرة حوادث النكوس على األعقاب‪ ،‬واالنتكاس‪ ،‬واالرتكاس‬ ‫•‬
‫حتى بين بعض العاملين لإلسالم‪ ،‬مما يحملنا على الخوف من أمثال‬
‫تلك المصائر‪.‬‬
‫س‬ ‫ْ‬
‫ف‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ل‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ي‬‫ت‬‫ِ‬ ‫ثال ًثا‪ :‬ألن المسؤولية ذاتية‪ ،‬وألن التبعة فردية ( َي ْو َم َتأْ‬ ‫•‬
‫ٍ‬
‫ُت َجا ِد ُل َعن ن ْف ِس َها)‬
‫راب ًعا‪ :‬عدم العلم بما نحن مقبلون عليه؛ أهو االبتالء أم التمكين؟ وفي‬ ‫•‬
‫كال الحاليْن نحن في أَ َمسِّ الحاجة إلى بناء أنفسنا لتثبت في الحالين‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬ألننا نريد أن نبني غيرنا‪ ،‬ومن عجز عن بناء‬ ‫ً‬ ‫•‬
‫نفسه فهو أعجز وأقل من أن يبني غيره‪ ،‬وفاقد الشيء ال‬
‫يعطيه ‪-‬كما قيل‪-‬؛ لذلك كله كان البد من الوقوف على‬
‫بعض العوامل المهمة في بناء النفس بنا ًء مؤ َّس ًسا على‬
‫تقوى من هللا ور‪M‬ضوان؛ فها هي بين أيديكم ‪-‬اآلن‪ -‬بعض‬
‫العوامل غير‪ M‬مر‪M‬تبة‪ ،‬فما كان من صواب فمن هللا‪ ،‬وما‬
‫كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان‪ .‬اللهم ال سهل إال‬
‫ما جعلته سهالً وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهالً‬
‫• من عوامل بناء النفس‪ :‬التقرب إلى هللا ‪-‬عز وجل وعال‪ -‬بما‬
‫يحب من األقوال واألعمال الظاهرة والباطنة‪ ،‬وخير ما تقرب به‬
‫المتقرِّ بون إلى هللا الفرائض التي فرضها هللا ‪-‬جل وعال‪ ،-‬وعلى‬
‫رأس هذه الفرائض توحيد هللا ‪-‬جال وعال‪ -‬وإفراده بالعبادة وحده‬
‫ال شريك له‪ ،‬ثم إن في النوافل لمجاالً واس ًعا عظي ًما لمن أراد أن‬
‫يرتقي إلى مراتب عالية عند هللا ‪-‬تبارك وتعالى‪ ،-‬وفضل هللا‬
‫واسع يؤتيه من يشاء‪ .‬يقول ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فيما يرويه عن‬
‫إلي‬
‫إلي عبدي بشيء أحب َّ‬ ‫ربه‪ ،‬كما في البخاري‪" :-‬وما تقرب َّ‬
‫إلي بالنوافل حتى‬
‫مما افترضته عليه‪ ،‬وال يزال عبدي يتقرب َّ‬
‫أحبه؛ فإذا أحببته‪ ،‬كنت سمعه الذي يسمع به‪ ،‬وبصره الذي‬
‫يبصر به‪ ،‬ويده التي يبطش بها‪ ،‬ورجله التي يمشي بها‪ ،‬ولئن‬
‫سألني ألعطي َّنه‪ ،‬ولئن استعاذني ألًعيذ َّنه"‬
‫• ومن فضل هللا –جل وعال‪ -‬علينا أن جاء هذا الدين‬
‫بعبادات شتى تمأل حياة المسلم في كل الظروف‪M‬‬
‫واألحوال؛ بالليل والنهار‪ ،‬بالقلب والبدن؛ فهناك السنن‬
‫القولية‪ ،‬والسنن الفعلية والقلبية التي يعتبر أداؤها من أهم‬
‫عوامل بناء النفس؛ من قيام ليل‪ ،‬وصيام تطوع‪ ،‬وصدقة‪،‬‬
‫وقراءة قرآن‪ ،‬وذكر هلل آناء الليل وأطر‪M‬اف النار‪.‬‬
‫• الشك أن هذه العبادات تقوِّ ي الصلة بين العبد وبين ر‪M‬به‪،‬‬
‫وتوثق عُرى اإليمان في القلب؛ فتنبني النفس وتزكو بها‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫وتأخذ من كل نوع من العبادات المتعددة بنصيب؛ فال َت َك ُّل‬
‫وال َتسْ أ َ ُم‪ .‬لكن علينا أن ننتبه في هذه القضية إلى أمور‪:‬‬
‫• أوالً‪ :‬الحذر من تحول العبادة إلى عادة؛ ألن البعض يأْ َلف‬
‫ولذتها؛ فلذلك تراه ال‬ ‫بعض العبادات حتى يفقد حالوتها َّ‬
‫يستشعر أجرها‪ ،‬فتصبح العبادة حر‪M‬كة آلية ال أثر لها في‬
‫ت أو قول أو عمل أو بناء‪.‬‬ ‫َس ْم ٍ‬
‫• ثان ًيا‪ :‬عدم االهتمام بالنوافل على حساب الفرائض؛ ألن‬
‫البعض يُخطئ‪ ،‬فيهتم باألدنى على حساب األعلى –وما‬
‫في العبادات دنيٌّ ‪-‬؛ فيقوم الليل ‪-‬مثالً‪ -‬ثم ينام عن صالة‬
‫الفجر‪ ،‬فليكن لك من كل عبادة نصيب‪ ،‬وعلى حسب‬
‫األهمية؛ كالنحلة تجمع الر‪M‬حيق من كل الزهور‪ ،‬ثم‬
‫تخرجه عسالً مص ًّفى شه ًيا سائ ًغا لآلكلين‪.‬‬
‫• ثالثاً‪ :‬إذا تعارض واجب ومستحب؛ فالواجب مق َّدم وال‬
‫شك‪.‬‬
‫• راب ًعا‪ :‬التر‪M‬كيز على أعمال القلوب‪ ،‬وتقديمها على أعمال‬
‫الجوارح؛ فالقلوب هي محل الفكر‪ ،‬ومحل التد ُّبر‪ ،M‬ومحل‬
‫العلم‪ ،‬والقلب مع الجوار‪M‬ح –كما تعلمون‪ -‬كالملك مع‬
‫الجنود "أال وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح‬
‫الجسد كله‪ ،‬وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ أال وهي القلب"‬
‫من عوامل بناء النفس المجاهدة‪ ،‬كل فكر‪M‬ة ال يصحبها‬
‫مجاهدة فهي في طريقها إلى االضمحالل والذوبان‬
‫ين َجا َه ُدوا ِفي َنا‬
‫والزوال‪ ،‬يقول هللا ‪-‬جل وعال‪َ (:-‬وال ِذ َ‬
‫َل َن ْه ِد َي َّن ُه ْم ُس ُب َل َنا)‬
‫• والنفس كالطفل إن تهمله شب على *** حب الرضاع‬
‫ينفطم‬
‫ِ‬ ‫وإن تفطمه‬
‫• فجاهد النفس والشيطان واعصهما *** وإن هما محَّ ضاك‬
‫فاتهم‬
‫ِ‬ ‫النصح‬
‫ثم اعلم ‪-‬يا أخي الحبيب‪ -‬أن لإلخالص عالمات‪ .‬اعرض‬ ‫•‬
‫أعمالك عليها‪ ،‬واختبر نفسك‪ ،‬وجاهدها وهي على سبيل المثال‬
‫ال الحصر‪،‬‬
‫أوالً ‪ :‬استواء المدح والذم؛ فالمخلص ال يتأثر بمدح مادح‪ ،‬وال ذم‬ ‫•‬
‫ذا ٍّم؛ ألنه جعل اله َّم ه ًّما واح ًدا‪ ،‬وهو إرضاء هللا رب العالمين‬
‫وكفى‪ ،‬ولذا يُمدح أحد األئمة في وجهه‪ ،‬فيغضب‪ ،‬ويقول‪ :‬أشهد‬
‫هللا أني أمقتك على ما تقول‪ ،‬والذي ال إله إالَّ هو لو علمت من‬
‫ت على رأسي التراب‪.‬‬ ‫نفسي ما أعلم لح َث ْو َ‬
‫ثان ًيا‪ :‬نسيان العمل بعد عمله‪ ،‬ويبقى الهم همًا واح ًدا؛‪ ،‬هل تقبل‬ ‫•‬
‫هذا العمل أم لم يتقبل؟ و(إِ َّن َما َي َت َق َّب ُل هللاُ ِم َن ْال ُم َّت ِق َ‬
‫ين)‬
‫ثالثاً‪ :‬الحب في هللا‪ .‬حبًا يزيد بالبر لكنه ال ينقص بالجفاء‪ ،‬وإنها‬ ‫•‬
‫لكبيرة إال على الذين هدى هللا‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬إخفاء ما يمكن إخفاؤه من الطاعات؛ خو ًفا من دواعي‬ ‫•‬
‫ال ُّس ْم َعة والرياء؛ فمن استطاع منكم أن يكون له خبيئة من عمل‬
‫صالح فليفعل‪.‬‬
‫قد أرخصوا في هللا كل عزيزة ***‬ ‫•‬
‫ثم استقلُّوا فيه كل ُمذلِّل‬ ‫•‬
‫ليست مبادئهم حديث ُمن ِّمق ***‬ ‫•‬
‫زيف اللسان وال كالم مج ِّم ِل‬ ‫•‬
‫صارت مبادئهم وصارـت خلفها *** أفعالهم في موكب‬ ‫•‬
‫متم ِّثل‬
‫حملوا القلوب على السيوف وأمعنوا *** في حملهن‬ ‫•‬
‫على الرماح ال ُّد َّبل‬
‫الموت للجبناء منحدر وللهمم الصعود شتان ما بين‬ ‫•‬
‫الثعالب في المعامع واألسود‬
‫• من عوامل بناء النفس محاسبتها محاسبة دقيقة؛ فالنفس‬
‫بطبيعتها تميل إلى الشهوات‪ ،‬إلى اللذات‪ ،‬إلى الهوى؛ فالبد لها من‬
‫محاسبة‪ ،‬والكل ال يشك أننا إلى هللا راجعون‪ ،‬محاسبون على‬
‫الصغير والكبير والنقير والقطمير‪ .‬األعمال محصاة في سجالت‬
‫محكمة ال تغادر صغيرة وال كبيرة ( َي ْو َم َيب َْع ُث ُه ُم هللاُ َج ِمي ًعا َف ُي َن ِّب ُئ ُه ْم‬
‫ين ْال ِقسْ َط لِ َي ْو ِم ْال ِق َيا َم ِة‬ ‫از َ‬ ‫ض ُع ْال َم َو ِ‬ ‫(و َن َ‬‫صاهُ هللاُ َو َنسُوهُ) َ‬ ‫ِب َما َع ِملُوا أَحْ َ‬
‫ان ِم ْث َقا َل َح َّب ٍة منْ َخرْ َد ٍل أَ َت ْي َنا ِب َها َو َك َفى‬ ‫َفالَ ُت ْظ َل ُم َن ْفس َش ْي ًئا َوإِن َك َ‬
‫ون) ما‬ ‫ين * َعمَّا َكا ُنوا َيعْ َملُ َ‬ ‫ِّك َل َنسْ أ َ َل َّن ُه ْم أَجْ َم ِع َ‬
‫ين) ( َف َو َرب َ‬ ‫ِب َنا َح ِ‬
‫اس ِب َ‬
‫دمنا نعلم ذلك‪ ،‬فمن العقل أن نحاسب أنفسنا في الرخاء قبل الشدة؛‬
‫ليعود أمرنا إلى الرضا والغبطة؛ ألن من حاسب نفسه علم عيوبها‬
‫وزالَّتها‪ ،‬ومواطن الضعف فيها‪ ،‬فبدأ بعالجها ووصف الدواء لها‪،‬‬
‫فينمي ذلك في النفس الشعور بالمسئولية ووزن األعمال‬
‫والتصرفات بميزان دقيق‪ ،‬أال وهو ميزان الشرع‪.‬‬
‫• ‪ .‬لقد عرف‪ M‬السلف الصالح أهمية ذلك‪ ،‬فحققوها في‬
‫أنفسهم‪ ،‬هاهو أحدهم – كما أورد [ابن أبي الدنيا] بسنده‪-‬‬
‫جلس مع نفسه ذات يوم محاس ًبا في آخر عمره‪ ،‬نظر‪M‬‬
‫وقلَّب وفكر وقدر؛ فإذا عمره ستون عا ًما‪ ،‬حسب أيامها‬
‫فإذا هي تر‪M‬بو على واحد وعشرين ألف يوم وخمسمائة‪،‬‬
‫فصر‪M‬خ وقال‪ :‬يا ويلتاه‪ ،‬أألقى هللا بواحد وعشر‪M‬ين ألف‪M‬‬
‫ذنب وخمسمائة‪ ،‬هذا إن كان ذنب واحد؛ فكيف‪ M‬وفي كل‬
‫يوم عشرة آالف ذنب؟ ثم خرَّ مغش ًيا عليه‪ .‬فالمحاسبة‬
‫تر‪M‬وِّ ض النفس وتهذبها‪ ،‬وتز‪M‬يد العمل الصالح‪ ،‬وتولِّد‬
‫الحياء من هللا‪ ،‬و ُتلزم خشية هللا‪ .‬فحاسبوا أنفسكم قبل أن‬
‫حاسبوا‪ ،‬و ِز‪M‬نوها قبل أن توز‪M‬نوا؛ فإنه أهون في الحساب‬ ‫ُت َ‬
‫غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم‪ ،‬و َت َزيَّنوا للعرض األكبر‬
‫ُون الَ َت ْخ َفى ِمن ُك ْم َخا ِف َي ٌة)‬
‫( َي ْو َم ِئ ٍذ ُتعْ َرض َ‬
‫ومحاسبة بعد العمل وهي على أنواع‪:‬‬ ‫•‬
‫أحدها‪ :‬محاسبة النفس على طاعة قصرت فيها في حق هلل؛ فلم‬ ‫•‬
‫توقعها على الوجه الذي ينبغي أن توقع وحق هللا – كما تعلمون‪-‬‬
‫في الطاعة ستة أمور‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬اإلخالص في العمل‪ ،‬ثم النصيحة هلل فيه‪ ،‬ثم متابعة الرسول‬ ‫•‬
‫‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪،-‬‬
‫ثم شهود مشهد اإلحسان‪ ،‬وهو أن تعبد هللا كأنك تراه‪ ،‬ثم شهود ِم َّن ِة‬ ‫•‬
‫هللا عليك في التوفيق ألدائه‪ ،‬ثم شهود تقصيرك فيه بعد ذلك كله‪.‬‬
‫أما الثانية‪ :‬فمحاسبتها على كل عمل كان تركه خيرً ا له من فعله‪.‬‬ ‫•‬
‫وأما الثالثة‪ :‬فمحاسبتها على األمور المباحة أو المعتادة لِ َم فعلها؟‬ ‫•‬
‫ومما يعين على محاسبة النفس معرفة عيوبها‪ ،‬ومن عرف عيبه‬
‫كان أحرى بإصالحه‪.‬‬
‫ومما يعين على معرفة عيوب النفس أمور‪ :‬مالزمة العلماء الصادقين‬ ‫•‬
‫المخلصين العاملين الناصحين‪ ،‬وكذلك مالزمة األخوة الصالحين الذين‬
‫يذكرونك هللا ويخوِّ فونك حتى تلقى هللا –سبحانه وتعالى‪ -‬آم ًنا‪ .‬والمؤمن‬
‫للمؤمن –كما تعلمون ‪ -‬كاليدين؛ تغسِّل إحداهما األخرى‪ ،‬وقد ال يُقلع‬
‫الوسخ أحيا ًنا إالَّ بنوع من الخشونة‪.‬‬
‫لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة بعد ذلك ما يحمد به ذلك التخشين؛‬
‫فاصبر على مرارة التخشين بتعريفك بعيوبك من إخوانك‪ ،‬لتحمد ذلك‬
‫ولو بعد حين‪ .‬ومما يعين على معرفة العيوب ‪ ،‬التأمل في النفس‬
‫بإنصاف وتجرد؛ فمن تأمل في نفسه بإنصاف وتجرُّ د عرف عيوبها‪،‬‬
‫ً‬
‫صالحا ولم تتأمل في نفسك‬ ‫فإن عدمت عال ًما‪ ،‬وإن عدمت قري ًنا‬
‫بإنصاف‪ ،‬وإن شاء هللا ال يعدم هؤالء؛ فابحث على عيوبك عند أعدائك‪،‬‬
‫واستفد منهم؛ فالحكمة ضالتك‪.‬‬
‫وعين الرضا عن كل عين كليلة ***‬ ‫•‬
‫ولكن عين السخط تبدي المساويا‬ ‫•‬
‫والكيِّس من دان نفسه‪ ،‬وعمل لما بعد الموت‪ ،‬والعاجز من أتبع نفسه‬ ‫•‬
‫هواها‪ ،‬وتم َّنى على هللا األماني‬
‫• ومن أهم عوامل بناء النفس‪ :‬طلب العلم المقرب إلى هللا‬
‫‪-‬جل وعال‪ -‬والعمل به‪ ،‬والدعوة إليه‪ ،‬والصبر على األذى في‬
‫تبليغه‪ ،‬أقول هذا لسببيْن اثنيْن؛ ألن العبادة بال علم توقع في البدع‪،‬‬
‫وما وقع المبتدعة فيما وقعوا فيه إال عن جهل غال ًبا‪ ،‬وألن العلم‬
‫مادة الدعوة إلى هللا –جل وعال‪ ،-‬ودعوة إلى هللا بال علم قد تضر‬
‫وال تنفع‪ ،‬وقد يصاحبها االنحراف والضالل‪.‬‬
‫• وما الداعية بال علم إال كواقف على شاطئ البحر ينتظر وينظر؛‬
‫فإذا األمواج تتقاذف سمكة من األسماك َي ْم َنة و َيسْ َرة‪ ،‬تطفو بها‬
‫تارة‪ ،‬وتغوص بها أخرى‪ ،‬فيشفق عليها مما هي فيه‪ ،‬فيأخذها‪ ،‬ثم‬
‫يرميها على الشاطئ ظ ًنا منه أنه أنقذها‪ ،‬وما علم أنه أهلكها‪ ،‬وإن‬
‫للخير سبالً‪ ،‬وكم من مريد للخير يجهل العلم ال يدركه‪ ،‬فيا طالب‬
‫العلم‪ ،‬العلم هام لهاتيْن النقطتيْن‪،‬‬
‫ولك خصال عند هللا وميْزات قلَّما تجد ألي شخص من األشخاص‬ ‫•‬
‫ً‬
‫حافزا‬ ‫وعها وقف عندها علَّها تكون لك‬ ‫في هذه الحياة‪ ،‬اسمعها ِ‬
‫أوالً‪" :‬من سلك طري ًقا يلتمس فيه عل ًما سهَّل هللا له به طري ًقا إلى‬ ‫•‬
‫الجنة" فأنت تسلك طريق الجنة وال شك‪ ،‬قال ذلك الصادق‬
‫المصدوق صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬المالئكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع‪.‬‬ ‫•‬
‫ثالثاً‪ :‬أهل السماوات واألرض ‪-‬حتى الحيتان في جوف البحر‪-‬‬ ‫•‬
‫يصلون على معلم الناس الخير‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬الخيرية لك "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"‪.‬‬ ‫•‬
‫سا‪ :‬النضارة والوضاءة في الدنيا واآلخرة‪ ،‬تجد وجوه طلبة‬ ‫خام ً‬ ‫•‬
‫العلم المخلصين‪ ،‬عليها النور وعليها الوضاءة في الدنيا وتبيض‬
‫( َي ْو َم َت ْب َيضُّ وُ جُوهٌ َو َتسْ َو ُّد وُ جُوهٌ) يقول النبي ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ " :-‬نضر هللا امرئ سمع مقالتي فوعاها‪ ،‬فأداها كما سمعها؛‬
‫فربَّ مبلغ أوعى من سامع"‪.‬‬
‫سا‪ :‬التعديل والتزكية ال من البشر القاصرين المخطئين‪ ،‬ولكن من‬ ‫ساد ً‬ ‫•‬
‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله‪،‬‬
‫ينفون عنه تحريف الغالين‪ ،‬وانتحال المبطلين‪ ،‬وتأويل الجاهلين‪.‬‬
‫العلم أحلى وأغلى ما له استمعت أذن وأعرب عنه ناطق بفم‪.‬‬ ‫•‬
‫العلم أشرف مطلوب وطالبه *** هلل أكرم من يمشي على قدم‬ ‫•‬
‫واآلداب فالتزم‬
‫َ‬ ‫فق ِّدس العلم واعرف قدر حرمته *** في القول والفعل‬ ‫•‬
‫تبغ به بدالً *** فقد ظفرت ورب اللَّوح والقلم‬
‫يا طالب العلم ال ِ‬ ‫•‬
‫ينم‬
‫واجهد بعزم قوي ال انثناء له *** لو يعلم المرء قدر العلم لم ِ‬ ‫•‬
‫يقم‬
‫والنية تجعل لوجه هللا خالصة *** إن البناء بدون األصل لم ِ‬ ‫•‬
‫• ثم اعلم ‪-‬أخي طالب العلم‪ -‬أن الوقوف‪ M‬على بعض أخبار‪M‬‬
‫طلبة العلم والعلماء من خير الوسائل التي تغر‪M‬س الفضائل‬
‫في النفوس‪ ،‬وتدفع النفس الضعيفة إلى تحمُّل الشدائد‬
‫والمكاره في سبيل الغايات النبيلة والمقاصد الجليلة‪،‬‬
‫وتبعث فيها روح التأسي بذوي التضحيات في سبيل العلم‬
‫لتسمو إلى أعلى الدرجات‪ .‬في أخبارهم إثارة قوية‬
‫لمشاعر طالب العلم الذي يسعى جاه ًدا للوصول إلى‬
‫المقامات العليَّة في العلوم الشرعية‪ .‬جاء في تر‪M‬تيب‬
‫المدار‪M‬ج‪ :‬أن [ابن القاسم] ‪-‬عليه ر‪M‬حمة هللا‪ -‬تزوج ابنة‬
‫عمه‪ ،‬وحملت منه‪ ،‬وقد كان شغو ًفا بطلب العلم‪ ،‬فقر‪M‬ر أن‬
‫ير‪M‬تحل لطلب العلم‪ ،‬وخ َّير‪M‬ها عند سفره بين البقاء أو‬
‫الطالق‪ ،‬فاختارت البقاء معه‪ ،‬فسافر حتى أتى‬
‫<المدينة>‪،‬‬
‫• وترك زوجه حامالً في بالده‪ .‬فاسمع ما يقول؛ يقول‪ :‬كنت آتي كل‬
‫يوم [اإلمام مالك] –عليه رحمة هللا‪ -‬في ظلمة الليل‪ ،‬في آخر‬
‫الليل‪ ،‬في غلس‪ ،‬فأسأله عن مسألتيْن أو ثالث أو أربع‪ ،‬وكنت أجد‬
‫انشراحا للصدر‪ ،‬فكنت أستغل ذلك االنشراح‪،‬‬‫ً‬ ‫منه في ذلك الوقت‬
‫فآتيه كل سحر‪ ،‬قال‪ :‬فجئت يو ًما‪ ،‬فتوسدت مرة عتبة بابه‪ ،‬فغلبتني‬
‫ت‪ ،‬وخرج اإلمام مالك إلى المسجد‪ ،‬ولم أشعر به‪.‬‬ ‫عيناني‪ ،‬ف ِنمْ ُ‬
‫قال‪ :‬فخرجت جارية سوداء له‪ ،‬فركزتني برجلها‪ ،‬وقالت‪ :‬إن‬
‫اإلمام قد خرج إلى المسجد‪ ،‬ليس يغفل كما تغفل أنت‪ .‬إن له اليوم‬
‫تس ًعا وأربعين سنة قلَّما صلى الصبح إال بوضوء العتمة‪ ،‬يصلي‬
‫الصبح بوضوء العشاء لمدة تسع وأربعين سنة! يقول [ابن القاسم]‪:‬‬
‫فأنخت بباب مالك سبع عشرة سنة أطلب العلم‪ ،‬وهللا ما بعت فيها‬
‫وال اشتريت شي ًئا‪ ،‬وإنما أطلب العلم‪ .‬قال‪ :‬وبينما أنا عنده إذ أقبل‬
‫حجاج <مصر> –بلده‪-‬‬
‫• فإذا شاب ملثم دخل علينا‪ ،‬فسلم على مالك‪ ،‬وقال‪ :‬أفيكم‬
‫ابن القاسم؟ فأشير إليَّ ‪ ،‬قال‪ :‬فأقبل علي يقبل عيني ويدي‬
‫ريحا طيبة؛ فإذا هي رائحة الولد‪ ،‬وإذا هو‬ ‫وجدت منه ً‬
‫ابني الذي ذهبت‪ ،‬وهو في بطن أمه قد أصبح شا ًبا ياف ًعا‬
‫وأعطوا العلم كل شيء‪ ،‬ففتح هللا‬ ‫ْ‬ ‫فياهلل‪ .‬تركوا كل شيء‪،‬‬
‫فتحا ال يخطر بالبال‪ ،‬وال يدور بالخيال‪ .‬ال نقول‪:‬‬ ‫عليهم ً‬
‫لنعط العلم‬
‫ِ‬ ‫أعط ْوا؛ فنحن أق ُّل وهللا‪ .‬لكن لنقول‪:‬‬ ‫ُ‬
‫أعطوا ما َ‬
‫بعض شيء علَّنا نكون شي ًئا‪ ،‬نسأل هللا أن ييسر لنا العلم‬
‫النافع والعمل الصالح‪ ،‬هو ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫حكى [الخطيب التبريزي] اللغوي‪ :‬أن [أبا حسن الغالي] األديب كانت له‬
‫نسخة من كتاب الجمهرة [البن دريد] كانت في غاية الجودة‪ ،‬فدعته الحاجة‬
‫ذات يوم لبيعها‪ ،‬فكتب أبيا ًتا في آخرها يعبر عن معاناته في بيع أعز ما‬
‫لديه وهو الكتاب‪ ،‬لكنها الحاجة ‪ -‬ونسأل هللا أن يغنينا عمن أغناه عنا‪-‬‬
‫عرضها للبيع فاشتراها منه [أبو القاسم] المذكور قبل قليل‪ ،‬اشتراها منه‬
‫ً‬
‫دينارا‪ ،‬ثم قام بتصفحها‪ ،‬فوجد فيها تلك األبيات بخط بائعها يقول‬ ‫بستين‬
‫فيها‪:‬‬
‫• أنست بها عشرين حوالً وبعتها *** لقد طال وجدي بعدها وحنيني‬
‫• وما كان ظني أنني سأبيعها *** ولو خلدتني في السجون ديوني‬
‫• ولكن لضعف وافتقار وصبية *** صغار عليهم تسته ُّل شجوني‬
‫• فقلت ولم أملك سوابق عبرتي *** مقالة مكويِّ الفؤاد حزين‬
‫• وقد تخرج الحاجات يا أم مالك *** كرائم من ربٍّ ِبهن ظنين‬
‫• فقرأها وتأثر أبو القاسم‪ ،‬وفاضت عيناه‪ ،‬وذهب وأرجع النسخة له‪ ،‬وترك‬
‫له الدنانير‪ ،‬فرحم هللا الجميع‪.‬‬
‫يا أيها الداعية إلى هللا البد أن تضع نصب عينيْك بعض األمور الغير المرتبة‪:‬‬ ‫•‬
‫ِّك‬
‫يل َرب َ‬ ‫أوالً‪ :‬أن الحكمة مطلوبة‪ ،‬وهي وضع الشيء في موضعه ْ‬
‫(اد ُع إِلِى َس ِب ِ‬ ‫•‬
‫ِب ْال ِح ْك َم ِة َو ْال َم ْو ِع َظ ِة ْال َح َس َن ِة) فالشدة في موضوعها حكمة‪ ،‬والرفق في موضعه‬
‫حكمة‪ ،‬وما كان في شيء إال زانه‪ ،‬وما نزع من شيء إال شانه‪ .‬ووضع الندى‬
‫ُض ٌر‬
‫في موضع السيف بالعال م ِ‬
‫كوضع السيف في موضع الندى‪.‬‬ ‫•‬
‫ثان ًيا‪َ :‬ربِّ نفسك وربِّ الناس‪ ،‬وابنهم على صغار العلم قبل كباره؛ فإن غذاء‬ ‫•‬
‫الكبار –كما يقال‪ -‬سم الصغار‪ ،‬فلو قدمت لقمة لحم لرضيع لربما تقتله فلينتبه‬
‫لذلك‪ .‬التدرج في طلب العلم؛ فالقفزات المحطمة ال خير فيها‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬تحديد الهدف مع الدراسة والتخطيط؛ التخاذ الوسائل المناسبة الموصلة‬ ‫•‬
‫إلى الهدف‪ ،‬ومثل الذين يعلمون من غير تحديد ألهدافهم كمثل إنسان يضرب‬
‫في الصحراء دون أن يكون معه دليل يرشده أو قائد يهديه‪ ،‬وال شك أنه سيظل‬
‫يسير حتى َي َم َّل السير‪ ،‬ويضرب في األرض حتى يضطرب ويختل‪ ،‬وعندئذ‬
‫يتمنى لو يعود من حيث أتى‪ ،‬وهيهات هيهات‪ ،‬والشك أن الهدف هو نشر دين‬
‫هللا في األرض كما أمر؛ فالبد من وسائل صحيحة سليمة ومقدمات معينة‬
‫توصل للهدف المطلوب‪ ،‬وهي غير خافية على المسلم البصير‪.‬‬
‫• راب ًعا‪ :‬ليس كل ما يعرف يقال‪ ،‬ولكل مقام مقال‪ ،‬حدثوا الناس بم‬
‫يعرفون‪ .‬أتريدون أن ي َّ‬
‫ُكذب هللا ورسوله؟‬
‫سا‪ :‬علينا أن نتعرف على طبيعة األرض قبل أن نحرث فيها‬ ‫• خام ً‬
‫الحرث؛ بمعني أن نكون على معرفة بأحوال المدعوين النفسية‪،‬‬
‫وظروفهم االجتماعية‪ ،‬ودراسة البيئة التي ندعو فيها‪ ،‬وخير قدوة‬
‫لنا في ذلك رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬الذي كان على علم‬
‫باألفراد؛ فتعلمون في صلح الحديبية يوم يأتي أحد المشركين‬
‫للصلح‪ ،‬فيقول النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ :-‬هذا رجل فاجر‪ ،‬فكان‬
‫كما قال ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ولم يجعل معه شيء قال‪ :‬ويأتي‬
‫آخر‪ ،‬فيقول ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪" :-‬هذا رجل متألِّه ابعثوا الهدي‬
‫في وجهه"‪ ،‬فبعثوا الهدي في وجهه‪ ،‬فرجع وهو يقول‪ :‬ما كان‬
‫ص ُّدوا عن البيت‪ ،‬ويأتي [سهيل]‪ ،‬فيقول النبي‬‫لمثل هؤالء أن ُي َ‬
‫"سهُل أمرُكم؛ فكان الصلح‪".‬‬ ‫‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪َ :-‬‬
‫سا‪ :‬ال يعول على الكثرة من الجماهير في الرخاء وقت الشدة بل ليكن‬ ‫ساد ً‬ ‫•‬
‫التعويل على أصحاب السوابق‪ ،‬يا أهل سورة البقرة‪ ،‬ويا أهل بيعة الشجرة‪.‬‬
‫ساب ًعا‪ :‬المنبر من أعظم وسائل الدعوة إلى هللا‪ ،‬لكنه ليس الوسيلة الوحيدة؛‬ ‫•‬
‫فهناك الرسائل‪ ،‬وهناك الهاتف والملصقات والكتب واللقاءات واألشرطة‪،‬‬
‫وما األشرطة؟ مالئة الدنيا ونافعة الناس قال فيها أحد العلماء‪:‬‬
‫وفي كل زمان مضى آية ***‬ ‫•‬
‫وآية هذا الزمان الشريط‬ ‫•‬
‫ولن يعدم قاصد الخير الوسائل الشرعية إن خطط ودرس وأخلص وصدق‪.‬‬ ‫•‬
‫ثام ًنا‪ :‬الترفع عن مجاراة السفهاء؛ إذ كيف يجاري العالم السفيه؟ وكيف‬ ‫•‬
‫وق سيئ الخلق؟ إنه إقحام‬ ‫الخلُ ُ‬ ‫يعامل الحليم من فقد الحلم؟ وكيف يباري َ‬
‫للنفس في ميدان ال تقبل فيه السالمة‪ ،‬وال تؤمن فيه العاقبة؛ فأمسك ‪-‬أيها‬
‫الداعية ويا طالب العلم‪ -‬عن مخاطبة السفهاء‪ ،‬ومجاراة السفهاء‪ ،‬والتورُّ ط‬
‫معهم‪ ،‬فهم موجودون في كل عصر‪ ،‬وهم موجودون في كل بيئة يشاغبون‬
‫مع كل داعية‪ ،‬ال يخلو منهم جيل‪ ،‬ولذا نبه القرآن الكريم على خطرهم‪،‬‬
‫(و ْأمُرْ ِب ْالعُرْ ِ‬
‫ف َوأَعْ ِرضْ َع ِن‬ ‫وحذر عن مجاراتهم ومناقشاتهم فقال‪َ :‬‬
‫ْال َجا ِهلِ َ‬
‫ين)‬
‫تاس ًعا‪ :‬ال تلتفت إلى الوراء؛ فإن وراء الداعية نعي ًقا وعوا ًء للباطل لو التفت‬ ‫•‬
‫إليه لربما تأثر به‪ ،‬و لربما ضعف سيره به وانشغل به عمَّا هو أهم منه‪،‬‬
‫ولذا ضرب [ابن القيم] –عليه رحمة هللا‪ -‬مثالً للمتلفت لنعيق الباطل‬
‫بالظبي‪ ،‬ومثل أهل الباطل بالكلب‪ ،‬فيقول‪ :‬الظبي أشد سعيًا من الكلب‪ ،‬لكن‬
‫الظبي إذا أحس بالكلب وراءه التفت إليه‪ ،‬فضعف سعيه‪ ،‬فأدركه الكلب‪،‬‬
‫وهو أبطأ منه؛ فالسالك لهذا الطريق ليس في وقته متسع لتشتيته هنا‬
‫وهناك؛ فكيف يتأثر بأقاويل وادعاءات المبطلين‪ ،‬من يثق بالطريق الذي‬
‫يسير فيه إذا صاحوا به في طريق َسيره فال تلتفت إليهم ‪.‬‬
‫عاشرا‪ :‬إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم‪ ،‬ال تأخذ العلم من‬ ‫ً‬ ‫•‬
‫(والَ ُت ِطعْ َمنْ أَ ْغ َف ْل َنا َق ْل َب ُه َعن ِذ ْك ِر َنا َوا َّت َب َع َه َواهُ‬
‫صاحب هوى أو من غافل َ‬
‫ان أَمْ ُرهُ فُ ً‬
‫رُطا)‬ ‫َو َك َ‬
‫أخيرا‪ :‬وقد أطلت في هذه النقطة ألهميتها‪ ،‬البد للطلب والدعوة من صبر‬ ‫ً‬ ‫•‬
‫عظيم كصبر الجماد‪ ،‬وليكن معزيك ما يجده الصابر عند ربه يوم يوفى‬
‫الصابرون أجرهم بغير حساب‪ .‬إن المريض ليتجرع الدواء المرَّ ال يكاد‬
‫يسيغه؛ أمالً في حالوة العافية ولو بعد حين ‪.‬‬
‫صبرت ومن يصبر يجد غبِّ صبره ***‬ ‫•‬
‫ألذ وأحلى من جنى النحل في الفم‬ ‫•‬
‫• ومن عوامل بناء النفس‪ :‬المداومة على العمل وإن قل؛ ألن‬
‫المداومة على األعمال الصالحة واالستمرار عليها تثبيت‬
‫وترويض للنفس البشرية لمواجهة أعباء الطريق وتكاليفه‪،‬‬
‫وصرف لمكايد الشيطان ونوازعه‪ ،‬ولذا لمَّا سئل رسول هللا –‬ ‫ٌ‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ :-‬أي األعمال أحب إلي هللا؟ قال‪" :‬أدومها‬
‫وإن قل " كما روي [البخاري]‪ ،‬ويقول صلى هللا عليه وسلم "‬
‫أديموا الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير‬
‫خبث الحديد " فإذا عود المرء نفسه على الفضائل انقادت له –‬
‫والشك‪ ،-‬وإذا تهاون فأقدم مرة وأحجم مرة كان إلى النكوص‬
‫أقرب‪ ،‬والشيطان إذا رآك مداومًا على طاعة هلل –عز وجل‪-‬‬
‫ك ورفضك‪ ،‬وإن رآك مرة هكذا‬ ‫فبغاك وبغاك؛ فإن رآك مداو ًما َملَّ َ‬
‫ومرة هكذا طمع فيك؛ فداوم على الطاعات؛ فإن هللا من فضله‬
‫وكرمه أنه إذا جاء ما يصرفك عن أداء الطاعات من عجز‬
‫ومرض وفتنة؛ فإن األجر يجزيه هللا ‪-‬تعالى‪ -‬لك كما كنت‬
‫صحيحا كما أخبر بذلك النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬كما في‬ ‫ً‬
‫البخاري " إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل‬
‫صحيحا " فضال من هللا ونعمة فله الحمد‬ ‫ً‬ ‫مقي ًما‬
‫• من عوامل بناء النفس مجالسة من رؤيتهم تذكر باهلل ‪-‬عز وجل‪-‬؛‬
‫فمجالستهم تريك ما في نفسك من قصور وضعف وعيوب؛ فتصلحها وتهذبها؛‬
‫فهم زينة الرخاء وعدة البالء يذكرونك إن نسيت‪ ،‬ويرشدونك إن جهلت‪،‬‬
‫يأخذون بيدك إن ضعفت‪ ،‬مرآة لك وألعمالك‪ ،‬إن افتقرت أغنوك‪ ،‬وإن دعوا‬
‫هللا لن ينسوك "هم القوم ال يشقى بهم جليسهم" من جالسهم وأحبهم أذاقه هللا‬
‫حالوة اإليمان التي فقدها الكثير‪ ،‬وأحلوا بدالً منها حبَّ المصلحة التي تنتهي‬
‫بنهاية المصلحة‪ ،‬إذا رأيت هؤالء خشع قلبك‪ ،‬واطمأن وسكن ووصل إلى ما‬
‫يصل إليه سلفنا ‪-‬أحيا ًنا‪ -‬يوم يجد أحدهم حبيبه في هللا؛ فيتهلل وجهه ً‬
‫بشرا‬
‫وفرحا‪ ،‬ويفيض دمعه حينما يرى أحد جالَّسه‪ ،‬وذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء‪،‬‬ ‫ً‬
‫فإذا ظفرت ‪-‬أخي‪ -‬بمجالسة مثل هؤالء؛ فأحبهم وأخبرهم أنك تحبهم واطلب‬
‫الدعاء منهم في حال الفراق في ظهر الغيب‪ ،‬وأطلق وجهك عند لقائهم‪،‬‬
‫وابدأهم بالسالم‪ ،‬ونادهم بأحب األسماء وال ُك َني لديهم‪ ،‬وأفسح لهم في المجلس‪،‬‬
‫وزرهم بين آونة وأخري؛ فالثمرة اليانعة لمجالسة من يذكرونك باهلل يقصر‬
‫العبد عن إحصائها‪ ،‬ويكفي أنها تجعلك تذوق حالوة اإليمان‪ ،‬وتدخلك في‬
‫ين َي ْدع َ‬
‫ُون‬ ‫ك َم َع الَّ ِذ َ‬ ‫(واصْ ِبرْ َن ْف َس َ‬ ‫السبعة الذين يظلهم هللا يوم ال ظل إال ظله َ‬
‫اك َع ْن ُه ْم ُت ِري ُد ِزي َن َة ْال َح َيا ِة‬ ‫َر َّبهُم ِب ْال َغ َدا ِة َو ْال َع ِشيِّ ي ُِري ُد َ‬
‫ون َوجْ َه ُه َوالَ َتعْ ُد َع ْي َن َ‬
‫ً‬
‫صالحا‬ ‫ال ُّد ْن َيا) ومنها طلب الوصية من الصالحين يوم يُقيِّض هللا للمرء رجال‬
‫يعظه‪ ،‬يثبته هللا وينفعه بتلك الكلمات‪ ،‬فتنبني نفسه‪ ،‬و ُتس َّدد خطاه يوم يتعرض‬
‫لفتنة أو بالء من ربه ليمحصه به‪.‬‬
‫• هاهو [اإلمام أحمد] يساق إلى [المأمون] مقي ًدا باألغالل‪ ،‬وقد توعده‬
‫وعي ًدا شدي ًدا قبل أن يصل إليه حتى قال خادمه‪ :‬يعز‪ M‬عليَّ يا أبا عبد‬
‫هللا أن المأمون قد س َّل سي ًفا لم يسله قبل ذلك‪ ،‬وأنه أقسم بقر‪M‬ابته من‬
‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬لئن لم تجبه ليقتلنك بذلك السيف‪،M‬‬
‫وهنا يأتي الصالحون‪ ،‬أهل البصيرة لينتهزوا الفرصة ليلقوا بالوصايا‬
‫التي تثبت في المواقف الحرجة ففي السير‪ :‬أن [أبا جعفر‪ M‬األنبار‪M‬ي]‬
‫قال‪ :‬لما حُمل اإلمام أحمد إلى المأمون أخبرت‪ ،‬فعبر‪M‬ت الفرات‪،‬‬
‫وجئته‪ ،‬فسلمت عليه‪ ،‬وقلت‪ :‬يا إمام أنت اليوم رأس‪ ،‬والناس يقتدون‬
‫بك؛ فوهللا لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبنَّ خلق كثير‪ ،‬وإن لم تجب‬
‫ليمتنعن خلق كثير‪ ،‬ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت‪ ،‬البد‬
‫من الموت فاتق هللا وال تجبه‪ ،‬واإلمام أحمد في سياق رحلته إلى‬
‫[المأمون]‬
‫• يقول‪ :‬وصلنا إلى رحبة‪ ،‬ورحلنا منها في جوف الليل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فعرض لنا رجل‪ ،‬فقال‪ :‬أيكم أحمد ابن حنبل؟ فقيل‪ :‬هذا‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫هذا ما عليك أن تقتل هاهنا وتدخل الجنة‪ ،‬ثم قال‪ :‬أستودعك هللا‪،‬‬
‫ومضى‪ .‬وأعرابي يعترضه‪ ،‬ويقول‪ :‬يا هذا إنك وافد الناس فال‬
‫تكن شؤمًا عليهم‪ ،‬إنك رأس الناس فإياك أن تجيبهم إلى ما‬
‫يدعونك إليه؛ فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة إن كنت تحب‬
‫هللا فاصبر؛ فوهللا ما بينك وبين الجنة إالّ أن تقتل‪ ،‬ويقول اإلمام‬
‫أحمد‪ :‬ما سمعت كلمة مذ وقعت في هذا األمر أقوى من كلمة‬
‫أعرابي كلمني بها ‪ ،‬قال ‪ :‬يا أحمد إن يقتلك الحق مت شهي ًدا‪ ،‬وإن‬
‫عشت عشت حميداً فقوَّ ى بها قلبي‪ .‬فإن أردت بناء نفسك فاحرص‬
‫على طلب الوصية من الصالحين‪ ،‬اعقلها إذا تُلِيَت عليك‪ ،‬اطلبها‬
‫سفر إذا خشيت مما يقع فيه‪ ،‬اطلبها أثناء ابتالء‪ ،‬أو قبل حدوث‬ ‫قبل ٍ‬
‫محنة متوقعة‪ ،‬اطلبها إذا ُعيِّنت في منصب صغر أو كبر‪ ،‬أو‬
‫ورثت ماالً وصرت ذا غنى‪ ،‬اطلبها في الشدة والرخاء والعسر‬
‫واليسر لتنبني نفسك‪ ،‬وينبني بها غيرك‪ ،‬وهللا ولي المؤمنين‪.‬‬
‫• ومنها الخلوة للتفرغ للعبادة‪ ،‬والتفكر في ملكوت هللا‬
‫واالستئناس بمناجاة هللا عن مناجاة الخلق في قيام ليل‬
‫ت عدا المكتوبة‪ ،‬في ذكر‬ ‫والناس نيام‪ ،‬في صالة في بي ٍ‬
‫هللا‪ ،‬في خلوة‪ ،‬عامل مهم في بناء النفس؛ فإن في ذلك‬
‫صفاء للذهن وسالمة من آفات الرياء والتصنع للناس‬
‫والمداهنة وفيه بعد عما يتعر‪M‬ض له اإلنسان غال ًبا‬
‫بالمخالطة من غيبة ونميمة ولهو وضياع وقت ومداهنة‪،‬‬
‫ولعل المرء في خلوة يذكر‪ M‬هللا فتفيض عيناه من خشية‬
‫هللا؛ فيكون من السبعة الذي يظلهم هللا بظله يوم ال ظل إال‬
‫ظله‪ ،‬ومع هذا فإن مخالطة الناس والصبر على أذاهم خير‪M‬‬
‫‪-‬كما أخبر النبي صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ولكن اخ ُل وخالط‪،‬‬
‫وك ٌل له وقته‪.‬‬
‫ومنها الدعاء فهو أهم عامل في بناء النفس؛ إذ هو العبادة –كما أخبر النبي‬ ‫•‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ففيه الذل والخشوع واالنكسار بين يديْ رب األرباب‬
‫ومسبب األسباب‪ ،‬هو الذي يجعل من الداعي رجالً يمشي مرفوع الهامة‬
‫والقامة‪ ،‬ال يخضع ألحد دون هللا –الذي ال إله إال هو‪ -‬وهو من صفات عباد‬
‫هللا المتقين الذين يعلمون أن القلوب بين إصبعيْن من أصابع الرحمن يقلِّبها‬
‫كيف يشاء؛ فكان لسان الحال والمقال‪" :‬يا مقلب القلوب ثبِّت قلبي على دينك"‬
‫هالَّ تحسسنا وتلمسنا مواطن وأسباب إجابة الدعاء؛ لعلنا نحظى بنفحة ربانية‬
‫تكون بها سعادة الدنيا واآلخرة‪ ،‬في ثلث ليل آخر‪ ،‬والناس هاجعون‪ ،‬والناس‬
‫نائمون‪.‬‬
‫فقد روى الثقات عن خير المال *** بأنه عز وجل وعال‬ ‫•‬
‫قبل‬
‫في ثلث الليل األخير ينزل *** يقول هل من تائب ف ُي ِ‬ ‫•‬
‫هل من مسيء طالب للمغفرة * يجد كري ًما قابالً للمعذرة‬ ‫•‬
‫َي ُمنُّ بالخيرات والفضائل *ويستر العيب ويعطي السائل‪.‬‬ ‫•‬
‫ومن عوامل بناء النفس‪ :‬تدبر كتاب هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬والوقوف عند أسمائه‬ ‫•‬
‫ب أَ ْق َفالُ َها) (أَ َفالَ‬
‫آن أَ ْم َع َلى قُلُو ٍ‬ ‫الحسنى وصفاته العال (أَ َفالَ َي َت َد َّبر َ‬
‫ُون ْالقُرْ َ‬
‫اخ ِتالَ ًفا َك ِثيرً ا) كلنا يقرأ‬ ‫هللا َل َو َج ُدوا ِفي ِه ْ‬
‫ان ِمنْ ِعن ِد َغي ِْر ِ‬ ‫ُون ْالقُرْ َ‬
‫آن َو َل ْو َك َ‬ ‫َي َت َد َّبر َ‬
‫القرآن‪ ،‬وكثير منا يحفظ القرآن؛ لكن هل من متدبر ربط حياته بالقرآن؛ أقبل‬
‫وتدبرا‪ ،‬منه ينطلق‪ ،‬وإليه يفيء؟ أولئك‬ ‫ً‬ ‫وتفسيرا وعل ًما وعمالً‬ ‫ً‬ ‫عليه تالوة‬
‫طوب‪ ،‬أولئك المس َّددون‬ ‫البانون أنفسهم‪ ،‬أولئك الثابتون إذا ادلهمَّت ال ُخ ُ‬
‫المهديون إذا أطلت الفتن برأسها؛ فأصبح الحليم حيرا ًنا‪ ،‬وإن وقفة واحدة مع‬
‫أسماء هللا الحسنى وصفاته العال الواردة في كتاب هللا‪ ،‬وسنة رسوله ‪-‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ -‬لتبني النفس بنا ًء ال يتزلزل وال يحيد‪ ،‬إنه السميع البصير ليس‬
‫كمثله شيء‪ ،‬إنه العليم الخبير ليس كمثله شيء‪ ،‬لو تفاعل المؤمن مع اسم هللا‬
‫السميع العليم‪ ،‬فربَّى نفسه عليها‪ ،‬فعلم أن هللا يسمعه في أي كلمة ينطقها‪ ،‬في‬
‫أي مكان يقولها وحده‪ ،‬مثنى‪ ،‬أمام الناس‪ ،‬عند من يثق به‪ ،‬عند من ال يثق به؛‬
‫فاهلل يسمعه سم ًعا يليق بجالله؛ بل إنه ليسمع ويرى دبيب النملة السوداء على‬
‫صلُح الحال‪.‬‬ ‫الصفاة السوداء في الليلة الظلماء؛ إذن َل َ‬
‫الذر* في الظلمات فوق ص ِّم الصَّخر‬ ‫هو الذي يرى دبيب َّ‬ ‫•‬
‫وسامع للجهر واإلخفات *** بسمعه الواسع لألصوات‬ ‫•‬
‫وعلمه بما بدا وما خفي *** أحاط علمًا بالجلي والخفي‬ ‫•‬
‫أخيرا‪ :‬أسئ الظن بنفسك يا عبد هللا؛ ألن حسن الظن‬ ‫ً‬ ‫•‬
‫بالنفس يمنع عن كمال اإلصالح ويرى المساوئ محاسن‬
‫والعيوب كماالً‪ ،‬وال يسيء الظن بنفسه إال من عارضها‪،‬‬
‫ومن أحسن ظنه بنفسه هو في أجهل الناس بنفسه‪ ،‬وكم‬
‫من نفس مستدرجة بالنعم‪ ،‬وهي ال تشعر مفتونة بثناء‬
‫ال ُجهَّال عليها‪ ،‬مغرور‪M‬ة بقضاء هللا حوائجها وستره عليها‪.‬‬
‫• أال فابنوا على التقوى قواعدكم ***‬
‫متداع‬
‫ٍ‬ ‫• فما ُي ْب َنى على غير التقى‬
‫• اللَّهم أنت خلقت أنفسنا وأنت تتوفاها؛ فز‪ِّ M‬كها أنت خير من‬
‫ز‪َّ M‬كاها‪ ،‬فز ِّكها أنت خير من زكاها‪ ،‬فز‪M‬كها أنت خير من‬
‫زكاها‪ ،‬أنت وليها وموالها‪ ،‬لك مماتها ومحياها‪ ،‬إن‬
‫أحييتها فاحفظها بما تحفظ به أنفس الصالحين‪ ،‬وإن أ َم َّتها‬
‫فاغفر لها وارحمها وأنت خير الراحمين‪ ،‬اللهم أتمم لنا‬
‫العافية في اآلخرة والدنيا والدين‪ ،‬اللهم أتمم لنا العافية في‬
‫اآلخرة والدنيا والدين‪ ،‬أنت ولينا تو َّفنا مسلمين وألحقنا‬
‫بالصالحين‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد هلل ر‪M‬ب العالمين‪،‬‬
‫وسبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬أشهد أن ال إله إال أنت‪،‬‬
‫أستغفر‪M‬ك وأتوب إليك‪.‬‬

You might also like