Professional Documents
Culture Documents
الدول الحديثة بمختلف أنظمتها تسند ضمن وثائقها الدستورية مهام رآسة الدولة ومالها
من اختصاصات تتعلق بإعالن الحرب أو حالة االستثناء أو االصدار أو التعيينات
وممارسة حق العفو وغيرها من المهام المخولة لرئيس الدولة .والمملكة المغربية
عمدت في دستورها الحالي ا لى الفصل بين السلط في اطار نظام ملكية دستورية ،
ديمقراطية ،برلمانية ،اجتماعية ،أنها ملكية مواطنة ،ضامنة ألسس األمة وتضطلع
بمهام سيادية وتحكيمية لم تخرج عن هذا االطار ،إذ جعلت من الملك القائد االعلى
للقوات المسلحة الملكية .
الملك يعين رئيس الحكومة والوزراء باقتراح من االخير .يحل الملك الحكومة .يترأس
مجلس الوزراء ،ويصدر االمر بتنفيذ القوانين .ويماريس سلطاته التي يخولها له
الدستور بظهائر " .الملك رئيس الدولة وممثلها األسمى ،ورمز وحدة االمة ،وضامن
دوام الدولة واستمرارها ،والحكم االسمى بين مؤسساتها يسهر على احترام
الدستور،وحسن سير المؤسسات الدستورية ،وعلى صيانة االختيار الديمقراطي ،وحقوق
وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة .
الملك هو ضامن استقالل البالد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة .يمارس الملك
هذه المهام كما سبقت االشارة اليه ،بمقتضى ظهائر ،من خالل السلطات المخولة له
صراحة بنص الدستور.
البيعة :يمكن القول بأن االصل في البيعة أنها ميثاق وإلتزام متبادل بين الحاكم
والمحكومين ،وأن هذا الميثاق منبتق عن إرادة حرة ورغبة تشاركية واعية
باختياراتها ،وال معنى للبيعة اذا لم يتحقق فيها هذا البعد التشاركي ،وهذا ما أكده خطاب
جاللة الملك ل 71يونيو 1177حين قال " اخاطبك اليوم ،لنجدد العهد المشترك بيننا
بدستور جديد " ،كما وصفه بميثاق دستوري ديمقراطي جديد .غير أن الممارسة
التاريخية لمفهوم البيعة ابعدت هذا البعد التشاركي .وأصبحت البيعة في االعراف
والمفاهيم التاريخية القديمة ،سواء في المغرب أم في غيره من البلدان ،قرارا فرديا
يفرضه مالك السلطة .والمتصرف فيها بقوة االكراه ،ولذلك قال ابن خلدون بهذا
الخصوص " :ان االكراه في البيعة كان أكثر وأغلب " .ومع ذلك ظلت البيعة كتقليد
سياسي حاضرة في الممارسة التاريخية لسالطين المغرب .
وشكلت في نظام الحكم بالمغرب مصدر مشروعية الحكم .بالرغم من أنها في بعض
االحيان لم تكن تتخد اال طابعا صوريا مجردا من كل الصفات التعاقدية الفعلية .ومع ذلك
حافظ عليها سالطين المغرب كتقليد رسمي يتداولوه عبر السنين .وقد فهم علماء المغرب
في بداية القرن الماضي القرن العشرين أن مسؤوليتهم تكمن في تدقيق مضمون ومفهوم
البيعة والعمل على تطوير صياغتها والسمو بها وجعلها تستجيب لتطورات المجتمع
المغربي مع الحفاظ على بعدها الروحي والتاريخي التقليدي ،واعطائها مواصفات العقد
المكتوب الذي يفرض التزامات على الحاكم مقابل الطاعة من قبل المحكومين .وقد شكلت
البيعة المقيدة لموالي عبد الحفيظ التي كتبت بمدينة فاس ،وكانت تلك البيعة عبارة عن ميثاقا
دستوريا رائعا تفرد به أهل المغرب في ذلك الزمان ،وكان قد يصل الى حد انه لو لم
يح دث نظام الحماية لربما تطور ذلك النمودج من البيعة تطورا طبيعا الى دستور مكتوب
على الشكل الحديث كما ذهب الى ذلك االستاذ عبد الله العروي .
ومن المؤكد ان هناك عالقة واضحة بين تلك النخبة من العلماء التي أخدت على عاتقها
مسؤولية تحرير البيعة المقيدة للسلطان المولى عبد الحفيظ وبين محرري مشروع دستور
. 7011اللذين صاغوا مشروعا دستوريا يتلمس معالم النظام البرلماني في المغرب .لذلك
فان أفق التنظيم الدستوري الذي كان يطمح علماء المغرب الى تحقيقه في تلك المرحلة
هوالملكية الدستورية ذات الطبيعة البرلمانية.
إال أن السؤال يبقى مطروحا هل البيعة صحيح هي كما يدعي البعض فوق الدستور؟ أم أنها
إال أننا مع من يقول بأن الجواب الصحيح هو أن البيعة ليست فوق أقل من الدستور ؟
الدستور وال أقل منه بل هي الدستور نفسه .وذلك ما أكده المغفور له جاللة الملك الحسن
الثاني حيث أنه نجح في رسم أسلوب جديد في الحكم يعتمد على التوظيف المكثف لمفهوم
البيعة ولمفهوم إمارة المؤمنين .وجعل لهما االسبقية في النص الدستوري مند أول دستور
لسنة 7091وانتقل بالبيعة من محورية الفرد الحاكم ،الى نظام المؤسسات الذي يربط
الحاكمين بالمحكومين في شكل وثيقة قانونية تكتسب صفة السمو بعد قبولها من طرف
المجتمع عبر استفثاء شعبي ديمقراطي تشاركي.
ومما يؤكد على أهمية البيعة وتجدرها كمؤسسة دستورية في النظام السياسي المغربي أنه
بالرغم من وجود مؤسسة والية العهد ،فإنها لم تشكل أبدا بديال عن عقد البيعة الذي يأتي
كأهم وآخر مسطرة من مساطر تقلد الحكم ،وهو بذلك أصبح عرفا من األعراف والتقاليد
االجتماعية والدينية الراسخة عبر التاريخ والتي ال محيد عنها ،الن ذلك يخلق نوعا من
الطمأنينة واالرتياح لدى المتعاقدين بأن كل منهم باقيا على وعده وعهده والتزاماته .وال
يخلو الجانب الشكلي لعقد البيعة من أهمية ،وتبدو من خالل المراسيم المتبعة ووزن
الشخصيات الموقعة عليها باعتبارهم ينوبون عن االمة بأكملها.
وقد شهدت قاعة العرش بالرباط مساء الجمعة /12يوليوز 7000/مراسيم تقديم البيعة لجاللة
الملك محمد السادس ،وما يثير االنتباه في هذه البيعة الجديدة أنها مزجت بين التقليدي
والحداثي،وكأن الملك الشاب قد أصر على أن يبدأ عهده الجديد ساعة انتقال السلطة
والمقصود بذلك الموقعين على عقد البيعة .
وقد و قع على عقد البيعة بالتفصيل:أصحاب السمو الملكي األمراء:موالي رشيد ،موالي
هشام ،موالي إسماعيل ،ورؤساء االحزاب ،ورئيسا مجلسي البرلمان – النواب
والمستشارين -والوزير االول ،وأعضاء الحكومة ،مستشاري صاحب الجاللة ،رؤساء
المجالس العلمية ،رئيس المجلس االعلى ،والوكيل العام للمملكة به ،رئيس المجلس
الدستوري ،الضباط السامون بالقيادة العليا للقوات المسلحة الملكية ،المدير العام لألمن
الوطني ،الحاجب الملكي ،مديراالمانة الخاصة الملكية ،مدير التشريفات الملكية.
حدث ألول مرة في تاريخ المغرب أن يتم توقيع المرأة على عقد البيعة حاضرة وممثلة في
السيدتين:نزهة الشقروني التي كانت تشغل حينها منصب كاتبة الدولة مكلفة بشؤون
المعاقين ،وعائشة بلعربي كاتبة الدولة مكلفة بالتعاون ،وفي ذلك رسالة قوية للرغبة والعزم
في توسيع نطاق مشاركة المرأة ورفع الحصار السياسي عنها ،وهذا ماسعى إليه فعال
جاللة الملك ،فمنذ اعتالئه العرش وهو يهتم بقضايا وشؤون المرأة.
توقيع رؤساء االحزاب السياسية هو كذلك من االمور المستحدثة والتي لقيت استحسانا من
طرف االوساط السياسية وكذا المواطنين ،في حين أقصي عمال ووالة العماالت واألقاليم.
لذلك يبدو أن انتقال الملك في المغرب ال يمكن أن يتم بدون بيعة .
ويعتبر نظام البيعة في تقاليد الدولة المغربية وأعرافها مرتكزا أساسيا ال غنى عنه في
تكريس مبدأ الحقوق والواجبات المتبادلة بين الملك و الشعب من اجل تحقيق العدل
واإلنصاف .لذلك يمكن اعتبار مؤسسة البيعة ،انها جاءت تلبية لفكرة و حاجة اجتماعية
لدى االمة المغربية بكافة تشكيالت فئاتها واطيافها المختلفة والمتنوعة ،إذ ولدت لديهم
وعراقة وتجدر حضارتهم عبر التاريخ شعورا قويا بالفخر واالعتزاز بخصوصية
واختالفها وتميزها عن باقي حضارات االمم .وهذا ما جعلهم عبر االجيال معتزين
ومتشبتين بها ومدافعين عنها إلى درجة انهم اصبحوا يعتبرونها تعبيرا عن وجودهم
وكيانهم وتجسيدا لهويتهم وتاريخهم وحضارتهم ولدورهم وتأثيرهم االجتماعي والثقافي
والسياسي و الحضاري المختلف والمتميزعلى جيرانهم شماال وجنوبا وشرقا.
أما مفهوم أمير المؤمنين الذي ورد في نص دستور المملكة لسنة 7091من المأكد أنه لم
يقصد منه اضفاء على رئيس الدولة ( الملك ) سلطات اضافية قد يستمد سمو عظمتها من
الت فويض الالهي ،بقدر ماكان ادخال صفة أمير المؤمنين في الدستور تأكيدا على اسالمية
الدولة ،السيما وان المجتمع المغربي كان في حاجة لهذه الصفة بعد معاناته من الذل والقهر
والحرمان في فترة الحماية واالستعمار وسعي هذا االخير في محاوالت عديدة لطمس
معالم هوية المغارب ة وحضارتهم والمتمثلة في الظهير البربري وغيره من المحاوالت
اليائسة .
كما يعلم الجميع أن صفة امير المؤمنين هي عبارة عن لقب تاريخي عرف في فجر االسالم
،وليس من شأن هذا اللقب الذي ظهر في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله
عنه .أن يضفي على قرارات رئيس الدولة أي نوع من القداسة ،أو تمكينه من سلطات
إضافية .كما أن زعماء تلك المرحلة كالزعيم المثقف المرحوم بلحسن الوزاني ،وعالل
الفاسي ،والدكتور عبد الكريم الخطيب ،والمحجوبي أحرضان كانوا بالتأكيد على علم
" أمير المؤمنين " هي عبارة عن لقب تاريخي ،وليس من بتنزيل الدستور وبأن صفة
شأن هذا اللقب التاريخي أن يضفي على قرارات رئيس الدولة أي نوع من القداسة أو
تمكينه من سلطات إضافية ،ولم يكن ينظر اليه سوى مجرد لقب تشريفي .يروم من
وضعه التذكير بالطابع االسالمي للمملكة وللمؤسسات التي تحكمها .غير ان االمور
تطورت فيما بعد وأصبح الفصل 70من الدستور محط نقاش وجدل وكثر اللغط
بخصوصه .أعتقد ان ذلك حصل لعدم وضوح النص .غير أن مفهوم الملكية البرلمانية فقد
ظهرت عناوينه االولى من خالل اطروحات الزعيم المرحوم بلحسن الوزاني ثم باقي
الزعماء الذي أورد في نقده الذاتي .بأن أسباب ما جرى وطنيا من خالفات ،راجع كون
جاللة الملك مسؤول مباشرة أمام المجتمع ،وذلك ما أثار كثيرا من االحداث كان من الممكن
تجنبها لوأن الوزارة االولى المغربية أخدت صفتها وصبغتها الديمقراطية لتحملت هي
مسؤولية أعمالها ،بحيث يتحمل الوزراء المسؤولية السياسية أمام البرلمان وبذلك يكون
الملك ،في منأى عن المساءلة المرتبطة بالمسؤولية ،مما يساهم في تعزيز االستقرار
السياسي وتجنب االضطرابات .
واسترجع عالل الفاسي بعض المحطات من تاريخ المغرب لتعزيز أطروحته ،وابعاد
التعارض المحتمل مع االسالم ،ويعود بالضبط الى مرحلة السلطان الحسن االول قائال "
وإن في التجديد الحكومي الذي وضعه موالنا الحسن ( ) 7101 – 7112خير ذليل على
أن الحكومة الشريفة كانت سائرة في هذا االتجاه المتفق تماما مع الروح االسالمية" " .
الن جاللة الملك هو ولي االمر في القضاء وفي الحكم ،وكما أن القاضي منفذ للقانون
بالني ابة عن الملك .والكنه هو الذي يتحمل مسؤولية االحكام التي يضعها ،كذلك يجب أن
يكون الوزراء منفذين لشؤون الدولة باسم الملك ،ولكن على شرط أن يتحملوا مسؤولية ما
يمضونة من أعمال أمام جاللته بصفته والي األمر ،وأمام المجالس النيابية يوم يتم تحقيق ما
نصبوا اليه من نظام دستوري متين ،بعد االستقالل طبعا " .ونجد أن عالل الفاسي قد
اختار مثاال معبرا عن البيئة المغربية لتقريب صورة النظام البرلماني في أذهان النخبة
المغربية أنذاك ،انه مثال القاضي الذي يصدر االحكام بإسم الملك ،ولكنه يتحمل
المسؤولية الكاملة عن أحكامه القضائية ،فكذلك يجب أن يكون الشأن بالنسبة للوزراء في
مختلف القطاعات ،وأن يتولون مهام تنفيذ شؤون الدولة باسمه ،ويتحملون مسؤولية
اعمالهم أمام الملك بصفته وليا لالمر وامام المجالس النيابية المنتخة من االمة أي من قبل
عموم المواطنين والمواطنات ( الشعب ).
ان التجسيد الواسع لمفهوم البيعة وامارة المؤمنين أثار مجموعة من االشكاالت بالنسبة
للمهتمين بالدراسات الدستورية ،ذلك الن الدستور كفلسفة قانونية وكمجموعة من القيم
السياسية التي جاءت من أجل تنظيم العالقات بين الحاكمين والمحكومين استناذا الى نظرية
المأسسة ،وذلك باالنتقال من الدولة التي يتحكم فيها االشخاص الى دولة المؤسسات وسيادة
القانون ،وفصل السلط أصبح مستعصيا على الفهم والتحليل في اطار الحمولة التراثية
والتاريخية المعقدة التي أعطيت لمفهوم امارة المؤمنين ،التي جاء تفسيرها في الفصلين 17
و 11من دستور .1177