Professional Documents
Culture Documents
بحث حول الاخلاق والاعلام
بحث حول الاخلاق والاعلام
األخالق واالعالم
الخاتمة
المصادر والمراجع
المقدمة
تستند مهنة اإلعالم على منظومة أخالقٌة تم تطوٌرها على مدى عقود طوٌلة وهً
منظومة لألسف الشدٌد تتعرض الختراقات عدٌدة ألسباب مختلفة األمر الذي جعل االهتمام
بموضوع أخالقٌات اإلعالم فً السنوات األخٌرة محل نقاش وجدل أكادٌمً وعلمً حول
حدود األخالقٌات اإلعالمٌة وضوابطها وأسسها آخذا بذلك أبعادا جدٌدة بفعل كثرة الوسابل
اإلعالمٌة وتنوع مضامٌنها واتجاهاتها الفكرٌة والسٌاسٌة والمذهبٌة زٌادة على طغٌان
النزعة الربحٌة وسٌطرتها على االداء اإلعالمً واذا غابت األخالق أصبحت الوسابل
اإلعالمٌة رهٌنة للممارسات البعٌدة عن قواعد وأبجدٌات العمل اإلعالمً .
ما دفعنا الى اختٌار هذا الموضوع هو محاولة معرفة العالقة بٌن األخالق واالعالم ومعرفة
أهم األخالق المطلوب توافرها فً االعالم وكذلك الصعوبات التً قد تعترضهما.
وعلٌه ماهً أهمٌة األخالق واالعالم؟ وماهً الصلة بٌنهما؟ وماهً الصعوبات التً
تعترض صلة األخالق باإلعالم؟
1
.1أهمٌة األخالق و االعالم
نشٌر بداٌة ،إلى أن عالَماا تتحكم فٌه المادة ،وٌخفت صوت العقل والحكمة ٌبدو الحدٌث
عن األخالق فٌه ضرور اٌّا بمثل ما نحن نفتقدها ونكتوي بغٌابها ..وال عجب أن تكون
األخالق من فرابض األدٌان ،وضرورات المجتمعات.
و”األخالق” هً مرآة النفس التً تعكس ما بداخلها ،وتدل على المخبوء فٌها و”علم
األخالق” هو علم ٌبحث فً المثال ،وما ٌجب أن ٌكون سعٌاا لالرتقاء بعالم الواقع ،وما
هو كابن بالفعل.
وهً فرٌضة دٌنٌة أكد اإلسالم أهمٌتها ،ورفع منزلتها إلى درجة أنْ جعلها “الغاٌة” من
بعثة النبً صلى هللا علٌه وسلم ،فقد روى أبو هرٌرة أن رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم
َ قال“ :إ َّن َما ُبع ِْث ُ ُ
الق” (رواه أحمد فً مسنده) ..كما أنها ضرورة منار َم األ ْخ ِ
ت أل َت ِّم َم َم َك ِ ِ
ضرورات المجتمعات ألن األخالق لٌست مجرد “فضٌلة” من الفضابلٌ ،صح أن ٌكون
موقف اإلنسان منها موق افا اختٌار اٌّا ،إن شاء فعلها وإن شاء تركها ،بل هً “ضرورة” ال
ٌستغنً عنها مجتمع من المجتمعات.
وإن من حقابق الحٌاة الثابتة أن “القانون” -وهو مجموعة قواعد التصرف التً تجٌز
وتحدد حدود العالقات والحقوق بٌن الناس والمنظمات ،والعالقة التبادلٌة بٌن الفرد
والدولة باإلضافة إلى العقوبات ألولبك الذٌن ال ٌلتزمون بالقواعد المؤسسة للقانون 1ال
ٌكفً لتنظٌم العالقة بٌن أفراد المجتمع ذلك أن أي قانون مهما بلغ من الضبط والتحدٌد،
فالبد أن توجد به ثغرات ٌستغلها ضعاف النفوس للوصول إلى أهدافهم غٌر القانونٌة.
ولذلك كان البد أن تكون هناك مرتبة فوق مرتبة القانون ،أال وهً األخالق ،والتً هً
منوطة بالضمٌر فالقانون ٌخاطب الظاهر والعالقات المادٌة ،بٌنما األخالق تخاطب
الباطن والدوافع النفسٌة.
هذا عن األخالق ..أما عن اإلعالم فالشك أنه -مقروءاا ،أو مسمو اعا ،أو مرب اٌّا -أصبح
ٌش ِّكل جزءاا من حٌاتنا ،بل فاعالا ربٌس اٌّا فٌها بحٌث تجاوز مرحل َة أنه ٌعكسها وٌكون
ٌؤثر فٌها وٌش ِّكلها ،وٌسهم بدرجة كبٌرة فً صناعتها. فقط صدىا لها ،حتى صار ِّ
ومع أن ظاهرة (االتصال الجماهٌري) قدٌمة قدم اإلنسان ،وإن اختلفت أشكالها من
زمان لزمان ،ومن مكان لمكان إال أن العصر الحدٌث قد أُطلق علٌه “(عصر اإلعالم)،
2
ال ألن اإلعالم ظاهرة جدٌدة فً تارٌخ البشرٌة بل ألن التكتٌك الحدٌث فً اإلعالم
المعاصر قد بلغ غاٌات بعٌدة ج اّدا فً سعة األفق ،وعمق األثر ،وقوة التوجٌه.2
وإن المتابع لتطورات ثورات “الربٌع العربً” ،التً انطلقت شرارتها من تونس،
ومازلنا نعٌش مخاضها وآالمها ،لٌدرك بجالء كم كان لإلعالم دور بارز فً تلك
التطورات.
فاإلعالم أصبحت له انعكاسات مهمة وجذرٌة على كل مناحً الحٌاة السٌاسٌة
واالجتماعٌة واالقتصادٌة والثقافٌة والتربوٌة.
2عبد هللا قاسم الوشلً ،اإلعالم اإلسالمً فً مواجهة اإلعالم المعاصر (القاهرة :دار البشٌر ،ط1994 ،2م) ،ص.13 :
3
فالصلة بٌن األخالق واإلعالم وثٌقة وضرورٌة وإال صرنا إزاء شبكات وكٌانات
إعالمٌة تفترس الحقٌقة ،وتدهس القٌم ،وتتالعب بعقول 3ومصابر الشعوب ،وتجعل
مقدراتها مرتهنة لصالح رأس المال والسلطة.
ومن الجدٌر بالذكر فً هذا الصدد ،أن الكتب التً تعرِّ ف باإلعالم والصحافة
وبتارٌخهما وفنونهما ،هذه الكتبُ 4تختم دابماا بمبحث عن “أخالقٌات المهنة” ،الواجب
اتباعها لترشٌد العمل اإلعالمً والصحفً.
وٌعرف إلٌوت كوهٌن “أخالقٌات المهنة” بأنها“ :ذلك الفرع من األخالقٌات المهنٌة الذي
ٌتناول المشكالت المتعلقة بسلوك المندوبٌن الصحفٌٌن ،والمحررٌن ،والمصورٌن
الفوتوغرافٌٌن ،والمنتجٌن ،وجمٌع المهنٌٌن الذٌن ٌعملون فً إنتاج األخبار وتوزٌعها".
فً الفصل األول تحدثنا عن أهمٌة األخالق حٌث تمثل فرٌضة دٌنٌة ،وضرورة
اجتماعٌة ..وعن أهمٌة اإلعالم باعتباره جزءاا أصٌالا من نسٌج حٌاتنا المعاصرة ..كما
أشرنا إلى الصلة التً تربط األخالق واإلعالم برباط وثٌق ،أو هكذا ٌجب أن تكون
العالقة ..وفً هذا الفصل الثانً نتناول أهم األخالق المطلوب توافرها فً المنظومة
اإلعالمٌة.
.1الموضوعٌة
وهً مصطلح ٌتردد كثٌرا ا فً المجال اإلعالمً ،وفً البحث العلمً بصفة عامة.
وأزعم أن ضبط هذا المصطلح كفٌل بأن ٌلخص لنا مجموعة القٌم والممارسات
األخالقٌة المطلوب توافرها فً اإلعالم ..فما هً “الموضوعٌة”؟
(الموضوعٌة) وصْ فٌ لما هو موضوعً ،وهً بوجه خاص :مسلك الذهن الذي ٌرى
األشٌاء على ما هً علٌه فال ٌشوهها بنظرة ضٌقة أو بتحٌز خاص ”5.أي رؤٌة الشًء
كما هً حالته وهٌبته ،دون زٌادة أو نقصان ،ومن غٌر أن ٌختلف وصف هذه الحالة
3صدر ضمن سلسلة “عالم المعرفة” برقم ،243اإلصدار الثانً لكتاب هربرت أ .شٌللر.
4منها على سبٌل المثال :د .علم الدٌن ،الفن الصحفً( ،القاهرة :أخبار الٌوم2004 ،م) ،ص 243 :وما بعدها .ومجموعة مشاركٌن،
دلٌل الصحفً (األردن :مؤسسة أبو محجوب لإلنتاج اإلبداعً ،نسخة ، PDFبدون تارٌخ) ،ص 11 :وما بعدها.
5مجمع اللغة العربٌة ،المعجم الفلسفً( ،القاهرة :المطابع األمٌرٌة1993 ،م) ،ص ،191 ،191 :باختصار.
4
والهٌبة باختالف المشاهدٌن لها .وهذا هو بالضبط المقصود بالخبر الموضوعً ،أو
الخبر الصحفً الصادق أما اختالف وجهات النظر فمكانه عند التحلٌل ولٌس عند
اإلخبار.
ٌ
جملة من األخالق والممارسات ولذلك كانت “الموضوعٌة” قٌمة جامعة تندرج تحتها
اإلعالمٌة المنشودة ،مثل :الصدق ،التثبت ،النزاهة ،الفصل بٌن الخبر والرأي.
فاإلعالمً علٌه أن ٌنقل للناس الوضع الحاصل كما هو ،بصدق ال كذب معه ،وبدقة ال
تردد أو شك فٌها ،وبنزاهة ال تعرف تلوٌن الخبر أو إبراز جزء منه وكتمان جزء
آخر ،وبفصل تام بٌن الخبر الذي ٌمثل الواقع وبٌن الرأي الذي ٌعنً القراءة الشخصٌة
لهذا الواقع .
ٌ
جملة من األخالق والممارسات اإلعالمٌة “الموضوعٌة” قٌمة جامعة تندرج تحتها
المنشودة ،مثل :الصدق ،التثبت..
وعن ضرورة الفصل بٌن الخبر والرأيٌ ،قول جون ل .هاتلنج“ :الممارسة السلٌمة
تتطلب أن ٌكون هناك فصل واضح بالنسبة للقارئ بٌن ما تقدمه الصحٌفة كتقارٌر
إخبارٌة ،وبٌن اآلراء فالمقاالت التً تحتوي اآلراء أو التفسٌرات الشخصٌة ٌجب أن
6
ٌتعرف علٌها القارئ بوضوح فً صفحة الرأي.
وهنا ٌنبغً تأكٌد أن”الموضوعٌة” ال تعنً إلغاء شخصٌة اإلعالمً ،وال محو قناعاته
الفكرٌة وتحٌزاته بل تعنً الصدق فٌما ٌنقل ،ثم الباب أمامه مفتوح لتناول ما ٌنقله
بالتأٌٌد أو الرفض ،وللمتلقً أن ٌتفق أو ٌختلف معه ..ولذا ،فثمة ٌ
فرق بٌن
“الموضوعٌة” و”الحٌادٌة” ،و”الذاتٌة”.
“الحٌادٌة ”هً موقف صفري سلبً ،قد ٌكون مقبوالا فً عالم السٌاسة ،لكنه غٌر
متصور فً عالم األفكار ،والعمل اإلعالمً خاصة .وكثٌرا ا ما ٌتم التروٌج للسلبٌة تحت
َّ
َوهْ م الحٌاد!!
إن اإلنسان له عقل وتجارب ال ٌستطٌع االنفكاك منها حتى وهو ٌنقل الخبر بموضوعٌة
تامة! ولذلك كانت عملٌة اإلعالم فً جانبها العملً عملٌة انتقابٌة ،بمعنى أن اإلعالمً
تكون أمامه مبات بل آالف األخبار ،ثم هو ٌنتقً منها للنشر ما ٌراه مه اّما فعملٌة
االنتقاء هذه تجري وفق ضوابط ومح ِّددات كثٌرة ،منها اختٌاراته وتحٌزاته الفكرٌة .لكن
6هاتلنج ،أخالقٌات الصحافة ،ترجمة :كمال عبد الرءوف (القاهرة :الدار العربٌة للنشر والتوزٌع ،الطبعة العربٌة األولى ،بدون
تارٌخ) ،ص.11 :
5
المهم أنه وهو ٌختار خبرا ا ما للنشر علٌه أن ٌكون موضوع اٌّا فً النقل ،وال ٌلون الخبر
بقناعاته الشخصٌة.
وأخطر مجال َت ِرد فٌه إشكالٌة الموضوعٌة والحٌادٌة هو مجال العقابد ،والقضاٌا
المصٌرٌة مثل قضٌة فلسطٌن مثالا .وهنا لٌس مطلوباا من اإلعالمً أن ٌتخلى عن
قناعاته المؤٌدة للحق الفلسطٌنً ،ولكن علٌه أن ٌكون موضوع اٌّا ،وأال تدفعه هذه
القناعات لتزٌٌف الحقابق أو تلوٌنها ،وعلٌه أن ٌعلم ٌقٌ انا أن الحقٌقة المجردة هً خٌر
وسٌلة للنصرة والدعاٌة.
من ٌنحاز إلى قناعاته الشخصٌة المؤٌدة للحق الفلسطٌنً سٌختار المصطلح األول ،بٌنما
ٌتمسك بالمصطلح الثانً من ٌرى أنه أقرب إلى وصف الواقع كما هو.
أما“ الذاتٌة ”فهً “ما ٌنتسب إلى الذات مما ٌتصل بها أو ٌخضع لها ،فٌقال :تفكٌر
ذاتً ،وإدراك ذاتً .وهً تقابل :الموضوعٌة .وقد تطلق توس اعا على ما مصدره الفكر
ال الواقع ،ومنه :األحكام الذاتٌة فً مقابل األحكام الموضوعٌة ،والمنهج الذاتً فً مقابل
المنهج الموضوعً ”7.أي أن الذاتٌة هً رؤٌة اإلنسان الشخصٌة فً مقابل الحقٌقة فً
الواقع الخارج على الذات.
ولذلك كان مجال “الذاتٌة” الذي ٌمكن أن تبرز فٌه دون إشكالٌات هو مجال األدب بفنونه
المختلفة فاألدب تجربة ذاتٌه قبل كل شًء ،ومن ثم ،كان مقبوالا أن تأتً الرواٌات
مختلفة فً بعض جوانبها عن التارٌخ نفسه ،ألن حبكة القصة قد ا األدبٌة عن التارٌخ
تستدعً مبالغة هنا وإثارة هناك ..وهكذا ،مما ال ٌُسمح به إطال اقا عند كتابة التارٌخ
حسب المنهج العلمً ال األدبً.
أما مجال اإلعالم فال ٌعرف “الذاتٌة” إال فً التحلٌل وكتابة الرأي بل إن اإلعالمً كلما
اقترب فً آرابه وتحلٌالته من الحقابق الموضوعٌة ،كان ذلك أدعى ألن ٌربح ثق َة
ث عما ٌتفق وعقله ،ال عما ٌرضً نفسه وعاطفته! ئ الباح ِ
القار ِ
إن إحدى المشكالت األساسٌة التً ٌعانً منها خطابنا اإلعالمً العربً هً أن الحدود
الفاصلة بٌن الموضوعٌة والذاتٌة لٌس واضحة بالدرجة الكافٌة ،بل تكاد تنعدم! وإن
كثٌرا ا مما تطالعنا به الصحف والفضابٌات ال نستطٌع أن نتبٌن فٌه :هل هو ٌعكس واق اعا
حدث بالفعل ،أم رؤٌة اإلعالمً لما كان ٌنبغً أن ٌقع؟!
7مجمع اللغة العربٌة ،المعجم الفلسفً ،ص ،191 ،191 :بتصرف ٌسٌر.
6
. 2احترام حق الرد لكل من ٌتناولهم الصحفً مع حقه فً التعقٌب
األدب تجربة ذاتٌه قبل كل شً ،ومن ثم ،كان مقبوالا أن تأتً الرواٌات األدبٌة عن
ا
مختلفة فً بعض جوانبها عن التارٌخ نفسه. التارٌخ
ٌتعامل اإلعالمً مع مبات األخبار والمواقف واألشخاص والقضاٌا ،ومن الوارد أن
ٌخطا فً تدقٌق رقم ما ،أو ٌغفل عن جانب ما ،أو ٌسًء من حٌث ال ٌدري إلى
شخص أو هٌبة ما والموقف األخالقً حٌال هذا ٌوجب على اإلعالمً أن ٌبادر بإفساح
المجال أمام اآلخرٌن للتعقٌب أو التصوٌب ،ثم ٌكون له حق الرد والتوضٌح ،بما ٌثري
العملٌة اإلعالمٌة وٌخدم الحقٌقة ،والحقٌقة وحدها.
ولذلك نصت مواثٌق العمل اإلعالمً على أن حق الرد والتعقٌب مكفول لمن ٌمسه
الخبر من قرٌب أو بعٌد.
وعلى اإلعالمً أن ٌتوافر عنده قدر من الشجاعة األدبٌة ٌم ّكنه من االعتذار عالنٌة إذا
ثبت عكس ما قال ،دون أن ٌجد حرجا ا فً ذلك ،بل على العكس سٌزٌد ذلك من
مصداقٌته عند المتلقً.
لكن ٌبدو أن مجتمعنا العربً بوجه عام غابت عنه هذه القٌمة ،حتى صار العناد إحدى
الشٌم والمكارم! بٌنما اإلعالم الغربً ترسخ عنده هذا الخلق ،حتى فٌما ٌتصل
بالمسلمٌن فقد اعتذرت جرٌدة “اإلندبندنت” البرٌطانٌة -فً 01أكتوبر 2102م -كتاب اٌّا
للشٌخ راشد الغنوشً ،بعد أن نشرت خبرا ا عن أنه قبض أمواالا من أحد أمراء الخلٌج
وتبٌن لها أنه خبر عار عن الصحة ..كما تم تأكٌد هذا االعتذار على لسان صحفٌها
المشهور “روبرت فٌسك” عندما التقى الشٌخ الغنوشً إلجراء حوار صحفً معه.
وٌبدو لً أنه من العسٌر أن نتذكر أن صحٌفة أو فضابٌة عربٌة اعتذرت ألحد ،اللهم إال
إذا كان الطرف اآلخر فً القضٌة ذا منصب أو مال!
إن الحرٌة التً تتٌحها تشرٌعات كثٌر من الدول لإلعالمٌٌن ،لٌس الغرض منها أن
ٌكون اإلعالمً فً منأى عن المسبولٌة والمساءلة ،بل ألن اإلعالمً هو عٌن المجتمع
وضمٌره ومن ثم علٌه أن ٌوظف تلك الحرٌة فٌما ٌعود بالنفع على المجتمع ال لخدمة
أغراضه الشخصٌة ،واإلساءة والتجاوز بحق األفراد والمؤسسات.
7
قبل نشر الحدٌث معه ،وٌلتزم بعدم نشر صور المناسبات الخاصة إال بإذن أصحابها،
إضافة إلى الحفاظ على سرٌة مصادر المعلومات.
إن المجتمعات الغربٌة نفسها رغم ما شهدته من ارتفاع سقف الحرٌات فإنها تقر بوجود
قٌود بصورة أو بأخرى على اإلعالم ،وعلى اإلبداع بوجه عام
لكننا لألسف أصبحنا نرى اإلعالم ٌعامل من ال زالوا فً موضع االتهام والشك كأنهم
أُدٌنوا نهاب اٌّا وصدرت بحقهم أحكام غٌر قابلة لالستبناف! وحتى إذا صدر الحكم بالبراءة
فإنه ٌنشر فً بضعة أسطر فً زاوٌة مهملة ،هذا إن نشر حكم البراءة أصالا! بٌنما خبر
االتهام ٌنشر بالبنط العرٌض وفً الصفحة األولى! دون أن ٌأخذ اإلعالمً فً اعتباره
كم بٌوت ٌمكن أن تهدم بسبب طرٌقة النشر هذه ،وكم شركات ٌمكن أن تفلس ،وحقوق
ٌمكن أن تضٌع!
فهل هذا دور اإلعالم فً المجتمع؟! هل المطلوب أن ٌصنع اإلعالمً أمجاده على
حساب اآلخرٌن ،وخصماا من حقوقهم وخصوصٌاتهم؟!
8
الفصل الثالث :الصعوبات التً تعترض صلة األخالق باإلعالم
تحدثنا فً الفصلٌن السابقٌن ،األول والثانً ،عن أهمٌة األخالق واإلعالم فً حٌاتنا،
وعن الصلة الوثٌقة التً ٌجب أن تكون بٌنهما ..كما تحدثنا عن أهم األخالق المطلوب
توافرها فً المنظومة اإلعالمٌة.
وفً هذا الفصل الثالث واألخٌر نتناول الصعوبات التً تجعل المجال اإلعالمً ال ٌتفق
والقٌم األخالقٌة التً ٌنبغً أن توجه حٌاتنا ،وتحكم سلوكٌاتنا ..ونختم باإلشارة إلى أهم
الخطوات التً ٌمكن أن نحقق من خاللها عمالا إعالم اٌّا ٌرتكز على األخالق وال ٌنفصل
عنها.
المبحث األول:
ثمة صعوبات تعترض صلة األخالق باإلعالم ،وتجعل من العسٌر أن ٌندرج الطرف
الثانً تحت مظلة األول ..ومن هذه الصعوبات:
.1االخالق فرع من الفلسفة بٌنما االعالم ٌعمل فً الواقع
ٌرى بعض الباحثٌن أن “هناك خصومة بٌن األخالقٌات الصحفٌة والصحافة ألن
األخالقٌات هً فرع من الفلسفة ،حٌث إن الفلسفة تتعامل مع قضاٌا نظرٌة بٌنما
الصحافة تعمل فً الواقع ،وتقوم بتصوٌره .فمعظم اإلعالمٌٌن ٌنظرون إلى األخالقٌات
على أنها مجموعة من المبادئ والنظرٌات الفلسفٌة المعقدة والتً ٌصعب تطبٌقها ،وأنها
تتناقض مع ظروف العمل اإلعالمً ومتطلباته”8.
.2سعً السلطة السٌاسٌة للسٌطرة على وسائل االعالم
األنظمة السٌاسٌة – السٌما فً عالمنا العربً -تعمل دابماا على السٌطرة على وسابل
اإلعالم ،وتحوٌلها إلى أبواق دعاٌة لها ،بحٌث تعبِّر عن النظام الحاكم بأكثر مما تعبر
عن نبض الجماهٌر وتطلعاتها ..مما ٌباعِ د بٌن اإلعالم واألخالق.
إن “الربٌع العربً” شاهد صدق على دور اإلعالم فً اإلطاحة بنظم دٌكتاتورٌة ،وشاهد
صدق أٌ ا
ضا على الضرٌبة الغالٌة التً ٌدفعها اإلعالمٌون
وهذا ٌأتً إدرا اكا من تلك األنظمة للدور المهم الذي ٌؤدٌه اإلعالم فً تشكٌل الوعً،
والتأثٌر فً اتجاهات الرأي العام فاإلعالم الحر هو صداع مزمن فً رأس تلك
األنظمة.
8د.خالد القحص ،األخالقٌات المهنٌة للصحافة
9
إن “الربٌع العربً” شاهد صدق على دور اإلعالم فً اإلطاحة بنظم دٌكتاتورٌة ،وشاهد
صدق أٌ ا
ضا على الضرٌبة الغالٌة التً ٌدفعها اإلعالمٌون من دمابهم حتى تصل الحقٌقة
إلى الجمهور فقد تخضبت بالد الربٌع العربً بدماء إعالمٌٌن بذلوا للحقٌقة حتى آخر
قطرة دم فً عروقهم ،وكانت “الكامٌرات” -فضال عن رءوسهم! -مستهدفة فً فض
اعتصامً رابعة والنهضة فً مصر كما لو كانت هً بحد ذاتها من المحظورات!! وقد
ارتقى وأصٌب فً فض هذٌن االعتصامٌن عدد من اإلعالمٌٌن والمصورٌن ،فضالا
عمن اعتقل منهم.
ومن العجٌب أن الدول العربٌة التً أمَّمت االقتصاد واإلعالم عقو ادا من الزمن ،طب اقا
للنظام االشتراكً الذي تبنته آنذاك ،قد تحولت اآلن للرأسمالٌة فً االقتصاد دون
اإلعالم ،ومازالت مصرَّ ة على امتالك قنوات وصحف! ولو كانت جادة فً رأسمالٌتها
لكانت طبقت على اإلعالم ما رضٌته فً االقتصاد لكنها تعلم أن اإلعالم ٌعنً لها أكثر
من مجرد أدوات إخبار ،إنه سالحها المعنوي للسٌطرة على العقول ،حتى وإن استطاع
اإلعالم الجماهٌري -مثل “فٌس بوك” و”توٌتر” -ومن قب ُل الفضابٌات ،أن ٌكسر احتكار
اإلعالم بصورة ما.
.3ارتباط االعالم برأس المال
فاإلعالمً -بخالف أصحاب ِم َهن أخرى كثٌرة ،مثل الطبٌب والمحامً -ال ٌستطٌع أن
ٌمارس عمله بمفرده ،بل البد له من نافذة ٌطل منها على الجماهٌر ،وهذه النافذة تكون
تكلفتها عالٌة مما ٌجعل اإلعالمًَّ ٌرتبط بصورة أو بأخرى بمن ٌملك المال ..ومن
المعلوم أن األخالق هً آخر ما ٌمكن أن ٌأخذه رأس المال فً اعتباره!
ولعل ارتباط اإلعالم برأس المال ٌشكل مشكلة جوهرٌة فً ِب ْن ٌَة العمل اإلعالمً ،من
الصعب الفكاك منها.
وقد رأٌنا فً مصر على سبٌل المثال ،أن عد ادا من رجال األعمال قد أنشأوا فضابٌات
ا
متحدثا رسم اٌّا بهم… ولنا أن نتخٌل كٌف ٌتناول وصح افا ،لتخدم مصالحهم ،وتكون
إعالمًٌّ بوسابل اإلعالم هذه قضٌة فساد تورط فٌها مال ُكها! بل وصل األمر ببعض
رجال األعمال إلى أن قدم “رشوة مقنعة” لبعض اإلعالمٌٌن الذٌن هاجموه فً قضٌة
انحراف مالً ،بأن منحهم برنامجا ا على فضابٌته أو زاوٌة فً صحٌفته مقابل مبلغ مالً
أقرب إلى الخٌال!
فرق غٌر محدود بٌن حرٌة الرأي – التً هً الزمة لإلعالم المتمٌز -وبٌن العدمٌةثمة ٌ
والعبثٌة واستباحة القٌم والمقدسات
10
وهذا األمر ٌعكس وجهاا آخر لالنحراف اإلعالمً ،وهو أن بعض اإلعالمٌٌن ٌتخذ من
منبره وسٌلة البتزاز رجال األعمال ،ولٌس كما ٌزعم للدفاع عن مصالح الشعب والمال
العام!!
ٌقول هاتلنج“ :إن حرٌة الصحافة هً من أجل الشعب ،وٌجب الدفاع عنها ضد أي
انتهاك أو اعتداء من أي جهة سواء أكانت عامة أم خاصة .وعلى الصحفٌٌن أن ٌكونوا
ٌقظٌن دابماا ،وأن ٌتأكدوا من أن كل ما ٌهم الجمهور ٌجب أن ٌتم عل انا ،وعلٌهم أن
ٌكونوا حذرٌن من أي شخص أو جهة تحاول استغالل الصحافة ألغراض شخصٌة”9.
الخالصة
وهكذا فً ختام هذه الفصول الثالثة ٌمكن لنا أن نخلص إلى أن األخالق فرٌضة من
فرابض األدٌان ،وضرورة من ضرورات المجتمعات وأن اإلعالم -مقروءاا ،أو
مسمو اعا ،أو مرب اٌّا -جزء من حٌاتنا ،بل فاعل ربٌس فٌها ولذا ،فما لم ٌرتبط اإلعالم
باألخالق فإن نسٌج المجتمع وقٌمه مه َّددان باالنهٌار.
ٌ
جملة من األخالق كما اتضح لنا أن “الموضوعٌة” قٌمة جامعة تندرج تحتها
والممارسات اإلعالمٌة المنشودة -مثل :الصدق ،التثبت ،النزاهة ،الفصل بٌن الخبر
والرأي -وأن احترام حق الرد ،مع حق اإلعالمً فً التعقٌب ،من القٌم األخالقٌة
المهمة فالحرٌة التً تتٌحها التشرٌعات لإلعالمٌٌن ،لٌس غرضها أن ٌكونوا فً منأى
عن المسبولٌة والمساءلة ،بل ألنهم عٌن المجتمع وضمٌره.
فرق غٌر محدود بٌن حرٌة الرأي – التً هً الزمة لإلعالم المتمٌز -وبٌنولذلك ،فثمة ٌ
العدمٌة والعبثٌة واستباحة القٌم والمقدسات.
المصادر والمراجع
الموسوعة الحرة “وٌكٌبٌدٌا”.
الوشلً عبد هللا قاسم ،اإلعالم اإلسالمً فً مواجهة اإلعالم المعاصر
(القاهرة :دار البشٌر ،ط0994 ،2م).
هاتلنج ،أخالقٌات الصحافة ،ترجمة :كمال عبد الرءوف (القاهرة :الدار
العربٌة للنشر والتوزٌع ،الطبعة العربٌة األولى ،بدون تارٌخ .
12