You are on page 1of 19

00966 58 308 8912

‫`‬
‫‪5‬‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ,‬وصلى اهلل وسلم وبارك على رسوله األمين‪ ,‬وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬

‫‪‬أما بعد‪:‬‬

‫فكلمتنا اليوم يف أدب الصحبة وما ينبغي أن يراعى يف َه َذا المقاام وهاذا األداديال التاي‬
‫ننبه عليها يف كل يوم‪ ,‬إن ََّما هي بحسب الحاجة‪.‬‬

‫ونراعااي أياااا فيهااا التنويااا لحاجااة الناااح وبحسااب مااا يحتااايف الناااح يف عباااد م ويف‬
‫أخالقهم ومعاملتهم‪.‬‬

‫‪ ‬والصحبة‪ :‬هي من الوسائل العظيمة التي ينتفا هبا المسلم يف دينه ودنياا‪ ,‬ولقد مدح‬
‫الحكماء والعقالء قبل اإلسالم الصحبة‪ ,‬وتكلموا يف ُدسن اختياار الصاادب ولهام أراعار‬
‫ونظم يطول يف وصف ذلك ويف ذم بعض من ال ُيارغب يف صحبته‪.‬‬

‫والذي ينبغي للعاقل أن يختار له صادبا صديقا يعينه على الخير‪.‬‬

‫والمقارنااة‪ ,‬والصااحبة تكااون اختياريااة‪ ,‬وتكااون‬


‫‪ ‬والصااحبة يف اللغااة‪ :‬هااي المالةمااة ُ‬
‫‪6‬‬

‫قهر َّية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫اختيار مناه‪,‬‬ ‫ُلي بصحبته من غير‬
‫‪‬فالقهرية هي‪ :‬ما يتعرض له اإلنسان من ُصحبة من ابت َ‬
‫كمن يبتلاى بمان ال يرغاب يف صاحبته يف عمال أو يف مساكن أو يف دراساة أو يف ت اار أو يف‬
‫طريق‪ ,‬فهؤالء ال اختيار لإلنسان يف صحبتهم‪ ,‬والعاقال علياه أن يقااي أياماه ماا هاؤالء يف‬
‫سالمة وعافية‪ ,‬يت نب ررهم‪ ,‬ويسلم من أذاهم وال يحرص على ُصحبتهم‪.‬‬

‫فه َذا الذي ينبغي للعاقل أن يختارا‪ ,‬وأن‬


‫‪‬وأما الصادب‪ ,‬الذي يختارا اإلنسان لنفسه‪َ :‬‬
‫نادر يف كل ةمن‪.‬‬
‫ادب الويف‪ ,‬الذي يعين على الخير‪ٌ ,‬‬
‫الص َ‬
‫ي تهد يف البحل عنه‪ ,‬فإن َّ‬

‫وقد ارتكى العقالء والحكمااء مان قلاة َه َاذا ال انا مان النَّااح‪ُ ,‬‬
‫وه َاو الصاادب الاويف‬
‫الذي يعين على الخير‪ ,‬ويسرت الزلة‪ ,‬ويغفر الخطأ‪ ,‬اراتكى الحكمااء قاديما مان د‬
‫قلاة ونُادر‬
‫مثل َه َذا الصادب‪ ,‬والناح يف َه َذا الزمان أرد ركاية لقلة الوفاء والصدق يف الناح َّإال مان‬
‫ردم اهلل‪.‬‬

‫‪‬وضابط الصادب النَّافا الذي ُيارغب فيه‪ُ ,‬ه َو صادب الدين والعقل والحكمة‪ ,‬فدينه‬
‫يحمله على نفا أخياه يف الادين ويف مناصاحته‪ ,‬وعقلاه يمنعاه مان السافه‪ ,‬والحكماة تحملاه‬
‫فه َذا يعض على صحبته بالنواجذ‪.‬‬
‫على ُدسن التصرف‪ ,‬فمن ُوجد هبذا الصفات‪َ ,‬‬
‫وه َو من جما باين الادين والعقال والحكماة‪ ,‬ويقال يف‬
‫حرص على صحبته‪ُ ,‬‬ ‫فه َذا الذي ُي َ‬
‫َ‬
‫الناح مثل هذا‪ ,‬فإن ُع ددم يف م تما فإنه يصحب من ُه َو أقرب إلى هاذا الصافات‪ُ ,‬‬
‫وه َاو أن‬
‫المنكر‪.‬‬
‫يكون الصادب صادب دين يعين على الخير‪ ,‬ويأمر بالمعروف وينهى عن ُ‬
‫‪7‬‬

‫وقبل أن أذكر بعض الصفات المتعلقاة هب ََاذا ُأراير إلاى ألار الصاحبة يف الصاادب‪ ,‬فكام‬
‫انتفاااا األصاااحاب بأصاااحاهبم‪ ,‬ولعاقااا ٍل أن يتأمااال كياااف ارتفاااا أباااو بكااار بصاااحبة النباااي‬
‫اال فياه‬ ‫صادب ُه يف اله ر ‪ ,‬وآةرا و َق َ‬ ‫فه َو صادبه الذي بادر إلى اإليمان به‪ ,‬و َ‬ ‫‪ُ ,‬‬
‫َّخذا من أهل األرض َخلديال َال َّت َخ ْذ ُت َأ َبا َب ْك ٍر َخلديال‪َ ,‬و َلكد َّن‬
‫النبي ‪َ « :‬لو ُكن ُْت مت د‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫الردمن»(‪.)1‬‬
‫صادبكم خليل َّ‬
‫َّاح َأ َددٌ َأ َم َّن َع َل َّي فدي َن ْف دس ده َو َمال د ده مد ْن َأبدي ب ْك در ْب دن َأبداي ُق َحا َفا َة »(‪)2‬‬
‫و َق َال‪ « :‬إد َّن ُه َل ْي َا مد َن الن د‬

‫ااذا بصااحبة النبااي‬ ‫ااذا الرجاال الااذي َق َ‬


‫ااال فيااه النبااي ‪ ‬مااا قااال إن ََّمااا نااال َه َ‬ ‫فه َ‬‫َ‬
‫فه َو صاادق الصاحبة وصاادق الاود ماا النباي‬
‫‪ ,‬ومؤاةرته بماله ونفسه وأهله‪ُ ,‬‬
‫‪ ,‬فارتفا إلى أن كان خير البشر بعد األنبياء‪.‬‬

‫فما ُيعرف بعد األنبياء والمرسلين أفال مان أباي بكار ‪ ,‬فاانظروا إلاى ألار الصاحبة‪,‬‬
‫كيف ارتفا هبا َه َذا الرجل مان قاري و ولايا هاو يف نسابه وقرباه مان النباي ‪‬‬
‫أولى من غيرا بل يف الصحابة من هو أقرب منه نسابا للنباي ‪ ‬فبناو هارام وبناو‬
‫عبد مناف كلهم أقرب من أبي بكر يف النسب‪ ,‬ولكنه نال َه َذا بصحبة النبي ‪.‬‬

‫وكذلك صادب موسى الذي صادبه يف ردلتاه يف طلاب العلام يف البحال عان الخاار‬
‫وله َاذا‬
‫وه َو يورا بن نون فإن اهلل ذكرا يف كتابه وذكر صحبته لموسى فارتفا هبذا الصاحبة‪َ ,‬‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬اخرجه البخاري ح‪ ,)644( :‬ومسلم ح‪.)235( :‬‬


‫(‪)2‬أخرجه البخاري ح‪.)764( :‬‬
‫‪8‬‬

‫وه َاو‬
‫ُيذكر يف كتب بني اسرائيل أن يورا بان ناون ُه َاو أخان النااح بموساى بعاد هاارون‪ُ ,‬‬
‫وه َذا مما يدل على فال الصحبة‪.‬‬‫َو دصيه‪َ ,‬‬
‫ب أباا بكار‬
‫ااد َ‬
‫‪ ‬وكذلك من ألر الصحبة‪ :‬صحبة عمر ألبي بكار فاإن عمار ‪ ‬كاان َص َ‬
‫وكان ينافسه يف الخير‪ ,‬فارتفعت همته‪ ,‬وكان يناافا أباا بكار ك ََماا أخاَ ُه َاو بنفساه‪ ,‬فاارتفا‬
‫هبذا الصحبة‪ ,‬دتى أصبح أفال الناح بعد النباي ‪ ,‬وبعاد أباي بكار ماا تاأخر‬
‫إسالمه‪.‬‬

‫‪‬ومن ألر الصحبة على العلماء عموما وعلى أصحاب النبي ‪‬خصوصا ‪,‬‬
‫الفال العظيم الذي دصل ألصحاب النبي ‪ ‬على غيرهم من األمة‪.‬‬

‫وله َذا كل‬ ‫د‬


‫فه َو أفال ممن يأيت من بعدا من األمة‪َ ,‬‬
‫ب النبي ‪ُ ‬‬
‫فكل من َصح َ‬
‫من رأى النباي ‪ ‬ولاو لسااعة ولقاي النباي ‪ ‬مؤمناا باه وماات علاى‬
‫فه َو أفال من غيرا من األمة ولو عمل المتأخر بما عمل من أعمال الَ‪.‬‬
‫ذلك‪ُ ,‬‬
‫أددَ ك ُْم أ ْن َف َق مد ْث َل ُأ ُد ٍد‪َ ,‬ذ َهبا ما‬ ‫أصحابدي‪ْ ,‬‬
‫فلو َّ‬
‫أن َ‬ ‫ولذا َق َال النبي ‪« :‬ال َت ُسبوا ْ‬
‫د‬ ‫ب َل َغ مدَّ د د‬
‫أدده ْم‪ ,‬وال نَصي َف ُه»(‪َ , )1‬‬
‫فه َذا يدل على فال الصحبة‪.‬‬ ‫َ ُ َ‬
‫‪ ‬كذلك من اآللار للصحبة‪ :‬ألار صاحبة التاابعين ألصاحاب النباي ‪ ‬وماا‬
‫دصلوا من العلم والفقه‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ح‪ )3463( :‬ومسلم ح‪.)3263( :‬‬


‫‪9‬‬

‫‪ ‬كذلك من ألر الصحبة‪ :‬المباركة صحبة األئمة كأصحاب أبي دنيفة وأصحاب مالك‬
‫والشافعي وأدمد فإهنم يذكرون يف الكتاب لماا كاان هاؤالء علاى صالة باألئماة‪ ,‬فأصابحت‬
‫فه َذا من ألر الصحبة الطيبة المباركة‪.‬‬
‫أسمائهم مقرتنة بفقه هؤالء وهم نقلة العلم عنهم‪َ ,‬‬
‫‪ ‬كذلك من ألر الصحبة على العلماء‪ :‬أن الرجل يرتفا بصحبة العالم ك ََما ارتفا اإلمام‬
‫ابن القيم بصاحبة رايا اإلساالم ابان تيمياة‪ ,‬فكاان اإلماام ابان القايم كغيارا مان العلمااء لاه‬
‫جهود‪ ,‬ولكن ليا ألرا كألرا بعد أن اتصل بشيا اإلسالم ابن تيمية‪ ,‬كماا أخاَ هاو بنفساه‪,‬‬
‫فارتفا وفاق األقران وسبقهم سبقا بعيدا فأصبح ال يكاد يذكر رايا اإلساالم ابان تيمياة َّإال‬

‫فه َذا من ألر الصحبة الطيبة ُ‬


‫المباركة لهؤالء‪.‬‬ ‫ويذكر ابن القيم‪َ .‬‬
‫‪ ‬وكذلك العَ والمواعظ يف صحبة الهالكين ويف صحبة أهل الشر‪ :‬فانظروا ماا جنات‬
‫صحبة فرعون على هامان من الشار العظايم‪ ,‬فكاان هاماان وةيارا لفرعاون فأصابح قريناه يف‬
‫السمعة السيئة ويف العقوبة ويف سخط اهلل والعياذ باهلل‪.‬‬

‫وه َاو عام النباي ‪,‬‬


‫‪ ‬وكذلك انظروا أللر الصحبة السيئة على أبي طالب‪ُ ,‬‬
‫وه َو الذي يعلم صدق النبي ‪ ,‬ويعلم أمانته ويعلم دلمه وعقله‪ ,‬وكان ماؤاةرا‬
‫ُ‬
‫له‪ ,‬دتى طما الناح يف إسالمه‪.‬‬

‫وماااا ةال النباااي ‪ ‬يااادعوا إلاااى اإلساااالم دتاااى يف مرضاااه موتاااه‪ ,‬والنباااي‬
‫‪ ‬يطمااا يف إسااالمه لعقلااه ولحبااه للنبااي ‪ ‬ولعلمااه بصاادق النبااي‬
‫‪ ‬وماا َه َاذا دااال بيناه وبااين اإليماان بعاد قاادر اهلل ودكماة اهلل ‪ ‬الصااحبة‬
‫‪10‬‬

‫السيئة‪.‬‬

‫علااى مااا روى الشاايخان ماان دااديل سااعيد باان المساايب‪ ,‬عاان أبيااه أنااه أخااَا‪« :‬أنااه لمااا‬
‫دارت أبا طالب الوفا جاءا رسول اهلل ﷺ‪ ,‬فوجد عندا أبا جهل بن هشاام‪ ,‬وعباد اهلل بان‬
‫أبي أمية بن المغير ‪ ,‬قال رسول اهلل ﷺ ألبي طالب‪ " :‬يا عم‪ ,‬قل‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ,‬كلمة أرهد‬
‫لك هبا عند اهلل " فقال أبو جهل‪ ,‬وعبد اهلل بن أباي أمياة‪ :‬ياا أباا طالاب أترغاب عان ملاة عباد‬
‫المطلبو فلم يزل رسول اهلل ﷺ يعرضها عليه‪ ,‬ويعودان بتلك المقالة دتى قال أبو طالاب‬
‫آخر ما كلمهم‪ :‬هو على ملة عبد المطلب‪ ,‬وأبى أن يقول‪ :‬ال إله إال اهلل»(‪)1‬‬

‫فكرا أن يخالف أصحابه وأصدقاءا وكرا أن يذموا بمفارقته لدينه عناد الماوت‪ ,‬فماات‬
‫والعياذ باهلل على الكفر‪.‬‬

‫‪‬وكذلك ألر الصحبة‪ ,‬على كل من صادب أهل الباطل‪ ,‬فكم جنت صحبة أهل البدع‬
‫على أهلها ما جنت وكم جنت صحبة األررار من أهال المعاصاي علاى أصاحاهبا ماا جنات‬
‫الصاالدحد َو َجلد د‬
‫ايا‬ ‫وقد بين النبي ‪َ ‬ه َذا يف مثل واضح َب ّين‪َ ,‬ق َال‪« :‬م َث ُل ال لدايا َّ‬
‫َاع مدنْ ُه‪َ ,‬وإد َّما‬ ‫د‬ ‫د د د‬ ‫د‬ ‫د‬ ‫وء‪ :‬ك د د د‬ ‫الس د‬
‫َحام دل الم ْسك‪َ ,‬ونَافاد ا ْلك دير‪َ ,‬فحام ُل الم ْسك أ َّما َأ ْن ُي ْحذ َي َك‪َ ,‬وإد َّما َأ ْن َت ْبت َ‬
‫َ‬
‫َأ ْن َت د دَ مدنْ ُه ريحا ط ِّيبة‪ ,‬ونَافد ُا الكد دير أ َّما َأن َي ْح در َق لديا َب َك‪ ,‬وإ َّما َأ ْن َت د دَ مدنْ ُه دريحا خبيثة»‪)5(.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري ح‪ )1661(:‬و مسلم ح‪)27( :‬‬


‫(‪ )5‬أخرجه البخاري ح‪ )5131( :‬ومسلم يف ح‪.)5452( :‬‬
‫‪11‬‬

‫فبين النبي ‪ ‬ألر ال ليا الصالح وجليا السوء هب ََذا المثاال الباين‪ :‬بحامال‬
‫المسااك فهااو إ َّمااا أن يعطيااك الطيااب أو تشاارتي منااه وهااو مثاال دسااي للنفااا الااذي يحصاال‬
‫بصحبة أهل الفال ‪ ,‬وإما أن ت د عندا رائحة طيبة ‪ ,‬وهي رائحة الطياب وهاذا ألار معناوي‬
‫وهو مثل للسمعة الحسنة من صحبة األخيار ‪.‬‬

‫وإما نافا الكير فهو إما أن يحرق لياباك بالشارر المتطااير ألنااء نفخاه للكيار وهاذا مثال‬
‫وه َاذا‬
‫للارر الحسي الذي يلحق جليا صادب الشر ‪ ,‬وإما أن ت اد عنادا ريحاا خبيثاة‪َ ,‬‬
‫مثل معنوي لما يحلق جليا صادب الشر من السمعة السيئة‪.‬‬

‫فالمقصود أن العاقل له عَ ومواعظ يف صاحبة أهال الخيار وماا ي ُ ناى فيهاا مان الثماار‬
‫الطيبة وصحبة أهل الشر وما ي تني أهلها من الثمار السيئة والعياذ باهلل‪.‬‬

‫‪‬والصادب الذي ُيحرص على صحبته ُه َو صادب الدين الذي استقام علاى ديان اهلل‬
‫فه َذا الذي ُيرغاب يف صاحبته‪ ,‬فاإن ديناه يحملاه‬
‫‪ ‬وسلم من البدع وسلم من المعاصي َ‬
‫على أن يدعوك للخير‪ ,‬وأن يأمرك بالمعروف‪ ,‬وأن ينهاك عن المنكر‪ ,‬كما أن دينه يمنعاه أن‬
‫يوافقك على رر فيكون عونا لك على نفسك‪.‬‬

‫دتاى لااو ضاعفت الاانفا‪ ,‬فإناك ساات د الصااديق‪ ,‬صاادب الاادين يعيناك علااى الخياار‪,‬‬
‫ويااأمرك بااالمعروف إذا غفلاات عنااه وينهاااك عاان المنكاار إذا وقعاات فيااه‪ ,‬ويااذكرك بااالخير‬
‫فها َاذا الااذي ُيحاارص علااى‬
‫وياادعوك إلااى طاعااة اهلل ‪ ‬ويرراادك إلااى كاال مااا فيااه خياار‪َ ,‬‬
‫صحبته‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫‪ ‬وكذلك من الصفات الممدودة يف الصادب الذي يحرص على صحبته العقل‪ ,‬فإن‬
‫العاقل يحمل صادبه على الخير‪ ,‬وي نبه السفه‪ ,‬وأما السفيه‪ :‬فإنه ال خير يف صاحبته‪ ,‬دتاى‬
‫ولو ُو دجدَ الدين ما ضعف العقل فإن ضعف العقل يحمل صادبه على السفه‪ ,‬ولربما أضار‬
‫بصادبه من ديل ال يدري‪ ,‬ولربما أهلك صادبه يف دين يظن أ َّن ُه ينفعه‪.‬‬

‫فه َاذا الاذي ُي َ‬


‫حارص عال ُصاحبته‪,‬‬ ‫فالعاقل ُه َو الذي تميز بالعقل وله تميياز باين األراياء َ‬
‫فه َذا ال يحرص على صحبته‪.‬‬
‫والحمق‪َ ,‬‬ ‫وأما السفيه وصادب الطي‬

‫وأرد ما يكون من الصفات المذمومة ‪ :‬صحبة األدمق‪ ,‬الذي ال يمياز باين األراياء بال‬
‫وه َاو يظان أنَّا ُه‬
‫وه َو يظن أ َّن ُه خير‪ ,‬ويصد عن الخير ُ‬
‫إ َّن ُه تختلط عليه األمور‪ ,‬فيقدم على الشر ُ‬
‫رر‪ ,‬وقد داذر العلمااء مان صاحبة األدماق‪ ,‬ولايا هنااك أضار علاى اإلنساان مان صاحبة‬
‫األدمق‪.‬‬

‫‪ ‬فصحبة العاقل الذي تميز بالعقل وتقدير األمور ينفا صادبه‪ ,‬فإذا استشرته وجادت‬
‫الرأي السديد‪ ,‬وإذا رجعت إليه يف أمر وجدت نعم المساند بالعقل والحكمة‪.‬‬

‫‪‬كذلك ممن يحرص على صحبته من اتصف بالحكمة‪ ,‬وهي مرتبة فوق العقل وتبنى‬
‫الحكمة على مرتبتين‪ :‬مرتبة التمييز ومرتبة تنزيل األرياء على مناةلها؛ َّ‬
‫ألن الحكماة وضاا‬
‫األرياء يف مواضعها‪.‬‬

‫فالحكيم ُه َو الذي له تمييز وعقال‪ ,‬ولاه دكماة فيااا األراياء يف مواضاعها‪ ,‬ولاه قادر‬
‫وفهم‪ ,‬ويحسب لألمور دساهبا‪ ,‬ويوجه إلى الخير قبل أن يتنبه لاه النااح ويحاذر مان الشار‬
‫‪13‬‬

‫وله َ‬
‫ااذا ذكاار العلماااء أن الفتنااة إذا اقبلاات ال يعلمهااا َّإال الفقهاااء‬ ‫قباال أن يتنبااه لااه الناااح‪َ ,‬‬
‫والحكماء‪ ,‬وإذا أدبرت عرفها عامة الناح‪.‬‬

‫‪‬فصااحبة الحكاايم ممااا ُينتفااا هب اا وكااذلك إذا صااحبت العاقاال تخلقاات بأخالقااه وإذا‬
‫صحبت الحكيم تخلقت بأخالقه ‪ ,‬ولاذا قيال «الصاادب ساادب ) ومعلاو ٌم أن مان العقال‬
‫ااو فطااري ُومنهااا مااا هااو مكتسااب ‪ ,‬فالمكتسااب كصااحبة العقااالء‬
‫والحكمااة مااا ُها َاو مااا ُه َ‬
‫والحكماء‪ ,‬فإن من خالطهم فال باد أن ي ااريهم يف كالمهام‪ ,‬ويف سامتهم ويف دخاولهم ويف‬
‫خروجهم؛ وينتفا بأخالقهم ومواقفهم فهام ال يتعرضاون لماواطن ُ‬
‫الشا َبه‪ ,‬وال ي لساون يف‬
‫احبون كاال إنسااان‪ , ,‬وإن ََّمااا لهاام تم ُيااز يف‬
‫كاال م لااا‪ ,‬وال يتكلمااون بكاال كااالم‪ ,‬وال يصا َ‬
‫دخولهم ويف خروجهم‪ ,‬ويف تصرفا م‪ ,‬ويف كل أدوالهم‪ ,‬ف ُينتفا بصحبتهم‪.‬‬

‫وأمااا ماان َف َقاادَ هااذا الصاافات فإنااه ال ُيرغااب يف صااحبته‪ ,‬مثاال ُصااحبة الفاسااق ببدعااة أو‬
‫معصية‪ ,‬فكم جرت صحبة هؤالء من الشر والفتنة‪ ,‬ومن ذلك اإلنغماح يف فتنتهم من بدعة‬
‫أو معصية ‪.‬‬
‫ب مبتدعًا فإنه ال يأمن أن ينغما يف ضاللته‪ ,‬وقاد َّ‬
‫داذر‬ ‫وله َذا ذكر العلماء أن من َص َح َ‬
‫َ‬
‫السلف من صحبته‪َ ,‬ق َال أبو قالبة "ال ت السوا أهل األهواء وال ت ادلوهم؛ فاإ ال آمان أن‬
‫ب أهل البدع‬
‫صاد َ‬
‫َ‬ ‫يغمسوكم يف ضاللتهم‪ ,‬أو يلبسوا عليكم ما تعرفون"(‪ ,)1‬وكم من رجل‬
‫وه َو يزعم أن يناصحهم‪ ,‬فرجا ببدعتهم وبشبهتهم‪.‬‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الدارمي يف سننه (‪ ,)153/1‬واآلجري يف الشريعة ص (‪.)24‬‬


‫‪14‬‬

‫يحذرون من م السة أهل البدع و ُي َح دذ ُر َ‬


‫ون منها‪ ,‬ويقولون إن المبتادع‬ ‫‪‬وكان السلف ْ‬
‫كاألجرب من جالسه أصيب بدائه‪ ,‬ومعلوم أن ال رب ُه َو أرد األمراض انت َق َ‬
‫ااال‪ ,‬دتاى إنَّا ُه‬
‫قيل إ َّن ُه ينتقل بالريح؛ َّ‬
‫ألن ال رب يصيب البشر الخارجية‪ ,‬وإذا ما جاءت الريااح انتقال داء‬
‫ال رب ممن كان دوله ولو لم يباررا‪.‬‬

‫وله َذا كانات اإلبال إذا ُأصايب أدادها ال ارب انتقال بسارعة راديد إلاى غيارا‪ ,‬فكاانوا‬
‫َ‬
‫يعزلون اإلبل التي ُأصيبت بال رب عن غيرها‪ ,‬فشبه العلماء المبتدع باألجرب الذي ينتقال‬
‫داؤا إلى غيرا بدون األسباب المبارر ‪.‬‬

‫الفس َاق يحمال صاادبه علاى أن يادعو‬


‫‪‬كذلك ممان يحاذر مان صاحبته الفاساق‪ ,‬فاإن َ‬
‫صادبه إلى ما ُه َو عليه‪ ,‬وكم من إنسان ضعف يف دينه ووقا يف الذنوب والخطايا‪ ,‬ووقاا يف‬
‫جارب أنناا لاو سامعنا اآلن‬
‫الكبائر بصحبة أهل الشر الاذين يزينوهناا لاه‪ ,‬ونحان نعلام وكلناا َّ‬
‫بمعصية تقا يف م تما الستنكرها أهل اإليمان بسماعها فقط‪.‬‬

‫اف االساتنكار‪ ,‬فاإذا رأوهاا يخاف‬ ‫فإذا سمعوا للمر الثانية أن هذا المعصاية وقعات د‬
‫يخ ُ‬
‫االستنكار أكثر‪ ,‬فإذا خالط الناح أصحاهبا لربما هان عليهم األمر دتى إ َّن ُه لربما أتى عليهم‬
‫ةمان وبارروا هذا المعصية وهو ال يشعرون بشد خطرها‪.‬‬

‫فه َذا مما يدل على أن المعصية لها ألر‪ ,‬سماع المعاصي لاه ألار فكياف بصاحبة أهلهااو‬
‫َ‬
‫وله َذا العاقل ينآى بنفسه ويبتعد عن صحبة أهل المعاصاي ولاو كاان عنادهم دنياا ولاو كاان‬
‫َ‬
‫لهم جاا‪ ,‬فإن صحبتهم ضررها على الدين معروفة وم ربة‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫‪‬كذلك مما ينهى عن صحبته السفيه‪ ,‬واألدمق فإن صحبتهم مار باإلنسان دتى ما‬
‫وعادم تعقال فلربماا‬ ‫وجود الدين‪ ,‬فإن اإلنسان قد يكون دينا يف نفسه لكن فياه سافه وطاي‬
‫جر على صادبه الويالت بسبب طيشه وبسبب سفهه‪.‬‬
‫َّ‬
‫وه َاو ال يادري وإن‬ ‫وله َذا قيل ( ٌّ‬
‫عدو عاقل خير من صديق جاهل)‪ ,‬فال اهل قد ياارك ُ‬ ‫َ‬
‫كان صادق الوفاء صادق الصحبة والصداقة‪َّ ,‬إال أ َّن ُه يار ُ‬
‫وه َو ال يدري أ َّن ُه يار‪.‬‬

‫ومن األمور التي أذكرها وهي تدل علاى أن أهال المعاصاي وضاعف العقال لربماا ناوا‬
‫أهنم يحسنون لبعض من يحبون وهم يارونه‪.‬‬

‫فأذكر أن أددهم سألني مر َق َال‪ :‬إن لي جار ُ‬


‫وه َو مسكين وال يستطيا أن يأيت باالقنوات‬
‫الفاائية وصادب العمار منعه فأردت أن أدسن إليه باأن آيت لاه بسالك مان ال هااة الاذي‬
‫عندي دتى ينتفا به؛ أل َّن ُه صديق لي وصادب‪.‬‬

‫‪‬فااانظروا َها َاذا الصااادب اآلن يريااد أن ينفااا صااادبه وصااديقه بااأن ياادخل القنااوات‬
‫وه َو صادق يف دبه ويف صداقته‪.‬‬
‫الفاائية إلى بيته‪ُ ,‬‬
‫فه َذا يحمل عليه ضعف العقال‪,‬‬
‫وله َذا ُه َو ي ود له بما عندا‪ ,‬ويحب له ما يحب لنفسه‪َ ,‬‬
‫َ‬
‫وإال مثل َه َذا لو كان عاقال وابتُلي بالمعصية‪ ,‬فإنه ال يدعو صاديقه الاذي ُيحاب لهاذا‪ ,‬لكان‬
‫ضعف العقل يحمل اإلنسان أديانا على أن يار بالناح‪.‬‬

‫وله َذا عقالء الرجال اآلن من الذين وقعوا يف التدخين وفيهم نقن يف العقل‪ ,‬لكنه قد ال‬
‫َ‬
‫يصل إلى أن يدعو األب الذي يدخن ابنه للتدخين؛ َّ‬
‫ألن فيه ريء من العقل‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫وأما إذا ذهب العقل بالكلية فقد يدعو األب ابناه إلاى أن يشااركه يف الخمار ويف الادخان‬

‫فه َذا دليل على تفاوت الناح يف العقل‪ ,‬فالعاقل دتى ولو َّ‬
‫قصر ووقاا يف معصاية‪,‬‬ ‫ويف الزنا‪َ ,‬‬
‫فإنه ال يحمل صادبه ومن يحب وأقرب الناح إليه إلى هذا المخالفة‪.‬‬

‫وأما إذا ضعف العاقل فال يمكن أن ُيوصف ال اهل يف ضررا علاى النااح ومان يحاب‬
‫يف دعوى أ َّن ُه ينفعهم‪.‬‬

‫‪‬وكذلك ممن يحذر من صحبته صادب الحسد الذي يتمنى ةوال النعمة عن صديقه‬
‫وعن صادبه‪ ,‬فإن هؤالء ُيبتعد عنهم‪ ,‬وررهم خطير‪ ,‬وهؤالء يسعون يف إةالة الانعم ولربماا‬
‫اعتدى على صادبه دتى أ َّن ُه لربما دمال الحاساد صاادبه علاى القتال ‪ ,‬وأن ياذم و يبغاي و‬
‫يظلم بسبب الحسد‪ ,‬فالحسود ُيبتعد عن صحبته فإنه ال خير يف صحبته‪.‬‬

‫كذلك ممن يحذر من صحبته‪ ,‬الملول الذي يمل الصحبة فإن بعاض النااح لاه تنقال يف‬
‫ب الرجل فرت من الزمن وجد ملال ففارقه لغيرا‪.‬‬
‫صاد َ‬
‫َ‬ ‫األصحاب كل يوم‪ ,‬وكلما‬
‫‪‬وقد َّ‬
‫دذر الحكماء قديما‪ ,‬مان صاحبة الملاول المتلاون الاذي ال يادوم لاه ود‪ ,‬وإن ََّماا‬
‫ُيحرص على صادب الود الدائم الذي ال يتغير وال تتغير داله ما طول الزماان وماا ابتعااد‬
‫المكان‪.‬‬

‫وقد عرفنا من بعض هؤالء من إذا انقطعت عنه عشرين سنة فوجدته ك ََما ُه َاو ولاو انتقال‬
‫إلى بلد وابتعد عنك يف البلدان البعيد فإنه ال يتغير‪ ,‬ال ُتغيرا األدادا واألةماان وال يتغيار‬
‫بحالك إن انتقلت إلى غنى أو إلى فقر‪ ,‬أو ُأصبت بمصايبة‪ ,‬أو ابتعادت عناه أو طاال الزماان‬
‫‪17‬‬

‫فه َذا الذي ُيحرص عليه‪.‬‬


‫فه َو صديق ويف‪َ ,‬‬
‫ُ‬
‫أ َّمااا الملااول الااذي يماال الصااحبة والصااداقة‪ ,‬ويماال العالقااة يف اهلل ‪ ,‬فااإن َها َاذا ال‬
‫ُيحرص على صحبته‪.‬‬

‫‪‬كذلك يحذر من صحبة الغاوب‪ ,‬رديد الغاب الذي يغاب ألدنى رايء فاإذا ماا‬
‫فه َذا يبتعد عناه‪,‬‬
‫أخطأت غاب عليك وأوسعك ذ ًّما وال يغفر الزلة وال يحلم على صديقه‪َ ,‬‬
‫فمن منا ال يغاب صادبه‪.‬‬

‫وله َذا نحن نختار مان األصاحاب مان إذا أغاابته دلام علياك‪ ,‬ومان إذا غااب تحلام‬
‫َ‬
‫عليه؛ ألنَّه ال يسلم اإلنسان من خطأ‪ ,‬فالصديق الذي ُيحرص عليه ُه َو الاذي يتحمال الزلاة‪,‬‬
‫وال يغاب‪.‬‬

‫وقد ذكر العلماء أن الناح يف َه َذا أصاناف أربعاة‪ :‬فمانهم ساريا الغااب‪ ,‬بطايء الفايء‬
‫وه َذا أسوأ األصاناف‪ ,‬ومانهم بطايء الغااب ساريا الفايء وهاذا خيار األصاناف ‪,‬وبينهماا‬
‫َ‬
‫صنفان األول‪ :‬سريا الغاب ساريا الفايء‪ ,‬والثاا ‪ :‬بطا الغااب بطايء الفايء فالنااح‬
‫يتفاوتون يف ذلك تفاوتا كبيرا‪.‬‬

‫فاإلنسان يختار بطيء الغاب سريا الفايء‪ ,‬ال يغااب ألدناى رايء وإذا غااب فإناه‬
‫سريا الفيء والرجوع‪.‬‬

‫كما أ َّن ُه ينبغي أياا عدم صحبة من يصحبك للدنيا‪ ,‬ويريد مصالح الدنيا وليست صحبته‬
‫هلل ويف اهلل‪ ,‬فإن هذا صحبة ةائلة مهما أ هر الود ومهماا أ هار القارب فاإن كال عالقاة فإهناا‬
‫‪18‬‬

‫ةائلة بزوال أسباهبا‪.‬‬

‫فه َو يحفظك يف دال غناك وفقرك ويف داال عسارك ويسارك ‪ ,‬و‬
‫وأما إذا كان الود يف اهلل ُ‬
‫الصديق الويف ُه َو الذي ال يتخلى عن صاديقه عناد المصايبة وال يتخلاى عناه عنادما ُيصااب‬
‫بحاجة‪ ,‬وإن ََّما يكون واقفا معه ُمعينا له على الخير‪.‬‬

‫وله َذا كان بعض الحكماء يوجه عند اختيار األصدقاء إلى اختبارهم ومان هاذا ماا ينقال‬
‫َ‬
‫عن لقمان الحكيم أ َّن ُه كان يقول ‪ «:‬إذا أردت أن تصحب رجال فاغابه ُل َّم انظر إلى إنصافه‬
‫لك»‬

‫و ُينقل عن سفيان الثوري أناه يقاول ‪( :‬إذا أردت ُصاحبة رجال فاغاابه ُل َّ‬
‫ام ُد َّح لاه مان‬
‫يسأله عنك) فعناد ذلاك يتباين الصاديق الاويف فإناك إذا أغاابته يحفاظ ودك يف غياباك وال‬
‫يتكلم يف غيبتك وإن ََّما يحفظ الصحبة يف داورك ويف غيابك‪.‬‬

‫والحديل يطول عن َه َذا الباب ف ُه َو باب عظيم من أبواب الخيار‪ ,‬فلربماا دمال اإلنساان‬
‫ٍ‬
‫مناةل عظيمة ال يطماا فيهاا بعلماه وبعقلاه وإنماا ينالهاا بصاحبة‬ ‫وقربه إلى‬
‫على خير عظيم‪َّ ,‬‬
‫األخيار‪.‬‬

‫ولربما ارتكا البعض يف الذنوب والفتن بصحبة األررار وأصبح مقارنا لهم فيماا هام‬
‫فيه‪.‬‬

‫وه َاو مبساو يف‬


‫والمقصود ُه َو التنبيه على أصول هذا المساألة والحاديل عنهاا يطاول ُ‬
‫كتب األدب ويف كتب الحكمة وإن ََّما أردت التنبيه على نبذ يسير منها ‪..‬‬
‫‪19‬‬

‫فنسأل اهلل ‪ ‬التوفيق لل ميا‪.‬‬

‫َه َذا واهلل أعلم‪ ,‬وصلى اهلل وسلم وبارك على عبدا ورسوله محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪..‬‬

‫‪‬‬

You might also like