Professional Documents
Culture Documents
`
5
الحمد هلل رب العالمين ,وصلى اهلل وسلم وبارك على رسوله األمين ,وعلى آله وصحبه
أجمعين.
أما بعد:
فكلمتنا اليوم يف أدب الصحبة وما ينبغي أن يراعى يف َه َذا المقاام وهاذا األداديال التاي
ننبه عليها يف كل يوم ,إن ََّما هي بحسب الحاجة.
ونراعااي أياااا فيهااا التنويااا لحاجااة الناااح وبحسااب مااا يحتااايف الناااح يف عباااد م ويف
أخالقهم ومعاملتهم.
والصحبة :هي من الوسائل العظيمة التي ينتفا هبا المسلم يف دينه ودنياا ,ولقد مدح
الحكماء والعقالء قبل اإلسالم الصحبة ,وتكلموا يف ُدسن اختياار الصاادب ولهام أراعار
ونظم يطول يف وصف ذلك ويف ذم بعض من ال ُيارغب يف صحبته.
قهر َّية.
ٍ
اختيار مناه, ُلي بصحبته من غير
فالقهرية هي :ما يتعرض له اإلنسان من ُصحبة من ابت َ
كمن يبتلاى بمان ال يرغاب يف صاحبته يف عمال أو يف مساكن أو يف دراساة أو يف ت اار أو يف
طريق ,فهؤالء ال اختيار لإلنسان يف صحبتهم ,والعاقال علياه أن يقااي أياماه ماا هاؤالء يف
سالمة وعافية ,يت نب ررهم ,ويسلم من أذاهم وال يحرص على ُصحبتهم.
وقد ارتكى العقالء والحكمااء مان قلاة َه َاذا ال انا مان النَّااحُ ,
وه َاو الصاادب الاويف
الذي يعين على الخير ,ويسرت الزلة ,ويغفر الخطأ ,اراتكى الحكمااء قاديما مان د
قلاة ونُادر
مثل َه َذا الصادب ,والناح يف َه َذا الزمان أرد ركاية لقلة الوفاء والصدق يف الناح َّإال مان
ردم اهلل.
وضابط الصادب النَّافا الذي ُيارغب فيهُ ,ه َو صادب الدين والعقل والحكمة ,فدينه
يحمله على نفا أخياه يف الادين ويف مناصاحته ,وعقلاه يمنعاه مان السافه ,والحكماة تحملاه
فه َذا يعض على صحبته بالنواجذ.
على ُدسن التصرف ,فمن ُوجد هبذا الصفاتَ ,
وه َو من جما باين الادين والعقال والحكماة ,ويقال يف
حرص على صحبتهُ , فه َذا الذي ُي َ
َ
الناح مثل هذا ,فإن ُع ددم يف م تما فإنه يصحب من ُه َو أقرب إلى هاذا الصافاتُ ,
وه َاو أن
المنكر.
يكون الصادب صادب دين يعين على الخير ,ويأمر بالمعروف وينهى عن ُ
7
وقبل أن أذكر بعض الصفات المتعلقاة هب ََاذا ُأراير إلاى ألار الصاحبة يف الصاادب ,فكام
انتفاااا األصاااحاب بأصاااحاهبم ,ولعاقااا ٍل أن يتأمااال كياااف ارتفاااا أباااو بكااار بصاااحبة النباااي
اال فياه صادب ُه يف اله ر ,وآةرا و َق َ فه َو صادبه الذي بادر إلى اإليمان به ,و َ ُ ,
َّخذا من أهل األرض َخلديال َال َّت َخ ْذ ُت َأ َبا َب ْك ٍر َخلديالَ ,و َلكد َّن
النبي َ « :لو ُكن ُْت مت د
ُ ْ
الردمن»(.)1
صادبكم خليل َّ
َّاح َأ َددٌ َأ َم َّن َع َل َّي فدي َن ْف دس ده َو َمال د ده مد ْن َأبدي ب ْك در ْب دن َأبداي ُق َحا َفا َة »()2
و َق َال « :إد َّن ُه َل ْي َا مد َن الن د
فما ُيعرف بعد األنبياء والمرسلين أفال مان أباي بكار ,فاانظروا إلاى ألار الصاحبة,
كيف ارتفا هبا َه َذا الرجل مان قاري و ولايا هاو يف نسابه وقرباه مان النباي
أولى من غيرا بل يف الصحابة من هو أقرب منه نسابا للنباي فبناو هارام وبناو
عبد مناف كلهم أقرب من أبي بكر يف النسب ,ولكنه نال َه َذا بصحبة النبي .
وكذلك صادب موسى الذي صادبه يف ردلتاه يف طلاب العلام يف البحال عان الخاار
وله َاذا
وه َو يورا بن نون فإن اهلل ذكرا يف كتابه وذكر صحبته لموسى فارتفا هبذا الصاحبةَ ,
ُ
وه َاو
ُيذكر يف كتب بني اسرائيل أن يورا بان ناون ُه َاو أخان النااح بموساى بعاد هاارونُ ,
وه َذا مما يدل على فال الصحبة.َو دصيهَ ,
ب أباا بكار
ااد َ
وكذلك من ألر الصحبة :صحبة عمر ألبي بكار فاإن عمار كاان َص َ
وكان ينافسه يف الخير ,فارتفعت همته ,وكان يناافا أباا بكار ك ََماا أخاَ ُه َاو بنفساه ,فاارتفا
هبذا الصحبة ,دتى أصبح أفال الناح بعد النباي ,وبعاد أباي بكار ماا تاأخر
إسالمه.
ومن ألر الصحبة على العلماء عموما وعلى أصحاب النبي خصوصا ,
الفال العظيم الذي دصل ألصحاب النبي على غيرهم من األمة.
كذلك من ألر الصحبة :المباركة صحبة األئمة كأصحاب أبي دنيفة وأصحاب مالك
والشافعي وأدمد فإهنم يذكرون يف الكتاب لماا كاان هاؤالء علاى صالة باألئماة ,فأصابحت
فه َذا من ألر الصحبة الطيبة المباركة.
أسمائهم مقرتنة بفقه هؤالء وهم نقلة العلم عنهمَ ,
كذلك من ألر الصحبة على العلماء :أن الرجل يرتفا بصحبة العالم ك ََما ارتفا اإلمام
ابن القيم بصاحبة رايا اإلساالم ابان تيمياة ,فكاان اإلماام ابان القايم كغيارا مان العلمااء لاه
جهود ,ولكن ليا ألرا كألرا بعد أن اتصل بشيا اإلسالم ابن تيمية ,كماا أخاَ هاو بنفساه,
فارتفا وفاق األقران وسبقهم سبقا بعيدا فأصبح ال يكاد يذكر رايا اإلساالم ابان تيمياة َّإال
وماااا ةال النباااي يااادعوا إلاااى اإلساااالم دتاااى يف مرضاااه موتاااه ,والنباااي
يطمااا يف إسااالمه لعقلااه ولحبااه للنبااي ولعلمااه بصاادق النبااي
وماا َه َاذا دااال بيناه وبااين اإليماان بعاد قاادر اهلل ودكماة اهلل الصااحبة
10
السيئة.
علااى مااا روى الشاايخان ماان دااديل سااعيد باان المساايب ,عاان أبيااه أنااه أخااَا« :أنااه لمااا
دارت أبا طالب الوفا جاءا رسول اهلل ﷺ ,فوجد عندا أبا جهل بن هشاام ,وعباد اهلل بان
أبي أمية بن المغير ,قال رسول اهلل ﷺ ألبي طالب " :يا عم ,قل :ال إله إال اهلل ,كلمة أرهد
لك هبا عند اهلل " فقال أبو جهل ,وعبد اهلل بن أباي أمياة :ياا أباا طالاب أترغاب عان ملاة عباد
المطلبو فلم يزل رسول اهلل ﷺ يعرضها عليه ,ويعودان بتلك المقالة دتى قال أبو طالاب
آخر ما كلمهم :هو على ملة عبد المطلب ,وأبى أن يقول :ال إله إال اهلل»()1
فكرا أن يخالف أصحابه وأصدقاءا وكرا أن يذموا بمفارقته لدينه عناد الماوت ,فماات
والعياذ باهلل على الكفر.
وكذلك ألر الصحبة ,على كل من صادب أهل الباطل ,فكم جنت صحبة أهل البدع
على أهلها ما جنت وكم جنت صحبة األررار من أهال المعاصاي علاى أصاحاهبا ماا جنات
الصاالدحد َو َجلد د
ايا وقد بين النبي َ ه َذا يف مثل واضح َب ّينَ ,ق َال« :م َث ُل ال لدايا َّ
َاع مدنْ ُهَ ,وإد َّما د د د د د د وء :ك د د د الس د
َحام دل الم ْسكَ ,ونَافاد ا ْلك ديرَ ,فحام ُل الم ْسك أ َّما َأ ْن ُي ْحذ َي َكَ ,وإد َّما َأ ْن َت ْبت َ
َ
َأ ْن َت د دَ مدنْ ُه ريحا ط ِّيبة ,ونَافد ُا الكد دير أ َّما َأن َي ْح در َق لديا َب َك ,وإ َّما َأ ْن َت د دَ مدنْ ُه دريحا خبيثة»)5(.
فبين النبي ألر ال ليا الصالح وجليا السوء هب ََذا المثاال الباين :بحامال
المسااك فهااو إ َّمااا أن يعطيااك الطيااب أو تشاارتي منااه وهااو مثاال دسااي للنفااا الااذي يحصاال
بصحبة أهل الفال ,وإما أن ت د عندا رائحة طيبة ,وهي رائحة الطياب وهاذا ألار معناوي
وهو مثل للسمعة الحسنة من صحبة األخيار .
وإما نافا الكير فهو إما أن يحرق لياباك بالشارر المتطااير ألنااء نفخاه للكيار وهاذا مثال
وه َاذا
للارر الحسي الذي يلحق جليا صادب الشر ,وإما أن ت اد عنادا ريحاا خبيثاةَ ,
مثل معنوي لما يحلق جليا صادب الشر من السمعة السيئة.
فالمقصود أن العاقل له عَ ومواعظ يف صاحبة أهال الخيار وماا ي ُ ناى فيهاا مان الثماار
الطيبة وصحبة أهل الشر وما ي تني أهلها من الثمار السيئة والعياذ باهلل.
والصادب الذي ُيحرص على صحبته ُه َو صادب الدين الذي استقام علاى ديان اهلل
فه َذا الذي ُيرغاب يف صاحبته ,فاإن ديناه يحملاه
وسلم من البدع وسلم من المعاصي َ
على أن يدعوك للخير ,وأن يأمرك بالمعروف ,وأن ينهاك عن المنكر ,كما أن دينه يمنعاه أن
يوافقك على رر فيكون عونا لك على نفسك.
دتاى لااو ضاعفت الاانفا ,فإناك ساات د الصااديق ,صاادب الاادين يعيناك علااى الخياار,
ويااأمرك بااالمعروف إذا غفلاات عنااه وينهاااك عاان المنكاار إذا وقعاات فيااه ,ويااذكرك بااالخير
فها َاذا الااذي ُيحاارص علااى
وياادعوك إلااى طاعااة اهلل ويرراادك إلااى كاال مااا فيااه خياارَ ,
صحبته.
12
وكذلك من الصفات الممدودة يف الصادب الذي يحرص على صحبته العقل ,فإن
العاقل يحمل صادبه على الخير ,وي نبه السفه ,وأما السفيه :فإنه ال خير يف صاحبته ,دتاى
ولو ُو دجدَ الدين ما ضعف العقل فإن ضعف العقل يحمل صادبه على السفه ,ولربما أضار
بصادبه من ديل ال يدري ,ولربما أهلك صادبه يف دين يظن أ َّن ُه ينفعه.
وأرد ما يكون من الصفات المذمومة :صحبة األدمق ,الذي ال يمياز باين األراياء بال
وه َاو يظان أنَّا ُه
وه َو يظن أ َّن ُه خير ,ويصد عن الخير ُ
إ َّن ُه تختلط عليه األمور ,فيقدم على الشر ُ
رر ,وقد داذر العلمااء مان صاحبة األدماق ,ولايا هنااك أضار علاى اإلنساان مان صاحبة
األدمق.
فصحبة العاقل الذي تميز بالعقل وتقدير األمور ينفا صادبه ,فإذا استشرته وجادت
الرأي السديد ,وإذا رجعت إليه يف أمر وجدت نعم المساند بالعقل والحكمة.
كذلك ممن يحرص على صحبته من اتصف بالحكمة ,وهي مرتبة فوق العقل وتبنى
الحكمة على مرتبتين :مرتبة التمييز ومرتبة تنزيل األرياء على مناةلها؛ َّ
ألن الحكماة وضاا
األرياء يف مواضعها.
فالحكيم ُه َو الذي له تمييز وعقال ,ولاه دكماة فيااا األراياء يف مواضاعها ,ولاه قادر
وفهم ,ويحسب لألمور دساهبا ,ويوجه إلى الخير قبل أن يتنبه لاه النااح ويحاذر مان الشار
13
وله َ
ااذا ذكاار العلماااء أن الفتنااة إذا اقبلاات ال يعلمهااا َّإال الفقهاااء قباال أن يتنبااه لااه الناااحَ ,
والحكماء ,وإذا أدبرت عرفها عامة الناح.
فصااحبة الحكاايم ممااا ُينتفااا هب اا وكااذلك إذا صااحبت العاقاال تخلقاات بأخالقااه وإذا
صحبت الحكيم تخلقت بأخالقه ,ولاذا قيال «الصاادب ساادب ) ومعلاو ٌم أن مان العقال
ااو فطااري ُومنهااا مااا هااو مكتسااب ,فالمكتسااب كصااحبة العقااالء
والحكمااة مااا ُها َاو مااا ُه َ
والحكماء ,فإن من خالطهم فال باد أن ي ااريهم يف كالمهام ,ويف سامتهم ويف دخاولهم ويف
خروجهم؛ وينتفا بأخالقهم ومواقفهم فهام ال يتعرضاون لماواطن ُ
الشا َبه ,وال ي لساون يف
احبون كاال إنسااان , ,وإن ََّمااا لهاام تم ُيااز يف
كاال م لااا ,وال يتكلمااون بكاال كااالم ,وال يصا َ
دخولهم ويف خروجهم ,ويف تصرفا م ,ويف كل أدوالهم ,ف ُينتفا بصحبتهم.
وأمااا ماان َف َقاادَ هااذا الصاافات فإنااه ال ُيرغااب يف صااحبته ,مثاال ُصااحبة الفاسااق ببدعااة أو
معصية ,فكم جرت صحبة هؤالء من الشر والفتنة ,ومن ذلك اإلنغماح يف فتنتهم من بدعة
أو معصية .
ب مبتدعًا فإنه ال يأمن أن ينغما يف ضاللته ,وقاد َّ
داذر وله َذا ذكر العلماء أن من َص َح َ
َ
السلف من صحبتهَ ,ق َال أبو قالبة "ال ت السوا أهل األهواء وال ت ادلوهم؛ فاإ ال آمان أن
ب أهل البدع
صاد َ
َ يغمسوكم يف ضاللتهم ,أو يلبسوا عليكم ما تعرفون"( ,)1وكم من رجل
وه َو يزعم أن يناصحهم ,فرجا ببدعتهم وبشبهتهم.
ُ
وله َذا كانات اإلبال إذا ُأصايب أدادها ال ارب انتقال بسارعة راديد إلاى غيارا ,فكاانوا
َ
يعزلون اإلبل التي ُأصيبت بال رب عن غيرها ,فشبه العلماء المبتدع باألجرب الذي ينتقال
داؤا إلى غيرا بدون األسباب المبارر .
اف االساتنكار ,فاإذا رأوهاا يخاف فإذا سمعوا للمر الثانية أن هذا المعصاية وقعات د
يخ ُ
االستنكار أكثر ,فإذا خالط الناح أصحاهبا لربما هان عليهم األمر دتى إ َّن ُه لربما أتى عليهم
ةمان وبارروا هذا المعصية وهو ال يشعرون بشد خطرها.
فه َذا مما يدل على أن المعصية لها ألر ,سماع المعاصي لاه ألار فكياف بصاحبة أهلهااو
َ
وله َذا العاقل ينآى بنفسه ويبتعد عن صحبة أهل المعاصاي ولاو كاان عنادهم دنياا ولاو كاان
َ
لهم جاا ,فإن صحبتهم ضررها على الدين معروفة وم ربة.
15
كذلك مما ينهى عن صحبته السفيه ,واألدمق فإن صحبتهم مار باإلنسان دتى ما
وعادم تعقال فلربماا وجود الدين ,فإن اإلنسان قد يكون دينا يف نفسه لكن فياه سافه وطاي
جر على صادبه الويالت بسبب طيشه وبسبب سفهه.
َّ
وه َاو ال يادري وإن وله َذا قيل ( ٌّ
عدو عاقل خير من صديق جاهل) ,فال اهل قد ياارك ُ َ
كان صادق الوفاء صادق الصحبة والصداقةَّ ,إال أ َّن ُه يار ُ
وه َو ال يدري أ َّن ُه يار.
ومن األمور التي أذكرها وهي تدل علاى أن أهال المعاصاي وضاعف العقال لربماا ناوا
أهنم يحسنون لبعض من يحبون وهم يارونه.
فااانظروا َها َاذا الصااادب اآلن يريااد أن ينفااا صااادبه وصااديقه بااأن ياادخل القنااوات
وه َو صادق يف دبه ويف صداقته.
الفاائية إلى بيتهُ ,
فه َذا يحمل عليه ضعف العقال,
وله َذا ُه َو ي ود له بما عندا ,ويحب له ما يحب لنفسهَ ,
َ
وإال مثل َه َذا لو كان عاقال وابتُلي بالمعصية ,فإنه ال يدعو صاديقه الاذي ُيحاب لهاذا ,لكان
ضعف العقل يحمل اإلنسان أديانا على أن يار بالناح.
وله َذا عقالء الرجال اآلن من الذين وقعوا يف التدخين وفيهم نقن يف العقل ,لكنه قد ال
َ
يصل إلى أن يدعو األب الذي يدخن ابنه للتدخين؛ َّ
ألن فيه ريء من العقل.
16
وأما إذا ذهب العقل بالكلية فقد يدعو األب ابناه إلاى أن يشااركه يف الخمار ويف الادخان
فه َذا دليل على تفاوت الناح يف العقل ,فالعاقل دتى ولو َّ
قصر ووقاا يف معصاية, ويف الزناَ ,
فإنه ال يحمل صادبه ومن يحب وأقرب الناح إليه إلى هذا المخالفة.
وأما إذا ضعف العاقل فال يمكن أن ُيوصف ال اهل يف ضررا علاى النااح ومان يحاب
يف دعوى أ َّن ُه ينفعهم.
وكذلك ممن يحذر من صحبته صادب الحسد الذي يتمنى ةوال النعمة عن صديقه
وعن صادبه ,فإن هؤالء ُيبتعد عنهم ,وررهم خطير ,وهؤالء يسعون يف إةالة الانعم ولربماا
اعتدى على صادبه دتى أ َّن ُه لربما دمال الحاساد صاادبه علاى القتال ,وأن ياذم و يبغاي و
يظلم بسبب الحسد ,فالحسود ُيبتعد عن صحبته فإنه ال خير يف صحبته.
كذلك ممن يحذر من صحبته ,الملول الذي يمل الصحبة فإن بعاض النااح لاه تنقال يف
ب الرجل فرت من الزمن وجد ملال ففارقه لغيرا.
صاد َ
َ األصحاب كل يوم ,وكلما
وقد َّ
دذر الحكماء قديما ,مان صاحبة الملاول المتلاون الاذي ال يادوم لاه ود ,وإن ََّماا
ُيحرص على صادب الود الدائم الذي ال يتغير وال تتغير داله ما طول الزماان وماا ابتعااد
المكان.
وقد عرفنا من بعض هؤالء من إذا انقطعت عنه عشرين سنة فوجدته ك ََما ُه َاو ولاو انتقال
إلى بلد وابتعد عنك يف البلدان البعيد فإنه ال يتغير ,ال ُتغيرا األدادا واألةماان وال يتغيار
بحالك إن انتقلت إلى غنى أو إلى فقر ,أو ُأصبت بمصايبة ,أو ابتعادت عناه أو طاال الزماان
17
كذلك يحذر من صحبة الغاوب ,رديد الغاب الذي يغاب ألدنى رايء فاإذا ماا
فه َذا يبتعد عناه,
أخطأت غاب عليك وأوسعك ذ ًّما وال يغفر الزلة وال يحلم على صديقهَ ,
فمن منا ال يغاب صادبه.
وله َذا نحن نختار مان األصاحاب مان إذا أغاابته دلام علياك ,ومان إذا غااب تحلام
َ
عليه؛ ألنَّه ال يسلم اإلنسان من خطأ ,فالصديق الذي ُيحرص عليه ُه َو الاذي يتحمال الزلاة,
وال يغاب.
وقد ذكر العلماء أن الناح يف َه َذا أصاناف أربعاة :فمانهم ساريا الغااب ,بطايء الفايء
وه َذا أسوأ األصاناف ,ومانهم بطايء الغااب ساريا الفايء وهاذا خيار األصاناف ,وبينهماا
َ
صنفان األول :سريا الغاب ساريا الفايء ,والثاا :بطا الغااب بطايء الفايء فالنااح
يتفاوتون يف ذلك تفاوتا كبيرا.
فاإلنسان يختار بطيء الغاب سريا الفايء ,ال يغااب ألدناى رايء وإذا غااب فإناه
سريا الفيء والرجوع.
كما أ َّن ُه ينبغي أياا عدم صحبة من يصحبك للدنيا ,ويريد مصالح الدنيا وليست صحبته
هلل ويف اهلل ,فإن هذا صحبة ةائلة مهما أ هر الود ومهماا أ هار القارب فاإن كال عالقاة فإهناا
18
فه َو يحفظك يف دال غناك وفقرك ويف داال عسارك ويسارك ,و
وأما إذا كان الود يف اهلل ُ
الصديق الويف ُه َو الذي ال يتخلى عن صاديقه عناد المصايبة وال يتخلاى عناه عنادما ُيصااب
بحاجة ,وإن ََّما يكون واقفا معه ُمعينا له على الخير.
وله َذا كان بعض الحكماء يوجه عند اختيار األصدقاء إلى اختبارهم ومان هاذا ماا ينقال
َ
عن لقمان الحكيم أ َّن ُه كان يقول «:إذا أردت أن تصحب رجال فاغابه ُل َّم انظر إلى إنصافه
لك»
و ُينقل عن سفيان الثوري أناه يقاول ( :إذا أردت ُصاحبة رجال فاغاابه ُل َّ
ام ُد َّح لاه مان
يسأله عنك) فعناد ذلاك يتباين الصاديق الاويف فإناك إذا أغاابته يحفاظ ودك يف غياباك وال
يتكلم يف غيبتك وإن ََّما يحفظ الصحبة يف داورك ويف غيابك.
والحديل يطول عن َه َذا الباب ف ُه َو باب عظيم من أبواب الخيار ,فلربماا دمال اإلنساان
ٍ
مناةل عظيمة ال يطماا فيهاا بعلماه وبعقلاه وإنماا ينالهاا بصاحبة وقربه إلى
على خير عظيمَّ ,
األخيار.
ولربما ارتكا البعض يف الذنوب والفتن بصحبة األررار وأصبح مقارنا لهم فيماا هام
فيه.
َه َذا واهلل أعلم ,وصلى اهلل وسلم وبارك على عبدا ورسوله محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين..