You are on page 1of 14

‫الجمهورٌة الجزائرٌة الدٌمقراطٌة الشعبٌة‬

‫وزارة التعلٌم العالـــــــً و البحث العلمــً‬


‫جامعة قسنطٌنة ‪ 2‬عبد الحمٌد مهري‬
‫كلٌة العلوم االنسانٌة واالجتماعٌة‬
‫فرع علوم انسانٌة‬

‫األخالق واالعالم‬

‫تحت إشراف األستاذة‪:‬‬ ‫من اعداد ‪:‬‬


‫‪-‬‬ ‫دراجي روفيدة‬
‫دباش مروى‬
‫دباش ندى‬

‫السنة الجامعية ‪2021 - 2020‬‬


‫خطة البحث‬
‫المقدمة‬
‫الفصل االول‪ :‬األخالق و االعالم‬
‫‪ .1‬أهمٌة األخالق و االعالم‬
‫‪ .2‬صلة األخالق و االعالم‬
‫الفصل الثانً‪ :‬أهم األخالق المطلوب توافرها فً االعالم‬
‫‪ .1‬الموضوعٌة‬
‫‪ .2‬احترام حق الرد لكل من ٌتناولهم الصحفً مع حقه فً التعقٌب‬
‫‪ .3‬احترام الحقوق والخصوصٌات‬
‫‪ .4‬احترام التقالٌد واآلداب والمقدسات‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الصعوبات التً تعترض صلة األخالق باإلعالم‬
‫المبحث األول‪ .1 :‬االخالق فرع من الفلسفة بٌنما االعالم ٌعمل فً‬
‫الواقع‬
‫‪ .2‬سعً السلطة السٌاسٌة للسٌطرة على وسابل االعالم‬
‫‪ .3‬ارتباط االعالم برأس المال‬
‫المبحث الثانً‪ :‬كٌفٌة التغلب على هذه الصعوبات‬

‫الخاتمة‬
‫المصادر والمراجع‬
‫المقدمة‬
‫تستند مهنة اإلعالم على منظومة أخالقٌة تم تطوٌرها على مدى عقود طوٌلة وهً‬
‫منظومة لألسف الشدٌد تتعرض الختراقات عدٌدة ألسباب مختلفة األمر الذي جعل االهتمام‬
‫بموضوع أخالقٌات اإلعالم فً السنوات األخٌرة محل نقاش وجدل أكادٌمً وعلمً حول‬
‫حدود األخالقٌات اإلعالمٌة وضوابطها وأسسها آخذا بذلك أبعادا جدٌدة بفعل كثرة الوسابل‬
‫اإلعالمٌة وتنوع مضامٌنها واتجاهاتها الفكرٌة والسٌاسٌة والمذهبٌة زٌادة على طغٌان‬
‫النزعة الربحٌة وسٌطرتها على االداء اإلعالمً واذا غابت األخالق أصبحت الوسابل‬
‫اإلعالمٌة رهٌنة للممارسات البعٌدة عن قواعد وأبجدٌات العمل اإلعالمً ‪.‬‬
‫ما دفعنا الى اختٌار هذا الموضوع هو محاولة معرفة العالقة بٌن األخالق واالعالم ومعرفة‬
‫أهم األخالق المطلوب توافرها فً االعالم وكذلك الصعوبات التً قد تعترضهما‪.‬‬
‫وعلٌه ماهً أهمٌة األخالق واالعالم؟ وماهً الصلة بٌنهما؟ وماهً الصعوبات التً‬
‫تعترض صلة األخالق باإلعالم؟‬

‫الفصل األول األخالق واالعالم‬


‫األخالق إحدى ركابز الحضارة‪ ،‬واإلعالم جزء أصٌل من نسٌج حٌاتنا المعاصرة‪ ..‬هاتان‬
‫حقٌقتان واضحتان لكل ذي عٌنٌن‪ ،‬ال تحتاجان إلى عناء إلثباتهما وتأكٌدهما‪ ،‬بل قد ال‬
‫تحتاجان إلى إثبات أصالا!‬
‫لكن اإلشكالٌة َت ِر ُد حٌن نحاول أن نتصور‪ :‬كٌف نجمع بٌنهما؟ أو حٌن نتساءل‪ :‬لماذا غاب‬
‫الجمع بٌنهما فً كثٌر من الممارسات اإلعالمٌة التً تطالعنا صبا َح مسا َء؟‬
‫فاألخالق تنتمً إلى عالم الفلسفة والمثال‪ ،‬بٌنما اإلعالم منخرط فً عالم الواقع والفرق‬
‫بٌنهما شاسع!‬
‫وتأتً أهمٌة بل وضرورة تناول هذا الموضوع من أن إغفال العالقة بٌن األخالق واإلعالم‪-‬‬
‫فٌما ٌنبغً أن ٌكون حاصالا فً خطابنا اإلعالمً‪ -‬هو أمر ٌنذر بأن ٌتحول اإلعالم إلى أداة‬
‫باطشة لصالح النظم الحاكمة ورأس المال‪ ،‬وأن ٌكون وسٌلة لتزٌٌف الوعً بدالا من إنارة‬
‫العقل‪ ،‬وترسٌخ االستبداد بدالا من إشاعة الحرٌة والدٌمقراطٌة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ .1‬أهمٌة األخالق و االعالم‬
‫نشٌر بداٌة‪ ،‬إلى أن عالَماا تتحكم فٌه المادة‪ ،‬وٌخفت صوت العقل والحكمة ٌبدو الحدٌث‬
‫عن األخالق فٌه ضرور اٌّا بمثل ما نحن نفتقدها ونكتوي بغٌابها‪ ..‬وال عجب أن تكون‬
‫األخالق من فرابض األدٌان‪ ،‬وضرورات المجتمعات‪.‬‬
‫و”األخالق” هً مرآة النفس التً تعكس ما بداخلها‪ ،‬وتدل على المخبوء فٌها و”علم‬
‫األخالق” هو علم ٌبحث فً المثال‪ ،‬وما ٌجب أن ٌكون سعٌاا لالرتقاء بعالم الواقع‪ ،‬وما‬
‫هو كابن بالفعل‪.‬‬
‫وهً فرٌضة دٌنٌة أكد اإلسالم أهمٌتها‪ ،‬ورفع منزلتها إلى درجة أنْ جعلها “الغاٌة” من‬
‫بعثة النبً صلى هللا علٌه وسلم‪ ،‬فقد روى أبو هرٌرة أن رسول هللا صلى هللا علٌه وسلم‬
‫َ‬ ‫قال‪“ :‬إ َّن َما ُبع ِْث ُ ُ‬
‫الق” (رواه أحمد فً مسنده)‪ ..‬كما أنها ضرورة من‬‫ار َم األ ْخ ِ‬
‫ت أل َت ِّم َم َم َك ِ‬ ‫ِ‬
‫ضرورات المجتمعات ألن األخالق لٌست مجرد “فضٌلة” من الفضابل‪ٌ ،‬صح أن ٌكون‬
‫موقف اإلنسان منها موق افا اختٌار اٌّا‪ ،‬إن شاء فعلها وإن شاء تركها‪ ،‬بل هً “ضرورة” ال‬
‫ٌستغنً عنها مجتمع من المجتمعات‪.‬‬
‫وإن من حقابق الحٌاة الثابتة أن “القانون”‪ -‬وهو مجموعة قواعد التصرف التً تجٌز‬
‫وتحدد حدود العالقات والحقوق بٌن الناس والمنظمات‪ ،‬والعالقة التبادلٌة بٌن الفرد‬
‫والدولة باإلضافة إلى العقوبات ألولبك الذٌن ال ٌلتزمون بالقواعد المؤسسة للقانون ‪ 1‬ال‬
‫ٌكفً لتنظٌم العالقة بٌن أفراد المجتمع ذلك أن أي قانون مهما بلغ من الضبط والتحدٌد‪،‬‬
‫فالبد أن توجد به ثغرات ٌستغلها ضعاف النفوس للوصول إلى أهدافهم غٌر القانونٌة‪.‬‬
‫ولذلك كان البد أن تكون هناك مرتبة فوق مرتبة القانون‪ ،‬أال وهً األخالق‪ ،‬والتً هً‬
‫منوطة بالضمٌر فالقانون ٌخاطب الظاهر والعالقات المادٌة‪ ،‬بٌنما األخالق تخاطب‬
‫الباطن والدوافع النفسٌة‪.‬‬
‫هذا عن األخالق‪ ..‬أما عن اإلعالم فالشك أنه‪ -‬مقروءاا‪ ،‬أو مسمو اعا‪ ،‬أو مرب اٌّا‪ -‬أصبح‬
‫ٌش ِّكل جزءاا من حٌاتنا‪ ،‬بل فاعالا ربٌس اٌّا فٌها بحٌث تجاوز مرحل َة أنه ٌعكسها وٌكون‬
‫ٌؤثر فٌها وٌش ِّكلها‪ ،‬وٌسهم بدرجة كبٌرة فً صناعتها‪.‬‬ ‫فقط صدىا لها‪ ،‬حتى صار ِّ‬

‫ومع أن ظاهرة (االتصال الجماهٌري) قدٌمة قدم اإلنسان‪ ،‬وإن اختلفت أشكالها من‬
‫زمان لزمان‪ ،‬ومن مكان لمكان إال أن العصر الحدٌث قد أُطلق علٌه “(عصر اإلعالم)‪،‬‬

‫‪ 1‬الموسوعة الحرة “وٌكٌبٌدٌا”‬

‫‪2‬‬
‫ال ألن اإلعالم ظاهرة جدٌدة فً تارٌخ البشرٌة بل ألن التكتٌك الحدٌث فً اإلعالم‬
‫المعاصر قد بلغ غاٌات بعٌدة ج اّدا فً سعة األفق‪ ،‬وعمق األثر‪ ،‬وقوة التوجٌه‪.2‬‬
‫وإن المتابع لتطورات ثورات “الربٌع العربً”‪ ،‬التً انطلقت شرارتها من تونس‪،‬‬
‫ومازلنا نعٌش مخاضها وآالمها‪ ،‬لٌدرك بجالء كم كان لإلعالم دور بارز فً تلك‬
‫التطورات‪.‬‬
‫فاإلعالم أصبحت له انعكاسات مهمة وجذرٌة على كل مناحً الحٌاة السٌاسٌة‬
‫واالجتماعٌة واالقتصادٌة والثقافٌة والتربوٌة‪.‬‬

‫‪ .2‬صلة األخالق و االعالم‬


‫قد ٌبدو الجمع بٌن األخالق واإلعالم فً سٌاق واحد أمرا ا غرٌباا‪ ،‬إذ ٌرتبط اإلعالم فً‬
‫أذهان الكثٌرٌن‪ -‬نتٌجة الممارسات الخاطبة‪ -‬باإلثارة والبحث عن الغرابب‪ ،‬والجري‬
‫وراء األسرار والفضابح‪ ،‬لٌتحقق بالتالً العابد المادي الذي ٌبدو هدفا أساس اٌّا من تلك‬
‫الصناعة المعقدة‪.‬‬
‫لكننا هنا ال نتحدث عن الواقع بقدر ما نتحدث عن الواجب! فوظٌفة الباحثٌن وأصحاب‬
‫الفكر والقلم أن ٌنهضوا بالواقع‪ ،‬وٌرتفعوا بما هو كابن إلى ما ٌجب أن ٌكون‪.‬‬
‫ا‬
‫ارتباطا وثٌ اقا‪ ،‬وذلك لثالثة أسباب‪:‬‬ ‫وٌمكننا القول بأن اإلعالم ٌرتبط باألخالق‬
‫األول ‪:‬أن األخالق من صفاتها‪ :‬العموم والشمول‪ ،‬بحٌث من الصعب أن نجد مجاالا‬
‫ٌمكن أن نقول عنه إن األخالق ال تشمله‪ ،‬وال تعرف علٌه سلطا انا‪.‬‬
‫الثانً ‪:‬أن اإلعالم تمتد خٌوطه لتنسج عالقات متٌنة مع جمٌع فبات المجتمع والمراحل‬
‫العمرٌة المختلفة ألفراده وما لم ٌرتبط اإلعالم حٌنبذ باألخالق فإن نسٌج المجتمع وقٌمه‬
‫سٌكونان مهد َدٌن باالنهٌار ال شك!‬
‫أما السبب الثالث‪ ،‬فهو أن صناعة اإلعالم ترتبط بشكل كبٌر بالسلطة الحاكمة‪ ،‬خاصة‬
‫فً عالمنا العربً‪ ،‬وإذا ُترك اإلعالم دون أخالقٌات وضوابط تنظم مساره‪ ،‬فإنه سٌكون‬
‫مطٌة للنظام الحاكم وبو اقا له‪ ،‬ال ٌقل تأثٌره فً تزٌٌف الوعً عن سوط هذا النظام‬
‫وبطشه المادي!‬

‫‪ 2‬عبد هللا قاسم الوشلً‪ ،‬اإلعالم اإلسالمً فً مواجهة اإلعالم المعاصر (القاهرة‪ :‬دار البشٌر‪ ،‬ط‪1994 ،2‬م)‪ ،‬ص‪.13 :‬‬
‫‪3‬‬
‫فالصلة بٌن األخالق واإلعالم وثٌقة وضرورٌة وإال صرنا إزاء شبكات وكٌانات‬
‫إعالمٌة تفترس الحقٌقة‪ ،‬وتدهس القٌم‪ ،‬وتتالعب بعقول‪ 3‬ومصابر الشعوب‪ ،‬وتجعل‬
‫مقدراتها مرتهنة لصالح رأس المال والسلطة‪.‬‬
‫ومن الجدٌر بالذكر فً هذا الصدد‪ ،‬أن الكتب التً تعرِّ ف باإلعالم والصحافة‬
‫وبتارٌخهما وفنونهما‪ ،‬هذه الكتب‪ُ 4‬تختم دابماا بمبحث عن “أخالقٌات المهنة”‪ ،‬الواجب‬
‫اتباعها لترشٌد العمل اإلعالمً والصحفً‪.‬‬
‫وٌعرف إلٌوت كوهٌن “أخالقٌات المهنة” بأنها‪“ :‬ذلك الفرع من األخالقٌات المهنٌة الذي‬
‫ٌتناول المشكالت المتعلقة بسلوك المندوبٌن الصحفٌٌن‪ ،‬والمحررٌن‪ ،‬والمصورٌن‬
‫الفوتوغرافٌٌن‪ ،‬والمنتجٌن‪ ،‬وجمٌع المهنٌٌن الذٌن ٌعملون فً إنتاج األخبار وتوزٌعها"‪.‬‬
‫فً الفصل األول تحدثنا عن أهمٌة األخالق حٌث تمثل فرٌضة دٌنٌة‪ ،‬وضرورة‬
‫اجتماعٌة‪ ..‬وعن أهمٌة اإلعالم باعتباره جزءاا أصٌالا من نسٌج حٌاتنا المعاصرة‪ ..‬كما‬
‫أشرنا إلى الصلة التً تربط األخالق واإلعالم برباط وثٌق‪ ،‬أو هكذا ٌجب أن تكون‬
‫العالقة‪ ..‬وفً هذا الفصل الثانً نتناول أهم األخالق المطلوب توافرها فً المنظومة‬
‫اإلعالمٌة‪.‬‬

‫الفصل الثانً‪ :‬أهم األخالق المطلوب توافرها فً االعالم‬


‫إذا اتفقنا على ضرورة األخالق للعمل اإلعالمً‪ ،‬فهناك عدة أخالقٌات ٌنبغً أن ٌتحلى‬
‫بها اإلعالمً‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ .1‬الموضوعٌة‬
‫وهً مصطلح ٌتردد كثٌرا ا فً المجال اإلعالمً‪ ،‬وفً البحث العلمً بصفة عامة‪.‬‬
‫وأزعم أن ضبط هذا المصطلح كفٌل بأن ٌلخص لنا مجموعة القٌم والممارسات‬
‫األخالقٌة المطلوب توافرها فً اإلعالم ‪ ..‬فما هً “الموضوعٌة”؟‬
‫(الموضوعٌة) وصْ فٌ لما هو موضوعً‪ ،‬وهً بوجه خاص‪ :‬مسلك الذهن الذي ٌرى‬
‫األشٌاء على ما هً علٌه فال ٌشوهها بنظرة ضٌقة أو بتحٌز خاص ‪”5.‬أي رؤٌة الشًء‬
‫كما هً حالته وهٌبته‪ ،‬دون زٌادة أو نقصان‪ ،‬ومن غٌر أن ٌختلف وصف هذه الحالة‬
‫‪ 3‬صدر ضمن سلسلة “عالم المعرفة” برقم ‪ ،243‬اإلصدار الثانً لكتاب هربرت أ‪ .‬شٌللر‪.‬‬

‫‪ 4‬منها على سبٌل المثال‪ :‬د‪ .‬علم الدٌن‪ ،‬الفن الصحفً‪( ،‬القاهرة‪ :‬أخبار الٌوم‪2004 ،‬م)‪ ،‬ص‪ 243 :‬وما بعدها‪ .‬ومجموعة مشاركٌن‪،‬‬
‫دلٌل الصحفً (األردن‪ :‬مؤسسة أبو محجوب لإلنتاج اإلبداعً‪ ،‬نسخة‪ ، PDF‬بدون تارٌخ)‪ ،‬ص‪ 11 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪ 5‬مجمع اللغة العربٌة‪ ،‬المعجم الفلسفً‪( ،‬القاهرة‪ :‬المطابع األمٌرٌة‪1993 ،‬م)‪ ،‬ص‪ ،191 ،191 :‬باختصار‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫والهٌبة باختالف المشاهدٌن لها‪ .‬وهذا هو بالضبط المقصود بالخبر الموضوعً‪ ،‬أو‬
‫الخبر الصحفً الصادق أما اختالف وجهات النظر فمكانه عند التحلٌل ولٌس عند‬
‫اإلخبار‪.‬‬
‫ٌ‬
‫جملة من األخالق والممارسات‬ ‫ولذلك كانت “الموضوعٌة” قٌمة جامعة تندرج تحتها‬
‫اإلعالمٌة المنشودة‪ ،‬مثل‪ :‬الصدق‪ ،‬التثبت‪ ،‬النزاهة‪ ،‬الفصل بٌن الخبر والرأي‪.‬‬
‫فاإلعالمً علٌه أن ٌنقل للناس الوضع الحاصل كما هو‪ ،‬بصدق ال كذب معه‪ ،‬وبدقة ال‬
‫تردد أو شك فٌها‪ ،‬وبنزاهة ال تعرف تلوٌن الخبر أو إبراز جزء منه وكتمان جزء‬
‫آخر‪ ،‬وبفصل تام بٌن الخبر الذي ٌمثل الواقع وبٌن الرأي الذي ٌعنً القراءة الشخصٌة‬
‫لهذا الواقع ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫جملة من األخالق والممارسات اإلعالمٌة‬ ‫“الموضوعٌة” قٌمة جامعة تندرج تحتها‬
‫المنشودة‪ ،‬مثل‪ :‬الصدق‪ ،‬التثبت‪..‬‬
‫وعن ضرورة الفصل بٌن الخبر والرأي‪ٌ ،‬قول جون ل‪ .‬هاتلنج‪“ :‬الممارسة السلٌمة‬
‫تتطلب أن ٌكون هناك فصل واضح بالنسبة للقارئ بٌن ما تقدمه الصحٌفة كتقارٌر‬
‫إخبارٌة‪ ،‬وبٌن اآلراء فالمقاالت التً تحتوي اآلراء أو التفسٌرات الشخصٌة ٌجب أن‬
‫‪6‬‬
‫ٌتعرف علٌها القارئ بوضوح فً صفحة الرأي‪.‬‬
‫وهنا ٌنبغً تأكٌد أن”الموضوعٌة” ال تعنً إلغاء شخصٌة اإلعالمً‪ ،‬وال محو قناعاته‬
‫الفكرٌة وتحٌزاته بل تعنً الصدق فٌما ٌنقل‪ ،‬ثم الباب أمامه مفتوح لتناول ما ٌنقله‬
‫بالتأٌٌد أو الرفض‪ ،‬وللمتلقً أن ٌتفق أو ٌختلف معه‪ ..‬ولذا‪ ،‬فثمة ٌ‬
‫فرق بٌن‬
‫“الموضوعٌة” و”الحٌادٌة”‪ ،‬و”الذاتٌة‪”.‬‬
‫“الحٌادٌة ”هً موقف صفري سلبً‪ ،‬قد ٌكون مقبوالا فً عالم السٌاسة‪ ،‬لكنه غٌر‬
‫متصور فً عالم األفكار‪ ،‬والعمل اإلعالمً خاصة‪ .‬وكثٌرا ا ما ٌتم التروٌج للسلبٌة تحت‬
‫َّ‬
‫َوهْ م الحٌاد!!‬
‫إن اإلنسان له عقل وتجارب ال ٌستطٌع االنفكاك منها حتى وهو ٌنقل الخبر بموضوعٌة‬
‫تامة! ولذلك كانت عملٌة اإلعالم فً جانبها العملً عملٌة انتقابٌة‪ ،‬بمعنى أن اإلعالمً‬
‫تكون أمامه مبات بل آالف األخبار‪ ،‬ثم هو ٌنتقً منها للنشر ما ٌراه مه اّما فعملٌة‬
‫االنتقاء هذه تجري وفق ضوابط ومح ِّددات كثٌرة‪ ،‬منها اختٌاراته وتحٌزاته الفكرٌة‪ .‬لكن‬

‫‪ 6‬هاتلنج‪ ،‬أخالقٌات الصحافة‪ ،‬ترجمة‪ :‬كمال عبد الرءوف (القاهرة‪ :‬الدار العربٌة للنشر والتوزٌع‪ ،‬الطبعة العربٌة األولى‪ ،‬بدون‬
‫تارٌخ)‪ ،‬ص‪.11 :‬‬

‫‪5‬‬
‫المهم أنه وهو ٌختار خبرا ا ما للنشر علٌه أن ٌكون موضوع اٌّا فً النقل‪ ،‬وال ٌلون الخبر‬
‫بقناعاته الشخصٌة‪.‬‬
‫وأخطر مجال َت ِرد فٌه إشكالٌة الموضوعٌة والحٌادٌة هو مجال العقابد‪ ،‬والقضاٌا‬
‫المصٌرٌة مثل قضٌة فلسطٌن مثالا‪ .‬وهنا لٌس مطلوباا من اإلعالمً أن ٌتخلى عن‬
‫قناعاته المؤٌدة للحق الفلسطٌنً‪ ،‬ولكن علٌه أن ٌكون موضوع اٌّا‪ ،‬وأال تدفعه هذه‬
‫القناعات لتزٌٌف الحقابق أو تلوٌنها‪ ،‬وعلٌه أن ٌعلم ٌقٌ انا أن الحقٌقة المجردة هً خٌر‬
‫وسٌلة للنصرة والدعاٌة‪.‬‬
‫من ٌنحاز إلى قناعاته الشخصٌة المؤٌدة للحق الفلسطٌنً سٌختار المصطلح األول‪ ،‬بٌنما‬
‫ٌتمسك بالمصطلح الثانً من ٌرى أنه أقرب إلى وصف الواقع كما هو‪.‬‬
‫أما“ الذاتٌة ”فهً “ما ٌنتسب إلى الذات مما ٌتصل بها أو ٌخضع لها‪ ،‬فٌقال‪ :‬تفكٌر‬
‫ذاتً‪ ،‬وإدراك ذاتً‪ .‬وهً تقابل‪ :‬الموضوعٌة‪ .‬وقد تطلق توس اعا على ما مصدره الفكر‬
‫ال الواقع‪ ،‬ومنه‪ :‬األحكام الذاتٌة فً مقابل األحكام الموضوعٌة‪ ،‬والمنهج الذاتً فً مقابل‬
‫المنهج الموضوعً ‪”7.‬أي أن الذاتٌة هً رؤٌة اإلنسان الشخصٌة فً مقابل الحقٌقة فً‬
‫الواقع الخارج على الذات‪.‬‬
‫ولذلك كان مجال “الذاتٌة” الذي ٌمكن أن تبرز فٌه دون إشكالٌات هو مجال األدب بفنونه‬
‫المختلفة فاألدب تجربة ذاتٌه قبل كل شًء‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬كان مقبوالا أن تأتً الرواٌات‬
‫مختلفة فً بعض جوانبها عن التارٌخ نفسه‪ ،‬ألن حبكة القصة قد‬ ‫ا‬ ‫األدبٌة عن التارٌخ‬
‫تستدعً مبالغة هنا وإثارة هناك‪ ..‬وهكذا‪ ،‬مما ال ٌُسمح به إطال اقا عند كتابة التارٌخ‬
‫حسب المنهج العلمً ال األدبً‪.‬‬
‫أما مجال اإلعالم فال ٌعرف “الذاتٌة” إال فً التحلٌل وكتابة الرأي بل إن اإلعالمً كلما‬
‫اقترب فً آرابه وتحلٌالته من الحقابق الموضوعٌة‪ ،‬كان ذلك أدعى ألن ٌربح ثق َة‬
‫ث عما ٌتفق وعقله‪ ،‬ال عما ٌرضً نفسه وعاطفته!‬ ‫ئ الباح ِ‬
‫القار ِ‬
‫إن إحدى المشكالت األساسٌة التً ٌعانً منها خطابنا اإلعالمً العربً هً أن الحدود‬
‫الفاصلة بٌن الموضوعٌة والذاتٌة لٌس واضحة بالدرجة الكافٌة‪ ،‬بل تكاد تنعدم! وإن‬
‫كثٌرا ا مما تطالعنا به الصحف والفضابٌات ال نستطٌع أن نتبٌن فٌه‪ :‬هل هو ٌعكس واق اعا‬
‫حدث بالفعل‪ ،‬أم رؤٌة اإلعالمً لما كان ٌنبغً أن ٌقع؟!‬

‫‪ 7‬مجمع اللغة العربٌة‪ ،‬المعجم الفلسفً‪ ،‬ص‪ ،191 ،191 :‬بتصرف ٌسٌر‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ . 2‬احترام حق الرد لكل من ٌتناولهم الصحفً مع حقه فً التعقٌب‬
‫األدب تجربة ذاتٌه قبل كل شً‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬كان مقبوالا أن تأتً الرواٌات األدبٌة عن‬
‫ا‬
‫مختلفة فً بعض جوانبها عن التارٌخ نفسه‪.‬‬ ‫التارٌخ‬
‫ٌتعامل اإلعالمً مع مبات األخبار والمواقف واألشخاص والقضاٌا‪ ،‬ومن الوارد أن‬
‫ٌخطا فً تدقٌق رقم ما‪ ،‬أو ٌغفل عن جانب ما‪ ،‬أو ٌسًء من حٌث ال ٌدري إلى‬
‫شخص أو هٌبة ما والموقف األخالقً حٌال هذا ٌوجب على اإلعالمً أن ٌبادر بإفساح‬
‫المجال أمام اآلخرٌن للتعقٌب أو التصوٌب‪ ،‬ثم ٌكون له حق الرد والتوضٌح‪ ،‬بما ٌثري‬
‫العملٌة اإلعالمٌة وٌخدم الحقٌقة‪ ،‬والحقٌقة وحدها‪.‬‬
‫ولذلك نصت مواثٌق العمل اإلعالمً على أن حق الرد والتعقٌب مكفول لمن ٌمسه‬
‫الخبر من قرٌب أو بعٌد‪.‬‬
‫وعلى اإلعالمً أن ٌتوافر عنده قدر من الشجاعة األدبٌة ٌم ّكنه من االعتذار عالنٌة إذا‬
‫ثبت عكس ما قال‪ ،‬دون أن ٌجد حرجا ا فً ذلك‪ ،‬بل على العكس سٌزٌد ذلك من‬
‫مصداقٌته عند المتلقً‪.‬‬
‫لكن ٌبدو أن مجتمعنا العربً بوجه عام غابت عنه هذه القٌمة‪ ،‬حتى صار العناد إحدى‬
‫الشٌم والمكارم! بٌنما اإلعالم الغربً ترسخ عنده هذا الخلق‪ ،‬حتى فٌما ٌتصل‬
‫بالمسلمٌن فقد اعتذرت جرٌدة “اإلندبندنت” البرٌطانٌة‪ -‬فً ‪ 01‬أكتوبر ‪2102‬م‪ -‬كتاب اٌّا‬
‫للشٌخ راشد الغنوشً‪ ،‬بعد أن نشرت خبرا ا عن أنه قبض أمواالا من أحد أمراء الخلٌج‬
‫وتبٌن لها أنه خبر عار عن الصحة‪ ..‬كما تم تأكٌد هذا االعتذار على لسان صحفٌها‬
‫المشهور “روبرت فٌسك” عندما التقى الشٌخ الغنوشً إلجراء حوار صحفً معه‪.‬‬
‫وٌبدو لً أنه من العسٌر أن نتذكر أن صحٌفة أو فضابٌة عربٌة اعتذرت ألحد‪ ،‬اللهم إال‬
‫إذا كان الطرف اآلخر فً القضٌة ذا منصب أو مال!‬
‫إن الحرٌة التً تتٌحها تشرٌعات كثٌر من الدول لإلعالمٌٌن‪ ،‬لٌس الغرض منها أن‬
‫ٌكون اإلعالمً فً منأى عن المسبولٌة والمساءلة‪ ،‬بل ألن اإلعالمً هو عٌن المجتمع‬
‫وضمٌره ومن ثم علٌه أن ٌوظف تلك الحرٌة فٌما ٌعود بالنفع على المجتمع ال لخدمة‬
‫أغراضه الشخصٌة‪ ،‬واإلساءة والتجاوز بحق األفراد والمؤسسات‪.‬‬

‫‪ .3‬احترام الحقوق والخصوصٌات‬


‫وٌرتبط بالنقطة السابقة‪ ،‬أن اإلعالمً علٌه أن ٌحترم الحقوق والخصوصٌات فمن‬
‫الواجب علٌه أن ٌراعً قاعدة أن “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”‪ ،‬وأن ٌستأذن المصدر‬

‫‪7‬‬
‫قبل نشر الحدٌث معه‪ ،‬وٌلتزم بعدم نشر صور المناسبات الخاصة إال بإذن أصحابها‪،‬‬
‫إضافة إلى الحفاظ على سرٌة مصادر المعلومات‪.‬‬
‫إن المجتمعات الغربٌة نفسها رغم ما شهدته من ارتفاع سقف الحرٌات فإنها تقر بوجود‬
‫قٌود بصورة أو بأخرى على اإلعالم‪ ،‬وعلى اإلبداع بوجه عام‬
‫لكننا لألسف أصبحنا نرى اإلعالم ٌعامل من ال زالوا فً موضع االتهام والشك كأنهم‬
‫أُدٌنوا نهاب اٌّا وصدرت بحقهم أحكام غٌر قابلة لالستبناف! وحتى إذا صدر الحكم بالبراءة‬
‫فإنه ٌنشر فً بضعة أسطر فً زاوٌة مهملة‪ ،‬هذا إن نشر حكم البراءة أصالا! بٌنما خبر‬
‫االتهام ٌنشر بالبنط العرٌض وفً الصفحة األولى! دون أن ٌأخذ اإلعالمً فً اعتباره‬
‫كم بٌوت ٌمكن أن تهدم بسبب طرٌقة النشر هذه‪ ،‬وكم شركات ٌمكن أن تفلس‪ ،‬وحقوق‬
‫ٌمكن أن تضٌع!‬
‫فهل هذا دور اإلعالم فً المجتمع؟! هل المطلوب أن ٌصنع اإلعالمً أمجاده على‬
‫حساب اآلخرٌن‪ ،‬وخصماا من حقوقهم وخصوصٌاتهم؟!‬

‫‪ .4‬احترام التقالٌد واآلداب والمقدسات‬


‫ال شك أن الحرٌة بالنسبة للعمل اإلعالمً تمثل أمرا ا ضرور اٌّا ال ٌمكن االستغناء عنه‪،‬‬
‫لكن الحرٌة المطلقة ٌمكن أن نقول عنها دون مبالغة‪ :‬مفسدة مطلقة! ففً نهاٌة المطاف‬
‫البد أن تكون هناك أطر عامة وضوابط تح ِّدد المسار‪ ،‬وتر ِّشد السلوك ألن البعض قد ال‬
‫ٌفهم من الحرٌة إال الفوضى!‬
‫إن حرٌة الرأي – التً هً الزمة لإلعالم المتمٌز‪ -‬ثمة فرق كبٌر بٌنها وبٌن العدمٌة‬
‫والعبثٌة واستباحة القٌم والمقدسات‪ .‬وإذا كان العمل اإلعالمً ٌنبغً أن تصب غاٌته فً‬
‫مصلحة المجتمع‪ ..‬فأي مصلحة تبقى مع هدم التقالٌد وازدراء المقدسات؟!‬
‫أما دعوات حرٌة اإلبداع‪ ،‬وأنه ال سلطان على العقل إال العقل‪ ،‬وغٌرها من الشعارات‬
‫البراقة‪ ،‬فٌكفً أن نقول إن المجتمعات الغربٌة نفسها رغم ما شهدته من ارتفاع سقف‬
‫الحرٌات‪ -‬ربما بدرجة لم تتوافر لغٌرها‪ -‬فإنها تقر بوجود قٌود بصورة أو بأخرى على‬
‫اإلعالم‪ ،‬وعلى اإلبداع بوجه عام غاٌة ما هنالك أنهم فً الغرب بسبب تجربتهم السابقة‬
‫فً الصراع مع الكنٌسة إبان عصورهم التً عُرفت بعصور النهضة‪ ،‬فإنهم قد حطموا‬
‫كل القٌود فٌما ٌتصل باألدٌان‪ ،‬لكنهم استبدلوا بذلك قٌو ادا فً مجاالت أخرى حتى قٌل‬
‫إنك فً الغرب تستطٌع أن تنتقد هللا‪ ،‬لكن ال تستطٌع أن تنتقد إسرابٌل!‬

‫‪8‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الصعوبات التً تعترض صلة األخالق باإلعالم‬
‫تحدثنا فً الفصلٌن السابقٌن‪ ،‬األول والثانً‪ ،‬عن أهمٌة األخالق واإلعالم فً حٌاتنا‪،‬‬
‫وعن الصلة الوثٌقة التً ٌجب أن تكون بٌنهما‪ ..‬كما تحدثنا عن أهم األخالق المطلوب‬
‫توافرها فً المنظومة اإلعالمٌة‪.‬‬
‫وفً هذا الفصل الثالث واألخٌر نتناول الصعوبات التً تجعل المجال اإلعالمً ال ٌتفق‬
‫والقٌم األخالقٌة التً ٌنبغً أن توجه حٌاتنا‪ ،‬وتحكم سلوكٌاتنا‪ ..‬ونختم باإلشارة إلى أهم‬
‫الخطوات التً ٌمكن أن نحقق من خاللها عمالا إعالم اٌّا ٌرتكز على األخالق وال ٌنفصل‬
‫عنها‪.‬‬

‫المبحث األول‪:‬‬
‫ثمة صعوبات تعترض صلة األخالق باإلعالم‪ ،‬وتجعل من العسٌر أن ٌندرج الطرف‬
‫الثانً تحت مظلة األول‪ ..‬ومن هذه الصعوبات‪:‬‬
‫‪ .1‬االخالق فرع من الفلسفة بٌنما االعالم ٌعمل فً الواقع‬
‫ٌرى بعض الباحثٌن أن “هناك خصومة بٌن األخالقٌات الصحفٌة والصحافة ألن‬
‫األخالقٌات هً فرع من الفلسفة‪ ،‬حٌث إن الفلسفة تتعامل مع قضاٌا نظرٌة بٌنما‬
‫الصحافة تعمل فً الواقع‪ ،‬وتقوم بتصوٌره‪ .‬فمعظم اإلعالمٌٌن ٌنظرون إلى األخالقٌات‬
‫على أنها مجموعة من المبادئ والنظرٌات الفلسفٌة المعقدة والتً ٌصعب تطبٌقها‪ ،‬وأنها‬
‫تتناقض مع ظروف العمل اإلعالمً ومتطلباته‪”8.‬‬
‫‪ .2‬سعً السلطة السٌاسٌة للسٌطرة على وسائل االعالم‬
‫األنظمة السٌاسٌة – السٌما فً عالمنا العربً‪ -‬تعمل دابماا على السٌطرة على وسابل‬
‫اإلعالم‪ ،‬وتحوٌلها إلى أبواق دعاٌة لها‪ ،‬بحٌث تعبِّر عن النظام الحاكم بأكثر مما تعبر‬
‫عن نبض الجماهٌر وتطلعاتها‪ ..‬مما ٌباعِ د بٌن اإلعالم واألخالق‪.‬‬
‫إن “الربٌع العربً” شاهد صدق على دور اإلعالم فً اإلطاحة بنظم دٌكتاتورٌة‪ ،‬وشاهد‬
‫صدق أٌ ا‬
‫ضا على الضرٌبة الغالٌة التً ٌدفعها اإلعالمٌون‬
‫وهذا ٌأتً إدرا اكا من تلك األنظمة للدور المهم الذي ٌؤدٌه اإلعالم فً تشكٌل الوعً‪،‬‬
‫والتأثٌر فً اتجاهات الرأي العام فاإلعالم الحر هو صداع مزمن فً رأس تلك‬
‫األنظمة‪.‬‬
‫‪ 8‬د‪.‬خالد القحص‪ ،‬األخالقٌات المهنٌة للصحافة‬

‫‪9‬‬
‫إن “الربٌع العربً” شاهد صدق على دور اإلعالم فً اإلطاحة بنظم دٌكتاتورٌة‪ ،‬وشاهد‬
‫صدق أٌ ا‬
‫ضا على الضرٌبة الغالٌة التً ٌدفعها اإلعالمٌون من دمابهم حتى تصل الحقٌقة‬
‫إلى الجمهور فقد تخضبت بالد الربٌع العربً بدماء إعالمٌٌن بذلوا للحقٌقة حتى آخر‬
‫قطرة دم فً عروقهم‪ ،‬وكانت “الكامٌرات”‪ -‬فضال عن رءوسهم!‪ -‬مستهدفة فً فض‬
‫اعتصامً رابعة والنهضة فً مصر كما لو كانت هً بحد ذاتها من المحظورات!! وقد‬
‫ارتقى وأصٌب فً فض هذٌن االعتصامٌن عدد من اإلعالمٌٌن والمصورٌن‪ ،‬فضالا‬
‫عمن اعتقل منهم‪.‬‬
‫ومن العجٌب أن الدول العربٌة التً أمَّمت االقتصاد واإلعالم عقو ادا من الزمن‪ ،‬طب اقا‬
‫للنظام االشتراكً الذي تبنته آنذاك‪ ،‬قد تحولت اآلن للرأسمالٌة فً االقتصاد دون‬
‫اإلعالم‪ ،‬ومازالت مصرَّ ة على امتالك قنوات وصحف! ولو كانت جادة فً رأسمالٌتها‬
‫لكانت طبقت على اإلعالم ما رضٌته فً االقتصاد لكنها تعلم أن اإلعالم ٌعنً لها أكثر‬
‫من مجرد أدوات إخبار‪ ،‬إنه سالحها المعنوي للسٌطرة على العقول‪ ،‬حتى وإن استطاع‬
‫اإلعالم الجماهٌري‪ -‬مثل “فٌس بوك” و”توٌتر”‪ -‬ومن قب ُل الفضابٌات‪ ،‬أن ٌكسر احتكار‬
‫اإلعالم بصورة ما‪.‬‬
‫‪ .3‬ارتباط االعالم برأس المال‬
‫فاإلعالمً‪ -‬بخالف أصحاب ِم َهن أخرى كثٌرة‪ ،‬مثل الطبٌب والمحامً‪ -‬ال ٌستطٌع أن‬
‫ٌمارس عمله بمفرده‪ ،‬بل البد له من نافذة ٌطل منها على الجماهٌر‪ ،‬وهذه النافذة تكون‬
‫تكلفتها عالٌة مما ٌجعل اإلعالمًَّ ٌرتبط بصورة أو بأخرى بمن ٌملك المال‪ ..‬ومن‬
‫المعلوم أن األخالق هً آخر ما ٌمكن أن ٌأخذه رأس المال فً اعتباره!‬
‫ولعل ارتباط اإلعالم برأس المال ٌشكل مشكلة جوهرٌة فً ِب ْن ٌَة العمل اإلعالمً‪ ،‬من‬
‫الصعب الفكاك منها‪.‬‬
‫وقد رأٌنا فً مصر على سبٌل المثال‪ ،‬أن عد ادا من رجال األعمال قد أنشأوا فضابٌات‬
‫ا‬
‫متحدثا رسم اٌّا بهم… ولنا أن نتخٌل كٌف ٌتناول‬ ‫وصح افا‪ ،‬لتخدم مصالحهم‪ ،‬وتكون‬
‫إعالمًٌّ بوسابل اإلعالم هذه قضٌة فساد تورط فٌها مال ُكها! بل وصل األمر ببعض‬
‫رجال األعمال إلى أن قدم “رشوة مقنعة” لبعض اإلعالمٌٌن الذٌن هاجموه فً قضٌة‬
‫انحراف مالً‪ ،‬بأن منحهم برنامجا ا على فضابٌته أو زاوٌة فً صحٌفته مقابل مبلغ مالً‬
‫أقرب إلى الخٌال!‬
‫فرق غٌر محدود بٌن حرٌة الرأي – التً هً الزمة لإلعالم المتمٌز‪ -‬وبٌن العدمٌة‬‫ثمة ٌ‬
‫والعبثٌة واستباحة القٌم والمقدسات‬

‫‪10‬‬
‫وهذا األمر ٌعكس وجهاا آخر لالنحراف اإلعالمً‪ ،‬وهو أن بعض اإلعالمٌٌن ٌتخذ من‬
‫منبره وسٌلة البتزاز رجال األعمال‪ ،‬ولٌس كما ٌزعم للدفاع عن مصالح الشعب والمال‬
‫العام!!‬
‫ٌقول هاتلنج‪“ :‬إن حرٌة الصحافة هً من أجل الشعب‪ ،‬وٌجب الدفاع عنها ضد أي‬
‫انتهاك أو اعتداء من أي جهة سواء أكانت عامة أم خاصة‪ .‬وعلى الصحفٌٌن أن ٌكونوا‬
‫ٌقظٌن دابماا‪ ،‬وأن ٌتأكدوا من أن كل ما ٌهم الجمهور ٌجب أن ٌتم عل انا‪ ،‬وعلٌهم أن‬
‫ٌكونوا حذرٌن من أي شخص أو جهة تحاول استغالل الصحافة ألغراض شخصٌة‪”9.‬‬

‫المبحث الثانً‪ :‬كٌفٌة التغلب على هذه الصعوبات‬


‫من أهم الخطوات العملٌة للتغلب على الصعوبات التً تحول دون ارتباط اإلعالم‬
‫باألخالق‪:‬‬
‫‪ -0‬إنشاء وسابل إعالم عن طرٌق االكتتاب العام‪ ،‬أو من أموال الضرابب وٌشرف‬
‫علٌها هٌبة مستقلة مثل تجربة الـ ‪ BBC‬القسم اإلنجلٌزي‪ ،‬ال العربً فهو ٌتبع وزارة‬
‫الخارجٌة البرٌطانٌة‪.‬‬
‫‪ -2‬فصل التحرٌر عن اإلعالن حتى ال ٌقع اإلعالمً تحت اإلغراء أو االبتزاز‬
‫اإلعالنً‪.‬‬
‫‪ -3‬ضمان الحقوق المالٌة لإلعالمً بصورة تكفل له الحٌاة الكرٌمة‪ ،‬وتحصِّنه من‬
‫االستجابة للضغوط غٌر األخالقٌة‪.‬‬
‫‪ -4‬العمل على حماٌة اإلعالمٌٌن من تغول النظم السٌاسٌة‪ ،‬بتفعٌل النصوص‬
‫الدستورٌة والقانونٌة التً تضمن حرٌة الصحفً وسالمته الشخصٌة‪ ،‬خاصة فً‬
‫األزمات‪.‬‬
‫‪ -5‬تفعٌل الدور الرقابً والتشرٌعً للهٌبات والمجالس النٌابٌة‪ ،‬وعدم التقاعس عن‬
‫إٌقاع العقوبة المناسبة على اإلعالمٌٌن المخالفٌن‪.‬‬
‫‪ -6‬إصدار تقارٌر دورٌة لتقٌٌم التزام وسابل اإلعالم بمٌثاق الشرف اإلعالمً‪ ،‬وتعمٌم‬
‫هذه التقارٌر لتؤدي دورها فً التوجٌه والضغط المعنوي األدبً على من ال ٌلتزم‬
‫بالمٌثاق‪.‬‬

‫‪ 9‬هاتلنج‪ ،‬أخالقٌات الصحافة‪ ،‬ص‪.33 :‬‬


‫‪11‬‬
‫‪ -7‬رصد جابزة سنوٌة ألفضل إعالمً وأفضل وسٌلة إعالمٌة التزماا بمٌثاق الشرف‬
‫اإلعالمً‪.‬‬

‫الخالصة‬
‫وهكذا فً ختام هذه الفصول الثالثة ٌمكن لنا أن نخلص إلى أن األخالق فرٌضة من‬
‫فرابض األدٌان‪ ،‬وضرورة من ضرورات المجتمعات وأن اإلعالم‪ -‬مقروءاا‪ ،‬أو‬
‫مسمو اعا‪ ،‬أو مرب اٌّا‪ -‬جزء من حٌاتنا‪ ،‬بل فاعل ربٌس فٌها ولذا‪ ،‬فما لم ٌرتبط اإلعالم‬
‫باألخالق فإن نسٌج المجتمع وقٌمه مه َّددان باالنهٌار‪.‬‬
‫ٌ‬
‫جملة من األخالق‬ ‫كما اتضح لنا أن “الموضوعٌة” قٌمة جامعة تندرج تحتها‬
‫والممارسات اإلعالمٌة المنشودة‪ -‬مثل‪ :‬الصدق‪ ،‬التثبت‪ ،‬النزاهة‪ ،‬الفصل بٌن الخبر‬
‫والرأي‪ -‬وأن احترام حق الرد‪ ،‬مع حق اإلعالمً فً التعقٌب‪ ،‬من القٌم األخالقٌة‬
‫المهمة فالحرٌة التً تتٌحها التشرٌعات لإلعالمٌٌن‪ ،‬لٌس غرضها أن ٌكونوا فً منأى‬
‫عن المسبولٌة والمساءلة‪ ،‬بل ألنهم عٌن المجتمع وضمٌره‪.‬‬
‫فرق غٌر محدود بٌن حرٌة الرأي – التً هً الزمة لإلعالم المتمٌز‪ -‬وبٌن‬‫ولذلك‪ ،‬فثمة ٌ‬
‫العدمٌة والعبثٌة واستباحة القٌم والمقدسات‪.‬‬

‫المصادر والمراجع‬
‫‪ ‬الموسوعة الحرة “وٌكٌبٌدٌا”‪.‬‬
‫‪ ‬الوشلً عبد هللا قاسم ‪ ،‬اإلعالم اإلسالمً فً مواجهة اإلعالم المعاصر‬
‫(القاهرة‪ :‬دار البشٌر‪ ،‬ط‪0994 ،2‬م)‪.‬‬
‫‪ ‬هاتلنج‪ ،‬أخالقٌات الصحافة‪ ،‬ترجمة‪ :‬كمال عبد الرءوف (القاهرة‪ :‬الدار‬
‫العربٌة للنشر والتوزٌع‪ ،‬الطبعة العربٌة األولى‪ ،‬بدون تارٌخ ‪.‬‬

‫‪12‬‬

You might also like