You are on page 1of 148

‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫العطايا السنية‬
‫يف اخلطب املنربية‬

‫لفضيلة العالمة املربي الشيخ الدكتور‬

‫حممد بن علي بن حممد باعطية الدوعين‬

‫‪1‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .1‬روشٍ اذلجشج اٌنثٌيح‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي كتب العزة والتأييد لعباده ا‪٤‬بخلصْب‪ ،‬وتكفل ‪٥‬بم ابلرعاية والعز والتمكْب‪ ،‬وأشهد‬
‫أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو ا‪٤‬بلك ا‪٢‬بق ا‪٤‬ببْب‪ ،‬وأشهد أف سيدان ونبينا دمحماً عبده ورسولو سيد‬
‫صل وسلم على عبدؾ ورسولك‬ ‫ا‪٤‬بهاجرين‪ ،‬وأكرـ من ‪ٚ‬بلى عن أىلو ومالو ُب سبيل رب العا‪٤‬بْب‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫سيدان دمحم سيد األولْب واآلخرين‪ ،‬وعلى آلو وصحبو والتابعْب ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ الدين‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫عباد هللا‪ ،‬أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا أننا نعيش ُب ىذه األايـ على‬
‫أقدس الذكرايت اجمليدة الٍب هتز مشارؽ األرض ومغارهبا‪ ،‬تلكم ىي ا‪٥‬بجرة الٍب أثرت ُب مسار الدعوة‬
‫اإلسبلمية وغّبت وجو التاريخ‪ ،‬فقد مكث ملسو هلآو هيلع هللا ىلص ثبلث عشرة سنة يدعو إىل هللا على بصّبة ويهدي العباد‬
‫إىل ا‪٢‬بق‪ ،‬فظل ٲبحو آرار ا‪١‬باىلية ويمم معا م الوثنية ويعلي قدر اإلنساف ٗبا أكرمو هللا بو من الرسالة‬
‫السماوية‪ ،‬يضرب ا‪٤‬بثل األعلى ألمتو ُب مسار الدعوة ابللْب والر‪ٞ‬بة وا‪٤‬بوعظة ا‪٢‬بسنة ‪٧‬بققاً قوؿ ربو عز‬
‫وجل حيث يقوؿ‪" :‬ادع إىل سبيل ربك اب‪٢‬بكمة وا‪٤‬بوعظة ا‪٢‬بسنة وجاد‪٥‬بم ابلٍب ىي أحسن"‪ .‬وقد اشتد‬
‫عليو ملسو هيلع هللا ىلص وعلى أصحابو الصابرين األذى من كفار قريش بشٌب صوره وأنواعو من تعذيب جسدي وقتل‬
‫لؤلنف وحصار اقتصادي‪ ،‬فأذف هللا ‪٥‬بم اب‪٥‬بجرة‪ ،‬فكانت ا‪٥‬بجرة منملقاً متسعاً لدعوة اإلسبلـ‪ ،‬حيث‬
‫وجدت بلداً خصباً قاببلً للدعوة‪ ،‬ووجد عليو الصبلة والسبلـ أنصاراً ٰبمونو وينصرونو‪ .‬وكاف يوـ ا‪٥‬بجرة‬
‫من أعظم أايـ هللا ُب دين اإلسبلـ‪ ،‬ولذلك ا‪ٚ‬بذه أمّب ا‪٤‬بؤمنْب عمر بن ا‪٣‬بماب هنع هللا يضر مبدأً للتاريخ؛ ليتذكر‬
‫ا‪٤‬بسلموف ذلك ولينتفعوا بضيائو على الدواـ ويهجروا ا‪٤‬بعاصي واآلراـ ‪ٙ‬بقيقاً لقولو عليو الصبلة والسبلـ‪:‬‬
‫"ا‪٤‬بسلم من سلم ا‪٤‬بسلموف من لسانو ويده‪ ،‬وا‪٤‬بهاجر من ىجر ما هنى هللا عنو"ٔ‪ .‬فكل مسلم اي عباد هللا‬
‫من حقو أف يهاجر ىجرة ٔبهاد نفسو على طاعة هللا والتجاُب عن معصيتو والبعد عن اإلضرار ٖبلقو حٌب‬
‫يتحقق فيو قوؿ ا‪٤‬بوىل عز وجل‪" :‬والذين جاىدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإف هللا ‪٤‬بع ا﵀سنْب"‪ .‬وللمسلم أف‬
‫يهاجر ىجرة ابلنقلة من بلد الشرؾ وا‪٤‬بلحدين فراراً بدينو من الفتنة‪ ،‬وأبىلو وولده ومالو من المغياف‬
‫والعدواف‪ ،‬وإىل ذلك أشار ملسو هلآو هيلع هللا ىلص بقولو‪" :‬ال تنقمع ا‪٥‬بجرة حٌب تنقمع التوبة‪ ،‬وال تنقمع التوبة حٌب تملع‬
‫الشم من مغرهبا"ٕ‪ .‬عباد هللا‪ ،‬إف ذكرايت ا‪٥‬بجرة تفد علينا وداخل إطارىا صورة رائعة للشرؼ العايل‬

‫ٔ رواه البخاري‬
‫ٕ رواه أبو داود‬

‫‪1‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫والتضحية الكرٲبة‪ ،‬تعرض علينا ٭باذج رفيعة لؤلمانة والوفاء والشجاعة واإلصرار على مرضاة هللا‪ ،‬تفد علينا‬
‫ا‪٥‬بجرة ُب كل عاـ ابلذكرى والتذكر لتبلميذ دمحم ملسو هيلع هللا ىلص؛ حيث تعلمنا أنو أفضل ا‪٣‬بلق بعد األنبياء وا‪٤‬برسلْب‪،‬‬
‫وتعلمنا مكانة أصحابو ورفيع منزلتهم فنكف األلسن عن الوقوع ُب أعراضهم أو ا‪٣‬بوض ُب ىفواهتم وزالهتم‬
‫الٍب قد تصدر من بِب البشر‪٤ ،‬باذا؟ ألف هللا اختارىم لصحبة نبيو ولنشر دينو وإلعبلء كلمتو‪ ،‬فكاف منهم‬
‫التضحية ابلنف واألوالد واألحبة واألمواؿ‪ ،‬ولقد تدرج القرآف ُب مدحهم وُب إعبلء ذكرىم ليثبت ذلك‬
‫ُب قلوب ا‪٤‬بسلمْب على مدى العصور واألزماف‪ ،‬فبل ٱبرج عن ىذا النهج إال من أخرجو هللا وأخزاه وأبغضو‬
‫وقبله‪ ،‬فانتقص ووقع ُب أعراض من زكاىم هللا تعاىل ليكوف ذلك غاية ُب ضبللو وإضبللو‪ ،‬ولقد من هللا‬
‫عليهم بصحبة أعظم ا‪٣‬بلق عنده وأزكى الناس لديو حٌب نزؿ فيو وفيهم قولو‪" :‬لقد رضي هللا عن ا‪٤‬بؤمنْب إذ‬
‫يبايعونك ‪ٙ‬بت الشجرة فعلم ما ُب قلوهبم فأنزؿ السكينة عليهم وأراهبم فتحاً قريباً"‪ .‬فخاب قوـ جعلوا من‬
‫مهنع هللا يضر غّب مرضيْب عندىم "ولكنها ال تعمى األبصار ولكن تعمى القلوب الٍب ُب الصدور"‪ .‬عباد هللا‪ ،‬تفد‬
‫علينا ا‪٥‬بجرة لتعلمنا أف األمم ُب حاجة ماسة إىل أف ترخص ما‪٥‬با ُب سبيل عقيدهتا وُب سبيل مقدساهتا‬
‫وُب سبيل حرية ببلدىا واستقبل‪٥‬با‪ ،‬إهنا تمل علينا وهتيب بكل قوة وأبس أف اثبتوا مكانكم وكافحوا عدوكم‬
‫وأزيلوا آرار العدواف عن كل بقعة من أرض اإلسبلـ‪ ،‬لنتعلم من ا‪٥‬بجرة صناعة أبماؿ التضحية والفداء‬
‫واإليثار والوفاء‪ ،‬ولنقتد بسّبة أسبلفنا الذين حرصوا على ا‪٤‬بوت فوىبت ‪٥‬بم ا‪٢‬بياة‪ ،‬ورفضوا ا‪٤‬بذلة وا‪٥‬بواف‪،‬‬
‫ففازوا ابلسعادة والقيادة والعز والنصر ا‪٤‬ببْب‪ ،‬وحقق هللا ‪٥‬بم قولو‪" :‬وا‪٤‬ببلئكة يدخلوف عليهم من كل‬
‫ابب*سبلـ عليكم ٗبا صربًب فنعم عقىب الدار"‪ .‬واب‪١‬بملة اي عباد هللا‪ ،‬فإف علينا أف نتحس من أنفسنا‬
‫مبلغ أتثران من ىجرة نبينا ومدى إقتدائنا بو عليو الصبلة والسبلـ من ىجر للباطل وبعد عن الفساد وترؾ‬
‫للمعاصي والشرور ومبلزمة للماعة وقياـ ابلواجبات‪ ،‬وعلينا أف ٭بؤل قلوبنا عربة ٕبادثة ا‪٥‬بجرة ونتواصى‬
‫اب‪٢‬بق والصرب ونتمسك ابلصفات الكرٲبة واألخبلؽ الفاضلة ونتعاوف على الرب والتقوى ونتخذ من رسوؿ‬
‫هللا القدوة ا‪٢‬بسنة وا‪٤‬بثل الكامل ُب نصر ا‪٢‬بق وا﵀افظة على األوطاف وحبها‪ ،‬ودفع من أراد هبا كيداً أو‬
‫جعلها طعمة لؤلعداء أو اخَباقهم ‪٥‬با وسلب خّباهتا والتحكم ُب شعوهبا؛ كما ٰباؾ ُب ىذه األايـ ألمة‬
‫اإلسبلـ ما تسمعوف وما تشاىدوف‪ ،‬فعلينا أف نقف ُب مواطن الشرؼ والكرامة بكل قوة وصرامة مستمدين‬
‫النصر ومستلهمْب القوة من قولو تعاىل‪" :‬ولينصرف هللا من ينصره إف هللا لقوي عزيز"‪ .‬فخذوا اي عباد هللا‬
‫بمريق ا‪٥‬بجرتْب‪ :‬ىجرة إىل هللا هبجر ا‪٤‬بعاصي‪ ،‬وىجرة إليو ابلتضحية ابلغايل والنفي ُب سبيل نصر قضااي‬
‫األمة‪ ،‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‬
‫أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬ومن يهاجر ُب سبيل هللا ٯبد ُب األرض مراغماً كثّباً وسعة ومن ٱبرج من‬
‫بيتو مهاجراً إىل هللا ورسولو ٍب يدركو ا‪٤‬بوت فقد وقع أجره على هللا وكاف هللا غفوراً رحيماً"‪ .‬ابرؾ هللا يل‬

‫‪2‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫ولكم ُب القرآف العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم أقوؿ قويل ىذا وأستغفر هللا يل‬
‫ولكم فاستغفروه إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي جعل الشم ضياءً والقمر نوراً وقدره منازؿ لتعلموا عدد السنْب وا‪٢‬بساب‪،‬‬
‫وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب‪ ،‬وأشهد أف سيدان‬
‫ونبينا دمحماً عبده ورسولو أرسلو إىل الناس كافة أبفضل وأشرؼ كتاب‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم‬
‫وعلى آلو وصحبو ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ البعث وا‪٤‬بآب ‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ ،‬أوصيكم ونفسي بتقوى‬
‫هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا أنكم ُب شهر عظمو هللا تعاىل و‪٠‬باه النيب ملسو هلآو هيلع هللا ىلص شهر هللا ا﵀رـ‪،‬‬
‫وإضافتو إىل هللا تدؿ على شرفو وفضلو‪ ،‬وقد رغب عليو الصبلة والسبلـ ُب صومو جهاداً للنف على‬
‫الماعة ُب شهر حراـ‪ .‬حيث قاؿ‪" :‬أفضل الصياـ بعد رمضاف شهر هللا الذي تدعونو ا﵀رـ"ٔ‪ .‬وفيو يوـ‬
‫عاشوراء وىو يوـ ٘بلى هللا فيو على رسلو بفضلو العميم‪ .‬و‪٤‬با قدـ النيب ملسو هلآو هيلع هللا ىلص ا‪٤‬بدينة مهاجراً وجد اليهود‬
‫يصوموف اليوـ العاشر من ‪٧‬برـ ويقولوف إنو يوـ ‪٪‬بى هللا فيو موسى وقومو وأىلك فرعوف وقومو فصامو‬
‫موسى شكراً ﵁ تعاىل‪ ،‬فقاؿ النيب ملسو هلآو هيلع هللا ىلص‪٫" :‬بن أحق ٗبوسى منكم"‪ ،‬فصامو وأمر الناس بصياموٕ‪ .‬وقد صح‬
‫عنو عليو الصبلة والسبلـ أنو قاؿ‪" :‬صياـ يوـ عاشوراء أحتسب على هللا أف يكفر السنة الٍب قبلو"ٖ‪،‬‬
‫فينبغي للمسلم الذي يرجو ثواب هللا أف يصوـ ىذا اليوـ العظيم ليفوز عند هللا ٗبوعوده الكرمي‪ ،‬وكذلك‬
‫عليو أف يصوـ يوماً قبلو أو يوماً بعده لتحصل بو ‪٨‬بالفة اليهود الٍب أمر هبا عليو الصبلة والسبلـ‪ ،‬فاتقوا هللا‬
‫عباد هللا وسارعوا إىل رضواف هللا ‪.....‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬

‫ٔ رواه مسلم‬
‫ٕ رواه البخاري‬
‫ٖ رواه مسلم‬

‫‪3‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .2‬األخٌج يف اهلل‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي وفق قلوب عباده الصا‪٢‬بْب ﵀بتو‪ ،‬و‪٧‬ببة رسولو وآلو وأوليائو‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو الذي‬ ‫هللا وحده ال شريك لو شهادة تبلغ قائلها ُب الدارين أصلو‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫شرفو ربو على ا‪٣‬ببلئق وفضلو‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم سيد ولد عدانف‪،‬‬
‫ا‪١‬بامع ‪٣‬بصاؿ الفضل واإلحساف‪ ،‬وعلى آلو الربرة الكراـ‪ ،‬وأصحابو مصابيح الظبلـ‪ ،‬وعلى التابعْب ‪٥‬بم‬
‫إبحساف‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬إف‬
‫األخوة كلمة سامية‪ ،‬وحالة رفيعة عالية‪ ،‬ال يوفق إليها إال السعداء‪ ،‬وال يرتقي إليها إال األولياء‪ ،‬فإنو ‪٤‬با‬
‫عُرِج بسيد األنبياء إىل السموات العبل‪ ،‬كلما مر بسماء ووجد فيها أحد األنبياء يقاؿ لو ىذا أخوؾ من‬
‫األنبياء ‪ .‬واألخوة تعقدىا أوشاج‪ ،‬وتربمها أوصار‪ ،‬فهذه أخوة النسب‪ ،‬وتلك أخوة الملب‪ ،‬وأخرى أخوة‬
‫ا‪٤‬بشرب والمريق وا‪٤‬بذىب وىكذا‪ ...‬فإذا ا‪ٙ‬بد ا‪٤‬بذىب وصفا ا‪٤‬بشرب وتوحدت الوجهة وصدقت النية‬
‫وخلت عن شوائب الدنيا الدنية وا‪٥‬بوى ا‪٤‬بردي وا‪٤‬بصلحة الذاتية‪ ،‬كانت األخوة ُب هللا ومن هللا وُب طريق‬
‫هللا‪ ،‬ترتفع أبصحاهبا وتعلو هبم ُب أعلى درجات ا‪٤‬بقربْب‪ ،‬حيث يكوف االندماج بْب األرواح‪ ،‬فتشتاؽ‬
‫األشباح لبعضها‪ ،‬وال تفَبؽ األرواح ُب حالة ا‪٢‬بياة كلها‪ ،‬دنيوية وبرزخية وأخروية‪ .‬قاؿ اإلماـ علي كرـ هللا‬
‫وجهو ورضي عنو ‪" :‬عليكم ابإلخواف فإهنم عدة ُب الدنيا واآلخرة ‪,‬أال تسمع إىل قوؿ أىل النار‪" :‬فما لنا‬
‫من شافعْب وال صديق ‪ٞ‬بيم"‪ .‬ويقوؿ عبدهللا بن عمر رضي هللا عنهما‪" :‬وهللا لو صمت النهار ال أفمره‪،‬‬
‫وقمت الليل ال أانمو‪ ،‬وأنفقت مايل غلقا غلقا ُب سبيل هللا‪ ،‬أموت يوـ أموت ولي ُب قليب حب ألىل‬
‫طاعة هللا وبغض ألىل معصية هللا‪ ،‬ما نفعِب ذلك شيئا"‪ .‬ويروى أف هللا تعاىل أوحى إىل موسى عليو‬
‫السبلـ فقاؿ‪ :‬إف الصبلة لك برىاف‪ ،‬والصوـ جنة‪ ،‬والصدقة ظل‪ ،‬والزكاة نور‪ ،‬فأي عمل عملت يل ؟ قاؿ‬
‫موسى ‪ :‬إ‪٥‬بي ُدلِب على عمل ىو لك‪ ،‬قاؿ‪ :‬اي موسى ىل واليت يل ولياً قط ؟ وىل عاديت ُب عدواً قط؟‬
‫فعلم موسى أف أفضل األعماؿ ا‪٢‬بب ُب هللا والبغض ُب هللا‪ .‬وىو الذي ‪ٛ‬بثلو األخوة الصادقة الٍب ال تنحل‬
‫عراىا ألهنا ال تقوـ على ا‪٤‬بصاّب‪ ،‬وا‪٤‬بصاّب إذا انفكت انفك عرى االرتباط‪ .‬إنو رابط ُب ذات هللا‪ ،‬شرؼ‬
‫رفيع وأمر خمّب‪ ،‬يغبط األنبياء وا‪٤‬برسلوف ُب ا‪٤‬بوقف الذين أقعدىم هللا على منابر من نور‪ ،‬وىم مستظلوف‬
‫بظل الر‪ٞ‬بن‪ ،‬ال يظمؤوف حْب يظمأ الناس وال ٱبافوف حْب ٱباؼ الناس‪ ،‬إهنم ا‪٤‬بتحابوف ا‪٤‬بتآخوف ُب هللا‬
‫من أصقاع شٌب وأجناس متعددة‪ .‬ىذا ا‪٤‬بقاـ الذي يصل فيو اإلخواف ُب هللا إىل ىذه ا‪٤‬بنزلة ٯبب أف ٰبرصوا‬

‫‪5‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫عليو‪ ،‬وإذا تساءؿ السائل عن سبب وصو‪٥‬بم إىل ىذه ا‪٤‬بقامات العظيمة وإذا تساءؿ السائل عن سبب‬
‫وصو‪٥‬بم إىل ىذه ا‪٤‬بقامات العظيمة وقد يكوف عندىم قصور ُب نوافل العبادات والقرابت؟! نقوؿ إف حياة‬
‫ىؤالء كلها عبادة‪.‬‬

‫قاؿ الفضيل ُب بياف ذلك‪ :‬نظر الرجل إىل وجو أخيو على ا‪٤‬بودة والر‪ٞ‬بة عبادة‪ .‬وقاؿ ‪٦‬باىد‪:‬‬
‫ا‪٤‬بتحابوف ُب هللا إذا التقوا فكشر بعضهم إىل بعض‪ ،‬تتحات عنهم ا‪٣‬بمااي كما يتحات ورؽ الشجر ُب‬
‫الشتاء إذا يب ‪ .‬ومعُب كشر أي أسفر بعضهم ابالبتسامة ُب وجو أخيو‪ ،‬فكيف إذا ابسمو‪ .‬ولعل ىذه‬
‫ا‪٤‬بنازؿ العالية الٍب يصل إليها اإلخوة ُب هللا تبينها ىذه اآلية ُب كتاب هللا تعاىل‪" :‬فأصبحتم بنعمتو إخواان"‪.‬‬
‫فإذا ‪ٛ‬بت على ا‪٤‬برء النعمة من هللا نَعِ َم ُب الدارين وأصبح ‪٧‬ببواب عند مواله‪ ،‬وا﵀بوبية إذا أراد اإلنساف‬
‫الوصوؿ إليها سار ُب دروب ا‪٢‬بياة مع اجملاىدة للنف ُب ‪ٝ‬بيع أطوارىا ‪,‬والمرؽ ا‪٤‬بوصلة إىل ذلك كثّبة‬
‫وشاقة ومتعبة‪ ،‬ولكن طريق األخوة سهلة لنيل تلك الدرجة‪ ،‬يبْب ذلك قولو عليو الصبلة والسبلـ ‪" :‬ما‬
‫‪ٙ‬باب اثناف ُب هللا إال كاف أحبهما إىل هللا أشدٮبا حبا لصاحبو" أخرجو ابن حباف وا‪٢‬باكم بسند صحيح‪،‬‬
‫وروى اإلماـ أ‪ٞ‬بد وا‪٢‬باكم وصححو عن رسوؿ هللا ملسو هلآو هيلع هللا ىلص أنو قاؿ‪" :‬إف هللا تعاىل يقوؿ حقت ‪٧‬ببٍب للذين‬
‫يتزاوروف من أجلي‪ ،‬وحقت ‪٧‬ببٍب للذين يتحابوف من أجلي‪ ،‬وحقت ‪٧‬ببٍب للذين يتباذلوف من أجلي‪،‬‬
‫وحقت ‪٧‬ببٍب للذين يناصروف من أجلي"‪ ،‬وأخرج مسلم عن رسوؿ هللا ملسو هلآو هيلع هللا ىلص أنو قاؿ‪" :‬إف هللا تعاىل يقوؿ‬
‫يوـ القيامة ‪ :‬أين ا‪٤‬بتحابوف ٔببليل؟ اليوـ أظلهم ُب ظلي يوـ ال ظل إال ظلي"‪ .‬فيا ‪٥‬با من مكاسب غالية‬
‫ومقامات رفيعة عالية للمتآخْب ُب هللا فكم لؤلخوة من فوائد وكم ‪٥‬با من عوائد‪ .‬أانلنا هللا ذلك وال حرمنا‬
‫من التآخي ُب هللا‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ‪ ،‬وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من‬
‫الشيماف الرجيم أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬وا‪٤‬بؤمنوف وا‪٤‬بؤمنات بعضهم أولياء بعض أيمروف اب‪٤‬بعروؼ‬
‫وينهوف عن ا‪٤‬بنكر ويقيموف الصبلة ويؤتوف الزكاة ويميعوف هللا ورسولو أولئك سّب‪ٞ‬بهم هللا إف هللا عزيز‬
‫حكيم"‪.‬ابرؾ هللا يل ولكم ُب القرآف العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم أقوؿ قويل‬
‫ىذا وأستغفر هللا يل ولكم فاستغفروه إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ ٰبب ا‪٤‬بتقْب ويرفع درجات ا﵀سنْب‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو رب‬
‫السماوات واألرضْب‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو ا‪٤‬ببعوث ر‪ٞ‬بة للعا‪٤‬بْب‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫صل وسلم على‬

‫‪6‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫عبدؾ ورسولك سيدان دمحم وعلى آلو وصحبو والتابعْب ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ الدين‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد‬
‫هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا أنكم أخوة ُب دين هللا‪ ،‬وأف ىذه األخوة‬
‫فنموا عباد هللا ىذه األخوة‪ ،‬وقووا تلك الرابمة بفعل األسباب الٍب‬
‫أقوى من كل رابمة وصلة يوـ القيامة‪ّ ،‬‬
‫شرعها هللا لكم ورسولو‪ ،‬واغرسوا ُب قلوبكم ا‪٤‬بودة وا﵀بة للمسلمْب؛ فإف أوثق عرى اإلٲباف ا‪٢‬بب ُب هللا‬
‫والبغض ُب هللا كما أخربان بذلك عليو الصبلة والسبلـ‪.‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .3‬عشض األعّاي عٍَ اهلل‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ اآلمر اب‪٣‬بّب والناىي عن الشر‪ ،‬أوجب ‪٤‬بن أطاعو الروح والرٰباف‪ ،‬وتوعد من عصاه‬
‫ابلعذاب وا‪٥‬بواف‪ ،‬سبحانو وتعاىل حث عباده على فعل ما يقرهبم إليو‪ ،‬وهناىم عن كل ما يبعدىم عنو‪،‬‬
‫وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو وال معبود إال إايه‪ ،‬وأشهد أف يدان دمحماً عبده ورسولو‬
‫ومصمفاه‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم وعلى آلو وأصحابو ومن وااله‪ .‬أما بعد عباد هللا أوصيكم‬
‫ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واخشوا عذابو وبمشو وانتقامو‪ ،‬واذكروا قولو تعاىل "ويوـ‬
‫يعرض الذين كفروا على النار أذىبتم طيباتكم ُب حياتكم الدنيا واستمتعتم هبا فاليوـ ٘بزوف عذاب ا‪٥‬بوف‬
‫ٗبا كنتم تستكربوف ُب األرض بغّب ا‪٢‬بق وٗبا كنتم تفسقوف"‪ .‬وا‪٤‬براد ابآلية كما قالو ا‪٤‬بفسروف‪ :‬أنكم أيها‬
‫ا‪٤‬بعرضوف م تؤمنوا حٌب تنالوا نعيم اآلخرة‪ ،‬بل اشتغلتم بشهوات الدنيا ولذاهتا عن اإلٲباف والماعة وأفنيتم‬
‫شبابكم ُب الكفر وا‪٤‬بعاصي‪ ،‬وآثرًب الفا ي على الباقي فلم يبق لكم بعد ذلك شيء من النعيم‪ ،‬و‪٥‬بذا قاؿ‬
‫بعده‪" :‬فاليوـ ٘بزوف عذاب ا‪٥‬بوف" وىو ا‪٥‬بواف والذؿ "ٗبا كنتم تستكربوف ُب األرض بغّب ا‪٢‬بق" أي بسبب‬
‫استكباركم ُب الدنيا عن اإلٲباف والماعة‪ ،‬وبسبب فسقكم وخروجكم عن طاعة هللا وارتكابكم الفجور‬
‫واآلراـ‪ ،‬قاؿ ابن كثّب‪[ :‬جوزوا من جن أعما‪٥‬بم‪ ،‬فكما متعوا أنفسهم واستكربوا عن اتباع ا‪٢‬بق وتعاطوا‬
‫الفسق وا‪٤‬بعاصي جازاىم هللا تعاىل بعذاب ا‪٥‬بوف‪ ،‬وىي اإلىانة وا‪٣‬بزي واآلالـ ا‪٤‬بوجعة وا‪٢‬بسرات ا‪٤‬بتتابعة‬
‫وا‪٤‬بنازؿ ُب الدركات ا‪٤‬بفزعة]‪ .‬عباد هللا‪ ،‬ىذه اآلية وإف كانت ُب الكفار إال أهنا واعظة ألىل التقوى من‬
‫ا‪٤‬بؤمنْب‪ ،‬ولذلك قاؿ عمر بن ا‪٣‬بماب ‪١‬بابر بن عبد هللا وقد رآه اشَبى ‪٢‬بماً ‪[ :‬أو كلما اشتهى أحدكم‬
‫شيئاً جعلو ُب بمنو‪ ،‬أما ‪ٚ‬بشى أف تكوف من أىل ىذه اآلية ‪٩‬بن قاؿ هللا عنهم "أذىبتم طيباتكم ُب‬
‫حياتكم الدنيا"] وعنو هنع هللا يضر قاؿ‪[ :‬دخلت على رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص فإذا ىو متكئ على حصّب قد أثر ُب جنبو‪،‬‬
‫فقلت أستأن اي رسوؿ هللا‪ ،‬قاؿ نعم‪ ،‬فجلست فرفعت رأسي ُب البيت‪ ،‬فو هللا ما رأيت فيو شيئاً يرد‬
‫البصر إال أىباً –أي جلوداً‪ -‬ثبلثة‪ ،‬فقلت ادع هللا تعاىل أف يوسع على أمتك‪ ،‬فقد وسع على فارس والروـ‬
‫وال يعبدوف هللا‪ ،‬فاستوى جالسأ ٍب قاؿ‪" :‬أُب شك أنت اي ابن ا‪٣‬بماب‪ ،‬أولئك قوـ عجلت ‪٥‬بم طيباهتم ُب‬
‫ا‪٢‬بياة الدنيا" فقلت استغفر يل اي رسوؿ هللا]ٔ‪ .‬ومن ىنا نفهم أنو ‪٤‬با وبخ هللا تعاىل الكافرين ابلتمتع‬
‫ابلميبات آثر النيب ملسو هلآو هيلع هللا ىلص وأصحابو والصا‪٢‬بوف بعدىم اجتناب اللذات ُب الدنيا رجاء ثواب اآلخرة‪ ،‬وجاء‬

‫ٔ رواه البخاري ومسلم‬

‫‪8‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫ا‪٢‬بديث عنو ملسو هيلع هللا ىلص‪" :‬لن تزوؿ قدما عبد يوـ القيامة حٌب يسأؿ عن أربع خصاؿ عن عمره فيما أفناه‪ ،‬وعن‬
‫شبابو فيما أببله‪ ،‬وعن مالو من أين اكتسبو وفيما أنفقو‪ ،‬وعن علمو ماذا عمل فيو"ٔ‪ .‬فصور نفسك اي‬
‫مسكْب وقد أخذت ا‪٤‬ببلئكة بعضديك وأنت واقف بْب يدي ا‪١‬ببار يسألك شفاىاً فيقوؿ لك‪" :‬عبدي‪،‬‬
‫أ م أنعم عليك ابلشباب ففي ماذا أبليتو؟ أ م أمهل لك ُب العمر ففي ماذا أفنيتو؟ أ م أرزقك ا‪٤‬باؿ فمن أين‬
‫اكتسبتو وفيما أنفقتو؟ أ م أكرمك ابلعلم فماذا عملت غيما علمت؟" فكيف اي مسكْب ترى حياءؾ‬
‫وخجلك من هللا وىو يعد عليك إنعامو ومعاصيك‪.‬‬

‫فما على اإلنساف إال أف يستعد ‪٥‬بذا اليوـ العظيم‪ ،‬يوـ ترى السماء فيو قد انشقت وانفمرت‪،‬‬
‫والكواكب من ىولو قد انتثرت‪ ،‬والنجوـ الزواىر قد انكدرت‪ ،‬وا‪١‬بباؿ العظيمة قد سّبت‪ ،‬يوـ ترج األرض‬
‫فيو رجا‪ ،‬وتبث ا‪١‬بباؿ بثا‪ ،‬فتكوف ىباء منبثاً‪ .‬يوـ ٲبنع فيو العاصي من الكبلـ بل يؤخذ ابلنواصي واألقداـ‪،‬‬
‫"يوـ ٘بد كل نف ما عملت من خّب ‪٧‬بضراً وما عملت من سوء تود لو أف بينها وبينو أمداً بعيداً وٰبذركم‬
‫هللا نفسو وهللا رؤوؼ ابلعباد"‪ .‬واب‪١‬بملة أيها اإلنساف‪" ،‬ماغرؾ بربك الكرمي"‪ ،‬حيث أغلقت األبواب‪،‬‬
‫وأرخيت الستور‪ ،‬واستَبت عن ا‪٣‬بلق‪ ،‬فقارفت الفجور‪ ،‬وفعلت السيئات‪ ،‬وارتكبت ا‪٤‬بنكرات‪ ،‬فماذا تفعل‬
‫وقد شهد عليك كل عضو من أعضائك‪ ،‬تقوؿ العْب‪ :‬أان نظرت‪ ،‬ويقوؿ اللساف‪ :‬أف تكلمت‪ ،‬وتقوؿ‬
‫اآلذاف‪ :‬أان ‪٠‬بعت‪ ،‬وتقوؿ اليد‪ :‬أان ‪٤‬بست‪ ،‬وتقوؿ الرجل‪ :‬أان مشيت‪ ،‬ويقوؿ الفرج‪ :‬أان فعلت‪ ،‬وتقوؿ‬
‫األرض‪ :‬أان شهدت‪ ،‬ويقوؿ ا‪٤‬بلك‪ :‬أان كتبت‪ ،‬فالويل كل الويل لنا معاشر الغافلْب‪ ،‬أرسل هللا لنا سيد‬
‫ا‪٤‬برسلْب‪ ،‬وأنزؿ عليو الكتاب ا‪٤‬ببْب‪ ،‬وقد عرفنا وبْب لنا غفلتنا وأيقظنا من نومتنا‪ ،‬وحذران الذنوب والوقوع‬
‫ُب الشهوات‪ ،‬ولكن رغم ذلك كلو ‪٫‬بن ُب غفلة معرضوف‪ ،‬وقد ذكران هللا ذلك ُب كتابو حيث يقوؿ‪،‬‬
‫وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ،‬أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪:‬‬
‫"اقَبب للناس حساهبم وىم ُب غفلة معرضوف*ما أيتيهم من ذكر من رهبم ‪٧‬بدث إال استمعوه وىم‬
‫يلعبوف*الىية قلوهبم"‪ .‬ابرؾ هللا يل ولكم ُب القرآف العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم‬
‫أقوؿ قويل ىذا وأستغفر هللا يل ولكم فاستغفروه إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫ٔ رواه مسلم‬

‫‪9‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الداؿ على كل خّب‪ ،‬الناىي عن كل ضّب‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو أشرؼ الرسل والربايت‪ ،‬اللهم صل وسلم‬ ‫رب األرض والسماوات‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫على سيدان دمحم سيد األنبياء‪ ،‬وعلى آلو الكرماء‪ ،‬وعلى أصحابو الشرفاء‪ ،‬وعلى التابعْب ومن تبعهم بصدؽ‬
‫حدادا‪ ،‬فما من نف إال‬‫ووفاء‪ ..‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ ،‬اتقوا هللا حق تقواه‪ ،‬وأعدوا للسؤاؿ جواابً‪ ،‬وللجواب ً‬
‫وسيسأ‪٥‬با هللا تعاىل عما عملت ُب ىذه ا‪٢‬بياة‪ ،‬وقد أقسم هللا تعاىل على أف يسأ‪٥‬بم ُب كتابو على لساف‬
‫سيد أحبابو بقولو‪" :‬فو ربك لنسألنهم أ‪ٝ‬بعْب*عما كانوا يعملوف"‪ .‬فيبدأ سؤالو سبحانو وتعاىل ابألنبياء‬
‫وذلك بقولو‪" :‬يوـ ٯبمع هللا الرسل فيقوؿ ماذا أحجبتم قالوا ال علم لنا إنك أنت عبلـ الغيوب"‪ ،‬وكانوا قد‬
‫علموا فتندىش عقو‪٥‬بم فبل يدروف ٗباذا ٯبيبوف‪ ،‬فيقولوف من شدة ا‪٥‬بيبة‪" :‬ال علم لنا إنك أنت عبلـ‬
‫الغيوب"‪ .‬ففي يوـ السؤاؿ ‪ٛ‬بتلئ القلوب فزعاً ورعباً وجزعاً فيتساقط الناس جثياً على الركب‪ ،‬وينادي‬
‫العصاة والظا‪٤‬بوف ابلويل والبثور قائلْب وابثوراه‪ ،‬واىبلكاه‪ ،‬وينادي الصديقوف نفسي نفسي‪ ،‬فعند ذلك‬
‫"تذىل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات ‪ٞ‬بل ‪ٞ‬بلها وترى الناس سكارى وما ىم بسكارى ولكن‬
‫عذاب هللا شديد"‪.‬‬

‫فاتقوا هللا عباد هللا‪ ،‬وخافوا ذلك اليوـ‪ ،‬وابدروا بصاّب األعماؿ‪ ،‬وأكثروا من الصبلة والسبلـ على‬
‫خّب األانـ‪ ،‬فقد قاؿ تعاىل ُب ‪٧‬بكم الذكر ا‪٤‬ببْب‪" :‬إف هللا ومبلئكتو‪ "...‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان‬
‫دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي‬
‫الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم‬
‫إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب‬
‫وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف‬
‫وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف فاذكروا هللا العظيم يذكركم‬
‫واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .4‬حميمح اإلمياْ‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ ‪ٞ‬بد الشاكرين ا‪٤‬بخبتْب ا‪٤‬بؤمنْب‪ ،‬وأصلي وأسلم على سيد األولْب واآلخرين‪ ،‬وأشهد أف‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو إماـ ا‪٤‬بتقْب‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على‬
‫ال إلو إال هللا ويل ا‪٤‬بتقْب‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫سيدان دمحم وعلى آلو الماىرين وأصحابو الغر ا‪٤‬بيامْب‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا‪ ،‬فاتقوا‬
‫هللا حق تقاتو وكونوا من ا‪٤‬بؤمنْب‪ .‬عباد هللا اإلٲباف اب﵁ كلمة عظيمة يهتز ‪٥‬با الكياف إذا خرجت من قلب‬
‫مؤمن اب﵁ ح ًقا‪ ،‬وىي كلمة يدعيها كثّب من الناس ويتبجح هبا الكثّب‪ ،‬ولكن اإلٲباف البد لو من عمل‬
‫صاّب يقويو وخلق طيب يزكيو وصفات ‪ٞ‬بيدة تدعمو وتنميو‪ ،‬و م يذكر اإلٲباف ُب القرآف الكرمي إال وىو‬
‫وتنبيها أبهنما متبلزماف ال يفَبقاف‪ ،‬ومصداؽ ذلك قولو تعاىل‪ ":‬إف الذين‬
‫إرشادا لنا ً‬ ‫مقروان ابلعمل الصاّب ً‬
‫ً‬
‫آمنوا وعملوا الصا‪٢‬بات"‪ .‬وجعل العمل الصاّب وا﵀افظة على أركانو من صفات ا‪٤‬بؤمنْب‪ ،‬قاؿ هللا عز‬
‫وجل‪ ":‬قد أفلح ا‪٤‬بؤمنوف الذين ىم ُب صبلهتم خاشعوف* والذين ىم عن اللغو معرضوف* والذين ىم للزكاة‬
‫فاعلوف* والذين ىم لفروجهم حافظوف* إال على أزواجهم أو ما ملكت أٲباهنم فإهنم غّب ملومْب* فمن‬
‫ابتغى وراء ذلك فأولئك ىم العادوف* والذين ىم ألماانهتم وعهدىم راعوف* والذين ىم على صلواهتم‬
‫ٰبافظوف* أولئك ىم الوارثوف الذين يرثوف الفردوس ىم فيها خالدوف "‪ .‬ووصفهم هللا بصفة ال يتصف هبا‬
‫إال مؤمن ح ًقا‪ ،‬أال وىي صفة ا‪٣‬بشية من هللا‪ ،‬وىذه الصفة من عدمت عنده ال يكوف مؤمنًا كامل اإلٲباف‪،‬‬
‫إٲباان وعلى‬
‫لذا يقوؿ هللا تعاىل‪ ":‬إ٭با ا‪٤‬بؤمنوف الذين إذا ذكر هللا وجلت قلوهبم وإذا تليت عليهم آايتو زادهتم ً‬
‫رهبم يتوكلوف* الذين يقيموف الصبلة و‪٩‬با رزقناىم ينفقوف* أولئك ىم ا‪٤‬بؤمنوف ح ًقا"‪ٍ .‬ب ذكر هللا من‬
‫أيضا االىتماـ أبمر اجملتمع‪ ،‬والشعور ابلغّبة على حرمات هللا و‪٧‬بارمو‪ ،‬وذلك ابألمر اب‪٤‬بعروؼ‬ ‫أوصافهم ً‬
‫والنهي عن ا‪٤‬بنكر فقاؿ تعاىل‪ ":‬وا‪٤‬بؤمنوف وا‪٤‬بؤمنات بعضهم أولياء بعض أيمروف اب‪٤‬بعروؼ وينهوف عن‬
‫ا‪٤‬بنكر"‪ .‬وذكر من صفات ا‪٤‬بؤمنْب ح ًقا االىتماـ أبمر الدعوة وا‪١‬بهاد ُب سبيلو‪ ،‬فقاؿ تعاىل‪ ":‬إف هللا‬
‫اشَبى من ا‪٤‬بؤمنْب أنفسهم وأموا‪٥‬بم أبف ‪٥‬بم ا‪١‬بنة"‪ .‬فمن ىنا يتبْب لنا حقيقة ا‪٤‬بؤمن‪ ،‬فمن اجتمعت فيو‬
‫ىذه الصفات كاف مؤمنًا‪ ،‬ومن نقصت أو انعدمت عنده ىذه الصفات كاف مدعيًا لئلٲباف‪ ،‬ولذا ‪٪‬بد أف‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص طلب البينة من الذين قالوا إان مؤمنوف‪ ،‬ومصداؽ ذلك ما رواه سويد األزدي قاؿ‪ :‬وفدت سابع‬
‫سبعة من قومي على رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فلما دخلنا عليو وكلمناه أعجبو ما رأى من ‪٠‬بتنا وزينتنا‪ ،‬فقاؿ‪ ":‬من‬
‫أنتم؟" فقلنا‪ :‬مؤمنوف‪ .‬فقاؿ‪ ":‬إف لكل قوؿ حقيقة‪ ،‬فما حقيقة قولكم وصدؽ إٲبانكم؟" فقلنا‪ٟ :‬ب‬

‫‪11‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫عشرة خلعة‪ٟ ،‬ب آمنا هبا‪ ،‬و‪ٟ‬ب عملنا هبا ُب اإلسبلـ‪ ،‬و‪ٟ‬ب عملنا هبا ُب ا‪١‬باىلية‪ ،‬و‪٫‬بن اآلف عليها‪،‬‬
‫فإف كرىتها تركناىا‪ .‬فقاؿ عليو الصبلة والسبلـ‪ ":‬اذكروا ما عندكم"‪ .‬فقالوا‪ :‬أما ‪ٟ‬ب اإلٲباف فهي‪ :‬أف‬
‫تؤمن اب﵁ ومبلئكتو وكتبو ورسلو والبعث بعد ا‪٤‬بوت‪ ،‬وأما ‪ٟ‬ب العمل فهي‪ :‬أف نشهد أف ال إال هللا وأف‬
‫‪٧‬بمدا رسوؿ هللا وأف نقيم الصبلة ونؤٌب الزكاة ونصوـ رمضاف و‪٫‬بج البيت إف استمعنا إليو سبيبلً‪ ،‬وأما‬‫ً‬
‫‪ٟ‬ب ا‪١‬باىلية فهي‪ :‬الشكر عند الرخاء‪ ،‬والصرب عند الببلء‪ ،‬والرضاء عند القضاء‪ ،‬والصدؽ والثبات عند‬
‫ا‪٢‬برب واللقاء‪ ،‬وترؾ الشماتة ابألعداء‪ .‬فقاؿ عليو الصبلة والسبلـ‪ ":‬أنتم حكماء علماء فقهاء كدًب أف‬
‫‪ٟ‬بسا ليتم لكم عشروف‪ ،‬إف كنتم كما تقولوف‪ ،‬فبل ٘بمعوا ما ال أتكلوف‪ ،‬وال تبنوا‬
‫تكونوا أنبياء‪ ،‬وأان أزيدكم ً‬
‫غدا زائلوف‪ ،‬واتقوا هللا الذي إليو ترجعوف وعليو تعرضوف‪،‬‬‫ما ال تسكنوف‪ ،‬وال تنافسوا ُب شيء أنتم عنو ً‬
‫وارغبوا فيما عليو تقدحوف وفيو ‪ٚ‬بلدوف"‪ .‬فخربو ي بربكم أي إٲباف ىو إٲباننا ابلنسبة إلٲباف ىوالء‪ ،‬فقد‬
‫أتى ىؤالء ٕبقائق اإلٲباف ‪ ،‬فما ىي حقائق إٲباننا ‪٫‬بن اي ترى؟ أال فليتعظ منا من أزمع السرى‪ ،‬ولّبتدع من‬
‫ارتكب ا‪٥‬بوى وجانب الصواب واتبع الردى‪ ،‬وليعلم أف الدنيا زائلة وأبىلها مائلة وصدؽ هللا حيث يقوؿ‬
‫وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم بسمميحرلا نمحرلا هللا ‪ ":‬والعصر* إف اإلنساف لفي‬
‫خسر* إال الذين آمنوا وعملوا الصا‪٢‬بات وتواصوا اب‪٢‬بق وتواصوا ابلصرب"‪ .‬ابرؾ هللا يل ولكم ُب القرآف‬
‫العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم أقوؿ قويل ىذا وأستغفر هللا يل ولكم فاستغفروه‬
‫إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي جعل اإلٲباف سبباً للسعادة والفبلح‪ ،‬وعنواانً لبلوغ ا‪٤‬بقاصد والنجاح‪ ،‬أ‪ٞ‬بده‬
‫سبحانو وتعاىل ‪ٝ‬بع مشل األمة ابإلٲباف وجعل ا‪٤‬بؤمنْب بو إخوة متحابْب‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال‬
‫شريك لو جعل اإلٲباف ممهراً للقلوب وسبباً لثبوت ا‪٥‬بداية واليقْب‪ ،‬وأشهد أف سيدان ونبينا دمحماً عبده‬
‫ورسولو أفضل ا‪٤‬بؤمنْب وإماـ ا‪٤‬بتقْب‪ ،‬اللهم صل وسلم على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم سيد األولْب‬
‫واآلخرين‪ ،‬وعلى آلو وصحبو الذين صدقوا ُب إٲباهنم فنالوا العزة والفوز والنصر ا‪٤‬ببْب‪ ،‬وعلى التابعْب ‪٥‬بم‬
‫ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ الدين‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪.‬‬
‫أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬ا‪٤‬بؤمن الكامل يكوف بشره ُب وجهو‪ ،‬وحزنو ُب قلبو‪ ،‬واسع الصدر‪ ،‬زاجراً عن كل شر‪ ،‬آمراً‬
‫غيااب‪ ،‬يكره الرفعة‬
‫بكل خّب‪ ،‬ال حقوداً وال حسوداً‪ ،‬وال متفاخراً وال متهتكاً‪ ،‬وال مراتابً وال سباابً وال ً‬

‫‪12‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫ويبغض السمعة‪ ،‬طويل ا‪٥‬بم كثّب الغم‪ ،‬حليف الصمت عزيز الوقت‪ ،‬ضحكو تبسم واستفهامو تعلم‬
‫ومراجعتو تعلم‪ ،‬ال يبخل وال يعجل وال يضجر‪ ،‬قليل ا‪٤‬بنازعة ‪ٝ‬بيل ا‪٤‬براجعة‪ ،‬عدالً إف غضب ورفيقاً إف‬
‫طلب‪٨ ،‬بلصاً ُب الود ووثي ًقا ُب العهد ووفيًّا للوعد‪ ،‬شفوقاً وصوالً حليماً‪ ،‬يتحمل األذى‪ ،‬قليل الفضوؿ‪،‬‬
‫راضياً عن مواله و‪٨‬بالفاً ‪٥‬بواه‪ ،‬ال ٱبوض فيما ال يعنيو‪ ،‬دقيق النظر‪ ،‬عظيم ا‪٢‬بذر‪ ،‬مقببلً على ربو‪ ،‬خائفاً‬
‫ومستعدا لآلخرة‪ ،‬فهذا ىو ا‪٤‬بؤمن حقاًّ‪...‬‬
‫ًّ‬ ‫من مواله‪ ،‬مَبقباً للموت‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .5‬اٌرزوش ًاالعرثاس‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي جعل الليل والنهار خلفة ‪٤‬بن أراد أف يذكر أو أراد شكوراً‪ ،‬أ‪ٞ‬بده سبحانو وتعاىل‬
‫وفق عباده ا‪٤‬بؤمنْب للتذكر واالعتبار‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو خلق ا‪٤‬بوت وا‪٢‬بياة ليبلوكم‬
‫أيكم أحسن عمبلً‪ ،‬وأشهد أف سيدان ونبينا دمحماً عبده ورسولو أرسلو هللا للعا‪٤‬بْب بشّباً ونذيراً‪ ،‬اللهم صل‬
‫وسلم وابرؾ على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم وعلى آلو وأصحابو الذين وقاىم هللا شر ذلك اليوـ ولقاىم‬
‫نضرة وسروراً‪ ،‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا أف هللا عز‬
‫وجل خلق اإلنساف ُب ىذه األرض واستعمره فيها‪ ،‬وحدد لو زمناً ووقتاً يقتضيو على وجو ىذه ا‪٤‬بعمورة‪،‬‬
‫فالوقت اي عباد هللا ىو رأس ماؿ اإلنساف‪ ،‬واليوـ والليلة ىي ساعاتو‪ ،‬فإذا انقضت منو ساعة سارت بو إىل‬
‫‪٫‬بو اآلخرة‪ ،‬وبعدت بو عن ىذه األرض وما فيها‪ .‬قاؿ تعاىل‪" :‬اي أيها اإلنساف إنك كادح إىل ربك كدحاً‬
‫فمبلقيو"‪ ،‬أي إنك سائر إليو فيكوف اللقاء ُب اآلخرة‪ ،‬وعندىا يكوف السؤاؿ وا‪١‬بواب‪ ،‬وُب ذلك يقوؿ‬
‫تعاىل‪" :‬فيومئذ ال يسأؿ عن ذنبو إن وال جاف"‪ .‬وعجباً اي عباد هللا ‪٩‬بن يعرؼ ذلك ٍب يضيع أوقات‬
‫عمره ُب ‪٥‬بو ال ينفع‪ ،‬أو ُب ضياع ال يشفع‪ ،‬وأعجب من ذلك كلو أولئك الذين يملبوف قتبلً للوقت‪،‬‬
‫ويقولوف إف عندىم أوقات فراغ ال يدروف أين يقضوهنا‪ .‬فكل من أمضى يومو ُب غّب حق أو فرض أداه أو‬
‫‪٦‬بد بناه أو ‪ٞ‬بد حصلو أو خّب أسسو أو علم اقتبسو فقد ضيع يومو وحرـ ثواب هللا وكرمو‪ ،‬وا‪٠‬بعوا لقوؿ‬
‫ا‪٢‬بق تبارؾ وتعاىل حيث يقوؿ‪" :‬قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصبلة وينفقوا ‪٩‬با رزقناىم سراً وعبلنية من‬
‫قبل أف أيٌب يوـ ال بيع فيو وال خبلؿ"‪ .‬وُب ىذا اي عباد هللا توجيو إ‪٥‬بي كرمي إىل عباده ا‪٤‬بؤمنْب‪ ،‬فيو غاية‬
‫الر‪ٞ‬بة هبم وغاية اإلشفاؽ عليهم أف ٱبلصوا أعما‪٥‬بم ليبلغوا هبا أعلى الدرجات‪ ،‬وأف يستغلوا كل دقيقة‬
‫ووقت من أعمارىم ُب العمل الذي يقرهبم من هللا ويكسبهم السعادة والفوز اب‪١‬بنات‪ ،‬فاإلٲباف واألعماؿ‬
‫الصا‪٢‬بة رصيد مدخر للعبد يوـ القيامة "يوـ ال ينفع ماؿ وال بنوف"‪" ،‬يوـ ٘بزى كل نف ٗبا كسبت"‪ ،‬فإما‬
‫عمل صاّب يستحق صاحبو الثواب‪ ،‬وإما عمل سيء يستوجب فاعلو العقاب‪ .‬و‪٥‬بذا يقوؿ هللا تعاىل‪:‬‬
‫"ونضع ا‪٤‬بوازين القسط ليوـ القيامة فبل تظلم نف شيئاً وإف كاف مثقاؿ حبة من خردؿ أتينا هبا وكفى بنا‬
‫حاسبْب"‪ .‬عباد هللا‪ ،‬إف من عرب الزماف الٍب تكوف على الدواـ‪ ،‬والٍب تذكر دوماً ابلرحيل وتعمي الصورة‬
‫الواضحة للمصّب ا﵀توـ حشود ا‪٤‬بوتى الٍب نراىا ونسمع عنها كل يوـ بْب شيوخ وشباب وأطفاؿ من كل‬
‫من انقضى أجلو‪ ،‬وىذا ‪٩‬با يوحي أبخذ العربة وٰبفز النتهاز الفرصة‪ ،‬فرصة العمر اي عباد هللا؛ إذ إف ُب‬

‫‪14‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫انقضاء األايـ نذيراً ابنقضاء اآلجاؿ‪ ،‬ولقد نبو عليو الصبلة والسبلـ أمتو من الغفلة عن موقف العبد بْب‬
‫يدي ربو عز وجل للحساب‪ .‬فقاؿ ملسو هلآو هيلع هللا ىلص‪" :‬ال تزوال قدما العبد يوـ القيامة حٌب يسأؿ عن أربع‪ :‬عن عمره‬
‫فيما أفناه‪ ،‬وعن شبابو فيما أببله‪ ،‬وعن مالو من أين اكتسبو‪ ،‬وفيما أنفقو وعن علمو ماذا عمل بو"ٔ‪ .‬وبعد‬
‫ىذا كلو اي عباد هللا فإف ا‪٤‬بسؤولية ملقاة على عاتق اآلابء ‪٫‬بو األبناء كبّبة جداً‪ ،‬فمن الواجب عليهم أف‬
‫يوجهوا أبناءىم لسد فراغ أوقاهتم فيما تعود ‪ٜ‬برتو عليهم ُب دينهم ودنياىم‪ ،‬وأف ٯبنبوىم الوقوع ُب أيدي‬
‫العابثْب؛ حٌب ال ينحرفوا عن جادة األخبلؽ وينزلقوا ُب مهاوي الرذيلة‪ ،‬فينبغي للعاقل أف يوجو نفسو ومن‬
‫عليو مسؤوليتهم ‪٤‬با فيو مرضاة ربو؛ ألف العمر ‪٧‬بدود وعمل اإلنساف ‪٧‬بسوب لو أو عليو‪ ،‬فاتقوا هللا عباد‬
‫هللا وحاسبوا أنفسكم‪ ،‬واحفظوا أوقات أعماركم من الضياع وا‪٣‬بسراف‪ ،‬وابدروا ر‪ٞ‬بكم هللا ابلتوبة واألعماؿ‬
‫الصا‪٢‬بة قبل فوات األواف‪ ،‬فالفرصة ىا ىي سا‪٫‬بة‪ ،‬ووسائل ا‪٥‬بدى ال تزاؿ حاضرة‪ ،‬وابب التوبة مفتوح‪،‬‬
‫ولي على اببو من ٲبنع‪ ،‬وال ٰبتاج من يلجئو إىل االستئذاف‪ ،‬والتوبة أمنية ال يناىا إال ا‪٤‬بوفقوف‪ ،‬فإذا‬
‫انتهت ىذه ا‪٢‬بياة فبل كرة وال رجوع‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ‪ ،‬وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف‬
‫فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ،‬أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬والعصر* إف اإلنساف لفي خسر* إال‬
‫الذين آمنوا وعملوا الصا‪٢‬بات وتواصوا اب‪٢‬بق وتواصوا ابلصرب"‪ .‬ابرؾ هللا يل ولكم ُب القرآف العظيم ونفعِب‬
‫وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم أقوؿ قويل ىذا وأستغفر هللا يل ولكم فاستغفروه إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الداؿ على كل خّب‪ ،‬الناىي عن كل ضّب‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‪،‬‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم سيد األنبياء‪ ،‬وعلى آلو األتقياء‪،‬‬ ‫وأشهد أف سيدان ً‬
‫وعلى أصحابو الشرفاء‪ ،‬وعلى التابعْب ومن تبعهم بصدؽ ووفاء‪ ..‬أما بعد‪ ،‬عباد هللا أوصيكم ونفسي‬
‫بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا أنو لي ُب الوجود أغلى من الوقت‪ ،‬ولي ُب ا‪٢‬بياة نعمة بعد‬
‫اإلٲباف أعظم من نعمة الصحة والفراغ‪ ،‬قاؿ ملسو هلآو هيلع هللا ىلص‪"" :‬نعمتاف مغبوف فيهما كثّب من الناس‪ :‬الصحة‬
‫والفراغ"ٕ‪ .‬واعلموا عباد هللا أف عمر اإلنساف ىو مدة حياتو‪ ،‬وال حياة ‪٤‬بن أعرض عن هللا واشتغل بغّب‬
‫ذكره‪ ،‬وإف حياة اإلنساف ٕبياة قلبو وروحو‪ ،‬وال حياة لقلبو إال ٗبعرفة خالقو و‪٧‬ببتو وذكره وعبادتو واإلانبة‬
‫إليو وحده والممأنينة بماعتو واألن بقربو‪ ،‬ومن فقد ىذه ا‪٢‬بياة فقد فقد ا‪٣‬بّب كلو ولو تعوض عنها ٗبا‬
‫‪1‬‬
‫رواه مسلم‬
‫‪ 2‬رواه البخاري‬

‫‪15‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫تعوض من زخرؼ ا‪٢‬بياة الدنيا ومتاعها الزائل‪ ،‬فالدنيا مزرعة لآلخرة‪ ،‬وفيها التجارة الٍب يظهر رٕبها يوـ‬
‫القيامة‪...‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ً .6‬جٌب ذشتيح األتناء عٍَ ادلنيج اٌمٌيُ‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ ا‪٤‬بنعم على عباده بصنوؼ اإلنعاـ والتكرمي‪ ،‬أ‪ٞ‬بده سبحانو وتعاىل يهب ‪٤‬بن يشاء الذكور‬
‫واإلانث وٯبعل من يشاء عقيماً وىو العليم ا‪٢‬بكيم‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو جعل تربية‬
‫األسرة واألبناء من أعظم ا‪٤‬بهمات ُب الدين‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو خّب من اعتُب أبسرتو‬
‫وأرشدىم إىل المريق ا‪٤‬بستقيم‪ ،‬اللهم صل وسلم على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم من أدبو ربو فأحسن أتديبو‬
‫ورابه فأكمل تربيتو وخاطبو بقولو‪" :‬وإنك لعلى خلق عظيم"‪ ،‬وعلى آلو وصحبو الذين ‪ٚ‬بلقوا ٖبلقو وساروا‬
‫على منهجو القومي‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬وا‪٠‬بعوا لقوؿ‬
‫ا‪٢‬بق تبارؾ وتعاىل‪" :‬اي أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأىليكم انراً وقودىا الناس وا‪٢‬بجارة عليها مبلئكة‬
‫غبلظ شداد ال يعصوف هللا ما أمرىم ويفعلوف ما يؤمروف"‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬إف من أعظم ا‪٤‬بسؤوليات‬
‫وأخمرىا مسؤولية رب األسرة ٘باه أىل بيتو وأوالده‪ ،‬ىذه األسرة الٍب ىي أساس اجملتمع وعليها يشيد‬
‫صرحو ويقوـ عماده‪ .‬ومن حكمة هللا عز وجل أف جعل الرجل قواماً على األسرة‪ ،‬وجعل رائستو رائسة‬
‫إشراؼ ورعاية وتوجيو‪ ،‬فكاف لزاماً عليو أف يقوـ بَببية أىل بيتو وأوالده تربية صحيحة تكفل ‪٥‬بم السعادة‬
‫ُب الدنيا والفوز ُب اآلخرة‪ ،‬فصبلح األمة متوقف على صبلح أفرادىا‪ ،‬وصبلح األفراد متوقف على صبلح‬
‫رب األسرة وقيامو ٗبهاـ األمانة الٍب كلفو هللا هبا وألزمو إايىا ُب ‪٧‬بكم كتابو بقولو‪" :‬وأمر أىلك ابلصبلة‬
‫واصمرب عليها ال نسألك رزقاً ‪٫‬بن نرزقك والعاقبة للتقوى"‪ .‬عباد هللا‪ :‬إف شعور الفرد ا‪٤‬بسلم بواجبو ٘باه‬
‫أسرتو ٰبتم عليو أف يراقب أىلو وأوالده ُب حركاهتم وسكناهتم‪ ،‬وُب ذىاهبم وإايهبم‪ ،‬وُب أصحاهبم‬
‫وأخبلئهم؛ حٌب يكوف على بصّبة من أمرىم ويقْب ُب ا٘باىاهتم وسّبىم‪ ،‬وإنو كلما عظم ا‪٣‬بمر عظمت‬
‫ا‪٤‬بسؤولية‪ ،‬وكلما كثرت أسباب الفتنة وجبت قوة ا‪٤‬ببلحظة‪ ،‬وإننا لفي عصر عظم فيو ا‪٣‬بمر وكثرت أسباب‬
‫الفتنة وانتشر من أمرىا ما انتشر‪ ،‬وإهنا وهللا ألمانة مسؤوؿ عنها‪ ،‬كيف ال؟ وقد أخربان بذلك ملسو هيلع هللا ىلص حيث‬
‫قاؿ‪" :‬إف هللا سائل كل راع عما اسَبعاه حفظ أـ ضيع"‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬إذا اعتُب رب األسرة بَببية أوالده‬
‫وأىل بيتو ومن يعو‪٥‬بم كاف كمن وضع ُب األرض ا‪١‬بيدة أنفع البذور وأحسنها‪ ،‬فإذا هبا أتٌب ابلثمر اليانع‬
‫والنتيجة ا‪٢‬بسنة‪ ،‬وإذا أٮبل تربية أوالده واقتصر على أف يعو‪٥‬بم ويمعمهم ويكسوىم ٍب يَبكهم كاألنعاـ‬
‫السائبة ال يعرفوف حبلالً وال حراماً وال يرىبوف من عقاب وال يرغبوف ُب ثواب كاف عن جنايتهم وجرائمهم‬

‫‪17‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫مسؤوالً عند هللا تعاىل‪ .‬عن ابن عباس –رضي هللا عنهما‪ -‬قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪" :‬اعملوا ابلماعة ﵁‪،‬‬
‫واتقوا معاصي هللا‪ ،‬ومروا أوالدكم ابمتثاؿ األوامر واجتناب النواىي‪ ،‬فذلك وقاية لكم و‪٥‬بم من النار"ٔ‪.‬‬

‫وىذا يتضمن اي عباد هللا ا‪ٚ‬باذ وسائل ا‪٣‬بّب ُب البيوت من التعليم والتأديب واألمر اب‪٤‬بعروؼ والنهي‬
‫عن ا‪٤‬بنكر‪ ،‬وإبعاد وسائل الشر وا‪٤‬بلهيات وكل ا‪٤‬بظاىر السيئة الٍب ال تعود على رب األسرة وأىل بيتو‬
‫وأوالده إال اب‪٤‬بضرة وما ينتج من ذلك من ا‪٫‬ببلؿ األخبلؽ وبعد عن مبادئ الدين وغرس لؤلفكار الضالة‬
‫ونشر للرذيلة وكل خلق ذميم؛ ألف البيوت ىي ‪٧‬بل اجتماع األسرة وتبلقي أفرادىا‪ ،‬فبلبد أف تكوف‬
‫مؤسسة على الرب والتقوى وخالية عما يتناَب مع اإلسبلـ وآدابو‪ .‬قاؿ تعاىل‪" :‬والبلد الميب ٱبرج نباتو إبذف‬
‫ربو والذي خبث ال ٱبرج إال نكداً"‪ .‬فهل اعتُب أبسرتو من أٮبل زوجتو وتركها ‪ٚ‬برج متربجة ُب األسواؽ‪ ،‬أـ‬
‫ىل قاـ بواجبو من ترؾ أبناءه ٮببلً وضياعاً دوف توجيو وإرشاد وحث على التمسك ابألخبلؽ الفاضلة‬
‫واقتداء بسيد األسياد القائل‪" :‬الزموا أوالدكم وأحسنوا أدهبم"‪ .‬وُب ا‪٢‬بديث‪" :‬علموا أنفسكم وأىليكم ا‪٣‬بّب‬
‫وأدبوىم"ٕ‪ .‬بل ٯبب على رب األسرة خاصة ُب ىذه األايـ أف ٰبفظ أوالده من تداعي األفكار الشاذة‬
‫الضالة الٍب تقودىم إىل ضحااي التكفّب والتفجّب‪ ،‬ومنهم اآلابء الذين يفرحوف أبف أبناءىم ُب ‪٦‬بال ا‪٣‬بّب‬
‫ُب ا‪٤‬بساجد و‪٫‬بوىا وىم ُب ا‪٫‬براؼ فكري وترويج ألمور خاطئة وإبعاد عن روح اإلسبلـ و‪٠‬باحتو وىديو‬
‫وأخبلقو‪ .‬فاتقوا هللا عباد هللا‪ ،‬وأصلحوا ُب أوالدكم ما قصرًب فيو‪ ،‬وقودوىم إىل ا‪٢‬بق وما فيو صبلح لكم‬
‫و‪٥‬بم‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ‪ ،‬وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف‬
‫الرجيم‪ ،‬أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬اي أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأىليكم انراً وقودىا الناس‬
‫وا‪٢‬بجارة عليها مبلئكة غبلظ شداد ال يعصوف هللا ما أمرىم ويفعلوف ما يؤمروف"‪ .‬ابرؾ هللا يل ولكم ُب‬
‫القرآف العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم أقوؿ قويل ىذا وأستغفر هللا يل ولكم‬
‫فاستغفروه إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي أوجب على ا‪٤‬بؤمنْب وقاية أنفسهم وأىليهم من النار‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا‬
‫وحده ال شريك لو الواحد القهار‪ ،‬وأشهد أف سيدان ونبينا دمحماً عبده ورسولو القائل‪" :‬كلكم راع وكلكم‬

‫‪ 1‬أخرجو ابن منذر وابن جرير‬


‫‪ 2‬رواه ا‪٢‬باكم‬

‫‪18‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫مسؤوؿ عن رعيتو"ٔ‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم النيب ا‪٤‬بختار‪ ،‬وعلى آلو‬
‫وأصحابو الربرة األخيار‪ ،‬وعلى التابعْب ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ البعث والقرار‪ .‬أما بعد‪ :‬اتقوا هللا عباد‬
‫هللا ُب دينكم‪ ،‬وهللا هللا ُب أوالدكم‪ ،‬فإذا كاف ا‪١‬بار يتعلق اب‪١‬بار وٱباصمو يوـ القيامة إذا م ينصحو وينهو‬
‫نصحا من ا‪١‬بار على‬‫عن غيو كما ورد عن رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص فكيف ابألىل واألوالد‪ ،‬وىم اآلكد ح ًقا واأللزـ ً‬
‫جاره‪ ،‬فإايؾ أيها ا‪٤‬بسلم أف يكوف أقرب الناس إليك وأحقهم بربؾ وإحسانك ىم خصماؤؾ يوـ القيامة‪.‬‬
‫عباد هللا‪ ،‬أمركم هللا أبمر بدأ ىو فيو بنفسو‪...‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪ 1‬رواه البخاري ومسلم‬

‫‪19‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .7‬احلث عٍَ اٌشمحح‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي كتب على نفسو الر‪ٞ‬بة وجعلها صفة من صفاتو العليا‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا‬
‫وحده ال شريك لو رب األرض والسماء‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو سيد األنبياء‪ ،‬اللهم صل‬
‫وسلم على سيدان دمحم وعلى آلو الر‪ٞ‬باء‪ ،‬وأصحابو ا‪٢‬بكماء‪ ،‬والتابعْب األتقياء‪ ،‬ومن تبعهم على الوفاء‪ .‬أما‬
‫بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم وإايي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬إف الر‪ٞ‬بة خلق أصيل من‬
‫أخبلؽ ىذا الدين ا‪٢‬بنيف‪٥ ،‬با فيو جذور عميقة تتفرع منها أغصاف تغمي بظبل‪٥‬با الوراؽ الذي ُب حياة‬
‫ا‪٤‬بسلم كلها ونشاطو أ‪ٝ‬بع‪ ،‬فالر‪ٞ‬بة ابتداء من صفات هللا تعاىل‪ ،‬ولو عز وجل صفات جليلة متعددة لكنو‬
‫سبحانو اختار لعباده أف يرددوا صفة الر‪ٞ‬بة دائما؛ فإذا وقفوا بْب يديو ُب الصبلة قالوا‪" :‬ا‪٢‬بمد ﵁ رب‬
‫العا‪٤‬بْب*الر‪ٞ‬بن الرحيم"‪ ،‬وإذا ابتدؤوا فعل أي أمر ىاـ من أمور حياهتم قالوا‪" :‬بسمميحرلا نمحرلا هللا "‪ .‬كل‬
‫ذلك لتتأصل ُب نفوس ا‪٤‬بؤمنْب معا ي الر‪ٞ‬بة ولتممئن قلوهبم أبف رهبم ر‪ٞ‬بن رحيم تسبق ر‪ٞ‬بتو غضبو‪ ،‬ففي‬
‫ا‪٢‬بديث القدسي‪" :‬إف ر‪ٞ‬بٍب تسبق غضيب"ٔ‪ .‬عباد هللا‪ ،‬إف الر‪ٞ‬بة صفة متأصلة ُب نف رسوؿ هللا صلى‬
‫هللا عليو وسلم‪ ،‬وىو الذي أدبو ربو فجعلو رسوالً رحيماً‪ ،‬قاؿ تعاىل‪" :‬لقد جاءكم رسوؿ من أنفسكم عزيز‬
‫عليو ما عنتم حريص عليكم اب‪٤‬بؤمنْب رؤوؼ رحيم"‪ .‬وبتوجيو من ربو عز وجل اجتهد ُب غرس معا ي الر‪ٞ‬بة‬
‫وأتصيلها ُب نفوس ا‪٤‬بؤمنْب أبف يكونوا ر‪ٞ‬باء ابلناس‪ ،‬وحذرىم من أف يكونوا من القساة الغبلظ‪ ،‬فقاؿ‬
‫ألصحابو يوماً‪" :‬لن تؤمنوا حٌب تر‪ٞ‬بوا" ‪ ،‬فقالوا اي رسوؿ هللا‪" ،‬كلنا رحيم"‪ ،‬قاؿ‪" :‬إنو لي بر‪ٞ‬بة أحدكم‬
‫ٕ‬
‫صاحبو‪ ،‬ولكنها ر‪ٞ‬بة العامة" ‪ .‬فلم يقصد ا‪٤‬بصمفى عليو الصبلة والسبلـ أف يكوف الواحد منهم رحيماً‬
‫مع أصحابو أو أوالده أو قرابتو؛ فر‪ٞ‬بتو إايىم شيء تدعوه إليو نفسو وفمرتو‪ ،‬ولكن ما عناه عليو الصبلة‬
‫والسبلـ ىو الر‪ٞ‬بة العامة؛ وذلك أبف ترحم كل إنساف تعرفو أو ال تعرفو‪ ،‬وأف تكوف الر‪ٞ‬بة صفة متأصلة ُب‬
‫نف اإلنساف ا‪٤‬بسلم أبف تتجلى ُب تصرفاتو كلها وُب تعاملو مع الناس ‪ٝ‬بيعاً‪ ،‬ومن ىنا كاف ‪ٙ‬بذيره صلى‬
‫هللا عليو وسلم بقولو‪" :‬ال تنزع الر‪ٞ‬بة إال من شقي"ٖ‪ .‬وقولو أيضاً‪" :‬إف أبعد الناس من هللا القلب‬
‫القاسي"ٗ‪ .‬فمن ىذه النصوص يتضح أنو ملسو هيلع هللا ىلص يعاِب النفوس ابلَبغيب والَبىيب‪ ،‬ليستأصل منها صفات‬

‫ٔ رواه البخاري ومسلم‬


‫ٕ رواه المربا ي‬
‫ٖ رواه أبو داود‬
‫ٗ رواه الَبمذي‬

‫‪20‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫القسوة والعنف والفضاضة وغّبىا من الصفات الٍب ال تكاد تفارؽ اإلنساف عندما يكوف ٗبعزؿ عن ىدى‬
‫هللا تعاىل وعن توجيو رسولو عليو الصبلة والسبلـ‪ ،‬وقد كاف الناس ُب جاىليتهم قبل اإلسبلـ غبلظ‬
‫األفئدة‪ ،‬ال تعرؼ الر‪ٞ‬بة طرقاً إىل قلوهبم‪ ،‬وكذا يعود ىذا الوصف لكل من ترؾ تعاليم اإلسبلـ وىدى‬
‫ا‪٤‬بصمفى عليو الصبلة والسبلـ‪،‬‬

‫فعن أيب ىريرة هنع هللا يضر قاؿ‪ :‬قبل النيب ملسو هيلع هللا ىلص ا‪٢‬بسن وا‪٢‬بسْب وعنده األقرع بن حاب التميمي‪ ،‬فقاؿ‬
‫األقرع‪ :‬إف يل عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً قط‪ ،‬فنظر إليو عليو الصبلة والسبلـ ٍب قاؿ‪" :‬من ال‬
‫يرحم ال يرحم"ٔ‪ .‬عباد هللا‪ ،‬إف اإلنساف إذا م يكن ُب قلبو ر‪ٞ‬بة وخوؼ من هللا تعاىل ورىبة من أليم عذابو‬
‫ورغبة ُب جزيل ثوابو فلن يصلح حالو ولن يستقيم سلوكو ولن تنعدؿ عواطفو ولو اجتمعت لذلك كل‬
‫قوانْب األرض‪ ،‬وقد اىتم الرسوؿ الكرمي عليو الصبلة والسبلـ بنزع القسوة من قلوب العظماء والكرباء على‬
‫العبيد والفقراء وا‪٤‬بساكْب والضعفاء‪ ،‬وىدد القوي الظا م أبف هللا تعاىل أقوى منو وأقدر عليو منو على‬
‫ص ْو ًات‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫َض ِرب غُبلما ِيل فَس ِمع ِ‬
‫ت م ْن َخلْفي َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫تأْ ُ ً‬ ‫اإلنساف الضعيف‪ ،‬فعن أيب مسعود البدري هنع هللا يضر قاؿ‪ُ :‬كْن ُ‬
‫اّلَلِ صلهى ه ِ‬ ‫ت فَِإذَا ُى َو َر ُس ُ‬ ‫ك َعلَْي ِو‪ ،‬فَالْتَػ َف ُّ‬
‫ك ِمْن َ‬
‫ٍ‬
‫ت‪َ :‬اي‬ ‫اّلَلُ َعلَْيو َو َسله َم‪ ،‬فَػ ُق ْل ُ‬ ‫وؿ ه َ‬ ‫ْاعلَ ْم أ ََاب َم ْسعُود َهّلَلُ أَقْ َد ُر َعلَْي َ‬
‫هار"ٕ‪ .‬ومن ىنا يتضح كيف‬ ‫ك الن ُ‬ ‫اؿ ‪ :‬أ ََما إِنه َ‬
‫ك لَ ْو َ مْ تَػ ْف َع ْل لَلَ َف َحْت َ‬ ‫اىل ‪ ،‬فَػ َق َ‬ ‫اّلَلِ تَػ َع َ‬
‫اّلَلِ ‪ُ ،‬ى َو َحٌّر لَِو ْج ِو ه‬‫وؿ ه‬ ‫َر ُس َ‬
‫كاف عليو الصبلة والسبلـ يرشد لبناء ‪٦‬بتمع تسوده األلفة والر‪ٞ‬بة وتشملو ا﵀بة واللْب‪ .‬فالر‪ٞ‬بة صفة جامعة‬
‫‪٣‬بصاؿ ا‪٣‬بّب يتبعها صاحبها أبداء ا‪٢‬بقوؽ والواجبات‪ ،‬وكفى ابلر‪ٞ‬بة فضبلً أف هللا كتبها على نفسو فقاؿ‬
‫ب َربُّ ُك ْم َعلَى نَػ ْف ِس ِو الهر ْ‪ٞ‬بَةَ أَنهوُ َم ْن َع ِم َل ِمْن ُك ْم ُسوءًا‬ ‫"وإِ َذا جاء َؾ اله ِذ ِ ِ ِ‬
‫ين يػُ ْؤمنُو َف ِبَ َايتنَا فَػ ُق ْل َس َبل ٌـ َعلَْي ُكم َكتَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫يم"‪ .‬ابرؾ هللا يل ولكم ُب القرآف العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا‬ ‫ور َرح ٌ‬ ‫َصلَ َح فَأَنهوُ َغ ُف ٌ‬‫ب م ْن بَػ ْعده َوأ ْ‬ ‫ٔبَ َهالَة ٍبُه َات َ‬
‫فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم أقوؿ قويل ىذا وأستغفر هللا يل ولكم فاستغفروه إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ رب العا‪٤‬بْب‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو شهادة حق ويقْب‪ ،‬وأشهد أف‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو سيد األولْب واآلخرين‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم ا‪٥‬بادي األمْب‪ ،‬وعلى‬
‫سيدان ً‬
‫آلو الماىرين‪ ،‬وعلى أصحابو الغر ا‪٤‬بيامْب‪ ،‬وعلى التابعْب ومن تبعو إبحساف إىل يوـ الدين‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد‬

‫ٔ رواه البخاري‬
‫ٕ رواه مسلم‬

‫‪21‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫هللا‪ ،‬أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬إذا أردًب الر‪ٞ‬بة من ربكم‬
‫فأطيعوه‪ ،‬فإف هللا ال يرحم إال أىل الماعة والضعف وا‪٤‬بسكنة‪ ،‬فلو م يكن ُب الدنيا إال العصاة ‪٤‬با أعماىم‬
‫لقمةً‪ ،‬قاؿ تعاىل "إف ر‪ٞ‬بة هللا قريب من ا﵀سنْب"‪ .‬عباد هللا‪ ،‬أحسنوا إىل فقرائكم وار‪ٞ‬بوا ضعفاءكم وتفقدوا‬
‫جّبانكم‪ ،‬ففي ا‪٢‬بديث‪" :‬من ال يرحم ال يرحم‪ ،‬من ال يرحم ا‪٣‬بلق ال ير‪ٞ‬بو ا‪٣‬بالق‪ ،‬من ال يرحم من ُب‬
‫األرض ال ير‪ٞ‬بو من ُب السماء‪ ،‬إ٭با يرحم هللا من عباده الر‪ٞ‬باء"‪ .‬فتأملوا –ر‪ٞ‬بكم هللا‪ -‬ىذا ا‪٢‬بديث‬
‫حديث الر‪ٞ‬بة‪ ،‬واجعلوه وسيلة بينكم وبْب ربكم‪ ،‬حيث ير‪ٞ‬بكم إذا ترا‪ٞ‬بتم فيما بينكم‪ ،‬ور‪ٞ‬بتو تعاىل ال‬
‫‪ٙ‬بصى‪.‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .8‬فعيٍح اٌسخاء‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي فاز بقربو من طهر نفسو عن رذائل األخبلؽ وحبلىا بزكي الفعاؿ‪ ،‬و‪٩‬با يسعد بو‬
‫اإلنساف ويقربو إىل مواله ا‪٢‬بناف ا‪٤‬بناف سخاء النف ابلبذؿ واإلنفاؽ‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال‬
‫شريك لو على اإلطبلؽ‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو ا‪٢‬بائز على مكارـ األخبلؽ‪ ،‬اللهم صل‬
‫وسلم على سيدان دمحم وعلى آلو وأصحابو ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ التبلؽ‪ ..‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪،‬‬
‫أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا أف تمهّب النف من رذائل األخبلؽ و‪ٙ‬بليتها‬
‫بسخي الفعاؿ ديدف الصا‪٢‬بْب وغاية آماؿ ا‪٤‬بؤملْب‪ ،‬فبل ذكر حسن ُب الدنيا وال فوز ُب األخرى ُب القرب‬
‫من هللا والرضواف إال ٕبمل اإلنساف نفسو على اشتماؿ الفضائل وتمهّبىا عن الرذائل‪ ،‬أال وإف من أفضل‬
‫الفضائل الٍب يتحلى هبا اإلنساف فيسعد ابلذكر ا‪٢‬بسن ُب الدنيا والقرىب ُب األخرى أف يتحلى بفضيلة‬
‫السخاء‪ .‬والسخاء وا‪١‬بود والكرـ كلمات مَبادفة ‪٤‬بعُب واحد؛ وىو البذؿ والعماء‪ ،‬بل ىو ا‪١‬بود ُب ‪ٝ‬بيع‬
‫صوره وأحوالو ببذؿ ما ُب وسع اإلنساف من ا‪٤‬باؿ أو ا‪١‬باه أو ‪٫‬بو ذلك ‪٩‬با يسمى بذالً‪ ،‬والسخاء يظهر‬
‫معناه ُب بذؿ ا‪٤‬باؿ ُب وجوه الرب واإلحساف‪ ،‬وليعلم اإلنساف أف ا‪٤‬باؿ إف كاف مفقوداً فينبغي أف يكوف حاؿ‬
‫العبد القناعة وقلة ا‪٢‬برص‪ ،‬وإف كاف موجوداً فينبغي أف يكوف حالو السخاء واصمناع ا‪٤‬بعروؼ والتباعد عن‬
‫الشح والبخل؛ فإف السخاء من أخبلؽ األنبياء –عليهم الصبلة والسبلـ‪ -‬وىو أصل من أصوؿ النجاة‪،‬‬
‫وقد قاؿ رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪" :‬إف هللا جواد ٰبب ا‪١‬بود‪ ،‬وٰبب معايل األمور ويكره سفاسفها"ا‪٣‬برائمي وىو‬
‫حديث مرسل‪ .‬قاؿ أن ‪-‬هنع هللا يضر‪ :-‬إف رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص م يسأؿ عن اإلسبلـ شيئاً إال أعماه‪ ،‬وأاته رجل‬
‫فسألو فأمر لو بشاء كثّب بْب جبلْب من شاء الصدقة‪ ،‬فرجع إىل قومو فقاؿ‪ :‬اي قوـ‪ ،‬أسلموا فإف دمحماً‬
‫يعمي عماء من ال ٱباؼ الفاقة –أ ي الفقر‪ "-‬مسلم‪ .‬ويقوؿ اإلماـ علي كرـ هللا وجهو‪ :‬إذا أقبلت عليك‬
‫الدنيا فأنفق منها فإهنا ال تفُب‪ ،‬وإذا أدبرت عنك فأنفق منها فإهنا ال تبقى‪ ،‬وأنشد‪:‬‬

‫ال تبخلن بدنيا وىي مقبلػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػة * فلي ينقصها التبذير والس ػ ػ ػ ػػرؼ‬

‫وإذا تولت فأحرى أف ٘بود هبا * فا‪٢‬بمد منها إذا ما أدبرت خلف‬

‫ويقوؿ ا‪٢‬بسن بن علي رضي هللا عنهما ‪٤‬با سئل عن الكرـ‪[ :‬أما الكرـ فالتربع اب‪٤‬بعروؼ قبل السؤاؿ‪،‬‬
‫واإلطعاـ ُب ا﵀د –أي شدة ا‪٢‬باجة‪ -‬والرأفة مع بذؿ النائل ‪-‬أي العمية‪ .]-‬ورفع إليو رجل رقعة –أي‬

‫‪23‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫ورقة فيها تبيْب حاجة الرجل‪ ،-‬فقاؿ‪ :‬حاجتك مقضية‪ ،‬فقيل لو‪ :‬ايبن رسوؿ هللا‪ :‬لو نظرت ُب رقعتو ٍب‬
‫رددت ا‪١‬بواب على قدر ذلك‪ ،‬قاؿ‪ :‬يسألِب هللا عن ذؿ مقامو بْب يدي حٌب أقرأ رقعتو‪ .‬وقاؿ ابن‬
‫السماؾ‪[ :‬عجبت ‪٤‬بن يشَبي ا‪٤‬بماليك ٗبالو‪ ،‬وال يشَبي األحرار ٗبعروفو]‪ .‬وقاؿ علي بن ا‪٢‬بسْب رضي هللا‬
‫عنهما‪[ :‬من وصف ببذؿ مالو لمبلبو م يكن سخياًّ‪ ،‬وإ٭با السخي من يبتدي ٕبقوؽ هللا ُب أىل طاعتو‪،‬‬
‫اتما]‪ .‬وقيل للحسن البصري مالسخاء؟‬ ‫وال تنازعو نفسو إىل حب الشكر لو إذا كاف يقينو بثواب هللا تعاىل ً‬
‫فقاؿ‪[:‬أف ٘بود ٗبالك ُب هللا عز وجل]‪ .‬قيل فما ا‪٢‬بزـ؟ قاؿ‪ [:‬أف ‪ٛ‬بنع مالك فيو]‪ .‬قيل‪ :‬فما اإلسراؼ؟‬
‫قاؿ‪[ :‬اإلنفاؽ ‪٢‬بب الرايسة]‪ .‬وقاؿ اإلماـ جعفر الصادؽ ر‪ٞ‬بو هللا‪[ :‬ال ماؿ أعوف من العقل‪ ،‬وال مصيبة‬
‫أعظم من ا‪١‬بهل وال مظاىرة كا‪٤‬بشاورة‪ ،‬أال وإف هللا عز وجل يقوؿ‪ ":‬إ ي جواد كرمي ال ٯباور ي لئيم‪ ،‬واللؤـ‬
‫من الكفر وأىل الكفر ُب النار‪ ،‬وا‪١‬بود والكرـ من اإلٲباف‪ ،‬وأىل اإلٲباف ُب ا‪١‬بنة"]‪ .‬ويقوؿ حذيفة بن‬
‫اليماف‪[ :‬رب فاجر ُب دينو أخرؽ ُب معيشتو يدخل ا‪١‬بنة بسماحتو]‪ .‬عباد هللا‪ :‬إف الدنيا أبسرىا م ٱبلقها‬
‫هللا تعاىل إال ليعمل فيها اإلنساف عمبلً صا‪٢‬بًا يكوف فيو فبلحو ُب حياتو الدائمة وسعادتو الشاملة ُب‬
‫اآلخرة‪ ،‬ونف اإلنساف ‪٥‬با غوائل ودواخل تداخلو عن النهوض إىل ما يرضي هللا من مكارـ األخبلؽ‪،‬‬
‫وتغتاؿ صاحبها فتقعد بو عن الفضائل؛ لذلك ‪٪‬بد أف هللا تعاىل ُب كتابو أوضح لعباده ما ٯبب أف يتحلوا‬
‫بو‪ ،‬وخاصةً ىذا ا‪٣‬بلق العظيم خلق السخاء الذي ال يشتمل عليو إال من وفقو هللا تعاىل‪ ،‬يقوؿ الرسوؿ‬
‫عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬ال حسد إال ُب اثنتْب‪ :‬رجل آاته هللا ماالً فسلمو على ىلكتو ُب ا‪٢‬بق‪ ،‬ورجل آاته‬
‫هللا حكمة فهو يقضي هبا ويعلمها" البخاري ومسلم‪ .‬ويقوؿ عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬قاؿ هللا تعاىل‪ :‬أنفق‬
‫ايبن آدـ ينفق عليك" البخاري ومسلم‪ .‬ومن ىنا ٯبب أف ‪٫‬بمل أنفسنا على ىذا ا‪٣‬بلق العظيم؛ خلق‬
‫السخاء الذي ال يكوف صفة إال ‪٤‬بن أحبو هللا تعاىل واجتباه‪ ،‬وإىل رفيع ا‪٤‬بنازؿ رفعو وحباه‪ .‬وصدؽ هللا‬
‫حيث يقوؿ وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ،‬أعوذ اب﵁ من‬
‫الشيماف الرجيم‪" :‬وما تنفقوا من خّب فؤلنفسكم وما تنفقوف إال ابتغاء وجو هللا وما تنفقوا من خّب يوؼ‬
‫إليكم وأنتم ال تظلموف"‪ .‬ابرؾ هللا يل ولكم ُب القرآف العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر‬
‫وا‪٢‬بكيم أقوؿ قويل ىذا وأستغفر هللا يل ولكم فاستغفروه إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الداؿ على كل خّب‪ ،‬الناىي عن كل ضّب‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‪،‬‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم سيد األسخياء‪ ،‬وعلى آلو‬ ‫وأشهد أف سيدان ً‬
‫الكرماء‪ ،‬وعلى أصحابو الشرفاء‪ ،‬وعلى التابعْب ومن تبعهم بصدؽ ووفاء‪ ..‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم‬
‫ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا أف صفة ا‪١‬بود والسخاء والكرـ صفة كمل الرجاؿ‪ ،‬من‬
‫اختصوا بصفات أىل الكماؿ‪ ،‬ولقد حفظ لنا الَباث الكثّب والكثّب من حكاايت أىل ا‪١‬بود والكرـ؛‬
‫وذلك لكي نتأسى ٖبصا‪٥‬بم ا‪٣‬بّبة‪ .‬بعث أمّب ا‪٤‬بؤمنْب ىاروف الرشيد إىل اإلماـ مالك بن أن إماـ ا‪٤‬بدينة‬
‫هنع هللا يضر ٖبمسمائة دينار‪ ،‬فبلغ ذلك اإلماـ الليث بن سعد ر‪ٞ‬بو هللا‪ ،‬فأنفذ إىل مالك ر‪ٞ‬بو هللا ألف دينار‪،‬‬
‫فغضب ىاروف الرشيد وقاؿ‪ :‬أعميو ‪ٟ‬بسمائة دينار وتعميو ألف دينار وأنت من رعيٍب‪ ،‬فقاؿ‪ :‬اي أمّب‬
‫ا‪٤‬بؤمنْب؛ إف يل من غلٍب كل يوـ ألف دينار‪ ،‬فاستحييت من ريب أف أعمي اإلماـ مالك أقل من دخل‬
‫يوـ‪ .‬وحكي أنو هنع هللا يضر م ٘بب عليو الزكاة مع أف دخلو كل يوـ ألف دينار لكثرة سخائو وكثرة إنفاقو‪ ،‬وأعمى‬
‫كثّبا‪ ،‬فقيل لو‪ :‬إنو يكفيها اليسّب وقد سألتو‪ ،‬فقاؿ هنع هللا يضر‪ :‬إهنا سألت على قدر‬
‫يوما امرأ ًة شيئًا ً‬
‫هنع هللا يضر ً‬
‫حاجتها‪ ،‬و‪٫‬بن نعميها على قدر النعمة علينا‪ .‬فهذه اي عباد هللا ىي أخبلؽ السلف ُب ا‪١‬بود والكرـ‬
‫والسخاء‪ ،‬يبذلوف فضل أموا‪٥‬بم لّبضى عنهم موالىم؛ ألهنم علموا أف هللا تعاىل يقوؿ‪" :‬وما تنفقوا من خّب‬
‫فإف هللا بو عليم"‪ .‬فاتقوا هللا عباد هللا‪ ،‬وقدموا ألنفسكم ا‪٣‬بّب؛ فإف من قدـ شيئًا وجده‪ ،‬ومن أخره حسر‬
‫عليو‪" ،‬وما تقدموا ألنفسكم من خّب ٘بدوه عند هللا ىو خّباً وأعظم أجراً"‪.‬‬

‫عباد هللا‪ :‬أمركم موالكم ابلصبلة والسبلـ على رسوؿ هللا حيث قاؿ ُب ‪٧‬بكم كتابو‪ ":‬إف هللا‬
‫ومبلئكتو يصلوف على النيب‪ "...‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم‬
‫عن أصحابو الكراـ خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر‬
‫وعثماف وعلي وعلى سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم‬
‫الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم‬
‫واألموات‪ ......‬عباد هللا إف هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر‬
‫والبغي يعظم لعلكم تذكروف فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم‬
‫ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ِ .9‬يالد ادلصطفَ عٍيو اٌصالج ًاٌسالَ‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي أضاء الوجود بملعة خّب األانـ‪ ،‬فأعز بو اإلنسانية ‪،‬وأنقذ بو البشرية‪ ،‬وىدى بو‬
‫األمة إىل الصراط ا‪٤‬بستقيم‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو القائل‪" :‬قد جاءكم من هللا نور‬
‫وكتاب مبْب"‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو سيد ا‪٤‬برسلْب القائل‪" :‬إ٭با أان ر‪ٞ‬بة مهداة‪ ،‬بعثت أل‪ٛ‬بم‬
‫مكارـ األخبلؽ"‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم وعلى آلو الماىرين‪ ،‬وأصحابو الغر ا‪٤‬بيامْب‪ ،‬وعلى‬
‫التابعْب‪ ،‬ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ الدين‪ ..‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا‬
‫تعاىل وأطيعوه‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬يقف التاريخ شاخصاً إىل ا‪٤‬باض البعيد ُب إجبلؿ وتوقّب ملتمساً من نبل‬
‫الذكرى ا﵀مدية و‪ٝ‬با‪٥‬با عربة للحاضر وذخّبة للمستقبل‪ .‬فأي ذكرى عظيمة تلك الٍب ٰبملها شهر ربيع‬
‫األوؿ ‪ ،‬وأي ذكرى تلك الٍب تمهر ا‪٣‬بلق وتعصم النف من زيغ ا‪٥‬بوى وفتنة الشيماف‪ ،‬و‪ٙ‬بصن الروح‬
‫أبفضل العرب وأ‪ٝ‬بل الدواع؟ ! إهنا ذكرى ميبلد الرسوؿ ملسو هلآو هيلع هللا ىلص‪ ،‬لزرر السكر ومنقذ اإلنسانية من ظلمات‬
‫ا‪١‬بهل والشرؾ واإلابحية‪ ،‬من قلد هللا األمة الدنة العظيمة ا‪١‬بسيمة ُب أعناقها‪ ،‬وجعلها على عواتقها ببعث‬
‫ىذا النيب العظيم الذي اختاره ‪٥‬با‪ ،‬وأعلن سبحانو منتو على ىذه األمة أبسرىا ُب كتابو بقولو‪" :‬لقد من‬
‫هللا على ا‪٤‬بؤمنْب إذ بعث فيهم رسوالً من أنفسهم يتلو عليهم آايتو ويزكيهم ويعلمهم الكتاب وا‪٢‬بكمة وإف‬
‫عربا وعظات‬ ‫كانوا من قبل لفي ضبلؿ مبْب"‪ .‬عباد هللا‪ ،‬إف ُب دوراف الزماف وتقلب األايـ واللياؿ‪ً ،‬‬
‫وذكرى تتجدد وبشارات وإشارات وإرشادات ‪٤‬بن ألقى السمع وىو شهيد‪ ،‬فهذا الشهر كلما أطل علينا‬
‫زمانو ٘بددت بشارات أمة اإلسبلـ برسو‪٥‬با وحبيبها الٍب بشرت بو آايت االىتداء‪ُ ،‬ب كتاب رب السماء‪،‬‬
‫وأظهرت أنو ما من أمة من األمم إال ورسو‪٥‬با يبشر بقدوـ أعظم ا‪٤‬برسلْب‪ ،‬يقوؿ تعاىل حاكياً ما بشر بو‬
‫عيسى عليو السبلـ –وىو آخر رسوؿ قبل رسولنا عليو الصبلة والسبلـ‪ -‬حيث يقوؿ‪" :‬وإذ قاؿ عيسى بن‬
‫ومبشرا برسوؿ أيٌب من بعدي ا‪٠‬بو‬ ‫ً‬ ‫مرمي اي بِب إسرائيل إ ي رسوؿ هللا إليكم مصدقاً ‪٤‬با بْب يدي من التوراة‬
‫أ‪ٞ‬بد فلما جاءىم ابلبينات قالوا ىذا سحر مبْب"‪ .‬فتبشّب عيسى عليو السبلـ بنبينا ملسو هيلع هللا ىلص تعظيم ‪١‬بنابو‬
‫السخيم وتنويو ٔباىو الكبّب‪ ،‬وقد قاؿ عليو الصبلة والسبلـ مبيناً عظيم فضلو وفخيم أمره‪" :‬إف يل أ‪٠‬باء‪:‬‬
‫أان أ‪ٞ‬بد‪ ،‬وأان دمحم ‪ ،‬وأان ا‪٤‬باحي الذي ٲبحو هللا يب الكسر‪ ،‬وأان ا‪٢‬باشر الذي ٰبشر الناس على قدـ ‪ ،‬وأان‬
‫العاقب الذي لي بعدي نيب"ٔ‪ .‬ولقد اختار سيدان عيسى عليو السبلـ من بْب أ‪٠‬بائو ملسو هيلع هللا ىلص ُب البشارة‬
‫أ‪ٞ‬بد؛ لئلعبلف أبنو أ‪ٞ‬بد ا‪٢‬بامدين وأعظم ا﵀مودين من األنبياء وا‪٤‬برسلْب‪ .‬ولذلك خص بلواء ا‪٢‬بمد‬

‫‪26‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫واب‪٤‬بقاـ ا﵀مود الذي قاؿ هللا لو فيو‪" :‬عسى أف يبعثك ربك مقاماً ‪٧‬بموداً"‪ .‬وقاؿ ملسو هيلع هللا ىلص‪" :‬ا‪٤‬بقاـ ا﵀مود‪:‬‬
‫الشفاعة"‪ .‬وقاؿ عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬أان سيد ولد آدـ يوـ القيامة وال فخر‪ ،‬وبيدي لواء ا‪٢‬بمد وال‬
‫فخر‪ ،‬وما من نيب يومئذ آدـ فمن سواه إال ‪ٙ‬بت لوائي ‪ ،‬وأان أوؿ شافع وأوؿ مشفع وال فخر"‪ .‬عباد هللا‪،‬‬
‫إف ما يتجدد ذكراه عند ا‪٤‬بسلمْب ُب ىذا الشهر ‪٥‬بو من وحي االىتداء الذي سمره هللا ُب كتابو ‪،‬وأظهره‬
‫رسولو ألمتو حٌب أصبحوا خّب أمة أخرجت للناس‪ ،‬و‪ٙ‬بققت فيهم دعوة خليل هللا إبراىيم عليو السبلـ إذ‬
‫سأؿ ربو أف ٯبعل من ذريتو أمة مسلمة وأف يبعث فيهم رسوالً منهم كما ذكره هللا تعاىل ُب كتابو‪" :‬يتلو‬
‫عليهم آايتو ويعلمهم الكتاب وا‪٢‬بكمة ويزكيهم ‪".‬وإذا توقف ا‪٤‬بسلم ا‪٢‬بق الذي يتشرؼ هبذا االنتساب ألمة‬
‫اإلسبلـ ولرسوؿ ا‪٥‬بدى يتعرؼ أنو انتساب شاؽ؛ إذ يتبع االنتساب عمل يدعو إىل االستقامة ‪،‬استقامة ُب‬
‫األخبلؽ‪ ،‬واستقامة ُب ا‪٤‬بعاملة ‪ ،‬واستقامة تؤدي إىل النصر واإلعزاز‪ ،‬استقامة تبعد صاحبها عن الرذيلة‬
‫والوقوع ُب مهاوي ا‪٤‬بعصية‪ ،‬وتربزه ليكوف ‪٩‬بيزاً عن سائر األمم‪ ،‬بتمسكو بدينو وا‪٤‬بشي على منهاج نبيو‪،‬‬
‫مزكياًّ نفسو عن سفاسف األمور‪ ،‬فبل يرتك ُب شهوة‪ ،‬وال يقع ُب منكر‪ ،‬وال يلهث ُب دنيا ‪٦‬بردة عن‬
‫اآلخرة‪ .‬إف ا‪٤‬بسلم ا‪٢‬بق ىو الذي ٰبمل رسالة ليبلغها‪ ،‬فعليو واجب الببلغ ولزوـ اإلببلغ؛ ليتحقق ارتباطو‬
‫وانتماؤه ألمة اإلسبلـ‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ‪ ،‬وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁‬
‫من الشيماف الرجيم‪ ،‬أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬ومن أظلم ‪٩‬بن افَبى على هللا الكذب وىو يدعى‬
‫إىل اإلسبلـ وهللا ال يهدي القوـ الظالدين‪ ".‬نفعِب هللا وإايكم هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من خلص‬
‫احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب‬
‫فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي أرسل رسولو اب‪٥‬بدى والدين‪ ،‬وشرؼ ىذه األمة إبرساؿ ا‪٤‬ببعوث ر‪ٞ‬بة للعالدين‪،‬‬
‫وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو ُب كل وقت وحْب‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو سيد‬
‫ا‪٤‬برسلْب‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم ا‪٥‬بادي األمْب‪ ،‬وعلى آلو الماىرين‪ ،‬وأصحابو والتابعْب‪ ..‬أما‬
‫بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬وأحيوا ذكر مولد نبيكم ابالستمساؾ‬
‫بتعاليم دينو‪ ،‬واالقتداء بسنتو القوٲبة وأخبلقو الكرٲبة ‪،‬لتجاىدوا أعداءكم وتمهروا أنفسكم من كل ما‬

‫‪27‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫يغضب هللا‪ ،‬وتقووا أرواحكم بكل ما يرض هللا‪ ،‬حٌب تنالوا شفاعتو ُب يوـ لقاء هللا‪" ،‬يوـ ال ‪ٛ‬بلك نف‬
‫لنف شيئاً واألمر يومئذ ﵁"‪.‬‬

‫فاتقوا هللا عباد هللا‪ ،‬وصلوا على خّب خلق هللا‪ ،‬فإف هللا تعاىل هبا أمر فقاؿ‪" :‬إف هللا ومبلئكتو‬
‫يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا تسليماً "‪ .‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم‬
‫وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل‬
‫ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا‬
‫معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات‬
‫وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي‬
‫القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على‬
‫نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .11‬فعً اٌصالج عٍَ ادلصطفَ صٍَ اهلل عٍيو ًسٍُ‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي ميز ىذه األمة‪ ،‬إبرساؿ كاشف الغمة‪ ،‬صاحب ا‪٤‬بقاـ األعلى‪ ،‬والشفاعة العظمى‪،‬‬
‫وا‪١‬ببْب األزىر‪ ،‬والوجو األنور‪ ،‬وا‪٢‬بوض والكوثر‪ ،‬من حث أمتو على الصبلة عليو ُب كل فرح و‪٧‬بنة‪ ،‬فللو‬
‫ا‪٢‬بمد على ىذه ا‪٤‬بنة‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو رب العا‪٤‬بْب‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده‬
‫ورسولو ا‪٤‬ببعوث ر‪ٞ‬بة للناس أ‪ٝ‬بعْب‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم وعلى آلو الماىرين وعلى أصحابو‬
‫الغر ا‪٤‬بيامْب وعلى التابعْب ‪٥‬بم إبحساف إىل يوـ الدين‪..‬أما بعد‪:‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا‬
‫ِ‬
‫هيب َاي‬ ‫اّلَلَ َوَمبلئِ َكتَوُ يُ َ ُّ‬
‫هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا أف هللا عز وجل يقوؿ ُب كتابو العزيز‪" :‬إِ هف ه‬
‫صلو َف َعلَى الن ِّ‬
‫صلُّوا َعلَْي ِو َو َسلِّ ُموا تَ ْسلِيماً"‪ .‬أيها ا‪٤‬بؤمنوف‪ :‬صبلة هللا على نبيو‪ :‬ثناؤه عليو عند ا‪٤‬ببلئكة‬ ‫هِ‬
‫أَيػُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا َ‬
‫ا‪٤‬بقربْب ور‪ٞ‬بتو بو وفضلو عليو‪ ،‬وصبلة ا‪٤‬ببلئكة عليو‪ :‬دعاؤىم واستغفارىم لو‪ ،‬ومعُب قولنا‪[ :‬اللهم صل‬
‫على دمحم]‪ :‬أي عظم اي رب دمحماً‪ .‬وا‪٤‬براد تعظيمو ُب الدنيا إبعبلء ذكره وإظهار دينو وإبقاء شريعتو‪ ،‬وُب‬
‫اآلخرة إبجزاؿ مثوبتو وتشفيعو ُب أمتو وإبداء فضيلتو ُب ا‪٤‬بقاـ ا﵀مود‪ ،‬وهللا عز وجل شرؼ نبيو عليو‬
‫السبلـ وأعلى منزلتو فهو سيد ولد آدـ وخاًب النبيْب وإماـ ا‪٤‬بتقْب بل ىو إماـ األنبياء إذا اجتمعوا‪ ،‬والقائم‬
‫ا‪٤‬بقاـ ا﵀مود ُب يوـ الورود‪ ،‬والذي يغبمو بو األولوف واآلخروف‪ ،‬وىو صاحب لواء ا‪٢‬بمد وصاحب‬
‫ا‪٢‬بوض ا‪٤‬بورود‪ ،‬وشفيع ا‪٣‬ببلئق يوـ القيامة‪ ،‬وىو الذي ‪ٝ‬بع لو وألمتو من الفضائل وا﵀اسن ما فرؽ فيمن‬
‫قبلو؛ حٌب قاؿ عليو الصبلة والسبلـ‪ " :‬أان أوؿ من تنشق عنو األرض فأكسى ا‪٢‬بلة من حلل ا‪١‬بنة ٍب أقوـ‬
‫عن ٲبْب العرش فلي أحد من ا‪٣‬ببلئق يقوـ ذلك ا‪٤‬بقاـ غّبي "‪ .‬وقاؿ"إ ي آٌب ابب ا‪١‬بنة فأستفتح فيقوؿ‬
‫ا‪٣‬بازف من أنت فأقوؿ أان دمحم فيقوؿ بك أمرت أال أفتح ألحد قبلك"‪ .‬عباد هللا إف اآلية الكرٲبة السابقة‬
‫شرؼ هللا هبا رسولو عليو والسبلـ ُب حاؿ حياتو وموتو وذكر منزلتو عنده ُب ا‪٤‬بؤل األعلى أبنو سبحانو يثِب‬
‫عليو عند ا‪٤‬ببلئكة ا‪٤‬بقربْب وأف ا‪٤‬ببلئكة تصلي عليو ٍب أمر أىل األرض ابلصبلة والسبلـ عليو بقولو "اي أيها‬
‫الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا تسليما"‪ .‬وعن كعب بن عجرة أف الصحابة سألوه عليو الصبلة والسبلـ‪ :‬قد‬
‫علمنا كيف نسلم عليك‪ ،‬فكيف نصلي عليك؟ فقاؿ‪ :‬قولوا‪ :‬اللهم صل على دمحم وعلى آؿ دمحم‪ ،‬كما‬
‫صليت على إبراىيم وعلى آؿ إبراىيم إنك ‪ٞ‬بيد ‪٦‬بيد"‪ .‬والصبلة عليو فرض على ا‪٤‬بكلف ُب العمر مرة‪،‬‬
‫وواجبة ُب كل صبلة فرضها ونفلها‪ ،‬و ىي ُب كل حْب من السنن الٍب ال ينبغي تركها وال يغفل عنها إال‬
‫من ال خّب فيو‪ ،‬وقد جاء ُب ا‪٢‬بديث‪ :‬أف جربيل عليو السبلـ قاؿ لو‪[ :‬إف من ذكرت عنده فلم يصل‬

‫‪29‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫عليك فأبعده هللا وأسحقو]‪ .‬ومن حق الرسوؿ علينا أف نميعو وأف أنخذ عنو ونقتدي بو وأف نوقره ونكثر‬
‫من الصبلة عليو؛ فقد نبو العلماء إىل أنو ال يفوت ا‪٤‬بسلم الصبلة عليو ُب كل ‪٦‬بل مرة على األقل‪ ،‬وقد‬
‫أخربان عليو السبلـ‪" :‬أف القوـ إذا جلسوا ‪٦‬بلساً م يذكروا هللا فيو و م يصلوا على نبيو فإف ذلك اجملل‬
‫يكوف حسرة عليهم يوـ القيامة"‪ .‬ومن ذلك قولو عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬ما جل قوـ ‪٦‬بلساً م يذكروا هللا‬
‫فيو و م يصلوا على نبيهم إال كاف عليهم ترة‪-‬أي حسرة‪ -‬فإف شاء عذهبم وإف شاء غفر ‪٥‬بم"‪ .‬بل إف الدعاء‬
‫‪٧‬بجوب وال يستجاب لصاحبو إال إذا شفعو ابلصبلة على ا‪٢‬ببيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬ويؤيد ذلك قوؿ اإلماـ علي كرـ‬
‫هللا وجهو‪[ :‬كل دعاء ‪٧‬بجوب حٌب يصلى على دمحم ملسو هيلع هللا ىلص]‪ ،‬وعن أمّب ا‪٤‬بؤمنْب عمر هنع هللا يضر أنو قاؿ‪[ :‬إف‬
‫الدعاء موقوؼ بْب السماء واألرض ال يصعد منو شيء حٌب تصلي على نبيك ملسو هيلع هللا ىلص]‪ .‬عباد هللا إف الصبلة‬
‫على النيب ملسو هيلع هللا ىلص فضلها عظيم وأجرىا فخيم‪ ،‬وال ٯبريها هللا على لساف عبد إال من أفحم قلبو ابإلٲباف‬
‫وارتبمت جوارحو ٗبحبة ا‪٢‬ببيب عليو الصبلة والسبلـ ‪ ،‬ومن فرغ قلبو وخوى عن اإلٲباف م يكن للصبلة‬
‫على النيب عليو السبلـ عنده مكاف‪ ،‬وقد أخرب جربيل ا‪٤‬بصمفى ملسو هيلع هللا ىلص بقولو‪[ :‬من ذكرت عنده فلم يصل‬
‫عليك فمات فأبعده هللا فدخل النار]‪ .‬بل جاء عنو عليو الصبلة والسبلـ أنو قاؿ‪" :‬البخيل من ذكرت‬
‫علي "‪ .‬فاتقوا هللا‬
‫علي "‪ .‬وُب رواية‪ٕ" :‬بسب امرئ من البخل أف أذكر عنده فبل يصلي ّ‬ ‫عنده ٍب م يصل ّ‬
‫عباد هللا وأكثروا من الصبلة على رسولو‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬لََق ْد‬
‫يم"‪ .‬نفعِب هللا واايكم‬ ‫وؿ ِمن أَنْػ ُف ِس ُكم ع ِزيز علَي ِو ما عنِتُّم ح ِريص علَي ُكم ِابلْم ْؤِمنِْب رُؤ ٌ ِ‬
‫وؼ َرح ٌ‬ ‫ْ َ ٌ َْ َ َ ْ َ ٌ َْ ْ ُ َ َ‬ ‫َجاءَ ُك ْم َر ُس ٌ ْ‬
‫هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من خلص احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي‬
‫ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي فضل نبينا على سائر األنبياء‪ ،‬وشرؼ أمتو على سائر األمم‪ ،‬ومن عظيم شرفو‬
‫ندب أمتو للصبلة عليو‪ ،‬وجعل أقرهبم منزلة منو يوـ القيامة أكثرىم صبلة عليو‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا‬
‫وحده ال شريك لو‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم نيب الر‪ٞ‬بة‪،‬‬
‫وعلى آلو ىداة األمة‪ ،‬وعلى أصحابو مصابيح الظلمة‪ ،‬وعلى التابعْب من فضلهم على سائر األمة‪ .‬أما‬
‫بعد‪ :‬أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا عباد هللا‪ ،‬وأكثروا من الصبلة والسبلـ على رسولو ومصمفاه‪،‬‬
‫فإنو يقوؿ‪" :‬أوىل الناس يب يوـ القيامة أكثرىم علي صبلة"‪ .‬واب‪١‬بملة فإف ا‪٤‬بصلي على الرسوؿ عليو الصبلة‬

‫‪30‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫والسبلـ تفيض عليو الر‪ٞ‬بات من هللا عز وجل ماداـ مشتغبلً هبذه الصبلة‪ٍ ،‬ب إف ا‪٤‬ببلئكة تصلي على من‬
‫صلى على النيب عليو السبلـ فإهنا تدعو لو بصاّب الدعوات ورفيع الدرجات وغفراف الذنوب وسَب العيوب‬
‫وتفريج الكروب‪ ،‬ويكفي ُب فضلها وشرفها أف هللا يقوؿ ُب كتابو العزيز‪" :‬إف هللا ومبلئكتو‪ "..‬اللهم صل‬
‫وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ خصوصا منهم ذوي‬
‫ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى سائر الصحب‬
‫الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ وا‪٤‬بسلمْب‪،‬‬
‫اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف هللا أيمر‬
‫ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف فاذكروا هللا‬
‫العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ِ .11‬نضٌح ادلصطفَ عٍيو اٌصالج ًاٌسالَ ًِعجضاذو‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫اينعا‬
‫‪ٜ‬برا ً‬‫اجا المعا وقمرا منّبا‪ ،‬وأطلع من أكماـ الرسالة ً‬ ‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي أطلع ُب ‪٠‬باء النبوة سر ً‬
‫يدا من‬‫أبدا‪ ،‬وأشكره مستز ً‬ ‫وزىرا ايفعا‪ ،‬تبارؾ ا‪٠‬بو‪ ،‬و‪ٛ‬بت كلمتو وعمت نعمتو ‪،‬أ‪ٞ‬بده وىو ا﵀مود أزالً و ً‬
‫مرشدا"‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحد ال شريك‬ ‫مسَبفدا‪ ،‬وأستهديو "ومن يضلل هللا فلن ٘بد لو وليًا ً‬
‫ً‬ ‫نعمو‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو نيب ما ضل وما غوى‪" ،‬وما ينمق عن‬ ‫لو الذي أضحك وأبكى‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫ا‪٥‬بوى"‪" ،‬ولقد رآه نزلةً أخرى عند سدرة ا‪٤‬بنتهى عندىا جنة ا‪٤‬بأوى"‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان‬
‫دمحم مفتاح ر‪ٞ‬بة ابب هللا‪ ،‬وعلى آلو وصحبو ومن وااله‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا‬
‫فاتقوا هللا تعاىل وأطيعو‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬إف األمم ُب ‪ٝ‬بيع عصورىا‪ ،‬و‪ٝ‬بيع مراحلها وأجيا‪٥‬با وجنسياهتا‬
‫وأشكا‪٥‬با‪ٛ ،‬بجد عظماءىا و‪ٚ‬بلد ذكراىم‪ ،‬وتؤرخ ماضيهم‪ ،‬وتلقنو األجياؿ وتعلمو األبناء واألحفاد‪ ،‬وكل‬
‫أمة ال تعتمد على ماض ‪٥‬با‪ ،‬وال ‪ٙ‬بتفي بعظمائها‪ ،‬وال ‪ٙ‬بافظ على آرار سابقيها ‪٥‬بي من أجهل األمم؛ إذ‬
‫فخرا ‪٤‬بن آٌب‪ .‬نعم‬
‫من م يكن لو ماض فلي لو حاضر‪ ،‬ومن لي لو فخر ٗبن سبق فلي أىبلً أف يكوف ً‬
‫لقد أرخت األمم أايماً وماضياً لرجاالهتا وجعلوا ذلك اترٱبا يدرس‪ ،‬وجعلوه ماضياً ‪٦‬بيداً ‪٥‬بم‪ ،‬وأنتم اي أمة‬
‫اإلسبلـ فيكم من العظماء‪ :‬الكثّبوف الذين تفتخروف هبم على ‪ٝ‬بيع األمم‪ ،‬وفيكم عظيم م تلد النساء‬
‫مثلو‪ ،‬حٌب قاؿ القائل‪:‬‬

‫وأ‪ٝ‬بل منك م تر قط عْب ** وأفضل منك م تلد النساء‬

‫فيكم عظيم ال تساويو العظماء كلهم‪ ،‬وال يساويو وال يدانيو ا‪٣‬بلق كلهم أ‪ٝ‬بعوف‪ ،‬أال وىو دمحم بن عبد هللا‪،‬‬
‫والذي ‪٠‬بع صريف األقبلـ اب‪٤‬بستوى األعلى عندما كاف قاب قوسْب أو أدىن‪ ،‬وكتب الر‪ٞ‬بن ا‪٠‬بو على‬
‫العرش إذ استوى‪ ،‬وأذف اب‪٠‬بو ُب ا‪٤‬ببتدأ ُب األرض وُب السماء‪ ،‬ورفع ا‪٠‬بو ُب اآلخرة كما قد رفع ُب‬
‫األوىل‪ ،‬سلم عليو ا‪٢‬بجر والشجر وحن إليو ا‪١‬بذع حٌب خار خوار البقر‪ ،‬ونبع ا‪٤‬باء من أصابعو ومن األرض‬
‫انفجر‪ ،‬وانشق لو القمر‪ ،‬و‪٤‬با دعا ربو أمنت األبواب وحوائط البيت والشجر وا‪٤‬بدر‪ ،‬وأشار بيده الشريفة‬
‫إىل السماء ابلغيث فاهنمل ا‪٤‬بمر‪ ،‬ىذا ىو نبيكم اي معشر من حضر‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬إف نبيكم دمحماً صلى‬
‫هللا عليو وسلم بلغ منزلة عند هللا م يبلغها نيب مرسل وال ملك مقرب‪ ،‬حٌب إف مواله سبحانو وتعاىل ليغار‬

‫‪32‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫عليو من أف يتكلم ُب مقامو الشريف ملسو هيلع هللا ىلص متكلم‪ٍ ،‬ب يتوىل الرد عليو ا‪٤‬بوىل سبحانو وتعاىل مباشرةً ببل‬
‫واسمة‪ ،‬والقرآف مليء بذلك‪ ،‬وىا ىي آايت هللا شاىدة على ما نقوؿ‪.‬‬

‫ومنها أنو ‪٤‬با قاؿ ا‪٤‬بشركوف ُب حق رسوؿ هللا‪ :‬اي أيها الذي نزؿ عليو الذكر إنك جملنوف أجاب هللا عنو عدوه‬
‫كذاب"‪ ،‬أجاب‬
‫بقولو‪ ":‬ف* والقلم وما يسمروف* ما أنت بنعمة ربك ٗبجنوف"‪ .‬و‪٤‬با قالوا‪ ":‬افَبى على هللا ً‬
‫تعاىل عنو فقاؿ‪ ":‬بل الذين ال يؤمنوف ابآلخرة ُب العذاب والضبلؿ البعيد"‪ .‬و‪٤‬با قالوا‪" :‬لست مرسبلً"‬
‫أجاب هللا عنو بقولو‪" :‬ي * والقرآف ا‪٢‬بكيم* إنك ‪٤‬بن ا‪٤‬برسلْب ‪ ".‬و‪٤‬با قالوا‪" :‬إان لتاركوا آ‪٥‬بتنا لشاعر‬
‫‪٦‬بنوف" أجاب هللا عنو بقولو‪ ":‬بل جاء اب‪٢‬بق وصدؽ ا‪٤‬برسلْب"‪ٍ ،‬ب توعدىم بقولو‪ ":‬إنكم لذائقوا العذاب‬
‫األليم"‪ .‬و‪٤‬با قالوا‪ :‬دمحم قبله ربو وتركو قاؿ‪ ":‬ما ودعك ربك وما قلى‪".‬‬

‫ىذا ىو اعتناء القرآف برسولكم وىذا ىو اتريخ رسولكم ُب كتاب ربكم ‪،‬فخربو ي بربكم ىل يوجد عند أمة‬
‫من األمم عدا أمة اإلسبلـ عظيم مثل رسولكم؟ كبل وألف كبل‪ ،‬فإف فضل رسوؿ هللا عند هللا ال يساويو‬
‫فضل نيب وال غّب‪ ...‬و﵁ در القائل‪:‬‬

‫مدحا فيو واحتكم‬


‫دع ما ادعتو النصارى ُب نبيهم**واحكم ٗبا شئت ً‬
‫فإف فضل رسوؿ هللا لي لو** حد فيعرب عنو انطق بفم‬

‫ولعل ما يوضح ذلك ما أخرجو الدارمي والَبمذي وأبو نعيم عن ابن عباس قاؿ‪ :‬جل انس من‬
‫أصحاب النيب ملسو هيلع هللا ىلص ينتظرونو فتذاكروا‪ ،‬فقاؿ بعضهم‪ :‬عجبًا إف هللا ا‪ٚ‬بذ من خلقو خليبلً فإبراىيم خليلو‪.‬‬
‫تكليما‪ .‬وقاؿ آخر‪ :‬فعيسى كلمة هللا وروحو‪ .‬وقاؿ آخر‪:‬‬ ‫وقاؿ آخر‪ :‬ماذا أبعجب من أنو كلم موسى ً‬
‫فآدـ اصمفاه هللا‪ .‬فخرج الرسوؿ ملسو هيلع هللا ىلص عليهم فقاؿ‪" :‬قد ‪٠‬بعت كبلمكم‪ ،‬إف إبراىيم خليل هللا وىو كذلك‪،‬‬
‫وموسى ‪٪‬بيو وىو كذلك‪ ،‬وعيسى روحو وكلمتو وىو كذلك‪ ،‬وآدـ اصمفاه هللا وىو كذلك‪ ،‬أال وأان‬
‫حبيب هللا وال فخر‪ ،‬وأان حامل لواء ا‪٢‬بمد يوـ القيامة ‪ٙ‬بتو آدـ فمن دونو وال فخر‪ ،‬وأان أوؿ شافع وأوؿ‬
‫مشفع يوـ القيامة وال فخر‪ ،‬وأان أوؿ من ٰبرؾ غلق ا‪١‬بنة وال فخر‪ ،‬يفتح هللا يل فأدخلها ومعي فقراء‬
‫ا‪٤‬بؤمنْب وال فخر‪ ،‬وأان أكرـ األولْب واآلخرين على هللا وال فخر"‪ .‬فما على أمة اإلسبلـ إال أف تفخر بو‬
‫على مدى األايـ والدىور‪ ،‬و‪ٛ‬بشي على منهجو وتسًب بسنتو‪ ،‬فهو أحق أف يتبع‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ‬
‫وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ،‬أعوذ اب﵁ من الشيماف‬
‫يم *فِإف‬ ‫وؿ ِمن أَن ُف ِس ُكم عزيز علي ِو ما عنتم حريص علي ُكم ِابلْم ِؤمنِْب رُؤ ٌ ِ‬
‫وؼ هرح ٌ‬ ‫ُ ََ‬ ‫ْ َ ٌ َْ َ َ ْ َ ٌ َْ‬ ‫الرجيم‪ ":‬ل َق ْد َجاءَ ُك ْم َر ُس ٌ ّ ْ‬
‫ب الْ َع ْر ِش الْ َع ِظي ِم "‪ .‬نفعِب هللا واايكم هبدي كتابو‬ ‫ِ‬
‫اّلَلَ ال إِلَوَ إِاله ُى َو َع ْليو تَ َػوك ْل ُ‬
‫ت َوُى َو َر ُّ‬ ‫يب هُّ‬
‫تَ َػو ْلوا فػ ُق ْل َح ْس َ‬

‫‪33‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫جعلِب من وإايكم من خلص احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي ولوالديكم‬
‫ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي أنعم على عباد ا‪٤‬بؤمنْب بنعم ال تعد وال ‪ٙ‬بصى‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحد ال‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو الذي اصمفي على ا‪٣‬بلق و٘بلى‪،‬‬ ‫شريك لو رب الدنيا واألخرى‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫اللهم صل وسلم على سيدان دمحم سيد السادات‪ ،‬وإماـ أىل السعادات‪ ،‬وعلى آلو أىل الوجاىات وعلى‬
‫أصحابو القادات‪ ..‬أما بعد‪ ،‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه ‪ ،‬واعلموا عباد‬
‫هللا أف هللا خصنا بنعم كثّبة ‪ٝ‬بة وواىل علينا نعمة ظاىرة وابطنة‪ ،‬ومن أعظم النعم بعد ا‪٥‬بداية لئلسبلـ أف‬
‫جعلنا من أتباع خّب األانـ‪ ،‬والنعمة البد ‪٥‬با من ‪ٞ‬بد على الدواـ‪ ،‬ومن ‪ٞ‬بدىا‪ :‬ا‪٢‬برص على االتباع ُب‬
‫ىاداي وبشّبا‪ ،‬والعلم أبف ما جاء بو من الشرع ا‪٢‬بنيف فيو الفوز والسعادة‪،‬‬‫سائر األخبلؽ ‪٤‬بن بعثو هللا لنا ً‬
‫والنجاة من الشقاوة‪ .‬فبل تغرنكم الدنيا بزخارفها‪ ،‬وال تنسينكم اآلخرة وما فيها من حساب وعقاب‪.‬‬
‫فاعملوا ‪٤‬با أنتم قادموف عليو‪ ،‬فأايـ الدنيا قبلئل واالنتقاؿ منها حاصل‪ ،‬والسعيد فيها من عمل لدينو‬
‫دائما االنتقاؿ إىل دار القرار‪ ،‬فيا سعادة أمة اإلسبلـ ٕببيب الر‪ٞ‬بن‪ ،‬واي فوز ‪٧‬ببو ُب كل‬‫واستقاـ وتذكر ً‬
‫وقت ومكاف‪ ،‬فهو ال ٱباؼ ‪٧‬بذورا وال ٱبشى غوائل الزماف‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .12‬روش تعط ِٓ حماسٓ ًصفاخ ادلصطفَ عٍيو اٌصالج اٌسالَ‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي جعل قلوب عباده ا‪٤‬بؤمنْب متعلقة ٕبب نبيها العظيم‪ ،‬وجعلو األسوة ا‪٢‬بسنة ‪٤‬بن‬
‫هنج على منهاجو من عباده السالكْب‪ ،‬أ‪ٞ‬بده سبحانو وتعاىل وأشكره والشكر واجب لو ُب كل حْب ‪،‬‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو سيد‬‫وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو رب العا‪٤‬بعْب ‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫األولْب واآلخرين‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آلو وأصحابو ا‪٥‬بداة ا‪٤‬بهديْب‪ ..‬أما بعد‪:‬‬
‫عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ٍ ،‬ب اعلموا أف خّب ما يظفر بو ا‪٤‬بسلم ُب سائر‬
‫أايمو األسوة ا‪٢‬بسنة الٍب تنّب لو السبيل‪ ،‬وأف أفضل قدوة وخّب أسوة ٯبد فيها ا‪٤‬بسلم ا‪٤‬بأمن ُب أشواط‬
‫حياتو ىي القدوة بسيد األولْب واآلخرين‪ ،‬لذلك قاؿ هللا تعاىل‪" :‬لقد كاف لكم ُب رسوؿ هللا أسوة حسنة‬
‫‪٤‬بن كاف يرجو هللا واليوـ اآلخر"‪ .‬قاؿ بعض ا‪٤‬بفسرين‪[ :‬أي ىبل اقتديتم بو وأتسيتم بشمائلو ففي ذلك‬
‫تبعا ‪٤‬با جئت بو"] فعلى‬
‫الربح العظيم‪ ،‬ألنو عليو الصبلة والسبلـ يقوؿ‪" :‬ال يؤمن أحدكم حٌب يكوف ىواه ً‬
‫اسا لو ُب حياتو‪ ،‬ألنو عليو الصبلة والسبلـ‬
‫ا‪٤‬بسلم الواعي أف ٯبعل مشائل ا‪٤‬بصمفى عليو الصبلة والسبلـ نرب ً‬
‫ىو ا‪٤‬بثل األعلى واإلنساف الكامل ُب ‪ٝ‬بيع أطوار حياتو‪ ،‬وىو حبيب الر‪ٞ‬بن أوجب هللا ‪٧‬ببتو على‬
‫ا‪٤‬بخلوقات كافة‪ ،‬لذلك جعلو هللا تعاىل رسوالً لسائر الثقلْب‪ ،‬ومن ىنا يظهر أف التأسي بشمائلو والبحث‬
‫عنها ومعرفتها أمر مهم لكل فرد من أفراد األمة؛ ألنو ا‪٤‬بثل األعلى كما أسلفنا ‪.‬وإذا أحب العبد أف يعرؼ‬
‫مشائل وأخبلؽ حبيبو عليو الصبلة والسبلـ على صورة اإل‪ٝ‬باؿ‪ ..‬فقد كاف خلقو القرآف يرضى لرضاه‬
‫ويسوط لسوطو‪ ،‬فهو هنج ر‪٠‬بو ألمتو لتحتذي بو وتقتفي أثره‪ .‬ولنأخذ مقتمفاؾ من ‪ٝ‬بلة أخبلقو نعرضها‬
‫على أنفسنا؛ لكي نتأسى هبا وال ننساىا‪ ،‬فقد كاف عليو الصبلة والسبلـ ال ينتقم لنفسو من أحد ممل ًقا‬
‫إال أف تنتهك ‪٧‬بارـ هللا فعندئذ ينتقم ﵁‪ .‬جذبو مرة أعرايب جذبةً قوية أثرؾ ُب عنقو الشريف ٍب قاؿ لو‪ :‬اي‬
‫دمحم أعمِب من ماؿ هللا الذي عندؾ‪ ،‬فماذا عمل معو عظيم العظماء وأكرـ الكرماء؟! التفت إليو الرسوؿ‬
‫مبتسما وأمر لو ٗبا أراد من ماؿ دوف أف يعنفو أو يقتص منو‪ .‬فأين العظماء من ىذا‬ ‫ً‬ ‫ا‪٢‬بليم األواه العظيم‬
‫ا‪٢‬بلم الواسع وا‪٣‬بلق الكرمي‪ .‬لقد غرست الر‪ٞ‬بة ُب طينتو فأصبح كلو ر‪ٞ‬بة [ر‪ٞ‬بة كلو وحزـ وعزـ ووقار‬
‫وعصمة وحياء]‪ ،‬كاف يسمع بكاء الصيب وىو ُب صبلتو فّبحم ولو أمو عليو فيوفف ُب صبلتو‪ .‬م تكن‬
‫الدنيا عنده تساوي شيئا و م يقتمف من زىرهتا و م أيس عليها؛ ألنو عاش ﵁ ومن أجل هللا و‪٥‬بداية‬
‫طعاما حٌب يربط‬
‫البشرية‪ ،‬فلم يضع لبنة على لبنة‪ ،‬وكانت ‪ٛ‬بر عليو الليلة والليلتاف والثبلث م يذؽ فيها ً‬

‫‪35‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫على بمنو ا‪٢‬بجر من ا‪١‬بوع؛ ألنو م يدخر منها شيئا لنفسو‪ ،‬أتت السيدة فاطمة اهنع هللا يضر إىل ا‪٤‬بصمفى عليو‬
‫الصبلة والسبلـ بكسرة خبز فقاؿ ‪٥‬با‪" :‬أما إنو أوؿ طعاـ دخل فم أبيك منذ ثبلثة أايـ"‪ .‬بل كانت أتتيو‬
‫‪ٝ‬بيعا‪ .‬وقد عرض‬‫األمواؿ المائلة فيقسمها بْب أصحابو وإذا بقي منها شيء م يدخل إىل داره حٌب ينفقها ً‬
‫عليو ربو أف تكوف ا‪١‬بباؿ لو ذىبا على لساف أحد مبلئكتو فقاؿ قولتو العظيمة الٍب تبْب منهجو ُب ىذه‬
‫ا‪٢‬بياة لكي تنتهجو أمتو من بعده‪ :‬إف الدنيا دار من ال دار لو‪ ،‬وماؿ من ال ماؿ لو‪ ،‬ٯبمعها من ال عقل‬
‫لو"‪ .‬فأين ُب الناس من يعي ذلك؟! وأين من ٰبرص على ‪ٝ‬بع ا‪٢‬بماـ من حبلؿ وحراـ؟! أفبل يكوف لو من‬
‫قولو عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬ٯبمعها من ال عقل لو"‪ :‬من مزدجر يزجره عن تكديسو للثروة وعدـ إنفاقها‬
‫ُب وجوه الرب وا‪٣‬بّب وىو بْب عشية وضحاىا سوؼ يَبكها وعليو حساب ما ‪ٝ‬بع وأوعى؟! لقد كاف عليو‬
‫الصبلة والسبلـ مثاالً للتواضع فلم يكن لو بْب أصحابو ‪٦‬بل ‪٨‬بصص ال ٯبل إال فيو كصنيع العظماء‪،‬‬
‫بعضا من مشائلو فتقوؿ ‪ [:‬م‬ ‫بل كاف ٯبل حيث ينتهي بو اجملل ‪ .‬تصفو أـ ا‪٤‬بؤمنْب عائشة اهنع هللا يضر مبينة ً‬
‫متفحشا‪ ،‬وال صوااب ُب األسواؽ‪ ،‬وال ٯبزي ابلسيئة السيئة‪ ،‬ولكن يعفو ويصفح] ‪.‬ويصفو‬ ‫ً‬ ‫فاحشا وال‬
‫يكن ً‬
‫خادمو أن هنع هللا يضر مبينًا معاملتو مع الودـ فيقوؿ‪[ :‬خدمت رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص عشر سنْب فما قاؿ يل أؼ قط‬
‫_أي م ينهره على شيء فعلو قط_ ويقوؿ‪ :‬وما قاؿ لشيء صنعتو م صنعتو‪ ،‬وال لشيء تركتو م تركتو]‪.‬‬
‫تلكم اي عباد هللا ىي بعض من الشمائل العظيمة الكرٲبة وا‪٤‬بثل الرفيعة الٍب يضرهبا الرسوؿ الكرمي الرحيم‬
‫ألمتو لتكوف ‪٥‬با بو األسوة ا‪٢‬بسنة‪ ،‬وىي خّب ما ٯبب أف يذكره الناس إىل األبد ‪،‬فاحرصوا اي عباد هللا على‬
‫التشبو هبذه الشمائل‪ ،‬ففي ذلك الفبلح والنجاح وسعادة العاجلة والعقىب‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ وبقولو‬
‫يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ :‬أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬ومن‬
‫يمع هللا ورسولو فأولئك مع الذين أنعم هللا عليهم من النبيْب والصديقْب والشهداء والصا‪٢‬بْب وحسن‬
‫أولئك رفيقا * ذلك الفضل من هللا وكفى اب﵁ عليما‪ ".‬نفعِب هللا وإايكم هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من‬
‫خلص احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل‬
‫ذنب فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الويل ا‪٢‬بميد‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو التواب الرحيم‪ ،‬وأشهد أف‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو صاحب ا‪٣‬بلق العظيم والنهج السديد‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم الرؤوؼ‬
‫سيدان ً‬

‫‪36‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫الرحيم وعلى آلو وصحبو ا‪٤‬بقتفْب آرار النيب العظيم‪ ..‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا‬
‫هللا تعاىل وأطيعوه‪ .‬عباد هللا‪ ،‬لقد درج السلف الصاّب على إشاعة ونشر سّبة الرسوؿ العظيم وبثها ُب‬
‫أوساط األسر وا‪١‬بماعات لكي يتهذب عليها الناشئة ويشب عليها الصغار ‪،‬فاحرصوا على ذلك‬
‫وأوضحوا مسالك السّبة لكي تنعم األمة ابألخبلؽ الفاضلة وتسمو ابلصفاؾ العالية ‪.‬‬

‫ٍب اعلموا عباد هللا أف هللا أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪ ،‬فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً‬
‫حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا تسليماً "‪.‬اللهم صل‬
‫وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ خصوصا منهم ذوي‬
‫ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى سائر الصحب‬
‫الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ وا‪٤‬بسلمْب‪،‬‬
‫اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف هللا أيمر‬
‫ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف فاذكروا هللا‬
‫العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .13‬اٌسعيذ ِٓ اعررب مبشًس اٌضِاْ‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ ا‪٢‬بي القيوـ على مر األايـ والشهور والدىور‪ ،‬أ‪ٞ‬بده سبحانو ويعلم خائنة األعْب وما‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو شفيع‬‫‪ٚ‬بفي الصدور‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫ا‪٤‬بوحدين يوـ النشور‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم وعلى آلو وصحبو والتابعْب عدد األايـ والشهور‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم وإايي بتقوى هللا فإف فيها سعادة الدارين‪ ،‬واعلموا عباد هللا أنو بْب السهر‬
‫واللهو والغفلة ‪ٛ‬بضي األايـ والشهور وتنصرـ الدىور دوف حصيلة للمرء من دنياه يعتد هبا ليوـ النشور" يوـ‬
‫ال ينفع ماؿ وال بنوف*إال من أتى هللا بقلب سليم"‪ .‬فيخسر فرصة العمر ا‪٤‬بديد الٍب وىبو هللا إايىا فأضاعها‬
‫معرضا عن العمل ‪٤‬با يسعد بو ُب عقباه وتكوف وابالً عليو وحسرةً‪ ،‬وىيهات أف ٘بدي ا‪٢‬بسرة "يوـ ٘بزى‬ ‫ً‬
‫يوما ترجعوف فيو إىل هللا‬
‫كل نف ٗبا كسبت"‪ .‬ولقد وجو ا‪٤‬بوىل سبحانو األنظار إىل ذلك ُب قولو‪ ":‬واتقوا ً‬
‫ٍب توَب كل نف ما كسبت وىم ال يظلموف"‪ .‬وحذر سبحانو من السهر واللهو والغفلة عن هللا ومرور أايـ‬
‫ا‪٢‬بياة دوف عمل يعتد بو ا‪٤‬برء ُب عقباه فقاؿ تعاىل‪ ":‬اي أيها الذين أمنوا اتقوا هللا ولتنظر نف ما قدمت‬
‫لغد واتقوا هللا إف هللا خبّب ٗبا تعملوف*وال تكونوا كالذين نسوا هللا فأنساىم أنفسهم أولئك ىم الفاسقوف"‪.‬‬
‫دوما ابلرحيل وتعمي الصورة الواضحة‬ ‫وإف من عرب الزماف الٍب تكوف على الدواـ ُب أايمو ولياليو والٍب تذكر ً‬
‫للمصّب ا﵀توـ‪ :‬حشود ا‪٤‬بوتى الٍب نقدمها ُب كل يوـ‪ ،‬قد فارقوا األىل والداير وا‪٤‬بتع واللهو والغفلة وىم بْب‬
‫شيوخ وشباب وأطفاؿ ونساء من كل من انقضى أجلو كما قاؿ تعاىل‪ ":‬كل من عليها فاف*ويبقى وجو‬
‫منبها ألخذ العربة ويدير الفكرة‬
‫ربك ذو ا‪١‬ببلؿ واإلكراـ"‪ .‬وىذه ا‪٤‬بشاىد ‪٩‬با ٘بعل انقوس الذكرى يدؽ ً‬
‫نذيرا ابنقضاء اآلجاؿ‪ .‬خمب ا‪٣‬بليفة عمر بن عبد‬ ‫النتهاء الفرصة‪ -‬فرصة العمر‪ -‬إذ أف ُب انقضاء األايـ ً‬
‫معادا ينزؿ‬
‫العزيز ‪-‬ر‪ٞ‬بو هللا‪ُ -‬ب آخر خمبة خمبها فقاؿ‪[ :‬إنكم م ‪ٚ‬بلقوا عبثًا ولن تَبكوا سدى‪ ،‬وإف لكم ً‬
‫هللا فيو للفصل بْب عباده فقد خاب وخسر من خرج من ر‪ٞ‬بة هللا الٍب وسعت كل شيء‪ ،‬أال تروف أنكم ُب‬
‫ائحا إىل هللا قد قضى ‪٫‬ببو فتودعونو‪،‬‬‫غادأي ور ً‬
‫عداد ا‪٥‬بالكْب وسّبثها بعدكم الباقوف‪ ،‬وُب كل يوـ تشيعوف ً‬
‫وتدعونو ُب حفرة من األرض غّب موسد وال ‪٩‬بهد‪ ،‬قد خلع األسباب وفارؽ األحباب وسكن الَباب وواجو‬
‫فقّبا إىل ما أسلف‪ ،‬فاتقوا هللا عباد هللا وإ ي ألقوؿ لكم ىذه ا‪٤‬بقالة وما أعلم‬
‫ا‪٢‬بساب‪ ،‬غنيًا عما خلف ً‬
‫عند أحد من الذنوب أكثر ‪٩‬با عندي ولكن استغفر هللا وأتوب إليو‪ٍ ،‬ب رفع طرؼ ردائو وبكى حٌب شهق‬
‫ٍب نزؿ فما عاد إىل ا‪٤‬بنرب حٌب مات ر‪ٞ‬بو هللا]‪ .‬ذلكم اي عباد هللا ىو هنج الراشدين ا‪٤‬بهتدين‪٥ ،‬بم ُب كل‬

‫‪38‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫شيء من ا‪٢‬بياة عربة هتمل ‪٥‬با العربة‪ ،‬و‪٥‬بم ُب انقضاء األايـ حافز الغتناـ الفرصة فرصة العمر الذي جعلو‬
‫هللا ‪٦‬باالً واسعاً كالزارع ا‪٢‬باذؽ الذي ال يضيع فرصةً للبذر ُب مو‪٠‬بو ليحصد يوـ ا‪٢‬بصاد ‪ٜ‬بار زرعو وليغتبط‬
‫بعظيم إنتاجو ويعيش قرير العْب‪ .‬نقل عن ا‪٢‬بسن البصري ر‪ٞ‬بو هللا تعاىل قولو‪ [:‬ما من يوـ ينشق فجره إال‬
‫اندى مناد من قبل ا‪٢‬بق‪ :‬اي بن آدـ أان خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مِب بعمل صاّب فإ ي ال‬
‫أعود إىل يوـ القيامة] فاتقوا هللا عباد هللا واغتنموا فرص ىذه ا‪٢‬بياة ‪٢‬بياة اآلخرة وليكن لكم من الزمن عربة‬
‫و‪٦‬باؿ للتذكرة ابنقماع األجل‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف أعوذ اب﵁ من الشيماف‬
‫الرجيم‪ ":‬أو م يهد ‪٥‬بم كم أىلكنا من قبلهم من القروف ٲبشوف ُب مساكنهم إف ُب ذلك آلايت أفبل‬
‫يسمعوف"‪ .‬ابرؾ هللا يل ولكم ُب القرآف العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم أقوؿ قويل‬
‫ىذا وأستغفر هللا يل ولكم فاستغفروه إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي وفق عباده ا‪٤‬بؤمنْب للتذكر واالعتبار وىداىم صراطاً مستقيماً وطريقاً منّباً وأشهد‬
‫أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو وأشهد أف سيدان ونبينا دمحماً عبده ورسولو أرسلو هللا للعا‪٤‬بْب بشّباً‬
‫ونذيراً‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم وعلى آلو وأصحابو الذين وقاىم هللا شر‬
‫ذلك اليوـ ولقاىم نضرة وسروراً‪ ،‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪.‬‬
‫أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬إف العاقل اللبيب وا‪٢‬بازـ األريب ىو الذي ٯبعل أعظم اشتغالو وجل أوقاتو ُب عمارة آخرتو‬
‫والتزود ‪٤‬بعاده‪ ،‬قاؿ عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬الدنيا سجن ا‪٤‬بؤمن وجنة الكافر"‪ .‬فمن أضاع أايمو ولياليو ُب‬
‫اللهو والغفلة شتت هللا عليو أمره وفرؽ عليو ضيعتو وجعل فقره بْب عينيو‪ ،‬ومن اتقى هللا واعترب ابألايـ‬
‫والسنْب فقد وعده هللا ابألجر العظيم وا‪٣‬بّب ا‪١‬بسيم قاؿ تعاىل‪" :‬ومن يتق هللا يكفر عنو سيئاتو ويعظم لو‬
‫أجرا "‪.‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪ ،‬فقاؿ ‪٨‬برباً‬
‫عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا تسليماً‬
‫"‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ خصوصا‬
‫منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى سائر‬
‫الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬

‫‪39‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .14‬اٌرحزيش ِٓ اٌشحناء ًاٌثغعاء‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي أمر عباده ا‪٤‬بؤمنْب ابلصلة واإلحساف وا﵀بة واإلخاء‪ ،‬فقاؿ عز من قائل "إ٭با‬
‫ا‪٤‬بؤمنوف إخوة"‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو‪ ،‬اللهم‬
‫صل وسلم على سيدان دمحم الماىر ا‪٤‬بمهر‪ ،‬وعلى آلو وأصحابو ومن تبعهم على األثر‪ ..‬أما بعد‪ ،‬عباد هللا‬
‫أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬وا‪٠‬بعوا لقولو عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬ال ‪ٙ‬باسدوا وال‬
‫تناجشوا وال تباغضوا وال تدابروا وال يبع بعضكم على بيع بعض‪ ،‬وكونوا عباد هللا إخواان‪ ،‬ا‪٤‬بسلم أخو‬
‫ا‪٤‬بسلم‪ ،‬ال يظلمو وال ٱبذلو وال ٰبقره‪ ،‬التقوى ىاىنا –وأشار إىل صدره ملسو هيلع هللا ىلص‪ٕ ،-‬بسب امرئ من الشر أف‬
‫ٰبقر أخاه ا‪٤‬بسلم‪ ،‬كل ا‪٤‬بسلم على ا‪٤‬بسلم حراـ دمو ومالو وعرضو"ٔ‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلم‪ ،‬اغسل قلبك من دن‬
‫الشحناء على إخوانك ا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬فإنو ال ينجو من عذاب هللا األليم إال من أتى هللا بقلب سليم‪ ،‬واعلم أف‬
‫أبغض خلق هللا إىل هللا األلد ا‪٣‬بصم‪ ،‬وعنو ملسو هيلع هللا ىلص أنو قاؿ‪ " :‬دب اليكم داء االمم قبلكم‪ ،‬ا‪٢‬بسد والبغضاء‪،‬‬
‫والبغضاء ىي ا‪٢‬بالقة‪ ،‬ال أقوؿ ‪ٙ‬بلق الشعر ولكن ‪ٙ‬بلق الدين‪ ،‬والذي نفسي بيده ال تدخلوا ا‪١‬بنة حٌب‬
‫تؤمنوا وال تؤمنوا حٌب ‪ٙ‬بابوا‪ ،‬أفبل أنبئكم ٗبا يثبت ذلك لكم ؟ ‪ -‬أو أال أدلكم على عمل ‪...‬؟‪ -‬أفشوا‬
‫السبلـ بينكم"ٕ‪ .‬وإايؾ ٍب إايؾ أف تسمع كبلـ إخواف الشياطْب من النمامْب؛ فإف النماـ ال يرح رائحة‬
‫ا‪١‬بناف‪ ،‬وُب ا‪٢‬بديث‪" :‬خيار أمٍب الذين إذا رؤوا ذكر هللا‪ ،‬وشرار أمٍب ا‪٤‬بشاؤوف ابلنميمة‪ ،‬ا‪٤‬بفرقوف بْب‬
‫األحبة‪ ،‬الباغوف للربآء العيب"‪ .‬واسع ما أمكنك ُب إزالة العداوة من قلبك وقلب أخيك‪ ،‬واستعن اب﵁ ٍب‬
‫اب‪٤‬بؤمنْب ا‪٤‬بخلصْب القاصدين إبصبلحهم وجو هللا الكرمي‪ ،‬وبشرىم بثواب عظيم يزيد على ثواب من أفُب‬
‫عمره ُب صبلة وصياـ وصدقة قاؿ ملسو هيلع هللا ىلص‪" :‬أال أخربكم أبفضل من درجة الصياـ والصبلة والصدقة"‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫بلى اي رسوؿ هللا‪ ،‬قاؿ‪ :‬إ"صبلح ذات البْب‪ ،‬وفساد ذات البْب ا‪٢‬بالقة"‪" ،‬ال خّب ُب كثّب من ‪٪‬بواىم إال‬
‫من أمر بصدقة أو معروؼ أو إصبلح بْب الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات هللا فسوؼ نؤتيو أجراً‬
‫عظيماً"‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلم‪ ،‬سامح من ظلمك من ا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬وأعط من حرمك‪ ،‬وصل من قمعك؛ فإف هللا‬
‫وعدؾ أجراً ال يبلغو بصياـ وال بصبلة وال ٕبج وال بزكاة‪" ،‬فمن عفى وأصلح فأجره على هللا"‪ ،‬ولك مع‬
‫ىذا أنو ال يبقى لك ُب الدنيا عدو من أجل الدنيا وال خصيم "وال تستوي ا‪٢‬بسنة وال السيئة ادفع ابلٍب‬

‫ٔ رواه مسلم‬
‫ٕ رواه الَبمذي وأ‪ٞ‬بد‬

‫‪41‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫ىي أحسن فإذا الذي بينك وبينو عداوة كانو ويل ‪ٞ‬بيم* وما يلقاىا إال الذين صربوا وما يلقاىا إال ذو حظ‬
‫عظيم*وإما ينزغنك من الشيماف نزغ فاستعذ اب﵁ إنو ىو السميع العليم"‪ .‬وعنو ملسو هيلع هللا ىلص‪" :‬إذا وقف العباد‬
‫للحساب اندى مناد‪ ،‬ليقم من أجره على هللا فليدخل ا‪١‬بنة‪ ،‬قيل‪ :‬ومن ذا الذي لو على هللا أجر؟ قاؿ‬
‫العافوف عن الناس‪ ،‬فيقوـ كذا وكذا ألفاً فيدخلوهنا بغّب حساب"ٔ‪ .‬فاتقوا هللا عباد هللا‪ ،‬واسعوا إىل‬
‫مرضات هللا‪ ،‬وكونوا مفاتيح للخّب مغاليق للشر كما أمركم هللا‪ ،‬واحذروا من اإلضرار اب‪٤‬بسلمْب وإيذائهم‬
‫والتعرض ‪٥‬بم ٗبا يسوؤىم‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁‬
‫ْب َجَزاء ِٗبَا‬ ‫ُخ ِفي َ‪٥‬بُم ِّمن قػُهرةِ أ َْع ُ ٍ‬
‫من الشيماف الرجيم‪ ،‬أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬فبل تَػ ْعلَ ُم نػَ ْف ٌ هما أ ْ َ‬
‫هات‬ ‫اس ًقا ّال يستَػوو َف*أَهما اله ِذين آمنُوا وع ِملُوا ال ه ِ ِ‬ ‫َكانُوا يػعملُو َف*أَفَمن َكا َف م ْؤِمنًا َكمن َكا َف فَ ِ‬
‫صا‪٢‬بَات فَػلَ ُه ْم َجن ُ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬
‫يل‬ ‫الْمأْوى نػُزال ِٗبا َكانُوا يػعملُو َف*وأَهما اله ِذين فَس ُقوا فَمأْواىم النهار ُكلهما أَرادوا أَف َٱبْرجوا ِمْنػها أ ُِع ُ ِ ِ‬
‫يدوا ف َيها َوق َ‬ ‫ُُ َ‬ ‫َ َ َ َ ُُ ُ َ َ ُ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ََ ُ َ‬
‫اب األَ ْك َِرب لَ َعله ُه ْم‬ ‫َ‪٥‬بُم ذُوقُوا َع َذاب النها ِر اله ِذي ُكنتُم بِِو تُ َك ِّذبو َف*ولَنُ ِذي َقنػههم ِمن الْع َذ ِ‬
‫اب األ َْد َىن ُدو َف الْع َذ ِ‬
‫َ‬ ‫ُْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ْب ُمنتَ ِق ُمو َف"‪ .‬ابرؾ هللا يل ولكم ُب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫*وَم ْن أَظْلَ ُم ‪٩‬بهن ذُ ّكَر ِِب َايت َربِّو ٍبُه أ َْعَر َ‬
‫ض َعْنػ َها إِ هان م َن الْ ُم ْج ِرم َ‬ ‫يَػ ْرجعُو َف َ‬
‫القرآف العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم أقوؿ قويل ىذا وأستغفر هللا يل ولكم‬
‫فاستغفروه إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي يسّب األزماف ويدبر األكواف‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو الواحد‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو سيد اإلن وا‪١‬باف‪ ،‬اللهم صل وسلم على عبدؾ ورسولك‬ ‫ا‪٤‬بناف‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫سيدان دمحم سيد ولد عدانف‪ ،‬وعلى آلو وصحبو ما توالت األايـ وتعاقب الزماف‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪،‬‬
‫أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬قاؿ ا‪٤‬بصمفى عليو الصبلة والسبلـ‪:‬‬
‫"ال ضرر وال ضرار"ٕ‪ ،‬من أجل ذلك فإف اإلسبلـ ٰبرـ على ا‪٤‬بؤمن أف يكوف مصدر شر وإفساد وإيذاء‬
‫لعباد هللا‪ ،‬ويفرض عليو أف يكوف من مفاتيح ا‪٣‬بّب‪ ،‬وأف يعيش بْب الناس نظيف الضمّب‪ ،‬نظيف اليد‬
‫واللساف‪ ،‬يقوؿ عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬إف ىذا ا‪٣‬بّب خزائن ولتلك ا‪٣‬بزائن مفاتيح‪ ،‬فموىب لعبد جعلو هللا‬
‫مفتاحاً للخّب مغبلقاً للشر‪ ،‬وويل لعبد جعلو هللا مفتاحاً للشر مغبلقاً للخّب"‪ .‬فكل من جلب ألخيو‬

‫ٔ رواه ابن مردويو والبيهقي ُب شعب اإلٲباف‬


‫ٕ رواه ابن ماجو‬

‫‪42‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫ا‪٤‬بسلم أو للمسلمْب من خّب أو أعاف ‪٧‬بتاجاً على قضاء حاجتو أو بلغ حاجة إنساف لوالة األمر أو تشفع‬
‫ُب قضاء حاجة إنساف عند سلماف أو أصلح بْب اثنْب متخاصمْب أو سعى إل‪ٟ‬باد فتنة وعدـ وقوع قميعة‬
‫فذاؾ إنساف وعده النيب ملسو هلآو هيلع هللا ىلص بموىب وىي ا‪١‬بنة‪ ،‬يقوؿ عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬من ضار مسلماً ضاره هللا‪،‬‬
‫ومن شاؽ مسلماً شق هللا عليو"ٔ‪ ،‬وحسبكم بذلك اي عباد هللا خسارة لي ‪٥‬با من تعويض‪ .‬فاتقوا هللا‬
‫عباد هللا‪ ،‬وحذار من التجِب على عباد هللا؛ فإف ُب ذلك فساد العاجلة واآلخرة‪ ،‬وقابلوا كل إساءة إبحساف‬
‫منتظرين لفضل الواحد الدايف‪.‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫ٔ رواه الَبمذي ابن ماجو‬

‫‪43‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .15‬اٌمٍة اٌسٍيُ ًأثشه عٍَ صاحثو‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ مقلب القلوب واألبصار‪ ،‬أ‪ٞ‬بده سبحانو وأسألو االستقامة واالدكار‪ ،‬وأشهد أف ال إلو‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو النيب ا‪٤‬بختار‪ ،‬اللهم صل‬
‫إال هللا وحده ال شريك لو الرب ا‪١‬ببار‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آلو األبرار‪ ،‬وأصحابو األخيار‪ ،‬والتابعْب ومن تبعهم ما تعاقب الليل‬
‫والنهار‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا وأطيعوه‪ ،‬واعلموا أف ا‪٤‬بصمفى صلى هللا‬
‫عليو وسلم يقوؿ‪ ":‬أال إف ُب ا‪١‬بسد مضغة إذا صلحت صلح ا‪١‬بسد كلو وإذا فسدت فسد ا‪١‬بسد كلو أال‬
‫وىي القلب "‪ .‬وىذا إخبار من الصادؽ ا‪٤‬بصدوؽ سبيق لتوجيهنا ‪٫‬بن ا‪٤‬بسلمْب وحثنا على حفظ قلوبنا‬
‫و‪ٞ‬بايتنا ووقايتها من األخمار‪ ،‬وإف القلب ىو مصدر سعادة اإلنساف أو شقاوتو ومنو تنبعث حياتو‬
‫الروحية أو موتو ا‪٤‬بعنوي ا‪١‬بدير أبف ٰبث على ‪ٞ‬بايتو وحفظو‪ ،‬ومع األسف أننا معشر ا‪٤‬بسلمْب اليوـ أو‬
‫معظمنا فرطنا ُب ىذه الناحية‪ ،‬وأقو‪٥‬با بكل مرارة فلم نعط قلوبنا ما تستحقو من ‪ٞ‬باية و م ‪٫‬بمها بسياج‬
‫اإلٲباف الكامل فوقعنا ُب شر ما وقع فيو من قبلنا‪ ،‬أعظم داىية وأخمر داء وأضر صفقة أال وىو فقداف‬
‫اإلحساس الروحي وموت الضمائر ا‪٤‬بعنوي الذي غمى القلوب وراف عليو فأصبحت كا‪٢‬بجارة أو أشد‬
‫قسوة ال تتأثر أبية موعظة مهما كانت وال تستجيب لنداء اإلسبلـ إال من رحم هللا‪ ،‬وأعِب ابالستجابة‪:‬‬
‫االستجابة العملية ألحكاـ اإلسبلـ‪ ،‬وإال فما معُب قياـ الراب والتعامل بو ُب أصقاع ببلد ا‪٤‬بسلمْب؟ وما‬
‫ا‪٤‬بربر النتشار الفواحش كالزان وشرب ا‪٣‬بمور وتعاطي ا‪٤‬بخدرات وأكل الرشاوي والتعامل ُب ا‪٤‬بعامبلت‬
‫الفاسدة والغش ُب ا‪٤‬بعاملة وانتشار األحقاد واإلحن وا‪٢‬بسد والبغض ُب كثّب من بلداف ا‪٤‬بسلمْب حٌب‬
‫عمت وطمت ساحاهتا ودورىا‪ ،‬وال غرو أيها ا‪٤‬بسلموف فأنتم اليوـ تشاىدوف وتسمعوف آايت هللا الٍب لو‬
‫دموعا‬
‫قلواب وال تسيل ً‬ ‫متصدعا من خشية هللا تسمعوهنا تتلى فبل ‪ٙ‬برؾ ً‬
‫ً‬ ‫خاشعا‬
‫ً‬ ‫أنزلت على جبل لرأيتموه‬
‫وال تنهى عن غي إال من شاء هللا لو ا‪٥‬بداية والصبلح‪ ،‬وتشاىدوف يد ا‪٤‬بنوف ‪ٚ‬بمف أرواح الكثّب من البشر‬
‫ُب كل آونة من بْب ظهرانينا بدوف إشعار أو سابق إنذار إذ يصبح أحدان ُب أهبى حلة وأروع منظر وٲبسي‬
‫بْب أطباؽ الثرى قد حيل بينو وبْب كل شيء نشاىد تداعي أمم الشر على اإلسبلـ من كل حدب‬
‫وصوب وغزوىم للعقائد واألخبلؽ وأحكاـ اإلسبلـ وغّب ذلك من ألواف الفًب الٍب كقمع الليل ا‪٤‬بظلم ومع‬
‫ذلكم واي لؤلسف كأف تلكم ا‪٤‬بشاىدات أمامنا سراب ال حقيقة لو أو أضغاث أحبلـ ال يتوقع ‪٥‬با أتويل‬

‫‪44‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫وال يفكر فيما ستتمحض عنو وتلده من شر‪ ،‬وسر ذلكم كلو مرض القلوب ا‪٤‬بزمن وعدـ شعورىا‬
‫ٗبسؤولياهتا وواجبها أماـ هللا‪ ،‬بل وأمنها من مكر هللا " فبل أيمن مكر هللا إال القوـ ا‪٣‬باسروف "‪.‬‬

‫يوما‬
‫عظيما تربز فيو الكامنات وتظهر فيو ا‪٢‬بقائق وتنكشف النيات‪ً ،‬‬ ‫يوما ً‬‫عباد هللا إف أمامكم ً‬
‫ينشر فيو لكل غادر لواء يقاؿ ىذه غدرة فبلف ابن فبلف‪" ،‬يوـ ال ينفع ماؿ وال بنوف* إال من أتى هللا‬
‫بقلب سليم"‪ .‬والقلب السليم الناجي صاحبو ىو الصحيح ا‪٤‬بمتلئ ٗبحبة هللا وإصبلحو وتعظيمو ا‪٤‬بَبجم‬
‫ابمتثاؿ أوامره واجتناب نواىيو وا‪٣‬بايل من كل شبهة تعارض دين هللا أو شهوة ‪ٛ‬بيل إىل ما حرـ هللا‪ .‬فاتقوا‬
‫هللا أيها ا‪٤‬بسلموف و٘بنبوا كل ما ٲبرض القلوب أو ٲبيتها وإف أكرب ‪٩‬برض وأعظم ‪٩‬بيت للقلوب ىو الصدود‬
‫عن ذكر هللا وعن استماع كتاب هللا وتدبره والعمل بو وهللا تعاىل يقوؿ‪ ":‬إ٭با ا‪٤‬بؤمنوف الذين إذا ذكر هللا‬
‫إٲباان وعلى رهبم يتوكلوف "‪.‬و‪٩‬با ٲبرض القلوب وقد ٲبيتها‬ ‫وجلت قلوهبم وإذا تليت عليهم آايتو زادهتم ً‬
‫ويقضي على إحساسها الصادؽ‪ :‬أكل ا‪٢‬براـ ومقارفة اآلراـ وهللا تعاىل يقوؿ‪ ":‬فلما زاغوا أزاغ هللا قلوهبم"‪.‬‬
‫وإليو يشّب ا‪٤‬بصمفى ويعلن ذلك ألمتو ويعلمهم أف موت القلب ومرضو بسبب ارتكاب ‪٧‬برـ أو االبتعاد‬
‫عن مأمور‪ ،‬ولذا يقوؿ‪" :‬إف العبد إذا أذنب ذنبًا نكتت ُب قلبو نكتة سوداء فإف اتب واستغفر زالت وإف م‬
‫يتب ٍب أذنب نكت نكتة أخرى حٌب يسود القلب فذلك الراف الذي قاؿ هللا فيو‪ ":‬كبل بل راف على قلوهبم‬
‫ما كانوا يكسبوف"‪ .‬أي‪ :‬ما يكسبوف من الذنوب واآلراـ‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‬
‫أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬اي أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء ‪٤‬با ُب الصدور وىدى‬
‫ور‪ٞ‬بة للمؤمنْب* قل بفضل هللا وبر‪ٞ‬بتو فبذلك فليفرحوا ىو خّب ‪٩‬با ٯبمعوف"‪ .‬ابرؾ هللا يل ولكم ُب القرآف‬
‫العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم أقوؿ قويل ىذا وأستغفر هللا يل ولكم فاستغفروه‬
‫إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي جعل اإلٲباف سبباً للسعادة والفبلح‪ ،‬وعنواانً لبلوغ ا‪٤‬بقاصد والنجاح‪ ،‬أ‪ٞ‬بده‬
‫سبحانو وتعاىل ‪ٝ‬بع مشل األمة ابإلٲباف وجعل ا‪٤‬بؤمنْب بو إخوة متحابْب‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال‬
‫شريك لو جعل اإلٲباف ممهراً للقلوب وسبباً لثبوت ا‪٥‬بداية واليقْب‪ ،‬وأشهد أف سيدان ونبينا دمحماً عبده‬
‫ورسولو أفضل ا‪٤‬بؤمنْب‪ ،‬وإماـ ا‪٤‬بتقْب‪ ،‬اللهم صل وسلم على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم سيد األولْب‬
‫واآلخرين‪ ،‬وعلى آلو وصحبو الذين صدقوا ُب إٲباهنم فنالوا العزة والفوز والنصر ا‪٤‬ببْب‪ ،‬وعلى التابعْب ‪٥‬بم‬

‫‪45‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ الدين‪ .‬أما بعد عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‬
‫وتدبرا وأكثروا من األعماؿ الصا‪٢‬بة فهي من‬
‫وأحيوا قلوبكم ونوروىا ابإلقباؿ على كتاب هللا عمبلً وتبلوة ً‬
‫أقوى العوامل ُب إرارة القلوب وىدايتها واستقامتها وهللا يقوؿ‪ ":‬والذين اىتدوا زادىم ىدى وآرارىم‬
‫تقواىم"‪ .‬وجالسوا األخيار الذين إذا رؤوا ذكر هللا تعاىل وقصروا األمل وزوروا القبور وتفكروا فيمن بْب‬
‫طياهتا وتوقعوا أننا إىل ما صاروا إليو صائروف وابدروا بذكر هللا وأكثروا من الصبلة والسبلـ على رسوؿ‬
‫هللا‪...‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .16‬احملافظح عٍَ حشِح ادلسٍُ‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي شرع ا‪٢‬ببلؿ وا‪٢‬براـ وبْب األحكاـ‪ ،‬وحذر من ارتكاب ا‪١‬برائم واآلراـ‪ ،‬وأشهد أف‬
‫ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو ا‪٤‬بلك العبلـ‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو سيد األانـ‪ ،‬اللهم صل‬
‫وسلم على سيدان دمحم مسك ا‪٣‬بتاـ‪ ،‬وعلى آلو مصابيح الظبلـ‪ ،‬وعلى أصحابو ا‪٣‬بّبة الربرة الكراـ‪ ،‬وعلى‬
‫التابعْب ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ الزحاـ‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ ،‬أوصيكم وإايي بتقوى هللا فاتقوا هللا‬
‫وأطيعوه‪ ،‬ومن طاعة هللا طاعة رسولو الذي قد جاء عنو أنو قاؿ‪" :‬كل ا‪٤‬بسلم على ا‪٤‬بسلم حراـ دمو ومالو‬
‫وعرضو"ٔ‪ ،‬فهذه ثبلث حرمات أ‪ٝ‬بعت الشرائع على ‪ٙ‬برٲبها‪ :‬وىي الدماء واألمواؿ واألعراض‪ .‬وأعظم ىذه‬
‫الثبلث‪ :‬حرمة الدـ؛ يقوؿ الرسوؿ عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬ال يزاؿ ا‪٤‬برء ُب فسحة من دينو ما م يصب دماً‬
‫حراماً"ٕ‪ ،‬فجرٲبة القتل أعظم ذنب بعد الشرؾ اب﵁؛ حٌب أف حرب األمة وتر‪ٝ‬باف القرآف سيدان عبد هللا بن‬
‫العباس رضي هللا عنهما أفٌب أبف قاتل ا‪٤‬بؤمن متعمداً ال تقبل لو التوبة وأف توبتو عند هللا ‪٧‬بجوبة‪ ،‬و‪٩‬با يدؿ‬
‫على عظيم قتل نف ا‪٤‬بؤمن بغّب حق ما ورد ُب ا‪٣‬برب‪" :‬إف قوماً من ا‪٤‬بسلمْب مروا ُب سفرىم ُب إحدى‬
‫ا‪٤‬بغارات والبيوت على رجل من ا‪٤‬بشركْب ومعو غنيمة لو‪ ،‬فسلم عليهم بتحية اإلسبلـ‪ ،‬فأمسك القوـ عن‬
‫قتلو‪ ،‬وعدا عليو أحدىم وىو ‪٧‬بلم بن جثامة وقد كاف بينو وبْب الرجل ذلك عداوة فقتلو وأخذ ما معو‪،‬‬
‫فلما رجعوا إىل ا‪٤‬بدينة أخربوا النيب عليو الصبلة والسبلـ فغضب عليو ملسو هلآو هيلع هللا ىلص وعاتبو عتاابً شديداً‪ ،‬فجثى ‪٧‬بلم‬
‫ذلك على ركبتو وبكى وقاؿ‪ :‬استغفر يل اي رسوؿ هللا‪ ،‬فقاؿ لو‪" :‬اذىب ال غفر هللا لك"‪ ،‬فمات بعد‬
‫سبعة أايـ فلما دفنوه م تقبلو األرض فلفظتو على ظهرىا‪ٍ ،‬ب دفنوه رانية فلفظتو ورالثة كذلك‪ ،‬فجعلوه بْب‬
‫جبلْب وضموا عليو اب‪٢‬بجارة وقاؿ ملسو هلآو هيلع هللا ىلص فيو‪" :‬إف األرض لتقبل من ىو شر من صاحبكم‪ ،‬ولكن أراد هللا‬
‫أف يريكم حرمة دـ ا‪٤‬بسلم"‪ .‬أما حرمة ا‪٤‬باؿ‪ :‬فبل ٰبل ‪٤‬بسلم من ماؿ أخيو إال ما أعماه إايه عن طيب نف‬
‫منو‪ ،‬فمن استحل ماؿ أخيو ا‪٤‬بسلم ولو رايالً واحداً فعذابو كبّب وإ‪ٜ‬بو عظيم‪ ،‬قاؿ رسوؿ هللا صلى هللا عليو‬
‫وآلو وسلم‪" :‬من اقتمع حق امرئ مسلم بيمينو فقد أوجب هللا لو النار وحهرـ عليو ا‪١‬بنة" فقاؿ رجل‪ :‬وإف‬
‫كاف شيئاً يسّباً اي رسوؿ هللا؟ قاؿ‪ :‬وإف كاف قضيباً من أراؾ ‪ -‬أي ولو كاف سواكاً‪ .ٖ"-‬و‪٩‬با يبْب خمورة‬
‫أخذ أمواؿ ا‪٤‬بسلمْب ‪-‬أي األمواؿ العامة ولو كانت للدولة‪ -‬ما رواه أبو رافع هنع هللا يضر حيث قاؿ‪ :‬كنت أمشي‬

‫ٔ رواه مسلم وأ‪ٞ‬بد‬


‫ٕ رواه البخاري‬
‫ٖ رواه مسلم‬

‫‪47‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫مع رسوؿ هللا ملسو هلآو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فمرران اب‪٤‬بقابر فسمعتو يقوؿ‪" :‬أؼ لك أؼ لك"‪ ،‬فقلت‪٤ :‬بن تقو‪٥‬با اي رسوؿ هللا؟‬
‫قاؿ لصاحب ىذا القرب‪" :‬بعثتو إىل بِب سا م ليجمع الزكاة فأكل منها ‪ٛ‬برة"‪ .‬عباد هللا‪ ،‬ىذا أكل ‪ٛ‬برة من‬
‫الزكاة فماذا حصل لو؟! يقوؿ عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬وإ ي أراىا اآلف قد اشتعلت عليو انراً أيكلها ُب‬
‫قربه"‪ .‬كل ذلك من أجل ‪ٛ‬برة أخذىا من ماؿ ا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬فكيف ٗبن أيخذ مئات اآلالؼ من ماؿ ا‪٤‬بصاّب‬
‫واألوقاؼ وغّبىا؟! "وال ‪ٙ‬بسنب هللا غافبلً عما يعمل الظا‪٤‬بوف إ٭با يؤخرىم ليوـ تشخص فيو األبصار"‪.‬‬
‫فا‪٢‬بذر ا‪٢‬بذر أيها ا‪٤‬بسلم من أخذ ماؿ أحد ظلماً؛ فإنو الظلم الذي ال يَبكو هللا حٌب ينصف للمظلوـ من‬
‫الظا م‪ .‬وأما حرمة العرض‪- :‬والعرض ىو شرؼ اإلنساف الذي يصاف‪ -‬وىو الذي يتساىل فيو الناس‬
‫ويقولوف ما لي ‪٥‬بم بو علم‪ ،‬ٯبرحوف أعراض الناس وينتهكوهنا وٰبسبونو ىيناً وىو عند هللا عظيم؛ وقد قاؿ‬
‫رسوؿ هللا ملسو هلآو هيلع هللا ىلص‪" :‬الراب بضع وسبعوف ابابً أدانه مثل أف ينكح الرجل أمو‪ ،‬وإف أرىب الراب ‪-‬أي أعظمو‪-‬‬
‫االستمالة ُب عرض ا‪٤‬بسلم"ٔ‪ .‬فليمهر اإلنساف ‪٦‬بلسو من الكبلـ على اآلخرين‪ ،‬وليكف لسانو عن أعراض‬
‫إخوانو ا‪٤‬بسلمْب‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من‬
‫الشيماف الرجيم‪ ،‬أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬ولقد خلقنا اإلنساف ونعلم ما توسوس بو نفسو و‪٫‬بن‬
‫أقرب إليو من حبل الوريد*إذ يتلقى ا‪٤‬بتلقياف عن اليمْب وعن الشماؿ قعيد*ما يلفظ من قوؿ إال لديو‬
‫رقيب عتيد"‪ .‬ابرؾ هللا يل ولكم ُب القرآف العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم أقوؿ‬
‫قويل ىذا وأستغفر هللا يل ولكم فاستغفروه إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ ويل ا‪٤‬بتقْب‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو ُب كل وقت وحْب‪ ،‬وأشهد أف‬
‫سيدان دمحماً عبده ورسولو سيد ا‪٤‬برسلْب‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم وعلى آلو وصحبو أ‪ٝ‬بعْب‪ .‬أما‬
‫بعد‪ :‬عباد هللا‪ ،‬اتقوا هللا حق تقاتو وال ‪ٛ‬بوتن إال وأنتم مسلموف‪ ،‬وا‪٠‬بعوا لقولو تبارؾ وتعاىل‪" :‬فإذا برؽ‬
‫البصر*وخسف القمر*و‪ٝ‬بع الشم والقمر*يقوؿ اإلنساف يومئذ أين ا‪٤‬بفر*كبل ال وزر*إىل ربك يومئذ‬
‫ا‪٤‬بستقر"‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلم‪ :‬كفى ابلقرآف واعظاً‪ ،‬وكفى اب‪٤‬بوت واعظاً‪ ،‬فإذا م يؤثر ُب إصبلح قلبك وإقبلعك‬
‫عن معاصي ربك فما الذي يؤثر ُب قلبك؟ وأي خّب يرجى فيك؟ وأي فبلح يَبقب منك؟ فتنبو اي‬
‫مسكْب ‪٤‬با حل بك واستيقظ من غفلتك‪ ،‬وأي مصيبة أعظم من مصيبة ىذه الغفلة الٍب أنت فيها؟ أما‬

‫ٔ رواه المربا ي‬

‫‪48‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫هنيت عن كسب األوزار؟ أما جاءؾ النيب ا‪٤‬بختار ‪٨‬برباً لك أنو لي بعد الدنيا من دار إال ا‪١‬بنة أو النار؟‬
‫فأين ا‪٤‬بهرب والفرار؟ "ففروا إىل هللا إ ي لكم منو نذير مبْب"‪ ،‬فروا من معاصيو إىل طاعتو‪ ،‬واتقوه ُب سائر‬
‫األوقات‪ ،‬وابدروا إىل ما أمركم بو ُب ‪ٝ‬بيع الساعات‪ ،‬فقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً وآمراً‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا تسليماً"‪ .‬اللهم‬
‫صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ خصوصا منهم‬
‫ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى سائر‬
‫الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .17‬اٌرحزيش ِٓ اٌغش ًاخلذاع‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي كرـ اإلنساف وهناه عن الغش وا‪٣‬بيانة ُب معاملتو ُب سائر أوقاتو و‪ٝ‬بيع حاالتو‪،‬‬
‫وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو ا‪٤‬بلك العبلـ‪ ،‬وأشهد أف سيدان ونبينا دمحماً عبده ورسولو أمران‬
‫بصدؽ ا‪٤‬بعاملة ُب األخذ والعماء وحثنا على اإلحساف‪ ،‬اللهم صل وسلم على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم‬
‫سيد اإلن وا‪١‬باف‪ ،‬وعلى آلو وصحبو ومن تبعهم إبحساف‪..‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ ،‬أوصيكم ونفسي بتقوى‬
‫هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬وا‪٠‬بعوا لقوؿ ا‪٢‬بق تبارؾ وتعاىل‪" :‬وقل اعملوا فسّبى هللا عملكم ورسولو‬
‫وا‪٤‬بؤمنوف وسَبدوف إىل عا م الغيب والشهادة فينبئكم ٗبا كنتم تعملوف"‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬إف اإلٲباف ىو‬
‫أساس النجاح وال يثمر إال العمل الصاّب‪ ،‬وكل إٲباف خبل عن صبلح العمل دؿ على عدـ وجود ذلك‬
‫اإلٲباف؛ ألف أعماؿ ا‪٤‬بسلم كلها من عبادات ومعامبلت مرتبمة إبٲبانو اب﵁ عز وجل وابليوـ اآلخر وىو‬
‫‪٧‬باسب على ما صدر منو‪ ،‬إف خّباً فخّب وإف شراً فشر‪ ،‬وىذا االعتقاد ينتج ا‪٤‬براقبة للمؤمن ُب كل تصرفاتو‬
‫حٌب تكوف وفق ما شرعو هللا؛ و‪٥‬بذا عُب اإلسبلـ أبمر ا‪٤‬بعاملة عناية ابلغة‪ ،‬وأرشد فئات ا‪٤‬بسلمْب إىل ما‬
‫ٯبب على كل فئة مراعاتو ومراقبتو‪ ،‬وما ينبغي أف يسلكوه ُب معامبلهتم مع إخواهنم‪ ،‬وجعل كل ذلك جزءاً‬
‫من دينهم‪ ،‬بل أفاد إىل أف ىذا ا‪١‬بزء ‪-‬أي ا‪٤‬بعاملة‪ -‬ىو ا﵀ك الذي يشهد لصادؽ اإلٲباف‪ ،‬ويربىن على‬
‫حسن اإلسبلـ؛ فعن أيب ىريرة هنع هللا يضر قاؿ‪ :‬مر رسوؿ هللا ملسو هلآو هيلع هللا ىلص على صربة طعاـ فأدخل يده فيها فنالت‬
‫أصابعو بلبلً‪ ،‬فقاؿ‪" :‬ما ىذا اي صاحب المعاـ؟" قاؿ‪ :‬أصابتو السماء اي رسوؿ هللا‪ ،‬قاؿ‪" :‬أفبل جعلتو‬
‫فوؽ المعاـ حٌب يراه الناس‪ ،‬من غشنا فلي منا"‪ .‬فالغش ُب ا‪٤‬بعاملة اي عباد هللا جرـ عظيم وذنب كبّب‪،‬‬
‫وصفة قبيحة وخصلة شنيعة‪ ،‬وخلة من خبلؿ النفاؽ وأمارة من أمارات ا‪٣‬بيانة وموت الضمّب والوجداف‪،‬‬
‫ٲبحق الربكة ويسيء السمعة وينزع الثقة ويوجب القميعة‪ ،‬وٯبلب على صاحبو ا‪٣‬بزي ُب ىذه الدار‪،‬‬
‫والعذاب األليم يوـ القرار‪ ،‬قاؿ عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬يؤتى يوـ القيامة أبانس معهم من ا‪٢‬بسنات كأمثاؿ‬
‫جباؿ هتامة حٌب إذا جيء هبم جعلها هللا ىباءً منثوراً‪ٍ ،‬ب يقذؼ هبم ُب النار"‪ ،‬فقيل‪ :‬اي رسوؿ هللا كيف‬
‫ذلك؟ قاؿ‪" :‬كانوا يصلوف ويزكوف ويصوموف وٰبجوف غّب أهنم كانوا إذا عرض ‪٥‬بم شيء من ا‪٢‬براـ أخذوه‬
‫فأحبط هللا أعما‪٥‬بم"‪ .‬وروي أف أاب ىريرة هنع هللا يضر مر بناحية ا‪٢‬برة فإذا إنساف ٰبمل لبناً يبيعو‪ ،‬فنظر إليو أبو‬
‫ىريرة فإذا ىو قد خلمو اب‪٤‬باء‪ ،‬فقاؿ أبو ىريرة‪ :‬كيف بك إذا قيل لك يوـ القيامة خلص ا‪٤‬باء من اللنب؟ أما‬
‫‪٠‬بعت ىذا القوؿ الشديد الرىيب من هللا تعاىل‪" :‬ويل للممففْب*الذين إذا اكتالوا على الناس‬

‫‪50‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫يستوفوف*وإذا كالوىم أو وزنوىم ٱبسروف*أال يظن أولئك أهنم مبعوثوف*ليوـ عظيم*يوـ يقوـ الناس لرب‬
‫العا‪٤‬بْب"‪ .‬قاؿ اإلماـ الغزايل ر‪ٞ‬بو هللا‪[ :‬يوقف التاجر يوـ القيامة مع كل رجل ابعو شيئاً وقفة‪ ،‬وٰباسب‬
‫على كل واحد ‪٧‬باسبة على عدد من عاملو]‪ .‬فوهللا اي عباد هللا ما تقدـ عامل خاف ُب عملو‪ ،‬وما ‪٪‬بح‬
‫صانع دل ُب صنعتو‪ ،‬وال ربح اتجر غش ُب ٘بارتو‪ ،‬وما ىي إال أايـ معدودة‪ٍ ،‬ب تنصرؼ عنو الناس‬
‫وتغلق ُب وجهو أبواب الربح وتذىب الربكة من عمل يده؛ فإف م ٰبصل لو شيء من ذلك وفتحت ُب‬
‫وجهو أبواب الربح دارت الدوائر على أوالده وذريتو من بعده‪ ،‬فعلى كل ذي صنعة وكل صاحب عمل أف‬
‫يكوف ‪٦‬بداً ُب صنعتو وعملو ومتقناً ورقيباً على نفسو؛ حٌب يميب كسبو وٰبل أجره وتنتظم أمور ا‪٢‬بياة‬
‫وتؤدى ا‪٤‬بصاّب بْب الناس كاملة؛ فما أشد حاجة اجملتمع إىل إخبلص الناس ُب أعما‪٥‬بم ومراقبة هللا ُب‬
‫سلوكهم؛ ليجتنب الناس الغش وا‪٣‬بداع ويقبلوا على العمل ٔبد ونشاط‪ .‬فاتقوا هللا عباد هللا‪ ،‬وكونوا ُب‬
‫عملكم ﵁ ‪٨‬بلصْب‪ ،‬وُب معامبلتكم مع الناس صادقْب‪ ،‬واتركوا التجاىل واإلٮباؿ‪ ،‬واستجيبوا لربكم‬
‫ليصرؼ عنكم ىذا ا‪٤‬بقت واإلذالؿ‪ ،‬وتباعدوا عن الغش وا‪٣‬بداع والتزوير؛ فإف عاقبة الغش شر مستمّب‪.‬‬
‫وصدؽ هللا حيث يقوؿ‪ ،‬وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ،‬أعوذ‬
‫اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬وأف لي لئلنساف إال ما سعى*وأف سعيو سوؼ يرى*ٍب ٯبزاه ا‪١‬بزاء األوَب*وأف‬
‫إىل ربك ا‪٤‬بنتهى"‪ .‬ابرؾ هللا يل ولكم ُب القرآف العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم‬
‫أقوؿ قويل ىذا وأستغفر هللا يل ولكم فاستغفروه إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .18‬تزي اٌنصيحح ٌألىً ًاألًالد ًذشتيريُ‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي أوجب على ا‪٤‬بؤمنْب وقاية أنفسهم وأىليهم من النار‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال‬
‫شريك لو الواحد القهار‪ ،‬وأشهد أف سيدان ونبينا دمحماً عبده ورسولو القائل ‪ ":‬كلكم راع وكلكم مسؤوؿ عن‬
‫رعيتو"ٔ‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم النيب ا‪٤‬بختار‪ ،‬وعلى آلو وأصحابو الربرة‬
‫األخيار‪ ،‬وعلى التابعْب ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ البعث والقرار‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي‬
‫بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬وا‪٠‬بعوا لقوؿ ا‪٢‬بق تبارؾ وتعاىل ‪" :‬اي أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم‬
‫وأىليكم انراً وقودىا الناس وا‪٢‬بجارة عليها مبلئكة غبلظ شداد ال يعصوف هللا ما أمرىم ويفعلوف ما‬
‫يؤمروف"‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬النار ‪٧‬برقة وبعيد قعرىا‪ ،‬وفظيعة وشديد حرىا‪ ،‬أوقد عليها ألف عاـ حٌب ا‪ٞ‬برت‬
‫وألف عاـ حٌب ابيضت وألف عاـ حٌب اسودت‪ ،‬فهي سوداء مظلمة‪ ،‬ال يمفأ ‪٥‬ببها وال يفَب عذاهبا‪ ،‬وقد‬
‫حذركم هللا ىذه النار وأنذركم عذاهبا‪ ،‬وبْب لكم أوصافها‪ ،‬وذكرىا ُب القرآف الكرمي ٗبا يقرب من مئة‬
‫وأربعْب مرة‪ .‬وُب اآلية السابقة نداء من هللا تعاىل للمؤمنْب أيمرىم فيو ابلوقاية من النار ألنفسهم وأىليهم؛‬
‫ُسر من اإلحن‬ ‫لعلمو سبحانو بسوء عاقبة الغفلة واإلٮباؿ عليهم رعاة ورعية‪ ،‬وما ٯبره على األنف واأل َ‬
‫والشرور العاجلة واآلجلة ‪ ،‬فعلى َم ْن َم ّن هللا عليو ابإلٲباف أف يقي نفسو وأىلو وأوالده حر النار ودركاهتا‪،‬‬
‫وأف ٰبوؿ بينها وبينهم قبل أف ٰبْب األجل ويقع اللوـ وتضيع الفرصة وال ينفع الندـ وال االعتذار‪ .‬عبد هللا‪:‬‬
‫إف ا‪٢‬بقوؽ ‪٥‬با حرمة عظيمة عند هللا عز وجل و‪٧‬بفوظة عنده ال تنسى وال تضيع حٌب تؤدى إىل أصحاهبا‪،‬‬
‫ولن ير‪ٞ‬بك يوـ القيامة ‪٨‬بلوؽ لو حق عندؾ حٌب ولو كاف أمك أو أابؾ أو زوجك أو ولدؾ أو أخاؾ؛‬
‫فحذار أف أتٌب يوـ القيامة وألحد عليك حق فيؤخذ لو من حسناتك فتخسر‪ ،‬أو يمرح عليك من سيئاتو‬
‫فتهلك‪ .‬وإف تضييع ا‪٤‬برء ‪٤‬بن يعوؿ كاؼ ألف يغمسو ُب اإلٍب وٯبعلو مديناً بْب يدي هللا تعاىل بعدة حقوؽ‬
‫منها‪ :‬أنو م ينصح ‪٤‬بن واله هللا أمرىم واسَبعاه عليهم وأقامو على مصا‪٢‬بهم الٍب من أٮبها‪ :‬اإلٲباف اب﵁‬
‫وطاعتو والعمل بكتابو وسنة رسولو ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬ومن قصر ُب نصيحتو قصر ُب دينو والريب‪ ،‬لقولو عليو الصبلة‬
‫والسبلـ‪" :‬الدين النصيحة"ٕ‪ .‬وُب الصحيحْب‪" :‬ما من عبد يسَبعيو هللا رعية ٍب م ٰبمها بنصحو إال م‬
‫يدخل ا‪١‬بنة"ٖ‪ .‬ومن أعظم الرعااي وأبرزىا‪ :‬األوالد بنيناً وبنااتً‪ ،‬فالواجب ‪٫‬بوىم من قبل اآلابء واألمهات‬

‫ٔ رواه البخاري ومسلم‬


‫ٕ رواه مسلم‬
‫ٖ متفق عليو‬

‫‪52‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫عظيم خمره جليل قدره؛ فيجب على اآلابء أف يدلوىم على ا‪٣‬بّب‪ ،‬وأف يوضحوا ‪٥‬بم مسالك ا‪٥‬بداية‪ ،‬وأف‬
‫يبذلوا ‪٥‬بم النصح واإلرشاد ُب سائر األوقات‪ ،‬فبل ينبغي لؤلب أف يغفل عن واجب الَببية ا‪٢‬بقيقية ‪٫‬بو‬
‫أبنائو‪ ،‬أو أف ٯبعلهم إبٮبالو ينحوف جانب ا‪٣‬بميئة أو يقعوف ُب ا‪٤‬بعصية؛ فإهنم إف فعلوا ذلك كاف شريكهم‬
‫ُب اإلٍب ألنو أضاع األمانة‪ .‬وقد ورد عنو ملسو هيلع هللا ىلص أنو قاؿ‪" :‬ا﵀سن شريك للمسيء إذا م ينهو عن إساءتو"‪.‬‬
‫ىذا ُب حق الصاحب مع صاحبو‪ ،‬فما ابلك ُب األب مع ابنو‪ ،‬وقد صرح عليو الصبلة والسبلـ بقولػػو‪:‬‬
‫"كفى اب‪٤‬برء إ‪ٜ‬باً أف يضيع من يعوؿ"ٔ‪ .‬وحسب األب إضاعة أف يضيع دين ابنو وىو ال يعلم‪ ،‬أو أف يهلك‬
‫وىو عنو غافل‪ ،‬وكما أنو ٯبدر ابألب أف يسعى ُب تعليم ابنو التعاليم الدنيوية‪ ،‬ويرقى بو إىل أعلى‬
‫عضوا مرموقاً ُب اجملتمع فيشكر األب على ذلك‬‫الدرجات والشهادات الٍب تنفعو ُب أمر دنياه؛ ليتخرج هبا ً‬
‫فتكوف لو مفخرة أماـ الناس‪ ،‬وكذلك كاف ح ًقا ولز ًاما على األب أف ٯبعل ابنو مفخرة لو أماـ مواله بغرس‬
‫تعاليم الدين وسّبه ا‪٤‬بستقيم وتقييده ابلسنة وا﵀افظة على اآلداب اإلسبلمية واألمور الشرعية‪ ،‬وقد قاؿ‬
‫تعاىل لنبيو ُب ‪٧‬بكم تنزيلو‪" :‬وأنذر عشّبتك األقربْب"‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ‪ ،‬وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪،‬‬
‫فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ،‬أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬اي أيها الذين آمنوا ال‬
‫‪ٚ‬بونوا هللا والرسوؿ و‪ٚ‬بونوا أماانتكم وأنتم تعلموف"‪ .‬ابرؾ هللا يل ولكم ُب القرآف العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا‬
‫فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم أقوؿ قويل ىذا وأستغفر هللا يل ولكم فاستغفروه إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ ا‪٤‬بنعم على عباده بصنوؼ اإلنعاـ والتكرمي‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‬
‫جعل تربية األسرة واألبناء من أعظم ا‪٤‬بهمات ُب الدين‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو خّب من اعتُب‬
‫أبسرتو وأرشدىم إىل المريق ا‪٤‬بستقيم‪ ،‬اللهم صل وسلم على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم من خاطبو ربو‬
‫بقولو‪" :‬وإنك لعلى خلق عظيم"‪ ،‬وعلى آلو وصحبو الذين ‪ٚ‬بلقوا ٖبلقو وساروا على منهجو القومي‪ .‬أما‬
‫بعد‪ :‬اتقوا هللا عباد هللا ُب دينكم‪ ،‬وهللا هللا ُب أوالدكم‪ ،‬فإذا كاف ا‪١‬بار يتعلق اب‪١‬بار وٱباصمو يوـ القيامة‬
‫إذا م ينصحو وينهو عن غيو كما ورد عن رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص فكيف ابألىل واألوالد‪ ،‬وىم اآلكد ح ًقا واأللزـ‬
‫نصحا من ا‪١‬بار على جاره‪ ،‬فإايؾ أيها ا‪٤‬بسلم أف يكوف أقرب الناس إليك وأحقهم بربؾ وإحسانك ىم‬ ‫ً‬
‫خصماؤؾ يوـ القيامة‪.‬‬

‫ٔ رواه النسائي‬

‫‪53‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .19‬ذشن االشرغاي مبا ال يعين‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ اآلمر بكل خّب والناىي عن كل شر‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‪،‬‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو أمر أمتو ابلبعد عن لغو الكبلـ وا‪٣‬بوض فيما ال يعنيهم وجعل ذلك‬ ‫وأشهد أف سيدان ً‬
‫من اإلٲباف‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم سيد ولد عدانف‪ ،‬ا‪١‬بامع ‪٣‬بصاؿ‬
‫الفضل واإلحساف‪ ،‬وعلى آلو الربرة الكراـ‪ ،‬وأصحابو مصابيح الظبلـ‪ ،‬وعلى التابعْب ‪٥‬بم إبحساف‪ .‬أما‬
‫بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬وا‪٠‬بعوا لقوؿ ا‪٢‬ببيب عليو الصبلة‬
‫والسبلـ‪ ":‬من حسن إسبلـ ا‪٤‬برء تركو ما ال يعنيو"‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ُ :‬ب ىذا ا‪٢‬بديث يبْب لنا عليو الصبلة‬
‫والسبلـ ٔبملة ‪٨‬بتصرة انفعة ما ٯبمع خّب الدنيا وسعادة اآلخرة‪ ،‬فاإلسبلـ ٰبرص على سبلمة اجملتمع وأف‬
‫سعيدا يكرـ وال يؤذي‬‫يعيش الناس ُب وائـ ووفاؽ‪ ،‬كما ٰبرص على سبلمة الفرد وأف يعيش ُب ىذه الدنيا ً‬
‫وٰبسن وال يسئ‪ .‬وأكثر ما يثّب الشقاؽ بْب الناس ويفسد اجملتمعات ويورد الناس ا‪٤‬بهالك‪ :‬تدخل بعضهم‬
‫ُب شؤوف بعض وخاصةً فيما ال يعنيهم من تلك الشؤوف‪ .‬وا‪٤‬براد بقولو ملسو هيلع هللا ىلص‪ ":‬من حسن إسبلـ ا‪٤‬برء "‪ :‬أي‬
‫من كماؿ إسبلمو و‪ٛ‬بامو وعبلمات صدؽ إٲبانو‪ " ،‬تركو ما ال يعنيو"‪ :‬أي ما ال يهمو من أمر الدين والدنيا‬
‫من األفعاؿ أو األقواؿ‪ .‬فهذا ا‪٢‬بديث أصل كبّب ُب أتديب النف وهتذيبها عن الرذائل والنقائص وترؾ ما‬
‫ال جدوى فيو وال نفع‪ ،‬والذي يعِب اإلنساف من األمور ما يتعلق بضرورة حياتو ُب معاشو من طعاـ وشراب‬
‫وملب ومسكن و‪٫‬بو ذلك‪ ،‬وما يتعلق بسبلمتو ُب معاده وآخرتو‪ .‬وما ال يعنيو‪ :‬ىو ماال تدعو ا‪٢‬باجة إليو‬
‫وىو الفضوؿ كلو على اختبلؼ أنواعو من اللعب وا‪٥‬بزؿ وكل ما ٱبل اب‪٤‬بروءة والتوسع ُب الدنيا وطلب‬
‫ا‪٤‬بناصب والرايسة وحب ا‪٤‬بدح و‪٫‬بو ذلك ‪٩‬با ال يعود على اإلنساف ابلنفع ُب اآلخرة‪ .‬وما يعِب اإلنساف‬
‫يسّب ابلنسبة إىل ما ال يعنيو‪ ،‬فإذا اقتصر على ما يعنيو من األمور سلم من كثّب من الشرور واآلراـ وتفرغ‬
‫لبلشتغاؿ ٗبصا‪٢‬بو األخروية وكاف ذلك دليبلً على حسن إسبلمو ورسوخ إٲبانو وحقيقة تقواه و‪٦‬بانبتو ‪٥‬بواه‬
‫و‪٪‬باتو عند ربو جل وعبل‪ .‬قاؿ تعاىل‪":‬وذروا ظاىر اإلٍب وابطنو"‪ .‬وقاؿ عز وجل ُب وصف عباده ا‪٤‬بتقْب‪":‬‬
‫والذين ىم عن اللغو معرضوف"‪ .‬عباد هللا إف ا‪٤‬بسلم مسؤوؿ عن كل عمل يقوـ بو‪ ،‬وعن كل ساعة‬
‫يقضيها‪ ،‬وعن كل كلمة يتكلم هبا‪ ،‬فإذا اشتغل اإلنساف بكل ما حولو وتدخل ُب شؤوف ال تعنيو شغلو‬
‫ذلك عن أداء واجباتو والقياـ ٗبسؤولياتو‪ ،‬فكاف مؤاخ ًذا ُب الدنيا ومعاقبًا ُب اآلخرة‪ .‬روى الَبمذي عن‬
‫أن بن مالك هنع هللا يضر أنو قاؿ‪ :‬استشهد منا غبلـ يوـ أحد فوجد على بمنو حجر من ا‪١‬بوع فمسحت أمو‬

‫‪55‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫الَباب عن وجهو وقالت‪ :‬ىنيئا لك ا‪١‬بنة‪ ،‬فقاؿ رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ":‬وما يدريك لعلو كاف يتكلم ٗبا ال يعنيو‬
‫كبلما فيما ال يعنيو"‪ .‬قاؿ مالك بن‬
‫ذنواب أكثرىم ً‬ ‫ويبخل ٗبا ال يغنيو"‪ .‬وقاؿ عليو السبلـ‪ ":‬أكثر الناس ً‬
‫وحرماان ُب رزقك فاعلم أنك قد تكلمت فيما‬
‫ً‬ ‫دينار ر‪ٞ‬بو هللا‪ [:‬إذا رأيت قساوًة ُب قلبك وضع ًفا ُب بدنك‬
‫ال يعنيك]‪ .‬وقيل للقماف عليو السبلـ‪ :‬ما بلغ بك ما نرى؟ يريدوف الفضل ‪ ،‬قاؿ ‪ :‬صدؽ ا‪٢‬بديث وأداء‬
‫األمانة وترؾ ماال يعنيِب‪ .‬وروي عن ا‪٢‬بسن البصري ر‪ٞ‬بو هللا أنو قاؿ‪ [:‬من عبلمة إعراض هللا عن العبد أف‬
‫ٯبعل شغلو فيما ال يعنيو]‪ .‬فاتقوا هللا عباد هللا واشتغلوا ٗبا يعنيكم عما ال يعنيكم‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ‬
‫سديدا* يصلح لكم أعمالكم‬ ‫أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ":‬اي أيها الذين آمنوا اتقوا هللا وقولوا قوالً ً‬
‫عظيما"‪[.‬األحزابٓ‪ .]ٚٔ-ٚ‬ابرؾ هللا يل ولكم ُب‬ ‫فوزا ً‬ ‫ويغفر لكم ذنوبكم ومن يمع هللا ورسولو فقد فاز ً‬
‫القرآف العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم أقوؿ قويل ىذا وأستغفر هللا يل ولكم‬
‫فاستغفروه إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي وفق من أىل السعادة للماعات ‪ ،‬وحجب أىل الشقاوة عن عمل الصا‪٢‬بات ‪،‬‬
‫وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو وأشهد أف سيدان ونبينا دمحم عبده ورسولو سيد أىل األرض‬
‫والسماوات‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم إماـ الربايت‪ ،‬وعلى آلو وصحبو أويل‬
‫الدرجات العاليات ‪ .‬أما بعد عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا أف‬
‫ا‪٤‬بسلم الذي يعبد هللا حق عبادتو ويستحضر ُب نفسو أنو قريب من هللا عز وجل يشغلو ذلك عما ال‬
‫يعنيو‪ ،‬ويكوف عدـ اشتغالو ٗبا ال يعنيو دليل صدقو مع هللا تعاىل‪ ،‬ومن اشتغل ٗبا ال يعنيو دؿ ذلك منو‬
‫على عدـ استحضاره القرب مع هللا تعاىل وعدـ صدقو معو وحبط عملو وكاف من ا‪٥‬بالكْب‪ .‬قاؿ اإلماـ‬
‫الشافعي ر‪ٞ‬بو هللا‪ [:‬من أراد أف ينور هللا قلبو فليَبؾ الكبلـ فيما ال يعنيو]‪ .‬وقاؿ اإلماـ الغزايل ر‪ٞ‬بو هللا‪[:‬‬
‫عبلج ترؾ ما ال يعِب أف يعلم اإلنساف أف ا‪٤‬بوت بْب يديو‪ ،‬وأنو مسؤوؿ عن كل كلمة تكلم هبا‪ ،‬وأف‬
‫أنفاسو رأس مالو‪ ،‬وأف لسانو شبكتو يقدر على أف يقتنص‪ -‬أي يصماد هبا‪ -‬ا‪٢‬بور العْب‪ ،‬فإٮبالو وتضييعو‬
‫فيما ال يعنيو خسراف مبْب]‪.‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬

‫‪56‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .21‬ذمٌٍ اهلل سثة ٌسعادج اٌذاسيٓ‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ العزيز العلي الذي كل ا‪٣‬بّب ُب تقواه‪ ،‬القائل‪ ":‬إف ا‪٤‬بتقْب ُب جنات وهنر ُب مقعد صدؽ‬
‫أعنااب"‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا ‪ ،‬خّب فوائد ا‪٢‬بياة تقواه‬
‫مفازا * حدائق و ً‬
‫عند مليك مقتدر" " إف للمتقْب ً‬
‫‪٧‬بمدا‬
‫وىي سبيل النعيم ُب أخراه‪ ،‬قاؿ جل وعبل‪ ":‬إف للمتقْب عند رهبم جنات النعيم"‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫رسوؿ هللا‪ ،‬خّب خلق هللا وأتقى ا‪٣‬بلق لو تعاىل‪ ،‬ال إلو غّبه وال معبود سواه‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان‬
‫دمحم وعلى آلو وصحبو أىل التقوى وأويل النهي‪ .‬أما بعد‪:‬فيا عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا‪ ،‬فاعلموا‬
‫اي عباد هللا أف خّب شيء يستفيده ا‪٤‬بسلم ُب دنياه ىو تقوى هللا ا‪٤‬ببينة ابتباع أوامر هللا واجتناب نواىيو‪،‬‬
‫واإلقباؿ على طاعتو واالبتعاد عن معصيتو والتزود ابلماعات النافعة يوـ لقائو ا‪٤‬بنجية من العذاب‪ ،‬قاؿ أبو‬
‫ىريرة هنع هللا يضر‪ :‬سئل رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص عن أكثر ما يدخل الناس ا‪١‬بنة‪ ،‬قاؿ تقوى هللا‪ ،‬وحسن ا‪٣‬بلق‪ .‬وسئل عن‬
‫أكثر ما يدخل الناس النار‪ .‬فقاؿ‪ :‬الغم والفرج‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلم انتبو‪ :‬خّب شيء يفيدؾ أال تكوف لقوـ أ‪٥‬بتهم‬
‫ا‪٢‬بياة الدنيا وشواغلها عما يرضى هللا وعن أتدية حقوؽ هللا‪ ،‬فإف ىؤالء ساءت دنياىم وحرؼ هللا عنهم‬
‫توفيقو ورعايتو حٌب نسوا أنفسهم‪ ،‬و م يتمهروا من دن ا‪٢‬بياة وغفلوا عن الَببية فيها على ا‪٣‬بّب والفضيلة‬
‫والعمل الصاّب‪ ،‬فلم يكونوا من أىل طاعة هللا واستحقوا ُب دنياىم غضب هللا كما استحقوا عذاب النار ُب‬
‫أخراىم‪ ،‬وال شك ُب أف الفرؽ كبّب بْب أصحاب النار وما يلقوف فيها من عذاب أليم‪ ،‬وأصحاب ا‪١‬بنة وما‬
‫يتمتعوف فيها من نعيم مقيم‪ ،‬وفوز عظيم ورزؽ كرمي وىذا كتاب هللا ينمق بلساف عريب مبْب فيقوؿ‪ ":‬اي أيها‬
‫الذين آمنوا اتقوا هللا ولتنظر نف ما قدمت لغد واتقوا هللا إف هللا خبّب ٗبا تعملوف وال تكونوا كالذين نسوا‬
‫هللا فأنساىم أنفسهم أولئك ىم الفاسقوف ال يستوي أصحاب النار وأصحاب ا‪١‬بنة أصحاب ا‪١‬بنة ىم‬
‫الفائزوف"‪ .‬فهل انتبهت أيها ا‪٤‬بسلموف لذلك ا‪٢‬بق الواضح‪ ،‬واستيقنت نفسك ا‪٤‬بصّب ا‪٢‬بق‪ ،‬واستيقظت‬
‫للغاية الٍب ٯبب االنتباه ‪٥‬با‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلم‪ ،‬ا‪٤‬بوت ابب وكل الناس داخلو والدار بعده إما جنة وإما انر‪ ،‬وىل‬
‫أنت منتبو لقولو تعاىل‪ ":‬ال يستوي أصحاب النار وأصحاب ا‪١‬بنة أصحاب ا‪١‬بنة ىم الفائزوف"‪ .‬وأصحاب‬
‫ا‪١‬بنة الفائزوف ليسوا ذي ا‪٤‬بظاىر الكاذبة وإ٭با ىم ذووا القلوب الماىرة واألعماؿ الصا‪٢‬بة واألخبلؽ الكرٲبة‬
‫الفاضلة‪.‬‬

‫لذا أيها ا‪٤‬بسلموف ٯبب علينا أف نتعرؼ على التقوى ا‪٤‬بوصلة إىل مرضاح هللا‪ ،‬إف التقوى ىي‬
‫استشعار أبف هللا ىو ا‪٣‬بالق العظيم ا‪٤‬ببدع ا‪٢‬بناف ا‪٤‬بناف الذي خلق وصور وأوجد من العدـ وىو ا‪٤‬بنفصل‬

‫‪58‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫علينا هبذه النعم الٍب ال تعد وال ‪ٙ‬بصى‪ ،‬فإذا استشعر اإلنساف هبذا الشعور قاـ أبداء أوامر هللا(وحافظ على‬
‫أيضا اب‪٣‬بوؼ من هللا العظيم قدره الواسع سلمانو‪ ،‬الشديد عذابو‪ ،‬فعند ذلك‬ ‫أداء فرائضو) وىي استشعار ً‬
‫بعيدا عن معصية هللا وإف التقوى ٗبفهومها ىذا لن تتأصل ُب القلوب وال ُب النفوس إال إذا‬ ‫يقف اإلنساف ً‬
‫أخّبا ُب قلوب اآلابء‪ ،‬وقد قدر هللا عز وجل ذلك ُب كتابو العزيز وأرشد إليو بقولو تعاىل‪ ":‬اي‬
‫أتصلت أوالً و ً‬
‫انرا وقودىا الناس وا‪٢‬بجارة عليها مبلئكة غبلظ شداد ال يعصوف هللا‬ ‫أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأىليكم ً‬
‫ما أمرىم ويفعلوف ما يؤمروف"‪ .‬فهذا إنذار راب ي وإرشاد إ‪٥‬بي وتوجيو ‪٠‬باوي من رب العا‪٤‬بْب لكل أب‬
‫مسلم مؤمن أف يوجو أوالده وأىلو وأف يربيهم على تقوى هللا عز وجل‪ .‬بربك أيها األب ا‪٢‬بنوف ا‪٣‬بائف‬
‫على أىلو وأوالده من انر ا‪١‬بحيم‪ ،‬كم مرة جلست ُب بيتك بْب زوجك وأوالدؾ ووعظتهم وذكرهتم اب﵁‬
‫وعقااب وجنة وانر؟ وكم مرة رآؾ أوالدؾ‬
‫ً‬ ‫حسااب‬
‫ً‬ ‫وخوفتهم من عذابو وأنذرهتم يوـ لقائو وأعلمتهم أف ىناؾ‬
‫وأىلك وأنت حزين القلب دامع العْب وسألوؾ ‪٤‬باذا فقلت ‪٥‬بم خوفًا من هللا وعذابو ورجاءً ُب ر‪ٞ‬بتو وثوابو؟‬
‫فيَبىب عند ذلك ُب قلوهبم خوؼ هللا وتقواه‪ ،‬ولكنها الساعات المواؿ ‪ٛ‬بر ُب ضحك وُب لعب‪ ،‬ورٗبا‬
‫لسمع أحدان صوت ا‪٤‬بنادي ينادي( هللا أكرب‪ -‬هللا أكرب ) فلم يعِب نفسو لتلبية نداء هللا ( ورآه ) أوالده‬
‫على تلك ا‪٢‬باؿ فربت ُب قلوهبم معصية هللا‪ .‬أيها األب‪ ،‬ىل سبق لك وأف تدارست القرآف مع أىلك‬
‫وأبنائك وبناتك؟ وىل قد سبق وأف قرأت حديث رسوؿ هللا مع زمبلءؾ ووجهتهم للتخلق ِبدابو؟ فلّباجع‬
‫كل منا نفسو‪ ،‬وليعلم أف ذلك كلو من التقوى ا‪٤‬بأمور هبا‪ ،‬ولينتصح بقوؿ القائل‪:‬‬

‫ولكن التقي ىو السعي ػػد‬ ‫ولست أرى السعادة ُب ‪ٝ‬بع ماؿ‬

‫وعند هللا لؤلتقى مزي ػػد‬ ‫وتقوى هللا خّب الزاد ض ػ ًػرا‬

‫سديدا يصلح لكم‬


‫ً‬ ‫وا‪٠‬بعوا اي عباد هللا لقولو تعاىل‪ ":‬اي أيها الذين آمنوا اتقوا هللا وقولوا قوالً‬
‫عظيما"‪ .‬ابرؾ هللا يل ولكم ُب القرآف‬
‫فوزا ً‬ ‫أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يمع هللا ورسولو فقد فاز ً‬
‫العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم أقوؿ قويل ىذا وأستغفر هللا يل ولكم فاستغفروه‬
‫إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .21‬حميمح االسرماِح‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي سلك أبىل االستقامة سبل األمن والسبلمة‪ ،‬وبوأىم مقعد صدؽ ُب دار ا‪٤‬بقامة‪،‬‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو‪ ،‬اللهم صل وسلم على‬ ‫وأشهد أف ال إلو إال اؿ وحده ال شريك لو‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫سيدان دمحم وآلو وأصحابو‪ .‬أما بعد‪ :‬فيا عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا وأطيعوه‪ ،‬واستقيموا‬
‫على دينو ومنهجو‪ ،‬وقوموا أبمره وابتعدوا عن هنيو‪ ،‬فقد قاؿ تعاىل‪ ":‬فاستقم كما أمرت ومن اتب معك‪،‬‬
‫وال تمغوا إنو ٗبا تعملوف بصّب"‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف ُب ىذه اآلية الكرٲبة ا‪١‬بامعة أمر هللا نبيو صلى هللا عليو‬
‫وسلم ابالستقامة على منهاج دينو‪ ،‬والعمل ٗبا جاء فيو والقياـ ابلدعوة إليو‪ ،‬وتبليغ أحكامو كما أمر‪،‬‬
‫فاستقاـ ملسو هيلع هللا ىلص على طريقة ربو‪ ،‬وصدع اب‪٢‬بق الذي أمر بو‪ ،‬و‪٤‬با نزلت ىذه اآلية قاؿ ملسو هيلع هللا ىلص‪ ":‬مشروا مشروا وما‬
‫رؤي بعدىا ضاح ًكا"‪ .‬من أجل ذلك قاؿ ابن عباس رضي هللا عنهما‪ ":‬ما نزؿ على رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص ُب‬
‫‪ٝ‬بيع القرآف آية اشد وال أشق من ىذه اآلية"‪ .‬والناظر ُب ىذه اآلية ٯبد أف هللا طلب االستقامة على أمر‬
‫دينو من أشرؼ ا‪٣‬بلق لديو سيدان دمحم ملسو هيلع هللا ىلص ٍب من أتباعو‪ ،‬فمن دقق النظر علم أنو ممالب ابلستقامة على‬
‫فعل ا‪٤‬بأمور وترؾ ا‪٤‬بنهي‪ ،‬فمن كاف ىذا حالو كاف من ا‪٤‬بستقيمْب الذين وعدىم هللا ابألمن واألماف ُب‬
‫ؼ َعلَْي ِه ْم َوال ُى ْم‬ ‫ِ هِ‬
‫استَػ َق ُاموا فَبل َخ ْو ٌ‬
‫اّلَلُ ٍبُه ْ‬ ‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬حيث قاؿ تعاىل‪" :‬إ هف الذ َ‬
‫ين قَالُوا َربػُّنَا ه‬
‫ين فِ َيها َجَزاءً ِٗبَا َكانُوا يَػ ْع َملُو َف"‪ .‬أي أهنم آمنوف من العقاب يوـ القيامة‪.‬‬ ‫ِ ِِ‬
‫اب ا ْ‪١‬بَنهة َخالد َ‬
‫َص َح ُ‬
‫كأ ْ‬ ‫َْٰبَزنُو َف*أُولَئِ َ‬
‫فالناس يوـ القيامة ُب خوؼ ووجل وبكاء من شدة األىواؿ الٍب يشاىدوهنا‪ ،‬والذين استقاموا ال خوؼ‬
‫عليهم وال ىم ٰبزنوف‪ .‬واالستقامة كما قاؿ بعض العرفْب‪ :‬ىي توبة ببل إصرار‪ ،‬وعل ببل فتور‪ ،‬وإخبلص‬
‫ببل التفات‪ ،‬ويقْب ببل تردد‪ ،‬وتفويض ببل تدبّب‪ .‬ومقاـ االستقامة كمقاـ الشكر‪ ،‬وىو صرؼ العبد ُب كل‬
‫ذرة ونف و‪ٝ‬بيع ما أنعم هللا عليو إىل ما خلق ألجلو ُب عبادة مواله ٗبا يستميع على الوجو األقوـ والمريق‬
‫األكمل‪ ،‬وعبلمة ا‪٤‬بستقيم‪ :‬الصرب على الشدائد‪ ،‬والثبات عند الببلء‪ ،‬واإلعراض عن ا‪١‬باىلْب‪ ،‬والصفح‬
‫عمن أساء إليو‪ ،‬وأف ال يكوف للهوى سلماف على نفسو‪ ،‬وأف زخارؼ الدنيا ال أتخذه عن مواله‪ ،‬وال‬
‫تشغلو عن سيده‪ .‬فاالستقامة ىي ا‪٤‬بتابعة للمريقة ا﵀مدية مع التخلق ابألخبلؽ ا‪٤‬برضية‪ .‬وأفضل‬
‫الماعات‪ :‬مراقبة هللا على األوقات‪ ،‬قاؿ تعاىل‪" :‬إف هللا كاف عليكم رقيباً" وا‪٤‬براقبة ﵁ تعاىل ىي الٍب تسوؽ‬
‫"و ْاعلَ ُموا أَ هف‬ ‫اإلنساف لبلستقامة‪ ،‬فا‪٤‬بؤمن إذا حدثتو نفسو على القدوـ على معصية هللا تذكر قولو تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫اح َذ ُروهُ"‪ .‬عند ذلك يستقيم على أمر هللا‪ ،‬وإذا ما وقع ُب غضب مواله وقارؼ‬ ‫اّلَلَ يَػ ْعلَ ُم َما ُِب أَنْػ ُفس ُك ْم فَ ْ‬
‫ه‬

‫‪60‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫معصية من ا‪٤‬بعاصي تذكر قوؿ هللا تعاىل‪" :‬أـ يعلم أبف هللا يرى"‪ .‬فإذا علم أبف هللا مملع عليو ُب ‪ٝ‬بيع‬
‫حاالتو استحى منو‪ ،‬وكيف ال يستحي منو وىو مملع عليو ُب ‪ٝ‬بيع حاالتو‪ ،‬وىو متخلق ابلماعة أو‬
‫متلب اب‪٤‬بعصيةوال ٰبجبو عن نظر مواله‬

‫‪61‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .22‬حميمــــح ادلؤِــــٓ‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ ‪ٞ‬بد الشاكرين ا‪٤‬بخبتْب ا‪٤‬بؤمنْب‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا ويل ا‪٤‬بتقْب‪ ،‬وأشهد أف سيدان‬
‫دمحماً عبده ورسولو إماـ ا‪٤‬برسلْب‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم وعلى آلو الماىرين‪ ،‬وعلى أصحابو الغر‬
‫ا‪٤‬بيامْب‪ ،‬وعلى التابعْب ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ الدين‪ ..‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ ،‬أوصيكم وإايي بتقوى هللا‪،‬‬
‫فاتقوا هللا حق تقاتو وكونوا من ا‪٤‬بؤمنْب‪ .‬عباد هللا‪ ،‬اإلٲباف كلمة عظيمة يهتز ‪٥‬با الكياف إذا خرجت من‬
‫قلب مؤمن اب﵁ حقاًّ‪ ،‬وىي كلمة يدعيها ويتبجح هبا كثّب من الناس‪ .‬ولكن اإلٲباف ال بد لو من عمل‬
‫صاّب يقويو‪ ،‬وخلق طيب يزكيو‪ ،‬وصفات ‪ٞ‬بيدة تدعمو وتنميو‪ ،‬و م يذكر اإلٲباف ُب القرآف الكرمي إال وىو‬
‫مقروانً ابلعمل الصاّب؛ إرشاداً لنا وتنبيهاً أبهنما متبلزماف ال يفَبقاف‪ .‬ومصداؽ ذلك قولو تعاىل‪" :‬إف الذين‬
‫آمنوا وعملوا الصا‪٢‬بات"‪ .‬وقد جعل سبحانو العمل الصاّب وا﵀افظة على أركانو من صفات عباده ا‪٤‬بؤمنْب‪،‬‬
‫فقاؿ عز من قائل‪" :‬قد أفلح ا‪٤‬بؤمنوف*الذين ىم ُب صبلهتم خاشعوف*والذين ىم عن اللغو‬
‫معرضوف*والذين ىم للزكاة فاعلوف*والذين ىم لفروجهم حافظوف*إال على أزواجهم أو ما ملكت أٲباهنم‬
‫فإهنم غّب ملومْب*فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك ىم العادوف*والذين ىم ألماانهتم وعهدىم راعوف*والذين‬
‫ىم على صبلهتم ٰبافظوف*أولئك ىم الوارثوف*الذين يرثوف الفردوس ىم فيها خالدوف"‪ .‬ووصفهم هللا بصفة‬
‫ال يتصف هبا إال من كاف مؤمناً حقًّا؛ أال وىي صفة ا‪٣‬بشية من هللا‪ ،‬وىذه الصفة من عدمت عنده فبل‬
‫يكوف مؤمناً كامل اإلٲباف‪ ،‬لذا يقوؿ هللا تعاىل‪" :‬إ٭با ا‪٤‬بؤمنوف الذين إذا ذكر هللا وجلت قلوهبم وإذا تليت‬
‫عليهم آايتو زادهتم إٲباانً وعلى رهبم يتوكلوف*الذين يقيموف الصبلة و‪٩‬با رزقناىم ينفقوف*أولئك ىم ا‪٤‬بؤمنوف‬
‫حقاًّ"‪ٍ .‬ب ذكر هللا من أوصافهم أيضاً‪ :‬االىتماـ أبمر اجملتمع‪ ،‬والشعور ابلغّبة على حرمات هللا و‪٧‬بارمو‪،‬‬
‫وذلك ابألمر اب‪٤‬بعروؼ والنهي عن ا‪٤‬بنكر فقاؿ‪" :‬وا‪٤‬بؤمنوف وا‪٤‬بؤمنات بعضهم أولياء بعض أيمروف اب‪٤‬بعروؼ‬
‫وينهوف عن ا‪٤‬بنكر"‪ .‬وذكر أيضاً من صفات ا‪٤‬بؤمنْب حقاًّ‪ :‬االىتماـ أبمر الدعوة وا‪١‬بهاد ُب سبيلو‪ ،‬فقاؿ‬
‫تعاىل‪" :‬إف هللا اشَبى من ا‪٤‬بؤمنْب أنفسهم وأموا‪٥‬بم أبف ‪٥‬بم ا‪١‬بنة"‪ .‬فمن ىنا يتبْب لنا حقيقة ا‪٤‬بؤمن‪ ،‬فمن‬
‫اجتمعت فيو ىذه الصفات كاف مؤمناً‪ ،‬ومن نقصت أو انعدمت عنده ىذه الصفات كاف مدعياً لئلٲباف؛‬
‫ولذا ‪٪‬بد أف النيب ملسو هيلع هللا ىلص طلب البينة من الذين قالوا‪( :‬إان مؤمنوف)‪ .‬ومصداؽ ذلك ما رواه سويد األزدي‬
‫حيث قاؿ‪ :‬وفدت سابع سبعة من قومي على رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فلما دخلنا عليو وكلمناه أعجبو ما رأى من‬
‫‪٠‬بتنا وزينا‪ ،‬فقاؿ‪" :‬من أنتم؟"‪ ،‬فقلنا‪ :‬مؤمنوف‪ ،‬فقاؿ‪" :‬إف لكل قوؿ حقيقة‪ ،‬فما حقيقة قولكم وصدؽ‬

‫‪62‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫إٲبانكم؟"‪ ،‬فقلنا‪ٟ :‬ب عشرة خصلة؛ ‪ٟ‬ب آمنا هبا‪ ،‬و‪ٟ‬ب عملنا هبا ُب اإلسبلـ‪ ،‬و‪ٟ‬ب عملنا هبا ُب‬
‫ا‪١‬باىلية و‪٫‬بن اآلف عليها‪ ،‬فإف كرىتها تركناىا‪ .‬فقاؿ عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬اذكروا ما عندكم"‪ .‬فقالوا‪ :‬أما‬
‫‪ٟ‬ب اإلٲباف‪ :‬فهي أف نؤمن اب﵁ ومبلئكتو وكتبو ورسلو والبعث بعد ا‪٤‬بوت‪ ،‬وأما ‪ٟ‬ب العمل‪ :‬فهي أف‬
‫نشهد أف ال إلو إال هللا وأف دمحماً رسوؿ هللا‪ ،‬وأف نقيم الصبلة‪ ،‬ونؤٌب الزكاة‪ ،‬ونصوـ رمضاف‪ ،‬و‪٫‬بج البيت‬
‫إف استمعنا إليو سبيبلً‪ .‬وأما ‪ٟ‬ب ا‪١‬باىلية‪ :‬فهي الشكر عند الرخاء‪ ،‬والصرب عند الببلء‪ ،‬والرضا عند‬
‫القدر‪ ،‬والصدؽ والثبات عند ا‪٢‬برب واللقاء‪ ،‬وترؾ الشماتة ابألعداء"‪ .‬فقاؿ عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬أنتم‬
‫حكماء‪ ،‬علماء فقهاء‪ ،‬كدًب أف تكونوا أنبياء‪ ،‬وأان أزيدكم ‪ٟ‬بساً ليتم لكم عشروف‪ ،‬إف كنتم كما تقولوف‪:‬‬
‫فبل ٘بمعوا ما ال أتكلوف‪ ،‬وال تبنوا ما ال تسكنوف‪ ،‬وال تنافسوا ُب شيء أنتم عنو غداً زائلوف‪ ،‬واتقوا هللا‬
‫الذي إليو ترجعوف وعليو تعرضوف‪ ،‬وارغبوا فيما عليو تقدحوف وفيو ‪ٚ‬بلدوف"ٔ‪ .‬فخربو ي بربكم أي إٲباف ىو‬
‫إٲباننا ابلنسبة إلٲباف ىؤالء‪ ،‬فقد أتى ىؤالء ٕبقائق اإلٲباف‪ ،‬فما ىي حقائق إٲباننا ‪٫‬بن اي ترى؟! فاتقوا هللا‬
‫عباد هللا‪ ،‬واعملوا من الصا‪٢‬بات‪ ،‬وقدموا ألنفسكم من قبل أف أيٌب يوـ ال درىم فيو وال دينار‪ ،‬وال ينفع‬
‫فيو ماؿ وال بنوف‪ ،‬إال من أتى هللا بقلب سليم‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ‪ ،‬وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا‬
‫قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ،‬أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ،‬بسمميحرلا نمحرلا هللا ‪:‬‬
‫"والعصر*إف اإلنساف لفي خسر*إال الذين آمنوا وعملوا الصا‪٢‬بات وتواصوا اب‪٢‬بق وتواصوا ابلصرب"‪.‬ابرؾ‬
‫هللا يل ولكم ُب القرآف العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم أقوؿ قويل ىذا وأستغفر هللا‬
‫يل ولكم فاستغفروه إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ ٰبب ا‪٤‬بتقْب ويرفع درجات ا﵀سنْب‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو رب‬
‫صل وسلم على‬ ‫السماوات واألرضْب‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو ا‪٤‬ببعوث ر‪ٞ‬بة للعا‪٤‬بْب‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫عبدؾ ورسولك سيدان دمحم وعلى آلو وصحبو والتابعْب‪ ،‬ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ الدين‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد‬
‫هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا أف ا‪٤‬بؤمن الكامل يكوف بشره ُب وجهو‪،‬‬
‫وحزنو ُب قلبو‪ ،‬واسع الصدر‪ ،‬زاجراً عن كل شر‪ ،‬آمراً بكل خّب‪ ،‬ال حقوداً وال حسوداً‪ ،‬وال مراتابً وال‬
‫سباابً وال غياابً‪ ،‬يكره الرفعة ويبغض السمعة‪ ،‬طويل ا‪٥‬بم كثّب الغم‪ ،‬حليف الصمت عزيز الوقت‪ ،‬ال‬

‫ٔ أخرجو أبو نعيم ُب ا‪٢‬بلية والبيهقي ُب الزىد وا‪٣‬بميب ُب التاريخ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫متفاخراً وال متهتكاً‪ ،‬ضحكو تبسم‪ ،‬واستفهامو تعلم‪ ،‬ومراجعتو تفهم‪ ،‬ال يبخل وال يعجل وال يضجر‪ ،‬قليل‬
‫ا‪٤‬بنازعة‪ٝ ،‬بيل ا‪٤‬براجعة‪ ،‬يكوف عدالً إف غضب‪ ،‬رفيقاً إف طلب‪٨ ،‬بلصاً ُب الود‪ ،‬وثيقاً ُب العهد‪ ،‬وفياًّ‬
‫للوعد‪ ،‬شفوقاً وصوالً حليماً‪ ،‬يتحمل األذى‪ ،‬قليل الفضوؿ‪ ،‬راضياً عن مواله‪٨ ،‬بالفاً ‪٥‬بواه‪ ،‬ال ٱبوض فيما‬
‫ال يعنيو‪ ،‬وال يشمت ُب مصيبو‪ ،‬وال يذكر أحداً بغيبو‪ ،‬دقيق النظر‪ ،‬عظيم ا‪٢‬بذر‪ ،‬مقببلً على ربو‪ ،‬خائفاً‬
‫من مواله‪ ،‬مَبقباً للموت‪ ،‬مستعداًّ لآلخرة‪ .‬فهذا ىو ا‪٤‬بؤمن حقاًّ‪.‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .23‬خٍك اٌعفٌ ًاٌرساِح‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي جعل التسامح من صفات ا‪٤‬بؤمنْب‪ ،‬وجعل ا‪٤‬بتصفْب بو من عباده ا‪٤‬بقربْب‪ ،‬وأشهد‬
‫أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو شهادة حق ويقْب‪ ،‬وأشهد أف سيدان ونبينا دمحماً عبده ورسولو سيد‬
‫األولْب واآلخرين‪ ،‬اللهم صل وسلم على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم وعلى آلو الميبْب الماىرين‪ ،‬وأصحابو‬
‫الغر ا‪٤‬بيامْب‪ ،‬وعلى التابعْب ‪٥‬بم ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ الدين‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي‬
‫بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬إف صفة التسامح ‪٠‬بة وعبلمة من أفضل عبلمات‬
‫اإلٲباف الٍب تكاد أف تفقد ُب ىذا الزماف وىي ٕبق ال تكوف إال ُب قلوب ا‪٤‬بؤمنْب وال يتصف هبا إال أىل‬
‫التقوى والتمكْب‪ ،‬وإف ىذه الصفة من الصفات ا‪٤‬بملوبة ُب كل وقت وحْب؛ ألف اإلنساف مد ي بمبعو‪،‬‬
‫ٱبالط الناس ويعاشرىم وال يتصور إنساف دوف أف يتعامل مع أحد ُب بيتو وُب مقر عملو وُب شٌب ‪٦‬باالت‬
‫ا‪٢‬بياة‪ .‬ومن سنة هللا ُب خلقو أف الناس ليسوا على مشرب واحد؛ فمباعهم متباينة‪ ،‬منهم صاحب ا‪٣‬بلق‬
‫السهل‪ ،‬ومنهم من ىو حاد المبع‪ ،‬ومنهم ا‪٤‬بتأ ي ُب األمور‪ ،‬وفيهم ا‪٤‬بتعجل ُب أحكامو على الناس‪ ،‬وىؤالء‬
‫على ‪٨‬بتلف طباعهم ال غُب لئلنساف عنهم؛ لذا احتاج إىل التسلح اب‪٢‬بلم واألانة والرفق وسعة الصدر؛ فقد‬
‫ٯبد منهم خلقاً ال يرضيو‪ ،‬وقد يلقى منهم ما يثّب الغضب فيصبح لزاماً عليو أف يضبط نفسو وأف يعتصم‬
‫ابلصرب ويتجاوز عن أرابب ا‪٥‬بفوات ويعفو عن مقَبُب الزالت ما داـ ذلك ُب غّب حد من حدود هللا عز‬
‫وجل‪ ،‬وهبذا أمر هللا سبحانو وتعاىل حيث قاؿ ُب كتابو‪" :‬والكاظمْب الغيظ والعافْب عن الناس وهللا ٰبب‬
‫ا﵀سنْب"‪ .‬وُب ا‪٢‬بديث عنو عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬ا‪٤‬بسلم إذا كاف ‪٨‬بالماً للناس ويصرب على أذاىم خّب‬
‫من ا‪٤‬بسلم الذي ال ٱبالط الناس وال يصرب على أذاىم"ٔ‪ .‬عباد هللا‪ :‬إف التسامح مع ا‪٤‬بخمئ والتجاوز إبقالة‬
‫عثرتو يلْب القلوب ويقرب بْب النفوس ويزيل أسباب ا‪٣‬بصومات وٲبحو ما يعكر صفو العبلقات بْب‬
‫ا‪٤‬بؤمنْب‪٥ ،‬بذا كاف العفو من أجل ضروب فعل ا‪٣‬بّب‪ ،‬فعليكم ابلعفو والصفح عن الناس وقبوؿ ا‪٤‬بيسور من‬
‫أخبلقهم وأعما‪٥‬بم‪ .‬قاؿ تعاىل‪" :‬وليعفوا وليصفحوا" أال ‪ٙ‬ببوف أف يغفر هللا لكم‪ .‬وقاؿ صلى هللا عليو وآلو‬
‫وسلم‪" :‬ما زاؿ جربيل يوصيِب ابلعفو‪ ،‬فلوال علمي اب﵁ لظننت أنو يوصيِب بَبؾ ا‪٢‬بدود"‪ .‬و‪٤‬با نزلت على‬
‫النيب ملسو هلآو هيلع هللا ىلص‪" :‬خذ العفو وامر ابلعرؼ وأعرض عن ا‪١‬باىلْب"‪ .‬قاؿ ‪١‬بربيل‪" :‬ما ىذا"؟ قاؿ‪ :‬ال أدري حٌب‬
‫أسأؿ ٍب رجع فقاؿ‪" :‬إف هللا تعاىل أيمرؾ أف تصل من قمعك‪ ،‬وتعمي من حرمك‪ ،‬وتعفو عمن ظلمك"‪.‬‬

‫ٔ رواه البخاري ومسلم‬

‫‪65‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫ويقوؿ عمر بن عبد العزيز هنع هللا يضر‪[ :‬من أحب األمور إىل هللا عز وجل العفو ُب ا‪٤‬بقدرة‪ ،‬وما رفق أحد أبحد‬
‫ُب الدنيا إال رفق هللا بو يوـ القيامة]‪.‬‬

‫واب‪١‬بملة اي عباد هللا فإنو ال سبيل إىل تسكْب اإلساءة و‪٧‬بو آرارىا أفضل من اإلحساف ومن‬
‫التجاوز‪ ،‬وال سبيل لنماء اإلساءة وهتييجها أشد من مقابلتها ٗبثلها‪ .‬فالعفو خّب و‪ٜ‬براتو طيبة‪ ،‬وما أكرـ‬
‫اإلنساف الذي يعفو ٍب يتبع العفو ابإلحساف إىل من أساء إليو‪ .‬قاؿ تعاىل‪" :‬وال تستوي ا‪٢‬بسنة وال السيئة‬
‫ادفع ابلٍب ىي أحسن فإذا الذي بينك وبينو عداوة كأنو ويل ‪ٞ‬بيم وما يلقاىا إال الذين صربوا وما يلقاىا إال‬
‫ذو حظ عظيم"‪ .‬نعم ما أ‪ٝ‬بل عفو ا‪٤‬بؤمن عن أخيو ا‪٤‬بؤمن! وما أعظم أثر اإلحساف إليو! فاإلحساف‬
‫يستعبد القلوب‪ ،‬ويصفي النفوس من أدراف العداوة‪ ،‬ويمفي شرارهتا فتنقلب إىل ‪٧‬ببة ومصافاة‪ .‬قاؿ عليو‬
‫الصبلة والسبلـ‪" :‬إذا ‪ٝ‬بع هللا ا‪٣‬ببلئق يوـ القيامة اندى مناد أين أىل الفضل؟ فيقوـ انس وىم يسّب‬
‫فينملقوف سراعاً إىل ا‪١‬بنة فتتلقاىم ا‪٤‬ببلئكة فيقولوف‪ :‬إان نراكم سراعاً إىل ا‪١‬بنة‪ ،‬فيقولوف‪٫ :‬بن أىل الفضل‬
‫فيقولوف ‪٥‬بم‪ :‬وما كاف فضلكم؟ فيقولوف‪ :‬كنا إذا ظلمنا صربان‪ ،‬وإذا أسيء غلينا عفوان‪ ،‬وإذا جهل علينا‬
‫حلمنا‪ ،‬فيقاؿ ‪٥‬بم‪ :‬ادخلوا ا‪١‬بنة فنعم أجر العاملْب"‪ .‬ولقد كاف عليو الصبلة والسبلـ أوسع الناس صدراً‬
‫وأكثرىم أانة وحلماً‪ ،‬يقابل السفاىة اب‪٢‬بلم‪ ،‬واإلساءة ابلصفح‪ ،‬والقسوة ابلرأفة والر‪ٞ‬بة‪ ،‬والشدة ابللْب‪،‬‬
‫واألذى ابلعفو والصفح ا‪١‬بميل‪ .‬فاتقوا هللا عباد هللا‪ ،‬و‪ٚ‬بلقوا بكل خلق عظيم‪ ،‬واقتفوا آرار نبيكم الكرمي‪.‬‬
‫وصدؽ هللا حيث يقوؿ‪ ،‬وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ،‬أعوذ‬
‫اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬فبما ر‪ٞ‬بة من هللا لنت ‪٥‬بم ولو كنت فظاً غليظ القلب النفضوا من حولك‬
‫فاعف عنهم واستغفر ‪٥‬بم"‪ .‬ابرؾ هللا يل ولكم ُب القرآف العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر‬
‫وا‪٢‬بكيم أقوؿ قويل ىذا وأستغفر هللا يل ولكم فاستغفروه إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الداؿ على كل خّب‪ ،‬الناىي عن كل ضّب‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو أشرؼ الرسل والربايت‪ ،‬اللهم صل وسلم‬ ‫رب األرض والسماوات‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫على سيدان دمحم سيد األنبياء‪ ،‬وعلى آلو الكرماء‪ ،‬وعلى أصحابو الشرفاء‪ ،‬وعلى التابعْب ومن تبعهم بصدؽ‬
‫ووفاء‪ ..‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬إف سهولة‬
‫ا‪٣‬بلق ولْب المبع و‪٠‬باحة النف وسعة الصدر وا‪٢‬بلم والرفق ُب األمور صفات تمرب ‪٥‬با القلوب‪ ،‬و‪ٙ‬ببب‬

‫‪66‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫صاحبها إىل النفوس‪ ،‬والتسامح عن ا‪٥‬بفوات واإلحساف عند اإلساءات سبيل ‪١‬بمع القلوب وتقوية‬
‫الصبلت االجتماعية‪...‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .24‬رَ اٌذٔيا ًإحساْ اٌعًّ فييا‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي خلق الدنيا فتنةً للمؤمن وجنة للكافر‪ ،‬فسبحانو وتعاىل القائل‪ ":‬فَأَهما َم ْن طَغَى*‬
‫اؼ َم َق َاـ َربِِّو َونَػ َهى النهػ ْف َ َع ِن ا ْ‪٥‬بََوى * فَِإ هف ا ْ‪١‬بَنهةَ‬ ‫الدنْػيَا * فَِإ هف ا ْ‪١‬بَ ِح َيم ِى َي الْ َمأْ َوى * َوأَهما َم ْن َخ َ‬ ‫َوآثػََر ا ْ‪٢‬بَيَاةَ ُّ‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو‪ ،‬اللهم‬ ‫ِى َي الْ َمأْ َوى "‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آلو الماىرين‪ ،‬وأصحابو الغر ا‪٤‬بيامْب‪ .‬أما بعد‪:‬عباد هللا أوصيكم‬
‫ونفسي بتقوى هللا‪ ،‬فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا اي عباد هللا أف هللا خلقكم ُب ىذه الدنيا وجعل‬
‫أعماركم ‪٧‬بدود‪ ،‬وأايمكم فيها ‪٧‬بسوبة‪ ،‬فا‪٣‬بّب كل ا‪٣‬بّب ‪٤‬بن أحسن فيها العمل‪ ،‬والشر كل الشر ‪٤‬بن أساء‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َح َس ُن َع َمبلً "‪ .‬ولقد خلق هللا‬ ‫فيها وظلم‪ ،‬وهللا ُب كتابو يقوؿ‪ " :‬الهذي َخلَ َق الْ َم ْو َ‬
‫ت َوا ْ‪٢‬بَيَاةَ ليَػْبػلَُوُك ْم أَيُّ ُك ْم أ ْ‬
‫سبحانو وتعاىل ىذه الدنيا‪ ،‬و‪٠‬باىا ابلدنيا لدانءهتا وخستها‪ ،‬وما خلق هللا شيئًا ٍب استحقره ولعنو إال‬
‫الدنيا‪ ،‬فقد لعنها هللا واستحقرىا فقاؿ على لساف نبيو ملسو هيلع هللا ىلص‪ ":‬أال إف الدنيا ملعونة ملعوف ما فيها إال ذكر‬
‫ومتعلما"‪ .‬وقد صور هللا حقارهتا على لساف رسولو ملسو هيلع هللا ىلص حيث قاؿ‪ ":‬لو كانت الدنيا‬ ‫ً‬ ‫هللا وما واله وعا‪٤‬با‬
‫ً‬
‫كافرا منها شربة ماء "‪ .‬ولقد أعلمنا هللا تعاىل أبف الدنيا متاع زائل‬ ‫ً‬ ‫سقى‬ ‫ما‬ ‫بعوضة‬ ‫جناح‬ ‫تعدؿ عند هللا‬
‫وشيء ذاىب‪ ،‬ال يركن إليو إال مغرور ‪٨‬بدوع ابلدنيا عن اآلخرة وما فيها من نعيم مقيم فقاؿ تعاىل‪":‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْاعلَموا أَه٭بَا ا ْ‪٢‬بياةُ ُّ ِ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫اخٌر بَػْيػنَ ُك ْم َوتَ َكاثػٌُر ُب األ َْم َواؿ واأل َْوالد َك َمثَ ِل َغْيث أ َْع َج َ‬ ‫ب َوَ‪٥‬بٌْو َوِزينَةٌ َوتَػ َف ُ‬ ‫الدنْػيَا لَع ٌ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬
‫اآلخرةِ ع َذاب َش ِدي ٌد وم ْغ ِفرةٌ ِمن هِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َوا ٌف َوَما‬ ‫اّلَل َوِر ْ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ص َفّراً ٍبُه يَ ُكو ُف ُحمَاماً َوُِب َ َ ٌ‬ ‫يج فَػتَػَراهُ ُم ْ‬
‫هار نَػبَاتُوُ ٍبُه يَه ُ‬
‫الْ ُكف َ‬
‫الدنْػيَا َوال‬ ‫اّلَلِ َح ٌّق فَبل تَػغُهرنه ُك ُم ا ْ‪٢‬بَيَاةُ ُّ‬
‫هاس إِ هف َو ْع َد ه‬ ‫ِ‬
‫الدنْػيَا إال َمتَاعُ الْغُُرور "‪ .‬وقاؿ تعاىل‪َ ":‬اي أَيػُّ َها الن ُ‬
‫ا ْ‪٢‬بيَاةُ ُّ ِ‬
‫َ‬
‫اآلخَرةَ َ‪٥‬بِ َي ا ْ‪٢‬بَيَػ َوا ُف لَ ْو‬
‫الدنْػيا إِهال َ‪٥‬بو ولَعِب وإِ هف الدهار ِ‬
‫َ‬ ‫ٌْ َ ٌ َ‬
‫ِِ‬
‫ور "‪ .‬وقاؿ تعاىل‪َ ":‬وَما َىذه ا ْ‪٢‬بَيَاةُ ُّ َ‬
‫ِ ِ‬
‫يَػغُهرنه ُك ْم اب هّلَل الْغَُر ُ‬
‫ؼ‬‫ؼ تَػ ْعلَ ُموف* ٍبُه َكبل َس ْو َ‬ ‫َكانُوا يَػ ْعلَ ُمو َف "‪ .‬وقاؿ تعاىل‪ ":‬أَ ْ‪٥‬بَا ُك ُم الته َكاثػُُر* َح هٌب ُزْرًُبُ الْ َم َقابَِر * َك هبل َس ْو َ‬
‫ْب * لَتَػَرُو هف ا ْ‪١‬بَ ِح َيم "‪ .‬ولقد ىدد هللا سبحانو وتعاىل من أحب الدنيا‪،‬‬ ‫تَػ ْعلَمو َف * َك هبل لَو تَػ ْعلَمو َف ِع ْلم الْيَ ِق ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫وسعى من أجلها حٌب أدخلها ُب قلب نفسو ونسي اآلخرة وكأنو م ٱبلق إال للدنيا‪ ،‬فقاؿ تعاىل ُب مثل‬
‫بلىا‬
‫ص َ‬ ‫يد ٍبُه َج َع ْلنَا لَوُ َج َهن َهم يَ ْ‬ ‫اجلَة[ أي الدنيا َ] َع هج ْلنَا لَوُ فِ َيها َما نَ َشاءُ لِ َم ْن نُِر ُ‬ ‫يد الْع ِ‬
‫ىذا‪َ ":‬م ْن َكا َف يُِر ُ َ‬
‫َم ْذ ُموماً َم ْد ُحوراً"‪ .‬عباد هللا‪ ،‬إف الدنيا ال تذـ إال ‪٤‬بن أخلد إليها وركن واعتمد عليها‪ ،‬فارتكب فيها‬
‫ِِ‬
‫ف‬‫ف ِم ْن بَػ ْعدى ْم َخلْ ٌ‬ ‫ا﵀رمات وتناوؿ فيها الشهوات‪ ،‬ونسي اآلخرة‪ ،‬ففي أمثاؿ ىؤالء قاؿ تعاىل‪ ":‬فَ َخلَ َ‬
‫ؼ يػ ْل َقو َف َغيا إال من َاتب وآمن وع ِمل ِ‬
‫ك يَ ْد ُخلُو َف ا ْ‪١‬بَنهةَ‬ ‫صا‪٢‬باً فَأُولَئِ َ‬
‫هه َوات فَ َس ْو َ َ ْ ّ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫صبل َة واتهػبػعوا الش ِ‬
‫َ‬ ‫َضاعُوا ال ه َ َ ُ‬ ‫أَ‬

‫‪68‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫َوال يُظْلَ ُمو َف َشْيئا "‪ .‬فالعمل الصاّب ُب الدنيا مملوب‪ ،‬وما خلقنا إال من أجل أف نعمل الصا‪٢‬بات ٍب‬
‫نقدـ على ربنا وندخل إىل ا‪١‬بنات‪ ،‬قاؿ اإلماـ علي هنع هللا يضر‪ [:‬من ‪ٝ‬بعت فيو ست خصاؿ م يدع للجنة‬
‫مملبًا‪ ،‬وال عن النار مهرًاب‪ ،‬أي أنو استعمل ‪ٝ‬بيع المرؽ الٍب توصلو إىل ا‪١‬بنة وتنجيو من النار‪ ،‬أو‪٥‬با‪ :‬من‬
‫عرؼ هللا فأطاعو‪ ،‬وعرؼ الشيماف فعصاه‪ ،‬وعرؼ ا‪٢‬بق فاتبعو‪ ،‬وعرؼ الباطل فنفاه‪ ،‬وعرؼ الدنيا‬
‫فرفضها‪ ،‬وعرؼ اآلخرة فملبها]‪ .‬وقاؿ ا‪٢‬بسن ر‪ٞ‬بو هللا‪ [:‬رحم هللا أقو ًاما كانت الدنيا عندىم وديعةً فأدوىا‬
‫أيضا‪ [:‬من انفسك ُب دينك فنافسو‪ ،‬ومن انفسك ُب دنياؾ فألقها ُب‬ ‫إىل من ائتمنهم عليها]‪ .‬وقاؿ ً‬
‫‪٫‬بره]‪ .‬وقاؿ لقماف البنو‪[ :‬أاي بِب إف الدنيا ٕبر عميق‪ ،‬وقد غرؽ فيو انس كثّب‪ ،‬فلتكن سفينتك فيو تقوى‬
‫هللا‪ ،‬وحشوىا اإلٲباف اب﵁‪ ،‬وشراعها التوكل على هللا لعلك تنجو‪ ،‬وما أراؾ انجيًا]‪ .‬وقاؿ الفضيل‪ [:‬طالت‬
‫ض ِزينَةً َ‪٥‬با لِنَػبػلُوىم أَيػُّهم أَحسن عمبلً * وإِ هان َ‪١‬ب ِ‬
‫اعلُو َف َما‬ ‫فكرٌب ُب ىذه اآلية " إِ هان َج َع ْلنَا َما َعلَى األ َْر ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ْ َُ ْ ُ ْ ْ َ ُ ََ‬
‫صعِيداً ُج ُرزاً " فيا من ٗبالو يكاثر‪ ،‬واي من بسلمانو يتجرب‪ ،‬واي من بنسبو يفتخر‪ ،‬واي من ٔباىو‬ ‫َعلَْيػ َها َ‬
‫ووظيفتو يتماوؿ ويظلم وأيخذ ويعمي‪ ،‬أال فلتعلم أف كل ذلك ‪٤‬با متاع ا‪٢‬بياة الدنيا‪ ،‬واآلخرة خّب ‪٤‬بن‬
‫اتقى‪ ،‬فتذكر ُب غد عندما ينادى من فعل مثل فعلك‪ ،‬ومن ظلم مثل ظلمك‪ ،‬ويقوؿ بعلو صوتو عندما‬
‫ت‬ ‫يعمى كتابو بشمالو بسبب آرامو وسيئاتو‪ ":‬اي لَيػتَِِب َ م أُوت كِتَابِيو* وَ م أ َْد ِر ما ِحسابِيو* اي لَيػتَػها َكانَ ِ‬
‫َ ْ ْ َ َْ َ ْ َ َ َْ َ ْ َ‬
‫ك َع ِِّب ُس ْلمَانِيَ ْو "‪ ،‬وعندىا ينادي ا‪١‬ببار للمبلئكة الغبلظ الشداد فيقوؿ‬ ‫اضيَةَ* ما أغُب عِب مالية* َىلَ َ‬ ‫الْ َق ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍِ‬ ‫ِ‬
‫اسلُ ُكوهُ "‪ .‬ألك هبذا طاقة اي عبد‬ ‫صلُّوه* ٍبُه ُِب س ْلسلَة َذ ْرعُ َها َسْبػعُو َف ذ َراعاً فَ ْ‬ ‫‪٥‬بم‪ُ ":‬خ ُذوهُ فَػغُلُّوه* ٍبُه ا ْ‪١‬بَح َيم َ‬
‫صربا؟ أتستميع أف تتحمل كل ذلك؟ فإف م يكن لك ‪ٙ‬بمل وال صرب فأقلع عما‬ ‫هللا؟ ألك بعذاب النار ً‬
‫أنت فيو وتذكر ما أنت مبلقيو]‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف أعوذ اب﵁ من الشيماف‬
‫ب‬ ‫ك َك ْدحاً فَ ُمبلقِ ِيو* فَأَهما َم ْن أ ِ‬
‫ُوٌبَ كِتَابَوُ بِيَ ِمينِ ِو* فَ َس ْو َ‬ ‫ِ‬
‫ك َكاد ٌح إِ َىل َربِّ َ‬ ‫الرجيم‪َ ":‬اي أَيػُّ َها اإلنساف إِنه َ‬
‫اس ُ‬‫ؼ ُٰبَ َ‬
‫صلَى َسعِّباً‬ ‫ؼ يَ ْدعُو ثػُبُوراً* َويَ ْ‬ ‫ِحساابً يَ ِسّباً* َويَػْنػ َقلِب إِ َىل أ َْىلِ ِو َمسروراً* َوأَهما َم ْن أ ِ‬
‫ُوٌبَ كِتَابَوُ َوَراءَ ظَ ْه ِره* فَ َس ْو َ‬ ‫ُْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫*إِنهوُ َكا َف ُِب أ َْىلو َم ْس ُروراً *إنهوُ ظَ هن أَ ْف لَ ْن َٰبُور َ*بَػلَى إ هف َربهوُ َكا َف بو بَصّباً "‪ .‬ابرؾ هللا يل ولكم ُب القرآف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم أقوؿ قويل ىذا وأستغفر هللا يل ولكم فاستغفروه‬
‫إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي خلق الدنيا دار عمل وحياة وموت وفناء‪ ،‬وجعل اآلخرة دار خلود وجزاء وبقاء ‪،‬‬
‫وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو سيد أىل األرض والسماء‬
‫‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم وعلى آلو وصحبو الصا‪٢‬بْب األتقياء ‪ ،‬وعلى‬
‫التابعْب ‪٥‬بم ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ البعث وا‪١‬بزاء‪ ...‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا‪ ،‬فاتقوا هللا‬
‫األوىل "‪ .‬وقولو تعاىل‪ ":‬بَ ْل تُػ ْؤثُِرو َف ا ْ‪٢‬بَيَا َة ُّ‬
‫الدنْػيَا*‬ ‫ك ِم َن َ‬ ‫تعاىل وأطيعوه وا‪٠‬بعوا لقولو تعاىل‪ ":‬و ِ‬
‫لآلخَرةُ َخْيػٌر لَ َ‬ ‫َ‬
‫اآلخَرةُ َخْيػٌر َوأَبْػ َقى"‪ .‬قاؿ رجل ألمّب ا‪٤‬بؤمنْب علي هنع هللا يضر‪ :‬صف لنا الدنيا‪ .‬قاؿ‪ :‬وما أصف لك من دار من‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫صح فيها مرض‪ ،‬ومن أمن فيها ندـ‪ ،‬ومن افتقر فيها حزف‪ ،‬ومن استغُب فيها افتًب‪ُ ،‬ب حبل‪٥‬با ا‪٢‬بساب‪،‬‬
‫وُب حرامها العقاب‪.‬‬

‫فاتقوا هللا عباد هللا‪ ،‬واحذروا الدنيا أف تفتنكم من اآلخرة‪ ،‬وصلوا على خّب خلق هللا فقد قاؿ‬
‫صلُّوا َعلَْي ِو َو َسلِّ ُموا تَ ْسلِيماً"‪.‬اللهم صل وسلم‬
‫ين َآمنُوا َ‬
‫هِ‬ ‫ِ‬
‫هيب َاي أَيػُّ َها الذ َ‬
‫اّلَلَ َوَمبلئِ َكتَوُ يُ َ ُّ‬
‫صلو َف َعلَى الن ِّ‬ ‫تعاىل‪ ":‬إِ هف ه‬
‫وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص‬
‫سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى سائر الصحب الكراـ‬
‫والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر‬
‫للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف هللا أيمر ابلعدؿ‬
‫واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف فاذكروا هللا العظيم‬
‫يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .25‬رَ اٌغيثح ًاٌنّيّح‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي طهر ألسنة عباده ا‪٤‬بؤمنْب من فحش القوؿ ووزر البهتاف‪ ،‬وجبلىا ابلذكر وقوؿ‬
‫ا‪٢‬بق ولْب الكبلـ‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‪ ،‬لو ا‪٤‬بلك على الدواـ‪ ،‬وأشهد أف سيدان‬
‫دمحماً عبده ورسولو سيد األانـ‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم سيد الكونْب ببل ترؾ وال خصاـ‪ ،‬وعلى‬
‫آلو وأصحابو الربرة الكراـ‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم وإايي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا‬
‫ايعباد هللا أف هللا سبحانو وتعاىل حث على األخبلؽ الفاضلة وهنى عن األخبلؽ الذميمة‪ ،‬ومن األخبلؽ‬
‫الذميمة والٍب صرح بذمها القرآف‪ ،‬وحذر من الوقوع فيها ا‪٤‬بصمفى ملسو هيلع هللا ىلص ُب أحاديثو الكراـ‪ ،‬وقد أ‪ٝ‬بع أىل‬
‫الفضل والعلم أبهنا من كبائر الذنوب واآلراـ‪ ،‬أو تدروف ايعباد هللا ماىو ىذا الداء العضاؿ وا‪٤‬برض الفتاؾ‬
‫‪٦‬بلسا‬
‫لؤلسر واجملتمعات؟ أال وىو جرٲبة الغيبة والنميمة‪ ،‬والٍب استهاف ٕبرمتها كثّب من الناس؛ فلذا ال٘بد ً‬
‫إال ويدار فيو حديث غيبة أو ٭بيمة إال من رحم هللا‪ ،‬كل ذلك بسبب الغفلة عما قالو هللا ورسولو ُب حرمة‬
‫ومشبها لصاحبها أبكل ‪٢‬بم ا‪٤‬بيتة من‬ ‫ً‬ ‫ذاما للغيبة‬
‫الغيبة والنميمة‪ ،‬فا﵁ سبحانو وتعاىل يقوؿ ُب كتابو ً‬
‫بعضا أٰبب أحدكم أف أيكل ‪٢‬بم أخيو ميتًا فكرىتموه"‪ .‬وكاف ملسو هيلع هللا ىلص يقوؿ‪:‬‬ ‫اآلدمْب‪" :‬واليغتب بعضكم ً‬
‫بعضا وكونوا عباد هللا أخو ًاان"‪ .‬وعن جابر‬ ‫"ال‪ٙ‬باسدوا والتباغضوا والتناجشوا والتدابروا واليغتب بعضكم ً‬
‫وأيب سعيد رضي هللا عنهما قاال‪ :‬قاؿ رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪" :‬إايكم والغيبة فإف الغيبة أشد من الزان‪ ،‬فإف الرجل‬
‫قد يز ي ويتوب فيتوب هللا عليو‪ ،‬وإف صاحب الغيبة اليغفر لو حٌب يغفر لو صاحبو"‪ .‬واب‪١‬بملة ايعباد هللا‬
‫فإف ضرر الغيبة متعد للغّب؛ فكم من عرض ىتك‪ ،‬وكم من شائعة أذيعت وألصقت ُب برئ‪ ،‬وكم من‬
‫مستور تتبع ا‪٤‬بغتاب عوراتو لكي يبثها بْب الناس؛ وُب مثل ىذا روى الرباء بن عازب هنع هللا يضر قاؿ‪ :‬خمبنا النيب‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص حٌب أ‪٠‬بع العواتق ‪-‬أي العذارى‪ُ -‬ب بيوهتن فقاؿ‪" :‬ايمعشر من آمن بلسانو و م يؤمن بقلبو‪ :‬التغتابوا‬
‫ا‪٤‬بسلمْب والتتبعوا عوراهتم؛ فإف من تتبع عورة أخيو تتبع هللا عورتو‪ ،‬ومن تتبع هللا عورتو اليَبكو حٌب يفضحو‬
‫ُب جوؼ بيتو"‪ .‬وقد قيل‪[ :‬إف هللا تعاىل أوصى إىل موسى عليو السبلـ أنو من مات اتئبًا من الغيبة فهو‬
‫مصرا عليها فهو أوؿ من يدخل النار]‪ .‬عبأيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬ارأبوا أبنفسكم‬ ‫آخر من يدخل ا‪١‬بنة‪ ،‬ومن مات ً‬
‫عن الغيبة؛ فإف النيب ملسو هيلع هللا ىلص يقوؿ‪" :‬من رمى أخاه بغيبة يريد هبا شينو أوقفو هللا تعاىل على جسر جهنم يوـ‬
‫القيامة حٌب ٱبرج ‪٩‬با قاؿ"‪ .‬واب‪١‬بملة اي عباد هللا‪ :‬فإف ا‪١‬بلوس ُب ‪٦‬بال الغيبة من أكرب الكبائر؛ ألف‬
‫ا‪٤‬بغتاب وا‪٤‬بستمع ُب اإلٍب سواء‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫فإذا ما حضر اإلنساف ‪٦‬بل غيبة‪ :‬فإما أف يرد عن عرض أخيو ا‪٤‬بسلم أو يفارؽ اجملل ‪ .‬وصدؽ‬
‫هللا حيث يقوؿ وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ،‬أعوذ اب﵁ من‬
‫سديدا*يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم‬
‫الشيماف الرجيم‪" :‬اي أيها الذين آمنوا اتقوا هللا وقولوا قوالً ً‬
‫عظيما"‪ .‬نفعِب هللا واايكم هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من خلص‬
‫فوزا ً‬ ‫ومن يمع هللا ورسولو فقد فاز ً‬
‫احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب‬
‫فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي أانر طريق الرشاد‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو رب العباد‪ ،‬وأشهد‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو شفيع األمة يوـ التناد‪ ،‬اللهم صل وسلم على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم‬ ‫أف سيدان ً‬
‫وعلى آلو وأصحابو ا‪٣‬بّبة األجواد‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪.‬‬
‫أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬كما أف هللا ورسولو ُب كتابو هنى عن الغيبة فكذا هنى عن النميمة‪ ،‬والنميمة خصلة ذميمة‪.‬‬
‫قاؿ هللا تعاىل‪" :‬ٮباز مشاء بنميم"‪ٍ ،‬ب قاؿ‪" :‬عتل بعد ذلك زنيم"‪ .‬والنماـ‪ :‬ىو الذي ينقل الكبلـ من قوـ‬
‫إىل آخرين بقصد اإلفساد بينهم‪ ،‬وقد قاؿ ملسو هيلع هللا ىلص ُب حق ىذا‪" :‬اليدخل ا‪١‬بنة ٭باـ"‪ .‬وُب رواية‪" :‬قتات"‪.‬‬
‫والقتات ىو النماـ‪ .‬واب‪١‬بملة فإف النماـ بغيض عند هللا‪ ،‬وىو من شرار خلق هللا‪ ،‬كما أوضح ذلك رسوؿ‬
‫هللا ملسو هيلع هللا ىلص حيث يقوؿ‪" :‬أحبكم إىل هللا أحاسنكم أخبلقًا‪ ،‬ا‪٤‬بوطئوف أكنافًا‪ ،‬الذين أيلفوف ويؤلفوف‪ ،‬وإف‬
‫أبغضكم إىل هللا ا‪٤‬بشاؤوف ابلنميمة ا‪٤‬بعوقوف بْب األخواف"‪ .‬وقاؿ ملسو هيلع هللا ىلص‪" :‬أال أخربكم بشراركم ؟" قالوا‪ :‬بلى‪.‬‬
‫قاؿ‪" :‬ا‪٤‬بشاؤوف ابلنميمة ا‪٤‬بفسدوف بْب األحبة"‪ .‬فاتقوا هللا عباد هللا فيما تقولوف وما تعملوف وصلوا على‬
‫خّب خلق هللا‪...‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬

‫‪72‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .26‬فعً اإلحساْ‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ القائل ىل جزاء اإلحساف إال اإلحساف والصبلة والسبلـ على سيد اإلن وا‪١‬باف‬
‫سيدان دمحم ملسو هلآو هيلع هللا ىلص وصحبو الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف أما بعد‪ :‬فإف هللا تعاىل يقوؿ ُب كتابو "اي أيها الذين‬
‫آمنوا اتقوا هللا ولتنظر نف ما قدمت لغد واتقوا هللا إف هللا خبّب ٗبا تعملوف" وُب ىذه اآلية يقرر ا‪٤‬بوىل‬
‫شيئْب األوؿ تقوى هللا وىي اإلستشعار لعظمة هللا تعاىل ُب القلب ٕبيث ال يعمل اليعمل اإلنساف عمبل‬
‫إال ويراقب هللا تعاىل فإف كاف خّبا أداه كمل ٰبب هللا وإف كااف شرا انتهى عنو وابدر ابلتوبة واإلستغفار‬
‫لذا فإف سيدان عليا رضي هللا تعاىل عنو فسر التقوى أبهنا ا‪٣‬بوؼ من ا‪١‬بليل والعمل ابلتنزيل واإلستعداد‬
‫ليوـ الرحيل‪ .‬وىو األمر الثا ي الذي ذكره هللا تعاىل ُب اآلية وىو أف ينظر اإلنساف مايقدـ من أعماؿ خّبا‬
‫كانت أـ شرا فإف هللا يقوؿ " فمن يعمل مثقاؿ ذرة خّبا يره ومن يعمل مثقاؿ ذرة شرا يره " فمن ىنا‬
‫نفهم أف اإلنساف عن كل صغّب وكبّب ُب يوـ ال ينفع فيو ماؿ وال بنوف إال من أتى هللا بقلب سليم وعمل‬
‫مستقيم ومن أعظم األعماؿ الٍب جعلها هللا فارقا بْب اإلٲباف وعدمو األمانة الٍب ذكرىا هللا تعاىل ُب ‪٧‬بكم‬
‫ذكره بقولو " إان عرضنا األمانة على السموات واألرض وا‪١‬بباؿ فأبْب أف ٰبملنها وأشفقن منها و‪ٞ‬بلها‬
‫اإلنساف إنو كاف ظلوما جهوال " واألماانت وشاملة ‪١‬بميع أوجو ا‪٢‬بياة فاألبناء أمانة عند اآلابء وا‪٤‬بعلمْب‪،‬‬
‫والشرائع واألحكاـ أمانة عند العلماء واجملتهدين‪ ،‬واإلتياف ابألمور الشرعية على وجهها ا‪٤‬بملوب أمانة عند‬
‫عامة ا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬وكذا كتماف السر وىومن أعظم األماانت وقد قيل أف ىذه اآلية نزلت ُب ذلك‪ ،‬وكذا‬
‫ا﵀افظة على ا‪٤‬بمتلكات العامة أمانة ُب يد من يقوـ عليها فكيف إذا كانت ىذه ا‪٤‬بمتلكات وقفا فهذه‬
‫ا‪٤‬بدرسة مثبل أوقفها صاحبها جزاه هللا خّبا على طبلب العلم ويصرؼ أصحاهبا عليها لوجو هللا تعاىل أمواال‬
‫طائلة فما فيها من ‪٩‬بتلكات كالكراسي وا‪٤‬باصات وا‪٤‬بكيفات وا‪٤‬بكاتب والدواليب وغّبىا أمانة أيدينا‬
‫مدرسْب وإداريْب وطبلاب فيجب علينا أ‪٫ ،‬بافظ عليها من التلف والعمب فكيف إذا بدا منا اإلٮباؿ‬
‫وأضعنا ما وسد إلينا من أمانة فإف عك األمانة ا‪٣‬بيانة‪ ،‬وىي من أقبح الذنوب واآلراـ كذا ٯبب عليك‬
‫ابِب المالب وأخي ا‪٤‬بدرس أ‪ ،‬يكوف استعمالك لكل ‪٩‬بتلك ُب ا‪٤‬بدرسة على الوجو البلئق فا‪٤‬باء والكهرابء‬
‫مثبل تستعمل بَبشيد وعدـ إىدار وصدؽ هللا حيث يقوؿ " وقل اعملوا فسّبى هللا عملكم ورسولو‬
‫وا‪٤‬بؤمنوف "‬

‫‪74‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .27‬فعً اإلٔفاق‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي ال يضيع أجر ا﵀سنْب‪ ،‬رغب ُب اإلنفاؽ وأمر بتفريج كرب ا‪٤‬بكروبْب‪ ،‬وأشهد أف‬
‫ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو ضاعف ثواب ا‪٤‬بتصدقْب‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو ملجأ‬
‫البائسْب وا‪٤‬بلهوفْب‪ ،‬اللهم صل وسلم على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم وعلى آلو وصحبو والتابعْب‪ ،‬ومن‬
‫تبعهم إبحساف إىل يوـ الدين‪ ..‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪،‬‬
‫وا‪٠‬بعوا لقولو تبارؾ وتعاىل‪" :‬مثل الذين ينفقوف أموا‪٥‬بم ُب سبيل هللا كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ُب كل‬
‫سنبلة مئة حبة وهللا يضاعف ‪٤‬بن يشاء وهللا واسع عليم"‪ .‬عباد هللا‪ :‬لقد حث اإلسبلـ على اإلنفاؽ ُب‬
‫سبيل هللا‪ ،‬ورغب ُب السخاء ومدح الكرـ‪ ،‬وأثُب على الكرماء ونفر من الشح وذـ البخل وحط من شأف‬
‫البخبلء‪ ،‬قاؿ ملسو هيلع هللا ىلص‪" :‬السخي قريب من هللا‪ ،‬قريب من الناس‪ ،‬قريب من ا‪١‬بنة‪ ،‬بعيد من النار‪ ،‬والبخيل‬
‫بعيد من هللا‪ ،‬بعيد من الناس‪ ،‬بعيد من ا‪١‬بنة‪ ،‬قريب من النار‪ ،‬و‪١‬باىل سخي أحب إىل هللا من عابد‬
‫ٖبيل"‪ .‬ولي لئلنساف من مالو إال ما استفاد منو لنفسو ُب حياتو الدنيا وأنفق منو ُب ا‪٣‬بّب فثوابو لو ُب‬
‫اآلخرة‪ ،‬وما عدا ذلك فلي ُب ا‪٢‬بقيقة مالكاً لو؛ إ٭با ىو حارس ٰبرسو لورثتو ٰباسب عليو وغّبه ٯبِب‬
‫فائدتو ويقمف ‪ٜ‬برتو‪ ،‬يقوؿ العبد‪ :‬مايل مايل‪ ،‬وإ٭با لو من مالو ما أكل فأفُب أو لب فأبلى أو أعمى‬
‫فأقُب‪ ،‬وما سوى ذلك فهو ذاىب واتركو للناس‪" ،‬فأما من أعمى واتقى*وصدؽ اب‪٢‬بسُب*فسنيسره‬
‫لليسرى*وأما من ٖبل واستغُب*وكذب اب‪٢‬بسُب*فسنيسره للعسرى* وما يغِب عنو مالو إذا تردى"‪ .‬فلي‬
‫البخل بعد ىذا الوعد الصادؽ غّب سوء ظن ٗبن ال ٱبلف وعده؛ ألف بذؿ اجملهود من الثقة اب‪٤‬بعبود‪،‬‬
‫والبخل اب‪٤‬بوجود من سوء الظن اب‪٤‬بعبود‪ .‬وا‪٤‬بسلم الماىر النظيف من األوساخ ا‪٤‬بادية ا‪٤‬بعرب عن شكره ﵁‬
‫تعاىل بقولو ا‪٤‬بؤدي حق هللا ُب عبادتو طاىر نظيف من األوساخ ا‪٤‬بعنوية ‪ ،‬ومن أبرزىا الشح والبخل‪،‬‬
‫أبدا سخي كرمي ‪٠‬بح جواد‪ ،‬فبل ٯبتمع ٖبل وإٲباف ُب قلب رجل واحد‪ .‬قاؿ تعاىل‪" :‬ومن يوؽ شح‬ ‫فا‪٤‬بسلم ً‬
‫نفسو فأولئك ىم ا‪٤‬بفلحوف"‪ .‬ولذا كاف اإلنفاؽ ُب وجوه ا‪٣‬بّب و‪٤‬بساعدة الفقراء وا‪٤‬بساكْب إرضاء ﵁ وابتغاء‬
‫وجهو فرضاً كاف أو تموعاً دليبلً قاطعاً وعبلمة واضحة على صدؽ اإلٲباف وأف فاعلها ُب عداد ا‪٤‬بؤمنْب‬
‫ا‪٤‬بفلحْب‪ .‬فينبغي للمسلم أف يكثر من اإلنفاؽ والصدقة ﵁ عز وجل وال ٱباؼ الفقر؛ ألف هللا تعاىل البد‬
‫وأف ٱبلف عليو؛ فقد قاؿ ملسو هيلع هللا ىلص‪" :‬ما طلعت الشم إال وعلى جنبيها ملكاف‪ ،‬يقوؿ أحدٮبا‪ :‬اللهم أعط‬
‫منفقاً خلفاً‪ ،‬ويقوؿ اآلخر‪ :‬اللهم أعط ‪٩‬بسكاً تلفاً"‪ .‬وُب ا‪٢‬بديث‪" :‬من تصدؽ بعدؿ ‪ٛ‬برة من كسب طيب‬

‫‪75‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫وال يصعد إىل هللا إال الميب فإف هللا يتقبلها بيمينو ٍب يربيها لصاحبها كما يريب أحدكم فلوه حٌب تكوف‬
‫مثل ا‪١‬ببل"‪ .‬وعلى ا‪٤‬بؤمن أف يغتنم سؤاؿ السائل على اببو؛ فالسائل ضيف هللا‪ ،‬فمن أعماه فقد أعمى‬
‫هللا‪ ،‬ومن منعو فقد منع هللا‪ .‬قاؿ عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬أال أخربكم بشر الناس؟ رجل يسأؿ اب﵁ وال‬
‫يعمي"‪ .‬وعلى ا‪٤‬بؤمن أف يسر بصدقتو ليبعد عن الرايء والسمعة‪ ،‬فقد قاؿ عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬صدقة‬
‫السر تمفئ غضب الرب"‪ .‬وأي شيء أعظم من غضبو سبحانو وتعاىل! وما أطفأتو صدقة السر إال‬
‫لعظمها عنده سبحانو وتعاىل‪ ،‬قاؿ عز وجل‪" :‬إف تبدو الصدقات فنعما ىي وإف ‪ٚ‬بفوىا وتؤتوىا الفقراء‬
‫فهو خّب لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم وهللا ٗبا تعملوف خبّب"‪ .‬فاتقوا هللا عباد هللا‪ ،‬وأنفقوا من طيبات ما‬
‫رزقكم هللا‪ ،‬واسلكوا سبيلو القومي‪ ،‬تنالوا سعادة الدنيا والفوز ٔبنات النعيم‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ‪ ،‬وبقولو‬
‫يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ :‬أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم "وما‬
‫تنفقوا من خّب فؤلنفسكم وما تنفقوف إال ابتغاء وجو هللا وما تنفقوا من خّب يوؼ إليكم وأنتم ال تظلموف"‪.‬‬
‫نفعِب هللا واايكم هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من خلص احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل‬
‫ولكم ولوالدي ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ على إحسانو‪ ،‬والشكر لو على توفيقو وامتنانو‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو الداعي إىل رضوانو‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان‬ ‫تعظيما لشأنو‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬ ‫ً‬ ‫لو‬
‫دمحم وعلى آلو وأصحابو‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ ،‬أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا‬
‫أف اإلنفاؽ الرابح ال يكوف إال ‪٤‬بن خلصت نيتو و‪٠‬بت نفسو عن ا‪٤‬بن ٗبا أنفق‪ ،‬واإليذاء ‪٤‬بن أنفق عليو‪،‬‬
‫وإال بمل عملو‪ ،‬وحبط أجره؛ فإف مثل ىذا اإلنفاؽ يؤذي كرامة اجملتمع وكرامة النف اإلنسانية‪ ،‬ويؤدي‬
‫إىل العداوة والبغضاء‪ .‬وأما الذين ينفقوف أموا‪٥‬بم لوجو هللا من غّب من وال إيذاء‪ ،‬فهؤالء ىم الذين من هللا‬
‫‪٥‬بم األجر الكبّب والربح العظيم‪ ،‬ومشلهم بر‪ٞ‬بتو وعنايتو "الذين ينفقوف أموا‪٥‬بم ُب سبيل هللا ٍب ال يتبعوف ما‬
‫أنفقوا مناً وال أذى ‪٥‬بم أجرىم عند رهبم وال خوؼ عليهم وال ىم ٰبزنوف"‪ .‬وينبغي للمؤمن ا‪٤‬بتصدؽ أف‬
‫ينتقي من مالو أجوده وأحبو إليو‪ ،‬فقد قاؿ تعاىل‪" :‬لن تنالوا الرب حٌب تنفقوا ‪٩‬با ‪ٙ‬ببوف"‪ .‬وروي عن اإلماـ‬
‫علي بن أيب طالب هنع هللا يضر أنو كاف يتصدؽ أبجود ما عنده‪ ،‬ويقوؿ‪ :‬إ ي ألستحي أف أقرأ ُب كتايب يوـ‬
‫القيامة‪ :‬إنك منعت الصحيح لنفسك‪ ،‬وتصدقت الرديء ألجلي"‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .28‬اخلشيح ِٓ اهلل‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ ويل ا‪٤‬بتقْب‪ ،‬وقاىر العصاة وا‪٤‬بذنبْب‪ ،‬أمر ابلماعة وأراب عليها‪ ،‬وهنى عن ا‪٤‬بعصية وتوعد صاحبها‬
‫‪٧‬بمدا عبده‬ ‫أبليم العذاب وشديد ا‪٢‬بساب‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫ورسولو‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آلو وأصحابو‪ .‬أما بعد‪:‬عباد هللا‪ ،‬أوصيكم ونفسي‬
‫بتقوى هللا‪ ،‬فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا اي عباد هللا أف أعظم زاجر عن الذنوب ىو خوؼ هللا تعاىل‬
‫صيبَػ ُه ْم‬‫وخشية انتقامو وسموتو‪ ،‬وا‪٢‬بذر من عقابو وغضبو وبمشو‪ " ،‬فَػ ْليح َذ ِر اله ِذين ُٱبَالُِفو َف عن أَم ِرهِ أَ ْف تُ ِ‬
‫َْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫اب أَلِيم "‪.‬جاء أنو ملسو هيلع هللا ىلص دخل على شاب وىو ُب ا‪٤‬بوت فقاؿ‪ ":‬كيف ٘بدؾ؟" قاؿ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫فْتػنَةٌ أ َْو يُصيبَػ ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫ِ‬
‫أرجو هللا اي رسوؿ هللا وأخاؼ ذنويب‪ .‬فقاؿ رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪":‬ال ٯبتمعاف ُب قلب عبد ُب مثل ىذا ا‪٤‬بوطن‬
‫إال أعماه هللا ما يرجو وأمنو ‪٩‬با ٱباؼ"‪ .‬وعن ا‪٢‬بسن أنو قاؿ‪[ :‬وهللا لقد رأيت أقواماً لو أنفق أحدىم عدد‬
‫ا‪٢‬بصى ذىبًا ٱبشى أف ال ينجو لعظم الذنب ُب نفسو]‪ .‬وقاؿ رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ":‬ىل تسمعوف ما أ‪٠‬بع؟‬
‫أطت السماء وحق ‪٥‬با أف تئط‪ ،‬والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربع أصابع إال وملك ساجد ﵁ تعاىل‪،‬‬
‫كثّبا و‪٣‬برجتم إىل الصعدات_ أي ا‪١‬بباؿ _‬ ‫أو قائم أو راكع‪ ،‬ولو تعلموف ما أعلم لضحكتم قليبل ولبكيتم ً‬
‫٘بأروف إىل هللا تعاىل خوفًا من عظم سموتو وشدة انتقامو"‪ .‬ولو نظران إىل ما ‪٫‬بن عليو اليوـ من مبارزة ﵁‬
‫عز وجل اب‪٤‬بعاصي‪ ،‬فبل ‪ٛ‬بر ُب طريق وال ‪ٚ‬برج إىل سوؽ وال تذىب إىل مكاف نزىة وال إىل مصحة إال‬
‫ووجدت من يبارز هللا اب‪٤‬بعاصي‪ ،‬فسفور وفجور‪ ،‬وخزي وعار‪ ،‬وغضب من ا‪١‬ببار‪ .‬أيها الناس‪ :‬أين أنتم‬
‫وىا َش ِه َد َعلَْي ِه ْم َ‪٠‬بْعُ ُه ْم‬ ‫*ح هٌب إِ َذا َما َجاءُ َ‬ ‫من قوؿ هللا تعاىل‪ ":‬ويػوَـ ُْٰب َشر أ َْع َداء هِ ِ‬
‫اّلَل إ َىل النها ِر فَػ ُه ْم يُ َوزعُو َف َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََْ‬
‫اّلَلُ اله ِذي أَنْمَ َق ُك هل‬ ‫ِ‬
‫ود ِى ْم مَ َش ِه ْد ًُْب َعلَْيػنَا قَالُوا أَنْمََقنَا ه‬ ‫وأَبصارىم وجلُودىم ِٗبا َكانُوا يػعملُوف * وقَالُوا ِ‪١‬بلُ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ ْ َ ُُ ْ َ ُ ُ ُ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ص ُارُك ْم َوال‬‫َش ْيء َوُى َو َخلَ َق ُك ْم أَهوَؿ َمهرةٍ َوإِلَْيو تُػ ْر َجعُو َف * َوَما ُكْنػتُ ْم تَ ْستََبُو َف أَ ْف يَ ْش َه َد َعلَْي ُك ْم َ‪٠‬بْعُ ُك ْم َوال أَبْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُجلُودُ ُك ْم َولَ ِك ْن ظَنَػْنػتُ ْم أَ هف ه‬
‫اّلَلَ ال يَػ ْعلَ ُم َكثّباً ‪٩‬بها تَػ ْع َملُو َف * َوذَل ُك ْم ظَنُّ ُك ُم الهذي ظَنَػْنػتُ ْم بَِربِّ ُك ْم أ َْرَدا ُك ْم فَأ ْ‬
‫َصبَ ْحتُ ْم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اس ِرين * فَِإ ْف ي ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْب "‪ .‬اعملوا ما شئتم فإف‬ ‫وى َ‪٥‬بُْم َوإِ ْف يَ ْستَػ ْعتبُوا فَ َما ُى ْم م َن الْ ُم ْعتَبِ َ‬
‫هار َمثْ ً‬‫صربُوا فَالن ُ‬ ‫َ‬ ‫م َن ا ْ‪٣‬بَ َ‬
‫الشاىد عليكم يوـ لقاء هللا ىي أعضاؤكم وجوارحكم‪ ،‬وقد ورد عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أف أوؿ شيء يشهد على‬
‫اإلنساف فخذه ويده‪ .‬وقد قيل‪ :‬من أتى ا‪٣‬بميئة وىو يضحك دخل النار وىو يبكي‪ .‬وُب ا‪٢‬بديث‪ ":‬لو‬
‫يعلم ا‪٤‬بؤمن بكل الذي عند هللا من العذاب م أيمن النار"‪ .‬وُب الصحيحْب قاـ رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص حْب أنزؿ‬
‫عليو‪" :‬وأنذر عشّبتك األقربْب"‪ ،‬فقاؿ‪ :‬اي معشر قريش اشَبوا أنفسكم من هللا‪ ،‬ال أغِب عنكم من هللا‬

‫‪78‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫شيئًا‪ ،‬اي بِب عبد مناؼ ال أغِب عنكم من هللا شيئًا‪ ،‬اي عباس عم رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص ال أغِب عنك من هللا‬
‫شيئًا‪ ،‬اي صفية عمة رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬ال أغِب عنك من هللا شيئًا‪ ،‬اي فاطمة بنت دمحم‪ ،‬سليِب من مايل ما‬
‫شئت‪ ،‬ال أغِب عنك من هللا شيئًا"‪ .‬فيا عباد هللا‪ :‬ا‪٣‬بوؼ من هللا والبكاء من خشية هللا أمر مملوب‬
‫و‪٧‬ببوب من ا‪٤‬بؤمن‪ ،‬ٯبازى عليو اب‪٣‬بّب والنعيم ا‪٤‬بقيم‪ ،‬ومصداؽ ذلك ما ُب الصحيحْب أنو ملسو هيلع هللا ىلص ذكر السبعة‬
‫الذين يظلهم هللا ‪ٙ‬بت ظل عرشو يوـ ال ظل إال ظلو‪ ،‬رجبلً ذكر هللا ‪ -‬أي وعيده وعقابو‪ -‬خاليًا ففاضت‬
‫عيناه – أي خوفًا ‪٩‬با اجتناه واقَبفو من ا‪٤‬بخالفات والذنوب‪ . -‬وُب حديث ابن عباس عن النيب صلى هللا‬
‫عليو وسلم أنو قاؿ‪ ":‬عيناف ال ‪ٛ‬بسهما النار‪ :‬عْب بكت ُب جوؼ الليل من خشية هللا‪ ،‬وعْب ابتت ‪ٙ‬برس‬
‫ُب سبيل هللا"‪ .‬اتقوا هللا عباد هللا فإنو ال ٯبود بدمع عينْب خوفًا من هللا وعقابو وأليم عذابو إال من‬
‫استقامت جوارحو واستنار قلبو‪ ،‬وخالط اإلٲباف دمو و‪٢‬بمو فعرؼ هللا حق معرفتو‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ‬
‫َجٌر‬ ‫ِ‬ ‫وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬إِ هف اله ِذين َٱبْ َشو َف ربػه ُهم ِابلْغَْي ِ‬
‫ب َ‪٥‬بُْم َم ْغفَرةٌ َوأ ْ‬ ‫َ ْ َ ْ‬
‫اللميف ا‪٣‬ببّبُ "‪ .‬ابرؾ‬ ‫الص ُدوِر * أَال يَػ ْعلَ ُم َم ْن َخلَ َق وىو‬ ‫َكبِّب* وأ َِسُّروا قَػولَ ُكم أَ ِو اجهروا بِِو إِنهو علِيم بِ َذ ِ‬
‫ات ُّ‬
‫ُ‬ ‫َُ ٌ‬ ‫ْ ْ ْ َُ‬ ‫ٌ َ‬
‫هللا يل ولكم ُب القرآف العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم أقوؿ قويل ىذا وأستغفر هللا‬
‫يل ولكم فاستغفروه إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ من خشيو ‪٪‬با‪ ،‬ومن اتقاه فاز‪ ،‬ومن اىتدى بو عصم‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم من دؿ أمتو إىل ا‪٥‬بدى‬ ‫شريك لو‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫والرشاد‪ ،‬وعلى آلو وأصحابو من قاـ هبم الدين وشاد‪ .‬أما بعد‪:‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا‪ ،‬فاتقوا‬
‫هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا أنو مهما طالت ابإلنساف األايـ وأخذ من الدنيا مبتغاه وتيسرت لو أسباب‬
‫السعادة فيها وجاد هللا عليو ابألمواؿ والبنْب ومتعو ابلصحة والعافية‪ٍ ،‬ب قابل ربو ومواله على ىذه النعم‬
‫أبنواع من ا‪٤‬بخالفات‪ ،‬وغفل قلبو وقسا‪ ،‬و‪ٝ‬بدت عينو ومع الدنيا ‪٥‬با‪ ،‬فإ٭با ىو عبد استدرجو مواله‪":‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َسنَ ْستَ ْد ِر ُج ُه ْم ِم ْن َحْي ُ‬
‫ْب "‪ .‬فما أجدر ابإلنساف أف يكوف من‬ ‫ث ال يَػ ْعلَ ُمو َف * َوأ ُْملي َ‪٥‬بُْم إِ هف َكْيدي َمت ٌ‬
‫منكرا وال يقدـ على معصية‪ ،‬يقوؿ الرسوؿ ملسو هيلع هللا ىلص‪ ":‬كل عْب ابكية يوـ القيامة‪،‬‬ ‫خشية ربو مشف ًقا‪ ،‬فبل أيٌب ً‬
‫إال عينًا غضت عن ‪٧‬بارـ هللا‪ ،‬وعينًا سهرت ُب سبيل هللا‪ ،‬وعينًا ٱبرج منها مثل راسي الذابب من خشية‬

‫‪79‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫مكاان من جسده إال حرـ‬


‫هللا"‪ .‬قاؿ عوف بن عبد هللا ‪[ :‬بلغِب أنو ال تصيب دموع اإلنساف من خشية هللا ً‬
‫هللا ذلك ا‪٤‬بكاف على النار]‪.‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .29‬فعً شيش شعثاْ‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ فالق النوى وا‪٢‬بب‪ ،‬و‪٨‬برج ا‪٢‬بصيد واألب‪ ،‬وقابل التوب وغافر الذنب‪ ،‬شديد العقاب‬
‫ذي الموؿ ال إلو إال ىو إليو ا‪٤‬بصّب ‪،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‪ ،‬شهادةً أدخرىا ليوـ‬
‫الفاقة وأ‪ٚ‬بذىا عد ًة إذا حقت ا‪٢‬باقة‪ ،‬يوـ ال ‪ٛ‬بلك نف لنف شيئا واألمر يومئذ ﵁‪ ،‬وأشهد أف سيدان‬
‫‪٧‬بمدا عبده اجملتىب ورسولو ا‪٤‬بصمفى‪ ،‬إماـ األنبياء ُب اإلمامة والشفيع ا‪٤‬بشفع يوـ القيامة‪ ،‬اللهم صل وسلم‬ ‫ً‬
‫وابرؾ على سيدان دمحم سيد ا‪٤‬برسلْب‪ ،‬وإماـ ا‪٤‬بتقْب‪ ،‬وعلى آلو وصحبو أ‪ٝ‬بعْب‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم‬
‫ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا وأطيعوه‪ ،‬وا‪٠‬بعوا لقولو تعاىل‪( :‬سابقوا إىل مغفرة من ربكم وجنة عرضها‬
‫كعرض السماء واألرض أعدت للذين آمنوا اب﵁ ورسلو ذلك فضل هللا يؤتيو من يشاء وهللا ذو الفضل‬
‫العظيم)‪ .‬وُب ا‪٣‬برب‪" :‬أال إف لربكم ُب أايـ دىركم نفحات أال فتعرضوا ‪٥‬با"‪ .‬وىا ‪٫‬بن معاشر ا‪٤‬بسلمْب‬
‫استقبلنا شهر شعباف الذي قدـ ٗبعروؼ ربنا واإلحساف ‪،‬شهر تتشعب فيو الربكات وتزكو فيو األعماؿ ‪٤‬بن‬
‫سابق إىل ا‪٣‬بّبات ٕبفظ األوقات وعمل الصا‪٢‬بات‪ ،‬وقد أطنب ‪-‬عليو الصبلة والسبلـ‪ُ -‬ب وصفو‪ ،‬ورغب‬
‫ُب صيامو بقولو وفعلو‪ ،‬فكاف يكثر فيو من الصياـ ‪،‬ويميل ُب لياليو القياـ‪ ،‬وىو ‪-‬ملسو هلآو هيلع هللا ىلص‪ -‬قدوة لؤلانـ‪ ،‬وقد‬
‫كاف من دعائو ا‪٤‬بأثور‪[ :‬اللهم ابرؾ لنا ُب رجب وشعباف وبلغنا رمضاف]‪ .‬وروى اإلماـ النسائي عن أسامة‬
‫بن زيد ‪-‬هنع هللا يضر‪ -‬قاؿ‪ :‬قلت اي رسوؿ هللا‪ ،‬م أرؾ تصوـ من الشهور ما تصوـ من شعباف؟ قاؿ ‪-‬صلى هللا‬
‫عليو وآلو وسلم‪" :-‬ذاؾ شهر يغفل الناس فيو بْب رجب ورمضاف‪ ،‬وىو شهر ترفع فيو األعماؿ إىل رب‬
‫العا‪٤‬بْب ‪،‬وأحب أف يرفع عملي وأان صائم" ‪ .‬فقد ذكر ‪-‬عليو الصبلة والسبلـ‪ -‬سببْب لكثرة صيامو‬
‫لشعباف‪ ،‬أو‪٥‬بما‪ :‬غلبة الغفلة فيو؛ إذ أنو يقع بْب شهرين عظيمْب فيغفل الناس عن ىذا الشهر‪ ،‬والعبادة ُب‬
‫أوقات الغفلة أمر مشهود لو ومقصود من الشارع ا‪٢‬بكيم‪ .‬ورانيهما‪ :‬كوف األعماؿ ترفع إىل رب العا‪٤‬بْب‪،‬‬
‫مع أف األعماؿ ترفع ُب كل يوـ‪ ،‬فيكوف ىذا الذي ُب شعباف رفع ‪٨‬بصوص يفهم من األحاديث الٍب‬
‫وردت ُب فضل شعباف‪ .‬وعن عائشة ‪-‬اهنع هللا يضر‪ -‬بسند حسن قالت‪ :‬كاف النيب ‪-‬ملسو هلآو هيلع هللا ىلص‪ -‬يصوـ شعباف كلو‬
‫‪،‬قالت قلت اي رسوؿ هللا‪ :‬أحب الشهور إليك أف تصومو شعباف‪ .‬قاؿ‪" :‬إف هللا يكتب فيو على كل نف‬
‫ميتة تلك السنة‪ ،‬فأحب أف أيتيِب أجلي وأان صائم"‪ .‬فاعمروا ىذا الشهر ا‪١‬بليل بنوافل الماعة‪ ،‬وما أمكن‬
‫احدا من شعباف ُب سفر‬ ‫يوما و ً‬ ‫من اإلحساف بقدر االستماعة‪ .‬قاؿ ‪-‬عليو الصبلة والسبلـ‪" :-‬من صاـ ً‬
‫أو حضر جعل هللا بينو وبْب النار خندقا‪ ،‬طولو ما بْب ا‪٤‬بشرؽ وا‪٤‬بغرب"‪ .‬وعظموه ٗبا عظمو ا‪٤‬بوىل‪،‬‬

‫‪81‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫و‪ٛ‬بسكوا ٗبا كاف عليو السلف الصاّب ‪-‬رضواف هللا عليهم‪ -‬إذا نظروا ىبلؿ شعباف‪ ،‬أكبوا على ا‪٤‬بصاحف‬
‫يعرضوهنا‪ ،‬وأخرج الناس زكاة أموا‪٥‬بم ففرقوىا على الضعيف وا‪٤‬بسكْب‪ ،‬كل ذلك احتفاءً برمضاف وحسن‬
‫استقبالو‪ .‬ويؤيد ما ذكران ما جاء عن أن ‪-‬هنع هللا يضر‪ -‬قاؿ‪" :‬كاف ا‪٤‬بسلموف إذا دخل شعباف أكبوا على‬
‫ا‪٤‬بصاحف وأخرجوا الزكاة ودعا الوالة أىل السوف ‪-‬يعِب للعفو عنهم‪ -‬كل ذلك احتفاءً برمضاف وحسن‬
‫اسلتقبالو"‪ .‬فاغتنموا ر‪ٞ‬بكم هللا مواسم األرابح قبل أف تعضوا للندـ على التفريط ُب األعماؿ ك ًفا‪ ،‬وأعدوا‬
‫‪ٛ‬بتل خوفًا‪ ،‬واحذروا أف يكوف عملكم زي ًفا‪ ،‬واشَبوا اآلخرة ابلدنيا وال‬
‫عمبلً صا‪٢‬بًا ليوـ فلف فيو القلوب و ً‬
‫‪ٚ‬بشوا ُب ذلك غبنًا وال حي ًفا‪ ،‬وعاملوا ربكلم معاملة من نشلق من اليقْب عرفا‪ ،‬وسارعوا إىل مغفرةً من‬
‫ربكم فهذا أواف ا‪٤‬بسارعة‪ ،‬وراجعوا التوبة من ذنوبكم فهذا زماف ا‪٤‬براجعة‪ ،‬واعتربوا وفقكم هللا فقد حق لكم‬
‫االعتبار‪ ،‬وانظروا بعْب الفكرة واالستبصار‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف ‪،‬فإذا قرأت‬
‫القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ،‬أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪( :‬ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسو‬
‫حكيما)‪.‬‬
‫ً‬ ‫عليما‬
‫رحيما * ومن يكسب إ‪ٜ‬با فإ٭با يكسبو على نفسو وكاف هللا ً‬ ‫غفورا ً‬
‫ٍب يستغفر هللا ٯبد هللا ً‬
‫نفعِب هللا وإايكم هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من خلص احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل‬
‫ولكم ولوالدي ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ رب العا‪٤‬بْب‪ ،‬وال عدواف إال على الظا‪٤‬بْب‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‬
‫إلو األولْب واآلخرين‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو خاًب ا‪٤‬برسلْب‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم‬
‫إماـ ا‪٤‬بتقْب‪ ،‬وعلى آلو الميبْب الماىرين‪ ،‬وأصحابو الغر ا‪٤‬بيامْب‪ ،‬ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ الدين‪ .‬أما‬
‫بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا‪ ،‬فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬وا‪٠‬بعوا لقوؿ ا‪٢‬بق تبارؾ وتعاىل‪( :‬من‬
‫يمع الرسوؿ فقد أطاع هللا ومن توىل فما أرسلناؾ عليهم حفيظا)‪ .‬ولقد أرشدان ‪-‬عليو الصبلة والسبلـ‪-‬‬
‫إىل ما ينجينا من عذاب هللا ‪،‬وأف هللا يغفر للمستغفرين‪ ،‬ويرحم ا‪٤‬بسَبحْب ُب شهر شعباف‪ ،‬وأنو تعاىل ينظر‬
‫إىل عباده ُب ىذا الشهر ويغفر ‪٥‬بم‪ ،‬فتعرضوا ر‪ٞ‬بكم هللا ‪٤‬با يرد عليكم من النفحات فقد فتحت لكم‬
‫أبواهبا‪ ،‬واجتهدوا ُب األزمنة الفاضلة فوؽ ا‪٤‬بعتاد‪ ،‬واكتسبوا من ذخائرىا النفيسة ما ينفع يوـ ا‪٤‬بعاد‪ ،‬وقد‬
‫علمتم فضيلة شهركم ىذا بْب الشهور‪ ،‬وأنو تتشعب فيو ا‪٣‬بّبات و‪ٙ‬بط األوزار وتتضاعف األجور‪ .‬فبادروا‬

‫‪82‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫ابألعماؿ الصا‪٢‬بات‪ ،‬وتوبوا إىل هللا قبل فوات األوقات‪ ،‬وأكثروا من الصبلة والسبلـ على سيد‬
‫السادات‪...‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .31‬اإلجاصج ًاسرغالي األًلاخ (‪)1‬‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ رب العا‪٤‬بْب‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو شهادة حق ويقْب‪ ،‬وأشهد أف‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو سيد األولْب واآلخرين‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم ا‪٥‬بادي األمْب‪ ،‬وعلى‬ ‫سيدان ً‬
‫آلو الماىرين‪ ،‬وعلى أصحابو الغر ا‪٤‬بيامْب‪ ،‬وعلى التابعْب ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ الدين‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫عباد هللا‪ ،‬أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فإهنا جامعة لسعادة الدارين‪ ،‬وا‪٠‬بعوا لقوؿ هللا تعاىل حيث يقوؿ‪:‬‬
‫سرا وعبلنية من قبل أف أيٌب يوـ ال بيع فيو وال‬
‫﴿قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصبلة وينفقوا ‪٩‬با رزقناىم ً‬
‫خبلؿ﴾‪ .‬عباد هللا‪ ،‬ىذا توجيو إ‪٥‬بي من هللا إىل عباده ا‪٤‬بؤمنْب حثهم فيو أف ٱبلصوا أعما‪٥‬بم ليبلغوا هبا أعلى‬
‫درجات الرضا‪ ،‬وأف يستغلوا كل دقيقة ووقت من أعمارىم ُب العمل الذي يقرهبم من هللا‪ ،‬ويكسبهم‬
‫رضوانو ور‪ٞ‬بتو‪ ،‬فيقيموا الصبلة كما أمرىم وٰبافظوا على أدائها ُب أوقاهتا بكامل أركاهنا وواجباهتا‪ ،‬وأمرىم‬
‫سرا وعبلنية رجاء ثوابو ُب يوـ ا‪١‬بزاء حينما يوفوف أجورىم وتعرض أعما‪٥‬بم‬ ‫ابإلنفاؽ السخي ُب سبيل هللا ً‬
‫خّبا يره* ومن‬
‫وينصب ا‪٤‬بيزاف ويواجو كل امرئ ٕبصيلة عملو‪ ،‬ويتحقق قولو تعاىل‪﴿ :‬فمن يعمل مثقاؿ ذرة ً‬
‫شرا يره﴾‪ .‬ومن ىنا يظهر أف اإلٲباف واألعماؿ الصا‪٢‬بة ىي الرصيد ا‪٢‬بقيقي ا‪٤‬بدخر للعبد‬ ‫يعمل مثقاؿ ذرة ً‬
‫يوـ القيامة‪﴿ ،‬يوـ ال ينفع ماؿ وال بنوف﴾‪﴿ ،‬يوـ ال بيع فيو وال خلة﴾‪ ،‬إ٭با ىو حساب وجزاء‪ ،‬فإما عمل‬
‫صاّب يستحق صاحبو الثواب‪ ،‬أو عمل سيء يستوجب فاعلو العقاب‪ ،‬ولذلك اإلشارة من هللا تبارؾ‬
‫وتعاىل ُب قولو‪﴿ :‬ونضع ا‪٤‬بوازين القسط ليوـ القيامة فبل تظلم نف شيئًا وإف كاف مثقاؿ حبة من خردؿ‬
‫أتينا هبا وكفى بنا حاسبْب﴾‪.‬‬

‫عباد هللا‪ ،‬إف الدقائق والثوا ي والساعات واألايـ والليايل ُب أعماؿ العباد وحياة األفراد ‪٥‬با وزف‬
‫وحساب‪ ،‬ولنقف وقفةً مع أنفسنا ُب ىذه األايـ الٍب تسمى أبايـ اإلجازة الصيفية ‪٪‬بد أف كل أب فكر ُب‬
‫صرؼ ما ‪٠‬باه ابإلجازة ألوالده ُب متعة من متع ىذه ا‪٢‬بياة الفانية‪ ،‬فكل رب أسرة ماؿ أبسرتو كما يقولوف‬
‫ليقضي معهم أسعد ‪٢‬بظات العمر ُب ىذه اإلجازة‪ ،‬إما ُب ملهى أو ُب سفر أو غّب ذلك‪ ،‬وىذا ُب حد‬
‫ذاتو لي ٕبراـ ولي ٗبعيب إف خبل عن معاصي هللا وكاف ُب إطار صحيح‪ ،‬ولكن لنحاسب أنفسنا بعمل‬
‫بعضا من ىذه األوقات ُب ‪٠‬بو الروح وارتباطها‬‫مقارنة ونقوؿ‪ :‬ىل تذكر اآلابء أبف يسعدوا أسرىم ويصرفوا ً‬
‫ذخرا للمؤمن أو لؤلسرة‬
‫بباريها وخالقها؟! وذلك ابالزدايد ُب الماعة ٔبميع صورىا وأشكا‪٥‬با؛ لتكوف ً‬
‫ا‪٤‬بؤمنة عند هللا تعاىل؟! فينبغي أف يعرؼ األب أنو البد من ا‪٤‬بوازنة ُب أمور ا‪٢‬بياة كلها؛ ألنو سبحانو وتعاىل‬

‫‪84‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫حذر من السهو واللهو والغفلة عنو وقمع أشواط ا‪٢‬بياة دوف عمل يعتد بو ا‪٤‬برء ُب آخرتو فقاؿ تعاىل‪﴿ :‬اي‬
‫أيها الذين آمنوا اتقوا هللا ولتنظر نف ما قدمت لغد واتقوا هللا إف هللا خبّب ٗبا تعملوف* وال تكونوا كالذين‬
‫نسوا هللا فأنساىم أنفسهم أولئك ىم الفاسقوف﴾‪ .‬وا‪٤‬بتأمل ُب ىذه اآلية سيجد حسرًة عظيمةً على فوات‬
‫ساعاتو وأايمو الٍب ذىبت سدى وضاعت ُب ا‪٤‬بقاىي وا‪٤‬بنتزىات وُب ضروب اللهو واإلعراض عن ذكر هللا‬
‫وترؾ الصبلة‪ ،‬أو كاف ضياعها ُب الثرثرة والفوضى والقيل والقاؿ داخل البيوت وا‪٤‬بكاتب وا‪٤‬بصانع‬
‫واجملتمعات‪ .‬يقوؿ هللا سبحانو وتعاىل ُب ا‪٢‬بديث القدسي‪" :‬إ٭با ىي أعمالكم أحصيها لكم‪ ،‬فمن وجد‬
‫خّبأ فليحمد هللا‪ ،‬ومن وجد غّب ذلك فبل يلومن إال نفسو"‪ .‬ويقوؿ ا‪٢‬بسن البصري ر‪ٞ‬بو هللا‪[:‬ما من يوـ‬
‫ينشق فجره إال اندى مناد من قبل ا‪٢‬بق‪ :‬اي بن آدـ أان خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مِب بعمل‬
‫صاّب فإ ي ال أعود إىل يوـ القيامة]‪ .‬وينبغي للمسلم بعد ىذا أف ال يتمتع من الدنيا إال ٗبا ال يشغل أو‬
‫يلهي عن هللا أو ينسي عن التناف ُب الباقيات الصا‪٢‬بات ُب فَبة العمر ا﵀دود‪ .‬فاتقوا هللا عباد هللا‪،‬‬
‫وحافظوا على أوقاتكم وفرائض دينكم‪ ،‬واتقوا هللا لعلكم تر‪ٞ‬بوف‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ‪ ،‬وبقولو يهتدي‬
‫ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ،‬أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪﴿ :‬قاؿ كم‬
‫يوما أو بعض يوـ فاسأؿ العادين* قاؿ إف لبثتم إال قليبلً لو أنكم‬ ‫لبثتم ُب األرض عدد سنْب* قالوا لبثنا ً‬
‫كنتم تعلموف*أفحسبتم أ٭با خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا ال ترجعوف*فتعاىل هللا ا‪٤‬بلك ا‪٢‬بق ال إلو إال ىو رب‬
‫العرش الكرمي﴾‪ .‬ابرؾ هللا يل ولكم ُب القرآف العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم أقوؿ‬
‫قويل ىذا وأستغفر هللا يل ولكم فاستغفروه إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي أكرمنا بدينو وأعزان بماعتو وجعلنا من خيار أمتو‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده‬
‫ال شريك لو‪ُ ،‬ب السماء ملكو وُب األرض سلمانو وُب البحر عظمتو‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو‬
‫وصفيو من خلقو‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم الذي بلغ الرسالة وأدى األمانة ونصح األمة وكشف‬
‫الغمة‪ ،‬وعلى آلو وأصحابو ا‪٥‬بداة األئمة ‪ . .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم وإايي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل‬
‫وأطيعوه‪ .‬واعلموا أنو لي ُب الوجود أغلى من الوقت‪ ،‬ولي ُب ا‪٢‬بياة نعمة بعد اإلٲباف أعظم من نعمة‬
‫الصحة والفراغ‪ ،‬قاؿ عليو السبلـ‪" :‬نعمتاف مغبوف فيهما كثّب من الناس الصحة والفراغ"ٔ‪ .‬وا‪٤‬بعُب أف الدنيا‬

‫ٔ رواه البخاري‬

‫‪85‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫مزرعة اآلخرة وفيها التجارة الٍب يظهر رٕبها ُب اآلخرة‪ ،‬فمن استعمل فراغو ُب طاعة هللا فهو الفائز‬
‫ا‪٤‬بغبوط‪ ،‬ومن استعملو ُب معصية هللا فهو ا‪٣‬باسر ا‪٤‬بغبوف‪.‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .31‬اإلجاصج ًاسرغالي األًلاخ (‪)2‬‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫شكورا‪ ،‬أ‪ٞ‬بده سبحانو وتعاىل‬


‫ً‬ ‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي جعل الليل والنهار خلفةً ‪٤‬بن أراد أف يتذكر أو أراد‬
‫‪٧‬بمدا‬
‫وفق عباده ا‪٤‬بؤمنْب للتذكر واالعتبار‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫ونذيرا‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آلو وأصحابو ومن‬ ‫بشّبا ً‬
‫عبده ورسولو أرسلو مواله ً‬
‫تبعهم إبحساف إىل يوـ الدين‪ .‬أما بعد‪ :‬أيها ا‪٤‬بسلموف أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فإهنا جامعة لسعادة‬
‫سرا‬
‫الدارين‪ ،‬وا‪٠‬بعوا لقوؿ هللا تعاىل حيث يقوؿ‪ ":‬قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصبلة وينفقوا ‪٩‬با رزقناىم ً‬
‫وعبلنية من قبل أف أيٌب يوـ ال بيع فيو وال خبلؿ"‪ .‬عباد هللا ىذا توجيو إ‪٥‬بي إىل عباده ا‪٤‬بؤمنْب حثهم فيو‬
‫أف ٱبلصوا أعما‪٥‬بم ليبلغوا هبا أعلى درجات الرضا‪ ،‬وأف يستغلوا كل دقيقة ووقت من أعمارىم ُب العمل‬
‫الذي يقرهبم من هللا ويكسبهم رضوانو ور‪ٞ‬بتو فيقيموا الصبلة كما أمرىم وٰبافظوا على أدائها ُب أوقاهتا‬
‫سرا وعبلنية رجاء ثوابو ُب يوـ ا‪١‬بزاء حينما‬
‫بكامل أركاهنا وواجباهتا‪ ،‬وأمرىم ابإلنفاؽ السخي ُب سبيل هللا ً‬
‫يوفوف أجورىم وتعرض أعما‪٥‬بم وينصب ا‪٤‬بيزاف ويواجو كل امرئ ٕبصيلة عملو ويتحقق قولو تعاىل‪ ":‬فمن‬
‫شرا يره"‪ .‬ومن ىنا يظهر أف اإلٲباف واألعماؿ الصا‪٢‬بة‬ ‫خّبا يره* ومن يعمل مثقاؿ ذرة ً‬‫يعمل مثقاؿ ذرة ً‬
‫ىي الرصيد ا‪٢‬بقيقي ا‪٤‬بدخر للعبد يوـ القيامة يوـ ال ينفع ماؿ وال بنوف‪ ،‬يوـ ال بيع فيو وال خلة‪ ،‬إ٭با ىو‬
‫حساب وجزاء‪ ،‬فإ٭با ىو عمل صاّب يستحق صاحبو الثواب أو عمل سيء يستوجب فاعلو العقاب‬
‫ولذلك اإلشارة من هللا تبارؾ وتعاىل ُب قولو‪ ":‬ونضع ا‪٤‬بوازين القسط ليوـ القيامة فبل تظلم نف شيئًا وإف‬
‫كاف مثقاؿ حبة من خردؿ أتينا هبا وكفى بنا حاسبْب "‪ .‬عباد هللا إف الدقائق والثوا ي والساعات واألايـ‬
‫والليايل ُب أعماؿ العباد وحياة األفراد ‪٥‬با وزف وحساب‪ ،‬ولنقف وقفةً مع أنفسنا ُب ىذه األايـ الٍب تسمى‬
‫أبايـ اإلجازة الصيفية ‪٪‬بد أف كل أب فكر ُب صرؼ ما ‪٠‬باه ابإلجازة ألوالده ُب متعة من متع ىذه ا‪٢‬بياة‬
‫الفانية‪ ،‬فكل رب أسرة ماؿ أبسرتو كما يقولوف ليقضي معهم أسعد ‪٢‬بظات العمر ُب ىذه اإلجازة‪ ،‬إما ُب‬
‫ملهى أو ُب سفر أو غّب ذلك وىذا ُب حد ذاتو لي ٕبراـ ولي ٗبعيب إف خبل عن معاصي هللا وكاف ُب‬
‫إطار صحيح‪ ،‬ولكن لنحاسب أنفسنا بعمل مقارنة ونقوؿ‪ :‬ىل تذكر اآلابء أبف يسعدوا أسرىم ويصرفوا‬
‫بعضا من ىذه األوقات ُب ‪٠‬بو الروح وارتباطها بباريها وخالقها وذلك ابالزدايد ُب الماعة ٔبميع صورىا‬ ‫ً‬
‫ذخرا للمؤمن أو لؤلسرة ا‪٤‬بؤمنة عند هللا تعاىل؟! فينبغي أف يعرؼ أنو البد من ا‪٤‬بوازنة ُب‬
‫وأشكا‪٥‬با لتكوف ً‬
‫أمور ا‪٢‬بياة كلها؛ ألنو سبحانو وتعاىل حذر من السهو واللهو والغفلة عنو وقمع أشواط ا‪٢‬بياة دوف عمل‬

‫‪87‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫يعتد بو ا‪٤‬برء ُب آخرتو فقاؿ تعاىل‪ ":‬اي أيها الذين آمنوا اتقوا هللا ولتنظر نف ما قدمت لغد واتقوا هللا إف‬
‫هللا خبّب ٗبا تعملوف* وال تكونوا كالذين نسوا هللا فأنساىم أنفسهم أولئك ىم الفاسقوف"‪ .‬وا‪٤‬بتأمل ُب ىذه‬
‫اآلية سيجد حسرةً عظيمةً على ساعاتو وأايمو الٍب ذىبت سدى وضاعت ُب ا‪٤‬بقاىي وا‪٤‬بنتزىات وُب‬
‫ضروب اللهو واإلعراض عن ذكر هللا وترؾ الصبلة‪ ،‬أو كاف ضياعها الثرثرة والفوضى والقيل والقاؿ داخل‬
‫البيوت وا‪٤‬بكاتب وا‪٤‬بصانع واجملتمعات‪ ،‬وهللا تعاىل يقوؿ ُب ا‪٢‬بديث القدسي‪ ":‬إ٭با ىي أعمالكم أحصيها‬
‫لكم‪ ،‬فمن وجد خّبأ فليحمد هللا‪ ،‬ومن وجد غّب ذلك فبل يلومن إال نفسو"‪ .‬يقوؿ ا‪٢‬بسن البصري ر‪ٞ‬بو‬
‫هللا‪ [:‬ما من يوـ ينشق فجره إال اندى مناد من قبل ا‪٢‬بق‪ :‬اي بن آدـ أان خلق جديد وعلى عملك شهيد‬
‫فتزود مِب بعمل صاّب فإ ي ال أعود إىل يوـ القيامة]‪ .‬وينبغي للمسلم بعد ىذا أف ال يتمتع من الدنيا إال ٗبا‬
‫ال يشغل أو يلهي عن هللا أو ينسي عن التناف ُب الباقيات الصا‪٢‬بات ُب فَبة العمر ا﵀دود‪ ،‬فاتقوا هللا‬
‫عباد هللا وحافظوا على أوقاتكم وفرائض دينكم واتقوا هللا لعلكم تر‪ٞ‬بوف أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪":‬‬
‫يوما أو بعض يوـ فاسأؿ العادين* قاؿ إف لبثتم إال قليبلً لو‬
‫قاؿ كم لبثتم ُب األرض عدد سنْب* قالوا لبثنا ً‬
‫أنكم كنتم تعلموف*أفحسبتم أ٭با خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا ال ترجعوف*فتعاىل هللا ا‪٤‬بلك ا‪٢‬بق ال إلو إال ىو‬
‫رب العرش الكرمي"‪ .‬ابرؾ هللا يل ولكم ُب القرآف العظيم ونفعِب وإايكم ٗبا فيو من اآلايت والذكر وا‪٢‬بكيم‬
‫أقوؿ قويل ىذا وأستغفر هللا يل ولكم فاستغفروه إنو غفور رحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي أكرمنا بدينو وأعزان بماعتو وجعلنا من خيار أمتو‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده‬
‫ال شريك لو ُب السماء ملكو وُب األرض سلمانو وُب البحر عظمتو‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو‬
‫وصفيو من خلقو‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم الذي بلغ الرسالة وأدى األمانة ونصح األمة وكشف‬
‫الغمة وعلى آلو وأصحابو ا‪٥‬بداة األئمة‪ .‬عباد هللا لي ُب الوجود أغلى من الوقت ولي ُب ا‪٢‬بياة نعمة بعد‬
‫اإلٲباف أعظم من نعمة الصحة والفراغ قاؿ عليو السبلـ‪ ":‬نعمتاف مغبوف فيهما كثّب من الناس الصحة‬
‫والفراغ"‪ .‬وا‪٤‬بعُب أف الدنيا مزرعة اآلخرة وفيها التجارة الٍب يظهر رٕبها ُب اآلخرة فمن استعمل فراغو ُب‬
‫طاعة هللا فهو الفائز ا‪٤‬بغبوط‪ ،‬ومن استعملو ُب معصية هللا فهو ا‪٣‬باسر ا‪٤‬بغبوف‪.‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬

‫‪88‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .32‬فعً اٌصياَ ًأمهيرو‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي خصنا معشر األمة ا﵀مدية بصياـ شهر رمضاف‪ ،‬وأكرمنا فيو إبنزاؿ القرآف‪ ،‬وأشهد‬
‫أف ال إلو هللا وحده ال شريك لو جعل الصياـ سبباً لتقوى هللا والقياـ بماعتو ومراقبتو على الدواـ‪ ،‬وأشهد‬
‫أف سيدان دمحماً عبده ورسولو أرشد أمتو للصياـ‪ ،‬لينالوا ا‪٣‬بلود ُب دار السعادة واإلكراـ‪ ،‬اللهم صل وسلم‬
‫وابرؾ على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم وعلى آلو الماىرين الكراـ‪ ،‬وعلى صحابتو األعبلـ‪ ،‬وعلى التابعْب‬
‫‪٥‬بم ومن تبعهم إبحساف‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا‬
‫عباد هللا أف الصوـ حرماف للنفوس عن مألوفاهتا وحب للجوارح عن شهواهتا وملذاهتا‪ ،‬كل ذلك ليتخلق‬
‫العبد الصاّب ٖبلق القرآف‪ ،‬وليشعر اب‪٤‬بقاومة لكل إحساس غّب شريف فيبتعد عنو‪ ،‬ولكل رغبة ُب ا‪٢‬براـ‬
‫فيجتنبها مهما كثرت عليو ا‪٤‬بغرايت أو تعرضت لو الشهوات‪ ،‬فالصياـ اي عباد هللا ٗبثابة االمتحاف للعبد‪،‬‬
‫فإذا اجتاز االمتحاف و‪٪‬بح ُب مقاومة الباطل واكتساب التقوى كاف ذلك عوانً لو على الماعة واستمراراً‬
‫للمقاومة وتقوية اإلرادة الشريفة ُب مواجهة التحدايت الشيمانية‪ ،‬فكل موقف يتعرض لو من عورة مكشوفة‬
‫أو رعونة منحرفة أو رغبة حيوانية أو لذة ‪٧‬برمة أو أي مرض اجتماعي إال حفظتو التقوى الٍب رٕبها من‬
‫صيامو‪ ،‬والٍب قاوـ هبا تلك التحدايت‪ ،‬وسلم من تلك ا‪٤‬بغرايت ففاز برضواف هللا ومغفرتو‪ ،‬ومن أجل ذلك‬
‫فإف الصائم اليعد صائماً حٌب يكف نظره عن العورات وا﵀رمات‪ ،‬وحٌب ٰبفظ لسانو عن التحدث ابلباطل‬
‫وعن الكذب والغيبة والنميمة وقوؿ الزور‪ ،‬ويكف عن شتم أعراض ا‪٤‬بؤمنْب‪ ،‬وحٌب ٰبفظ صومو من لغو‬
‫ا‪٢‬بديث وابطلو‪ ،‬جاعبلً نصب عينيو قوؿ ا‪٤‬بصمفى ملسو هيلع هللا ىلص‪" :‬من م يدع قوؿ الزور والعمل بو فلي ﵁ حاجة‬
‫ُب أف يدع طعامو وشرابو"‪ .‬ومن ظن أف الصوـ إمساؾ عن المعاـ والشراب والشهوة فحسب فقد أخمأ‬
‫الصواب وابتعد عن المريق القومي والنهج ا‪٤‬بستقيم‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬إذا كانت األلسن قد تعودت المعن ُب‬
‫أعراض الناس والنيل من كرامتهم ابلنقد والتجريح والشتيمة؛ فقد جعل هللا لو الصياـ ٗبثابة اللجاـ ٲبنعو من‬
‫ذلك‪ ،‬فالصياـ بذلك حرماف يقوـ عليو ا‪٤‬بؤمن شخصيتو ويهذب أخبلقو ويؤدب نفسو ويعوده مكارـ‬
‫األخبلؽ حٌب يكوف من ا‪٤‬بؤمنْب الذين وصفهم هللا بقولو‪" :‬قد أفلح ا‪٤‬بؤمنوف * الذين ىم ُب صبلهتم‬
‫خاشعوف * والذين ىم عن اللغو معرضوف"‪ ،‬وحٌب يتحقق فيو قولو تعاىل‪" :‬والذين ال يشهدوف الزور وإذا‬
‫مروا ابللغو مروا كراماً * والذين إذا ذكروا ِبايت رهبم م ٱبروا عليها صماًّ وعمياانً "‪ .‬ولن يكوف ا‪٤‬بؤمن‬
‫صائماً حقيقة حٌب يتحقق فيو قولو تعاىل‪" :‬الذين يذكروف هللا قياماً وقعوداً وعلى جنوهبم ويتفكروف ُب‬

‫‪90‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫خلق السماوات واألرض ربنا ماخلقت ىذا ابطبلً سبحانك فقنا عذاب النار"‪ .‬قد كاف سلفنا الصاّب‬
‫يعدوف اال‪٫‬براؼ عن آداب الدين أثناء الصياـ من أسباب ا‪٤‬بفمرات‪ ،‬وكانوا ال يغفروف عن ذكر هللا‬
‫فعظمت مراتبهم وعز سلماهنم وقهرت قوهتم ‪ٝ‬بيع قوى الشر والمغياف؛ فعلينا اي عباد هللا أف نعيو ىذه‬
‫األايـ ا‪٤‬بباركة ُب ىذا الشهر الكرمي كما عاش أسبلفنا شرفاً وفضبلً وعبادة وذكراً‪ ،‬ونريب أنفسنا على‬
‫التمسك أبخبلؽ اإلسبلـ نسّب على ىديو ومثلو؛ ليكوف لصيامنا أثر إٯبايب ُب ‪٦‬بتمعنا وأسران و‪٧‬بيمنا‪،‬‬
‫وحٌب نكوف قدوة حسنة لغّبان ونتحقق ابلتقوى الٍب ذكره اهللا بقولو‪" :‬لعلكم تتقوف"‪ .‬فاتقوا هللا عباد هللا‬
‫وحافظوا على صيامكم وتعرضوا لنفحات ربكم وأروا هللا من أنفسكم خّباً وأحسنوا واصربوا فإف هللا يوُب‬
‫الصابرين أجرىم بغّب حساب‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ‪ ،‬وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ‬
‫اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ،‬أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬قل اي عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين‬
‫أحسنوا ُب ىذه الدنيا حسنة وأرض هللا واسعة إ٭با يوَب الصابروف أجرىم بغّب حساب"‪ .‬نفعِب هللا وإايكم‬
‫هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من خلص احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي‬
‫ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي شرح صدور عباده ا‪٤‬بؤمنْب بنور اإلٲباف‪ ،‬وكره إليهم الكفر والفسوؽ والعصياف‪،‬‬
‫وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو فتح للمؤمنْب ُب ىذا الشهر أبواب ا‪٣‬بّب والرضواف‪ ،‬وأشهد أف‬
‫سيدان ونبينا دمحماً عبده ورسولو حث أمتو على اغتناـ فرص الزماف‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على عبدؾ‬
‫ورسولك سيدان دمحم سيد ولد عدانف ‪،‬وعلى آلو وأصحابو أويل الفضل واإلحساف‪ .‬عباد هللا‪ ،‬أوصيكم‬
‫ونفسي بتقوى هللا ‪،‬فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه ‪.‬عباد هللا إف ا‪٤‬بؤمن ا‪٢‬بق ىو الذي يغتنم أوقات عمره و‪٢‬بظات‬
‫حياتو فيما ينفعو ُب أخراه‪ ،‬وٰبرص أكثر إذا كانت أايـ الماعات مباركات‪ ،‬وساعات الفيض اإل‪٥‬بي‬
‫متواليات‪ ،‬فإف العاقل يغتنم ذلك؛ ألنو اليدري بعد ذلك ىل يدرؾ أمثاؿ ىذه األايـ واللياؿ أـ يقضى‬
‫عليو األجل ويكوف ُب عداد األموات! فالبدار البدار اي عباد هللا‪ ،‬ومشروا عن ساعد ا‪١‬بد وابدروا‬
‫ابلماعات ُب ىذه األايـ ا‪٤‬بباركات‪ ،‬فإف السعيد من اغتنم ساعات حياتو وأحياىا ابألعماؿ الصا‪٢‬بة‪،‬‬
‫فحافظوا إخوا ي على الصلوات فإف صبلة الفريضة ُب ىذا الشهر كسبعْب فريضة فيما سواه‪ ،‬والنافلة‬

‫‪91‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫بفريضة‪ ،‬فحافظوا على السنن وعلى صبلة الَبااويح فإهنا شعار ىذا الشهر مع الصياـ‪ ،‬وصلوا على خّب‬
‫األانـ‪.‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .33‬اسرمثاي شيش سِعاْ اٌىشيُ (‪)1‬‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫أبدا‪ ،‬ووعدان‬ ‫دائما ً‬


‫تَبا‪ ،‬وطلب منا ا‪١‬بد واالجتهاد ً‬
‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي جعل مواسم ا‪٣‬بّبات ‪٥‬بذه األمة ً‬
‫‪٧‬بمدا‬
‫أجرا‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو رب السماوات واألرضْب‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬ ‫عليو ً‬
‫عبده ورسولو ا‪٤‬ببعوث ر‪ٞ‬بة للعا‪٤‬بْب‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم الرسوؿ الكرمي‪ ،‬وعلى آلو‬
‫وأصحابو ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ الدين‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل‬
‫وأطيعوه‪ ،‬واغتنموا مواسم الماعات فأايـ ا‪٤‬بواسم معدودة‪ ،‬وانتهزوا فرص األوقات فساعات اإلسعاد‬
‫‪٧‬بدودة‪ ،‬وجدوا ُب طلب ا‪٣‬بّبات فمناىل الرضواف مورودة‪ ،‬وقوموا على قدـ السداد واتقوا هللا الذي إليو‬
‫وطمعا و‪٩‬با رزقناىم ينفقوف‪ ،‬قاؿ تعاىل‪ ":‬فبل تعلم نف ما‬ ‫‪ٙ‬بشروف‪ ،‬وكونوا من الذين يدعوف رهبم خوفًا ً‬
‫أخفى ‪٥‬بم من قرة أعْب جزاء ٗبا كانوا يعملوف* أفمن كاف مؤمنًا كمن كاف فاس ًقا ال يستووف* أما الذين‬
‫آمنوا وعملوا الصا‪٢‬بات فلهم جنات ا‪٤‬بأوى نزالً ٗبا كانوا يعملوف"‪ .‬عباد هللا‪ ،‬اعلموا أنو قد قارب أف ٰبل‬
‫عليكم شهر كرمي وموسم عظيم خصو هللا تعاىل من بْب سائر الشهر ابلتشريف والتكرمي‪ ،‬وأنزؿ فيو القرآف‬
‫شكرا على ىذا اإلنعاـ والفضل العميم‪ ،‬وسن لكم قيامو نبيكم الكرمي‪،‬‬ ‫العظيم‪ ،‬وفرض صيامو على ا‪٤‬بؤمنْب ً‬
‫شهر الربكات وا‪٣‬بّبات‪ ،‬شهر اإلفاضات والنفحات‪ ،‬شهر إقالة العثرات‪ ،‬شهر مضاعفة ا‪٢‬بسنات‪ ،‬شهر‬
‫إجابة الدعوات‪ ،‬شهر إعتاؽ الرقاب من النّباف‪ ،‬شهر ال يعدؿ بو سواه من األوقات‪ ،‬ا‪٢‬بسنة فيو أبلف‬
‫حسنة فيما سواه‪ ،‬والفريضة تعدؿ سبعْب فريضةً ‪٤‬بن تقبل منو مواله‪ ،‬ومن أجل ىذا الفضل العميم كاف‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص يدعوا هللا أف يبلغو رمضاف‪ ،‬فكاف إذا دخل رجب يقوؿ‪" :‬اللهم ابرؾ لنا ُب رجب وشعباف وبلغنا‬
‫رمضاف"‪ .‬وكاف السلف يدعوف هللا ستة أشهر أف يبلغهم رمضاف‪ٍ ،‬ب يدعونو ستة أشهر أف يتقبلو منهم‪،‬‬
‫وكاف من دعائهم‪ :‬اللهم سلمِب إىل رمضاف‪ ،‬وسلم يل رمضاف‪ ،‬وتسلمو مِب متقببلً‪ .‬وكاف النيب ملسو هيلع هللا ىلص يبشر‬
‫أصحابو بقوـ رمضاف فيقوؿ‪" :‬قد جاءكم شهر رمضاف‪ ،‬شهر مبارؾ كتب هللا عليكم صيامو‪ ،‬فيو تفتح‬
‫أبواب السماء وتغلق فيو أبواب ا‪١‬بحيم‪ ،‬وتغل فيو مردة الشياطْب‪ ،‬﵁ فيو ليلة خّب من ألف شهر من حرـ‬
‫خّبىا فقد حرـ"ٔ‪ .‬وُب حديث آخر عنو ملسو هيلع هللا ىلص أنو يقوؿ‪ ":‬أاتكم رمضاف سيد الشهور‪ ،‬فمرحبًا بو وأىبلً‪،‬‬
‫شهرا ٱبص هبذا كلو من قبل سيد الكائنات‬ ‫جاء شهر الصياـ ابلربكات‪ ،‬فأكرـ بو من زائر ىو آت"ٕ‪ .‬إف ً‬
‫‪١‬بدير أف نستقبلو استقباالً حافبلً‪ ،‬أو تدروف كيف يكوف ذلك االستقباؿ؟ أيكوف ابلمبوؿ وا‪٤‬بوسيقى؟ أـ‬
‫ٕبشد األرزاؽ وأشهى أنواع ا‪٤‬بأكوالت؟ أـ ابالستعداد إلقامة السهر وضياع األوقات؟ ‪ .‬ال إنو ال يكوف‬

‫‪93‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫بذلك ورب الكعبة‪ ،‬وإ٭با يكوف بتمهّب النف من أنواع الذنوب واآلراـ‪ ،‬وابلتوبة للملك العبلـ‪ .‬أيها‬
‫ا‪٤‬بسلم‪ ،‬إف م تعلن التوبة اليوـ فمٌب تعلنها؟ وإف م تمهر نفسك من رذيلة ا‪٤‬بعصية فمٌب تمهرىا؟ وإف م‬
‫ترفع يديك إىل موالؾ طالبًا ا‪٤‬بغفرة فإىل من ترجع؟ أيها الغافل اي من سيمرت عليو الذنوب واآلراـ‪ ،‬ىل‬
‫يدا يصب على رأسك‬ ‫وحيدا فر ً‬
‫أبدا؟‪ ،‬أـ أخربت أنك لن تدخل القرب ً‬ ‫عهدا أف تعيش ً‬
‫ا‪ٚ‬بذت عند هللا ً‬
‫الَباب وأيكلك الدود‪ ،‬ولن ينفعك عزؾ وال جاىك وال سلمانك وإ٭با العمل الصاّب‪ ،‬أما علمت اي‬
‫مسكْب أنو يتربأ منك ُب اليوـ الٍب تشخص فيو األبصار وتبلغ القلوب لدى ا‪٢‬بناجر من شدة ا‪٣‬بوؼ‬
‫عندما يعاين الناس النار‪ ،‬عندىا يتربأ عنك ا‪٢‬ببيب والقريب ومن جانسك على فعل ا‪٤‬بعصية ومن قربتو‬
‫منكرا أعانك وإف عزمت على‬ ‫إليك ُب الدنيا وساعدؾ ُب الغفلة عن هللا و م يذكرؾ اب﵁ بل إف فعلت ً‬
‫خّب خذلك‪ ،‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ‪" :‬األخبلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إال ا‪٤‬بتقْب"‪ .‬عبد هللا‪ ،‬ما ضرؾ‬
‫ُب دينك إال صاحبك إف م يكن متقيًا ﵁‪ ،‬فهو كما شبهو الرسوؿ ملسو هيلع هللا ىلص إف كاف ا‪١‬بلي صا‪٢‬بًا ٕبامل‬
‫جليسا يعينك‬
‫ا‪٤‬بسك‪ ،‬وإف كاف خبيثًا ال أيمر إال اب‪٤‬بنكر كنافخ الكّب‪ ،‬فعليك أف ‪ٚ‬بتار لنفسك من اليوـ ً‬
‫على طاعة هللا تسعد بو ُب الدنيا واآلخرة‪ ،‬وعلينا أف نعلن التوبة حٌب نكوف أىبلً الستقباؿ شهر التوبة‪،‬‬
‫خاصةً من الذين يرتكبوف كبائر اآلراـ من شرب ا‪٣‬بمور‪ ،‬أو عقوؽ الوالدين‪ ،‬وقمع األرحاـ‪ ،‬وأكل الراب‪،‬‬
‫وظلم الناس‪ ،‬وتعاطي الرشاوي‪ ،‬وترؾ الصبلة‪ ،‬والغيبة والنميمة‪ ،‬والكذب‪ ،‬وشهادة الزور‪ ،‬وا‪٢‬بسد‪ ،‬والتكرب‬
‫على عباد هللا وغّبىا من كبائر اآلراـ‪ .‬فعلينا أف نستعد ‪٥‬بذا الشهر بتمهّب النف وتزكية القلب واالستزادة‬
‫من أعماؿ ا‪٣‬بّب حٌب يقدـ علينا ىذا الشهر و‪٫‬بن أىبلً للعبادة‪ ،‬و‪٫‬بن أىبلً للمغفرة‪ ،‬أىبلً للر‪ٞ‬بة‪ ،‬أىبلً‬
‫للعتق من النار فإف من رحم ُب رمضاف فهو ا‪٤‬برحوـ‪ ،‬فيا أيها العامل ىذا أواف ا‪١‬بد واالجتهاد‪ ،‬واي أيها‬
‫الغافل ىذا وقت التيقظ إلعداد الزاد‪ ،‬روي عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنو قاؿ‪":‬‬
‫ما من يوـ ٲبر اال وملك ا‪٤‬بوت يهتف ُب ا‪٤‬بقابر فينادي ‪ :‬اي أىل القبور من ‪ٙ‬بسدوف اليوـ ؟ فيجيبونو‬
‫ويقولوف ‪٫‬بسد أىل ا‪٤‬بساجد ُب مساجدىم يصلوف وال نقدر اف نصلي ويصوموف وال نقدر اف نصوـ‬
‫ويتصدقوف وال نقدر أف نتصدؽ و يذكروف وال نقدر اف نذكر فيندموف على ما مضى من زماهنم "‪ .‬وصدؽ‬
‫هللا حيث يقوؿ‪ ،‬وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم أعوذ اب﵁ من‬
‫الشيماف الرجيم‪ ":‬أ‪٥‬بالكم التكاثر* حٌب زرًب ا‪٤‬بقابر* كبل سوؼ تعلموف* ٍب كبل سوؼ تعلموف* كبل لو‬
‫تعلموف علم اليقْب* لَبوف ا‪١‬بحيم* ٍب لَبوهنا عْب اليقْب* ٍب لتسألن يومئذ عن النعيم"‪ .‬نفعِب هللا وإايكم‬
‫هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من خلص احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي‬
‫ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي جعل شهر رمضاف سيد الشهور‪ ،‬وخصو ٔبميل ا‪٤‬بزااي وضاعف فيو األجور‪،‬‬
‫وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو جعل للخّب مواسم ٘بزؿ فيها ا‪٥‬ببات ويعظم السرور‪ ،‬وأشهد أف‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو من بذكره تنشرح الصدور‪ ،‬اللهم صل وسلم على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم‬ ‫سيدان ً‬
‫وعلى آلو وصحبو ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ البعث والنشور‪ ..‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى‬
‫هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا أف رمضاف يقبل عليكم وىو شهر الر‪ٞ‬بة وا‪٤‬بغفرة والرضواف‪ ،‬وبلوغ‬
‫رمضاف فرحة عظمى ونعمة كربى تقع ُب حساب من أحياه هللا بعد مرور عاـ حٌب بلغ رمضاف "وإف تعدوا‬
‫نعمة هللا ال ‪ٙ‬بصوىا"‪ .‬وواجب من أسبغ هللا عليو النعمة ببلوغ شهر الصياـ أف يستشعر النعمة ويقوـ‬
‫بشكر ا‪٤‬بنة "واشكروا نعمة هللا إف كنتم إايه تعبدوف"‪ .‬فاتقوا هللا عباد هللا واستقبلوا شهركم ابلتوبة والماعة‬
‫وتعرضوا لنفحات هللا فيو وعماايه واعملوا ا‪٣‬بّب لعلكم تفلحوف‪...‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .34‬اسرمثاي شيش سِعاْ اٌىشيُ (‪)2‬‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي جعل شهر رمضاف سيد الشهور‪ ،‬وخصو ٔبميل ا‪٤‬بزااي وضاعف فيو األجور‪،‬‬
‫وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو جعل للخّب مواسم ٘بزؿ فيها ا‪٥‬ببات ويعظم السرور‪ ،‬وأشهد أف‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو من بذكره تنشرح الصدور‪ ،‬اللهم صل وسلم على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم‬ ‫سيدان ً‬
‫وعلى آلو وصحبو ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ البعث والنشور‪ ..‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى‬
‫هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا عباد هللا أنكم بعد أايـ قبلئل تستقبلوف خّب ضيف ينزؿ بكم وأعظم‬
‫موسم سيحل بينكم‪ ،‬طا‪٤‬با انتظرًب قدومو واستعديتم إلكرامو وهتيأًب للقائو‪ ،‬ذلكم ىو شهر رمضاف‪ ،‬شهر‬
‫مضاعفة األجور ورفع الدرجات ومغفرة الذنوب و‪٧‬بو السيئات‪ ،‬شهر إعتاؽ الرقاب من النّباف وفتح ابب‬
‫ا‪١‬بناف‪ ،‬خصو هللا تعاىل من بْب سائر الشهور ابلتشريف والتكرمي‪ ،‬وأنزؿ فيو القرآف العظيم وفرض صيامو‬
‫على ا‪٤‬بؤمنْب‪ .‬عباد هللا‪ ،‬إف من كرـ هللا عز وجل أف جعل ىذه ا‪٤‬بواسم ا‪٤‬بباركة تتكرر على عباده بتكرر‬
‫السنْب؛ ليتكرر فضلو وإحسانو وعفوه وعماؤه وليباىي هللا بعباده مبلئكتو‪ ،‬ومن أجل ىذا الفضل العميم‬
‫كاف عليو الصبلة والسبلـ يدعو هللا أف يبلغو رمضاف‪ ،‬فكاف إذا دخل رجب يقوؿ‪" :‬اللهم ابرؾ لنا ُب‬
‫رجب وشعباف وبلغنا رمضاف"‪ .‬وقد كاف السلف الصاّب يدعوف هللا ستة أشهر أف يبلغهم رمضاف‪ٍ ،‬ب‬
‫عظيما‪ ،‬وسرورىم ُب أوقاتو وإمضاؤىم‬ ‫يدعونو ستة أشهر أف يتقبلو منهم‪ ،‬فكاف مبلغ فرحهم بقدومو ً‬
‫مبشرا أصحابو بقدوـ رمضاف‪:‬‬ ‫لساعاتو ابلعمل الصاّب متواصبلً مستدٲبًا‪ ،‬وقد قاؿ عليو الصبلة والسبلـ ً‬
‫"قد جاءكم شهر رمضاف شهر مبارؾ كتب هللا عليكم صيامو‪ ،‬فيو تفتح أبواب ا‪١‬بناف وتغلق أبواب‬
‫شهرا‬
‫ا‪١‬بحيم‪ ،‬وتغل فيو الشياطْب‪ ،‬وفيو ليلة خّب من ألف شهر من حرـ خّبىا فقد حرـ"‪ .‬عباد هللا‪ ،‬إف ً‬
‫ٰبظى هبذا االىتماـ ‪١‬بدير بنا أف نستقبلو استقباالً حافبلً‪ ،‬نستقبلو ٖبّب ما يستقبل بو الوافد الكرمي بتمهّب‬
‫النف من أنواع الذنوب واآلراـ‪ ،‬وابلتوبة للملك العبلـ‪ٍ ،‬ب العزـ على صيامو واإلكثار من ا‪٣‬بّب من صبلة‬
‫وصدقة وتبلوة للقرآف واإلحساف إىل األقارب والتصاُب مع اإلخواف‪ ،‬وإف كاف ذلك ٯبب ُب خلق ا‪٤‬بسلم‬
‫على الدواـ‪ ،‬وال يكوف استقبالو ٕبشد األرزاؽ وأشهى أنواع ا‪٤‬بأكوالت‪ ،‬وال ٗبشاىدة ا‪٤‬بسلسبلت‪ ،‬وال‬
‫ابلسهر ُب اللهو وضياع األوقات؛ فإف ذلك شأف الغافلْب وىو ا‪٣‬بسراف ا‪٤‬ببْب‪ ،‬فعليكم اي عباد هللا أف‬
‫تستعدوا ‪٥‬بذا الشهر العظيم بتمهّب النف وتزكية القلب واالستزادة من أعماؿ ا‪٣‬بّب‪ ،‬حٌب يقدـ علينا ىذا‬
‫الشهر و‪٫‬بن أىل للعبادة وأىل للمغفرة والر‪ٞ‬بة‪ ،‬فإف من رحم ُب رمضاف فهو ا‪٤‬برحوـ‪ ،‬ومن طرد فيو فهو‬

‫‪96‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫ا‪٤‬بمرود‪ ،‬ففرصة رمضاف لو أفلتت من العبد كانت عليو حسرًة وندامة؛ ولذا جاء ُب ا‪٢‬بديث أنو عليو‬
‫الصبلة والسبلـ صعد ا‪٤‬بنرب فقاؿ‪" :‬آمْب" ثبلث مرات‪ ،‬و‪٤‬با سئل عن ذلك‪ ،‬قاؿ "أات ي جربيل فقاؿ‪ :‬اي‬
‫دمحم من أدرؾ أحد والديو فمات فدخل النار فأبعده هللا‪ ،‬قل‪ :‬آمْب ‪ ،‬فقلت‪ :‬آمْب ‪ ،‬قاؿ‪ :‬اي دمحم‪ ،‬من‬
‫أدرؾ شهر رمضاف فمات فلم يغفر لو فأدخل النار فأبعده هللا‪ ،‬قل‪ :‬آمْب‪ ،‬فقلت ‪ :‬آمْب‪ ،‬قاؿ‪ :‬ومن‬
‫ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده هللا‪ ،‬قل ‪ :‬آمْب‪ ،‬فقلت‪ :‬آمْب"‪ .‬واب‪١‬بملة اي عباد‬
‫شهرا كامبلً عبادةً للمجتمع أبسره حٌب يكوف اإلصبلح شامبلً لؤلبداف‬ ‫هللا؛ فإف هللا جعل الصياـ ً‬
‫واألنف ‪ ،‬وحٌب يكوف السلوؾ نظي ًفا واللساف عفي ًفا وا‪١‬بوارح طائعةً ومنقادةً ألوامر هللا‪ ،‬فاتقوا هللا عباد هللا‬
‫خّبا واستقبلوا شهركم ابلتوبة واالستغفار؛ فإهنما مفتاح القبوؿ والوسيلة الكربى لكل‬ ‫وأروه من أنفسكم ً‬
‫مأموؿ‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ‪ ،‬وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف‬
‫غفورا‬
‫الرجيم‪ ،‬أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسو ٍب يستغفر هللا ٯبد هللا ً‬
‫حكيما"‪ .‬نفعِب هللا وإايكم هبدي كتابو‬ ‫ً‬ ‫عليما‬
‫رحيما*ومن يكسب إ‪ٜ‬بًا فإ٭با يكسبو على نفسو وكاف هللا ً‬ ‫ً‬
‫جعلِب من وإايكم من خلص احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي ولوالديكم‬
‫ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫دائما وأبداً ووعدان‬


‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي جعل مواسم ا‪٣‬بّبات ‪٥‬بذه األمة تَبا‪ ،‬وطلب منا ا‪١‬بد واالجتهاد ً‬
‫‪٧‬بمدا عبده‬
‫أجرا‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو رب األانـ‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬ ‫على ذلك ً‬
‫ورسولو خّب من صلى وقاـ‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آلو الكراـ‪ ،‬وأصحابو القادة‬
‫األعبلـ‪ ..‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا أف رمضاف يقبل‬
‫عليكم وىو شهر الر‪ٞ‬بة وا‪٤‬بغفرة والرضواف‪ ،‬وبلوغ رمضاف فرحة عظمى ونعمة كربى تقع ُب حساب من‬
‫أحياه هللا بعد مرور عاـ حٌب بلغ رمضاف‪" ،‬وإف تعدوا نعمة هللا ال ‪ٙ‬بصوىا"‪ .‬وواجب من أسبغ هللا عليو‬
‫النعمة ببلوغ شهر الصياـ أف يستشعر النعمة ويقوـ بشكر ا‪٤‬بنة "واشكروا نعمة هللا إف كنتم إايه تعبدوف"‪.‬‬
‫فاتقوا هللا عباد هللا واستقبلوا شهركم ابلتوبة والماعة وتعرضوا لنفحات هللا فيو وعماايه واعملوا ا‪٣‬بّب لعلكم‬
‫تفلحوف‪...‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬

‫‪97‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .35‬فعً اٌعثادج يف سِعاْ‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫مفتاحا للجنة دار السبلـ‪ ،‬وأشهد أف‬ ‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي شرع الصياـ طهرةً لعباده من اآلراـ‪ ،‬وجعلو ً‬
‫ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو شهادة من جاىد نفسو وىواه‪ ،‬وأتدب ِبداب دينو ووقف عند حدود‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو خّب من دعا إىل الفضيلة وحذر من الرذيلة‪ ،‬اللهم صل وسلم‬ ‫مواله‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫وابرؾ على سيدان دمحم إماـ الربايت‪ ،‬وعلى آلو وأصحابو أويل الدرجات العاليات‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‬
‫أوصيكم وإايي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬عباد هللا يقوؿ تعاىل‪ ":‬اي أيها الذين آمنوا كتب عليكم‬
‫الصياـ كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقوف"‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬الصياـ الذي يتقبلو هللا تعاىل ويناؿ‬
‫بو رضاه أساسو فعل الواجبات وترؾ ا﵀رمات‪ ،‬وروحو مراقبة هللا ُب ‪ٝ‬بيع ا‪٢‬باالت‪ ،‬وغايتو ‪٨‬بالفة النف‬
‫ا‪٣‬ببيثة وعصياف الشيماف الرجيم‪ ،‬وال يتم ذلك إال بكف ‪ٝ‬بيع األعضاء عن ا‪٢‬براـ‪ ،‬قاؿ ملسو هلآو هيلع هللا ىلص‪ ":‬رب صائم‬
‫حظو من صومو ا‪١‬بوع والعمش‪ ،‬ورب قائم حظو من قيامو السهر"‪ .‬عباد هللا‪ :‬أداء العبادة أمر مملوب‬
‫وإحساف العمل فيها أساس ُب قبو‪٥‬با‪ ،‬ولذلك كاف السلف الصاّب ٯبتهدوف ُب إ‪ٛ‬باـ العمل وإكمالو وإتقانو‬
‫ٍب يهتموف بعد ذلك بقبولو وٱبافوف رده‪ ،‬وىؤالء الذين قاؿ هللا فيهم‪ ":‬يؤتوف ما آتوا وقلوهبم وجلة"‪ .‬وقاؿ‬
‫عبد العزيز بن أيب داوود‪[ :‬أدركتهم ٯبتهدوف ُب العمل الصاّب فإذا فعلوه وقع عليهم ا‪٥‬بم أيقبل منهم أـ‬
‫ال]‪ .‬وقيل لؤلحنف بن قي ‪ :‬إف الصوـ يضعفك لكربؾ‪ ،‬فقاؿ‪[ :‬إ ي أعده لسفر طويل والصرب على طاعة‬
‫هللا أىوف من الصرب على عذابو]‪ .‬واب‪١‬بملة ايعباد هللا‪ :‬إف شهر رمضاف شهر عبادة حيث تتنوع فيو أنواع‬
‫العبادات من صوـ وصبلة وزكاة و‪٫‬بوىا من أنواع القرابت‪ ،‬ومن أعظم القرابت ا‪٤‬بواظبة على صبلة الَباويح‪،‬‬
‫احتسااب خرج من ذنوبو كيوـ ولدتو أمو"‪ .‬ومن السنة‪ :‬ا‪١‬بود ُب رمضاف‬ ‫ً‬ ‫إٲباان و‬
‫قاؿ ملسو هلآو هيلع هللا ىلص‪ ":‬من قاـ رمضاف ً‬
‫وختم القرآف ولو مرًة ُب ىذا الشهر أتسيًا بعمل الرسوؿ ملسو هلآو هيلع هللا ىلص‪ ،‬روى الشيخاف‪ :‬أنو ملسو هلآو هيلع هللا ىلص كاف أجود الناس‬
‫وكاف أجود ما يكوف ُب رمضاف حيث يلقاه جربيل وكاف يلقاه ُب كل ليلة من رمضاف فيدارسو القرآف‪،‬‬
‫وقاؿ عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬إف هللا جواد ٰبب ا‪١‬بود‪ ،‬وكرمي ٰبب الكرـ"‪ .‬وكاف جوده ملسو هلآو هيلع هللا ىلص ٔبميع أنواع‬
‫ا‪١‬بود من بذؿ العلم وا‪٤‬باؿ وبذؿ نفسو ﵁ تعاىل ُب إظهار دينو وىداية عباده وإيصاؿ النفع إليهم بكل‬
‫طريق من إطعاـ جائعهم ووعظ جاىلهم وقضاء حوائجهم‪ ،‬وُب تضاعف ا‪١‬بود وبذؿ ا‪٤‬بعروؼ ُب رمضاف‬
‫مرفوعا‪ ":‬أفضل الصدقة صدقة ُب‬ ‫عدة فوائد منها‪ :‬شرؼ الزماف ومضاعفة أجر العمل فيو‪ ،‬روى الَبمذي ً‬
‫رمضاف"‪ .‬ومن الفوائد‪ :‬إعانة الصائمْب والقائمْب على طاعتهم‪ ،‬ومنها‪ :‬أف شهر رمضاف ٯبود هللا فيو على‬

‫‪99‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫عباده ابلر‪ٞ‬بة وا‪٤‬بغفرة والعتق من النار السيما ُب ليلة القدر‪ ،‬فمن ٯبود على عباد هللا جاد هللا عليو ابلعماء‬
‫والفضل‪ ،‬ومنها‪ :‬أف ا‪١‬بمع بْب الصياـ والصدقة أبلغ ُب تكفّب ا‪٣‬بمااي واتقاء جهنم‪ ،‬ومنها‪ :‬أف الصياـ البد‬
‫وأف يقع فيو خلل أو نقص فالصدقة ٘برب مافيو من النقص وا‪٣‬بلل؛ لذلك كاف السلف الصاّب يكثروف من‬
‫صائما فوضع بْب يديو عند فموره‬ ‫طعاما وكاف ً‬
‫الصدقة ُب رمضاف؛ لذا يؤثر عن أحد السلف أنو اشتهى ً‬
‫فسمع قائبلً يقوؿ‪ :‬من يقرض ا‪٤‬بلي الوُب؟ فقاؿ عبده ا‪٤‬بعدـ من ا‪٢‬بسنات فقاـ فأخذ الصحفة فخرج هبا‬
‫جائعا‪.-‬وقاؿ اإلماـ الشافعي ر‪ٞ‬بو هللا‪[ :‬أحب للرجل الزايدة اب‪١‬بود ُب‬ ‫طاواي‪-‬أي ً‬ ‫إىل السائل وابت ً‬
‫رمضاف اقتداءً ابلرسوؿ ملسو هلآو هيلع هللا ىلص‪ ،‬و‪٢‬باجة الناس فيو ‪٤‬بصا‪٢‬بهم‪ ،‬ولتشاغل كثّب منهم ابلصوـ والصبلة عن‬
‫مكاسبهم]‪ .‬فاتقوا هللا ربكم أيها ا‪٤‬بسلموف وحققوا الصوـ ُب نفوسكم ابإلمساؾ عما يغضب هللا تعاىل‬
‫واحذروا ا‪٤‬بعاصي ا‪٤‬بؤدية إىل عذاب النار وابدروا إىل ما ينجيكم وانتهوا عما يوبقكم ويرديكم‪ .‬وصدؽ هللا‬
‫يوما ترجعوف فيو إىل هللا ٍب‬
‫حيث يقوؿ وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ":‬واتقوا ً‬
‫توَب كل نف ما كسبت وىم ال يظلموف"‪ .‬نفعِب هللا وإايكم هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من خلص‬
‫احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب‬
‫فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫احلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي شرح صدور عباده ا‪٤‬بؤمنْب بنور اإلٲباف‪ ،‬وكره إليهم الكفر والفسوؽ والعصياف‪،‬‬
‫وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو فتح للمؤمنْب ُب ىذا الشهر أبواب ا‪٣‬بّب والرضواف‪ ،‬وأشهد أف‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو حث أمتو على اغتناـ فرص الزماف‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على عبدؾ‬ ‫سيدان ونبينا ً‬
‫ورسولك سيدان دمحم سيد ولد عدانف‪ ،‬وعلى آلو وأصحابو أويل الفضل واإلحساف‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‬
‫أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬وابتغوا ما كتب هللا لكم وما من بو عليكم من ا‪٣‬بّبات‬
‫سليما‬
‫صحيحا ً‬‫ً‬ ‫ُب ىذا الشهر الكرمي‪ ،‬روى ابن أيب الدنيا مرسبلً أف النيب ملسو هلآو هيلع هللا ىلص قاؿ‪ ":‬من أتى عليو رمضاف‬
‫وردا من ليلو وغض بصره وحفظ فرجو ولسانو ويده وحافظ على صلواتو ُب ‪ٝ‬باعة وبكر‬ ‫صاـ هناره وصلى ً‬
‫إىل ‪ٝ‬بعو فقد صاـ الشهر واستكمل األجر وأدرؾ ليلة القدر وفاز ٔبائزة الرب عز وجل"‪.‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬

‫‪100‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .36‬يف فعائً اٌعشش األًاخش ِٓ سِعاْ (‪)1‬‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ ‪ ،‬ا‪٢‬بمد ﵁ الذي أودع شهر رمضاف مزيد فضل وإحساف ‪ ،‬أ‪ٞ‬بده سبحانو خصنا فيو‬
‫بعشر العتق من النّباف ‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو خالق ا‪٢‬بدراف ‪ ،‬وأشهد أف سيدان‬
‫دمحماً عبده ورسولو مشر ُب طاعة الر‪ٞ‬بن ُب سائر الليايل واألايـ ‪ ،‬وخص العشر األواخر من رمضاف بكثّب‬
‫من االىتماـ ‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم خّب من عبد هللا وصلهى وصاـ ‪ ،‬وعلى آلو الماىرين الكراـ‬
‫وعلى أصحابو األعبلـ وعلى التابعْب ومن تبعهم إبحساف ‪ ،‬أما بعد عباد هللا اتقو هللا حق التقوى ُب السر‬
‫ض ال هس َم ِاء‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫(سابِ ُقوا إِ َ ٰىل َم ْغفَرةٍ ّمن هربِّ ُك ْم َو َجنهة َع ْر ُ‬
‫ض َها َك َع ْر ِ‬ ‫والنجوى ‪ ،‬يقوؿ هللا تبارؾ وتعاىل ُب كتابو ‪َ :‬‬
‫ض ِل الْ َع ِظي ِم (‪، ))12‬‬ ‫اّلَلِ يػُ ْؤتِ ِيو َمن يَ َشاءُ ۚ َو ه‬
‫اّلَلُ ذُو الْ َف ْ‬ ‫ض ُل ه‬ ‫ك فَ ْ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ين َآمنُوا ِاب هّلَل َوُر ُسل ِو ۚ ٰذَل َ‬
‫ض أ ُِعد ِه ِ‬
‫هت للذ َ‬
‫ْ‬ ‫َو ْاأل َْر ِ‬
‫سباؽ مملوب ومضمار مشهود ‪ ،‬فموىب ‪٤‬بن فاز فيو وخاصة و‪٫‬بن ُب مضمار ا‪٤‬بسابقة ُب العشر من‬
‫األواخر من رمضاف ‪ ،‬لننظر اي عباد هللا إىل مضمار التناف ُب ىذه ا‪٢‬بياة الدنيا بْب الناس ‪ ،‬فهناؾ تناف‬
‫وسعي لبلنفراد هبا ‪ ،‬وىناؾ تناف ُب بلوغ ا‪٤‬بناصب الكربى وا‪٤‬براتب الوظيفية‬ ‫ٌ‬ ‫ُب الدنيا وممالبة عليها‬
‫العليا وتناف ُب ‪ٙ‬بقيق الشهرة والبحث عن األضواء وتناف ُب مظاىر ا‪٢‬بياة الدنيا وزينتها من مساكن‬
‫فاخرة وكماليات متناثرة ‪ ،‬ولنَبؾ ىؤالء جانباً وننظر إىل أىل التناف ُب ا‪٢‬بياة ا‪٣‬بالدة األبدية الذين فهموا‬
‫(سابِ ُقوا إِ َ ٰىل َم ْغ ِفَرةٍ ِّمن هربِّ ُك ْم) إنو تسابق ُب‬
‫معُب السباؽ والتناف ُب اآلية ا‪٤‬بارة عندما قاؿ ‪٥‬بم موالىم ‪َ :‬‬
‫ميادين الماعة والرب وا‪٣‬بّب الذي رىب النيب صلى هللا عليو والو وسلم أصحابو وأمتو عليو ‪ ،‬فقاؿ ‪٥‬بم ‪( :‬سبق‬
‫ا‪٤‬بفردوف) قالوا ‪( :‬وما ا‪٤‬بفردوف اي رسوؿ هللا ؟) فقاؿ عليو الصبلة والسبلـ ‪( :‬الذاكروف هللا كثّبا‬
‫والذاكرات) وقاؿ ملسو هلآو هيلع هللا ىلص ‪( :‬أفبل اعلمكم شيئاً تدركوف بو من سبقكم وتسبقوف بو من بعدكم ‪ ،‬وال يكوف‬
‫أحد أفضل منكم إال من صنع مثل ما صنعتم) قالوا ‪( :‬بلى اي رسوؿ هللا؟) قاؿ ‪( :‬تسبحوف وتكربوف‬
‫و‪ٙ‬بمدوف دبر كل صبلة ثبلراً وثبلثْب) ‪ ،‬فوهللا إف ىذه الَببية ا﵀مدية أ‪ٜ‬برت ُب قلوب أصحابو وأ‪ٜ‬برت ُب‬
‫قلوب من بعدىم من األمة الذين اقتدوا هبم ‪ ،‬فضربوا أروع األمثلة ُب ىذا السباؽ ا﵀مود ‪ ،‬حٌب أف سعد‬
‫بن خيثمة وأبوه تنازعا ُب أيهما ٱبرج يوـ بدر مع رسوؿ هللا ملسو هلآو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬فاستهما فخرج سهم االبن سعد فقاؿ‬
‫لو أبوه (اي بِب آثر ي اليوـ) ‪ ،‬فقاؿ سعد ألبيو (اي أبت لو كاف غّب ا‪١‬بنة فعلت) فخرج سع ٌد إىل بدر‬
‫واستشهد فيها ‪ ،‬وخرج ابوه خيثمة إىل احد مع رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص فاستشهد فيها ‪ ،‬ىذا سباؽ يدودوف فيو‬
‫أبرواحهم ُب سبيل هللا ‪ ،‬ولقد كاف السباؽ بْب أيب بكر وعمر رضي هللا تعاىل عنهما ُب ميادين ا‪٣‬بّب كلها‬

‫‪102‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪٩‬با ال ٱبفى على أحد ‪ ،‬حٌب اف عمر هنع هللا يضر قاؿ يوما ‪( :‬ألسبقن اليوـ أاببكر ُب الصدقة الٍب دعا إليها‬
‫رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص) فيقوؿ عمر ‪( :‬فجئت بنصف مايل إىل رسوؿ هللا) فقاؿ يل ‪( :‬اي ابن ا‪٣‬بماب ما أبقيت‬
‫ألىلك) قلت ‪( :‬مثلو) وأتى أبوبكر بكل مالو ‪ ،‬فقاؿ لو رسوؿ ا‪٥‬بدى ملسو هلآو هيلع هللا ىلص ‪( :‬اي أاببكر ما أبقيت‬
‫ألىلك) قاؿ ‪( :‬أبقيت ‪٥‬بم هللا ورسولو) ‪ ،‬فقاؿ عمر رضي هللا تعاىل عنو ‪( :‬قلت وهللا ال أسبقو إىل شيء‬
‫أبدا) ‪ ،‬والعجيب اي عباد هللا أف أاببكر انف وسابق ُب ‪ٝ‬بيع ميادين ا‪٣‬بّب وأعماؿ الرب من إنفاؽ وعبادة‬
‫وبذؿ ودعوة ‪ ،‬فقد أخرج مسلم من حديث أيب ىريرة أف رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص سأؿ يوماً أصحابو ‪( :‬من أصبح‬
‫منكم اليوـ صائماً؟) ‪ ،‬فقاؿ أبوبكر ‪( :‬أان) فقاؿ ‪( :‬من تبع اليوـ منكم جنازة؟) فقاؿ أبوبكر ‪( :‬اان) فقاؿ‬
‫‪( :‬فمن اطعم منكم اليوـ مسكينا؟) فقاؿ أبوبكر ‪( :‬اان) قاؿ (من عاد اليوـ منكم مريضاً؟) فقاؿ أبوبكر ‪:‬‬
‫(وال هسابِ ُقو َف ال هسابِ ُقو َف‬
‫(اان) فقاؿ رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص ‪( :‬ما اجتمعت ُب امرئ اال دخل ا‪١‬بنة) وهللا تعاىل يقوؿ ‪َ :‬‬
‫ك الْ ُم َقهربُو َف (‪ ))22‬فمن سبق ُب الدنيا إىل ا‪٣‬بّبات فهو السابق ُب اآلخرة إىل ا‪١‬بنات ‪ ،‬وىذا‬ ‫(ٓٔ) أُوٰلَئِ َ‬
‫السباؽ ُب ا‪٣‬بّبات وا‪٤‬بسابقة فيها خلفو الصحابة للتابعْب ومن بعدىم إىل يومنا ىذا ‪ ،‬فقد كاف سفياف‬
‫يقوؿ ‪( :‬إ ي ألشتهي من عمري كلو أف اكوف سنة مثل ابن ا‪٤‬ببارؾ فما أقدر اف اكوف وال ثبلثة أايـ) ‪،‬‬
‫وقاؿ يون بن عبيد ‪( :‬إ ي ألعرؼ رجبلً يعِب نفسو منذ عشرين سنة يتمُب أف يسلم لو يوـ من أايـ ابن‬
‫عوؼ فما يقدر عليو) بل كاف التابعوف يزجروف انفسهم ‪ ،‬إذا أرادت التقاع والقعود وا‪٤‬بنافسة ُب أعماؿ‬
‫ا‪٣‬بّب ويقولوف ‪٥‬با لقد كاف الصحابة خلف رسوؿ هللا صلى هللا عليو وسلمة على قياد مضمرة أي بسرعتهم‬
‫ُب أعماؿ ا‪٣‬بّب ‪ ،‬و‪٫‬بن خلفهم على ‪ٞ‬بر عُرجاء أفَبيدين – ٱباطبوف أنفسهم – اي نف اف تقعدي بنا‬
‫عنهم فيفوزوف برسوؿ هللا ونقعد ‪ ،‬وهللا لنلحقن هبم ولو حبوا حٌب يعلموا أهنم خلفوا رجاالً ىذا حاؿ‬
‫التابعْب مع الصحابة ‪ ،‬فما حالنا ‪٫‬بن مع من سبقنا من أىل ا‪٣‬بّب والفضل ‪ ،‬وىذه اي عباد هللا فرصة‬
‫ا‪٤‬بسابقة ‪ ،‬فرصة ا‪٤‬بسابقة لنا متاحة ُب ىذه العشر الفاضبلت القادمات ‪ ،‬عشر استجابة الدعوات ‪ ،‬عشر‬
‫إعتاؽ الرقاب ا‪٤‬بثقبلت عشر تتشوؽ ا‪١‬بنة فيها ألىل النفوس األبيات ‪ ،‬وصدؽ هللا تعاىل حيث يقوؿ‬
‫اف الهرِجي ِم (‪ ))89‬أعوذ اب﵁ من‬ ‫وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف ‪( :‬فَِإذَا قَػرأْت الْ ُقرآ َف فَاستَعِ ْذ ِاب هّلَلِ ِمن الشهيمَ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ث ِم ْن ِعبَ ِاد َان َمن َكا َف تَِقيًّا (‪ ، ))76‬ويقوؿ تعاىل ‪( :‬إِنػه ُه ْم َكانُوا‬ ‫الشيماف الرجيم ‪( :‬تِْل َ‬
‫ك ا ْ‪١‬بَنهةُ الهٍِب نُوِر ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ْب (‪ ، ))89‬نفعِب هللا واايكم هبدي كتابو‬ ‫يُ َسا ِرعُو َف ُِب ا ْ‪٣‬بَْيػَرات َويَ ْدعُونَػنَا َر َغبًا َوَرَىبًا ۖ َوَكانُوا لَنَا َخاشع َ‬
‫جعلِب من وإايكم من خلص احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي ولوالديكم‬
‫ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ ‪ ،‬ا‪٢‬بمد ﵁ على إحسانو ‪ ،‬والشكر لو على توفيقو وامتنانو ‪ ،‬وأشهد اف ال إلو إال هللا‬
‫وحده ال شريك لو تعظيماً لشأنو ‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحما عبده ورسولو الداعي إىل رضوانو ‪ ،‬اللهم صل‬
‫وسلم على سيدان دمحم وعلى أصحابو وآلو ‪ ،‬أما بعد عباد هللا اتقوا هللا تعاىل حق التقوى وراقبوه دائماً ُب‬
‫السر والنجوى ‪ ،‬فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي هللا تعاىل عنها قالت ‪ :‬كاف النيب‬
‫صلى هللا عليو اذا دخل العشر األواخر من رمضاف شد مئزره وأحيا ليلو وأيقظ أىلو ‪ ،‬ىذا ىو حاؿ رسوؿ‬
‫هللا وحاؿ أىلو وحاؿ أصحابو ُب العشر األواخر من رمضاف وحاؿ ا‪٤‬بؤمنْب من بعدىم ‪ ،‬فانتبو أيها ا‪٤‬بؤمن‬
‫أف تنتابك الغفلة ُب ىذه األايـ الفاضبلت فتحيي ليلك ُب األسواؽ أو ُب ا‪٤‬بنتزىات أو ا‪٤‬بقاىي أو مع‬
‫ا‪٤‬بسلسبلت ‪ ،‬إهنا االايـ والليايل الفاضبلت ‪ ،‬واعلم أهنا قد تعود عليك وقد ال تعود فالبدار البدار إىل‬
‫األعماؿ الصا‪٢‬بات فإف فيها ليلة القدر الٍب أخرب هللا عنها أبف من عبد هللا فيها فكأنو عبده ثبلراً و‪ٜ‬بانْب‬
‫سنة ‪ ،‬فا‪٤‬بؤمن حقاً من ال يضيع ىذه األوقات إال ُب طاعة هللا وا‪٤‬ببادرة إىل فعل ا‪٣‬بّبات ‪.‬‬

‫عباد هللا صلوا وسلموا على خّب خلق هللا فإف هللا تعاىل هبا أمر ُب ‪٧‬بكم اآلايت البينات فقاؿ عز‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫هِ‬ ‫اّلَلَ َوَم َبلئِ َكتَوُ يُ َ ُّ‬
‫من قائل ‪( ،‬إِ هف ه‬
‫يما (‪، ))67‬‬ ‫صلُّوا َعلَْيو َو َسلّ ُموا تَ ْسل ً‬ ‫ِ‬
‫هيب ۚ َاي أَيػُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا َ‬ ‫صلو َف َعلَى الن ِّ‬
‫اللهم صل وسلم وابرؾ على عبدؾ ورسولك وحبيبك سيدان وإمامنا وموالان سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم‬
‫كما صليت وابركت على سيدان إبراىيم وعلى آؿ سيدان إبراىيم ُب العا‪٤‬بْب إنك ‪ٞ‬بيد ‪٦‬بيد ‪ ،‬وارض اللهم‬
‫عن صحابة رسوؿ هللا خصوصاً منهم ذوي ا‪٣‬بصوص ساداتنا ومشاٱبنا ايب بكر وعمر وعثماف وعلي وعن‬
‫بقية أصحاب رسوؿ هللا وعن التابعْب إبحساف إىل يوـ الدين وعنا معهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب ‪ ،‬اللهم‬
‫أعز االسبلـ وا‪٤‬بسلمْب واخذؿ الكفر وا‪٤‬بشركْب ودمر أعدائك اعداء الدين ‪ ،‬اللهم ودمر اليهود وأعواهنم‬
‫اللهم ودمر الصليبيْب وأنصارىم اللهم وانصر أمة دمحم أ‪ٝ‬بعْب اللهم وانصرىم على عدوؾ وعدوىم اي رب‬
‫العا‪٤‬بْب ‪ ،‬اللهم ومن أراد لببلدان ىذه سوءاً أو بسائر ببلد ا‪٤‬بسلمْب فأشغلو ُب نفسو واجعل تدمّبه ُب‬
‫تدبيو واجعل دائرة السوء عليو اي رب العا‪٤‬بْب ‪ ،‬وفق اللهم من وليتو أمور ىذه الببلد ‪ ،‬أيده بتأييد من‬
‫عندؾ وارعو برعايتك اي ذا ا‪١‬ببلؿ واإلكراـ ‪ ،‬واجعل اللهم واليتنا ُب من خافك واتقاؾ واتبع رضاؾ اي رب‬
‫العا‪٤‬بْب ‪ ،‬اغفر اللهم للمؤمنْب و ا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات إنك قريب ‪٦‬بيب‬
‫الدعوات ‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫اف َوإِيتَ ِاء ِذي الْ ُق ْرَ ٰىب َويَػْنػ َه ٰى َع ِن الْ َف ْح َش ِاء َوالْ ُمن َك ِر َوالْبَػ ْغ ِي ۚ يَعِظُ ُك ْم‬
‫اإلحس ِ‬‫ِ ِ ِ‬ ‫عباد هللا (إِ هف ه‬
‫اّلَلَ َأيْ ُم ُر ابلْ َع ْدؿ َو ْ ْ َ‬
‫اّلَلِ أَ ْكبَػ ُر ۗ َو ه‬
‫اّلَلُ يَػ ْعلَ ُم‬ ‫(ولَ ِذ ْك ُر ه‬
‫لَ َعله ُك ْم تَ َذ هك ُرو َف (‪ ، ))89‬فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم َ‬
‫صنَػعُو َف (‪.))56‬‬ ‫َما تَ ْ‬

‫‪105‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .37‬فعً اٌعشش األًاخش ِٓ سِعاْ (‪)2‬‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي بنعمتو تتم الصا‪٢‬بات‪ ،‬وبفضل جوده وإحسانو يكوف التوفيق ألداء الواجبات‪،‬‬
‫ونسألو بفضل كرمو وجوده أف يتقبل منا الصياـ والقياـ وسائر العبادات‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال‬
‫شريك لو ُب سائر األوقات‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو سيد السادات‪ ،‬اللهم صل وسلم على‬
‫سيدان دمحم مرشدان إىل سبيل النجاة وعلى آلو الماىرين مرفوعي الصفات‪ ،‬وعلى أصحابو الثقات‪ ،‬وعلى‬
‫التابعْب ومن تبعهم على مدى األوقات‪ ،‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ .‬أوصيكم ونفسي بتقوى هللا‪ ،‬واعلموا أف شهر‬
‫رمضاف ا‪٤‬ببارؾ قد آذف ابلرحيل‪ ،‬و م يبق لنا منو إال أايماً معدودات (من عمل صا‪٢‬باً فلنفسو ومن أساء‬
‫فعليها وما ربك بظبلـ للعبيد)‪ ،‬فيا سعادة وفوز من ا‪ٚ‬بذ رمضاف مو‪٠‬با لماعة هللا فأحسن الصياـ‪ ،‬وداوـ‬
‫على القياـ وعكف على تبلوة القرآف‪ ،‬واي شقاوة من م ينتفع برمضاف فلم يستفد من صيامو وال قيامو‪،‬‬
‫وإ٭با كاف شغلو الشاغل ما ٲبؤل ا‪٤‬بعدة من أصناؼ المعاـ‪ ،‬وأضاع هناره ابلنوـ وليلو ابالنشغاؿ ُب اللهو‬
‫والقيل والقاؿ‪ .‬عباد هللا‪ ،‬الفرؽ كبّب جدا بْب من حظو ُب رمضاف القبوؿ والتوبة الصادقة والغفراف‪ ،‬ومن‬
‫كاف حظو فيو ا‪٣‬بيبة والندامة والتعب وا‪٣‬بسراف‪ ،‬وا‪٠‬بعوا ‪٤‬با قاؿ أبو ىريرة ‪-‬هنع هللا يضر‪ -‬حيث قاؿ‪ :‬صعد رسوؿ‬
‫هللا ‪-‬ملسو هلآو هيلع هللا ىلص‪ -‬ا‪٤‬بنرب‪ ،‬فقاؿ‪" :‬آمْب‪ ،‬آمْب‪ ،‬آمْب"‪ ،‬فقيل لو‪ :‬اي رسوؿ هللا‪ ،‬إنك صعدت ا‪٤‬بنرب فقلت‪ :‬آمْب‪،‬‬
‫آمْب‪ ،‬آمْب‪ .‬فقاؿ ‪-‬ملسو هلآو هيلع هللا ىلص‪" :-‬أات ي جربيل عليو السبلـ فقاؿ‪ :‬اي دمحم‪ ،‬رغم أنف امرئ دخل عليو شهر‬
‫رمضاف ٍب خرج و م يغفر لو‪ .‬قل‪ :‬آمْب‪ ،‬فقلت‪ :‬آمْب‪ٍ .‬ب قاؿ‪ :‬رغم أنف امرئ أدرؾ أبويو أو أحدٮبا فلم‬
‫يدخبله ا‪١‬بنة‪ .‬قل‪ :‬آمْب‪ ،‬فقلت‪ :‬آمْب‪ٍ .‬ب قاؿ‪ :‬رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك‪ .‬قل آمْب‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬آمْب"(ٔ)‪ .‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم وعلى آلو وأصحابو‪ .‬فيا عباد هللا‪ ،‬أوصي نفسي‬
‫وإايكم أف نتدارؾ ما فات علينا خاصة ُب ىذه األايـ القليلة ا‪٤‬بباركة‪ ،‬فعسى أف تكوف فيها ليلة القدر‪،‬‬
‫الليلة ا‪٤‬بباركة الٍب يكوف العمل فيها خّب من ألف شهر‪ ،‬وعسى أف تكوف التوبة واإلقبلع والندـ فيها ٯبرب‬
‫من الصياـ ما ا‪٬‬برؽ ُب األايـ السابقات‪ ،‬وعسى للمنقمعْب عن ركب ا‪٤‬بقبلْب هبذا التدارؾ أف يفوزوا‬
‫ابللحاؽ ابلسابقْب‪ ،‬وعسى أف تمالنا ُب ىذه األايـ ر‪ٞ‬بة ومغفرة تؤىلنا أف نكوف من أىل العتق من النار‪،‬‬
‫فبل قنوط اي عباد هللا من ر‪ٞ‬بة هللا وإف حصل من اإلنساف خلل وتقصّب‪ ،‬بل يبادر ابلتوبة واإلانبة والرجوع‬
‫إىل هللا والتشمّب ُب ا‪٣‬بواتيم لماعة هللا تعاىل‪ ،‬لعلنا ‪٫‬بظى ابلليلة ا‪٤‬بوعودة الٍب قاؿ فيها رسوؿ ا‪٥‬بدى عليو‬
‫الصبلة والسبلـ‪" :‬من قاـ ليلة القدر إٲباان واحتسااب غفر لو ما تقدـ من ذنبو"(ٕ)‪ .‬فأروا هللا اي عباد هللا‬

‫‪106‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫ُب ىذه األايـ البواقي من أنفسكم خّباً؛ ألف األعماؿ اب‪٣‬بواتيم‪ .‬فنسألو تعاىل أف ٱبتم لنا بصاّب األعماؿ‬
‫ا‪٤‬برضية‪ ،‬وأف يصلح لنا القصد والعمل والنية والذرية‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ‪ ،‬وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪:‬‬
‫(فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم)‪ ،‬أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم (وإذا سألك عبادي‬
‫عِب فإ ي قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاف فليستجيبوا يل وليؤمنوا يب لعلّهم يرشدوف)‪ .‬نفعِب هللا واايكم‬
‫هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من خلص احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي‬
‫ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي ىداان لصاّب األعماؿ ووفقنا للماعة ُب رمضاف‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال‬
‫شريك لو على الدواـ‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو سيد األانـ‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم‬
‫وعلى آلو وأصحابو الكراـ‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ ،‬أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا وأطيعوه‪ .‬عباد هللا‬
‫ىكذا وهبذه السرعة ا‪٣‬باطفة أوشك شهر الصياـ والقياـ على االنصراـ‪ ،‬فها ىو يتهيأ للرحيل‪ ،‬وقد كنا‬
‫ابألم القريب نستقبلو‪ ،‬واليوـ وهبذه السرعة ا‪٣‬باطفة نودعو‪ ،‬وىو شاىد لنا أو علينا‪ ،‬شاىد للمؤمن‬
‫بماعتو وصاّب عملو وعبادتو‪ ،‬وشاىد على ا‪٤‬بقصر بتقصّبه وتفريمو‪ .‬عباد هللا‪ ،‬مهما ٕبث ا‪٤‬بؤمن عن‬
‫الكماؿ ُب العمل إال أنو يشعر ابلتقصّب فيو‪ ،‬أو يقع ُب سهو أو ىفوة أو خلل ال يبتغيو‪ ،‬فمن أجل ذلك‬
‫فرض هللا علينا زكاة الفمر طهرة للصائم ‪٩‬با قد يعتوره وأيتيو‪ .‬وزكاة الفمر واجبة على الكبّب والصغّب‪،‬‬
‫والذكر واألنثى‪ ،‬وا‪٢‬بر والعبد‪ ،‬من ا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬وال أبس إبخراجها عن ا‪١‬بنْب ُب بمن أمو‪ ،‬وىي صاع من‬
‫غالب قوت البلد‪ ،‬والصاع ثبلثة كيلو إال ربع‪ ،‬وىي واجبة على ا‪٤‬بسلم وعلى من تلزمو نفقتو‪ ،‬و٘بب‬
‫بغروب مش ليلة العيد‪ ،‬وٯبوز إخراجها قبل العيد بيوـ أو يومْب‪ ،‬ومن م ٱبرجها فهو آٍب‪ ،‬وٯبب عليو‬
‫قضاء اإلخراج بعد العيد لو فاتو ذلك‪ ،‬روى ابن عباس ‪ -‬رضي هللا عنهما‪ -‬فقاؿ‪" :‬فرض رسوؿ هللا ‪-‬‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪ -‬زكاة الفمر طهرة للصائم من اللغو والرفث‪ ،‬وطعمة للمساكْب‪ ،‬من أداىا قبل الصبلة فهي زكاة‬
‫مقبولة‪ ،‬ومن أداىا بعد الصبلة فهي صدقة من الصدقات"‪)ٖ(.‬‬

‫فاتقوا هللا عباد هللا‪ .‬وأدوا ما افَبضو هللا عليكم وال تتأخروا عنو‪ ،‬وصلوا وسلموا على من أمرًب‬
‫ابلصبلة والسبلـ عليو حيث قاؿ تعاىل‪( :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين ءامنوا صلوا عليو‬
‫وسلموا تسليما)‪ ...‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو‬

‫‪107‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫الكراـ خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف‬
‫وعلي وعلى سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم‬
‫أعز اإلسبلـ وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم‬
‫واألموات‪ ......‬عباد هللا إف هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر‬
‫والبغي يعظم لعلكم تذكروف فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم‬
‫ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .38‬خطثح عيذ اٌفطش‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫هللا أكرب [تسعا]‪ ،‬هللا أكرب كبّبا‪ ،‬وا‪٢‬بمد ﵁ كثّبا‪ ،‬وسبحاف هللا بكرة وأصيبل‪ .‬هللا أكرب ما حزنت‬
‫القلوب على فراؽ رمضاف‪ ،‬هللا أكرب ما اشتاقت النفوس لصبلة القياـ‪ ،‬هللا أكربت ما توالت الليايل واألايـ‪،‬‬
‫عربة ‪٤‬بن يعترب من أويل القلوب واألبصار‪ .‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‪ ،‬أدخرىا ليوـ العرض‬
‫وا‪٢‬بساب‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحما عبده ورسولو‪ ،‬الداعي إىل ا‪٥‬بدى والصواب‪ .‬اللهم صل وسلم على سيدان‬
‫دمحم وعلى آلو واألصحاب‪ .‬أما بعد عباد هللا‪ ،‬أوصيكم ونفسي بتقوى هللا‪ ،‬واعلموا أف يومكم ىذا يوـ‬
‫سرور ‪٤‬بن صحت نيتو وقبل صومو‪ .‬يوـ فرح وحبور ‪٤‬بن طابت سريرتو وأخلصت ﵁ نيتو‪ ،‬وحسن للناس‬
‫خلقو والف كبلمو‪ .‬يوـ عفو وإحساف ‪٤‬بن عفا عمن أساء‪ .‬ىذا يوـ عيد ‪٤‬بن ‪ٛ‬بسك بدينو وابتعد عن ا‪٢‬براـ‬
‫والذنوب واآلراـ‪ .‬عباد هللا‪ُ ،‬ب ىذا اليوـ ا‪٤‬ببارؾ يتجلى هللا على عباده ا‪٤‬بؤمنْب ٗبزيد اإلنعاـ واإلحساف‪،‬‬
‫فتفتح أبواب السماء وتغمر الر‪ٞ‬بة من صاـ وقاـ‪ ،‬و‪ٛ‬بنح العمااي وتوزع ا‪٥‬بدااي‪ .‬يقوؿ الرسوؿ –صلى هللا‬
‫عليو وآلو وسلم‪" :-‬إذا كاف يوـ عيد الفمر وقفت ا‪٤‬ببلئكة على أبواب المرؽ فنادوا‪ :‬اغدوا اي معشر‬
‫ا‪٤‬بسلمْب إىل رب كرمي‪ ،‬ٲبن اب‪٣‬بّب ٍب يثيب عليو ا‪١‬بزيل‪ ،‬لقد أمرًب بقياـ الليل فقمتم‪ ،‬وأمرًب بصياـ النهار‬
‫فصمتم وأطعتم ربكم‪ ،‬فاقبضوا جوائزكم‪ .‬فإذا صلوا اندى مناد‪ :‬أال إف ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين‬
‫إىل رحالكم فهو يوـ ا‪١‬بائزة‪ .‬ويسمى ذلك اليوـ ُب السماء‪ :‬يوـ ا‪١‬بائزة"(ٔ)‪ .‬عباد هللا‪ ،‬لنفهم معُب العيد‬
‫ومعُب الفرح بو‪ ،‬إنو فرح بتماـ الماعة ُب رمضاف‪ ،‬ورجاء أف نكوف من ا‪٤‬بقبولْب فيما قدمناه ُب ذلك الشهر‬
‫العظيم‪ .‬إنو فرح وسرور مضبوط بضوابط الشرع الذي يسّب فيما أابحو هللا‪ ،‬فعلى اآلابء حفظ األبناء‬
‫والبنات من منزلقات ا‪٤‬بخالفات الشرعية ُب أي مكاف للهو ا‪٤‬بباح‪ ،‬وعليهم أف يربؤوا هبم أف يكونوا ُب‬
‫أماكن تغضب هللا‪ ،‬فيختموف شهر الماعة بسخط هللا‪ .‬فالعيد اي عباد هللا ‪٤‬بن خاؼ يوـ التناد‪ ،‬واتقى‬
‫مظا م العباد‪ ،‬وكاف بعيدا عن اإلٍب وا‪٢‬براـ‪ .‬فاتقوا هللا عباد هللا‪ ،‬وتباعدوا عن النفاؽ‪ ،‬وطهروا قلوبكم من‬
‫ا‪٢‬بسد وا‪٢‬بقد‪ ،‬وكونوا عباد هللا إخواان‪ .‬أفشوا السبلـ بينكم‪ ،‬وأطعموا المعاـ‪ ،‬واعمفوا على إخوانكم‬
‫الفقراء وا‪٤‬بساكْب‪ ،‬تنالوا غاية القبوؿ واإلكراـ‪ .‬أقوؿ قويل ىذا وأستغفر هللا يل ولكم من سائر الذنوب‬
‫واآلراـ‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫هللا أكرب [سبعا]‪ ،‬هللا أكرب كبّبا‪ ،‬وا‪٢‬بمد ﵁ كثّبا‪ ،‬وسبحاف هللا بكرة وأصيبل‪ .‬ا‪٢‬بمد ﵁ الذي‬
‫أشهدان ختاـ شهر رمضاف‪ ،‬وأوصلنا إىل يوـ العيد وما فيو من ا‪٤‬بزااي ا‪٢‬بساف‪ .‬وأشهد أف ال إلو إال هللا‬
‫وحده ال شريك لو ا‪٤‬بلك العبلـ‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحما عبده ورسولو مسك ا‪٣‬بتاـ‪ .‬اللهم صل وسلم على‬
‫سيدان دمحم وعلى آلو األعبلـ وصحبو الكراـ‪ .‬أما بعد عباد هللا‪ ،‬أوصيكم ونفسي بتقوى هللا‪ ،‬واعلموا أف‬
‫العيد حقا ‪٤‬بن أطاع ربو‪ ،‬وبر والديو ووصل أرحامو‪ ،‬وبش وابتسم وصافح إخوانو من ا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬وراعى‬
‫جّبانو وتفقد أحوالو أقاربو وأصحابو‪ ،‬وأدى زكاة فمره عن نفسو وعن عيالو‪ ،‬وواصل طاعة ربو و م يَبؾ‬
‫صلواتو‪ .‬أال واعلموا عباد هللا أف هللا حثنا على لساف نبيو –عليو الصبلة والسبلـ‪ -‬على مواصلة الماعة‬
‫ابلماعة فندب لنا صياـ الست من شواؿ‪ ،‬فقاؿ –عليو الصبلة والسبلـ‪" :-‬من صاـ رمضاف ٍب أتبعو‬
‫بست من شواؿ فكأ٭با صاـ الدىر كلو"(ٕ)‪.‬‬

‫فاثبتوا عباد هللا على طاعة هللا‪ ،‬وابدروا لثواب هللا‪ ،‬وصلوا وسلموا على خّب خلق هللا فإف هللا‬
‫يقوؿ‪( :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا تسليما)‪ ...‬اللهم صل‬
‫وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ خصوصا منهم ذوي‬
‫ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى سائر الصحب‬
‫الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ وا‪٤‬بسلمْب‪،‬‬
‫اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف هللا أيمر‬
‫ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف فاذكروا هللا‬
‫العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ِ .39‬ا ينثغي أْ يسٍىو ادلسٍُ تعذ سِعاْ‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الباقي األزيل الذي ال ٲبوت و ا‪٢‬بي ال إلو إال ىو فادعوه ‪٨‬بلصْب لو الدين‪ ،‬أ‪ٞ‬بده تعاىل‬
‫جعل الفبلح ‪٤‬بن عمل أبحكاـ الدين واستمر ُب طاعة مواله ا‪١‬ببار‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال‬
‫شريك لو الواحد القهار‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحما عبده ورسولو النيب ا‪٤‬بختار‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على‬
‫سيدان دمحم وآلو األطهار‪ ،‬وأصحابو ا‪٣‬بّبة األبرار‪ ..‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا‬
‫تعاىل وأطيعوه‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬احذروا ا‪٤‬بعاصي فإهنا موجب للخسراف واإلذالؿ‪ ،‬وال تبملوا ما أسلفتم ُب‬
‫شهر الصياـ من صاّب األعماؿ‪ ،‬وال تكدروا ما صفا لكم فيو من األوقات‪ ،‬فداوموا على الماعات وال‬
‫ترتدوا على أدابركم فتنقلبوا خاسرين‪ ،‬وال يتبادر إىل األذىاف أف رمضاف قد ذىب فيعزـ اإلنساف منا ُب‬
‫شواؿ على فعل الذنوب واآلراـ‪ ،‬فإف إلو الشهرين واحد وىو مملع ومراقب‪ ،‬وهللا تعاىل يرضى عمن أطاعو‬
‫ُب أي شهر كاف‪ ،‬ويغضب على من عصاه ُب أي وقت وأواف‪ ،‬وىو سبحانو القائل ُب كتابو العزيز‪" :‬ومن‬
‫يعص هللا ورسولو ويتعد حدوده يدخلو انرا خالدا فيها ولو عذاب مهْب"‪ .‬وقاؿ تعاىل وذروا ظاىر اإلٍب‬
‫وابطنو إف الذين يكسبوف اإلٍب سيجزوف ٗبا كانو يقَبفوف"‪ .‬وقاؿ صلى هللا عليو وآلو وسلم‪ :‬إف هللا فرض‬
‫فرائض فبل تضيعوىا‪ ،‬وحد حدودا فبل تعتدوىا‪ ،‬وحرـ أشياء فبل تنتهكوىا‪ "..‬واب‪١‬بملة اي عباد هللا‪ ،‬فإنو‬
‫ال خّب ُب الدنيا واآلخرة إال وسببو الماعات‪ ،‬وال شر ُب الدنيا واآلخرة وال ببلء وال ‪٧‬بنة إال وسبب ذلك‬
‫ا‪٤‬بعاصي‪ ،‬فهي سبب كل فساد وىبلؾ ُب الرب والبحر‪ ،‬قاؿ تعاىل‪" :‬ظهر الفساد ُب الرب والبحر ٗبا كسبت‬
‫أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعوف"‪ .‬فكونوا عباد هللا مسلمْب حقا ومؤمنْب صدقا‪،‬‬
‫تعبدوف هللا على الدواـ؛ فإف الذي خلق رمضاف ىو الذي خلق كل الشهور واألعواـ‪ ،‬وىو الذي أمركم‬
‫بماعتو فاستقيموا إليو واستغفروه‪" ،‬وال تكوف كالذين نسوا هللا فأنساىم أنفسهم أولئك ىم الفاسقوف"‪.‬‬
‫وهللا تعاىل يقوؿ‪" :‬ال يستوي أصحاب النار وأصحاب ا‪١‬بنة أصحاب ا‪١‬بنة ىم الفائزوف"‪ .‬ويقوؿ سبحانو‬
‫أيضا‪" :‬أفمن كاف مؤمنا كمن كاف فاسقا ال يستووف"‪ .‬عباد هللا‪ :‬إف عبلمة قبوؿ ا‪٢‬بسنة عمل حسنة‬
‫وسيء ا‪٣‬بصاؿ‪ .‬وقد قيل‪[ :‬ذنب بعد توبة أقبح من سبعْب‬ ‫بعدىا‪ ،‬وعبلمة ردىا أف تتبع بقبيح األفعاؿ ّ‬
‫ذنبا قبلها]‪ .‬والعاقل من يرضي سيده ومواله ويتقرب من رضاه‪ ،‬كيف وقد أقبل ا‪٤‬بؤمن على الماعة ُب شهر‬
‫ممهرا من رج الذنوب واآلراـ‪ ،‬فإذا بو يرك نفسو ُب ا‪٤‬بعاصي وترؾ ا‪٤‬بأمورات‬ ‫رمضاف وأصبح طاىرا ً‬
‫ويبيح لنفسو ىواىا بعد رمضاف‪ ،‬بَبؾ الصلوات وعقوؽ الوالدين وقمع األرحاـ وترؾ ا‪١‬بماعات‪ ،‬وقد‬

‫‪111‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫يرتكب شيئا من آراـ الفواحش مثل الزان واللواط وشرب ا‪٣‬بمور‪ ،‬فمن كاف ىذا حالو فهو مغرور مغبوف‪،‬‬
‫نسي قوؿ ا‪١‬ببار‪" :‬سنستدرجهم من حيث ال يعلموف* وأملي ‪٥‬بم إف كيدي متْب"‪ .‬إذ لي الشأف بعد‬
‫شهر رمضاف أف يقدـ العبد على ‪٨‬بالفة مواله ويصرؼ جوارحو ُب مرضاة نفسو وشيمانو وىواه‪ ،‬بل الشأف‬
‫أف يظهر الشكر والسرور ٗبا ٰببو سيده ويرضاه‪ ،‬ويتمهر من السيئات؛ فإف هللا ٰبب التوابْب وٰبب‬
‫ا‪٤‬بتمهرين‪ ،‬قاؿ عليو الصبلة والسبلـ‪: :‬اتق هللا حيثما كنت‪ ،‬وأتبع السيئة ا‪٢‬بسنة ‪ٛ‬بحها‪ ،‬وخالق الناس‬
‫ٖبلوؽ حسن" وصدؽ هللا حيث يقوؿ وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف‬
‫الرجيم أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم " واتقوا يوما ترجعوف فيو إىل هللا ٍب توَب كل نف ما كسبت وىم ال‬
‫يظلموف" نفعِب هللا واايكم هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من خلص احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا‬
‫العظيم يل ولكم ولوالدي ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ أحب من عباده كل طائع منيب‪ ،‬وبشرىم ابلقرب منو والفوز ٔبنات النعيم‪ ،‬وحذر من‬
‫اإلعراض وجعلو وصف أىل ا‪١‬بحيم‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو رب غفور رحيم‪ ،‬وأشهد‬
‫أف سيدان ونبينا دمحما عبده ورسولو األواه ا‪٢‬بليم‪ ،‬اللهم صل وسلم على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم وعلى آلو‬
‫الماىرين‪ ،‬وأصحابو الغر ا‪٤‬بيامْب‪ ،‬واتبعيهم إبحساف إىل يوـ الدين‪ ...‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي‬
‫بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬إف من عظمة اإلسبلـ أنو يسمو بروح ا‪٤‬بؤمن إىل أعلى‬
‫درجات ا‪٤‬بقربْب‪ ،‬و م يرض لو إال أف يواصل ا‪٣‬بّب ٖبّب مثلو يرفعو إىل أعلى منازؿ الواصلْب؛ لذا ‪٪‬بد أف‬
‫الشارع ا‪٢‬بكيم ‪٤‬با شرع صوـ رمضاف أحب من عباده مواصلة فرض الماعة‪ ،‬فندهبم رسو‪٥‬بم ملسو هيلع هللا ىلص على صوـ‬
‫صياـ الست من شواؿ‪ ،‬قاؿ عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬من صاـ رمضاف ٍب أتبعو بست من شواؿ فكأ٭با صاـ‬
‫الدىر كلو" ‪ .‬فبل تفوتوا الفرصة اي عباد هللا‪ ،‬وابدروا ابلماعات‪ ،‬وأبعدوا أنفسكم عن الذنوب واآلراـ‬
‫وواصلوا ا‪٣‬بّب ف ‪ٝ‬بيع صوره وأشكالو‪ ،‬وأدٲبوا الصبلة على سيد أحبابو‪ ،‬فإنو هبا أمر فقاؿ عز من قائل‪:‬‬
‫"إف هللا ومبلئكتو شصلوف على النيب‪".....‬‬

‫‪112‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .41‬يف ِعنَ حذيث ششيف‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫مفتاحا لدار النعيم والكرامة‪ ،‬وجعل ا‪٤‬بعصية عنو ًاان على ا‪٢‬بسرة‬ ‫ً‬ ‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي جعل التقوى‬
‫والندامة‪ ،‬وأحيا ا‪٤‬بتقْب حياةً طيبة ُب الدنيا وأمن خوفهم يوـ القيامة‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا جعل‬
‫ا‪٢‬بسنات يذىنب السيئات‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحم عبده ورسولو سيد السادات‪ ،‬اللهم صل وسلم على‬
‫سيدان دمحم من جاء ابلبينات‪ ،‬وعلى آلو وصحبو أويل ا‪٤‬بآثر الواضحات‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ ،‬أوصيكم‬
‫ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا وأطيعوه‪ ،‬فإف نبيكم ملسو هيلع هللا ىلص يقوؿ‪" :‬اتق هللا حيثما كنت وأتبع السيئة ا‪٢‬بسنة‬
‫‪ٛ‬بحها وخالق الناس ٖبلق حسن"‪ .‬ففي ا‪٢‬بديث أيمران ملسو هيلع هللا ىلص بتقوى هللا عز وجل ُب معامبلتنا الثبلث‪ :‬وىي‬
‫معاملة هللا‪ ،‬ومعاملة النف ‪ ،‬ومعاملة الناس‪ ،‬ألف من أحسن ىذه ا‪٤‬بعامبلت عاش آمنًا وبعث يوـ القيامة‬
‫آمنًا وأدخلو هللا ا‪١‬بنة مع ا‪٤‬بتقْب‪ .‬فأما ا‪٤‬بعاملة معو تعاىل‪ :‬فهي التقوى ُب السر والعبلنية وىي وصيتو تعاىل‬
‫لنا وللذين من قبلنا فقاؿ تعاىل‪ ":‬ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإايكم أف اتقوا هللا"‪ .‬والتقوى‬
‫كما فسرىا سيدان علي هنع هللا يضر‪ [:‬ىي ا‪٣‬بوؼ من ا‪١‬بليل‪ ،‬والعمل ابلتنزيل‪ ،‬والرضا ابلقليل‪ ،‬واالستعداد ليوـ‬
‫الرحيل] ‪ .‬ألف ا‪٣‬بوؼ من هللا تعاىل يرغب النف وينشمها على فعل ا‪٢‬بسنات والصا‪٢‬بات وٲبنعها من‬
‫ارتكاب النقائص وا‪٤‬بخالفات‪ ،‬فمن عرؼ هللا خافو‪ ،‬ومن خافو اتقاه‪ ،‬ومن اتقاه امتثل أمره واجتنب هنيو‬
‫"ذلك ٱبوؼ هللا بو عباده اي عباد فاتقوف"‪ .‬والعمل ابلتنزيل‪:‬ىو العمل بكتاب هللا تعاىل فيما أمر وهنى‪،‬‬
‫ألنو الصراط ا‪٤‬بستقيم من سلكو وعمل بو وصل إىل رضواف هللا‪ ،‬ومن أعرض عنو كاف من ا‪٥‬بالكْب "كتاب‬
‫أنزلناه إليك مبارؾ ليدبروا آايتو وليتذكر أولو األلباب"‪ .‬والرضا ابلقليل‪ :‬ىو التسليم لقضاء هللا ومقاديره‪،‬‬
‫والشكر لو على ‪ٝ‬بيع ا‪٢‬باالت‪ ،‬ألنو يعلم وال نعلم‪ ،‬فكم من ماؿ كثّب أشقى صاحبو‪ ،‬وكم من ماؿ قليل‬
‫أسعد صاحبو‪ ،‬وقد أوضح هللا ذلك ُب كتابو بقولو‪ ":‬وعسى أف تكرىوا شيئًا وىو خّب لكم وعسى أف ‪ٙ‬ببوا‬
‫شيئًا وىو شر لكم وهللا يعلم وأنتم ال تعلموف"‪.‬‬

‫واالستعداد ليوـ الرحيل‪ :‬ىو التأىب للموت الذي أيٌب ُب غّب ميعاد معلوـ‪ ،‬بل أيٌب بغتة أبمر‬
‫ا‪٢‬بي القيوـ‪ ،‬فكم من صحيح أصبح مع األحياء فأمسى من األموات‪ ،‬فالعاقل من أعد العدة ليوـ الرحيل‪.‬‬
‫وأما األمر الثا ي الذي أتى ُب ا‪٢‬بديث ىو معاملة النف ‪ :‬وذلك ابلسعي ُب أمر صبلحها وفبلحها وأوهبا‬
‫وتزكيتها وتوبتها إىل هللا وفعل ا‪٢‬بسنات بعد السيئات؛ ليكفر هللا عنها ما سبق" إف ا‪٢‬بسنات يذىنب‬
‫السيئات ذلك ذكرى للذاكرين"؛ ألف من أٮبل نفسو فقد أضاعها‪ ،‬وضياعها جرـ عظيم‪ .‬فالفبلح ‪٤‬بن‬

‫‪113‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫ىذب نفسو ابلشرع ا‪٢‬بنيف‪ ،‬وا‪٣‬بيبة ‪٤‬بن أٮبلها وهللا يقوؿ‪ ":‬قد أفلح من زكاىا* وقد خاب من دساىا"‪.‬‬
‫وأما األمر الثالث فهو معاملة الناس ٕبسن ا‪٣‬بلق‪ :‬وىو أف تصل من قمعك‪ ،‬وتعمي من حرمك‪ ،‬وتعفو‬
‫عمن ظلمك‪ ،‬و‪ٙ‬بلم على ا‪١‬باىلْب‪ ،‬وإايكم والغضب فإنو بئ القرين‪ ،‬فيو يؤذي اإلنساف جّبانو ‪ ،‬وبو‬
‫يملق الرجل زوجتو‪ ،‬ويسب الشرع والدين‪ ،‬وبو تسفك الدماء‪ ،‬وتسب األمهات واآلابء‪ ،‬وما من فتنة إال‬
‫ومنشأىا الغضب‪ ،‬فهو سكْب التقاطع وعنواف الشر وانعق ا‪٣‬براب وشؤـ اإلنسانية وشرر اجملتمع وحالقة‬
‫سعيدا فليصحب ا‪٢‬بلم وليحذر الغضب وليتخلق أبخبلؽ سيد ا‪٤‬برسلْب‪،‬‬ ‫اإلخاء‪ ،‬فمن أراد أف يعيش ً‬
‫وكونوا ‪٩‬بن قاؿ هللا ُب شأهنم‪ ":‬وإذا ما غضبوا ىم يغفروف"‪ .‬فاتقوا هللا عباد هللا‪ ،‬واعملوا هبذا التوجيو النبوي‬
‫ُب قولو ملسو هلآو هيلع هللا ىلص‪ ":‬اتق هللا حيثما كنت وأتبع السيئة ا‪٢‬بسنة ‪ٛ‬بحها وخالق الناس ٖبلق حسن"‪ .‬وهللا تعاىل‬
‫يقوؿ‪ ":‬وسارعوا إىل مغفرة من ربكم ور‪ٞ‬بة عرضها السماوات وارض أعدت للمتقْب* الذين ينفقوف ُب‬
‫السراء والضراء والكاظمْب الغيظ والعافْب عن الناس وهللا ٰبب ا﵀سنْب"‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .41‬فعً وٍّح اٌرٌحيذ‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي فرؽ بْب ا‪٤‬بؤمنْب والكافرين بقوؿ ال إلو إال هللا‪ ،‬وأمن أىل التوحيد بشهادة أال إلو إال هللا‪،‬‬
‫ووعدىم هبا ا‪١‬بنة وحرـ عليهم بقو‪٥‬با النار‪ ،‬وأخاؼ أىل العناد والشرؾ وتوعدىم بدخوؿ النار‪ ،‬وأشهد أف‬
‫ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‪ ،‬شهادة مربأة من الشرؾ سليمة‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو‪،‬‬
‫اللهم صل وسلم وابرؾ على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم ا‪٢‬ببيب ا﵀بوب‪ ،‬وعلى آلو وصحبو ومن إليو‬
‫منسوب‪ ..‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واشكروا لو وا‪ٞ‬بدوه أف‬
‫جعلكم من أمة التوحيد ومن الناطقْب هبا ومن الشاىدين ٗبا شهد هللا بو لنفسو حيث يقوؿ‪" :‬شهد هللا أنو‬
‫ال إلو إال ىو وا‪٤‬ببلئكة وألو العلم قائماً ابلقسط ال إلو إال ىو العزيز ا‪٢‬بكيم"‪ .‬فمن شهد بشهادة التوحيد‬
‫كاف من أحباب هللا‪ ،‬ومن اآلمنْب يوـ لقاء هللا‪ ،‬ومن الناجْب من الدخوؿ ُب النار إال إف شاء هللا ‪ .‬عباد‬
‫هللا‪ ،‬كلمة التوحيد كلمة عظيمة ‪ٚ‬بر ‪٥‬با ا‪١‬بباؿ‪ ،‬وهتتز ‪٥‬با السماوات‪ ،‬وينظر هللا سبحانو وتعاىل إىل قائلها‬
‫بنظر الر‪ٞ‬بة والرضواف والعمف والصلة‪ ،‬وكلمة التوحيد تعِب أنو ال معبود ُب الوجود ٕبق إال هللا‪ ،‬لذلك ‪٪‬بد‬
‫أف هللا تعاىل كرر ىذه الكلمة العظيمة ُب كتابو العزيز ُب كثّب من ا‪٤‬بواضع‪ ،‬منها قولو تعاىل‪ ":‬ذلكم هللا‬
‫ربكم ال إلو إال ىو"‪ .‬ومنها قولو تعاىل‪" :‬وإ‪٥‬بكم إلو واحد ال إلو إال ىو"‪ .‬ومنها قولو تعاىل‪":‬ىو الذي‬
‫يصوركم ُب األرحاـ كيف يشاء ال إلو إال ىو"‪ .‬وقولو تعاىل‪" :‬غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي‬
‫الموؿ ال إلو إال ىو"‪ .‬وقولو تعاىل‪ ":‬فإف تولوا فقل حسيب هللا ال إلو إال ىو"‪ .‬وقولو تعاىل‪ ":‬فتعاؿ هللا‬
‫ا‪٤‬بلك ا‪٢‬بق ال إلو إإل ىو"‪ .‬وقولو تعاىل‪ ":‬وال تدع مع هللا إ‪٥‬بًا آخر ال إلو إال ىو"‪ .‬فما على اإلنساف العاقل‬
‫ذكرا يواظب عليو ُب ليل‬ ‫الذي حباه هللا هبذه الكلمة ا‪٤‬بباركة كلمة ال إلو إال هللا‪ ،‬إال أف ٯبعل لنفسو منها ً‬
‫وهنار‪ ،‬علو أف ٱبرج من ىذه الدنيا على كلمة التوحيد الذي قاؿ فيها رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪" :‬من كاف آخر كبلمو‬
‫ُب الدنيا ال إلو إال هللا دخل ا‪١‬بنة"‪ .‬ولذا يقوؿ ابن عباس رضي هللا عنهما ُب قولو تعاىل‪[:‬غافر الذنب]‬
‫يعُب ‪٤‬بن يقوؿ ال إلو إال هللا‪[ ،‬وقابل التوب] ‪٤‬بن يقوؿ ال إلو إال هللا ‪[،‬شديد العقاب] ‪٤‬بن م يقل ال إلو إال‬
‫هللا‪.‬‬

‫وردا* ال ٲبلكوف‬ ‫وفدا* ونسوؽ اجملرمْب إىل جهنم ً‬‫وقاؿ تعاىل‪" :‬يوـ ‪٫‬بشر ا‪٤‬بتقْب إىل الر‪ٞ‬بن ً‬
‫عهدا"‪.‬قاؿ ابن عباس رضي هللا عنهما‪[ :‬العهد‪ :‬شهادة أف ال إلو إال هللا‬
‫الشفاعة إال من ا‪ٚ‬بذ عند الر‪ٞ‬بن ً‬

‫‪115‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫] وقاؿ تعاىل‪" :‬وألزمهم كلمة التقوى"‪ .‬قاؿ اإلماـ علي هنع هللا يضر‪[ :‬كلمة التقوى قوؿ ال إلو إال هللا] وقاؿ‬
‫تعاىل‪" :‬إليو يصعد الكلم الميب"‪ .‬أي قوؿ ال إلو إال هللا‪ ،‬وقاؿ بعض أىل العلم‪ [ :‬قوؿ ال إلو إال هللا‬
‫حرز ينبع وحصن حصْب‪ ،‬فمن قاؿ ال إلو إال هللا‪ٙ ،‬بصن من كل سوء‪ ،‬لقولو ملسو هيلع هللا ىلص‪٦ ":‬بدوا ربكم بقوؿ ال‬
‫إلو إال هللا‪ ،‬فإف هللا تبارؾ وتعاىل يقوؿ "ىي حصِب ومن دخل حصِب أمن عذايب"] وقاؿ ابن عباس رضي‬
‫هللا عنهما‪[ :‬لو يعلم ا‪٤‬بذنبوف ما ُب قوؿ ال إلو إال هللا ألكثروا من ذكرىا فإف الليل والنهار أربع وعشروف‬
‫ساعة‪ ،‬وال إلو إال هللا أربعة وعشروف حرفًا‪ ،‬كل حرؼ منها يكفر ذنوب ساعة] وقاؿ رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪:‬‬
‫"أفضل ما قلت أان والنبيوف من قبلي ال إلو إال هللا"‪ .‬وقاؿ رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪" :‬أمرت أف أقاتل الناس حٌب‬
‫يقولوا ال إلو إال هللا"‪ .‬وعن أيب ىريرة هنع هللا يضر قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪" :‬لي على أىل ال إلو إال هللا وحشة ُب‬
‫قبورىم وال ُب بعثهم وال ُب نشورىم وكأ ي هبم وقد خرجوا من قبورىم ينفضوف الَباب عن رؤوسهم وىم‬
‫يقولوف ال إلو إال هللا حٌب يدخلوا ا‪١‬بنة فيقولوف ا‪٢‬بمد ﵁ الذي أذىب عنا ا‪٢‬بزف إف ربنا لغفور شكور"‪.‬‬
‫وسئل رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬أي األعماؿ أفضل؟ قاؿ‪" :‬أف ‪ٛ‬بوت ولسانك رطب بذكر هللا"‪ .‬وقاؿ عيو الصبلة‬
‫والسبلـ‪" :‬يقوؿ تبارؾ وتعاىل ‪٤‬ببلئكتو‪ :‬قربوا مِب أىل ال إلو إال هللا فإ ي أحبهم"‪ .‬وقاؿ‪ ":‬لقنوا مواتكم ال‬
‫إلو إال هللا فإهنا هتدـ الذنوب"‪ .‬وعن ابن ذر هنع هللا يضر قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪" :‬ما من عبد قاؿ ال إلو إال هللا‬
‫ٍب مات على ذلك إال دخل ا‪١‬بنة‪ ،‬قاؿ هللا تعاىل وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ :‬أعوذ اب﵁ من الشيماف‬
‫متصدعا من خشية هللا وتلك األمثاؿ نضرهبا للناس‬ ‫ً‬ ‫خاشعا‬
‫ً‬ ‫الرجيم‪" ِ:‬لو أنزلنا ىذا القرآف على جبل لرأيتو‬
‫لعلهم يتفكروف* ىو هللا الذي ال إلو إال ىو عا م الغيب والشهادة ىو الر‪ٞ‬بن الرحيم"‪ .‬نفعِب هللا وإايكم‬
‫هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من خلص احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي‬
‫ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .42‬دلارا خٍمه اهلل أييا اإلٔساْ؟‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي خلق ا‪٣‬بلق ‪٢‬بكمة‪ ،‬وطوى عليها علمو وبسط ‪٥‬بم من سائر ا‪٤‬بنة ما جرت بو ُب‬
‫‪٧‬بمدا‬
‫أقداره القسمة‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو صاحب الفضل وا‪٤‬بنة‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫بو على الناس ‪ٛ‬بت من هللا النعمة‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آلو وأصحابو والتابعْب‬
‫إبحساف إىل يوـ الدين‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ ،‬أوصيكم وإايي بتقوى هللا تعاىل فاتقوا هللا وأطيعوه‪ ،‬وعليك‬
‫أيها ا‪٤‬بؤمن أف تقف مع نفسك وقفة حق ترجع فيها األمور إىل نصاهبا وتسأؿ نفسك سؤاؿ متفكر متدبر‬
‫وتقوؿ لنفسك من أجل ماذا خلقِب موالي ُب ىذه الدنيا ؟ وقبل أف ٘بيب على نفسك ٘بد أف القرآف‬
‫يصرخ بوضوح لئلجابة عن ىذا السؤاؿ‪ ،‬فا﵁ يقوؿ ُب كتابو‪" :‬وما خلقت ا‪١‬بن واإلن إال ليعبدوف "‪.‬‬
‫والعبادة ىنا ال بد أف تفسر ٗبفهومها الشامل ا‪٤‬بتكامل‪ ،‬فأداء األوامر من صبلة وصياـ وغّبٮبا عبادة‪ ،‬وترؾ‬
‫ا﵀رمات والشهوات عبادة‪ ،‬والقياـ ابلوظيفة إف كنت موظ ًفا على الوجو الذي يرضي هللا مع خوؼ هللا ُب‬
‫األمر ا‪٤‬بوسد إليك يعترب ذلك عبادة‪ ،‬والتجارة مع األمانة والصدؽ عبادة‪ ،‬والعمل ُب أي نوع من أنواع‬
‫األعماؿ ا‪٤‬بشروعة عبادة‪ ،‬ويكتب أجرىا لئلنساف إذا راقب هللا ُب أعمالو وجعلها وفق شرعو و م تشغلو عن‬
‫مغفورا لو "‪ .‬فإذا عرؼ ذلك ا‪٤‬بسلم‬
‫ً‬ ‫ما أمره هللا بو‪ ،‬لذا يقوؿ ملسو هيلع هللا ىلص‪ ":‬من ابت كاالً من عمل يده ابت‬
‫أصبح متزًان ُب تصرفاتو ٘باه مواله يؤدي ا‪٤‬بملوب منو ُب أمر دينو ودنياه‪ ،‬وىذا االتزاف طلبو القرآف بقولو‪":‬‬
‫وقل اعملوا فسّبى هللا عملكم ورسولو وا‪٤‬بؤمنوف ٍب تردوف إىل عا م الغيب والشهادة فينبئكم ٗبا كنتم‬
‫تعملوف"‪ .‬وهبذا االتزاف وا‪٤‬براقبة الٍب نصت عليها اآلية ال يمغى جانب ا‪٤‬بادة على اإلنساف وال مفهوـ‬
‫التجرد والرىبنة على حياتو ألف اإلنساف مملوب منو أف أيٌب أبمور العبادة كاملة وأف يتقن أمور معاشو‬
‫كاملة لذا قاؿ ملسو هيلع هللا ىلص‪ ":‬إف هللا ٰبب من أحدكم إذا عمل عمبلً أف يتقنو "‪ .‬ولكن إذا نظرت إىل ما ‪٫‬بن عليو‬
‫وطمعا يف ادلتاع الزائل الذي‬
‫٘بد أف الغالب فينا طغياف ا‪١‬بانب ا‪٤‬بادي على حساب ا‪٤‬بعاد وا‪٢‬بياة الباقية‪ً ،‬‬
‫قال هللا فيه‪" :‬إن كل ذلك دلا متاع احلياة الدنيا واآلخرة عند ربك للمتقني"‪ .‬وىذا ىو الذي حذر منو‬
‫ا‪٤‬بصمفى ملسو هيلع هللا ىلص أمتو حيث يقوؿ‪":‬ما الفقر أخشى عليكم‪ ،‬ولكن أخشى عليكم أف تفتح عليكم الدنيا‬
‫فتتنافسوىا كما تنافسوىا فتهلككم كما أىلكتهم"‪ .‬وىذه نظرة راقبة من ا‪٢‬ببيب األعظم‪ ،‬فكم من أمور‬
‫فعلت ُب سبيل الوصوؿ إىل الدنيا قاؿ هللا فيها‪" :‬وما أموالكم وال أوالدكم ابلٍب تقربكم عندان زلفى"‪.‬‬
‫وذلك على حساب الدين وعلى حساب اآلخرة وعلى حساب رضا هللا‪ ،‬وإال فما ا‪٤‬بربر لوجود الراب بْب‬

‫‪117‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫ا‪٤‬بسلمْب وانتشاره وتروٯبو واجملاىرة بو وكأنو أمر حبلؿ وما الدافع للمعامبلت الفاسدة ُب البيع والشراء‬
‫شرعا؟ إف ا‪٤‬بربر الوحيد ‪٥‬بذا ىو طغياف ا‪١‬بانب ا‪٤‬بادي على ا‪١‬بانب‬
‫وانتشار حب الربح السريع وىي ‪٧‬برمة ً‬
‫الروحي واالتصاؿ األخروي‪ ،‬فخربو ي بربكم ‪٤‬باذا انتشرت الرذيلة ُب ‪٦‬بتمعات ا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬ونودي ٕبقوؽ‬
‫ا‪٤‬برأة ُب صفوؼ ا‪٤‬بسلمْب وغّب ذلك من الدعوات الٍب ظاىرىا حق يراد بو الباطل الذي أصبح لو أبواؽ‬
‫تنادي ابإلصبلح وىي مفسدة وابلفضيلة وىي ُب ىوة الرذيلة وإبصبلح اجملتمعات وىي تريد زعزعة أمتها‬
‫واإلخبلؿ فيو اب‪٢‬باكم وا﵀كوـ لكي تصدر لو التبعيات وتثّب فيو النعرات المائفيات وتصبح عندئذ طعمة‬
‫سائغة ألعداء الدين وهنبة ‪٥‬با ُب كل وقت وحْب‪ .‬فعودة أيها ا‪٤‬بؤمنوف إىل حضّبة التوازف الذي يسعد هباِ‬
‫ا‪٤‬بؤمن ُب دنياه وأخراه‪ ،‬فإنك م ‪ٚ‬بلق للدنيا وإ٭با خلقت لنعيم اآلخرة‪ ،‬والعيش الكرمي ُب الدنيا‪ .‬وصدؽ هللا‬
‫حيث يقوؿ وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬يوـ أتٌب كل نف ٘بادؿ عن نفسها‬
‫وتوَب كل نف ما عملت وىم ال يظلموف "‪ .‬نفعِب هللا وإايكم هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من خلص‬
‫احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب‬
‫فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ِ .43‬ا ألىً اٌطاعاخ ِٓ وشاِاخ‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي وفق من أحب من عباده للماعات‪ ،‬وطهرىم من دن ا‪٤‬بوبقات‪ ،‬فعبدوا هللا ح ًقا‬
‫وآمنوا بو صدقًا‪ ،‬فسلكوا بذلك طريق ا‪٣‬ببلص‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو ليوـ ال شك‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو سيد السادات وإماـ أىل السعادات‪ ،‬اللهم صل‬ ‫فيو وال مناص‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫وسلم على سيدان دمحم النيب ا‪٤‬بختار‪ ،‬وعلى آلو األخيار‪ ،‬وعلى أصحابو األبرار‪ ،‬وعلى التابعْب ومن تبعهم‬
‫ما تعاقب الليل والنهار‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا وأطيعوه‪ ،‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪:‬‬
‫إىل مٌب و‪٫‬بن نقوؿ سوؼ نقمع العبلئق الشاغلة عن هللا تعاىل ونقبل على ما خلقنا هللا لو من العبادة‬
‫حيث قاؿ‪ ":‬وما خلقت ا‪١‬بن واإلن إال ليعبدوف"‪ .‬وقاؿ تعاىل‪ ":‬وما أمروا إال ليعبدوا هللا ‪٨‬بلصْب لو‬
‫الدين"‪ .‬و‪٫‬بن مع ذلك نصر على ا‪٥‬بوى‪ ،‬ونتمادى ُب الغفلة وال نرعوي إىل سبيل الرشد وا‪٥‬بدى‪ ،‬وال عذر‬
‫لنا ُب ذلك بعد أف ظهر لنا سبيل الرشاد وتبْب لنا ا‪٢‬بق من الضبلؿ ولزمتنا ا‪٢‬بجة بقولو تعاىل‪ ":‬قد جاءكم‬
‫بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسو ومن عمي فعليها"‪ .‬وقولو تعاىل‪ ":‬ففروا إىل هللا إ ي لكم منو نذير‬
‫مبْب"‪ .‬وقولو تعاىل‪ ":‬اي قوـ إ٭با ىذه ا‪٢‬بياة الدنيا متاع وإف اآلخرة ىي دار القرار"‪ .‬وقولو عليو الصبلة‬
‫والسبلـ‪ ":‬الكي من داف نفسو وعمل ‪٤‬با بعد ا‪٤‬بوت‪ ،‬والعاجز من أتبع نفسو ىواىا و‪ٛ‬بُب على هللا‬
‫األما ي"‪ .‬ومعُب داف نفسو‪ :‬أي حاسبها‪ .‬وقولو عليو الصبلة والسبلـ‪ ":‬يتبع ا‪٤‬بيت ثبلثة‪ :‬أىلو ومالو‬
‫وعملو‪ ،‬فّبجع اثناف ويبقى واحد‪ ،‬يرجع أىلو ومالو ويبقى عملو"‪ .‬إىل غّب ذلك من اآلايت الكرٲبات‬
‫واألحاديث النبوية الشريفة‪ ،‬فإف أعرضت بعد ذلك عن اإلصغاء أو أصغيت بظاىرؾ وتكاسلت عن العمل‬
‫بباطنك فقد خبت وخسرت وما ظلمت إال نفسك لقولو تعاىل‪ ":‬ومن أظلم ‪٩‬بن ذكر ِبايت ربو فأعرض‬
‫عنها ونسي ما قدمت يداه"‪ .‬وإف أصغيت إصغاء ذي فمنة وبصر حديد وتفكرت تفكر من ألقى السمع‬
‫وىو شهيد وقمعت عنك العبلئق وصرفت عنك الشواغل والعوائق وابتعدت عن الشهوات وا‪٤‬بنكرات وعن‬
‫كل ما يصدؾ عن سلوؾ الصراط ا‪٤‬بستقيم ويلهيك عن خدمة موالؾ الكرمي رجوت لك النجاة والسبلمة‬
‫كبّبا"‪ .‬عباد هللا إذا كاف‬
‫نعيما ومل ًكا ً‬
‫والفوز اب‪٤‬بلك ا‪٤‬بقيم ُب دار النعيم‪ ،‬قاؿ تعاىل‪ ":‬وإذا رأيت ٍب رأيت ً‬
‫من طلب الرائسة الدنيوية الفانية ا‪٢‬بقّبة بذؿ مالو وروحو حٌب يظفر منها بقدر يسّب ُب عمر قصّب‪ ،‬والدنيا‬
‫أبسرىا أحقر عند هللا من كل حقّب‪ ،‬وإذا حصل لو ذلك فرٗبا غبط نفسو فبل يرى ما يبذلو من ا‪٤‬باؿ‬
‫كثّبا‪ ،‬فكيف ٗبن يملب ا‪٤‬بلك الكبّب ا‪٤‬بقيم ُب دار النعيم‪ ،‬أيستكثر لو أف يلجم نفسو‬
‫وخاطر بو من ا‪٢‬باؿ ً‬

‫‪119‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫بلجاـ التقوى وينهى نفسو األمارة ابلسوء عن اتباع ا‪٥‬بوى؟ كبل وهللا لو كاف لو ألف ألف نف وألف ألف‬
‫روح وألف ألف عمر مثل عمر الدنيا وأكثر وبذؿ ذلك كلو ُب ىذا ا‪٤‬بملب العزيز لكاف قليبلً‪ ،‬فتنبو اي‬
‫أخي من رقدة الغافلْب‪ .‬عباد هللا اعلموا أف أىل الماعة ُب الدنيا ىم فيها أىل الشرؼ والسيادة‪ ،‬كما ىم‬
‫ُب اآلخرة أىل الكرامة والسعادة‪ ،‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف أعوذ اب﵁ من الشيماف‬
‫الرجيم‪ ":‬من عمل صا‪٢‬بًا من ذكر أو أنثى وىو مؤمن فلنحيينو حيا ًة طيبة ولنجزينهم أجرىم أبحسن ما‬
‫كانوا يعملوف"‪ .‬نفعِب هللا وإايكم هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من خلص احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪،‬‬
‫وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور‬
‫الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي وفق أىل السعادة للماعات‪ ،‬وحجب أىل الشقاوة عن عمل الصا‪٢‬بات‪ ،‬وأشهد‬
‫أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو ‪٦‬بزؿ العميات‪ ،‬وأشهد أف سيدان ونبينا دمحماً عبده ورسولو سيد أىل‬
‫األرض والسماوات‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم إماـ الربايت‪ ،‬وعلى آلو‬
‫وصحبو أويل الدرجات العاليات‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪.‬‬
‫عباد هللا ما أكرـ هللا بو أىل الماعة الذين لزموا خدمة موالىم من الكرامات ُب اآلخرة واألوىل ال يعد وال‬
‫ٰبصى‪ ،‬فمنها أنو تعاىل يشكرىم ويثِب عليهم وٰببهم ويعظمهم لقولو تعاىل‪ ":‬وعباد الر‪ٞ‬بن الذين ٲبشوف‬
‫سبلما"‪ .‬ومنها أف هللا تعاىل يكوف وكيبلً ألىل طاعتو يدبر‬ ‫ىوان وإذا خاطبهم ا‪١‬باىلوف قالوا ً‬ ‫على األرض ً‬
‫‪٨‬برجا‬
‫أمورىم‪ ،‬وكفيبلً أبرزاقهم‪ ،‬قاؿ تعاىل‪ ":‬وىو يتوىل الصا‪٢‬بْب"‪ .‬وقاؿ تعاىل‪ ":‬ومن يتق هللا ٯبعل لو ً‬
‫ويرزقو من حيث ال ٰبتسب"‪ .‬ومن أنواع الكرامات ألىل الماعات التثبيت عند ا‪٤‬بوت على اإلٲباف‬
‫والبشارة ابألماف فبل ٱبافوف ‪٩‬با يقدموف عليو من أىواؿ اآلخرة وال ٰبزنوف على ما خلفوه ُب الدنيا من أىل‬
‫وولد وماؿ‪ ،‬قاؿ تعاىل‪ ":‬إف الذين قالوا ربنا هللا ٍب استقاموا تتنزؿ عليهم ا‪٤‬ببلئكة أال ‪ٚ‬بافوا وال ‪ٙ‬بزنوا وأبشروا‬
‫اب‪١‬بنة الٍب كنتم توعدوف ‪٫‬بن أولياءكم ُب ا‪٢‬بياة الدنيا وُب اآلخرة"‪ .‬وىذا كلو ُب مدة إقامتهم ُب الدنيا‪،‬‬
‫وأما كرامتو ‪٥‬بم ُب اآلخرة فبل يقدر أف يعرب عنها ٗبقاؿ وال ٰبصرىا إال الكبّب ا‪٤‬بتعاؿ كما أخرب هللا سبحانو‬
‫بذلك حيث قاؿ واصفاً لعباده ا‪٤‬بؤمنْب وما أعده ‪٥‬بم من النعيم‪" :‬تتجاَب جنوهبم عن ا‪٤‬بضاجع يدعوف رهبم‬

‫‪120‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫وطمعا و‪٩‬با رزقناىم ينفقوف* فبل تعلم نف ما أخفي ‪٥‬بم من قرة أعْب جزاءً ٗبا كانوا يعملوف* أفمن‬
‫خوفًا ً‬
‫كاف مؤمنًا كمن كاف فاس ًقا ال يستووف"‪.‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ِ .44‬ا جية أْ يىٌْ عٍيو ادلسٍُ جتاه دٔياه ًآخشذو‬

‫اخلطبة األوىل‬
‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي خلق الدنيا دار عمل وحياة وموت وفناء‪ ،‬وجعل اآلخرة دار خلود وجزاء وبقاء‪،‬‬
‫وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو الرب ا‪٤‬بعماء‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو سيد أىل‬
‫األرض والسماء‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم وعلى آلو وصحبو الصا‪٢‬بْب‬
‫األتقياء‪ ،‬وعلى التابعْب ‪٥‬بم ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ البعث وا‪١‬بزاء‪ ...‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم‬
‫ونفسي بتقوى هللا‪ ،‬فقد أمر هبا سبحانو ُب كتابو فقاؿ ‪":‬اي أيها الذين آمنوا اتقوا هللا ولتنظر نف ما‬
‫قدمت لغد واتقوا هللا إف هللا خبّب ٗبا تعملوف * وال تكونوا كالذين نسوا هللا فأنساىم أنفسهم أولئك ىم‬
‫الفاسقوف"‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ :‬أيمر هللا تعاىل ا‪٤‬بؤمنْب ابلتقوى‪ ،‬وٰبثهم على مداومة طاعتو‪ ،‬ويدعو كل مؤمن‬
‫إىل مراقبة نفسو ومراجعة حسناتو وسيئاتو؛ عسى أف يتزود ا﵀سن من الماعات‪ ،‬ويتدارؾ ا‪٤‬بسيء ما مضى‬
‫وفات‪ ،‬ويعلم ا‪٤‬بقصر أف أمامو يوماً ٰباسب فيو فيجد وٯبتهد كما ٯبد وٯبتهد ُب أمور حياتو الدنيا؛ حيث‬
‫إف ا‪٤‬بؤمن إذا وقف وقفة مع نفسو وأتمل شؤوف حياتو لوجد أف كثّباً من الناس وعلى ‪ٝ‬بيع ا‪٤‬بستوايت ال‬
‫أيلوف جهداً ُب االزدايد من ‪ٝ‬بع الدنيا‪ ،‬فنجد التاجر ٲبتلك الكثّب ولكنو يكدح ُب سبيل األكثر بعمل‬
‫دؤوب متواصل‪ ،‬وا‪٤‬بوظف يريد االرتقاء إىل أعلى الدرجات الوظيفية‪ ،‬وكذا سائر أىل ا‪٢‬برؼ والصنائع؛‬
‫حٌب أبناءان الناشئة ُب مراحل تعليمهم يغرس ُب نفوسهم وقلوهبم ا‪١‬بد واالجتهاد للحصوؿ على درجة‬
‫علمية تؤمن ‪٥‬بم مستقبل حياهتم كما نسمع ذلك من ا‪٤‬بربْب واآلابء واألمهات‪ ،‬فيا حبذا لو غرست نية‬
‫صا‪٢‬بة ُب قلوب ىؤالء الناشئة؛ ولكن حٌب النيات الصا‪٢‬بة فقدت ُب حياتنا؛ ألف التفكّب ُب اآلخرة أصبح‬
‫رانوايً‪ ،‬فلو عمل الكل ُب ‪٦‬بالو ونوى بعملو هللا والدار اآلخرة لكاف عملو لآلخرة‪ .‬وذلك أبف ينوي بعملو‬
‫سواء أكاف ٘بارايً أو صناعياً أو وظيفياً أو تعليمياً نفع نفسو وأىلو وا‪٤‬بسلمْب‪ .‬فمن ذلك اي عباد هللا نرى‬
‫مقدار االىتماـ بشؤوف ا‪٢‬بياة الدنيا الفانية والعمل ا‪٤‬بستمر ُب سبيل ا‪٢‬بصوؿ عليها‪ ،‬وال نرى من أنفسنا‬
‫اجتهاداً ولو نصف ىذا االجتهاد أو ربعو ُب سبيل ا‪٢‬بصوؿ على الدار الباقية‪ .‬عباد هللا‪ ،‬إف من نظر إىل‬
‫الدنيا بعْب البصّبة أيقن أف نعيمها ابتبلء وحياهتا عناء‪ ،‬حبل‪٥‬با حساب وحرامها عقاب‪ ،‬من استغُب فيو‬
‫فًب ومن افتقر حزف‪ ،‬جديدىا يبلى وملكها يفُب‪ ،‬وعزيزىا يذؿ؛ "اي قوـ إ٭با ىذه ا‪٢‬بياة الدنيا متاع وإف‬
‫اآلخرة ىي دار القرار"‪" ،‬عاش رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص وما وضع لبنة على لبنة و ال قصبة على قصبة"ٔ‪ .‬فانظروا‬
‫ير‪ٞ‬بكم هللا إىل ما ‪٫‬بن عليو من حب الدنيا حٌب تنافسناىا فيما بيننا وأصبحت ٮبنا الدائم‪ ،‬يوصي هبا‬
‫الكبّب الصغّب‪ ،‬فاآلابء حريصوف عليها ويدفعوف ابألبناء للوقوع ُب أحضاهنا‪ ،‬وليت األمر كاف ابلتساوي‬
‫بينها وبْب اآلخرة‪ ،‬فعلى كل منا أف ٰباسب نفسو قليبلً ويفكر كم مرة دفع ابنو لآلخرة وذكره اب﵁ سبحانو‬
‫وخوفو من عقابو‪ ،‬يقوؿ عليو الصبلة والسبلـ ‪":‬ا‪٤‬بؤمن بْب ‪٨‬بافتْب‪ :‬بْب أجل قد مضى ال يدري ما﵁‬

‫‪122‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫قاض فيو‪ ،‬فليتزود العبد من نفسو لنفسو ومن حياتو ‪٤‬بوتو ومن‬ ‫صانع فيو‪ ،‬وبْب أجل قد بقي ال يدري ما﵁ ٍ‬
‫شبابو ‪٥‬برمو‪ ،‬فإف الدنيا خلقت لكم وأنتم خلقتم لآلخرة‪ ،‬والذي نفسي بيده ما بعد ا‪٤‬بوت من مستعتب‬
‫وال بعد الدنيا من دار إال ا‪١‬بنة والنار"ٕ‪ .‬واستمع أخي ا‪٤‬بؤمن إىل وصية رسوؿ هللا ملسو هلآو هيلع هللا ىلص هتن عليك الدنيا‬
‫وتعلم ‪ٛ‬باـ العلم أنك م ‪ٚ‬بلق إال ‪٤‬با عند هللا الذي يقوؿ ‪":‬ما عندكم ينفد وما عند هللا ابؽ"‪ ،‬فلقد أوصى‬
‫عليو الصبلة والسبلـ فقاؿ‪" :‬أقلل من الشهوات يسهل عليك الفقر‪ ،‬وأقلل من الذنوب يسهل عليك‬
‫ا‪٤‬بوت‪ ،‬واقنع ٗبا أوتيتو ٱبف عليك ا‪٢‬بساب‪ ،‬وال تتشاغل عما فرض هللا عليك ٗبا ضمن لك‪ ،‬فإنو لي‬
‫بفائتك ما قسم لك‪ ،‬ولست ببلحق ما زوي عنك"‪ .‬وصدؽ هللا تعاىل حيث يقوؿ وبقولو يهتدي‬
‫ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ،‬أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬وابتغ فيما‬
‫آاتؾ هللا الدار اآلخرة وال تن نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن هللا إليك وال تبغ الفساد ُب األرض‬
‫إف هللا ال ٰبب ا‪٤‬بفسدين"‪ .‬نفعِب هللا وإايكم هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من خلص احبابو اقوؿ قويل‬
‫ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو‬
‫الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي أانر طريق الرشاد‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو رب العباد‪ ،‬وأشهد‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو شفيع األمة يوـ التناد‪ ،‬اللهم صل وسلم على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم‬ ‫أف سيدان ً‬
‫وعلى آلو وأصحابو ا‪٣‬بّبة األجواد‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ :‬أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪.‬‬
‫عباد هللا‪ ،‬إف الدنيا ال تذـ إال ‪٤‬بن أخلد إليها وركن واعتمد عليها‪ ،‬فارتكب فيها ا﵀رمات وتناوؿ فيها‬
‫ِِ‬
‫صبلةَ َواتهػبَػعُوا‬
‫َضاعُوا ال ه‬
‫فأَ‬ ‫ف ِم ْن بَػ ْعدى ْم َخلْ ٌ‬ ‫الشهوات‪ ،‬ونسي اآلخرة‪ ،‬ففي أمثاؿ ىؤالء قاؿ تعاىل‪ ":‬فَ َخلَ َ‬
‫ؼ يػ ْل َقو َف َغيا * إال من َاتب وآمن وع ِمل ِ‬
‫صا‪٢‬باً فَأُولَئِ َ‬
‫ك يَ ْد ُخلُو َف ا ْ‪١‬بَنهةَ َوال يُظْلَ ُمو َف َشْيئا"‪.‬‬ ‫َْ َ َ ََ ََ َ َ‬
‫الش ِ‬
‫هه َوات فَ َس ْو َ َ ْ ّ‬
‫َ‬
‫فالعمل الصاّب ُب الدنيا مملوب‪ ،‬وما خلقنا إال من أجل أف نعمل الصا‪٢‬بات ٍب نقدـ على ربنا وندخل‬
‫إىل ا‪١‬بنات‪ ،‬قاؿ اإلماـ علي هنع هللا يضر‪[ :‬من ‪ٝ‬بعت فيو ست خصاؿ م يدع للجنة مملبًا‪ ،‬وال عن النار مهرًاب ‪-‬‬
‫أي أنو استعمل ‪ٝ‬بيع المرؽ الٍب توصلو إىل ا‪١‬بنة وتنجيو من النار‪ :-‬من عرؼ هللا فأطاعو‪ ،‬وعرؼ‬
‫الشيماف فعصاه‪ ،‬وعرؼ ا‪٢‬بق فاتبعو‪ ،‬وعرؼ الباطل فنفاه‪ ،‬وعرؼ الدنيا فرفضها‪ ،‬وعرؼ اآلخرة فملبها]‪.‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬

‫‪123‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .45‬حمثح اهلل سثحأو‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي جعل ‪٧‬ببتو عبلمة واضحة ُب عباده ا‪٤‬بؤمنْب ا‪٤‬بخلصْب‪ ،‬وميزىم هبا على سائر‬
‫خلقو أ‪ٝ‬بعْب‪ ،‬وجعل أنوارىا تشع على وجوىهم بعد أف مؤل هبا القلوب‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال‬
‫‪٧‬بمدا عبده‬
‫شريك لو ٗبحبتو تممئن ا‪٣‬بواطر وتصفو النفوس من أكدار الذنوب‪ ،‬وأشهد أف سيدان ونبينا ً‬
‫ورسولو من بلغ ُب ‪٧‬ببة مواله علياىا‪ ،‬اللهم صل وسلم على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم الراقي ُب ُب رتبة‬
‫ا﵀بة إىل منتهاىا‪ ،‬وعلى آلو وصحبو ا‪٤‬بفضلْب ابلصدؽ وا‪٢‬بائزين لشرؼ الَبكية ألنفسهم حٌب عنو بقولو‬
‫تعاىل‪" :‬قد أفلح من زكاىا"‪ ..‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ ،‬أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل واطيعوه‪،‬‬
‫أندادا ٰببوهنم كحب هللا‬
‫وا‪٠‬بعوا لقوا ا‪٢‬بق تبارؾ وتعاىل حيث يقوؿ‪" :‬ومن الناس من يتخذ من دوف هللا ً‬
‫والذين آمنوا أشد حبًا ﵁"‪ .‬وقاؿ عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬ثبلث من كن فيو وجد هبن حبلوة اإلٲباف‪ :‬أف‬
‫يكوف هللا ورسولو أحب إليو ‪٩‬با سواٮبا‪ ،‬وأف ٰبب ا‪٤‬برء ال ٰببو إال ﵁‪ ،‬وأف يكره أف يعود ُب الكفر بعد إذ‬
‫أنقذه هللا منو كما يكره أف يقذؼ ُب النار"‪ .‬أيها ا‪٤‬بسلموف‪ ،‬إف أسعد الناس حظًا يوـ القيامة أكثرىم حبًا‬
‫﵁ تعاىل وطاعةً وتفانيًا ُب ذاتو‪ ،‬و‪٧‬ببة هللا تكوف ابلعمل الصاّب واإلٲباف الراسخ واليقْب الصادؽ والتمسك‬
‫بكل ما جاء بو القرآف و‪٦‬باىدة النف وتصفيتها من الصفات الذميمة ومعها من الشهوات القبيحة‪ٍ ،‬ب إف‬
‫من صدؽ ُب ‪٧‬ببة هللا دعاه ذلك إىل إيثار هللا على ما سواه‪ ،‬وإىل التشمّب لسلوؾ قربو ورضاه‪ ،‬وإىل ا‪١‬بد‬
‫ُب طاعتو‪ ،‬وبذؿ االستماعة ُب خدمتو‪ ،‬وترؾ ما يشغل عن ذكره وحسن معاملتو ُب كل شيء‪ .‬روي أف‬
‫موسى عليو السبلـ قاؿ‪ :‬اي رب أوصِب‪ ،‬قاؿ‪" :‬أوصيك يب" ‪ ،‬قاؿ‪ :‬اي رب كيف توصيِب بك؟ قاؿ‪ :‬ال‬
‫يعرض لك أمراف أحدٮبا يل و اآلخر لنفسك إال آثرت ‪٧‬ببٍب على ىواؾ"‪ .‬وُب بعض اآلرار يقوؿ هللا‬
‫تعاىل‪" :‬اي ابن آدـ اطلبِب ٘بد ي؛ فإف وجدتِب وجدت كل شيء‪ ،‬وإف فتك فاتك كل شيء‪ ،‬وأان خّب لك‬
‫من كل شيء"‪ .‬وقاؿ ٰبٓب بن معاذ ر‪ٞ‬بو هللا‪[ :‬على قدر خوفك من هللا يهابك ا‪٣‬بلق‪ ،‬وعلى قدر حبك ﵁‬
‫ٰببك ا‪٣‬بلق‪ ،‬وعلى قدر شغلك اب﵁ يشتغل ا‪٣‬بلق أبمرؾ‪ ،‬وعلى قدر إخبلص العبد ُب طاعة هللا تكوف‬
‫منزلتو ودرجتو ُب ا‪١‬بنة]‪ .‬روى الشيخاف أف رجبلً قاؿ اي رسوؿ هللا مٌب الساعة؟ قاؿ‪" :‬ما أعددت ‪٥‬با؟"‬
‫قاؿ‪ :‬ما أعددت ‪٥‬با من كثّب صبلة وال صوـ وال صدقة ولكِب أحب هللا ورسولو‪ ،‬قاؿ‪" :‬أنت مع من‬
‫أحببت"‪ .‬و‪٧‬ببة هللا على درجتْب‪ ،‬أحدٮبا‪ :‬فرض الزـ؛ وىي أف ٰبب العبد ربو ‪٧‬ببةً توجب لو ‪٧‬ببةً ما‬
‫فرض هللا عليو وبغض ما حرـ هللا عليو‪ ،‬و‪٧‬ببة رسولو وتقدمي ‪٧‬ببتو على النفوس واألىلْب والرضا ٗبا بلغو عن‬

‫‪125‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫هللا من الدين و‪٧‬ببة األنبياء وا‪٤‬برسلْب‪ ،‬قاؿ تعاىل‪" :‬فبل وربك ال يؤمنوف حٌب ٰبكموؾ فيما شجر بينهم ٍب‬
‫تسليما"‪ .‬والدرجة الثانية‪ :‬درجة السابقْب ا‪٤‬بقربْب‪ ،‬وىي أف‬ ‫حرجا ‪٩‬با قضيت ويسلموا ً‬ ‫ال ٯبدوا ُب أنفسهم ً‬
‫ترتقي ا﵀بة إىل ‪٧‬ببة ما ٰببو هللا من نوافل الماعات وكراىة ما يكرىو من دقائق ا‪٤‬بكروىات‪ ،‬وإىل الرضا ٗبا‬
‫يقدره ويقضيو ‪٩‬با يؤ م النفوس من ا‪٤‬بصيبات؛ولذلك أفُب السلف الصاّب ‪-‬ر‪ٞ‬بهم هللا‪ -‬أعمارىم ُب طاعة‬
‫هللا؛ ألف ‪٧‬ببة هللا ىونت عليهم ظمأ ا‪٥‬بواجر وطوؿ القياـ ودواـ الصياـ‪ ،‬وىي الٍب أطلقت أيديهم ابلبذؿ‬
‫عمرا مدى األايـ‪ .‬وُب ا‪٢‬بديث‪" :‬إف هللا‬ ‫والعماء‪ ،‬فخلع هللا عليهم من القبوؿ والرضواف ما جعل ذكرىم ً‬
‫تعاىل قاؿ‪ :‬ما تقرب إيل عبدي بشيء أحب إيل ‪٩‬با افَبضت عليو‪ ،‬وال يزاؿ عبدي يتقرب إيل ابلنوافل‬
‫حٌب أحبو‪ ،‬فإذا أحببتو كنت ‪٠‬بعو الذي يسمع بو‪ ،‬وبصره الذي يبصر بو‪ ،‬ويده الٍب يبمش هبا‪ ،‬ورجلو‬
‫الٍب ٲبشي هبا‪ ،‬ولئن سألِب ألعمينو‪ ،‬ولئن استعاذ ي ألعيذنو"‪ .‬وروى مسلم أنو ملسو هيلع هللا ىلص قاؿ‪" :‬إف هللا إذا أحب‬
‫عبداً دعا جربيل فقاؿ‪ :‬إ ي أحب فبلانً فأحبو‪ ،‬قاؿ‪ :‬فيحبو جربيل‪ٍ ،‬ب ينادي ُب السماء فيقوؿ‪ :‬إف هللا‬
‫ٰبب فبلانً فأحبوه‪ ،‬فيحبو أىل السماء‪ ،‬قاؿ‪ :‬فيوضع لو القبوؿ ُب األرض‪ .‬وإذا أبغض هللا عبداً دعا جربيل‬
‫فيقوؿ‪ :‬إ ي أبغض فبلانً فأبغضو‪ ،‬قاؿ‪ :‬فيبغضو جربيل‪ٍ ،‬ب ينادي ُب السماء‪ :‬إف هللا يبغض فبلانً فأبغضوه‪،‬‬
‫قاؿ‪ :‬فيبغضونو ٍب توضع لو البغضاء ُب األرض"‪ .‬فاتقوا هللا عباد هللا‪ ،‬واعملوا بدينكم وطاعة ربكم‬
‫وخشيتو وتقواه‪ ،‬وسارعوا إىل امتثاؿ ما أمر بو وما ٰببو ويرضاه‪ ،‬واجتنبوا ما هنى عنو وما يكرىو أيابه"‪.‬‬
‫وصدؽ هللا حيث يقوؿ‪ ،‬وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬وإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ،‬أعوذ‬
‫اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬قل إف كنتم ‪ٙ‬ببوف هللا فاتبعو ي ٰبببكم هللا ويغفر لكم ذنوبكم وهللا غفور رحيم"‪.‬‬
‫نفعِب هللا وإايكم هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من خلص احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل‬
‫ولكم ولوالدي ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي جعل عبلمة ‪٧‬ببتو ُب طاعتو وتقواه‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‬
‫وال رب لنا سواه‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ومصمفاه‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم النيب‬
‫األواه‪ ،‬وعلى آلو وأصحابو الذين سعدوا برضاه‪ ..‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ ،‬أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا‬
‫تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا أف من ادعى ‪٧‬ببة هللا و م يعمل ٗبا جاء بو الدين‪ ،‬وغفل عن ذكر هللا وطاعتو‪ ،‬وآثر‬
‫عليها شهوات الدنيا‪ ،‬و م يتزود ‪٤‬با بعد ا‪٤‬بوت فهو كاذب ُب داعواه‪ ،‬غّب أىل لرضواف هللا‪ .‬روى البخاري‬

‫‪126‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنو قاؿ‪" :‬لي اإلٲباف ابلتمِب‪ ،‬ولكن ما وقر ُب القلب وصدقو العمل‪ ،‬وإف قوماً غرهتم‬
‫األما ي حٌب خرجوا من الدنيا وال حسنة ‪٥‬بم‪ ،‬وقالوا‪٫ :‬بن ‪٫‬بسن الظن اب﵁ وكذبوا‪ ،‬لو أحسنوا الظن‬
‫ألحسنوا العمل"‪ .‬وقاؿ تعاىل ُب ا‪٢‬بديث القدسي‪" :‬ما أقل حياء من يممع ُب جنٍب بغّب عمل‪ ،‬كيف‬
‫أجود بر‪ٞ‬بٍب على من ٖبل بماعٍب"‪ .‬فالبدار البدار اي عباد هللا إىل طاعة هللا والعمل ُب ىذه الدار‪،‬‬
‫استعداداً لدار القرار‪ ،‬فموىب ‪٤‬بن عمل صا‪٢‬باً واتقى ربو ُب السر والعلن‪.‬‬

‫عباد هللا‪ ،‬أمركم هللا ابلصبلة والسبلـ على رسولو ووعدكم عليها جزيل الثواب؛ فقاؿ تعاىل‪" :‬إف‬
‫هللا ومبلئكتو‪ ."...‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو‬
‫الكراـ خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف‬
‫وعلي وعلى سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم‬
‫أعز اإلسبلـ وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم‬
‫واألموات‪ ......‬عباد هللا إف هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر‬
‫والبغي يعظم لعلكم تذكروف فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم‬
‫ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .46‬فعً احلج ٌثيد اهلل احلشاَ‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي جعل البيت ا‪٢‬براـ مثابةً للناس وأمنا‪ ،‬وفرض حجو على من استماع إليو سبيبلً‬
‫فضبلً منو ومنا‪ ،‬أ‪ٞ‬بده سبحانو وتعاىل جعل مواسم العبادة ‪٥‬بذه األمة تَبا‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده‬
‫ال شريك لو شهادةً أحيا هبا ُب الدنيا وأدخرىا لؤلخرى‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو سيد أىل‬
‫التقوى‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم أيب الزىراء‪ ،‬وعلى آلو وصحبو الدالْب عليو ُب السراء والضراء‪..‬‬
‫أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬وابتغوا ما كتب هللا لكم من ا‪٣‬بّبات‬
‫ُب ىذه األايـ والليايل ا‪٤‬بباركات الٍب أقسم هللا هبا ُب كتابو فقاؿ‪" :‬والفجر*ولياؿ عشر*والشفع والوتر‪".‬‬
‫فيا‪٥‬با من أايـ ولياؿ مباركات‪ٙ ،‬بصل فيها من هللا على عباده التجليات‪ ،‬فموىب ‪٤‬بن اغتنم أايـ حياتو ُب‬
‫الماعات‪ ،‬ومشر ُب أداء القرابت؛ ألهنا ىي الباقيات الصا‪٢‬بات‪ .‬عباد هللا‪ :‬قد جعل هللا تعاىل لعباده‬
‫ا‪٤‬بؤمنْب مواسم ا‪٣‬بّبات متواليات‪ ،‬وقسم األايـ والشهور بْب ما افَبضو سبحانو على عباده حثاً ‪٥‬بم على‬
‫ا‪٤‬بسارعة ُب أداء ما افَبضو عليهم‪ ،‬وليتأس عندىم ما من أجلو خلقوا لو؛ فإنو تعاىل م ٱبلقهم عبثاً و م‬
‫يَبكهم ٮببلً‪ ،‬وإ٭با قاؿ ‪٥‬بم على لساف النذير‪ " :‬وما خلقت ا‪١‬بن واإلن إال ليعبدوف"‪ .‬ومن أعظم أنواع‬
‫العبادات الٍب افَبضها هللا تعاىل على عباده ُب العمر مرة واحدة‪ :‬ا‪٢‬بج إىل بيتو ا‪٢‬براـ ‪،‬يقوؿ تبارؾ وتعاىل‪:‬‬
‫"و﵁ على الناس حج البيت من استماع إليو سبيبلً ومن كفر فإف هللا غِب عن العا‪٤‬بْب"‪ .‬ويقوؿ تعاىل‪:‬‬
‫"وأ‪ٛ‬بوا ا‪٢‬بج والعمرة ﵁ ‪".‬فا‪٢‬بج من مبا ي اإلسبلـ وىو ا‪٣‬بام من األركاف‪ ،‬يقوؿ عليو الصبلة والسبلـ‪:‬‬
‫"بِب اإلسبلـ على ‪ٟ‬ب ‪ :‬شهادة أف ال إلو إال هللا وأف دمحماً رسوؿ هللا‪ ،‬وإقاـ الصبلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوـ‬
‫رمضاف‪ ،‬وحج بيت هللا ا‪٢‬براـ ‪٤‬بن استماع إليوه سبيبلً"‪ .‬فعليو فبل يتم إسبلـ من دخل ُب دين هللا بعد‬
‫استماعتو إال إف حج بيت هللا ا‪٢‬براـ واعتمر عمرة اإلسبلـ‪ ،‬ومن تقاع عن ىذه العبادة مع االستماعة‬
‫فقد خاب وخسر ودخل ‪ٙ‬بت التهديد والوعيد الشديدين الذين ذكرٮبا رسوؿ ا‪٥‬بدى عليو الصبلة والسبلـ‬
‫بقولو‪" :‬من ملك زاداً وراحلة تبلغو إىل بيت هللا ا‪٢‬براـ و م ٰبج فبل عليو أف ٲبوت يهودايً أو نصرانياً‪ ،‬وذلك‬
‫ألف هللا تعاىل يقوؿ‪" :‬ومن كفر فإف هللا غِب عن العا‪٤‬بْب ‪".‬واعلموا عباد هللا أف ا‪٢‬بج لو م يكن فريضة‬
‫‪٧‬بكمة وقد ورد فيو من الفضائل ما سنذكره لكاف لزاماً على ا‪٤‬بؤمن أف ٰبرص على ا‪٤‬ببادرة لفعلو‪ ،‬فقد روى‬
‫البخاري ومسلم وغّبٮبا عن أيب ىريرة _هنع هللا يضر_ قاؿ‪ :‬سئل رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬أي األعماؿ أفضل؟ قاؿ‪" :‬إٲباف‬
‫اب﵁ ورسولو" قيل‪ٍ :‬ب ماذا؟ قاؿ‪" :‬جهاد ُب سبيلو" قيل‪ٍ :‬ب ماذا؟ قاؿ‪" :‬حج مربور"‪ .‬وُب البخاري عن‬

‫‪128‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫عائشة _اهنع هللا يضر_ قالت‪ :‬اي رسوؿ هللا‪ ،‬نرى ا‪١‬بهاد أفضل العمل‪ ،‬أفل ‪٪‬باىد؟ قاؿ‪" :‬نعم‪ ،‬ولكن جهاد ال‬
‫قتاؿ فيو‪ :‬ا‪٢‬بج والعمرة"‪ .‬عباد هللا‪ :‬إف فضل ا‪٢‬بج عظيم فخيم حيث جعلو الشارع ممهرة للذنوب وماحياً‬
‫للسيئات ‪،‬يقوؿ عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬من حج ىذا البيت فلم يرفث و م يفسق رجع من ذنوبو كيوـ ولدتو‬
‫أمو"‪ .‬بل أورد اإلماـ مسلم ُب صحيحو أنو عليو الصبلة والسبلـ قاؿ‪" :‬أما علمت اي عمرو أف اإلسبلـ‬
‫يهدـ ما قبلو‪ ،‬وأف ا‪٥‬بجرة هتدـ ما قبلها‪ ،‬وأف ا‪٢‬بج يهدـ ما قبلو‪ ".‬فبعدما ‪٠‬بعنا ىذه الفضائل الٍب‬
‫يكتسبها من حج بيت هللا ا‪٢‬براـ فما على ا‪٤‬بسلم إال أف ٰبرص على أداء ىذه الفريضة‪ ،‬وأف يستكثر من‬
‫نفلها ما استماع إىل ذلك سبيبلً ‪ .‬بل إف ا‪٤‬بؤمن إذا توالت عليو األعواـ ومرت عليو السنوف و م يفد حاجاً‬
‫أو معتمراً إىل بيت هللا ا‪٢‬براـ كاف ‪٧‬بروماً على لساف رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فقد ورد ُب ا‪٢‬بديث القدسي أف هللا‬
‫تعاىل يقوؿ‪" :‬إف عبد اً صححت جسمو ووسعت لو ُب رزقو ٍب انقضى عليو ‪ٟ‬ب سنوات و م يفد علي‬
‫لعبد سوء"‪ .‬ولعل من ىذا ا‪٤‬بنملق أخذت حكومتنا الرشيدة ‪٤‬با شاىدت توافد ا‪٢‬بجاج أبعداد ىائلة إىل‬
‫ا‪٤‬بشاعر ا‪٤‬بقدسة هبذا ا‪٢‬بديث حٌب ٱبفف على من أتى مريداً إلسقاط فرضو ُب حج بيت هللا ا‪٢‬براـ ‪،‬‬
‫وحٌب ال يزاحم من ىو موجود ُب ىذه البلد أولئك الذين ٘بشموا مشاؽ السفر من بلداهنم ويؤدي إىل‬
‫ضررىم ‪،‬فقنن ويل األمر قانوانً يلزـ من أراد ا‪٢‬بج ‪٤‬بن كاف ُب ربوع ىذه البلد ابستخراج تصريح مراعاة لعدـ‬
‫تكدس ا‪٢‬بجاج وإزىاؽ األنف ‪ ،‬وىذا ‪٩‬با ٱبولو لو الشرع ا‪٢‬بنيف إذا ارأتى مصلحة ُب ذلك‪ ،‬فعليو‬
‫فيجب على ا‪٢‬باج أف يسعى للحصوؿ على ىذا التصريح طاعة لويل األمر‪ ،‬فقد قاؿ تعاىل‪" :‬اي أيها الذين‬
‫آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسوؿ وأويل األمر منكم"‪ .‬وطا‪٤‬با أف األمر فيو ترتيب ورفع مشقة عن الغّب فإف‬
‫لويل األمر ا‪٢‬بق ُب فعلو‪ .‬عباد هللا‪ :‬إف ضروب الماعة كثّبة‪ ،‬وضروب ا‪٣‬بّب متعددة‪ ،‬وفرص الماعات‬
‫مَبادفة‪ ،‬فبادروا إىل ذلك واغتنموا األوقات قبل الرحيل والفوات‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ وبقولو يهتدي‬
‫ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪" :‬وأذف ُب‬
‫الناس اب‪٢‬بج أيتوؾ رجاالً وعلى كل ضامر أيتْب من كل فج عميق*ليشهدوا منافع ‪٥‬بم ويذكروا اسم هللا ُب‬
‫أايـ معلومات على ما رزقهم من هبيمة األنعاـ‪ ،‬فكلوا منها وأطعموا البائ الفقّب"‪ .‬نفعِب هللا وإايكم هبدي‬
‫كتابو جعلِب من وإايكم من خلص احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي‬
‫ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫اخلطبة الثانية‬
‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي ىداان ألحسن السنن واألدايف‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‬
‫ا‪٢‬بناف ا‪٤‬بناف‪ ،‬وأشهد أف سيدان دمحماً عبده ورسولو سيد اإلن وا‪١‬باف‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم‬
‫سيد ولد عدانف ‪،‬وعلى آلو وأصحابو ومن اقتفى أثرىم ُب كل زماف ومكاف‪ ..‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ ،‬أوصيكم‬
‫ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬واعلموا أننا ُب أايـ العشر الكثّب خّبىا‪ ،‬العظيم فضلها؛ فقد‬
‫ندبنا ا‪٤‬بوىل سبحانو لكثرة الذكر فيها من التسبيح والتهليل والتحميد‪ ،‬وإىل صياـ أايمها وقياـ لياليها‪ ..‬أال‬
‫وإف من أعظم أايمها يوـ عرفة ويوـ النحر؛ فيوـ عرفة ورد الندب بصيامو لغّب ا‪٢‬باج‪ ،‬فقاؿ علي الصبلة‬
‫والسبلـ‪" :‬صياـ يوـ عرفة أحتسب على هللا أف يكفر السنة الٍب قبلها والٍب بعدىا"‪ .‬ومن قولو‪" :‬والٍب‬
‫فضل من هللا ومناً‪ .‬بل ويندب كثرة الدعاء والذكر‬‫بعدىا"‪ :‬ضمانة نبوية أبف يعيش صائمو للسنة ا‪٤‬بقبلة ً‬
‫ُب ذلك اليوـ‪ ،‬فقد قاؿ عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬خّب الدعاء دعاء يوـ عرفة‪ ،‬وخّب ما قلت أان والنبيوف من‬
‫قبلي‪ :‬ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‪ ،‬لو ا‪٤‬بلك ولو ا‪٢‬بمد وىو على كل شيء قدير"‪ .‬وأما األضاحي ُب‬
‫اليوـ العاشر ففضلها عظيم‪ ،‬فهي سنة أبينا إبراىيم وسنة سيد األنبياء وا‪٤‬برسلْب؛ فقد ورد ُب ا‪٢‬بديث‬
‫عندما قيل لو عليو الصبلة والسبلـ‪ :‬ما ىذه األضاحي؟ قاؿ‪" :‬بكل شعرة حسنة" قيل‪ :‬فالصوؼ؟ قاؿ‪:‬‬
‫"بكل شعرة من الصوؼ حسنة‪ ،‬وإذا أراد أحدكم أف يضحي فل أيخذ من شعره وأظفاره شيئاً حٌب‬
‫يضحي"‪ .‬فبادروا عباد هللا للماعات‪ ،‬ومشروا ألداء الواجبات‪ ،‬وصلوا وسلموا على سيد السادات ‪...‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ .47‬فعً يٌَ عشفح ًفعً األظاحي‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ من التجأ إليو فرح‪ ،‬ومن عاملو ربح‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو من‬
‫اجتهد ُب عبادتو قرب من ربو وأفلح‪ ،‬سبحانو وتعاىل جعل ‪٧‬ببتو ُب عبادتو والقرب منو ُب طاعتو والبعد‬
‫‪٧‬بمدا‬
‫منو ُب معصيتو‪ ،‬وىو القائل سبحانو‪ " :‬والذين اىتدوا زادىم ىدى وآاتىم تقواىم"‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫عبده ورسولو خّب من عرؼ مواله وتقرب إليو ابلضحااي‪ ،‬ودعا إىل سبيلو الربااي‪ ،‬ورغب ُب صياـ يوـ عرفة‪،‬‬
‫فقاؿ عليو الصبلة والسبلـ‪ ":‬من صاـ يوـ عرفة غفر لو ذنب سنتْب متتابعتْب" ‪ ،‬اللهم صل وسلم على‬
‫سيدان دمحم خّب داع للهدى‪ ،‬وعلى آلو وأصحابو خيار من حج وسعى‪ ،‬وعلى التابعْب ومن تبعهم إبحساف‬
‫وصدؽ ووفاء‪ ..‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ ،‬أوصيكم وإايي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل القائل ُب كتابو‪ ":‬وأذف ُب‬
‫الناس اب‪٢‬بج أيتوؾ رجاأل وعلى كل ضامر أيتْب من كل فج عميق"‪ .‬و‪٤‬با أمر هللا إبراىيم عليو السبلـ أف‬
‫يؤذف ُب الناس اب‪٢‬بج اندى‪" :‬اي أيها الناس‪ ،‬إف هللا بُب بيتا فحجوه"‪ ،‬فأجاب ا‪٣‬بلق ‪ٝ‬بيعهم حٌب النمف‬
‫ُب أصبلب الرجاؿ وأرحاـ النساء‪ .‬وُب ىذه األايـ ا‪٤‬بباركات يتوافد حجاج بيت هللا ا‪٢‬براـ ملبْب دعوة‬
‫ا‪٣‬بليل إبراىيم عليو السبلـ‪ ،‬مؤملْب رضا هللا‪ ،‬متعرضْب لنفحات هللا ُب أايـ هللا‪ ،‬الٍب من أعظمها يوـ عرفة‪،‬‬
‫وىو يوـ العتق من النار ‪٤‬بن حفظ ‪٠‬بعو عن القبيح‪ ،‬و‪٤‬بن صامو وأرضى ربو ُب سائر أقمار األرض؛ إذ تكفل‬
‫هللا بغفراف ذنوب من صامو‪ ،‬يقوؿ ملسو هيلع هللا ىلص‪" :‬من صاـ يوـ عرفة غفر لو سنة أمامو وسنة خلفو‪ ،‬ومن صاـ يوـ‬
‫عاشوراء غفر لو سنة"‪ .‬فيوـ عرفة ىو منتهى آماؿ ا‪٢‬بجاج إذ فيو ينالوف غاية ا‪٤‬بُب‪ ،‬وينظر إليهم رهبم بعْب‬
‫الرضا‪ ،‬يقوؿ رسوؿ ا‪٥‬بدى عليو الصبلة والسبلـ‪ ":‬إف هللا تموؿ‪ -‬أي تفضل– على أىل عرفات يباىي هبم‬
‫غربا أقبلوا يضربوف إيل من كل فج عميق‪ ،‬فأشهدكم‬ ‫ا‪٤‬ببلئكة يقوؿ‪ :‬اي مبلئكٍب انظروا إىل عبادي شعثًا ً‬
‫أ ي قد غفرت ‪٥‬بم وأجبت دعاءىم‪ ،‬وشفعت رغيبهم‪ ،‬ووىبت مسيئهم ﵀سنهم‪ ،‬وأعميت ﵀سنيهم ‪ٝ‬بيع ما‬
‫سألو ي غّب التبعات"‪ .‬بل إنو يوـ عظيم يغفر هللا فيو ذنوب ا‪٤‬بؤمنْب ُب مشارؽ األرض ومغارهبا إذا تعرضوا‬
‫لنفحات هللا ُب ذلك اليوـ ابلدعاء واالبتهاؿ‪ ،‬يقوؿ الرسوؿ عليو الصبلة والسبلـ‪ ":‬إذا كاف يوـ عرفة م‬
‫يبق أحد ُب قلبو مثقاؿ ذرة من إٲباف إال غفر لو" فقيل اي رسوؿ هللا‪ :‬أللمعرؼ خاصة؟ أي –‪٤‬بن وقف ُب‬
‫عرفة خاصة‪ -‬أـ للناس عامة؟ قاؿ‪ ":‬بل للناس عامة"‪ .‬ففي ىذا اليوـ عتق الرقاب من النار وتفضل ا‪١‬ببار‬
‫اب‪١‬بود واإلحساف‪ ،‬فعن جابر هنع هللا يضر قاؿ‪[ :‬ما من يوـ أفضل عند هللا من يوـ عرفة‪ ،‬ينزؿ هللا تبارؾ وتعاىل إىل‬
‫‪٠‬باء الدنيا يباىي أبىل األرض أىل السماء‪ ،‬فيقوؿ‪ :‬أتى عبادي شعثا غربا ضاحْب جاؤوا من كل فج‬

‫‪131‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫عميق يرجوف ر‪ٞ‬بٍب و م يروا عذايب‪ ،‬فلم ير أكثر عت ًقا من النار من يوـ عرفة]‪ .‬عباد هللا‪ :‬إف أفضل دعاء ُب‬
‫يوـ عرفة للحاج وغّبه قوؿ‪[ :‬ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‪ ،‬لو ا‪٤‬بلك ولو ا‪٢‬بمد وىو على كل شيء‬
‫قدير] مع اإلكثار من الدعاء‪ ،‬يقوؿ عليو الصبلة والسبلـ‪" :‬خّب الدعاء دعاء يوـ عرفة‪ ،‬وأفضل ما قلتو أان‬
‫والنبيوف من قبلي‪ :‬ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو لو ا‪٤‬بلك ولو ا‪٢‬بمد ٰبيي وٲبيت وىو على كل شيء‬
‫وخّبا ‪٩‬با‬
‫قدير"‪ .‬وأكثر ما كاف يدعو بو النيب ُب يوـ عرفة ىو قولو‪" :‬اللهم لك ا‪٢‬بمد كالذي نقوؿ‪ً ،‬‬
‫نقوؿ‪ ،‬اللهم لك صبلٌب ونسكي و‪٧‬بياي و‪٩‬باٌب‪ ،‬وإليك مآيب ولك ريب تراثي‪ ،‬اللهم إ ي أعوذ بك من‬
‫عذاب القرب ووسوسة الصدر وشتات األمر‪ ،‬اللهم إ ي أعوذ بك من شر ما هتب بو الريح"‪ .‬عباد هللا ‪،‬إف‬
‫‪٩‬با ٯبود بو هللا من ا‪٣‬بّبات ويصبو من الر‪ٞ‬بات ويتجاوز من السيئات عن عباده ويعتقهم من النار ُب أقمار‬
‫فّبا‪ ،‬يقوؿ عليو الصبلة والسبلـ‪":‬‬
‫كثّبا‪ ،‬ويتحسر عليو حسرات وز ً‬ ‫ا‪٤‬بعمورة ُب يوـ عرفة يتأ م لو الشيماف أ‪٤‬بًا ً‬
‫يوما ىو فيو أصغر وال أدحر وال أغّب منو ُب يوـ عرفة‪ ،‬وما ذلك إال ‪٤‬با يرى فيو من تنزؿ‬ ‫ما رؤي الشيماف ً‬
‫الر‪ٞ‬بة و٘باوز هللا عن الذنوب العظاـ"‪ ....‬و‪٩‬با ينبغي التنبيو عليو ُب ذلك اليوـ العظيم لغّب ا‪٢‬باج ىو لزوـ‬
‫التكبّب بعد الصلوات ا‪٤‬بفروضات‪ ،‬وىي من السنن الٍب ٯبب إظهارىا‪ .‬ويبدأ ىذا التكبّب لغّب ا‪٢‬باج من‬
‫فجر يوـ عرفة ويبقى إىل عصر اليوـ الثالث من أايـ التشريق‪ ،‬وىذا ىو التكبّب ا‪٤‬بقيد الذي يؤتى بو بعد‬
‫أداء الصلوات‪ .‬وأما التكبّب ا‪٤‬بملق فيسن ُب كل وقت وحْب‪ ،‬فهو شعار ىذه األايـ الفاضبلت ا‪٤‬بباركات‪،‬‬
‫والٍب ٯبب على ا‪٤‬بسلمْب أف يتداركوىا ويتسابقوا إىل ا‪٣‬بّبات فيها‪ .‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ وبقولو يهتدي‬
‫ا‪٤‬بهتدوف‪ :‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ،‬أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ":‬والعصر*إف‬
‫اإلنساف لفي خسر*إال الذين آمنوا وعملوا الصا‪٢‬بات وتواصوا اب‪٢‬بق وتواصوا ابلصرب ‪ ".‬نفعِب هللا وإايكم‬
‫هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من خلص احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي‬
‫ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ من وفق للخّب وىدى إىل الصراط ا‪٤‬بستقيم‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسوؿ سيد ا‪٤‬برسلْب‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم وعلى‬ ‫رب العا‪٤‬بْب‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫آلو وصحبو أ‪ٝ‬بعْب‪ ..‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ ،‬أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬وا‪ٞ‬بدوه‬
‫واشكروه على أف بلغنا ىذه األايـ الفواضل والعشر األوائل الٍب ال يفضلها غّبىا من أايـ الدىر‪ ،‬أال وإف‬

‫‪132‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫فيها يوماً عظيماً ىو يوـ النحر الذي ذكره هللا بقولو‪ ":‬والفجر*ولياؿ عشر* والشفع والوتر"‪ .‬يوـ النحر يوـ‬
‫كبّبا‬
‫عظيم‪ ،‬وفيو عيد ا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬و‪٩‬با ينبغي فعلو ُب ىذا اليوـ ا‪٤‬ببارؾ‪ :‬األضحية للمستميع فإف فيها نفعاً ً‬
‫وجزاءً عظيماً‪ ،‬وىي سنة أبينا إبراىيم ووصية سيد ا‪٤‬برسلْب ألمتو حيث رغب فيها بقولو‪ ":‬من ضحى طيبةً‬
‫هبا نفسو ‪٧‬بتسبا ألضحيتو كانت لو حجااب من النار"‪ .‬وسأؿ زيد بن أرقم النيب صلى هللا عليو وسلم قائبلً‪:‬‬
‫ما األضاحي؟ فقاؿ‪" :‬سنة أبيكم إبراىيم ‪".‬قاؿ‪ :‬فما لنا منها؟ قاؿ‪" :‬بكل شعرة حسنة"‪ .‬قاؿ‪ :‬فما‬
‫للصوؼ؟ قاؿ‪ ":‬بكل شعرة من الصوؼ حسنة"‪ .‬بل إف األضاحي أحب األعماؿ إىل هللا ُب يوـ النحر‪،‬‬
‫يقوؿ عليو الصبلة والسبلـ‪ ":‬ما عمل ابن آدـ يوـ النحر عمبلً أحب إىل هللا من إىراؽ دـ‪ ،‬وإنو لتأٌب يوـ‬
‫القيامة بقروهنا وأظبلفها وأشعارىا‪ ،‬وإف الدـ ليقع من هللا عز وجل ٗبكاف قبل أف يقع على األرض فميبوا‬
‫هبا نفساً"‪ .‬والواجب ُب األضاحي‪ :‬ثِب من ا‪٤‬بعز لو سنتاف ‪،‬أو جذع من الضاف لو سنة‪ ،‬سليم من العيوب‪.‬‬
‫ويسن للمضحي أف أيكل من أضحيتو‪ ،‬وإف قسمها أثبلرا كاف أوىل وأحب‪ ،‬فثلث يبقيو لنفسو وثلث‬
‫يهديو ‪٤‬بن ٰبب وثلث يتصدؽ بو على الفقراء‪ ،‬وإف تصدؽ اب‪١‬بميع فهو أفضل‪ .‬ووقت ذبح األضحية بعد‬
‫انصراؼ اإلماـ من صبلة العيد ويبقى إىل آخر أايـ التشريق‪.‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ِ .48‬ذاًِح اٌطاعاخ ًاٌثعذ عٓ ادلعاصي ِٓ اسرماِح اٌسٌٍن‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي جعل السعادة ُب الدارين ‪٤‬بن سلك سبيل ا‪٥‬بداية‪ ،‬وقضى ابلذلة والشقاء على من‬
‫‪٧‬بمدا‬
‫عدؿ عن طريق الرشد إىل الغواية‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫عبده ورسولو دعا العباد إىل ا‪٢‬بق بكل وسيلة وغاية‪ ،‬اللهم صل وسلم على عبدؾ ورسولك سيدان دمحم‬
‫وعلى آلو وأصحابو أىل العلم والدراية‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ ،‬أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل‬
‫عدوا يصرفو عن‬ ‫وأطيعوه‪ ،‬وتقربوا إليو ٗبا ٰبب من األقواؿ واألفعاؿ واألحواؿ‪ ،‬واعلموا أف لكل إنساف منا ً‬
‫طاعات هللا تعاىل ويوقعو ُب مناىيو‪ ،‬واألوؿ من األعداء‪ :‬الشيماف الذي قاؿ هللا فيو‪" :‬اي أيها الناس إف‬
‫عدوا إ٭با‬
‫وعد هللا حق فبل تغرنكم ا‪٢‬بياة الدنيا وال يغرنكم اب﵁ الغرور* إف الشيماف لكم عدو فا‪ٚ‬بذوه ً‬
‫يدعو حزبو ليكونوا من أصحاب السعّب"‪ .‬وقاؿ أيضاً‪" :‬أ م أعهد إليكم اي بِب آدـ أف ال تعبدوا الشيماف‬
‫إنو لكم عدو مبْب"‪ .‬فهو يزين لئلنساف ا‪٤‬بعصية ويسهل لو الوقوع ُب الذنب‪ ،‬وٯبري ُب ابن آدـ ‪٦‬برى‬
‫عبلجا إذا ما أح‬
‫الدـ‪ ،‬يوسوس لو ويصور لو عظائم الذنوب ليقع فيها‪ .‬وقد جعل هللا سبحانو لذلك ً‬
‫اإلنساف بذلك‪ ،‬فقاؿ عز من قائل‪" :‬وإما ينزغنك من الشيماف نزغ فاستعذ اب﵁ إنو ىو السميع العليم"‪.‬‬
‫أيضا ‪ٚ‬بدع وتغر‬ ‫والنزغ‪ :‬ىو تزيْب ا‪٤‬بعصية وميل النف إىل فعلها‪ .‬وإذا كاف الشيماف ٱبدع ويغر‪ ،‬فالدنيا ً‬
‫وىي العدو الثا ي‪ ،‬وقد ‪ٝ‬بع هللا تعاىل بْب غرورىا وغرور الشيماف ُب أكثر من آية من القرآف الكرمي‬
‫فاحذروىا؛ فإهنا تلهيكم بلذاهتا عن طاعة هللا وذكره وعبادتو‪ ،‬فا‪٢‬بياة ا‪٤‬بقموعة صلتها اب﵁ ور‪ٞ‬بتو ضنك‬
‫مهما يكن فيها من سعة ومتاع كما قاؿ سبحانو‪" :‬ومن أعرض عن ذكري فإف لو معيشةً ضن ًكا و‪٫‬بشره‬
‫يوـ القيامة أعمى"‪ .‬وهللا تعاىل م ٯبعل ا‪٢‬بياة الميبة وا‪٢‬بسُب يوـ القيامة إال ‪٤‬بن آمن بو وعمل ُب الدنيا‬
‫صا‪٢‬بًا‪ ،‬فقاؿ تعاىل‪" :‬من عمل صا‪٢‬بًا من ذكر أو أنثى وىو مؤمن فلنحيينو حيا ًة طيبةً ولنجزينهم أجرىم‬
‫أبحسن ما كانوا يعملوف"‪ .‬فاإلنساف ا‪٤‬ببتعد الشارد عن هللا ابلذنوب واآلراـ ال غبمة ُب حالو وال مالو؛ ألنو‬
‫شيماان‬
‫ً‬ ‫مقموع الصلة اب﵁‪ ،‬غافل عن عبادتو‪ ،‬ومن قمع صلتو اب﵁ وأعرض عن ذكره وشكره قيض هللا لو‬
‫شيماان فهو لو قرين*وإهنم‬
‫ً‬ ‫يدا يؤزه إىل ا‪٤‬بعاصي ًأزا كما قاؿ تعاىل‪" :‬ومن يعش عن ذكر الر‪ٞ‬بن نقيض لو‬‫مر ً‬
‫ليصدوهنم عن السبيل وٰبسبوف أهنم مهتدوف"‪ .‬فأي حياة وأي فبلح ‪٤‬بن ‪ٚ‬بلى عنو مواله وتواله عدوه ومن‬
‫يريد ىبلكو؟! عباد هللا‪ ،‬إف ا‪٤‬بعاصي توىن القلب والبدف‪ ،‬وتزيل النعم‪ ،‬و٘بلب النقم‪ ،‬وتذىب البصّبة على‬
‫الدين وا﵀ارـ‪ ،‬و٘بعل صاحبها من الذين قاؿ هللا فيهم‪ " :‬كبل إف كتاب الفجار لفي سجْب*وما أدراؾ ما‬

‫‪134‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫سجْب*كتاب مرقوـ*ويل يومئذ للمكذبْب"‪ .‬وكتاب الفجار‪ :‬ىو ديواهنم الذي يكتب فيو أعما‪٥‬بم‪،‬‬
‫واب‪٤‬بقابل فإف أىل ا‪٣‬بّب والصبلح واإلصبلح قاؿ هللا فيهم‪ " :‬كبل إف كتاب األبرار لفي عليْب*وما أدراؾ ما‬
‫عليوف* كتاب مرقوـ*يشهده ا‪٤‬بقربوف"‪ .‬وُب ا‪٢‬بديث عن قي بن عاصم هنع هللا يضر قاؿ‪ :‬قلت اي رسوؿ هللا عظنا‬
‫موات‪ ،‬وإف مع الدنيا آخرة‪ ،‬وإف لكل شيء‬ ‫موعظةً ننتفع هبا‪ .‬قاؿ‪" :‬اي قي إف مع العز ذالً‪ ،‬وإف مع ا‪٢‬بياة ً‬
‫كتااب‪ ،‬وإنو البد‬
‫عقااب‪ ،‬وإف لكل أجل ً‬ ‫حسيبًا‪ ،‬وعلى كل شيء رقيبًا‪ ،‬وإف لكل حسنة ثو ًااب‪ ،‬ولكل سيئة ً‬
‫لك اي قي من قرين يدفن معك وىو حي‪ ،‬وتدفن معو وأنت ميت‪ ،‬فإف كاف كرٲبًا أكرمك‪ ،‬وإف كاف‬
‫لئيما أسلمك‪ٍ ،‬ب ال ٰبشر إال معك وال تبعث إال معو‪ ،‬وال تسأؿ إال عنو‪ ،‬فبل ٘بعلو إال صا‪٢‬بًا؛ فإنو إف‬ ‫ً‬
‫فاحشا م تستوحش إال منو‪ ،‬وىو عملك"ٔ‪ .‬فاتقوا هللا عباد هللا‬ ‫كاف صا‪٢‬بًا م تستأن إال بو‪ ،‬وإف كاف ً‬
‫واشكروه على نعمو‪ ،‬واعملوا صا‪٢‬بًا ينجيكم من عذابو قبل أف ٰبْب األجل فبل ينفع الندـ‪ .‬وصدؽ هللا‬
‫حيث يقوؿ‪ ،‬وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف‪ ،‬فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ،‬أعوذ اب﵁ من‬
‫يوما ال ٯبزى والد عن ولده وال مولود ىو جاز عن‬ ‫الشيماف الرجيم‪" :‬اي أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا ً‬
‫والده شيئًا إف وعد هللا حق فبل تغرنكم ا‪٢‬بياة الدنيا وال يغرنكم اب﵁ الغرور"‪ .‬نفعِب هللا وإايكم هبدي كتابو‬
‫جعلِب من وإايكم من خلص احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي ولوالديكم‬
‫ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ خلق ا‪٣‬بلق ‪٢‬بكمة‪ ،‬وطوى عليها علمو‪ ،‬وبسط ‪٥‬بم من فائض ا‪٤‬بنة ما جرت بو ُب أقداره‬
‫‪٧‬بمدا عبده‬
‫القسمة‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو صاحب الفضل وا‪٤‬بنة‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫ورسولو من بو ‪ٛ‬بت من هللا النعمة‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم الصادؽ األمْب‪ ،‬وعلى آلو‬
‫وأصحابو والتابعْب‪ ،‬ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ الدين‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ ،‬أوصيكم وإايي بتقوى هللا تعاىل‬
‫فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬وعليك أيها ا‪٤‬بؤمن أف تقف مع نفسك وقفة حق ترجع فيها األمور إىل نصاهبا‬
‫وتسأؿ نفسك سؤاؿ متفكر متدبر‪ ،‬وتقوؿ ‪٥‬با‪ :‬من أجل ماذا خلقِب موالي ُب ىذه الدنيا؟ وقبل أف ٘بيب‬
‫على نفسك ٘بد أف القرآف يصرخ بوضوح لئلجابة عن ىذا السؤاؿ‪ ،‬فيقوؿ سبحانو‪" :‬وما خلقت ا‪١‬بن‬
‫واإلن إال ليعبدوف"‪ .‬واستمع أخي ا‪٤‬بؤمن إىل وصية رسوؿ هللا ملسو هلآو هيلع هللا ىلص لتعلم ‪ٛ‬باـ العلم أنك م ‪ٚ‬بلق إال ‪٤‬با‬
‫عند هللا الذي يقوؿ‪" :‬ماعندكم ينفد وما عند هللا ابؽ"؛ فلقد أوصى ا‪٤‬بصمفى عليو الصبلة والسبلـ فقاؿ‪:‬‬

‫‪135‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫"أقلل من الشهوات يسهل عليك الفقر‪ ،‬وأقلل من الذنوب يسهل عليك ا‪٤‬بوت‪ ،‬وقدـ مالك أمامك يسرؾ‬
‫اللحاؽ بو‪ ،‬واقنع ٗبا أوتيتو ٱبف عليك ا‪٢‬بساب‪ ،‬وال تتشاغل عما فرض عليك ٗبا ضمن لك‪ ،‬فإنو لي‬
‫بفائتك ما قد قسم لك‪ ،‬ولست ببلحق ما زوي عنك"ٕ‪.‬‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ِ .49‬شالثح اهلل ذعاىل‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي وسع كل شيء علما‪ ،‬خلق ا‪٣‬بلق وأ‪٥‬بمهم رشدا‪ ،‬وقرب إليو من راقبو خوفاً‬
‫وطمعا‪ ،‬سبحانو وتعاىل يعلم ما بْب أيديهم وما خلفهم وال ٰبيموف بو علما‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو أرسلو هللا ‪٣‬بلقو مرشداً وىاداي‪ ،‬اللهم‬ ‫وحده ال شريك لو تعبداً ورقا‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫صل وسلم على سيدان دمحم من أرسلو اب‪٥‬بدى والدين‪ ،‬وعلى آلو الماىرين وأصحابو والتابعْب‪ ..‬أما بعد‪:‬‬
‫عباد هللا اتقوا هللا وراقبوه وأطيعوا أمره وال تعصوه‪ ،‬واعلموا أف هللا رقيب عليكم ومشاىد ألعمالكم ال ‪ٚ‬بفى‬
‫عليو خافية‪ ،‬يعلم السر وأخفى‪ ،‬يعلم ما كاف وما سيكوف‪ ،‬يعلم خائنة األعْب وما ‪ٚ‬بفي الصدور‪" ،‬أال يعلم‬
‫من خلق وىو اللميف ا‪٣‬ببّب"‪ ،‬ىذا ىو حاؿ العبد مع مواله‪ ،‬فهو مراقب لك ُب كل مكاف‪ ،‬ومشاىد لك‬
‫ُب حاؿ الماعة وا‪٤‬بعصية‪ ،‬لذا وجب عليك أيها العبد أف تراقب موالؾ ُب ‪ٝ‬بيع حاالتك‪ ،‬وأف تقوي‬
‫جانب اإلحساف الذي ىو مراقبة هللا تعاىل ٕبيث تستشعر أنو يراؾ‪ ،‬فبل ينبغي أف يراؾ على حاؿ ال‬
‫ترضيو‪ .‬وقد أوصى النيب ملسو هيلع هللا ىلص أصحابو ٗبراقبة هللا وا‪٣‬بوؼ منو‪ ،‬يقوؿ أبو ذر هنع هللا يضر‪[ :‬أوصا ي خليلي صلى هللا‬
‫عليو وسلم أف أخشى هللا كأ ي أراه فإف م أكن أراه فإنو يرا ي]‪ .‬ويقوؿ ابن عمر هنع هللا يضر‪ :‬أخذ رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‬
‫ببعض جسدي فقاؿ‪" :‬اعبد هللا كأنك تراه"‪ .‬وقد أرشد هللا تعاىل عباده على أف يؤصلوا مبدأ مراقبتو ُب‬
‫"ما يَ ُكو ُف ِم ْن َْ‪٪‬ب َوى ثَبلثٍَة إِهال ُى َو‬ ‫‪ٝ‬بيع حركاهتم وسكناهتم‪ ،‬وأف يشهدوا رهبم ُب ‪ٝ‬بيع أعما‪٥‬بم فقاؿ تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َوال أَ ْكثَػَر إال ُى َو َم َع ُه ْم أَيْ َن َما َكانُوا ٍبُه يػُنَػبِّئُػ ُه ْم ِٗبَا‬‫َرابِعُ ُه ْم َوال ‪ٟ‬بَْ َس ٍة إال ُى َو َساد ُس ُه ْم َوال أ َْد َىن ِم ْن َذل َ‬
‫َع ِملُوا يَػ ْوَـ الْ ِقيَ َام ِة"‪ .‬فمن راقب هللا وحاسب نفسو سهل حسابو وحسن منقلبو ومآبو‪ ،‬ومن أٮبل حساب‬
‫شرا‬
‫خّبا يره‪ ،‬ومن يعمل مثقاؿ ذرة ً‬ ‫نفسو ُب الدنيا كثرت عثراتو ودامت حسراتو‪" ،‬فمن يعمل مثقاؿ ذرة ً‬
‫اّلَلَ َكا َف َعلَْي ُك ْم َرقِيباً"‪ .‬ومراقبة هللا ىي دواـ علم العبد‬ ‫يره"‪ .‬عباد هللا أدٲبوا مراقبة هللا‪ ،‬يقوؿ تعاىل‪" :‬إِ هف ه‬
‫وتيقنو واطبلع هللا على ظاىره وابطنو‪ ،‬سره و‪٪‬بواه‪ ،‬فهو انظر وسامع‪ ،‬وألعمالو ‪٧‬بص و‪٦‬باز‪ ،‬مع ذلك كلو‬
‫ظ‬‫"ما يَػ ْل ِف ُ‬ ‫أقاـ على عبده مبلئكة يكتبوف عليو أعمالو ٍب يشهدوف عليو يوـ القيامة ٗبا عمل‪ ،‬قاؿ تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِمن قَػوٍؿ إِهال لَ َدي ِو رقِيب عتِي ٌد" ويقوؿ‪ " :‬وإِ هف علَي ُكم َ‪٢‬بافِ ِظ َ ِ‬
‫ْب"‪ٍ .‬ب ُب يوـ الوقوؼ على هللا‬ ‫ْب* كَراماً َكاتبِ َ‬ ‫َ َْ ْ َ‬ ‫ْ َ ٌ َ‬ ‫ْ ْ‬
‫ِ‬
‫يقرأ العبد ما كتبو عليو ا‪٢‬بفظة من أعمالو وأقوالو وٰباسب عليها وُب ذلك يقوؿ تعاىل‪" :‬يَػ ْوَـ َ٘ب ُد ُكلُّ نػَ ْف ٍ‬
‫ِج لَوُ يَػ ْوَـ الْ ِقيَ َام ِة كِتَاابً يَػ ْل َقاهُ َمْن ُشور* اقْػَرأْ‬ ‫ٍ‬ ‫ما ع ِملَت ِمن خ ٍّب ُْ‪٧‬بضراً وما ع ِملَ ِ‬
‫"وُ‪٬‬بْر ُ‬
‫ت م ْن ُسوء"‪ .‬ويقوؿ‪َ :‬‬ ‫َ َ ْ ْ َْ َ ََ َ ْ‬
‫ك َح ِسيباً"‪ .‬فعندىا تقع ا‪٢‬بسرة ويعظم الندـ حيث يقوؿ ا‪٤‬برء ما حكاه هللا‬ ‫ك َك َفى بِنَػ ْف ِس َ‬
‫ك الْيَػ ْوَـ َعلَْي َ‬ ‫كِتَابَ َ‬

‫‪137‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫اىا َوَو َج ُدوا َما َع ِملُوا‬ ‫اب ال يػغَ ِادر ِ‬ ‫عنو ُب كتابو بقولو‪" :‬اي ويْػلَتَػنَا م ِاؿ َى َذا الْ ِكتَ ِ‬
‫صَ‬ ‫َح َ‬ ‫صغ َّبةً َوال َكبِ َّبةً إال أ ْ‬‫ُ ُ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫َحداً"‪ .‬ومع ىذا كلو فإف اإلنساف ٯبادؿ ُب ذلك اليوـ ويقوؿ لربو‪ :‬ال أرضى إال من‬ ‫ِ‬ ‫ح ِ‬
‫كأَ‬ ‫اضراً َوال يَظْل ُم َربُّ َ‬ ‫َ‬
‫شاىدا‪ ،‬فيختم هللا على فيو‪ ،‬وتنمق جوارحو وأعضاؤه ٗبا عمل‪ ،‬يقوؿ تعاىل‪" :‬الْيَػ ْوَـ َ‪٬‬بْتِ ُم َعلَى‬ ‫ً‬ ‫نفسي‬
‫اّلَلِ إِ َىل النها ِر فَػ ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫أَفْػ َواىه ْم َوتُ َكلّ ُمنَا أَيْديه ْم َوتَ ْش َه ُد أ َْر ُجلُ ُه ْم ٗبَا َكانُوا يَ ْكسبُو َف"‪ ،‬ويقوؿ‪َ :‬‬
‫"ويَػ ْوَـ ُْٰب َش ُر أ َْع َداءُ ه‬
‫ود ُى ْم ِٗبَا َكانُوا يَػ ْع َملُو َف"‪ .‬فيا أيها ا‪٤‬بؤمن إذا‬ ‫يُ َوزعُو َف* َح هٌب إِذَا َما َجاءُ َ‬
‫وىا َش ِه َد َعلَْي ِه ْم َ‪٠‬بْعُ ُه ْم َوأَبْ َ‬
‫ص ُارُى ْم َو ُجلُ ُ‬
‫تيقنت أف ىؤالء سوؼ يشهدوف عليك يوـ القيامة فعليك أف تزداد خوفًا من هللا ومراقبة لو‪ ،‬وأف تتزود من‬
‫األعماؿ الصا‪٢‬بة واإلكثار من الماعات والقرابت‪ ،‬والبعد عن ا‪٤‬بعاصي والزالت‪ ،‬واالستعداد للوقوؼ أماـ‬
‫رب األرض والسماوات‪ ،‬وصدؽ هللا حيث يقوؿ وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف فإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من‬
‫ت لِغَ ٍد‬ ‫هم ْ‬ ‫ين َآمنُوا اتهػ ُقوا ه‬
‫اّلَلَ َولْتَػْنظُْر نَػ ْف ٌ َما قَد َ‬
‫هِ‬
‫الرجيم‪":‬اي أَيػُّ َها الذ َ‬
‫َ‬ ‫الشيماف الرجيم أعوذ اب﵁ من الشيماف‬
‫اّلَلَ َخبِّبٌ ِٗبَا تَػ ْع َملُو َف"‪ .‬نفعِب هللا وإايكم هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من خلص احبابو‬ ‫اّلَلَ إِ هف ه‬
‫َواتهػ ُقوا ه‬
‫اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه‬
‫‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ ا‪٤‬بملع على عباده ا‪٣‬ببّب أبحوا‪٥‬بم‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو‪ ،‬وأشهد‬
‫ونذيرا‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم وعلى آلو‬ ‫بشّبا ً‬ ‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو أرسلو هللا للعا‪٤‬بْب ً‬ ‫أف سيدان ً‬
‫وأصحابو والتابعْب وأتباعهم إىل يوـ الدين‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا اتقوا هللا وراقبوه فإنو رقيب عليكم‪ ،‬ال ٱبفى‬
‫عليو شيء من أمركم‪ .‬وقد وجو النيب ملسو هيلع هللا ىلص أمتو إىل مقاـ عظيم وىو موضع اإلحساف الذي قاؿ فيو‪:‬‬
‫"اإلحساف أف تعبد هللا كأنك تراه فإف م تكن تراه فإنو يراؾ"‪ ،‬ولو أتمل ا‪٤‬بسلم ىذا لعظمت خشيتو من هللا‬
‫وتعظيما لو‪ ،‬وأنو إذا فكر أو قارب الوقوع ُب معصيتو تذكر أف هللا‬ ‫ً‬ ‫وأانب إليو ورجع إليو وامتؤل قلبو ىيبةً‬
‫مملع عليو فأقلع عنها وابدر ابلتوبة واإلانبة‪ ،‬ومن ضعفت نفسو عن مراقبة ربو وقع ُب السوء‪ ،‬وانغم ُب‬
‫الشهوات‪ ،‬وقارؼ اللذات‪ ،‬وخرج من الدنيا بغّب زاد‪ ،‬وحشر مع أعداء هللا إىل جهنم وبئ القرار‪ ،‬وصدؽ‬
‫اّلَلِ إِ َىل النها ِر فَػ ُه ْم يُ َوزعُو َف"‪ .‬فالبدار البدار ابألعماؿ الصا‪٢‬بات‬
‫"ويػَ ْوَـ ُْٰب َش ُر أ َْع َداءُ ه‬
‫فيو قوؿ هللا تعاىل‪َ :‬‬
‫ومراقبة هللا ُب سائر األوقات‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫عباد هللا أمر هللا يبادر إليو ُب ‪ٝ‬بيع األوقات‪ ،‬وقد أمركم ابلصبلة والسبلـ على سيد السادات‪،‬‬
‫فقاؿ ‪٨‬برباً عليما وآمراً حكيما‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف على النيب اي أيها الذين آمنوا صلوا عليو وسلموا‬
‫تسليماً "‪.‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو الكراـ‬
‫خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف وعلي وعلى‬
‫سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم أعز اإلسبلـ‬
‫وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم واألموات‪ ......‬عباد هللا إف‬
‫هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر والبغي يعظم لعلكم تذكروف‬
‫فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ِ .51‬شاىذ يٌَ اٌمياِح‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ الذي أوجد ا‪٤‬بخلوقات بقدرتو‪ ،‬وخلقها فجعلها ‪ٙ‬بت مشيئتو‪ ،‬خلق ا‪٣‬بلق فابتبلىم‪،‬‬
‫وجعل ‪٥‬بم أجبلً الريب فيو ٍب يرجعوف إليو‪ ،‬فتوَب كل نف ما كسبت وىم ال يظلموف‪ ،‬وأشهد أف ال إلو‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو بعثو مواله بْب‬
‫إال هللا وحده ال شريك لو علم ما كاف وما يكوف‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫كثّبا‪ .‬أما‬
‫تسليما ً‬
‫ً‬ ‫ونذيرا‪ ،‬اللهم صل وسلم على سيدان دمحم وعلى آلو وصحبو وسلم‬ ‫بشّبا ً‬‫يدي الساعة ً‬
‫بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا تعاىل وأطيعوه‪ ،‬ولنقف وقفة ا‪٢‬بصيف ا‪٤‬بقبل على ربو‬
‫يوما ترجعوف فيو إىل هللا ٍب توَب كل نف ما‬ ‫ا‪٤‬بوقن بلقائو أماـ ىذه اآلية الٍب يقوؿ هللا تعاىل فيها‪" :‬واتقوا ً‬
‫كسبت وىم ال يظلموف" وإذا تساءؿ اإلنساف ُب نفسو‪ ،‬مٌب يكوف ذلك اليوـ؟ قاؿ هللا ُب كتابو‪" :‬وما‬
‫نؤخره إال ألجل معدود"‪ .‬عباد هللا‪ ،‬إف ا‪٤‬بؤمن ُب طوفاف ا‪٢‬بياة وتقلب األايـ وخضم أحداثها وحلو زىرة‬
‫ا‪٢‬بياة ولذة شهواهتا ينسى ُب جوانح نفسو ىواتف اإلٲباف الٍب تعلمو بيوـ آمن بو‪ ،‬وىو يعلم علم اليقْب‬
‫بوقوعو وحدوثو‪ ،‬ىتفت بو آايت القرآف ُب كثّب من آايتو ‪٧‬بذرة منو و‪٩‬با يقع فيو‪ ،‬إنو هناية الدنيا و‪ٜ‬برة‬
‫العمل فيها‪ ،‬إنو يوـ القيامة الذي قاؿ هللا فيو‪" :‬يوـ يقوـ الناس لرب العا‪٤‬بْب"‪ .‬فبل ينفعهم فيو شيء من‬
‫الدنيا وما فيها‪ ،‬مهما كثرت واتسعت‪ ،‬فقاؿ ‪٥‬بم رهبم إنو‪" :‬يوـ ال ينفع ماؿ وال بنوف*إال من أتى هللا بقلب‬
‫أحدا بل يكوف‬‫سليم"‪" .‬يوـ ال ‪ٛ‬بلك نف لنف شيئًا واألمر يومئذ ﵁"‪ُ .‬ب ذلك اليوـ ال ينفع أحد فيو ً‬
‫فيو الفرار‪ ،‬قاؿ هللا تعاىل مبينًا ذلك‪" :‬يوـ يفر ا‪٤‬برء من أخيو*وأمو وأبيو*وصاحبتو وبنيو*لكل امرئ منهم‬
‫يومئذ شأف يغنيو"‪ .‬إنو يوـ اي عباد هللا ٰبصحص فيو ا‪٢‬بق وٯبد فيو اإلنساف ما قدـ ُب ىذه ا‪٢‬بياة من‬
‫‪٧‬بضرا وما عملت من سوء نود لو أف بينها وبينو‬ ‫عمل‪ ،‬قاؿ تعاىل‪ ":‬يوـ ٘بد كل نف ما عملت من خّب ً‬
‫بعيدا"‪" .‬يوـ ينظر ا‪٤‬برء ما قدمت يداه"‪ .‬فإذا رأى ذلك ال ينفعو ندـ على ما فرط‪ ،‬وذكر ذلك ا‪٤‬بوىل‬ ‫أمدا ً‬‫ً‬
‫ُب كتابو بقولو‪" :‬يوـ ال ينفع الظا‪٤‬بْب معذرهتم و‪٥‬بم اللعنة و‪٥‬بم سوء الدار"‪ .‬ىذا ىو اليوـ ا‪٤‬بوعود الذي‬
‫أخرب عنو هللا عز وجل ُب كتابو وبْب ما سيقع فيو رسولو عليو الصبلة والسبلـ إنو يوـ انتهاء الدنيا وزواؿ‬
‫العا م الذي فيو ينقلوف إىل الدار اآلخرة‪ ،‬ولَبسيخ اإلٲباف بذلك اليوـ ُب قلوب ا‪٤‬بؤمنْب صور ا‪٤‬بوىل ا‪٤‬بشاىد‬
‫الٍب ‪ٙ‬بصل فيو ‪٥‬بذه الدنيا أبكملها‪ ،‬أو تعلم ‪٤‬باذا ‪٠‬بيت الدنيا ابلدنيا اي عبد هللا؟ إهنا ‪٠‬بيت بذلك لدنوىا‬
‫وقرهبا وسرعة زوا‪٥‬با؛ ألف كل ما عليها يزوؿ ويفُب وال يبقى على ظهرىا من يتحرؾ ٕبركة حياة‪ ،‬وقد صور‬
‫هللا ذلك بقولو‪ ":‬ونفخ ُب الصور فصعق من ُب السماوات واألرض إال من شاء هللا ٍب نفخ فيو أخرى فإذا‬

‫‪140‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫شدادا‪ ،‬فإهنا ُب ذلك اليوـ تنفمر‬


‫سبعا ً‬ ‫ىم قياـ ينظروف"‪ .‬وأما ما ٰبل ابلسماء الٍب بنيت فوقنا وجعلها ً‬
‫وتتشقق ٍب تصبح كا‪٤‬بهل أي كا‪٤‬بعدف ا‪٤‬بذاب‪ ،‬وعندىا يمويها هللا تعاىل‪ ":‬يوـ نموي السماء كمي السجل‬
‫وعدا علينا إان كنا فاعلْب"‪ .‬ىكذا تكوف السماء العظيمة الٍب فوقنا يوـ‬
‫للكتب كما بدأان أوؿ خلق نعيده ً‬
‫القيامة‪ ،‬وينتهي أمرىا فسبحاف من ىذا خلقو وفعلو‪" :‬ال يسأؿ عما يفعل وىم يسألوف"‪ .‬وأما مشهد‬
‫األرض الٍب ‪٫‬بن عليها ُب ذلك اليوـ‪ ،‬فإهنا تزلزؿ و‪ٙ‬برؾ و‪ٚ‬برج ما ُب بمنها ٍب تدؾ حٌب تصبح مستوية ال‬
‫عوج فيها‪ ،‬اقرأ اي عبد هللا تصوير ما ذكران ُب قولو تعاىل‪" :‬إذا زلزلت األرض زلزا‪٥‬با* وأخرجت األرض‬
‫أثقا‪٥‬با"‪ .‬وُب قولو‪ ":‬وإذا األرض مدت*وألقت ما فيها و‪ٚ‬بلت"‪ .‬وُب قولو تعاىل‪ ":‬كبل إذا دكت األرض د ًكا‬
‫د ًكا"‪ .‬وإذا تساءؿ اإلنساف عن ا‪١‬بباؿ الشا‪٨‬بات الرواسي ُب تلك األرض‪ ،‬فإهنا ُب ذلك اليوـ تدؾ مع‬
‫منثورا‪ ،‬وقد صور ذلك القرآف بقولو‪" :‬و‪ٞ‬بلت األرض‬ ‫األرض ٍب تكوف كالصوؼ ا‪٤‬بنفوش ٍب يكوف ىباءً ً‬
‫بسا‬
‫وا‪١‬بباؿ فدكتا دكةً واحدة "‪ .‬وقولو‪" :‬وتكوف ا‪١‬بباؿ كالعهن ا‪٤‬بنفوش"‪ .‬وقولو تعاىل‪" :‬وبست ا‪١‬بباؿ ً‬
‫قاعا صفص ًفا ال‬
‫فكانت ىباءً منبثًا"‪ .‬وقولو تعاىل‪" :‬ويسألونك عن ا‪١‬بباؿ فقل ينسفها ريب نس ًفا* فيذرىا ً‬
‫عوجا وال أمتا "‪ .‬وأما مشهد الشم والقمر الٍب جعلها هللا لعباده آيتْب وفيهما الضياء والنور‪،‬‬
‫ترى فيها ً‬
‫فإنو ُب يوـ القيامة ال تملع الشم من مشرقها وإ٭با تملع من مغرهبا‪ ،‬وٱبسف القمر وٯبمع مع الشم ‪،‬‬
‫يقوؿ تعاىل مبينًا ذلك‪ ":‬فإذا برؽ البصر* وخسف القمر* و‪ٝ‬بع الشم والقمر"‪ .‬فإذا ‪ٝ‬بعا طرحا ُب النار‬
‫فبل مش وال قمر يومئذ‪٤" :‬بن ا‪٤‬بلك اليوـ ﵁ الواحد القهار"‪ .‬وىذه النجوـ والكواكب الٍب نشاىدىا‬
‫وجعلها هللا زينةً للسماء الدنيا‪ ،‬فإف حا‪٥‬با ُب ذلك اليوـ إىل التهاوي والتساقط والتناثر على األرض وتبقى‬
‫أثرا بعد عْب‪ ،‬فسبحاف ا‪٤‬بلك الدايف‪ .‬وىذه البحار اي عباد هللا الٍب فيها منافع للناس ومتنف ‪٥‬بم ومنها‬ ‫ً‬
‫انرا عظيمة‪ ،‬يقوؿ هللا ُب‬
‫يرزقوف أرزاقًا‪ ،‬فإف حا‪٥‬با ُب ذلك اليوـ إىل التفجر‪ ،‬فتفجر على بعضها ٍب أتجج ً‬
‫بياف ما ٰبل هبا‪" :‬وإذا البحار فجرت"‪ .‬ويقوؿ أيضاً‪" :‬وإذا البحار سجرت"‪ .‬فإذا حصل ذلك كلو كاف‬
‫ا‪٤‬بشهد األخّب القوي الرىيب الذي تشهق فيو األنف من الفزع وا‪٣‬بوؼ‪ ،‬إنو ‪ٝ‬بع الناس ُب أرض ا﵀شر‬
‫للجزاء وا‪٢‬بساب‪ ،‬وُب ذلك يقوؿ هللا تعاىل‪" :‬يوـ تبدؿ األرض غّب األرض والسماوات وبرزوا ﵁ الواحد‬
‫القهار"‪ٍ .‬ب ٯباء ٔبهنم تسحب وتقاد بسبعْب زماـ‪ ،‬مع كل زماـ سبعوف ألف ملك ٯبروهنا "تكاد ‪ٛ‬بيز من‬
‫الغيظ"‪ .‬وعند ذلك تنصب ا‪٤‬بوازين وتتماير الصحف‪ ،‬يقوؿ تعاىل مبينًا ذلك‪" :‬ونضع ا‪٤‬بوازين القسط ليوـ‬
‫القيامة فبل تظلم نف شيئًا وإف كاف مثقاؿ حبة من خردؿ أتينا هبا وكفى بنا حاسبْب"‪ .‬وعندىا يقع‬
‫ا‪٢‬بساب‪ ،‬وتؤخذ كتب األعماؿ للمؤمن العامل ابليمْب‪ ،‬وغّبه أيخذىا ابلشماؿ أو من وراء ظهره‪ .‬إهنا‬
‫أمور عظيمة جسيمة‪ ،‬يتصورىا ا‪٤‬بؤمن ُب ‪ٝ‬بيع أطوار حياتو‪ ،‬فيحسن عملو؛ ألنو يعلم أنو مبلؽ ربو‪.‬‬
‫وصدؽ هللا حيث يقوؿ وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف أعوذ اب﵁ من الشيماف الرجيم‪ ":‬اي أيها اإلنساف إنك‬

‫‪141‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫كادح إىل ربك كدحاً فمبلقيو*فأما من أوٌب كتابو بيمينو*فسوؼ ٰباسب حساابً يسّباً*وينقلب إىل أىلو‬
‫مسرورا*وأما من أوٌب كتابو وراء ظهره*فسوؼ يدعو ثبورا*ويصلى سعّبا*إنو كاف ُب أىلو مسرورا*إنو ظن‬
‫أف لن ٰبور*بلى إف ربو كاف بو بصّبا"‪ .‬نفعِب هللا وإايكم هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من خلص احبابو‬
‫اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم ولوالدي ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه‬
‫‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ ا‪٤‬بتوحد ابلعز والبقاء‪ ،‬أ‪ٞ‬بده وأشكره على النعماء‪ ،‬لو ا‪٢‬بكم وإليو ترجعوف‪ ،‬وأشهد أف ال‬
‫‪٧‬بمدا عبده ورسولو ا‪٤‬ببعوث ر‪ٞ‬بة للعا‪٤‬بْب‪،‬‬
‫إلو إال هللا وحده ال شريك لو رب العا‪٤‬بْب‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫اللهم صل وسلم على سيدان دمحم ا‪٥‬بادي األمْب‪ ،‬وعلى آلو الماىرين‪ ،‬وعلى أصحابو الغر ا‪٤‬بيامْب‪ ،‬وعلى‬
‫التابعْب ومن تبعهم إبحساف إىل يوـ الدين‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا فاتقوا هللا عز‬
‫غدا مبلقوه وال تغَبوا ابألمل مادمتم ُب زمن العمل‪ ،‬فاعملوا صا‪٢‬بًا‬‫وجل‪ ،‬واستعدوا ‪٤‬با أمامكم فإنكم ً‬
‫٘بدوه‪ ،‬وال تفرطوا ُب أايـ الدنيا فتندموا حْب ال ينفع الندـ‪ .‬وقد ‪٠‬بعتم ما ذكر ربنا عن وقائع يوـ القيامة‪،‬‬
‫وىذه حقائق رابتة صادقة الريب فيها‪ ،‬فالسعيد من خاؼ يوـ الوعيد واستعد ليوـ الرحيل‪ ،‬وحاسب نفسو‬
‫شرا يره"‪.‬‬
‫خّبا يره*ومن يعمل مثقاؿ ذرة ً‬
‫قبل أف ٰباسب على الدقيق وا‪١‬بليل‪" ،‬من يعمل مثقاؿ ذرة ً‬
‫فاتقوا هللا عباد هللا وصلوا على من أمركم ابلصبلة عليو مواله حيث قاؿ‪" :‬إف هللا ومبلئكتو يصلوف‬
‫على النيب‪ ." ...‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم وعلى آؿ سيدان دمحم وارض اللهم عن أصحابو‬
‫الكراـ خصوصا منهم ذوي ا‪٣‬بصوص سادتنا ذوي الفضل ا‪١‬بلي والقدر العلي أيب بكر وعمر وعثماف‬
‫وعلي وعلى سائر الصحب الكراـ والتابعْب ‪٥‬بم إبحساف وعنا معهم وفيهم بر‪ٞ‬بتك اي أرحم الرا‪ٞ‬بْب‪ .‬اللهم‬
‫أعز اإلسبلـ وا‪٤‬بسلمْب‪ ،‬اللهم اغفر للمؤمنْب وا‪٤‬بؤمنات وا‪٤‬بسلمْب وا‪٤‬بسلمات األحياء منهم‬
‫واألموات‪ ......‬عباد هللا إف هللا أيمر ابلعدؿ واإلحساف وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء وا‪٤‬بنكر‬
‫والبغي يعظم لعلكم تذكروف فاذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمو يزدكم ولذكر هللا أكرب وهللا يعلم‬
‫ما تصنعوف‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ً .51‬جٌب حماسثح اٌنفس‬

‫اخلطبة األوىل‬

‫ا‪٢‬بمد ﵁ رب العا‪٤‬بْب‪ ،‬أمر عباده ا‪٤‬بؤمنْب ٗبحاسبة النف وكف ا‪٥‬بوى‪ ،‬و‪٦‬بانبة الباطل واتباع‬
‫‪٧‬بمدا عبده‬‫ا‪٥‬بدى‪ ،‬وأشهد أف ال إلو إال هللا وحده ال شريك لو يعلم السر وأخفى‪ ،‬وأشهد أف سيدان ً‬
‫ورسولو خّب من اتقى‪ ،‬اللهم صل وسلم وابرؾ على سيدان دمحم سيد أىل األوىل واألخرى‪ ،‬وعلى آلو بِب‬
‫الزىراء‪ ،‬وعلى أصحابو الذين اتبعوه وكانوا بو أحرى‪ .‬أما بعد‪ :‬عباد هللا‪ ،‬أوصيكم ونفسي بتقوى هللا ُب‬
‫السر وا‪١‬بهرا‪ ،‬واعلموا أف هللا تعاىل خلق عباده وأمرىم أبوامر وهناىم عن أمور وطلب منهم ‪٧‬باسبة أنفسهم‬
‫وتفقد أحوا‪٥‬بم فيما أمرىم وىاىم‪ ،‬فقاؿ تعاىل‪" :‬فأما من طغى* وآثر ا‪٢‬بياة الدنيا* فإف ا‪١‬بحيم ىي ا‪٤‬بأوى*‬
‫وأما من خاؼ مقاـ ربو وىى النف عن ا‪٥‬بوى * فإف ا‪١‬بنة ىي ا‪٤‬بأوى"‪ .‬إف ‪٧‬باسبة النف أمر مملوب وال‬
‫يوما ترجعوف‬ ‫مشّبا إىل ذلك ‪" :‬واتقوا ً‬ ‫يقوـ بو إال ا‪٤‬بؤمن حقا‪ ،‬وال يداوـ عليو إال ا‪٤‬بتقي صدقا‪ ،‬يقوؿ تعاىل ً‬
‫فيو إىل هللا ٍب توَب كل نف ما كسبت وىم ال يظلموف"‪.‬فإف من علم أف يوـ القيامة آت وأف ا‪٢‬بساب فيو‬
‫قصورا ُب ا‪٣‬بّب‬
‫عسّب ابدر ٗبحاسبة نفسو‪ ،‬فإف وجدىا تسّب ُب درب ا‪٣‬بّب ازداد من ذلك‪ ،‬وإف وجد منها ً‬
‫ين َآمنُوا اتهػ ُقوا ه‬ ‫هِ‬
‫اّلَلَ َولْتَػْنظُْر نَػ ْف ٌ َما‬ ‫‪ٛ‬باداي ُب الشر ارتدع وانزجر‪ ،‬وإىل ذلك يشّب قولو تعاىل‪َ ":‬اي أَيػُّ َها الذ َ‬ ‫و ً‬
‫اّلَلَ َخبِّبٌ ِٗبَا تَػ ْع َملُوف"‪ .‬وفيها إشارة إىل ‪٧‬باسبة العبد نفسو على ما مضى من‬ ‫ت لِغَ ٍد َواتػه ُقوا ه‬
‫اّلَلَ إِ هف ه‬ ‫هم ْ‬ ‫قَد َ‬
‫األعماؿ‪ ،‬يقوؿ سيدان عمر رضي هللا تعاىل عنو‪[ :‬حاسبوا أنفسكم قبل أف ‪ٙ‬باسبوا‪ ،‬وزنوا أعمالكم قبل أف‬
‫توزف عليكم]‪ .‬وُب ا‪٣‬برب‪ :‬أنو ملسو هيلع هللا ىلص جاءه رجل فقاؿ‪ :‬اي رسوؿ هللا أوصِب‪ .‬فقاؿ‪" :‬أمستوص أنت؟" فقاؿ‪:‬‬
‫رشدا فأمضو‪ ،‬وإف كاف غيًا فانتو عنو"‪ .‬وكاف أمّب‬ ‫نعم‪ .‬قاؿ‪" :‬إذا ٮبمت أبمر فتدبر عاقبتو‪ ،‬فإف كاف ً‬
‫ا‪٤‬بؤمنْب عمر بن ا‪٣‬بماب هنع هللا يضر يضرب قدميو ابلدرة إذا أقبل الليل ويقوؿ لنفسو ‪٧‬باسباً‪ :‬ماذا عملت اليوـ‪.‬‬
‫"وتُوبُوا‬
‫فياعباد هللا‪ :‬إف من أىم ا‪٤‬بهمات أف يكوف للعبد ساعة ٰباسب فيها نفسو؛ فإف هللا تعاىل يقوؿ‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِ َىل هِ ِ‬
‫حو َف"‪ .‬والتوبة نظر ُب العمل بعد الفراغ منو ابلندـ‪ ،‬وال يظهر ذلك‬ ‫اّلَل َ‪ٝ‬بيعاً أَيػُّ َها الْ ُم ْؤمنُو َف لَ َعله ُك ْم تػُ ْفل ُ‬
‫إال ٗبحاسبة النف ‪ ،‬والنيب ملسو هيلع هللا ىلص يقوؿ‪" :‬إ ي ألستغفر هللا وأتوب إليو ُب اليوـ مائة مرة"‪ .‬وىو عليو الصبلة‬
‫والسبلـ ال يتصور منو ذنب وإ٭با ىو تعليم ألمتو ﵀اسبة أنفسهم ُب ‪ٝ‬بيع ساعات هنارىم وليلهم‪ .‬يقوؿ‬
‫تعاىل‪ " :‬إف الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيماف تذكروا فإذا ىم مبصروف"‪ .‬و ال يكوف التذكر إال‬
‫بعد ا﵀اسبة‪ ،‬فيا من ابرز هللا اب‪٤‬بعاصي واستخف ابلذنوب واآلراـ وارتكب ا‪١‬برائم العظاـ‪ ،‬فشرب ا‪٣‬بمر‬
‫ومَبفعا‪ ،‬مٌب ‪ٙ‬باسب‬ ‫ً‬ ‫الىياً وظلم الناس عابثًا‪ ،‬واقتحم ا‪٢‬برمات آمناً‪ ،‬وعق والديو وقمع أرحامو متعالياً‬

‫‪143‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫نفسك وتنهها عن غيّها؟ ومٌب تكف نفسك عن ىواىا؟ أبعد أف يهجم عليك ا‪٤‬بوت ويُقضى عليك؟!‬
‫َح َس َن َما أُنْ ِزَؿ إِلَْي ُك ْم ِم ْن‬
‫"واتهبِعُوا أ ْ‬ ‫وٰبصل لك الفوت وتتقمع ندماً وحسرة؟! وٰبق عليك قوؿ هللا تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ُِب‬ ‫وؿ نَػ ْف ٌ َاي َح ْسَرتَى َعلَى َما فَػهرطْ ُ‬ ‫َربِّ ُك ْم م ْن قَػْب ِل أَ ْف َأيْتيَ ُك ُم الْ َع َذ ُ‬
‫اب بَػ ْغتَةً َوأَنْػتُ ْم ال تَ ْشعُ ُروفَ * أَ ْف تَػ ُق َ‬
‫ِ‬ ‫اّلَلِ وإِ ْف ُكنْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين"‪ .‬فيامن ىذا حالو انظر إىل أحواؿ السلف مع ما ىم عليو من استقامة‬ ‫ت لَم َن ال هساخ ِر َ‬ ‫ُ‬ ‫َجْنب ه َ‬
‫رب كلمة ال يلقي‬ ‫إال أهنم ٰباسبوف أنفسهم أشد ا‪٢‬بساب حٌب على الكلمة الواحدة ‪٤‬با ‪٠‬بعوا قولو ملسو هيلع هللا ىلص‪ّ ":‬‬
‫‪٥‬با الرجل ابالً يهوي هبا ُب انر جهنم سبعْب خري ًفا"‪ .‬ويقوؿ ميموف بن مهراف‪[ :‬ال يكوف العبد من ا‪٤‬بتقْب‬
‫حٌب ٰباسب نفسو أشد من ‪٧‬باسبة شريكو]‪ .‬وكاف عمر بن ا‪٣‬بماب إذا خبل بنفسو قاؿ ‪٥‬با‪[:‬أمّب ا‪٤‬بؤمنْب‬
‫بخ بخ وهللا لتتقْب هللا أو ليعذبنك]‪ .‬ويقوؿ ا‪٢‬بسن ُب قولو تعاىل‪" :‬وال أقسم ابلنف اللوامة"‪[ :‬ال يُلقى‬
‫قدما‬
‫ا‪٤‬بؤمن إال يعاتب نفسو ماذا أردت بكلمٍب؟ ماذا أردت أبكلٍب؟ ماذا أردت بشربٍب؟ والفاجر ٲبضي ً‬
‫ال يعاتب نفسو]‪ .‬ويقوؿ أيضاً‪[ :‬ا‪٤‬بؤمن قواـ على نفسو ٰباسبها ﵁‪ ،‬وإ٭با خف ا‪٢‬بساب على قوـ حاسبوا‬
‫أنفسهم ُب الدنيا‪ ،‬وإ٭با شق ا‪٢‬بساب يوـ القيامة على قوـ أخذوا ىذا األمر من غّب ‪٧‬باسبة]‪ .‬وصدؽ هللا‬
‫حيث يقوؿ وبقولو يهتدي ا‪٤‬بهتدوف وإذا قرأت القرآف فاستعذ اب﵁ من الشيماف الرجيم أعوذ اب﵁ من‬
‫يوما ترجعوف فيو إىل هللا ٍب توَب كل نف ما كسبت وىم ال يظلموف"‪ .‬نفعِب هللا‬ ‫الشيماف الرجيم‪" :‬واتقوا ً‬
‫وإايكم هبدي كتابو جعلِب من وإايكم من خلص احبابو اقوؿ قويل ىذا ‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم يل ولكم‬
‫ولوالدي ولوالديكم ولسائر ا‪٤‬بؤمنْب من كل ذنب فاستغفروه ‪ ،‬إنو ىو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫الفهرس‬

‫الصفحة‬ ‫ادلوضوع‬ ‫ـ‬


‫أ‬ ‫ا‪٤‬بقدمة‪........................................................................‬‬ ‫‪-‬‬
‫ٔ‬ ‫ذكرى ا‪٥‬بجرة النبوية‪.............................................................‬‬ ‫ٔ‬
‫٘‬ ‫األخوة ُب هللا‪..................................................................‬‬ ‫ٕ‬
‫‪ٛ‬‬ ‫عرض األعماؿ على هللا‪.........................................................‬‬ ‫ٖ‬
‫ٔٔ‬ ‫حقيقة اإلٲباف‪..................................................................‬‬ ‫ٗ‬
‫ٗٔ‬ ‫التذكر واالعتبار‪................................................................‬‬ ‫٘‬
‫‪ٔٚ‬‬ ‫وجوب تربية األبناء على ا‪٤‬بنهج القومي‪.............................................‬‬ ‫‪ٙ‬‬
‫ٕٓ‬ ‫ا‪٢‬بث على الر‪ٞ‬بة‪...............................................................‬‬ ‫‪ٚ‬‬
‫ٖٕ‬ ‫فضيلة السخاء‪.................................................................‬‬ ‫‪ٛ‬‬
‫‪ٕٙ‬‬ ‫ميبلد ا‪٤‬بصمفى عليو الصبلة والسبلـ‪.............................................‬‬ ‫‪ٜ‬‬
‫‪ٕٜ‬‬ ‫فضل الصبلة على ا‪٤‬بصمفى ملسو هيلع هللا ىلص‪.................................................‬‬ ‫ٓٔ‬
‫ٕٖ‬ ‫منزلة ا‪٤‬بصمفى عليو الصبلة والسبلـ ومعجزاتو‪.....................................‬‬ ‫ٔٔ‬
‫ٖ٘‬ ‫ذكر بعض من ‪٧‬باسن وصفات ا‪٤‬بصمفى عليو الصبلة والسبلـ‪......................‬‬ ‫ٕٔ‬
‫‪ٖٛ‬‬ ‫السعيد من اعترب ٗبرور الزماف‪....................................................‬‬ ‫ٖٔ‬
‫ٔٗ‬ ‫التحذير من الشحناء والبغضاء‪...................................................‬‬ ‫ٗٔ‬
‫ٗٗ‬ ‫القلب السليم وأثره على صاحبو‪..................................................‬‬ ‫٘ٔ‬
‫‪ٗٚ‬‬ ‫ا﵀افظة على حرمة ا‪٤‬بسلم‪.......................................................‬‬ ‫‪ٔٙ‬‬
‫ٓ٘‬ ‫التحذير من الغش وا‪٣‬بداع‪......................................................‬‬ ‫‪ٔٚ‬‬
‫ٕ٘‬ ‫بذؿ النصيحة لؤلىل واألوالد وتربيتهم‪............................................‬‬ ‫‪ٔٛ‬‬
‫٘٘‬ ‫ترؾ االشتغاؿ ٗبا ال يعِب‪........................................................‬‬ ‫‪ٜٔ‬‬
‫‪٘ٛ‬‬ ‫تقوى هللا سبب لسعادة الدارين‪..................................................‬‬ ‫ٕٓ‬
‫ٓ‪ٙ‬‬ ‫حقيقة االستقامة‪...............................................................‬‬ ‫ٕٔ‬
‫ٕ‪ٙ‬‬ ‫حقيقة ا‪٤‬بؤمن‪..................................................................‬‬ ‫ٕٕ‬
‫٘‪ٙ‬‬ ‫خلق العفو والتسامح‪...........................................................‬‬ ‫ٖٕ‬

‫‪145‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫‪ٙٛ‬‬ ‫ذـ الدنيا وإحساف العمل فيها‪...................................................‬‬ ‫ٕٗ‬


‫ٔ‪ٚ‬‬ ‫ذـ الغيبة والنميمة‪..............................................................‬‬ ‫ٕ٘‬
‫ٗ‪ٚ‬‬ ‫فضل اإلحساف‪................................................................‬‬ ‫‪ٕٙ‬‬
‫٘‪ٚ‬‬ ‫فضل اإلنفاؽ‪..................................................................‬‬ ‫‪ٕٚ‬‬
‫‪ٚٛ‬‬ ‫ا‪٣‬بشية من هللا‪.................................................................‬‬ ‫‪ٕٛ‬‬
‫ٔ‪ٛ‬‬ ‫فضل شهر شعباف‪..............................................................‬‬ ‫‪ٕٜ‬‬
‫ٗ‪ٛ‬‬ ‫اإلجازة واستغبلؿ األوقات (ٔ)‪..................................................‬‬ ‫ٖٓ‬
‫‪ٛٚ‬‬ ‫اإلجازة واستغبلؿ األوقات (ٕ)‪..................................................‬‬ ‫ٖٔ‬
‫ٓ‪ٜ‬‬ ‫فضل الصياـ وأٮبيتو‪............................................................‬‬ ‫ٕٖ‬
‫ٖ‪ٜ‬‬ ‫استقباؿ شهر رمضاف الكرمي (ٔ)‪................................................‬‬ ‫ٖٖ‬
‫‪ٜٙ‬‬ ‫استقباؿ شهر رمضاف الكرمي (ٕ)‪................................................‬‬ ‫ٖٗ‬
‫‪ٜٜ‬‬ ‫فضل العبادة ُب رمضاف‪.........................................................‬‬ ‫ٖ٘‬
‫ٕٓٔ‬ ‫ُب فضائل العشر األواخر من رمضاف (ٔ)‪........................................‬‬ ‫‪ٖٙ‬‬
‫‪ٔٓٙ‬‬ ‫فضل العشر األواخر من رمضاف (ٕ)‪.............................................‬‬ ‫‪ٖٚ‬‬
‫‪ٜٔٓ‬‬ ‫خمبة عيد الفمر‪...............................................................‬‬ ‫‪ٖٛ‬‬
‫ٔٔٔ‬ ‫ما ينبغي أف يسلكو ا‪٤‬بسلم بعد رمضاف‪...........................................‬‬ ‫‪ٖٜ‬‬
‫ٖٔٔ‬ ‫ُب معُب حديث شريف‪.........................................................‬‬ ‫ٓٗ‬
‫٘ٔٔ‬ ‫فضل كلمة التوحيد‪.............................................................‬‬ ‫ٔٗ‬
‫‪ٔٔٚ‬‬ ‫‪٤‬باذا خلقك هللا أيها اإلنساف؟‪...................................................‬‬ ‫ٕٗ‬
‫‪ٜٔٔ‬‬ ‫ما ألىل الماعات من كرامات‪...................................................‬‬ ‫ٖٗ‬
‫ٕٕٔ‬ ‫ما ٯبب أف يكوف عليو ا‪٤‬بسلم ٘باه دنياه وآخرتو‪...................................‬‬ ‫ٗٗ‬
‫ٕ٘ٔ‬ ‫‪٧‬ببة هللا سبحانو فضل الصياـ وأٮبيتو‪.............................................‬‬ ‫٘ٗ‬
‫‪ٕٔٛ‬‬ ‫فضل ا‪٢‬بج لبيت هللا ا‪٢‬براـ‪......................................................‬‬ ‫‪ٗٙ‬‬
‫ٖٔٔ‬ ‫فضل يوـ عرفة وفضل األضاحي‪................................................‬‬ ‫‪ٗٚ‬‬
‫ٖٗٔ‬ ‫مداومة الماعات والبعد عن ا‪٤‬بعاصي من استقامة السلوؾ‪...........................‬‬ ‫‪ٗٛ‬‬
‫‪ٖٔٚ‬‬ ‫مراقبة هللا تعاىل‪.................................................................‬‬ ‫‪ٜٗ‬‬
‫ٓٗٔ‬ ‫مشاىد يوـ القيامة‪.............................................................‬‬ ‫ٓ٘‬

‫‪146‬‬
‫العطايا السنية يف اخلطب املنربية‬

‫ٖٗٔ‬ ‫ٔ٘ وجوب ‪٧‬باسبة النف ‪...........................................................‬‬


‫٘ٗٔ‬ ‫ٕ٘ الفهرس‪.......................................................................‬‬

‫‪147‬‬

You might also like