‫إدوارد ﺳﻌﯿﺪ وﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺘﺄﺧﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ‬

‫اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻤﻔﺘﺎﺣﯿﺔ‬
‫)ادوارد ﺳﻌﯿﺪ‪ ،‬ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺘﺄﺧﺮ‪ ،‬اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ(‬

‫م‪.‬م‪ .‬ﻋﺪي ﺣﺴﻦ ﻣﺰﻋﻞ‬

‫ﺟﺎﻣﻌﺔ واﺳﻂ‪ /‬ﻛﻠﯿﺔ اﻵداب‪ /‬ﻗﺴﻢ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ‪.‬‬

‫‪Audayhassan_m@yahoo.com‬‬
Edward Said And The Problem Of
Retardation In The Arabian World
Key words
(Edward Said , proplem of retardation , Arabian world)

A.L. Audy Hassan Mezael

University of Wasit
College of Arts

Department of philosophy

Audayhassan_m@yahoo.com
 ‫إدوارد ﺳﻌﯾد وﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﺗﺄﺧر ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ‬

‫ﻋﺑــﺎرة ﻣوﺣﯾــﺔ ﺗﻠــك اﻟﺗــﻲ ﺗطــﺎﻟﻊ ﻗــﺎرئ ادوارد ﺳــﻌﯾد)‪١٩٣٥‬ـ ـ‪ (٢٠٠٣‬ﻓــﻲ دراﺳــﺗﻪ‬
‫‪‬‬
‫)اﻟﺗﻣﻧﻊ‪ ،‬اﻟﺗﺟﻧب‪ ،‬اﻟﺗﻌرف (‪ ،‬واﻟﻣﻘﺗﺑﺳﺔ ﻣـن ﻧﯾﺗﺷـﻪ‪" :‬ﻓـﻲ اﻟﻣـرض ﯾﻛﻣـن اﻟﺟـواب ﻋﻧـدﻣﺎ‬
‫ﻧﻣﯾل إﻟﻰ اﻟﺷك ﺑﺣﻘﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﯾﺎم ﺑﺎﻟﻣﻬﻣﺎت اﻟﻣﻠﻘﺎة ﻋﻠﯾﻧﺎ"‪ .‬ﻓﻌن أي ﻣرضٍ ﯾﺗﺣدث ﺳـﻌﯾد‬
‫؟ وﻋن أي ﺟوابٍ ﯾﺑﺣث ﻟﻬذا اﻟﻣرض اﻟذي ﯾﻔﺗرض ﻓﯾﻪ اﻧﻪ ﯾﺣﻣل اﻟﺟواب ؟‬
‫ﺗﻌــود ﻫــذﻩ اﻟدراﺳــﺔ إﻟــﻰ ﻣطﻠــﻊ اﻟﺳــﺑﻌﯾﻧﺎت‪ ،‬وﻫــﻲ ﺗﻌﺑــر ﺑﺣــق ﻋــن اﻟﺗزاﻣــﻪ "اﻟﻣﺑﻛــر‬
‫ﺑﻘﺿﺎﯾﺎ اﻷﻣﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻹﺳﻼﻣﯾﺔ"‪ ،‬وﻟﻛﻧﻬﺎ ﻣن ﺟﻬـﺔ أﺧـرى ﻟﯾﺳـت ﺑﺎﻟﻣﻧزﻟـﺔ اﻟﺗـﻲ ﺗﺟﻌﻠﻬـﺎ‬
‫ﺗرﺗﻘﻲ إﻟﻰ وﺻﻔﻬﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ "ﺗﺗﺿﻣن ﺟﻣﯾﻊ أﻓﻛﺎر ادوارد ﺳـﻌﯾد اﻟرﺋﯾﺳـﯾﺔ اﻟﺗـﻲ ﺗﺟﺳـﻣت ﻓـﻲ‬
‫ﻛﺗﺑــﻪ اﻟﻼﺣﻘــﺔ وﺗﺑﻠــورت ﻓﯾﻬــﺎ ﺟﻣﻠــﺔ وﺗﻔﺻــﯾﻼً"‪ ،i‬ﻓﻔــﻲ ﻫــذا اﻟﺣﻛــم ﺷــﻲء ﻣــن اﻟﻣﺑﺎﻟﻐــﺔ‪،‬‬
‫واﻟــدﻟﯾل ﻋﻠــﻰ ذﻟــك أن ﺻــﺎﺣب ﻫــذا اﻟﺣﻛــم ﺳــﯾﺑدو أﻛﺛ ـر ﺣــذراً وﻣوﺿــوﻋﯾﺔ ﻓــﻲ ﻛﺗــﺎب‬
‫آﺧر‪ ،‬ﺣﯾﻧﻣﺎ ﯾﻘول ﻋن ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ‪ ":‬ﯾﻣﻛن اﻟﻧظر إﻟﯾﻬﺎ ﺑوﺻﻔﻬﺎ ﻣدﺧﻼً ﻷﻏﻠـب ﻛﺗﺎﺑﺎﺗـﻪ‬
‫اﻟﻼﺣﻘــﺔ‪ ،‬ﺧﺻوﺻ ـﺎً ﻓــﻲ ﻣﯾــدان اﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ واﻟﺗ ـراث واﻟﻬوﯾــﺔ‪ ،‬إذ ﺗﺿــم إﺷــﺎرات ﻣﻛﺛﻔــﺔ إﻟــﻰ‬
‫أﻓﻛﺎرﻩ اﻟﺗﻲ ﺗوﺳﻊ ﻛﺛﯾراً ﻓﻲ ﻣﻧﺎﻗﺷﺗﻬﺎ ﻻﺣﻘﺎً"‪ .ii‬وﻧﺣـن ﻧﻣﯾـل إﻟـﻰ اﻟﺣﻛـم اﻷﺧﯾـر‪ ،‬أي إﻟـﻰ‬
‫اﻟﻧظــر إﻟﯾﻬــﺎ ﺑوﺻــﻔﻬﺎ ﺗﺿــم "إﺷــﺎرات ﻣﻛﺛﻔــﺔ" أﻛﺛــر ﻣــن اﻟﻧظــر إﻟﯾﻬــﺎ ﻋﻠــﻰ أﻧﻬــﺎ ﺗﺗﺿــﻣن‬
‫"ﺟﻣﯾــﻊ أﻓﻛــﺎرﻩ"‪ .‬ﻓﻬــﻲ ﺗﺣﻣــل ﻓــﻲ ﻣﺿــﺎﻣﯾﻧﻬﺎ )ﺑﻌــض( ﻣــﺎ ﺳــﯾﻘوﻟﻪ ﺳــﻌﯾد ﻻﺣﻘـﺎً‪ ،‬وﺧﺎﺻــﺔ‬
‫ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻷﺷﻬر اﻻﺳﺗﺷراق‪ ،‬ﻛﻣﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﻛﺷف ﻋن ﺑﻌض ﺟواﻧب ﻓﻛـرﻩ‪ ،‬ﻓـﻲ ﺗﻠـك اﻟﻔﺗـرة‬
‫اﻟﻣﺑﻛ ـرة ﻣــن ﺣﯾﺎﺗــﻪ‪ .‬ﻓﺎﻫﺗﻣﺎﻣــﻪ اﻟﻣﺑﻛــر ﺑــﺎﻟواﻗﻊ اﻟﻌرﺑــﻲ آﻧــذاك‪ ،‬ﺑﻌــد أن ﻛــﺎن ﺑﻌﯾــداً ﻋﻧــﻪ‪،‬‬
‫ﯾﻘف ﺧﻠﻔﻪ اﻟﻌدﯾد ﻣـن اﻷﺳـﺑﺎب‪ ،‬أﻫﻣﻬـﺎ‪ :‬ﺣـرب ‪١٩٦٧‬ﺑـﯾن اﻟﻌـرب وا ٕ ﺳـراﺋﯾل‪ ،‬ﻓﻔـﻲ ﺗﻠـك‬
‫اﻟﻔﺗ ـرة ﻛــﺎن ﺳــﻌﯾد ﯾﻌــﯾش ﻓــﻲ أﻣرﯾﻛــﺎ‪ ،‬وﺑﻔﻌــل ﻫــذا اﻟﺣــرب وﺗــداﻋﯾﺎﺗﻬﺎ وﺟــد ﻧﻔﺳــﻪ وﺳــط‬
‫ﻣﺣﯾط ﻣﻌـﺎد ﻟﻛـل ﻣـﺎ ﻫـو ﻋرﺑـﻲ‪ ،‬وﻣﺳـﺎﻧد ﻹﺳـراﺋﯾل ﺑﺻـورة ﺗﺎﻣـﺔ‪ ،‬اﻵﻣـر اﻟـذي ﻧـﺗﺞ ﻋﻧـﻪ‬
‫أن أﺻ ــﺑﺢ ﻏرﯾﺑـ ـﺎً وﻣﺳ ــﺗﻬدﻓﺎً‪ ،‬ﺑﻌ ــد أن ﻛ ــﺎن أﻛﺎدﯾﻣﯾـ ـﺎً ﻣﺣﺗرﻣـ ـﺎً‪ ،‬وﺑ ــدئ ﯾواﺟ ــﻪ ﺗﻧ ــﺎﻗض‬
‫ﻣوﻗﻌــﻪ‪ ،‬إذ ﻟــم ﯾﻌــد ﺑﻣﻘــدورﻩ اﻣــﺗﻼك ﻫــوﯾﺗﯾن‪ ،iii‬ﻓﻬــو ﻣــن ﺟﻬــﺔ ﻋرﺑــﻲ ﻓﻠﺳــطﯾﻧﻲ اﻷﺻــل‬
‫واﻟﻧﺷﺄة وﻣن ﺟﻬﺔ أﺧرى ﻣواطن أﻣرﯾﻛﻲ ﯾﻌﯾش ﻓﻲ أﻛﺛر اﻟﺑﻠدان ﻣﺳﺎﻧدة ﻟﻣن ﻛـﺎن ﺳـﺑﺑﺎً‬
‫ﻓﻲ ﻧﻔﯾﻪ ﻋن أرﺿﻪ‪ .‬ﻟﻘد ﻛـﺎن ﻫـذا اﻟﺣـدث ﺑداﯾـﺔ ﻋودﺗـﻪ اﻟﻘوﯾـﺔ إﻟـﻰ اﻟﻌـﺎﻟم اﻟﻌرﺑـﻲ‪ ،‬إﻟـﻰ‬
‫اﻟﺗﻔﺎﻋ ــل ﻣﻌ ــﻪ واﻟﻛﺗﺎﺑ ــﺔ ﻋ ــن ﻗﺿ ــﺎﯾﺎﻩ اﻟﻌﺎﻣ ــﺔ واﻟﺧﺎﺻ ــﺔ‪ ،‬وﻣ ــﺎ ﻫ ــذﻩ اﻟدراﺳ ــﺔ إن ﻫ ــﻲ إﻻ‬
‫ﺗﺣﻠﯾل ﻋﺎم ﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟواﻗﻊ اﻟﻌرﺑﻲ آﻧذاك وﺗﺷﺧﯾص ﻟﺑﻌض أزﻣﺎﺗﻪ و"أﻣراﺿﻪ" ﻛﻣـﺎ ﯾﺣﻠـو‬
‫ﻟﺳـ ــﻌﯾد أن ﯾﻘـ ــول‪ .‬ﻓﻛﻠﻣـ ــﺎت وﻋﺑـ ــﺎرات ﻣﺛـ ــل‪" :‬أرﺿـ ــﻧﺎ"‪" ،‬ﺛﻘﺎﻓﺗﻧ ـ ـﺎ"‪" ،‬ﺗﺎرﯾﺧﻧـ ــﺎ"‪" ،‬ﻣﺻـ ــﯾرﻧﺎ‬
‫اﻟﺟﻣــﺎﻋﻲ ﻛﺷــﻌب"‪ ،‬وأﻛﺛــر ﻣــن ذﻟــك اﻟدراﺳــﺔ ﺑرﻣﺗﻬــﺎ‪ ،‬ﺗﻌﺑــر أﯾﻣــﺎ ﺗﻌﺑﯾــر ﻋــن ﻋودﺗــﻪ إﻟــﻰ‬
‫ﺗﻠــك اﻟﻬوﯾــﺔ‪ ،‬وذﻟــك اﻟواﻗــﻊ‪ .‬ﻫــذا اﻟﻣﻌﻧــﻰ ﯾﺗﺿــﺢ ﺑﻘــوة ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻟدراﺳــﺔ‪ ،‬ﻛﻣــﺎ ﯾﺗﺿــﺢ ﻓــﻲ‬
‫ﺗﻧﺎوﻟﻪ ﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑـﯾن اﻟﻐـرب واﻟﺷـرق‪ ،‬وﻣـﺎ اﻻﺳﺗﺷـراق وﻣﺳـﺄﻟﺔ ﻓﻠﺳـطﯾن وﺗﻐطﯾـﺔ‬
‫اﻹﺳ ــﻼم‪ .....‬إن ﻫ ــﻲ إﻻ ﻣؤﻟﻔ ــﺎت ﺗﺗﻧ ــﺎول ﻫ ــذﻩ اﻹﺷ ــﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗ ــﻲ ﻋﺑ ــر ﻋ ــن ﻣﻼﻣﺣﻬ ــﺎ‪،‬‬
‫ﺑﺷﻛل ﻣﻛﺛف وﻟﯾس ﺗﻔﺻﯾﻠﻲ‪ ،‬ﻓﻲ دراﺳﺗﻪ ﺳﺎﻟﻔﺔ اﻟذﻛر‪ ،‬واﻟﺗﻲ ﯾﺑـدو ﻓﯾﻬـﺎ‪ ،‬وﻣـن ﻣطﻠﻌﻬـﺎ‬
‫ﻣﺗﺷﺎﺋﻣﺎً وﻧﺎﻗداً ﻟﻠواﻗﻊ اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬ذﻟك اﻟواﻗﻊ اﻟﻣﻠﻲء ﺑﺎﻟﻔوﺿﻰ واﻟﺗﺷﺗت‪ .‬واﻟﺳـؤال اﻟرﺋﯾﺳـﻲ‬
‫اﻟذي ﯾرﻣﻲ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﯾﻪ ﻓﻲ دراﺳﺗﻪ ﻫذﻩ ﯾطرﺣﻪ ﺑﺎﻟﺷﻛل اﻟﺗﺎﻟﻲ‪":‬ﻣﺎ ﻫـو اﻟﺿـﻌف اﻟﻌـﺎم‬
‫اﻟذي ﯾﻌﺗري اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌرﺑﻲ واﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ....‬واﻟذي أﺑﻘﺎﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻧﺣن ﻋﻠﯾﻪ ؟"‪.iv‬‬
‫إن أول ﻣــﺎ ﯾﻠﻔــت اﻟﻧظــر ﻓــﻲ ﻫــذا اﻟﺳـؤال ﻫــو اﻧــﻪ ﺳـؤال اﻟﻧﻬﺿــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ ﺑرﻣﺗﻬــﺎ‪،‬‬
‫ذﻟك اﻟﺳؤال اﻟذي ﯾﻘول‪ :‬ﻟﻣـﺎذا ﺗـﺄﺧر اﻟﻌـرب وﺗﻘـدم اﻷوروﺑﯾـﯾن ‪ ...‬ﻟﻛﻧـﻪ ﻣطـروح ﺑﺄﻟﻔـﺎظ‬
‫ﻣﺧﺗﻠﻔــﺔ ﺗرﻛــز ﻋﻠــﻰ ﻣﻧــﺎﺣﻲ اﻟﺿــﻌف ﻓــﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻟﻌرﺑــﻲ‪ ،‬ﻣــن دون أن ﯾﻌﻧــﻲ ذﻟــك أن‬
‫اﻟﺳ ـؤال ﻻ ﯾﻧطﻠــق ﻣــن ذات اﻟﻬــﺎﺟس‪ ،‬ﻫــﺎﺟس اﻟﺗــﺄﺧر واﻟﺿــﻌف‪ ،‬اﻟــذي أﺻــﺑﺢ ﺻــﻔﺔ‬
‫ﻣﻼزﻣﺔ ﻟﻬذا اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‪ ،‬واﻟﻣطﻠوب اﻵن ﻫو ﺗﺣﻠﯾل أﺳـﺑﺎب ﻫـذا اﻟﺿـﻌف‪ ،‬وﻫـو ﻣـﺎ ﯾﻔﻌﻠـﻪ‬
‫ﺳــﻌﯾد اﻟــذي ﻧﻘ ـرأ ﻓــﻲ ﺗﺣﻠﯾﻠــﻪ ﻧﻔّﺳ ـﺎً ﻧﻬﺿــوﯾﺎً ﯾﺟﻌﻠــﻪ ﯾﻧﺗﻣــﻲ ‪ -‬وﻟــو ﻧﺳــﺑﯾﺎً ‪ -‬إﻟــﻰ ﺳــﻼﻟﺔ‬
‫اﻟﻣﻔﻛـرﯾن اﻟﻌـرب اﻟـذﯾن ﺑﺣﺛـوا ﻓـﻲ ﻣﺷـﻛﻠﺔ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌـﺎت اﻟﻌرﺑﯾـﺔ واﻟﻣﺗﻣﺛﻠـﺔ ﺗﺣدﯾـداً ﺑﺗﺄﺧرﻫـﺎ‬
‫ﻗﯾﺎﺳﺎً ﺑﺎﻟدول اﻷوروﺑﯾﺔ اﻟﻣﺗﻘدﻣﺔ‪ .‬وﻫل ﯾﻣﻛن ﻟﺑﺎﺣث ﻋرﺑﻲ ﯾﻛﺗب ﻋن واﻗﻌﻪ وﯾﻔﻠت ﻣـن‬
‫ﺗــردي ﻫــذا اﻟواﻗــﻊ وﻻ ﯾطــرح ﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻲ ﺳ ـؤال‪ :‬اﻟﺿــﻌف واﻟﺗــﺄﺧر اﻟــذي أﺻــﺎب اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ‬
‫اﻟﻌرﺑﻲ ؟‬
‫ﺗــدور دراﺳــﺔ ﺳــﻌﯾد ﺣــول ﻫــذا اﻟﺳ ـؤال‪ ،‬وأﺟﺎﺑﺗــﻪ ﻋﻧــﻪ ﺗﻧطﻠــق ﻣــن ﺗﺣﻠﯾﻠــﻪ ﻟﻠﻛﯾﻔﯾــﺔ‬
‫اﻟﺗــﻲ ﺗﺗﺷــﻛل ﺑﻬــﺎ اﻟﻬوﯾــﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾــﺔ ﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ ﻣــﺎ‪ ،‬إذ ﯾــرى أن ﺗﻛــوﯾن اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ ﻟﻧﻔﺳــﻪ ﯾﻌــود‬
‫ﻟﻔﻌﻠ ــﯾن أﺳﺎﺳ ــﯾﯾن ﻣ ــن أﻓﻌ ــﺎل أدراك اﻟ ــذات‪ ،‬اﻷول‪ :‬ﺧ ــﺎرﺟﻲ ﯾﺗﻣﺛ ــل ﻓ ــﻲ اﻟﺗﻔﺎﻋ ــل ﺑ ــﯾن‬
‫اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ ﻛوﺣــدة ﺛﻘﺎﻓﯾــﺔ وﺑــﯾن اﻟﻌــﺎﻟم اﻟﺧــﺎرﺟﻲ‪ ،‬واﻟﺛــﺎﻧﻲ‪ :‬داﺧﻠــﻲ ﯾﺗﻣﺛــل ﻓــﻲ اﻟﺗﻔﺎﻋــل ﺑــﯾن‬
‫اﻟوﺣــدة اﻟﺛﻘﺎﻓﯾــﺔ ﻛﻛــل وﺑــﯾن ﻋﻧﺎﺻــرﻫﺎ اﻟﻣﻛوﻧــﺔ ﻟﻬــﺎ‪ .‬وﻣــن ﺟــدل ﻫــذﯾن اﻟﻌــﺎﻣﻠﯾن ﺗﺗﺷ ـﻛل‬
‫اﻟﻬوﯾــﺔ ﺑﻘﻠﯾــل أو ﻛﺛﯾــر ﻣــن اﻟﺗﻣﺎﺳــك‪ .‬وﺑﺎﻟﻧﺳــﺑﺔ إﻟــﻰ اﻟﻌﺎﻣــل اﻟﺧــﺎرﺟﻲ وآﺛـرﻩ ﻋﻠــﻰ اﻟﻬوﯾــﺔ‬
‫اﻟﻌرﺑﯾـﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻧـﻪ ﯾﺑـدأ ﻣــﻊ ﺣﻣﻠـﺔ ﻧـﺎﺑﻠﯾون ﻋﻠـﻰ ﻣﺻــر)‪ ....(١٧٩٨‬ﺗﻠـك اﻟﺣﻣﻠـﺔ اﻟﺗـﻲ ﻛﺎﻧــت‬
‫ﻋﺑﺎرة ﻋن ﺻدام ﻣﻊ اﻟﻐرب‪ ،‬ﻣﻊ ﺳﯾﺎﺳﺗﻪ وﻋﻠوﻣـﻪ وﺛﻘﺎﻓﺗـﻪ‪ ،‬ﻓﻛـﺎن ﻣـن ﻧﺗﺎﺟﻬـﺎ أن اﻟـذﻫن‬
‫اﻟﻌرﺑــﻲ اﻟﺣــدﯾث ﺗﻛــون ﺑﺻــورة ﺟﻣﺎﻋﯾــﺔ ﺑﻔﻌــل ﻫــذﻩ اﻟﻣﺟﺎﺑﻬــﺔ ﺑــﯾن اﻟﻌــرب واﻟﻐــرب‪ ،‬وان‬
‫اﻟﺣﯾوﯾـﺔ اﻟﺗــﻲ ﯾﻌﯾﺷــﻬﺎ اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻟﻌرﺑـﻲ اﻟﯾــوم إﻧﻣــﺎ ﻫــﻲ ﻧﺗﯾﺟـﺔ ﻟﻬــذﯾن اﻟﻌــﺎﻣﻠﯾن‪ .‬ﻏﯾــر أن‬
‫ﻫـذﻩ اﻟﺣﯾوﯾــﺔ ﻻ ﺗﻧﻔــﻲ وﺟــود )ﺗﺷـوش( وﻋــدم وﺿــوح ﯾﻌﯾﺷــﻪ ﻫـذا اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ‪ ،‬وﻫــو ﺗﺷــوش‬
‫ﻣﺻــدرﻩ أﻫــداف ﻟــم ﺗﺗﺣﻘــق‪ ،‬وﻫوﯾــﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ ﺳﯾﺎﺳ ـﯾﺔ ﺛﻘﺎﻓﯾــﺔ ﻟــم ﯾﻛﺗﻣــل ﺗﻛو ﯾﻧﻬــﺎ ﺑﻌــد‪،‬‬
‫واﻻﻫــم أن ﻣــﺎ ﯾﻌﺎﻧﯾــﻪ اﻟﻌــرب ﻫــو ﻧﻣــط وﺟــودﻫم اﻟﻬﻼﻣــﻲ ﻓــﻲ ﻫــذا اﻟﻌــﺎﻟم‪ ،v‬واﻟــذي ﻫــو‬
‫ﻧﺗﯾﺟــﺔ ﻟﻠﺗﺑــﺎﯾن اﻟــذي ﺑﻘــﻲ ﻗﺎﺋﻣ ـﺎً ﻣﻧــذ ﻣطﻠــﻊ ﻋﺻــر اﻟﻧﻬﺿــﺔ وﺣﺗــﻰ اﻵن‪ ،‬ﻋﻠــﻰ ﺻــﻌﯾد‬
‫اﻟــوﻋﻲ واﻟﻣوﻗ ــف‪ ،‬إزاء ﺛﻘﺎﻓﺗﻧــﺎ وﺛﻘﺎﻓ ــﺔ اﻵﺧــر‪ ،‬اﻧ ــﻪ ﺗﺑــﺎﯾن ﺑ ــﯾن ﻋــﺎﻟﻣﯾن‪ :‬اﻷول ﻣﺗ ــﺄﺧر‪،‬‬
‫واﻟﺛــﺎﻧﻲ ﻣﺗﻘــدم‪ .‬ﻓــﺎﻷول ﯾﻌــﯾش ﻋﻠــﻰ رﺻــﯾد ﺗراﺛــﻲ ﺿــﺧم ﯾﺿــﻐط ﻋﻠــﻰ وﻋﯾــﻪ وﯾﺻــﻌب‬
‫ﻋﻠﯾ ــﻪ أن ﻟ ــم ﯾﻛ ــن ﻣ ــن اﻟﻣﺳ ــﺗﺣﯾل اﻻﻧﻔﺻ ــﺎل ﻋﻧ ــﻪ‪ ،‬ﻓﻔ ــﻲ ﻫ ــذا اﻟﺗـ ـراث ﯾﻛﻣ ــن اﻟﺻ ــﺎﻟﺢ‬
‫واﻟطﺎﻟﺢ‪ ،‬واﻟﻌرﺑﻲ أن ﺗرك ﺗراﺛﻪ ﺳﯾﻌﯾش ﻣﻣزﻗﺎً ﺑﻼ ﻫوﯾﺔ‪ ،‬وﻫو ﻣﺎ ﯾﺟﺗﻧﺑﻪ ﻣﻌظﻣﻬـم‪ .‬أﻣـﺎ‬
‫اﻟﺛــﺎﻧﻲ ﻓﻬــو ﯾﺿــﻐط ﻋﻠــﻰ وﻋــﻲ اﻷول ﺑﻌﻠوﻣــﻪ وﺛﻘﺎﻓﺗــﻪ وﺗﻘﻧﯾﺗــﻪ‪ ،‬ﻓﯾﺟــد اﻟﺛــﺎﻧﻲ ﻧﻔﺳ ـﻪ إزاء‬
‫ﺣﺿﺎرة ﻣﻐرﯾﺔ اﻻﺑﺗﻌﺎد ﻋﻧﻬﺎ وﻣﺣﺎرﺑﺗﻬﺎ ﯾﻌﻧـﻲ اﻟﺧـروج ﻣـن اﻟﺗـﺎرﯾﺦ‪ .‬ﻏﯾـر أن ﻣـﺎ ﺣﺻـل‬
‫ﻣــﻊ اﻟﻌــرب ﺑﻔﻌــل ﻫــذﻩ اﻟﺛﻧﺎﺋﯾــﺔ أﻣــﺎ ﻫوﯾﺗﻧــﺎ أو اﻵﺧــر‪،‬أﻣــﺎ ﺗر اﺛﻧــﺎ وأﻣــﺎ ﺣداﺛــﺔ اﻟﻐــرب‪ ،‬ﻟــم‬
‫ﯾﻧﺗﻬﻲ ﺑﻬم إﻟﻰ ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ ﺣﺎﺳﻣﺔ ﺗﺧﺗﺎر اﺣد اﻟﺣﻠول اﻟﻣﻘﺗرﺣـﺔ‪ ،‬ﺗﻠـك اﻟﺣﻠـول اﻟﺗـﻲ ﻟـم ﺗﺟـد‬
‫طرﯾﻘﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺗطﺑﯾق‪ ،‬ﺑل ﺑﻘﯾت ﻓﻲ ﻣﻌظﻣﻬﺎ ﻛﻠﻣﺎت ﻋﻠﻰ ورق ﻻ أﻛﺛر‪.‬‬
‫ﻟﻘــد اﻓــرز ﻫــذا اﻟﺻــدام ﻣــﻊ اﻟﻐــرب ﺻــﻧﻔﯾن ﻣــن اﻟﻣﻔﻛـرﯾن اﻟﻌــرب‪ ،‬اﻷول‪ :‬ﻣﻧﻔــﺗﺢ‬
‫ﻋﻠــﻰ اﻟﻐــرب‪ ،‬واﻟﺛــﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻧﻐﻠــق ﻋﻠﯾــﻪ وأﻛﺛــر اﻟﺗﻔﺎﺗـﺎً ﻧﺣــو اﻟــداﺧل‪ ،‬وأﻛﺛــر ﻣــﺎ ﯾﺳــﻠط ﻋﻠﯾــﻪ‬
‫ﺳﻌﯾد اﻟﺿوء ﻫو ﻣواﻗف ﺑﻌض اﻟﻣﻔﻛرﯾن اﻟﻌـرب‪ ،‬اﻟﺗـﻲ وان ﺑـدت ﻧﺎﻗـدة ﻟﻠﺗﻐﻠﻐـل اﻟﻐرﺑـﻲ‬
‫"ﺑﺻـورة ﻻ واﻋﯾـﺔ ﻋﻠـﻰ أﺳـﺎﻟﯾب اﻟﺗﻔﻛﯾـر واﻟﻘـﯾم‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺷرق اﻟﻌرﺑـﻲ إﻻ إﻧﻬـﺎ اﻋﺗﻣـدت‬
‫اﻟﻣﺳﺗﻣدة ﺑﻛﺎﻣﻠﻬﺎ ﻣن اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻻﻣﺑرﯾﺎﻟﯾﺔ"‪ ،‬واﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ اﻷﻛﺑر ﻓﻲ ﻧﻘد ﻫؤﻻء ﻟﻠﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ‬
‫ﺗﻛﻣــن ﻓــﻲ أن "اﻟﻧﺎﻗــد اﻻﺟﺗﻣــﺎﻋﻲ اﻟــذي ﯾﻠــوم اﻟﻐــرب ﻋﻠــﻰ ﺳﯾﺎﺳــﺗﻪ اﻻﻣﺑرﯾﺎﻟﯾــﺔ وﻏــزوﻩ‬
‫اﻟﺛﻘــﺎﻓﻲ ﻟﻠﻌــرب ﻫــو ﻓــﻲ ﻣﻌظــم اﻷﺣﯾــﺎن اﻟﺷــﺧص ﻧﻔﺳــﻪ اﻟــذي ﯾﻠــوم اﻟﻌــرب ﻷﻧﻬــم ﻏﯾــر‬
‫ﻣﺗﻘ ــدﻣﯾن ﻋﻠ ــﻰ اﻟطرﯾﻘ ــﺔ اﻟﻐرﺑﯾ ــﺔ"‪ ،‬أي أن ﺛﻣ ــﺔ ﺗﻧ ــﺎﻗض ﻓ ــﻲ اﻟﻣوﻗ ــف ﻣ ــن ﻫ ــذﻩ اﻟﺛﻘﺎﻓ ــﺔ‪،‬‬
‫وﺧﺎﺻﺔ ﻟدى أوﻟﺋك اﻟذﯾن ﻋﺎﺷوا ﻓﻲ ظل اﻟﺗﺄﺛﯾر اﻟﻐرﺑـﻲ‪ ،‬ﻓﺄﺻـﺑﺣوا ﯾﺗﺑﻧـون "ﻗـﯾم اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ‬
‫اﻻﻣﺑرﯾﺎﻟﯾــﺔ ﺗﺑﻧﯾـﺎً أﻋﻣــﻰ ﺣﺗــﻰ ﻛﺄﻧﻬــﺎ ﻗــد اﻧﺗﻘﻠــت ﺑﺎﻟوراﺛــﺔ ﻣــن أب إﻟــﻰ أﺑــن‪ ،‬ﻣﻧــدﻓﻊ‪ ،‬ﻟﻛﻧــﻪ‬
‫ﻏﯾــر واع ﺗﻣﺎﻣ ـﺎً"‪ .vi‬وﻻ ﯾﻘﺗﺻــر ﻣﺛــل ﻫــذا اﻟﻣوﻗــف ﻋﻠــﻰ ﺑﻌــض اﻟﻣﻔﻛ ـرﯾن اﻟﻌــرب‪ ،‬ﻣﻣــن‬
‫ﯾﻧﺎﻫﺿــون اﻟﻐــرب وﺳﯾﺎﺳــﺗﻪ اﻻﻣﺑرﯾﺎﻟﯾــﺔ‪ ،‬وﻟﻛــن ﻣــن دون ﻗطــﻊ اﻟﺻــﻠﺔ ﺑﻘﯾﻣــﻪ وﻣﻧﺟزاﺗــﻪ‬
‫اﻟﺛﻘﺎﻓﯾــﺔ‪ ،‬ﺑــل اﻧــﻪ ﯾﺟــد ﺗرﺟﻣﺗــﻪ ﻓــﻲ ﻧﻣــوذج طﺎﻟﻣــﺎ ﻋُ ــرف ﺑﻧﻘــدﻩ ﻟﻼﻣﺑرﯾﺎﻟﯾــﺔ اﻟﻐرﺑﯾــﺔ‪ ،‬ذﻟــك‬
‫ﻫـو ﻓراﻧــز ﻓـﺎﻧون )‪ ١٩٢٥‬ـ ‪ ،(١٩٦١‬اﻟـذي ﯾﺳــﺗﻌﯾر أﺳـﻠﺣﺗﻪ اﻟﻧﻘدﯾــﺔ ﻣـن ﻣﻧﺟـزات اﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ‬
‫اﻷوروﺑﯾ ــﺔ ﻛﺎﻟﻔروﯾدﯾ ــﺔ أو اﻟﻣﺎرﻛﺳ ــﯾﺔ ﻟﯾﻬ ــﺎﺟم ﺑﻬ ــﺎ اﻻﺳ ــﺗﻌﻣﺎر اﻷوروﺑ ــﻲ‪ .‬ﯾﻘ ــول ﺳ ــﻌﯾد‪:‬‬
‫"اﻟﻬﺟــوم ﻧﻔﺳــﻪ وﺳــﯾﻠﺔ ﺗﺣرﯾﺿــﯾﺔ ﻗﯾﻣــﺔ‪ .‬ﻟﻛــن أن ﯾﺳــﺗﻌﯾر اﻟﻣﺣــرض أﺳــﻠﺣﺗﻪ ﻣــن ﻋــدوﻩ‬
‫وﯾﻛون ﻣدﯾﻧﺎً ﻟﻪ‪ .....‬ﻓﺈﻧﻪ ﺑذﻟك ﯾؤﺧر ﻣﻬﻣـﺔ أﺳﺎﺳـﯾﺔ وﻫـﻲ ﺗﺣدﯾـد اﻟﻣﻧـﺎﺑﻊ اﻟوطﻧﯾـﺔ اﻟﺗـﻲ‬
‫ﯾﻧﺑﻐﻲ اﻟﺑدء ﺑﻬﺎ ﻟﻣﻬﺎﺟﻣﺔ اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر اﻷوروﺑﻲ ﺛـم اﻻﻧطـﻼق ﻣﻧﻬـﺎ ﻟﺧﻠـق ﻣﺟﺗﻣـﻊ وطﻧـﻲ‬
‫أﺻــﯾل"‪ .vii‬ورﻏــم أن ﺳــﻌﯾد ﻻ ﯾﺣــدد ﻟﻧــﺎ ﻫــذﻩ اﻟﻣﻧــﺎﺑﻊ‪ ،‬وﻻ ﯾﻘــول ﻟﻧــﺎ أﯾــن ﺗﻛﻣــن ﺑﺎﻟﺗﺣدﯾــد‪،‬‬
‫إﻻ أﻧﻧﺎ ﻧﻌﺗﻘد اﻧﻪ ﯾﺷﯾر إﻟﻰ ﻣﺎ ﻫو ﺻﺎﻟﺢ وﻧﺎﻓﻊ ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ اﻟوطﻧﯾـﺔ‪ ،‬ذﻟـك اﻟـذي ﻧﺣﺗـﺎج‬
‫إﻟــﻰ ﺗﺷﺧﯾﺻــﻪ أوﻻً‪ ،‬وﺗﻧﻣﯾﺗــﻪ ﺛﺎﻧﯾ ـﺎً‪ ،‬ﺑــدﻻً ﻣــن اﺗﺧــﺎذ اﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ اﻟﻐرﺑﯾــﺔ دوﻣ ـﺎً وأﺑــداً ﻣرﺟﻌ ـﺎً‬
‫ﺳﻠطوﯾﺎً‪ ،‬ﻓﻔﻲ ذﻟك أﺿرار ﻛﺑﯾرة ﻋﻠﻰ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‪.‬‬
‫إن ﻫــذا اﻟﺗﻘﻠﯾ ــد ﻟﻠﺛﻘﺎﻓ ــﺔ اﻟﻐرﺑﯾــﺔ اﻟﺗ ــﻲ وﺟ ــدت طرﯾﻘﻬ ــﺎ ﺑﺳــﻬوﻟﺔ إﻟ ــﻰ اﻟﻌ ــﺎﻟم اﻟﻌرﺑ ــﻲ‬
‫ﯾﻔﺳـرﻩ ﺧﺎﺻــﯾﺔ اﻟﻬﺷﺎﺷــﺔ ﻓــﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ‪ ،‬ﺗﻠــك اﻟﺧﺎﺻــﯾﺔ اﻟﺗــﻲ ﺟﻌﻠﺗﻬــﺎ ﺳــﻬﻠﺔ اﻟﻐــزو‬
‫اﻻﺧﺗ ـراق‪ .‬ﻓﺎﻟﻣﻘﺎرﻧــﺔ ﺑــﯾن اﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ اﻟﻐرﺑﯾــﺔ )اﻟﻐﺎزﯾــﺔ( واﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ )اﻟﻣﻐــزوة( ﺗﺑّ ـﯾن أن‬
‫اﻟﺳ ــﻣﺔ اﻷﺑـ ـرز ﻓ ــﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓ ــﺔ اﻷوﻟ ــﻰ ﻣﻧ ــذ ﻣطﻠ ــﻊ ﻋﺻ ــر اﻟﻧﻬﺿ ــﺔ اﻷوروﺑ ــﻲ ﺗﻣﺛﻠ ــت ﻓ ــﻲ‬
‫اﻟﻣﻐﺎﻣرة اﻟﻌدواﻧﯾﺔ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻻﻛﺗﺷـﺎف اﻟﻌـﺎﻟم واﻹﻧﺳـﺎن‪ ،‬ﻓﻬـذﻩ اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ وان ﺗﻌرﺿـت ﻟﺟـراح‬
‫ﻋﻣﯾﻘ ــﺔ أﺣ ــدﺛﺗﻬﺎ اﻻﻛﺗﺷ ــﺎﻓﺎت اﻟﻌﻠﻣﯾ ــﺔ اﻟﻛﺑ ــرى )ﻛوﺑرﻧﯾﻛ ــوس‪ ،‬دارون‪ ،‬ﻓروﯾ ــد(‪ ،‬إﻻ إﻧﻬ ــﺎ‬
‫ﺗﻣﻛﻧت ﻣن ﺧﻠق ﻫوﯾﺔ ﻣﺗﻣﺎﺳﻛﺔ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﻣواﺟﻬـﺔ اﻟﺗﺣـدﯾﺎت اﻟﺗـﻲ ﻛﺷـﻔت ﻋﻧﻬـﺎ‪ ،‬وﻫـو‬
‫ﻣــﺎ ﻣﯾزﻫــﺎ ﻋــن اﻟﺛﻘﺎﻓــﺎت اﻷﺧــرى‪ ،‬ﻓﺟــﺎءت ﻣرﺣﻠــﺔ أﺧــرى ﺗﻣﺛﻠــت ﻓــﻲ ﻏــزو ﻫــذﻩ اﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ‬
‫ﻟﻠﺛﻘﺎﻓــﺎت اﻷﺧــرى‪ ،‬ﻛﺎﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ‪ ،‬اﻟﺗــﻲ ﻛﺎﻧــت ﺳــﻣﺗﻬﺎ اﻷﺑــرز اﻟﻌﺟــز اﻟﻧﺳــﺑﻲ ﻋﻠــﻰ‬
‫اﻟﺗﺣــرك واﻟﻌﺟــز اﻷﻛﺑــر ﻓــﻲ طﺎﻗﺗﻬــﺎ ﻋﻠــﻰ اﻟﺻ ـراع اﻟﺛﻘــﺎﻓﻲ اﻟــداﺧﻠﻲ‪ ،‬وﻫــو ﻣــﺎ ﺟﻌﻠﻬــﺎ‬
‫ﻋرﺿﺔ ﻟﻼﺳﺗﻛﺷﺎف واﻟﻐزو‪.viii‬‬
‫وﻟـ ــم ﺗﻘﺗﺻـ ــر ﻧﺗـ ــﺎﺋﺞ ﻫـ ــذا اﻟﻣﺧـ ــﺎض اﻟـ ــذي ﻋﺎﺷـ ــﺗﻪ اﻟﺛﻘﺎﻓـ ــﺔ اﻟﻐرﺑﯾـ ــﺔ‪ ،‬ﻓـ ــﺄﻓرز ﺗﻠـ ــك‬
‫اﻻﻛﺗﺷ ــﺎﻓﺎت وﻫ ــذا اﻟﻐ ــزو‪ ،‬ﻋﻠ ــﻰ ذﻟ ــك ﻓﻘ ــط‪ ،‬ﺑ ــل أن ﻫ ــذﻩ اﻻﻛﺗﺷ ــﺎﻓﺎت اﻟﻌﻠﻣﯾ ــﺔ وظﻔ ــت‬
‫ﻹﺧﺿﺎع اﻹﻧﺳﺎن ﻏﯾر اﻷوروﺑﻲ‪ .‬ﻓﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ ﻋﻠﻣﯾـﺔ ﻟـم ﯾﻛـن ﻓـﻲ اﻛﺗﺷـﺎف ﻛوﺑرﻧﯾﻛـوس‬
‫أو دارون أو ﻓروﯾد ﻣﺎ ﯾﺷﯾر إﻟﻰ ﺗﻔوق اﻟﺑﯾض وراﺛﯾـﺎً ﻋﻠـﻰ ﻏﯾـرﻫم‪ ....‬ﻫﻛـذا ﺣـور ﻣﺑـدأ‬
‫اﻟﺑﻘـ ــﺎء ﻟﻸﻧﺳـ ــب ﻟﺗﺑرﯾـ ــر اﺿـ ــطﻬﺎد اﻟﺳـ ــود ﻓـ ــﻲ اﻟﻘـ ــرن اﻟﺗﺎﺳـ ــﻊ ﻋﺷـ ــر‪ ....‬وﻣـ ــن ﻧﺎﺣﯾـ ــﺔ‬
‫اﻗﺗﺻ ــﺎدﯾﺔ رأى اﻟﻐ ــرب ﻓ ــﻲ اﻟﻌ ــرب ﻣﻧﺑﻌـ ـﺎً ﯾﻧﺑﻐ ــﻲ أن ﯾُﺳ ــﺗﻬﻠك‪ ....‬وﻣ ــن ﻧﺎﺣﯾ ــﺔ ﺛﻘﺎﻓﯾ ــﺔ‬
‫وﺳـ ــﯾﻛوﻟوﺟﯾﺔ ﻧُﺷـ ــﺋوا ﻛـ ــﻲ ﯾﻛوﻧـ ــون اﻟﺷ ـ ـرﯾك اﻟﺿـ ــﻌﯾف اﻟـ ــذي ﯾﻘﺗﺻـ ــر دورﻩ ﻋﻠـ ــﻰ ﺗﻘﻠﯾـ ــد‬
‫اﻟﻣظﺎﻫر اﻟﺳطﺣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌرﺿﻬﺎ ﻟﻪ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ‪.ix‬‬
‫ﻫـ ــذﻩ اﻹﺷـ ــﺎرة اﻟﻣﻛﺛﻔـ ــﺔ ﻋـ ــن ﺗوظﯾـ ــف اﻟﻌﻠـ ــوم ﻹﺧﺿـ ــﺎع ﻏﯾـ ــر اﻷوروﺑﯾـ ــﯾن ﺳـ ــﺗﺟد‬
‫ﺗﻔﺻـ ــﯾﻠﻬﺎ ﻓـ ــﻲ ﻛﺗـ ــﺎب )اﻻﺳﺗﺷ ـ ـراق(‪ ،‬ﺣﯾـ ــث ﺳ ـ ـﯾّﺑﯾن ﺳـ ــﻌﯾد ﻫﻧـ ــﺎك ﻛﯾـ ــف أن ﻋﻠـ ــوم ﻛـ ـ ـ‬
‫)اﻟﺑﺎﯾﻠوﺟﯾــﺎ واﻻﻧﺛروﺑوﻟوﺟﯾــﺎ واﻟﻠﻐــﺔ وﻋﻠــم اﻟــﻧﻔس( ﻗــد ﻟﻌﺑــت دوراً ﻣﻬﻣـﺎً ﻓــﻲ ﺗﻘﺳــﯾم اﻟﺑﺷــر‬
‫إﻟﻰ أﺟﻧﺎس وأﻟوان وﻋﻘﻠﯾﺎت ودﻋﻣت اﻟﺗﻌـﺎرض واﻻﺧـﺗﻼف ﺑـﯾن اﻟﺟـﻧس اﻷﺑـﯾض وﻏﯾـرﻩ‬
‫ﻣن اﻷﺟﻧﺎس‪ ،‬ﻣﺎﻧﺣﺔ اﻟﺗﻔوق داﺋﻣﺎً إﻟﻰ اﻟﺟﻧس اﻷﺑﯾض‪ .x‬وﻫﻛذا ﻟﻌﺑـت ﻫـذﻩ اﻟﻌﻠـوم دوراً‬
‫ﺑــﺎﻟﻎ اﻷﻫﻣﯾــﺔ ﻓ ــﻲ ﺗﻌزﯾــز اﻟﻣﻔ ــﺎﻫﯾم اﻟﻧﻣطﯾــﺔ ﺣــول اﻟﺷ ــرق‪ ،‬وﻫــﻲ اﻟﻣﻔ ــﺎﻫﯾم اﻟﺗــﻲ ﻛﺎﻧ ــت‬
‫اﻟﺛﻘﺎﻓ ــﺔ اﻻﺳﺗﺷـ ـراﻗﯾﺔ ﻣﻣﺛﻠ ــﺔ ﺑﺎﻟﻘﺻ ــص وأدب اﻟ ــرﺣﻼت ‪....‬اﻟ ــﺦ‪ ،‬ﻗ ــد أﺷ ــﺎﻋﺗﻬﺎ‪ ،‬ﻟﺗ ــﺄﺗﻲ‬
‫اﻟﻌﻠـوم ﺑﻌـد ذﻟـك ﻟﺗﻌزﯾزﻫـﺎ واﻟﺑرﻫﻧـﺔ ﻋﻠﯾﻬـﺎ ﻋﻠﻣﯾـﺎً‪ ،‬وﻛـل ذﻟـك ﺑﻐﯾـﺔ رﻓـﻊ اﻟﺟـﻧس اﻷوروﺑــﻲ‬
‫إﻟــﻰ ﻣوﻗــﻊ اﻟﺳــﯾﺎدة ﻋﻠــﻰ اﻷﺟﻧــﺎس ﻏﯾــر اﻷوروﺑﯾــﺔ‪ ،‬أﻧﻬــﺎ اﻟﺳــﯾﺎدة اﻟﺗــﻲ ﺗﻣﻧﺣــﻪ ﺳ ــﻠطﺔ‬
‫اﻟدراﺳﺔ واﻟﺗﺣﻛم ﺑﻛل ﻣﺎ ﻫو ﺷرﻗﻲ‪.‬‬
‫وا ٕ ذا ﻛﺎﻧت اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻗد ﺗﻔﺎﻋﻠت ﻣﻊ اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ اﻟﻐرﺑﯾـﺔ‪ ،‬ﻓـﺎن اﻟﺳـﻣﺔ اﻟرﺋﯾﺳـﺔ ﻟﻬـذا‬
‫اﻟﺗﻔﺎﻋــل اﻧــﻪ ﻛــﺎن "ﺳــطﺣﯾﺎً"‪ ،‬وﻫﻧــﺎك ﺟﻣﻠــﺔ أﺳــﺑﺎب ﺗﻘــف ﺧﻠــف ﻫــذا اﻟﺗﻔﺎﻋــل اﻟﺳــطﺣﻲ‪،‬‬
‫أﻫﻣﻬﺎ‪ :‬أن اﻟﻌرب اﻗﺗﺻروا ﻓﻲ ﺗﻔﺎﻋﻠﻬم ﻫذا ﻋﻠﻰ ﻧﻘل اﻟظﺎﻫر وﻣﺎ ﯾﺳﻬل إدراﻛـﻪ‪ .‬ﯾﻘـول‬
‫ﺳــﻌﯾد‪":‬أن ﯾــﺗﻌﻠم اﻟﻌــرب ﻣــﻧﻬم ﻛــﺎن ﯾﻌﻧــﻲ أن ﯾﻔﻌﻠ ـوا ﻣــﺛﻠﻬم‪ ،‬أن ﯾﻘﻠــدوﻫم"‪ .‬ﻟﻛــن ﻣــﺎ ﻟــم‬
‫ﯾﺳــﺗوﻋﺑﻪ اﻟﻌرﺑ ــﻲ ﻓ ــﻲ ﺗﻔﺎﻋﻠ ــﻪ ﻫــذا ﻫ ــو "ﻣ ــﺎ ﺧﻔ ــﻲ ﻋﻧــﻪ أو ﻣ ــﺎ ظ ــل وراء اﻟﺳ ــطﺢ اﻟ ــذي‬
‫ﻗﻠــدﻩ"‪ .xi‬وﻫــذا اﻟﻣﻌﻧــﻰ اﻟــذي ﻫــو اﺣــد ﻣظــﺎﻫر ﺿــﻌف اﻟﻌــرب ﻫــو ﻣــﺎ ﯾرﻣــﻲ ﺳــﻌﯾد إﻟــﻰ‬
‫ﺑﯾﺎﻧــﻪ‪ ،‬إذ اﻧــﻪ ﯾؤﻛــد ﻋﻠﯾــﻪ ﻓــﻲ ﻣواﺿــﻊ ﻋــدة ﻣــن دراﺳــﺗﻪ ﻫــذﻩ وﻏﯾرﻫــﺎ ﻣــن اﻟدراﺳ ــﺎت‪،‬‬
‫ﺑوﺻﻔﻪ دﻟﯾﻼً ﻋﻠﻰ ﻣدى اﻧﺗﺻﺎر اﻟﺳطﺣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗظﻬـر ﺑﻘـوة ﻓـﻲ اﻻﻗﺗﺻـﺎد اﻻﺳـﺗﻬﻼﻛﻲ‬
‫ﻟﻠﺑﺿــﺎﺋﻊ اﻟﻐرﺑﯾــﺔ ﻓــﻲ اﻟﺑﻠــدان اﻟﻌرﺑﯾــﺔ‪ ،‬وﻛــذﻟك ﻓــﻲ اﻟﻣؤﺳﺳــﺎت اﻟﺗﻌﻠﯾﻣﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ ﻻ زاﻟــت‬
‫ﺗﺣــﺎﻛﻲ ﺟﺎﻣﻌــﺎت اﻟﻘــرن اﻟﺗﺎﺳــﻊ ﻋﺷــر ﻓــﻲ أوروﺑــﺎ وأﻣرﯾﻛــﺎ‪ ،‬ﺣﯾــث ﯾزدﻫــر اﻟﺗﻠﻘــﯾن وﯾﻧــدر‬
‫اﻟﺑﺣــث اﻟﻣﺳــﺗﻘل ﻣﻣــﺎ أدى إﻟــﻰ ﻓﺳــﺎد اﻟﻌﻘــول ﻟﻔــرط ﻣــﺎ ﺣﺷــر ﻓﯾﻬــﺎ ﻣــن ﻗواﻟــب ﯾــزﻋم أﻧﻬــﺎ‬
‫ﺣدﯾﺛـ ــﺔ وﻫـ ــﻲ اﻟﻘواﻟـ ــب اﻟﺗـ ــﻲ ﺗﺣـ ــررت ﻣﻧﻬ ـ ـﺎ أوروﺑـ ــﺎ ﻣﻧـ ــذ ﻗ ـ ـرﻧﯾن‪ ،xii‬وﯾظﻬـ ــر أﯾﺿ ـ ـﺎً ﻓـ ــﻲ‬
‫اﻻﺳﺗﻧﺳــﺎخ اﻟﻣﺑﺎﺷــر ﻟــﺑﻌض اﻟﻛﺗــﺎب اﻟﻐ ـرﺑﯾﯾن ﻓــﻲ اﻟﻌــﺎﻟم اﻟﻌرﺑــﻲ ﻛـ ـ ﻓوﻛــو وﻏراﻣﺷــﻲ‪،‬‬
‫ﺣﯾث "ﻻ ﺗوﺟد ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻟﺗﺣوﯾل اﻷﻓﻛﺎر إﻟﻰ ﺷﻲء ذي ﺻﻠﺔ ﺑﺎﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑـﻲ"‪ ،‬وﻓـﻲ ذﻟـك‬
‫دﻻﻟــﺔ ﻋﻠــﻰ أﻧﻧــﺎ "ﻣــﺎ ﻧ ـزال ﺗﺣــت ﺗــﺄﺛﯾر اﻟﻐــرب‪ ،‬ﻣــن ﻣوﻗــﻊ اﻋﺗﺑرﺗــﻪ ﻋﻠــﻰ اﻟــدوام دوﻧﯾ ـﺎً‬
‫وﺗﺗﻠﻣُذﯾﺎً"‪ .xiii‬ﻫﻛذا ﻧﺑدو ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺗﻧﺎ ﻣﻊ اﻟﻐرب أﺧذ اﻷﺷﯾﺎء ﺟﺎﻫزة أﻣﺎ اﻟطرق واﻟوﺳـﺎﺋل‬
‫اﻟﺗــﻲ ﺗﻧــﺗﺞ ﻫــذﻩ اﻷﺷــﯾﺎء‪ ،‬أﻛﺎﻧــت ﻣﺎدﯾــﺔ أم ﺛﻘﺎﻓﯾــﺔ‪ ،‬وﻛﯾﻔﯾــﺔ ﺗﺣوﯾﻠﻬــﺎ إﻟــﻰ ﺷــﻲء ذا ﺻــﻠﺔ‬
‫ﺑﺣﯾﺎﺗﻧﺎ‪ ،‬ﻓﻼ ﻣﻌرﻓﺔ ﻟﻧﺎ ﺑﻬﺎ‪ .‬وﻫذا اﻟﺗﺣذﯾر اﻟﻘﺻد ﻣﻧـﻪ ﺑﯾـﺎن أن اﻷﺧـذ ﺑﻣﻧﺗﺟـﺎت اﻟﻐـرب‪،‬‬
‫ﻻ ﯾﻌﻧـﻲ أﻧﻧـﺎ أﺻـﺑﺣﻧﺎ ﻣﺗﻘـدﻣﯾن وﺣـدﯾﺛﯾن‪ ،‬ﻷن ﻫــذﻩ اﻻﺳـﺗﻌﺎرة ﻟﻬـﺎ ﻣﺳـﺎؤﻫﺎ اﻟﺗـﻲ ﺗــﻧﻌﻛس‬
‫ﻋﻠﻰ وﻋﯾﻧﺎ ﺣﯾﻧﻣـﺎ ﻧﻣﻠﯾـﻪ ﺑﺗﻠـك اﻟﻣﻧﺗﺟـﺎت‪ ،‬اﻷﻣـر اﻟـذي ﯾﻧـﺗﺞ ﻋﻧـﻪ ﻋـدم ﺗﻣﯾـز ﺛﻘﺎﻓﺗﻧـﺎ ﻋـن‬
‫اﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ اﻟﻐﺎزﯾــﺔ‪ .‬ذﻟــك اﻧــﻪ ﺣﯾﻧﻣــﺎ ﺗﺻــﺑﺢ اﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ اﻟﻐرﺑﯾــﺔ ﻫــﻲ اﻟﻣرﺟــﻊ اﻟﺳــﻠطوي ﺑﺎﻟﻧﺳــﺑﺔ‬
‫إﻟﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﺎن اﻷﺛر اﻟﺻﺎدر ﻋن ﻫﻛذا ﻣرﺟﻊ ﯾﺟﻌـل ﻛـل ﻣـﺎ ﯾﻧﺗﺟـﻪ اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ‬
‫اﻟﻌرﺑﻲ "ﻣﻧﻘوﻻً أو ﻣن اﻟدرﺟﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻣﺷوﺑﺎً وﻏﯾر أﺻﯾل"‪ .‬أﻣـﺎ اﺛـر ذﻟـك ﻋﻠـﻰ اﻹﻧﺳـﺎن‬
‫اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﺎن ﺳﻌﯾد ﯾُﺻﯾﻎ ﺑدﻗﺔ طﺑﯾﻌﺔ ذﻟك اﻷﺛر اﻟﻧﻔﺳﻲ اﻟذي ﯾﻧﺗﺟﻪ ﻫذا اﻟﻣرﺟﻊ ﻋﻠﯾـﻪ‪،‬‬
‫أن ﻫــذا اﻹﻧﺳــﺎن ﯾﺻــﺑﺢ "ﺷــﺧص ﻣﻐﺗــرب ﻻ ﯾﺣــس أﻧــﻪ ﻣﺗﺄﺻــل ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ‪ ،‬أو‬
‫ﺗﻠك"‪ ،xiv‬أي أن اﻟﻌرب ﯾﺻﺑﺣون ﺑﻔﻌل ﺳﻠطﺔ ﻫـذا اﻟﻣرﺟـﻊ ﻻ ﻫـم ﻫـذا )ﻫـوﯾﺗﻬم( وﻻ ﻫـم‬
‫ذاك )اﻟﻐرب( ‪ .‬وﻫذا اﺣد أﺳﺑﺎب ﻋدم وﺿوح ﻫوﯾﺗﻬم وﺿﻌﻔﻬﺎ‪.‬‬
‫إن أﺷــﺎرة ﺳــﻌﯾد اﻟﻣﺗﻌﻠﻘــﺔ ﺑــﺎﻏﺗراب اﻟﻔــرد اﻟﻌرﺑــﻲ ﻟﻌــدم ﺗﺄﺻــﻠﻪ ﻓــﻲ ﺛﻘﺎﻓﺗــﻪ أو ﻓــﻲ‬
‫ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻐرب‪ ،‬ﻻ ﺗﻐﻧﻲ ﻋن اﻟﻘول أن دراﺳﺗﻪ ﻟم ﺗﺳـﻠك ﻣـﺎ ﻫـو ﺳـﺎﺋد ﻓـﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ اﻟﻌرﺑﯾـﺔ‪،‬‬
‫أﻣــﺎ اﻟﺣداﺛــﺔ وأﻣــﺎ اﻟﺗ ـراث‪ ،‬أو اﻟﺗوﻓﯾــق ﺑﯾﻧﻬﻣــﺎ‪ .‬ذﻟــك ﺧﯾــﺎر اﺑﻌــد ﻣــﺎ ﯾﻛــون ﻋــن ﻣﻌﺎﻟﺟﺗــﻪ‬
‫ﻫذﻩ‪ .‬اﻧﻪ ﻛﻣن ﯾﻔـﺗﺢ ﻟﻧـﺎ طرﯾﻘـﺎً‪ ،‬أو ﻛﻣـن ﯾﺷـﯾر إﻟـﻰ ﻣﺳـﻛوت ﻋﻧـﻪ وﻻ ﻣﻔﻛـر ﻓﯾـﻪ ﺑﺣﺎﺟـﺔ‬
‫إﻟ ــﻰ اﻟﺗﻧﻘﯾ ــب ﻓﯾ ــﻪ ﻛ ــﻲ ﻧﺳ ــﺗدرك ﻣ ــﺎ ﻓﺎﺗﻧ ــﺎ ﻣ ــﺎ ﺟﻌﻠﻧ ــﺎ ﺿ ــﻌﯾﻔﯾن ﻋ ــﺎﺟزﯾن‪ ،‬وﻓ ــﻲ اﻟﻧﻬﺎﯾ ــﺔ‬
‫ﻣﺗــﺄﺧرﯾن‪ ،‬ﻷﻧﻧــﺎ ﻻزﻟﻧــﺎ ﺳـطﺣﯾﯾن ﺗﻘﻠﯾــدﯾن‪ ،‬ﻻ زﻟﻧــﺎ ﻻ ﻧﻔــرق ﺑــﯾن ظــﺎﻫر اﻟﺷــﻲء وﺑﺎطﻧــﻪ‪،‬‬
‫ﻓﻧﺄﺧذ اﻟظﺎﻫر دون ﻣﻌرف اﻟﺑﺎطن‪ ،‬ﻧﺳﺗﻬﻠك اﻷﺷﯾﺎء اﻟﺟـﺎﻫزة دون أن ﻧﺻـﻧﻌﻬﺎ دون أن‬
‫ﻧﻌرف اﻟﻌﻠم اﻟذي ﯾﻘف ﺧﻠﻔﻬﺎ‪.‬‬
‫وا ٕ ذا ﻛ ــﺎن ﺳ ــﻌﯾد ﯾﺳ ــﺗﻘﻲ ﻣﺻ ــطﻠﺢ اﻟﻐ ــزو اﻟﺛﻘ ــﺎﻓﻲ واﻟﻣﻘﺎرﻧ ــﺔ ﺑ ــﯾن اﻟﺛﻘﺎﻓ ــﺔ اﻟﻌرﺑﯾ ــﺔ‬
‫واﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ اﻟﻐرﺑﯾــﺔ ﻣــن اﻟﻣﺗــداول واﻟﺷــﺎﺋﻊ ﻓــﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻧــﻪ ﻻ ﯾــﺄﺗﻲ ﻣــﺄﺗﻰ ﺑﻌــض‬
‫اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن اﻟﻌرب إﻟﻰ ﻣوﺿـوﻋﻪ‪ ،‬إﻧـﻪ ﯾرﻣـﻲ إﻟـﻰ ﻫـدف ﻏﯾـر ﻫـدﻓﻬم‪ ،‬ﻓﻬـو ﻻ ﯾُﺑﺟـل ﺛﻘﺎﻓـﺔ‬
‫ﻣــﺎ وﯾــدﯾن ﺛﻘﺎﻓــﺔ أﺧــرى‪ ،‬وﻫــﻲ ﺣﺎﻟــﺔ ﺷــﺎﺋﻌﺔ وﺳــﺎﺋدة ﻓــﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻـرة‪ ،‬ﻷﻧــﻪ‬
‫ﻛﻣــﺎ ﯾﺑــدو ﻣــن ﺧطﺎﺑــﻪ ﻣــدرك ﺗﻣﺎﻣـﺎً ﻣــن ﻋــدم ﺟــدوى ﻫــذﻩ اﻟﻣﻔﺎﺿــﻠﺔ واﻻﻧﺗﺻــﺎر ﻟطــرف‬
‫ﺿداً ﻣن اﻟطرف اﻵﺧر‪ ...‬وﻣن ﺛم ﻓﻬو اﻗرب ﻣﺎ ﯾﻛون ﻟﻣن ﯾﻣـﺎرس ﻧﻘـداً ﻣزدوﺟـﺎً ﻟﻛـﻼ‬
‫اﻟﺛﻘــﺎﻓﺗﯾن‪ :‬اﻟﻐرﺑﯾــﺔ ﻓــﻲ ﺑﻌــدﻫﺎ اﻟﻣﻬــﯾﻣن واﻟطــﺎرد ﻟﻛــل ﺛﻘﺎﻓــﺔ أﺧــرى واﻟﻌرﺑﯾــﺔ ﻓــﻲ ﺳــﻣﺗﻬﺎ‬
‫اﻷﺑــرز اﻟﺿــﻌف واﻟﺳــطﺣﯾﺔ‪ ....‬وﺧﺎﺻــﺔ اﻷﺧﯾـرة اﻟﺗــﻲ ﻫــﻲ أﺻــل ﺗﺣﻠﯾﻠــﻪ وﻣــدار ﻧﻘــدﻩ‪،‬‬
‫اﻧﻪ ﯾرﯾـد أن ﯾﻘـول ﻟﻧـﺎ‪ :‬أن اﻟﻌـﺎﻟم اﻟﻐرﺑـﻲ ﺗﺑـدو ﻫوﯾﺗـﻪ أﻛﺛـر ﻗـوة‪ ،‬ﺑﻔﻌـل ﺗﻣﺎﺳـﻛﻬﺎ وﻗـدرﺗﻬﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻣواﺟﻬﺔ اﻟﺗﺣدﯾﺎت‪ ،‬أﻧﻬﺎ ﻫوﯾـﺔ اﻟﺳـﻣﺔ اﻟﻣﻣﯾـزة ﻓﯾﻬـﺎ ﻫـﻲ‪ :‬اﻟﻘـوة واﻟﻬﯾﻣﻧـﺔ‪ ،‬أﻣـﺎ اﻟﻌـﺎﻟم‬
‫اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﺗﺑدو ﻫوﯾﺗﻪ ﺿﻌﯾﻔﺔ ﺳﺎﻛﻧﺔ‪ ،‬اﻵﻣر اﻟذي ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻋرﺿﺔ ﻟﻠﻐزو اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻟﻐرﺑﻲ‪.‬‬
‫أﻣ ــﺎ ﻧﻣ ــط اﻟﻣﺣﺎﻛ ــﺎة اﻟ ــذي أﻧﺗﺟﺗ ــﻪ اﻟﺛﻘﺎﻓ ــﺔ اﻟﻐرﺑﯾ ــﺔ وﻗﻠ ــدﻩ اﻟﻌ ــرب‪ ،‬ﺑوﺻ ــﻔﻪ اﻟ ــﻧﻣط‬
‫اﻷﻓﺿل ﻟﻧﻘل اﻟﻣﻌرﻓـﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻧـﻪ ﻟـم ﯾـدم طـوﯾﻼً‪ ،‬ذﻟـك أن ﻫـذﻩ اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ ﻗـد أﻧﺗﺟـت ﻧﻣطـﺎً آﺧـر‬
‫ﻣن اﻟﻣﻌرﻓﺔ ﯾﺗﺳم ﺑﺎﻟﻣﯾل إﻟـﻰ "ﻣﻧﺎﻗﺿـﺔ اﻟﻣﺣﺎﻛـﺎة‪ ،‬إﻟـﻰ اﻟﻼﻋﻘﻼﻧﯾـﺔ واﻟرﻣزﯾـﺔ‪ .....‬وﯾﺑﻠـﻎ‬
‫ذروﺗــﻪ ﻓــﻲ أﻋﻣــﺎل ﻣــﺎرﻛس وﻧﯾﺗﺷــﻪ وﻓروﯾــد وﻫــﻲ اﻷﻋﻣــﺎل اﻟﺗــﻲ ﺗﻘــوم ﻋﻠــﻰ أﺳــﺎس أن‬
‫اﻟﻣظﺎﻫر ﻟﯾﺳت ﻛل ﺷﻲء‪ .‬وﻗد أدﺧل ﻫذا اﻟﺗﻘﻠﯾد ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﻔﻬوم اﻟﻼﻣﻌﻘول واﻟﺧراﻓـﻲ‬
‫‪ ...‬وﻣﺎ ﻻ ﯾُرى ﻣن ﺣﯾﺎة اﻹﻧﺳﺎن‪ ....‬ﻣﺎ اﻟـدﻟﯾل‪ ....‬ﻋﻠـﻰ وﺟـود ﻫـذا اﻟﺗﻘﻠﯾـد ﻓـﻲ ﺛﻘﺎﻓﺗﻧـﺎ‬
‫اﻟﻣﻌﺎﺻرة ؟ ﻻ دﻟﯾل إطﻼﻗﺎً ؟"‪.xv‬‬
‫ورﻏــم أن ﺳــﻌﯾد ﻻ ﯾﻌطــﻲ اﺳــﻣﺎً ﻟﻬــذا اﻟــﻧﻣط اﻟﺟدﯾــد ﻣــن اﻟﻣﻌرﻓــﺔ‪ ،‬إﻻ أﻧﻧــﺎ ﻧــرى اﻧــﻪ‬
‫ﯾﻘﺻد ﻣﺎ أﺻﺑﺢ ﯾﻌرف ﺑـ )ﻣﺎ ﺑﻌد اﻟﺣداﺛﺔ(‪ ،‬وﻫو ﺗﯾﺎر ﻓﻠﺳﻔﻲ ﺟوﻫر ﺑﻧﯾﺗﻪ اﻧﻪ ﻗﺎم ﻋﻠـﻰ‬
‫إﻋ ــﺎدة اﻟﻧظ ــر ﻓ ــﻲ ﻣﻘ ــوﻻت اﻟﺣداﺛ ــﺔ‪ .‬ﻓ ــﺈذا ﻛﺎﻧ ــت اﻟﺣداﺛ ــﺔ ﻗ ــد أﻓ ــرزت ﺷ ــﻌﺎر ﺑ ــﺎرز ﻣ ــن‬
‫ﺷ ــﻌﺎراﺗﻬﺎ إﻻ وﻫ ــو اﻟﻌﻘﻼﻧﯾ ــﺔ‪ ،‬اﻟﻘ ــﺎدرة ﻋﻠ ــﻰ ﺗﻔﺳ ــﯾر ﻛ ــل ﺷ ــﻲء اﻧطﻼﻗـ ـﺎً ﻣ ــن ﻣﺑ ــدأ اﻟﺛﻘ ــﺔ‬
‫اﻟﻣطﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻌﻘل‪ ،‬ﻓﺎن ﻫذﻩ اﻟﺣداﺛﺔ ﻣﺎ ﻟﺑث أن أُﻋﯾد اﻟﻧظر ﻓﯾﻬـﺎ‪ ،‬ﻓـﻲ ﻣﻘوﻻﺗﻬـﺎ وﺷـﻌﺎراﺗﻬﺎ‬
‫وﺧﺎﺻﺔ اﻟﻌﻘل‪ ،‬ﻓﻛﺎن ﻣن ﻧﺗﺎج إﻋﺎدة اﻟﻧظر ﻫذﻩ ﺑﯾﺎن أن ﻫﻧﺎك داﺋﻣـﺎً ﻣـﺎ ﻻ ﯾُـرى وﻏﯾـر‬
‫اﻟﻣﻔﻛر ﻓﯾﻪ‪ ،‬وان اﻟﻼﻣﻌﻘـول واﻟﺧراﻓـﻲ ﻻ زال ﺳـﺎﺋداً‪ ،‬واﻧـﻪ إﻟـﻰ ﺟﺎﻧـب ذﻟـك ﻣـن ﻣﻧﺗﺟـﺎت‬
‫اﻟﻌﻘــل‪ .‬واﻟﻣﻬــم أن ﻫــذا اﻟــﻧﻣط ﻣــن اﻟﻣﻌرﻓــﺔ ﯾــدل ﻋﻠــﻰ ﻣــﺎ ﻓــﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ اﻟﻐرﺑﯾــﺔ ﻣــن طﺎﻗــﺔ‬
‫وﻗــدرة ﻋﻠــﻰ إﻋــﺎدة ﻗ ـراءة ﻧﻔﺳــﻬﺎ‪ .‬ﻫﻛــذا ﺗﺑــدو اﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ اﻟﻐرﺑﯾــﺔ ﺗزﺧــر ﺑﺎﻟﺣﯾــﺎة واﻟﺧﺻــوﺑﺔ‬
‫واﻟﻔﺎﻋﻠﯾــﺔ‪ ،‬ﺗزﺧــر ﺑﺎﻟﻧﻘــد وﻧﻘــد اﻟﻧﻘــد‪ ،‬أﻣــﺎ اﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ ﻓﻬــﻲ ﻟــم ﺗﺷــﻬد ﻣﺛــل ﻫــذا اﻟﺣـراك‬
‫وﻟم ﺗﻌـش ﻣﺛـل ﻫـذﻩ اﻟﻣراﺟﻌـﺔ‪ ،‬ﺑـل ﻟـم ﺗﺷـﻬد ﺳـوى اﻟﺗﻘﻠﯾـد واﻟﻣﺣﺎﻛـﺎة ﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ اﻵﺧـر‪ ،‬وﻫـو‬
‫ﺗﻘﻠﯾــد اﺗﺳــم ﺑﺎﻟﺳــطﺣﯾﺔ‪ ،‬ﻓــﻲ ﺣــﯾن أن اﻟﻣطﻠــوب ﻣﻌرﻓــﺔ ﺗطــﺎل أﻋﻣــﺎق ﻫــذا اﻟﻌﻠــم واﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ‬
‫إذا ﻣــﺎ أردﻧــﺎ أن ﻻ ﻧﻛــون ﺳــطﺣﯾﯾن ﻣﻘﻠــدﯾن واﺳــﺗﻬﻼﻛﯾﯾن‪ .‬ودﻟﯾــل ﻫــذﻩ اﻟﺳــطﺣﯾﺔ ﯾﺟــد‬
‫ﺗرﺟﻣﺗــﻪ ﻣ ـرة أﺧــرى ﻓــﻲ اﻟﻣﻘﺎرﻧــﺔ اﻟﺗــﻲ ﺗطﺣــن ﻓﯾﻬــﺎ دراﺳــﺔ ﺳــﻌﯾد وﺗــدور ﺣوﻟﻬــﺎ‪ ،‬وﻫــو‬
‫أﺳــﻠوب اﻧﺗﻬﺟــﻪ ﻣﻌظــم اﻟﺑــﺎﺣﺛﯾن اﻟﻌــرب ﻟﺑﯾــﺎن اﻟﻔــرق واﻻﺧــﺗﻼف ﺑــﯾن ﻣــﺎ ﻋﻠﯾــﻪ اﻟﻌــرب‬
‫واﻟﻣﺳــﻠﻣون وﻣــﺎ ﻋﻠﯾــﻪ ﻏﯾــرﻫم‪ .‬و ﯾﺗﺑّـﯾن ﻫــذا اﻷﺳــﻠوب أﻛﺛــر ﻓــﻲ ﺣدﯾﺛــﻪ ﻋــن ﻟﺣظــﺔ ﻣﻬﻣــﺔ‬
‫وﻣﻔﺻﻠﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻷوروﺑﯾﺔ‪ ،‬وﻫﻲ ﻟﺣظﺔ ﻓروﯾد وأﺛرﻩ ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ‪ .‬ﻓـﺎﻷﺧﯾر ﻫـو‬
‫اﺣد ﺣﺟﺟﻪ ﻟﺑﯾﺎن ﻣدى ﺣﯾوﯾـﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ اﻷوروﺑﯾـﺔ وﻓﺎﻋﻠﯾﺗﻬـﺎ ﻣﻘﺎرﻧـﺔ ﺑﺎﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ اﻟﻌرﺑﯾـﺔ اﻟﺗـﻲ‬
‫ﺗﺗﺳم ﺑﺎﻟﺳطﺣﯾﺔ واﻟﺟﻣود‪ .‬ﯾرى ﻣؤﺳـس اﻟﺗﺣﻠﯾـل اﻟﻧﻔﺳـﻲ "أن اﻟﻣدﻧﯾـﺔ ﺗﻛﺑـت ﻓـﻲ اﻹﻧﺳـﺎن‬
‫اﻟﻐراﺋــز اﻟﺟﻧﺳــﯾﺔ واﻟﻼﻋﻘﻼﻧﯾــﺔ‪ ،‬وﻟﻛﻧﻬــﺎ ﻓــﻲ اﻟوﻗــت ﻧﻔﺳــﻪ ﺿــرورﯾﺔ ﻻﺳــﺗﻣرار اﻹﻧﺳــﺎن‬
‫ﻛﻛــﺎﺋن ﻣﻣﯾــز"‪ .‬ﯾﻌﻠــق ﺳــﻌﯾد ﻋﻠــﻰ ﺗﺷــﺧﯾص ﻓروﯾــد ﻫــذا ﻟﻠﻌﻼﻗــﺔ ﺑــﯾن اﻹﻧﺳــﺎن واﻟﻣدﻧﯾــﺔ‬
‫اﻟﺗﻲ ﯾﻧﺗﻣﻲ إﻟﯾﻬﺎ ﺑﺄن "ﻫذا اﻟﺗﻧﺎﻗض اﻟﺟذري ﻟم ﯾدﺧل اﻟﺷرق ﻷﻧﻪ ﻻ ﯾﻧﻘـل ﺑﺳـﻬوﻟﺔ‪ .‬إﻧـﻪ‬
‫ﺛور ﯾﺔ ﺷدﯾدة اﻟﻌﻣق ﻷﻧﻪ ﯾﺗطﻠب ﻣﻧﺎ أن ﻧﻌﺗﻘد ﻓﻲ وﻗت واﺣد ‪ ...‬ﺑﻣﺎ ﻫو ﺧﻔـﻲ وﻣـﺎ ﻫـو‬
‫ظــﺎﻫر‪ ،‬ﺑﻧظــﺎم ﻗﻬــري ظــﺎﻫر وﻣﻛﺗﺳــﺑﺎت ﻗــوى اﻟﻌﻘــل ﺗﺣــت ذﻟــك اﻟﻧظــﺎم"‪ .‬و ﺟــوﻫر ﻣــﺎ‬
‫ﯾرﻣﻲ ﺳﻌﯾد اﻟوﺻول إﻟﯾﻪ ﻣن ﻫذا اﻟﻌـرض ﻟﻔﻛـرة ﻓروﯾـد ﻫـو ﻣﺳـﺎءﻟﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ اﻟﻌرﺑﯾـﺔ‪ ،‬إذ‬
‫ﯾﻘول‪" :‬وﻫﻧﺎ ﻋﻠﯾﻧﺎ أن ﻧﺳﺄل إن ﻛﻧﺎ ﻧﺟد ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ اﻟﻌرﺑﯾـﺔ أو ﻣـﺎ ﯾﻛﺗـب ﻋﻧﻬـﺎ ﻣـﺎ ﯾﺷـﺑﻪ‬
‫ﻫذا اﻟﻣوﻗف وﻣﺎ إذا ﻛﺎن ﻫﻧﺎك وﺟود ﻷﯾﺔ ﺻورة دﯾﻧﺎﻣﯾﻛﯾﺔ ﻟﻠﻌﻘل ﻓـﻲ اﻟﻛﺗﺎﺑـﺎت اﻟﻌرﺑﯾـﺔ‬
‫أو اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻟﻌرﺑــﻲ‪ .‬أن اﻟﺟ ـواب ﻋــن ﻫــذﻩ اﻷﺳــﺋﻠﺔ ﻛﻠﻬــﺎ ﻓﯾﻣــﺎ اﻋــرف ﯾﻧﺑﻐــﻲ أن ﯾﻛــون‬
‫ﺑــﺎﻟﻧﻔﻲ‪ .‬ودﻟﯾﻠــﻲ واﺿــﺢ ﺟــداً‪ .‬ﻓﻌﻧــدﻣﺎ ﯾــﺗﻛﻠم أي ﻧﺎﻗــد ﻋرﺑــﻲ‪ ....‬ﻋــن أﻣــر اض اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ‬
‫اﻟﻌرﺑـﻲ‪ ....‬ﻓﺈﻧــﻪ ﯾﺳﺗﺷــﻬد ﻟﻠدﻻﻟــﺔ ﻋﻠﯾﻬـﺎ ﺑــﺄن اﻟﻌــرب ﯾﻌﯾﺷــون ﻓـﻲ ﻋــﺎﻟم ﺑــﻼ ﻧظــﺎم‪ ،‬ﻋــﺎﻟم‬
‫ﻗﺑﻠـ ــﻲ ﯾﻧﺗﻣـ ــﻲ إﻟـ ــﻰ اﻟﻌﺻـ ــور اﻟوﺳـ ــطﻰ‪ ....‬وﺑـ ــﺄن اﻟﻌـ ــرب ﻋـ ــﺎﺟزون ﻋـ ــن اﻟﺗﺧطـ ــﯾط أو‬
‫اﻟﺗﺻــﻣﯾم‪ ....‬وﻓــوق ذﻟــك ﻓــﺈن ﻫــؤﻻء اﻟﻧﻘــﺎد ﯾﺣﺛــون اﻟﻌــرب ﻋﻠــﻰ اﺳــﺗدراك ﻫــذﻩ اﻟﻔﺿــﺎﺋل‬
‫دون أن ﯾﻘﺗرﺣـ ـوا ﺷ ــﯾﺋﺎً – ﺑﺎﺳ ــﺗﺛﻧﺎء إﻟﺣ ــﺎﺣﻬم ﻋﻠ ــﻰ ﺗﻘﻠﯾ ــد اﻟﺑﻠ ــدان اﻟﻣﺗﻘدﻣ ــﺔ أو اﺳ ــﺗﯾراد‬
‫اﻟﺧﺑـراء اﻟﻐـرﺑﯾﯾن – ﺑﺣﯾــث ﺗﺑــﯾن اﻗﺗراﺣــﺎﺗﻬم ﻛﯾﻔﯾــﺔ ﺗﺣﻘﯾــق ﻫــذا اﻟﺗﻐﯾــر أﻟﻌﺟــﺎﺋﺑﻲ‪ .‬وﻟــﯾس‬
‫ﻫذا ﻣﺎ ﻧﻔﺗﻘدﻩ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﺎت ﻧﻘﺎدﻧﺎ اﻟﻣﻌﺎﺻرﯾن‪ .‬إﻧﻬم ﻻ ﯾﺷﯾرون إﻟﻰ أﯾـﺔ ﻣﻧـﺎﺑﻊ ﻓﻛرﯾـﺔ ﻓـﻲ‬
‫اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ ﺗﺳــﺗﺣق أن ﯾﺿ ـﺣّﻰ ﻣــن أﺟﻠﻬــﺎ وأن ﺗﻛﺗﺷــف وﺗــدرس‪ .‬وﺑﺎﺧﺗﺻــﺎر‪ ،‬ﻻ ﯾﻘوﻟــون‬
‫ﻟﻧﺎ ﻣﺎ ﻫو ﻓﻛرﻧﺎ وﻣﺎذا ﯾﻣﻛن أن ﯾﺻﯾر"‪.xvi‬‬
‫ﻣ ـرة ﺛﺎﻧﯾــﺔ ﻧﺟــد ﺳــﻌﯾد ﯾﺷــدد ﻋﻠــﻰ ﻋــدم إﺷــﺎرة اﻟﻧﻘــﺎد إﻟــﻰ أﯾــﺔ "ﻣﻧــﺎﺑﻊ ﻓﻛرﯾــﺔ ﻓــﻲ‬
‫اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ"‪ .‬وﻟﻛﻧﻧﺎ ﻻ ﻧرى ﻣﺎ ﯾراﻩ‪ ،‬ﻷﻧﻪ أﯾن ﺳﻧﺿﻊ دﻋـﺎة اﻟﻌـودة إﻟـﻰ اﻟﺗـراث ﻓـﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ‬
‫اﻟﻌرﺑﯾــﺔ ؟ ﻓﻬــؤ ﻻء ﯾﺷــﯾرون إﻟــﻰ ﻣﻧــﺎﺑﻊ ﻓﻛرﯾــﺔ ﻣﺣــددة ﻓــﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ‪ ،‬وﺑﻐــض اﻟﻧظــر ﻋــن‬
‫ﻣــدى راﻫﻧﯾــﺔ ﻫــذا اﻟﻣﻧﺑــﻊ وﻓﺎﺋدﺗــﻪ‪ ،‬أﻛــﺎن ﺻــﺎﻟﺣﺎً ﻹﻧﻘﺎذﻧــﺎ ﻣــن ﺗﺄﺧرﻧــﺎ أم ﻻ‪ ،‬ﻓــﺎن ﻫﻧــﺎك‬
‫إﺷــﺎرات وﻫﻧــﺎك ﺣــدﯾث‪ ،‬وﻣــﺎ ﻛﺗﺎﺑــﺎت اﻷﻓﻐــﺎﻧﻲ وﻣﺣﻣــد ﻋﺑــدﻩ وﺳ ـواﻫم إن ﻫــﻲ إﻻ ﻣﺛــﺎل‬
‫ﻋﻠﻰ ﻧﻘﺎد ﯾﺷﯾرون إﻟﻰ "ﻣﻧﺎﺑﻊ ﻣﺣددة"‪ .‬وا ٕ ذا ﻛﺎن ﺳﻌﯾد ﯾﺟﯾب ﻋـن ﺳـؤال ﻣـﺎ ﻫـو ﻓﻛرﻧـﺎ‪:‬‬
‫"اﻟﺳــطﺣﯾﺔ واﻟﺗﻘﻠﯾــد"‪ ،‬ﻓﻬــو ﻻ ﯾﻘــول ﻟﻧــﺎ ‪":‬ﻣــﺎذا ﯾﻣﻛــن أن ﯾﺻــﯾر ؟"‪ .‬اﻧــﻪ ﻻ ﯾطــرح ﺣﻠــوﻻً‬
‫ﻣﻛﺗﻔﯾﺎً ﺑﺎﻟﻧﻘد وطرح اﻷﺳﺋﻠﺔ‪ .‬وﻫو آﻣـر ﻋﺑـر ﻋﻧـﻪ ﺑﻛـل وﺿـوح ﻓـﻲ ﻗوﻟـﻪ‪" :‬ﻓﻛـل ﻣـﺎ ﻟـدي‬
‫ﻫو ﺑﺿﻌﺔ أﺳﺋﻠﺔ وﻣﻼﺣظﺎت وﺗﺄﻣﻼت"‪.xvii‬‬
‫أﻣﺎ اﺧذ ﺳﻌﯾد ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻛر اﻟﻌرﺑﻲ اﻧﻪ "ﻟم ﯾﻌرف ﻣﺛـل ﻫـذا اﻟﻧﻘـد"‪ ،‬ﻓـﺎن ذﻟـك ﻻ ﯾُﻌـد‬
‫ﻋﯾﺑ ـﺎً أو ﻧﻘﺻ ـﺎً ﻓــﻲ ﻫــذا اﻟﻔﻛــر‪ ،‬ذﻟــك أن ﻧﻘــدﻩ ﻫــذا ﯾﺷــﺑﻪ دﻋــوى ﺑﻌــض اﻟﺣــداﺛﯾﯾن ﻣﻣــن‬
‫ﯾﺄﺧذون ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﺻﻧﻔوﻧﻬم ﺑﺎﻟﺗراﺛﯾﯾن أﻧﻬم ﻻ زاﻟوا ﻣﺗﺄﺧرﯾن ﻓﻲ ﺗﻔﻛﯾـرﻫم‪ ،‬وﻛـﺄن ﻣﻌﯾـﺎر‬
‫ﺗﻘدم اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻫو ﻣﻌرﻓﺔ اﻷﺣدث‪ ،‬وﻫو ﻣﺎ ﯾﻔﻌﻠﻪ ﺳﻌﯾد اﻟـذي ﯾﻧﺗﻘـد أﻗراﻧـﻪ ﻣـن ﻫـذا‬
‫اﻟﻣﻧظور‪ .‬ﺻﺣﯾﺢ أﻧﻪ ﺣﯾﻧﻣﺎ ﯾﺗﺣدث ﻋن ﻓروﯾد‪ ،‬ﻓﺎﻧﻪ ﯾُرﯾد ﻣـن ذﻟـك ﺑﯾـﺎن ﺣﯾوﯾـﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ‬
‫اﻟﻐرﺑﯾــﺔ وﻓﺎﻋﻠﯾﺗﻬــﺎ‪ ،‬إﻻ أن ﻣﺛــﺎل ﻓﻛ ـرة ﻓروﯾــد ﻻ ﯾرﻗــﻰ إﻟــﻰ ﺟﻌــل ﻫــذﻩ اﻟﻔﻛ ـرة ﺣﺟــﺔ ﻟﻧﻘــد‬
‫اﻟﻔﻛــر اﻟﻌرﺑــﻲ‪ ،‬ﻻ ﻟﺷــﻲء ﺳــوى أﻧــﻪ ﻟــم ﯾﻌــرف ﻣﺛــل ﻫــذا اﻟﻧﻘــد‪ ،‬ﻓﺎﻟﺳــﯾﺎق اﻟﺛﻘــﺎﻓﻲ اﻟــذي‬
‫ﯾﺗﺣ ـ ــدث ﻓﯾ ـ ــﻪ وﻋﻧ ـ ــﻪ ﻓروﯾ ـ ــد ﯾﺧﺗﻠ ـ ــف ﻋ ـ ــن اﻟﺳ ـ ــﯾﺎق اﻟﺛﻘ ـ ــﺎﻓﻲ اﻟﻌرﺑ ـ ــﻲ‪ ،‬ذﻟ ـ ــك ﻣﺟ ـ ــﺎل ﻟ ـ ــﻪ‬
‫ﺧﺻوﺻ ــﯾﺎﺗﻪ واﺷ ــﻛﺎﻟﯾﺎﺗﻪ‪ ،‬وﻫ ــﻲ ﺗﺧﺗﻠ ــف ﻣ ــن دون ﺷ ــك ﻋ ــن ﺧﺻوﺻ ــﯾﺎت وا ٕ ﺷ ــﻛﺎﻟﯾﺎت‬
‫اﻟﻣﺟﺎل اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ اﻟﻌرﺑﻲ‪.‬‬
‫ﻛذﻟك ﻧﻌﺗﻘد أن ﻫذا اﻟﻣﺄﺧذ واﻻﻧطـﻼق ﻣﻧـﻪ ﻟﻠﺣﻛـم ﻋﻠـﻰ اﻟﻧﻘـﺎد اﻟﻌـرب ﻣﻣـن إذا ﻣـﺎ‬
‫ﺗﺣ ـ ــدﺛوا ﻋ ـ ــن أﻣـ ـ ـراض اﻟﻣﺟﺗﻣ ـ ــﻊ اﻟﻌرﺑ ـ ــﻲ راﺣـ ـ ـوا ﯾﻘوﻟ ـ ــون‪ :‬أﻧﻧ ـ ــﺎ ﻧﻧﺗﻣ ـ ــﻲ إﻟ ـ ــﻰ اﻟﻌﺻ ـ ــور‬
‫اﻟوﺳــطﻰ‪ ....‬وأﻧﻧــﺎ ﻋــﺎﺟزون ﻋــن اﻟﺗﺧطــﯾط واﻟﺗﻧظــﯾم‪ ....‬ﺣﻛــم ﻻ ﯾﺧﻠــو ﻣــن ﺗﻌﺳــف ﻓــﻲ‬
‫ﺗطﺑﯾﻘــﻪ‪ ،‬ﻋﻠــﻰ اﻋﺗﺑــﺎر أن ﻫــذﻩ اﻷﻗ ـوال دﻟﯾــل ﻋﻠــﻰ ﻏﯾــﺎب اﻟﺣﯾوﯾــﺔ ﻓــﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ‬
‫اﻟﻣﻌﺎﺻـرة‪ ،‬وذﻟـك ﺑﺎﻟﻘﯾــﺎس إﻟـﻰ ﻣــﺎ ذﻫـب إﻟﯾــﻪ ﻓروﯾـد‪ ،‬ﻓﺿـﻼً ﻋـن أن ﻫــذا اﻟﻣﺄﺧـذ ﯾُﻐﯾــب‬
‫اﻹﺷــﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟرﺋﯾﺳــﯾﺔ ﻓــﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻ ـرة‪ :‬إﺷــﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗــﺄﺧر اﻟﺗــﻲ ﺗــدور ﺣوﻟﻬــﺎ‬
‫ﻣﻌظم ﻣؤﻟﻔـﺎت اﻟﻧﻘـﺎد اﻟﻌـرب‪ .‬ﻓـﺎﻷﻗوال اﻟﺗـﻲ ﯾـذﻫب إﻟﯾﻬـﺎ ﻫـؤﻻء اﻟﻧﻘـﺎد وﯾـرى ﻓﯾﻬـﺎ ﺳـﻌﯾد‬
‫دﻟــﯾﻼً ﻋﻠــﻰ ﻏﯾــﺎب اﻟﺣﯾوﯾــﺔ ﻓــﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ ﻫــﻲ ﻧﺗﯾﺟــﺔ أﺑﺣــﺎث وﻟــﯾس اﻷﺑﺣــﺎث ﻓــﻲ‬
‫دﻗﺎﺋﻘﻬــﺎ وﺗﻔﺻــﯾﻼﺗﻬﺎ‪ .‬ﻣــﻊ اﻟﺗﺄﻛﯾــد ﻋﻠــﻰ أن ﻫــذﻩ اﻷﻗـوال ﻻ ﺗﺧﻠــو ﻣــن ﺻــﺣﺔ‪ .‬وﻻ ﻋــذر‬
‫ﻟﺳــﻌﯾد إﻻ إذا ﻓﻬﻣﻧــﺎ اﻧــﻪ ﯾﻘﺻــد أو ﻟﺋــك اﻟــذﯾن اﺧﺗــﺎروا اﻟﺳــﻬل اﻟﻣﺗــﺎح ﻓــﻲ ﻧﻘــدﻫم‪ ،‬ﻓراﺣـوا‬
‫ﯾ ــرددون ﻫ ــذﻩ اﻷﺣﻛ ــﺎم اﻟﺷ ــﺎﺋﻌﺔ ﻓ ــﻲ ﻛﺗﺎﺑ ــﺎت ﻣﻌظ ــم اﻟﻧﻘ ــﺎد ﻣ ــن دون ﺑﺣ ــث ﻋﻣﯾ ــق ﻓ ــﻲ‬
‫أﺳــﺑﺎب اﻟﺗــﺄﺧر‪ .....‬وﻟﻛﻧﻧــﺎ ﺣﺗــﻰ ﻣــﻊ ﻫــذا اﻟﻌــذر ﻧــرى أن ﻗﯾــﺎس ﻓﻛ ـرة ﻓروﯾــد ﻣــﻊ أﻗ ـوال‬
‫اﻟﻧﻘﺎد اﻟﻌرب ﯾﺑﻘﻰ ﻗﯾﺎس وﺗطﺑﯾـق ﻓـﻲ ﻏﯾـر ﻣﺣﻠـﻪ‪ .‬ﯾﺿـﺎف إﻟـﻰ ذﻟـك اﻧـﻪ إذا ﻛـﺎن اﻟﻧﻘـﺎد‬
‫اﻟﻌرب ﻗﺎطﺑﺔ ﯾﻘوﻟون‪ :‬أﻧﻧﺎ ﻣﺗـﺄﺧرون‪ ،‬ﻓﻬـذا ﺳـﻌﯾد ﯾﻘـول ﻧﻔـس اﻟﻘـول ؟ ﻓﺎﻟﺳـؤال اﻟـرﺋﯾس‬
‫اﻟــذي ﺗــدور ﺣوﻟــﻪ دراﺳــﺗﻪ ﻫــو اﻟﺿــﻌف اﻟﻌــﺎم اﻟــذي ﯾﻌﺗــري اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻟﻌرﺑــﻲ‪.‬وا ٕ ذا ﻛــﺎن‬
‫ﺳﻌﯾد ﯾﺷﺧص أﻣراﺿﺎً ﯾﻌﺎﻧﻲ ﻣﻧﻬﺎ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬ﻓﺈﻗراﻧـﻪ ﯾﺷﺧﺻـون أﻣراﺿـﺎً أﯾﺿـﺎً‪،‬‬
‫وان اﺧﺗﻠﻔت اﻟﻌﻼﺟﺎت اﻟﻣطروﺣﺔ ‪ .‬ﻓﻣﺎ ﻣﻌﻧﻰ اﻟﺣـدﯾث ﻋـن اﻟﺿـﻌف اﻟﻌـﺎم إن ﻟـم ﻧﻛـن‬
‫أﻣﺎم اﻟﺣدﯾث ﻋن اﻟﺗﺄﺧر ؟ وا ٕ ذا ﻛﺎﻧت اﻟﻛﻠﻣﺎت ﺗﻔﻬم ﺑﺄﺿـدادﻫﺎ ﻓﺿـد اﻟﺗـﺄﺧر واﻟﺿـﻌف‬
‫ﻫو اﻟﺗﻘدم واﻟﻘوة‪ ....‬وﻫذا ﻣﺎ ﯾطﻠﺑﻪ ﺳﻌﯾد وﯾرﻣﻲ إﻟﯾﻪ‪ ،‬وان ﻟم ﯾﻘل ذﻟك ﺻراﺣﺔ‪.‬‬
‫أﻣــﺎ اﻟﻌــﻼج اﻟــذي ﯾطرﺣــﻪ ﺳــﻌﯾد ﻟﻬــذا اﻟﻣــرض اﻟــذي أﺻــﺎﺑﻧﺎ‪ ،‬ﻣــرض اﻟﺳــطﺣﯾﺔ‬
‫و اﻟﺗﻘﻠﯾــد‪ ،‬اﻟــذي أﺻــﺑﺣﻧﺎ ﺑﻔﻌﻠــﻪ ﺿــﻌﯾﻔﯾن ﻣﺗــﺄﺧرﯾن‪ ،‬ﻓﻬــو‪" :‬ﻣﻌرﻓــﺔ ذواﺗﻧــﺎ"‪ .‬أﻧﻬــﺎ اﻟﻣﻌرﻓــﺔ‬
‫اﻟﺗــﻲ ﺗﺷــﻛل ﺟــوﻫر دراﺳــﺗﻪ‪ ،‬وﺧﻼﺻــﺔ ﻋﻼﺟــﻪ‪ .‬واﻟﻣﻌﻧــﻰ اﻟــذي ﯾﺷــدد ﻋﻠﯾــﻪ ﻓــﻲ ﻣﻌرﻓــﺔ‬
‫اﻟــذات وﯾــدﻋو إﻟــﻰ ﺗطﺑﯾﻘــﻪ ﻫــو "ﻓﻌــل اﻟﺗﻌــرف ﻣــن ﺟدﯾــد ﻋﻠــﻰ ﻣــﺎ ﻛــﺎن ﻣﻌروﻓـﺎً ﻣــن ﻗﺑــل‬
‫ﻟﻛﻧﻪ ﺗﻌرف ﺑطرﯾﻘﺔ ﺟدﯾدة ﺗﺣدث ﺑﺎﻟﺿرورة اﻟﺻـدﻣﺔ اﻟﻧﻔﺳـﯾﺔ اﻟﺗـﻲ ﯾﺣـدﺛﻬﺎ اﻻﻛﺗﺷـﺎف"‪.‬‬
‫ﻟــذﻟك ﻛﺎﻧــت ﻫــذﻩ اﻟﻣﻌرﻓــﺔ ﻟدﯾــﻪ "ﺿــرورﯾﺔ ﺿــرورة اﻷﻟـوان ﻟﻸﻋﻣــﻰ"‪ .xviii‬ﻟﻛــن ﻣــﺎ اﻟﻌﻣــل‬
‫إذا ﻛﺎن اﻟﻌرب ﻗد ﻋزﻓوا ﻋن ﻫذﻩ اﻟﻣﻌرﻓﺔ‪ ،‬وﻫو ﻣـﺎ ﯾﺑـدو ﺳـﻌﯾد ﻣﺗﺄﺳـﻔﺎً ﻟـﻪ اﺷـد اﻷﺳـف‬
‫! اﻧﻪ ﯾﺣذرﻧﺎ ﻣن اﻟﻘﺎدم إذا ﻣﺎ ﻟم ﻧﻌد اﻟﻧظر اﻟﻣرة ﺗﻠـو اﻟﻣـرة ﻓـﻲ واﻗﻌﻧـﺎ‪ ،‬ﻓـﻲ ذواﺗﻧـﺎ‪ ،‬ﻓـﻲ‬
‫ﻋﻼﻗﺗﻧــﺎ ﻣــﻊ اﻟﻐــرب‪ .‬وﻧﺣــن ﻧﻘ ـرأ ﻓــﻲ دﻋوﺗــﻪ ﻫــذﻩ إﻧــذاراً وﻧﺑــوءة ﻣــن واﻗــﻊ اﺷــد ﻓوﺿــﻰ‬
‫واﺿطراﺑﺎً ﻣـن ذﻟـك اﻟواﻗـﻊ اﻟـذي ﻛﺗـب ﻋﻧـﻪ ﻓـﻲ ﻣطﻠـﻊ اﻟﺳـﺑﻌﯾﻧﺎت‪ ،‬وﻟﻘـد ﻛـﺎن ﻋﻠـﻰ ﺣـق‬
‫ﻓـﻲ ﻧﺑوءﺗـﻪ ﻫـذﻩ‪ ،‬ﻓﻣـﺎ ﯾﺷـﻬدﻩ اﻟﻌـﺎﻟم اﻟﻌرﺑـﻲ اﻟﯾـوم ﻣﻘﺎرﻧـﺔ ﺑﻣـﺎ ﻛـﺎن ﻋﻠﯾـﻪ ﻓـﻲ ذﻟـك اﻟﻌﻘــد‪،‬‬
‫ﯾﺑــدو أﻛﺛــر ﻓوﺿــﻰ واﺿــطراﺑﺎً‪ .‬ﻫﻛــذا ﯾــدﻋوﻧﺎ إﻟــﻰ أن ﻧﺳــﻠك طرﯾﻘ ـﺎً ﻣﻌرﻓﯾ ـﺎً ﻗــﺎدراً ﻋﻠــﻰ‬
‫ﺗﺧﻠﯾﺻــﻧﺎ ﻣــن أزﻣﺎﺗﻧــﺎ‪ ،‬آو ﻻ ﯾﻌــﯾش اﻹﻧﺳــﺎن أزﻣﺎﺗــﻪ ﺣﯾﻧﻣــﺎ ﻻ ﯾﻌﯾــد اﻟﻧظــر ﻓــﻲ ذاﺗــﻪ ؟‬
‫إﻧﻬﺎ دﻋوة إﻟﻰ ﻣراﺟﻌﺔ ذواﺗﻧﺎ وﻓﺣص ﻫوﯾﺗﻧﺎ‪ ،‬ﻓﺎن ﻟم ﻧﻧﺟز ﻫذﻩ اﻟﻣﻬﻣﺔ ﻟـن ﯾﻧﺟزﻫـﺎ ﻋﻧـﺎ‬
‫ﻏﯾرﻧــﺎ‪ ،‬ﻓــﺎﻷﺧر ﯾﺗﻌ ــﺎطﻰ ﻣﻌﻧــﺎ ﻛﻣوﺿــوع ﯾﺧﺗﺑـ ـرﻩ وﯾﻔﺣﺻــﻪ‪ ،‬ﺑــل ﯾﺳ ــﺗﻬﻠﻛﻪ‪ ،‬وﻓــﻲ أﺳ ــوء‬
‫اﻷﺣـوال ﯾﻌﯾــد ﺻــﻧﻌﻪ أو أﻧﺗﺎﺟــﻪ ﻛﻣــﺎ ﯾﻼﺋﻣــﻪ ﻫــو‪ ،‬وﻫــو ﻓﻘــط‪ ،‬أﻣــﺎ ﻧﺣــن ﻓــﻼ ﺻــوت ﻟﻧــﺎ‪،‬‬
‫ﻓﻲ ﻋﺎﻟم ﻋﺛر ﻓﯾﻪ اﻵﺧرون ﻋﻠﯾﻧﺎ ذات ﻣرة‪ ،‬وﻟـﯾس ﺑﺑﻌﯾـد أﻧﻬـم "وﻟﻠﻣـرة اﻟﺛﺎﻧﯾـﺔ ﺳـﯾﻌﺛرون‬
‫ﻋﻠﯾﻧـ ــﺎ‪ .‬آﻧـ ــذاك ﺳـ ــﯾﺑدو ﺷـ ــﻌﺎر ﻣﺛـ ــل "اﻻﻣﺑرﯾﺎﻟﯾـ ــﺔ" ﻋﻘﺑـ ــﺔ ﺗﺎﻓﻬـ ــﺔ ﺑﺎﻟﻘﯾـ ــﺎس إﻟـ ــﻰ اﻧﻘراﺿـ ــﻧﺎ‬
‫اﻟﻘوﻣﻲ"‪ .xix‬وﺗﺣذﯾر ﺳﻌﯾد ﻣن اﻛﺗﺷﺎف اﻟﻐرب ﻟﻧـﺎ ﺛﺎﻧﯾـﺔ‪ ،‬ﻫـو ﻣـﺎ ﺣﺻـل ﺑﺎﻟﻔﻌـل‪ ،‬ﻻ ﻓـﻲ‬
‫)‪ xx(٢٠٠٣‬ﻛﻣــﺎ ﻗـرأ أﺣــد اﻟﺑــﺎﺣﺛﯾن ﻫــذا اﻟﺗﺣــذﯾر ‪ -‬واﻟﻘـراءة إﺷــﺎرة واﺿــﺣﺔ إﻟــﻰ اﺣــﺗﻼل‬
‫‪‬‬
‫اﻟﻌ ـراق ‪-‬وا ٕ ﻧﻣــﺎ ﻓــﻲ ﻣطﻠــﻊ اﻟﺗﺳــﻌﯾﻧﺎت‪ ،‬ﻓــﻲ ﺣــرب اﻟﺧﻠــﯾﺞ اﻟﺛﺎﻧﯾــﺔ ‪ ،‬وذﻟــك ﺣﯾﻧﻣــﺎ ﻋــﺎد‬
‫اﻟﻐ ـرب ﺑﻛــل ﺛﻘﻠــﻪ‪ ،‬وﻣــﺎ ﻛــﺎن ذﻟــك ﻟﯾﻛــون ﻟــوﻻ أﻧﻧــﺎ أﺿــﻌﻧﺎ ﻓرﺻــﺔ اﻟﺗﻌــرف ﻋﻠــﻰ ذواﺗﻧــﺎ‪،‬‬
‫وﺗﺷ ــﺧﯾص أﻣراﺿ ــﻧﺎ‪ ،‬ﻓﺄﺻ ــﺑﺣﻧﺎ ﻣﻬ ــددﯾن ﺑ ــﺎﻻﻧﻘراض ﺑﻔﻌ ــل ﻗ ــوة ﻫوﯾ ــﺔ اﻷﺧ ــر وﺿ ــﻌف‬
‫ﻫوﯾﺗﻧﺎ‪ .‬أن ﻓﻌل اﻟﺗﻌرف ﻋﻠـﻰ اﻟـذات اﻟـذي ﻫـو ﻧﻘـﯾض ﻋـدم اﻟﺗﻌـرف‪ ،‬ﺗﻠـك اﻟﺻـﻔﺔ اﻟﺗـﻲ‬
‫ﻻزﻣت اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬ﻓﺑدا ﻛﻣن اﻗﺳم ﺑﺎﻹﯾﻣﺎن اﻟﻐﻠﯾظﺔ ﻋﻠـﻰ ﻋـدم اﻟﺗﻌـرف‪ ،‬ﻫـﻲ رﺳـﺎﻟﺔ ﺳـﻌﯾد‬
‫ﻓﻲ دراﺳـﺗﻪ ﻫـذﻩ‪ ،‬اﻟﺗـﻲ ﯾظﻬـر ﻓﯾﻬـﺎ ﻣﺗﺷـﺎﺋﻣﺎً إﻟـﻰ أﻗﺻـﻰ ﺣـد ﻣـن ﻫﺷﺎﺷـﺔ اﻟواﻗـﻊ اﻟﻌرﺑـﻲ‬
‫وﺗردﯾﻪ‪ .‬ﻟﻛﻧـﻪ ﻓـﻲ اﻟﻘـﺎدم ﻣـن ﻣؤﻟﻔﺎﺗـﻪ ﺳـﯾﻧﺗﻘل إﻟـﻰ ﻣﻧﺎﻗﺷـﺔ ﻣـن ﻧـوع آﺧـر‪ ،‬ﻣﻧﺎﻗﺷـﺔ ﺗﺳـﻠط‬
‫اﻟﺿــوء وﺑﻘــوة ﻋﻠــﻰ اﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ اﻟﻐرﺑﯾــﺔ‪ ،‬وﺧﺎﺻــﺔ ﺟﺎﻧــب اﻟﻬﯾﻣﻧ ـﺔ ﻓﯾﻬــﺎ‪ ،‬ذﻟــك اﻟﺟﺎﻧــب اﻟــذي‬
‫رﻣﻰ إﻟﻰ إﺧﺿﺎع اﻟﺷرق ﺑﻌـد أن ﺗﺣﺎﻟﻔـت اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ ﻣـﻊ اﻟﺳـﻠطﺔ‪ ،‬اﻟﻣﻌرﻓـﺔ ﻣـﻊ اﻟﻘـوة‪ ،‬وﻫـو‬
‫ﻣــﺎ ﺳﯾﻧﺷــﻐل ﺳــﻌﯾد ﺑﺎﺳﺗﻘﺻــﺎء ﻣﻌﻧــﺎﻩ‪ ،‬ﻓﺿـﻼً ﻋــن ﺗداﻋﯾﺎﺗــﻪ ﻋﻠــﻰ اﻟﺷــرق‪ ،‬ﻻﺳــﯾﻣﺎ اﻟﻌــﺎﻟم‬
‫اﻟﻌرﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬أي ﺑﯾﺎن ﻛﯾف أن اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ وظﻔت ﻷﻏراض اﻟﻬﯾﻣﻧـﺔ وﺗﺷـوﯾﻪ اﻵﺧـر‪،‬‬
‫وأﺻــﺑﺣت أداة ﺑﯾــد اﻟﺳــﻠطﺔ‪ ،‬وذﻟــك ﻫــو ﻣوﺿــوع اﻻﺳﺗﺷ ـراق وﻣﺳــﺄﻟﺔ ﻓﻠﺳــطﯾن وﺗﻐطﯾــﺔ‬
‫اﻹﺳﻼم ‪ ،‬ﻓﺿﻼً ﻋن اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ واﻻﻣﺑرﯾﺎﻟﯾﺔ‪.‬‬
 ‫اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ‬

‫‪‬‬
‫ﺻــدر ﻛﺗــﺎب إدوارد ﺳــﻌﯾد اﻷول )ﺟوزﯾــف ﻛــوﻧراد ورواﯾــﺔ اﻟﺳــﯾرة اﻟذاﺗﯾــﺔ( ﻋــﺎم ‪ ،١٩٦٦‬وﻫــو أطروﺣﺗــﻪ ﻟﻠــدﻛﺗوراﻩ‬
‫اﻟﺗــﻲ ﺣﺻــل ﻋﻠﯾﻬــﺎ ﻣــن ﺟﺎﻣﻌــﺔ ﻫﺎرﻓــﺎرد اﻷﻣرﯾﻛﯾــﺔ ﻋــﺎم ‪ .١٩٦٤‬ﺛــم ﺻــدر ﻟــﻪ ﻣﻘــﺎل ﺑﻌﻧـوان )ﺻــورة اﻟﻌــرب( ﺿــﻣن‬
‫ﻛﺗــﺎب )اﻟﻣواﺟﻬــﺔ اﻹﺳـراﺋﯾﻠﯾﺔ – اﻟﻌرﺑﯾــﺔ ﻓــﻲ ﺣزﯾـران ‪ :١٩٦٧‬ﻣﻧظــور ﻋرﺑــﻲ( ﻋــﺎم ‪ .١٩٧٠‬أﻣــﺎ اﻟدراﺳــﺔ اﻟﺗــﻲ ﻧﺣــن‬
‫ﺑﺻــددﻫﺎ ﻓﻘــد ﻧُﺷــرت أول ﻣ ـرة ﻓــﻲ ﻣﺟﻠــﺔ ﻣواﻗــف اﻟﺑﯾروﺗﯾــﺔ ﻋــﺎم )‪ ،(١٩٧٢‬أي ﻓــﻲ اﻟﻔﺗ ـرة اﻟﺗــﻲ ﻗﺿــﺎﻫﺎ ﺳــﻌﯾد ﻓــﻲ‬
‫اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ ﻓﻲ ﺑﯾروت ﺑﻌد ﺣﺻوﻟﻪ ﻋﻠﻰ إﺟﺎزة دراﺳﯾﺔ ﻣن ﺟﺎﻣﻌـﺔ ﻛوﻟوﻣﺑﯾـﺎ اﻷﻣرﯾﻛﯾـﺔ ﻟﻣـدة ﻋـﺎم‪ ،‬ﺛـم ﻧُﺷـرت‬
‫ﻓﻲ ﻛﺗﺎب ﯾﺣﻣل ﻋﻧوان اﻟدراﺳﺔ ذاﺗﻬﺎ وﻋﻧوان دراﺳﺔ أﺧرى ﻟﺳﻌﯾد ﻋن دار ﺑـداﯾﺎت اﻟﺳـورﯾﺔ ﻋـﺎم )‪ ،(٢٠٠٨‬وﻧُﺷـرت‬
‫أﯾﺿﺎً ﺿﻣن ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻟﻘﺎءات وﻣﻘﺎﻻت ﻟﺳﻌﯾد ﻓﻲ ﻛﺗﺎب ﺣﻣل ﻋﻧوان‪ :‬ادوارد ﺳﻌﯾد ﻣﻘﺎﻻت وﺣوارات‪ ،‬ﺗﻘدﯾم وﺗﺣرﯾر‬
‫ﻣﺣﻣد ﺷﺎﻫﯾن‪ ،‬اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت واﻟﻧﺷر‪ ،‬ﺑﯾروت‪ ،‬ط‪ .٢٠٠٤ ،١‬واﻟﻛﺗﺎب اﻷﺧﯾر ﻫـو ﻣـﺎ ﺳـﻧﺣﯾل إﻟﯾـﻪ ﻓـﻲ‬
‫ﺗﺣﻠﯾﻠﻧﺎ ﻟﻬذﻩ اﻟدراﺳﺔ‪.‬‬
‫‪ i‬ادوارد ﺳﻌﯾد‪ :‬ﻣﻘﺎﻻت وﺣوارات‪ ،‬ﺗﻘـدﯾم وﺗﺣرﯾـر ﻣﺣﻣـد ﺷـﺎﻫﯾن‪ ،‬اﻟﻣؤﺳﺳـﺔ اﻟﻌرﺑﯾـﺔ ﻟﻠدراﺳـﺎت واﻟﻧﺷـر‪ ،‬ﺑﯾـروت‪ ،‬ط‪،١‬‬
‫‪ ،٢٠٠٤‬ص‪.١٠‬‬
‫‪ ii‬ﻣﺣﻣد ﺷﺎﻫﯾن‪ :‬ادوارد ﺳﻌﯾد أﺳـﻔﺎر ﻓـﻲ ﻋـﺎﻟم اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ‪ ،‬اﻟﻣؤﺳﺳـﺔ اﻟﻌرﺑﯾـﺔ ﻟﻠدراﺳـﺎت واﻟﻧﺷـر‪ ،‬ﺑﯾـروت‪ ،‬ط‪،٢٠٠٧ ،١‬‬
‫ص ‪.٩‬‬
‫ﺑﯾ ــل أﺷ ــﻛروﻓت‪ ،‬ﺑ ــﺎل أﻫﻠواﻟﯾ ــﺎ‪ :‬ادوارد ﺳ ــﻌﯾد ﻣﻔﺎرﻗ ــﺔ اﻟﻬوﯾ ــﺔ‪ ،‬ﺗرﺟﻣ ــﺔ ﺳ ــﻬﯾل ﻧﺟ ــم‪ ،‬ﻣراﺟﻌ ــﺔ ﺣﯾ ــدر ﺳ ــﻌﯾد‪ ،‬ﻧﯾﻧ ــوى‬ ‫‪iii‬‬

‫ﻟﻠدراﺳﺎت واﻟﻧﺷر‪ ،‬ط‪ ،٢٠٠٠ ،١‬ص‪.١٢ ،١١‬‬

‫‪ iv‬ادوارد ﺳﻌﯾد‪ :‬ﻣﻘﺎﻻت وﺣوارات‪ ،‬ﺗﻘدﯾم وﺗﺣرﯾر ﻣﺣﻣد ﺷﺎﻫﯾن‪ ،‬ص‪.٢٨‬‬
‫‪ v‬اﻟﻣﺻدر ﻧﻔﺳﻪ‪ ،‬ص‪.٣٣ ،٣٢ ،٣١‬‬
‫اﻟﻣﺻدر ﻧﻔﺳﻪ‪ ،‬ص‪.٣٤‬‬ ‫‪vi‬‬

‫‪ vii‬اﻟﻣﺻدر ﻧﻔﺳﻪ‪ ،‬ص‪.٣٥ ،٣٤‬‬

‫اﻟﻣﺻدر ﻧﻔﺳﻪ‪ ،‬ص‪.٣٨ ،٣٧ ،٣٦‬‬ ‫‪viii‬‬

‫اﻟﻣﺻدر ﻧﻔﺳﻪ‪ ،‬ص‪.٣٩ ،٣٨‬‬ ‫‪ix‬‬

‫ﯾﻧظر إدوارد ﺳﻌﯾد‪ :‬اﻻﺳﺗﺷراق‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ ﻣﺣﻣد ﻋﻧﺎﻧﻲ‪ ،‬رؤﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫرة‪ ،‬ط‪ ،٢٠٠٦ ،١‬ص‪ ٣٥٣‬وﻣﺎ‬ ‫‪x‬‬

‫ﺑﻌدﻫﺎ‪.‬‬
‫‪ xi‬ادوارد ﺳﻌﯾد‪ :‬ﻣﻘﺎﻻت وﺣوارات‪ ،‬ﺗﻘدﯾم وﺗﺣرﯾر ﻣﺣﻣد ﺷﺎﻫﯾن‪ ،‬ص‪.٤٢‬‬
‫‪xii‬اﻟﻣﺻدر ﻧﻔﺳﻪ‪ ،‬ص‪ .٤٢،٤٣‬ﯾﻧظر أﯾﺿﺎً‪ ،‬إدوارد ﺳﻌﯾد‪:‬اﻻﺳﺗﺷراق‪ ،‬ص‪ ٤٨٩‬وﻣﺎ ﺑﻌدﻫﺎ‪.‬‬
‫‪ xiii‬ادوارد ﺳــﻌﯾد‪ ،‬ﺗﻌﻘﯾﺑــﺎت ﻋﻠــﻰ اﻻﺳﺗﺷـراق‪ ،‬ﺗرﺟﻣــﺔ وﺗﺣرﯾــر ﺻــﺑﺣﻲ ﺣدﯾــدي‪ ،‬اﻟﻣؤﺳﺳــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ ﻟﻠدراﺳــﺎت واﻟﻧﺷــر‪،‬‬
‫ﺑﯾروت‪ ،‬ط‪ ،١٩٩٦ ،١‬ص‪.١٤٢‬‬
‫‪ xiv‬ادوارد ﺳﻌﯾد‪ :‬ﻣﻘﺎﻻت وﺣوارات‪ ،‬ﺗﻘدﯾم وﺗﺣرﯾر ﻣﺣﻣد ﺷﺎﻫﯾن‪ ،‬ص‪.٤٤‬‬
‫اﻟﻣﺻدر ﻧﻔﺳﻪ‪ ،‬ص‪.٤٥ ،٤٤‬‬ ‫‪xv‬‬

‫اﻟﻣﺻدر ﻧﻔﺳﻪ‪ ،‬ص‪.٤٨ ،٤٧ ،٤٦‬‬ ‫‪xvi‬‬

‫اﻟﻣﺻدر ﻧﻔﺳﻪ‪ ،‬ص‪.٢٩ ،٢٨‬‬ ‫‪xvii‬‬

‫‪ xviii‬اﻟﻣﺻدر ﻧﻔﺳﻪ‪ ،‬ص‪.٥٦ ،٥٤‬‬

 ‫اﻟﻣﺻدر ﻧﻔﺳﻪ‪ ،‬ص‪.٦٣‬‬ ‫‪xix‬‬

‫اﻟﻣﺻدر ﻧﻔﺳﻪ‪ ،‬ﻣﻘدﻣﺔ ﻣﺣﻣد ﺷﺎﻫﯾن‪ ،‬ص‪.١٤‬‬ ‫‪xx‬‬

‫‪‬‬
‫ﻧرى أن ﺣرب اﻟﺧﻠﯾﺞ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ أﻛﺛر دﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻋودة اﻟﻐرب إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬ﻛﻣﺎ أن ﻫذا اﻟﺣدث وﻣـﺎ ﻧـﺗﺞ ﻋﻧـﻪ‬
‫ﻣن ﺗداﻋﯾﺎت أﻛﺛر اﺗﺳﺎﻗﺎً ﻣﻊ ﺗﺣذﯾر ﺳﻌﯾد ﻣن أن اﻛﺗﺷﺎف اﻟﻐرب ﻟﻧﺎ ﺛﺎﻧﯾﺔ ﺳـﯾؤدي إﻟـﻰ اﻧﻘراﺿـﻧﺎ اﻟﻘـوﻣﻲ‪ .‬وﻫـذا ﻣـﺎ‬
‫ﺣﺻــل ﺑﺎﻟﻔﻌــل إذ أن اﻟﻣﺷــروع اﻟﻘــوﻣﻲ اﻟﻌرﺑــﻲ ﻗــد ﺗﻌــرض إﻟــﻰ ﺿـرﺑﺔ ﻗﺎﺿــﯾﺔ ﺑﻔﻌــل اﺣــﺗﻼل اﻟﻌـراق ﻟﻠﻛوﯾــت‪ ،‬وﻫــﻲ‬
‫اﻟﺿ ـرﺑﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ أدت إﻟــﻰ إﻧﻬــﺎء ﻫــذا اﻟﻣﺷــروع ﺑﻌــد ﻫزﯾﻣــﺔ ﺣزﯾ ـران )‪ (١٩٦٧‬اﻟﺗــﻲ أدت إﻟــﻰ ﺗراﺟﻌــﻪ وﺻــﻌود‬
‫اﻟﺗﯾﺎرات اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻛﺑدﯾل ﻟﻬذا اﻟﻣﺷروع‪.‬‬
 ‫ﻣُﻠﺧص اﻟﺑﺣث‬

‫ﯾﺗﻧﺎول ﻫذا اﻟﺑﺣث دراﺳﺔ ﻛﺗﺑﻬﺎ إدوارد ﺳﻌﯾد ﻓﻲ ﻣطﻠﻊ اﻟﺳﺑﻌﯾﻧﺎت‪ .‬وأﻫم ﻣﺎ ﻓﻲ ﻫذﻩ‬
‫اﻟدراﺳﺔ أﻧﻬﺎ ﺗﺣﻣل ﻓﻲ ﻣﺿﺎﻣﯾﻧﻬﺎ ﺑﻌض ﻣﺎ ﺳﯾﻘوﻟﻪ ﺳﻌﯾد ﻓﻲ ﻋدد ﻣن ﻣؤﻟﻔﺎﺗﻪ اﻟﻼﺣﻘﺔ‬
‫وﻻﺳﯾﻣﺎ )اﻻﺳﺗﺷراق(‪ ،‬أﺷﻬر ﻣؤﻟﻔﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻛﻣﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﻛﺷف ﻋن ﺑﻌض ﺟواﻧب ﻓﻛرﻩ ﻓﻲ ﺗﻠك‬
‫اﻟﻔﺗرة اﻟﻣﺑﻛرة ﻣن ﺣﯾﺎﺗﻪ‪.‬‬
‫ﯾدور اﻟﺑﺣث ﺣول ﺳؤال رﺋﯾﺳﻲ ﯾطرﺣﻪ ﺳﻌﯾد ﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﺿﻌف اﻟﻌﺎم اﻟذي ﯾﻌﺗري‬
‫اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻌرﺑﻲ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﯾﺑّﯾن ﻣوﻗﻔﻪ ﻣن ﺑﻌض اﻟﻣﺛﻘﻔﯾن اﻟﻌرب وطرﯾﻘﺔ ﺗﻌﺎﻣﻠﻬم ﻣﻊ‬
‫اﻟﻐرب‪ ،‬ﻓﺿﻼً ﻋن أن اﻟﺑﺣث ﯾﺳﻠط اﻟﺿوء ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻘد اﻟﻣزدوج اﻟذي ﯾﻣﺎرﺳﻪ ﺳﻌﯾد‬
‫إزاء اﻟﺛﻘﺎﻓﺗﯾن‪ :‬اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﺑﻌدﻫﺎ اﻟﻣﻬﯾﻣن واﻟطﺎرد ﻟﻛل ﺛﻘﺎﻓﺔ أﺧرى‪ ،‬واﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺳﻣﺗﻬﺎ اﻷﺑرز اﻟﺿﻌف واﻟﺳطﺣﯾﺔ‪ ،‬وﯾﺗﻧﺎول أﯾﺿﺎً اﻷﺳﺑﺎب اﻟﺗﻲ ﺗﻘف ﺧﻠف ﻫذا‬
‫اﻟﺿﻌف واﻟﺗﺄﺧر‪ ،‬اﻟﺳﻣﺔ اﻷﺑرز اﻟﺗﻲ ﯾﻌﯾﺷﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﺎﻟﻌﺎﻟم اﻟﻐرﺑﻲ‪.‬‬
‫وﻛﻧظراﺋﻪ ﻣن اﻟﻣﻔﻛرﯾن اﻟﻌرب ﯾطرح ﺳﻌﯾد ﺣلً ﻟﻬذا اﻟﺗﺄﺧر‪ ،‬وﻟﻛﻧﻪ ﻫذﻩ اﻟﻣرة ﻣﻐﺎﯾر‬
‫ﺗﻣﺎﻣﺎً ﻟﻣﺎ ﻫو ﻣطروح ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ‪ ،‬ﺑل وأﻛﺛر ﻣن ذﻟك أن ﻫذا اﻟﺣل ﻟم ﯾﺳﻠك ﻣﺎ‬
‫ﻫو ﺳﺎﺋد ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻣن ﺣﻠول ﻣﻘﺗرﺣﺔ ﻟﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﺗﺄﺧر ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ‪.‬‬
‫واﻟﺑﺣث ﻓﻲ اﻟﻧﻬﺎﯾﺔ ﻫو ﺗﺣﻠﯾل ﻣﻛﺛف ﻻﻫﺗﻣﺎم ﺳﻌﯾد اﻟﻣﺑﻛر ﺑﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ‪،‬‬
‫وﺧﺎﺻﺔ ﻗﺿﯾﺔ اﻟﺗﺄﺧر ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻌﺎﻟم‪.‬‬
 Abstract

This research deals with a study written by Edward Said in

the beginning of seventies of last century . The importance of
that study lies in that it contained what would be said by Said in
his later writings , especially his most famous book
"Orientalism" . In addition , it discovered some sides of his
thought in that early period of his life .
The research concentrates on main question raised by
Edward Said concerning general weakness in Arabic society and
it stares his position of some Arab intellectuals and their treating
ways with west . In addition , it focuses on double criticism of
Said toward both cultures : western culture in its dominant and
centrifugal dimension to all other cultures , and Arabic culture
in its distinct features i.e. weakness and shallowness . The
research studies the reasons of weakness and retardation` ``
in Arabian society compared with western world .
Edward Said , like Arab thinkers , presents a resolution to
the matter , but it is wholly different from other resolutions , that
it is not similar the common resolutions for the problem of
retardation in Arabic culture .
Finally , this research is a condensed analysis of Said's early
interest in Arabian world issues , especially the issue of
retardation .