Professional Documents
Culture Documents
الفصل الخامس
تطبيق القانون
ان الغاية من القواعد القانونية هي تحقيق النظام واالستقرار في المجتمع ،ولكن تحقيق ذلك
يلزم التطبيق الفعلي والصارم لهذه القواعد ،فمجرد وضع قواعد قانونية ال يكفي لتحقيق
.النظام في المجتمع
ان تطبيق القاعدة القانونية ليس باألمر اليسير ،نظرا العتبارات شخصية تتمثل في القيود
التي تفرضها على حريات األفراد من جهة ،واألوضاع الخاصة التي يمر بها االنسان والتي
.قد تدفعه لالنحرافات من جهة ثانية
ونظرا العتبارات موضوعية التي تعترض تطبيق القانون ،كأن يدعي الشخص جهله
للقانون ،أو ألنه أجنبي عن البلد ،أو انه اكتسب حقا في ظل قانون قديم ،أو في بلد
أجنبي...الخ ،وفي ظل هذه األهمية وضعت التشريعات المختلفة قواعد تحكم المسائل
المتعلقة بتطبيق القانون ،باإلضافة الى تعيين سلطة خاصة تتولى تطبيقه اال وهي السلطة
.القضائية
:وبناء عليه يمكن دراسة هذا الموضوع من خالل ثالثة جوانب أساسية هي كالتوالي
.تطبيق القانون من حيث :األشخاص ،من حيث المكان ،ومن حيث الزمان
المبحث األول :تطبيق القانون من حيث األشخاص
تتميز القاعدة القانونية بالعمومية ،أي أنها ال تخاطب شخصا او أشخاصا معينين بذواتهم،
ولكن يثار التساؤل في هذا الشأن ما إذا كان األمر سيان بين الذين يعلمون بالقاعدة القانونية
والذين يجهلون ن وجودها؟
لقد حسم الدستور هذه المسألة من خالل قاعدة دستورية تنص صراحة على أنه " ال يعذر
بجهل القانون" ،فما المقصود بهذه القاعدة؟ وما هو أساسها ومجال تطبيقها؟ واالستثناءات
الواردة عليها؟
"المطلب األول :قاعدة "ال يعذر بجهل القانون
وسوف نتناول في هذا المطلب المقصود بهذه القاعدة واألسس التي تستند اليها
الفرع األول :المقصود بالقاعدة
يقصد بهذه القاعدة أنه ال يمكن للشخص أن يتهرب من تطبيق القانون مديا جهله للقاعدة
القانونية ،أي أنه ال يمكن ألحد أن يدفع بجهل القانون قصد االعفاء من تطبيق القاعدة
القانونية ،فعند متابعة الشخص الذي أخل بأحكام القانون قصد توقيع الجزاء عليه ،ال يمكن
له أن يحتج بجهله للقاعدة القانونية محل المخالفة للتخلص من تطبيق القانون ،فال يعتبر
.الجهل بالقانون عذرا قانونيا يترتب ليه االعفاء من تطبيق األحكام القانونية
الفرع الثاني :أساس القاعدة
تستند هذه القاعدة الدستورية الى وجود القانون في حد ذاته ،حيث اذا كان الغرض من
وجود القانون هو تنظيم المجتمع ،فان ذلك ال يتحقق اذا استطاع المخاطب بالقانون أن يحتج
بجهله للقانون لإلعفاء من تطبيقه ،وان قيام المجتمع واستمراره يقتضي التزام كل المكلفين
به باحترامه وتطبيقه بصرف النظر عما اذا كانوا على علم بأحكامه أو يجهلونها ،واال
عمت الفوضى وتعذر على القانون تأدية وظيفته ،وهكذا بموجب هذه القاعدة يكون
المخاطبون بأحكام القانون على قدم المساواة ما دام ال يستثنى أحد من واجب احترام
.القانون ،كما تجسد هذه القاعدة مبدأ سيادة القانون
المطلب الثاني :شروط تطبيق القاعدة
ان الشخص ال يمكن أن يدعي بجهله للقانون اال إذا كان القانون المراد تطبيقه على ذلك
الشخص موجودا وساري المفعول ،وقد وضع المشرع إجراءات خاصة تصبح بمقتضاها
القوانين سارية المفعول ،وتتمثل هذه اإلجراءات على العموم في اصدار القوانين في مرحلة
.أولى ،ثم نشرها في الجريدة الرسمية في مرحلة ثانية
الفرع ألول :االصدار ينشأ القانون
ينشأ القانون بإصداره ،حيث تنص المادة 148من الدستور على أنه" يصدر رئيس
...".الجمهورية القانون في أجل ثالثين ( )30يوما ،ابتداء من تاريخ تسليمه إياه
فاإلصدار هو اجراء يتخذه رئيس الجمهورية ،وعن طريق هذا االجراء الذي يفرغ في شكل
مرسوم –مرسوم اصدار -يكتسب القانون قوته التنفيذية ،فيصبح قابال للتنفيذ في مواجهة
.كافة الناس ،ومن خالل هذه العملية يعطى للقانون تاريخ ورقم
وهكذا يعد اإلصدار أول اجراء لتطبيق القانون ،ولقد حدد المشرع أجل بثالثين يوما ليقوم
رئيس الجمهورية بإصدار القوانين ،غير أن عدم احترام هذا األجل ال يترتب عليه أي أثر،
.وبالتالي فاذا لم يقم رئيس الجمهورية بإصدار القوانين فال وجود لها
ونشير في هذا الصدد ان اصدار القوانين يقتصر على التشريع الذي تضعه السلطة
التشريعية ،وكذلك الدستور ،دون القوانين الصادرة عن السلطة التنفيذية من تنظيمات
.مستقلة وتنظيمات تنفيذية وحتى األوامر
الفرع الثاني :الزامية القانون بنشره
تنص المادة 04من القانون المدني على أن ":تطبيق القوانين في تراب الجمهورية
الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من يوم نشرها في الجريدة الرسمية...تكون نافذة
المفعول بالجزائر العامة بعد مضي يوم كامل من تاريخ نشرها وفي النواحي األخرى في
نطاق كل دائرة بعد مضي يوم كامل من تاريخ وصول الجريدة الرسمية الى مقر الدائرة
".ويشهد على ذلك ختم الدائرة الموضوع على الجريدة
وعليه يتضح أن النشر هو الوسيلة المعتمدة من قبل المشرع لمخاطبة أفراد لمجتمع ،وتتم
.عملية النشر بواسطة جريدة خاصة ومعدة لهذا الغرض ،أال وهي الجريدة الرسمية
وبمجرد نشر القوانين في الجريدة الرسمية ومضي المدة المحددة في المادة 04مدني
.المذكورة أعاله ،تصبح هذه القوانين الزامية ،تسري في مواجهة كل الناس
ان الغرض من اعداد جريدة خاصة لنشر القوانين هو إعطاء الصبغة الرسمية للقوانين من
.حيث مضمونها ،ومن حيث الزامها
ونظرا لعدم كفاية وسيلة النشر في الجريدة الرسمية لوحدها ،اذ ال يمكن الحصول على
الجريدة الرسمية اال عن طريق االشتراك ،أو عند طلبها من المطبعة الرسمية ،األمر الذي
يجعلها ليست في متناول الجميع ،لذلك كثيرا ما يقوم رجال االعالم والجمعيات المهنية أو
الحرفية وغيرها تدارك هذه النقائص عن طريق نشر القوانين في المجالت المهنية أو
الحرفية أو المتخصصة ليتمكن القراء من االطالع عليها ،عالوة على ذلك تلجأ السلطات
العامة -السيما بخصوص القوانين ذات األهمية القصوى – الى الوسائل السمعية البصرية،
ومع ذلك فان هذه الوسائل ال تقوم مقام الجريدة الرسمية ،حيث نشر القانون بموجبها ال يفيد
وجود القانون ،وال يمكن االحتجاج به وال مضمونه ،وال يغني عن نشر القانون في الجريدة
.الرسمية
ويشمل اجراء النشر كل من :الدستور ،والتشريع الصادر عن السلطة التشريعية ،واألوامر
.والتنظيمات المستقلة والتنفيذية والمقررات Zالوزارية
يصبح القانون بعد نشره في الجريدة الرسمية ملزما بالنسبة لكل أفراد المجتمع ،وال يمكن
ألي كان أن يدفع بجهله لذلك القانون ،فاذا تحقق شرط نشر القانون في الجريدة الرسمية،
.فان قاعدة "ال يعذر بجهل القانون" تطبق بدون مناقشة
"المطلب الثالث :مجال قاعدة "ال يعذر بجهل القانون
.تشمل قاعدة "ال يعذر بجهل القانون" كل القواعد القانونية مهما كان مصدرها ،أو طبيعتها
الفرع األول :مصادر القواعد القانونية
ان قاعدة " ال يعذر بجهل القانون" ال يقتصر مجالها على التشريع فحسب ،بل تطال أيضا
قواعد الشريعة اإلسالمية ،والقواعد العرفية ،وذلك بالرغم من أن هذه القواعد ال تخضع
إلجراء النشر في الجريدة الرسمية ،فاعرف ينشأ من خالل تكرار واعتياد الناس على اتباع
سلوك معين حتى يصبح مشهورا ومعروف لدى كافة الناس مع اعتقادهم وشعورهم بإلزامية
اتباع هذا السلوك ،وعليه ال يمكن أن يعذر األشخاص بجهلهم للقواعد العرفية ،وبالنسبة
لقواعد الشريعة اإلسالمية ،فقد أجمع فقهاء المسلمين على أنه" ال يقبل في دار اإلسالم عذر
الجهل بالحكم الشرعي" ،فال يعذر المسلم بجهله ألصول الشريعة اإلسالمية دون المسائل
.التفصيلية ،كما ال يعذر المسلم بجهله ألحكام القران الكريم والسنة التي انعقد االجماع عليها
الفرع الثاني :طبيعة القاعدة القانونية2
اختلف الفقهاء في مسألة طبيعة القواعد القانونية التي تشملها قاعدة ال يعذر بجهل القانون،
حيث كان البعض يرى ان هذه القاعدة تعني لقواعد االمرة دون المكملة ،وهناك من يرى
أنها تقتصر على بعض القواعد القانونية االمرة فقط ،أي قواعد القانون الجنائي ،في حين
قال البعض أن مجال تطبيق هذه القاعدة ال يكون اال حيث توجد أحكام قانونية تعتبر من
.النظام العام ،التي يجب على جميع الناس مراعاتها ،وال يجوز ألحد ان يخل بها
ولكن يرجح أن قاعدة" ال يعذر بجهل القانون" تشمل كل القواعد القانونية أيا كانت طبيعتها،
.سواء كانت امرة أو مكملة
فالقواعد المكملة شأنها شأن القواعد االمرة هي قواعد ملزمة ،ومن ثمة ليس هناك ما يبرر
.استبعادها من مجال هذه القاعدة
"المطلب الرابع :االستثناءات الواردة على قاعدة "ال يعذر بجهل القانون
الفرع األول :الغلط في القانون
طبقا للمادة 83من القانون المدني يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط في القانون ان يتمسك
ببطال العقد ،وقد اختلف الفقه في تكييف هذا الحكم ،حيث كيفه بعض الفقهاء أنه يعد استثناء
من قاعدة "ال يعذر بجهل القانون" ،الن الغلط الذي وقع فيه الشخص يستند الى جهله
لقانون ،ويمكنه اإلفالت من القاعدة القانونية ،في حين يرى جانب اخر من الفقه أن الغلط
في القانون ال يعتر استثناء من القاعدة ،حيث أن الشخص الذي يدعي الغلط في لقانون ل
يريد التملص من تطبيقه بل يطالب بالتطبيق الصحيح ألحكامه ،فاذا التزم وارث بتسديد
ديون المورث مثال ثم يدعي وقوعه في غلط في القانون لكونه يجهل أنه غير ملزم بذلك
طبقا ألحكام قانون االسرة ،فانه ال يريد التملص من تطبيق القانون ،وانما يتمسك بالتطبيق
.الصحيح له
الفرع الثاني :القوة القاهرة
يعتبر العديد من الفقهاء أن استحالة علم الشخص بوجود القانون بسبب قوة قاهرة حالت دون
وصول الجريدة الرسمية الى مناطق معينة من إقليم الدولة ،هو استثناء من قاعدة " ال يعذر
بجهل القانون" ،حيث يجوز في هذه الحالة االعتداد بجهل القانون ،ونشير في هذه الحالة أن
استبعاد القاعدة القانونية يرجع الى تخلف شرط من شروط سريان القانون ،والمتمثل في
انقضاء أجل يوم كامل من وصول الجريدة الرسمية الى الدائرة ،فاذا لم تصل الجريدة
.الرسمية الى مقر الدائرة ألي سبب كان ،فال يسري ميعاد دخولها حيز التنفيذ
أما إذا وصلت الجريدة الرسمية الى مقر الدائرة ،فانه ال يعذر بجهل القانون ولو كانت هناك
.قوة قاهرة حالت دون اطالع المواطنين Zعليها
الفرع الثالث :الجهل بقانون غير جنائي في المسؤولية الجنائية
قد يترتب عن الجهل بقاعدة قانونية غير جنائية رفع المسؤولية الجنائية ،ومثال ذلك اتجاه
القضاء الفرنسي الى الحكم على شخص ،يعثر على كنز في أرض الغير ويستولي عليه كله
لنفسه ،بالبراءة من تهمة االختالس عندما تبين من جهل المتهم لقاعدة من قواعد التقنين
.المدني الفرنسي التي تمنحه الحق في ملكية نصف الكنز ومالك األرض النصف االخر
ويرى بعض الفقهاء أن نفي المسؤولية الجنائية في هذه الحاالت ال يستند الى قاعدة الجهل
.بالقانون ،بل مرد ذلك هو انتفاء القصد الجنائي الذي هو ركن من أركان المسؤولية الجنائية
فالشخص الذي عثر على كنز في أرض الغير واستولى عليه كله وهو يجهل أن القانون
المدني ال يملكه اال نصف الكنز ،ويعود النصف االخر لصاحب األرض ،وال يعاقب وال
يسأل جنائيا كمختلس أو سارق للنصف الذي يعود لصاحب األرض ،ألن القصد الجنائي
الذي هو ركن من أركان فعل االختالس أو السرقة غير متوفر ،وال نكون عندئذ بصدد
استثناء من قاعدة " ال يعذر بجهل القانون" ،خاصة وأن جهل أحكام القانون المدني ال يمنع
.من إلزام الشخص الذي لم يسأل جنائيا برد النصف الثاني للكنز لصاحب األرض
وهناك من يرى أنه مهما كان سبب انتفاء المسؤولية الجنائية ،فال نزاع في أن المتهم قد
تمسك في دفعه للمسؤولية الجنائية بجهله للقانون ،ومن ثمة فان مثل هذه الحالة تعتبر
.استثناء من القاعدة
المبحث الثاني :تطبيق القانون من حيث المكان
المطلب األول :المبادئ المنظمة لتطبيق القانون مكانيا
ان تطبيق القانون من حيث المكان يقوم على مبدأين أساسيين هما :مبدأ إقليمية
.القوانين ،ومبدأ شخصية القوانين
الفرع األول :مبدأ إقليمية القوانين principe de la territorialité des
lois
وفقا لهذا المبدأ يقتصر تطبيق قانون كل دولة على اقليمها لسيادتها على اقليمها.
-1المقصود بهذا المبدأ
يقصد بمبدأ إقليمية القوانين أن قانون كل دولة يسري داخل حدود اقليمه ،أي أن قوانين
الدولة تطبق على كل الوقائع ،من أفعال أو أقوال أو أحداث أو غيرها ،وعلى كل التصرفات
القانونية التي تقع داخل حدود اقليمها ،كما يسري القانون على كل األشخاص المتواجدين
داخل هذا اإلقليم سواء أكانوا مواطنين أم أجانب ،فالمعيار اذن هو التراب الوطني وما
يشمل من مجال جوي ومجال بحري...الخ Z،ووفقا لهذا المبدأ وبمفهوم المخالفة فان قانون
الدولة ال يسري على رعاياها المتواجدين خرج حدود الوطن ألي سبب كان ،وال يسري
كذلك على كل ما يقع خارج إقليم الدولة ولو كان المتسبب في ذلك هم رعاياها طالما هم
يتواجدون في لخارج.
-2أساس المبدأ
ظهر هذا المبدأ مع ظهور مبدأ سيادة الدولة ،فهو يعبر عن سيادة الدولة وسلطانها على
اقليمها ،فال وجود للدولة اال بوجود اإلقليم وهو ركن من أركانها ،ونظرا لما للدولة من
سيادة على اقليمها فلها أن تفرض ما تشاء على ما يجري داخل حدودها من القوانين ،حيث
يعتبر تطبيق قانون أجنبي على ما يجري في التراب الوطني تعديا على السيادة الوطنية.
غير أن تطبيق قانون البلد على األجانب يعتبر في نفس الوقت مساسا بسيادة الدولة األجنبية
على رعاياها ،كما أن قصر قانون الدولة على ما يجري داخل حدود اقليمها فحسب تخليا
للدولة عن سيادتها على رعاياها المتواجدين خارج حدود اقليمها.
الفرع الثاني :مبدأ شخصية القوانين principe de la personnalité des lois
يطبق قانون كل دولة وفقا لهذا المبدأ على مواطنيها نظرا لسيادتها على رعاياها.
-1المقصود بهذا المبدأ
يقصد بهذا المبدأ أن قانون الدولة يطبق على رعاياها أين ما وجدوا دون غيرهم ،فالقاون
الجزائري مثال يطبق على كل الجزائريين والجزائريات سواء أكانوا متواجدين داخل اإلقليم
الجزائري أو في بلد أجنبي ،فالعبرة في مبدأ شخصية القوانين هي بجنسية الشخص بغض
النظر عن مكان تواجده ،فطالما أنه ينتمي الى بلد معين تطبق عليه قوانين ذلك البلد بصرف
النظر عن مكان تواجده ،وبمفهوم المخالفة ال يطبق قانون الدولة على األجانب المتواجدين
على اقليمها.
-2أساس هذا المبدأ
يستند هذا المبدأ على سيادة الدولة على رعاياها ،حيث يعتبر رعايا الدولة أو شعبها ركن
من أركان الدولة ،اذ ال وجود للدولة بدون شعب ،وال وجود لشعب بدون دولة.
وبالتالي يعتبر تطبيق قانون أجنبي على المواطن اعتداء على سيادة الدولة التي ينتمي اليها
هذا المواطن ،خاصة إذا كان هذا القانون مخالفا للنظام العام واألداب العامة ،وينحصر
مجال هذا المبدأ في القوانين المتعلقة باألحوال الشخصية الرتباط هذه لمسائل بالشخص،
وكذا قوانين التجارة الدولية.
الفرع الثالث ،موقف المشرع
تبعا لما تقدم ذكره يتضح جليا أنه ال يمكن األخذ بأحد المبدأين دون االخر ،واال سيترتب
نتائج غير مقبولة ،فاذا اخذنا بمبدأ إقليمية القوانين لوحده ،سيؤدي الى تطبيق قانون األسرة
الجزائري على األجانب ،في حين األجنبي ال يرتاح لتطبيق قانون غير مألوف وغير
معروف لديه خاصة القوانين المتعلقة باألحوال الشخصية التصالها بشخص االنسان
وأسرته ،وإذا أخذنا بمبدأ شخصية القوانين فقط فقد يترتب عن ذلك التطبيق على األجنبي
قانون بلده مع أن أحكامه مخالفة للنظام العام وحسن اآلداب السائدين في بلد اقامته.
ان مبدأ شخصية القوانين ظهر في مرحلة الحقة على ظهور مبدأ إقليمية القوانين ،تماشيا
مع تطور العالقات بين الدول ،وبالتالي فال مانع من األخذ بالمبدأين ،حيث يكون أحدهما
مكمال لآلخر ،للتوفيق بين فكرة سيادة الدولة على ترابها ،وسيادة الدولة على رعاياها ،وهذا
هو الحل الذي اتجهت اليه جل التشريعات ،حيث يكون األصل فيها هو مبدأ إقليمية القانون
واالستثناء هو مبدأ شخصية القانون.
ويستخلص موقف المشرع الجزائري من نص المادة الرابعة فقرة واحد من القانون المدني
التي تنص ":تطبق القوانين الجزائرية في تراب الجمهورية 2الجزائرية 2الديمقراطية 2الشعبية2
ابتداء من يوم نشرها في الجريدة الرسمية ،"...اي أن المشرع بمقتضى هذه المادة يشير الى
األخذ بمبدأ اقليمية القوانين ،كما تنص المادة الثالثة من قانون العقوبات على أنه ":يطبق
قانون العقوبات على كافة الجرائم التي ترتكب في أراضي الجمهوريةZ."...
أما الحاالت التي تخضع لمبدأ شخصية القوانين ،فقد تناولها المشرع في الفصل الثاني من
االب األول ،الكتاب األول من القانون المدني تحت عنوان " تنازع القوانين من حيث
المكان" ،وهي الحاالت التي تتضمن عنصرا أجنبيا ،كأن يكون أحد اطراف العالقة أجنبيا،
أو تكون الواقعة أو لتصرف حصل في بلد أجنبي ،وفي هذا الشأن تخضع المسائل المتعلقة
باألحوال الشخصية لمبدأ شخصية القوانين ،فتنص المادة 10مثل ":تسري القوانين المتعلقة
بالحالة المدنية لألشخاص وأهليتهم على الجزائريين ولو كانوا مقيمين في بالد أجنبية" ،أي
يطبق قانون البلد الذي ينتمي اليه الشخص بغض النظر عن مكان تواجده ،وهذا عمال بمبدأ
شخصية القوانين.
الفرع الرابع :االستثناءات الواردة على المبدأين (التطبيق العيني)
هناك حاالت في قانون العقوبات تخرج عن نطاق المبدأين المذكورين أعاله ،حيث تنص
المادة 588من قانون اإلجراءات الجزائية ":كل أجنبي ارتكب خارج اإلقليم الجزائري
بصفة فاعل أصلي أو شريك جناية أو جنحة ضد سالمة الدولة الجزائرية أو تزيفا لنقود أو
أوراق مصرفية وطنية متداولة قانونا بالجزائر تجوز متابعته ومحاكمته وفقا ألحكام القانون
الجزائري إذا ألقي القبض عليه في الجزائر أو حصلت الحكومة على تسليمه لها".
وعليه يالحظ من خالل هذه المادة أن الفعل المعاقب عليه لم يقع داخل إقليم الدولة
الجزائرية لذا فال مجال لتطبيق مبدأ إقليمية القوانين ،كما ال يمكننا االستناد لمبدأ شخصية
القوانين لكون الفاعل ال يحمل الجنسية الجزائرية ،لذلك نكون بصدد ما يسمى التطبيق
العيني لقانون العقوبات ،وهكذا فان القانون الجزائري يطبق على أجنبي بسبب فعل وقع
خارج اإلقليم ،غير أن الفعل المجرم يمس بالدولة الجزائرية ،ويستند هذا الحل االستثنائي
الى تجاهل الدولة التي وقعت فيها مثل هذه األفعال وعدم اكتراثها ألنها ال تعنيها أو لكونها
تستفيد منها ،وقد يكون لها يد فيها كالتجسس مثال ،وبالتالي يبقى مرتكب الفعل دون عقاب،
في حين هذه األفعال تمس بالمصالح العليا والرئيسية للدولة الجزائرية.
المبحث الثالث :تطبيق القانون من حيث الزمان
ان تطبيق القانون مقيد من حيث الزمان ،اذ يطبق في فترة زمنية محددة لها بداية ونهاية،
غير أن تعاقب القوانين قد يكون سببا في تنازعها من حيث النطاق الزمني الذي تمتد اليه
أحكام كل منها.
ويقتضي احتمال تنازع القوانين وجود قوانين متعاقبة زمنيا ومعالجة لنفس المسألة ،بحيث
يلغي بعضها البعض ،أي أن القانون الالحق يلغي القانون السابق ،وهذا من شأنه ان يؤدي
الى اثارة نزاع بين بداية سريان القانون الجديد ونهاية سريان القانون القديم ،ولحل هذا
النزاع وضع المشرع حكما يستخلص من نص المادة الثانية من القانون المدني التي تنص":
ال يسري القانون اال على ما يقع في المستقبل وال يكون له أثر رجعي ،"...وهو نفس الحكم
الذي تضمنته المادة الثانية من القانون المدني الفرنسي والذي يعرف بمبدأ عدم رجعية
القوانين ،غير أنه من الناحية العملية تبين أن مبدأ عدم رجعية القوانين -الذي يقضي بعدم
سريان القانون على ما حدث قبل صدوره -غير كاف ،اذ يجب منع استمرار سريان القانون
القديم بعد بداية سريان القانون الجديد ،فاستخلص مبدأ ثاني يتمثل في مبدأ األثر الفوري و
المباشر للقانون الجديد ،وعليه فان تطبيق القانون من حيث الزمان يخضع لمبدأين أساسيين
هما :مبدأ عدم رجعية القوانين ،ومبدأ األثر الفوري أو المباشر للقانون الجديد.
المطلب األول :مبدأ عدم رجعية القوانين La non-rétroactivité des lois
ان مبدأ عدم رجعية القوانين يعني ان القانون الجديد ال يسري على الماضي ،اال ان هذا
المبدأ ترد عليه بعض االستثناءات نتطرق اليها في االتي:
الفرع األول :مضمون المبدأ
يقصد بهذا المبدأ أن القانون ال يطبق على الوقائع واألوضاع القانونية المختلفة التي نشأت،
أو حصلت ،أو تحققت قبل دخوله حيز التنفيذ ،أي ال سلطان للقانون الجديد على األوضاع
التي حدثت قبل نفاذه ،بل يحكمها القانون القديم سواء أكان تشريعا أو عرفا أو غير ذلك،
وبعبارة أخرى ال يطبق القانون الجديد اال على ما وقع في ظل سريانه ،أي كل ما يحدث
من يوم نفاذه الى يوم الغائه.
ان عدم الرجعية قاصر على المراكز القانونية التي تنشأ وتنقضي في ظل نفس القانون ،أي
أنه يتعلق بالمراكز القانونية التي ال تمتد من حيث نشأتها وانقضائها اال في ظل قانون
واحد ،بمعنى أن القانون الذي نشأت تحت سلطانه ال يزال ساري المفعول وقت انقضائها،
فاذا نشأت هذه المراكز وانقضت في ظل القانون القديم فإنها تخضع لسلطانه ،وإذا نشأت
بعد الغائه فإنها تخضع للقانون الجديد.
الفرع الثاني :أسس المبدأ
يستند هذا المبدأ الى العديد من االعتبارات نذكر منها العدل ،والثقة ،واستقرار المعامالت،
والمنطق ،فالعدل يقتضي أال ينصرف القانون الى الوقائع السابقة عن تاريخ نفاذه ،فال
يتصور أن يقوم الناس بتنظيم أمورهم وفقا لطريقة معينة ثم يأتي قانون الحق يقضي
بخالف هذا التنظيم ،فمطالبة الناس باحترام قانون لم يوجد بعد أمر مخالف لما يقتضيه
العدل.
ثم ان تطبيق القانون بأثر رجعي يؤدي الى انعدام الثقة ،حيث يصبح الناس مهددين بضياع
حقوقهم بسبب رجعية القوانين الجديدة ،كما تؤدي هذه األخيرة الى زعزعة استقرار
المعامالت ،اذ تطبيق القانون بأثر رجعي يمس بالحقوق المكتسبة والمراكز القانونية ،ومن
المنطق أيضا أال يسري القانون الجديد على الماضي ،اذ ال يمكن أن نشترط نشر القانون في
الجريدة الرسمية ومرور يوم كامل من نشره حتى يكتسب قوة تنفيذية من جهة ،ونطبقه بأثر
رجعي من جهة ثانية ،فالقانون هو عبارة عن خطاب موجه للناس حتى يتبعوا سلوك معينا،
فكيف يتبع هذا السلوك قبل وجود القانون؟
الفرع الثالث :االستثناءات الواردة على هذا المبدأ
ترد على مبدأ عدم رجعية القوانين بعض االستثناءات ،بحيث يجوز تطبيق القانون الجديد
فيها بأثر رجعي ،وتتمثل هذه االستثناءات في االتي:
-1القوانين الجنائية األصلح للمتهم La loi la plus douce
يجوز تطبيق القوانين الجنائية الجدية بأثر رجعي إذا كان تطبيقها أصلح للمتهم ،كأن تقرر
محو الجريمة أو كانت تخفف من العقاب ،فتنص لمادة الثانية من قانون العقوبات ":ال
يسري قانون العقوبات على الماضي اال ما كان منه أقل شدة".
وقد يكون القانون الجديد أصلح للمتهم من حيث الجريمة أو من حيث العقوبة ،ويكون
لصالح المتهم من حيث الجريمة في حالة اباحة السلوك الذي كان مجرما ومعاقبا عليه
سابقا ،أو التخفيف من جسامة الفعل ،كأن يصبح الفعل المنسوب للمتهم جنحة بعد ما كان
يعتبر جريمة في القانون القديم ،أو أضاف القانون الجديد ركنا جديدا في الجريمة ،أو ألغى
ظرفا مشددا ،أو أضاف سببا من أسباب االباحة ،أو مانعا من موانع المسؤولية...الخZ.
ويكون القانون الجديد أصلح للمتهم من حيث العقوبة ،إذا أصبحت العقوبة المقررة في
القانون الجديد أخف من العقوبة المقررة في القانون القديم ،كأن تصبح العقوبة عقوبة جنحة
بعد ما كانت عقوبة جناية ،أو تصبح العقوبة سجنا بعدما كانت اعداما...الخZ.
-2النص الصريح على رجعية القوانين
ان مبدأ عدم رجعية القوانين هو مبدأ يقيد القاضي دون المشرع ،حيث للمشرع الحق في أن
يجعل سريان القانون الجديد على الماضي حتى ولو تعلق األمر بحق مكتسب ،ويقصد
المشرع في ذلك تحقيق مصلحة عامة ،والنص على رجعية القوانين ال يكون اال على سبيل
االستثناء ،واالستثناء ال يرد اال بنص صريحZ.
-3القوانين التفسيرية2
ويقصد بها القوانين التي يكون الغرض منها توضيح قصد المشرع فيما اختلف فيه القضاء
بتفسيره ،فتنطبق هذه القوانين بأثر رجعي ألنها تعتبر جزءا من التشريع المراد تفسيره
وتوضيحه ،وبالتالي يلتزم القاضي بتطبيق هذه القوانين التفسيرية الى الدعاوى التي ما
زالت لم يحكم بها ،أما الدعاوى التي سبق الفصل فيها قبل صدور التشريع التفسيري بأحكام
نهائية فال يجوز تطبيق التشريع التفسيري عليها ،ألن ذلك يتعارض مع قوة األمر المقضي
به التي حازت عليها األحكام.
ان مبدأ عدم رجعية القوانين كما سبق اإلشارة اليه أعاله يقتصر فقط على المراكز القانونية
التي تنشأ وتنقضي في ظل نفس القانون ،أما بخصوص األوضاع أو المراكز القانونية التي
تمتد الى نطاق قانونين متعاقبين ،كأن تنشأ قبل الغاء القانون القديم ،ولكن ال ترتب اثارها
اال في وقت الحق ،أي بعد الغائه ودخول القانون الجديد حيز التنفيذ ،فان الرجوع الى مبدأ
عدم رجعية القوانين غير مجد ،اذ يعالج هذا األخير الجانب السلبي لتنازع القوانين دون
اإليجابي ،اذ يمنع التطبيق الرجعي للقانون الجديد ،دون االثار المستقبلية التي ترتبها
المراكز القانونية الماضية بعد نفاذ القانون الجديد
فما هو الحل اذن بالنسبة لألوضاع التي تمتد في ظل القانون القديم والقانون الجديد معا؟
ان مبدأ عدم رجعية القوانين ال يستطيع بمفرده معالجة مختلف األوضاع المترتبة على
تعاقب القوانين ،األمر الذي سمح بظهور مبدأ اخر هو مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد.
المطلب الثاني :مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد L’effet immédiat
ان مبدأ عدم رجية القوانين ال يكفي لحل التنازع بين القوانين ،وانما يحتاج الى مبدأ اخر
يكمله وهو مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد الذي جاء ليعالج األوضاع التي تمتد في ظل
القانون القديم والقانون الجديد ،وسوف نتناول في هذا الشأن مضمون هذا المبدأ وأساسه
ومجاله.
الفرع األول :مضمون المبدأ
يعتبر الفقيه األلماني سافيني رائد فكرة األثر الفوري والمباشر للقانون الجديد ،وقد تبناها
الفقه الفرنسي روبي Roubierواتبعه فيما بعد معظم الفقهاء.
ويقصد بهذا المبدأ أن كل تشريع جديد يطبق فورا ابتداء من تاريخ سريانه أي وقت نفاذه،
فاذا كان القانون الجديد ال يسري على ما تم قبل دخوله حيز التطبيق عمال بمبدأ عدم رجعية
القوانين ،فانه ال يمكن للقانون القديم أيضا أن يستمر سريانه بعد صدور القانون الجديد،
حيث يسري القانون الجديد وحده على كل ما تم أو يتم بعد دخوله حيز التنفيذ ،وهذا هو
األثر الفوري أو المباشر للقانون الجديد ،أي يطبق حاال وفورا وقت نفاذه.
ويسري القانون الجديد على ما يقع بعد نفاذه ولو كان ذلك ناتجا على واقعة أو وضع قانوني
سابق عن دخول هذا القانون حيز التنفيذ ،ويخض لسلطان القانون الجديد األوضاع أو
المراكز القانونية التي نشأت بعد نفاذه ولو بدأ تكوينها قبل ذلك ،كذلك يمتد نطاق القانون
الجديد ،على كل االثار التي تترتبت بعد نفاذه على المراكز القانونية التي تكونت أو بدأ
تكوينها في ظل القانون القديم.
ولزيادة إيضاح تطبيق مبدأ األثر الفوري أو المباشر للقانون ،سنبين مجال هذا المبدأ في
االتي:
الفرع الثاني :حدود هذا المبدأ
يقتصر مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد على المراكز القانونية الجارية ،أي تلك المراكز
التي تنشأ في ظل القانون القديم وترتب اثارها في ظل القانون الجديد ،أو ذلك الوضع الذي
اكتملت بعض عناصره في ظل القانون القديم ،واكتملت بعض عناصر تكوينه في ظل
القانون الجديد ،أو ذلك المركز القانوني الذي اكتمل تكوينه وبدأ يرتب اثاره في ظل القانون
القديم واستمر ترتيب اثاره في ظل القانون الجديد.
-1القانون الجديد يحكم العناصر المتبقية لتكوين المركز القانوني 2أو انقضاء
ينطبق القانون الجديد على ما يقع بعد نفاذه من عناصر تكوين أو انقضاء المراكز القانونية
التي بدأت في ظل القانون القديم ،أما العناصر التي تمت في ظل القانون القديم فتظل
خاضعة له وال يسري عليها القانون الجديد وفقا لمبدأ عدم رجعية القوانين ،فالوصية مثال
تمر بعدة مراحل متتالية ،غير انها منفصلة عن بعضها البعض ،اذ يجب بداية أن يقوم
الوصي بتحرير الوصية ،وله في مرحلة ثانية الحق في الرجوع عنها ،وبعد وفاة الوصي،
وفي مرحلة ثالثة ،يتعين قبول الوصية من قبل الموصى له ،وقد تتم مرحلة ما في ظل
القانون القديم ،وتتم المرحلة الموالية بعد دخول القانون الجديد حيز التنفيذ ،فاذا صدر
القانون الجديد معدال من قيمة الوصية من الثلث الى الربع مثال قبل وفاة الوصي ،فان
القانون الجديد ينطبق ،ألن استحقاق الوصية يتوقف على وفاة الموصي وهذا ما وقع بعد
نفاذ القانون الجديد ،أما اذا كان القانون الجديد يحدد شكال جديدا لصحة االيصاء ،وصدر
بعد ابرام الوصية ،فان القانون الجديد ال ينطبق على أساس اكتمال العنصر Zالقانوني الذي
يتعلق بوجود وصية صحيحة ،وانما تخضع للقانون القديم ،وعليه تخضع المراكز القانونية
للقانون القديم بالنسبة لما تم في ظله عمال بمبدأ عدم رجعية القوانين ،وتخضع للقانون
الجديد ما تبقى من مراحل تكوينها أو انقضائها عمال باألثر الفوري للقانون الجديد.
-2القانون الجديد يحكم اثار المراكز القانونية 2التي تكونت أو بدأ تكوينها في ظل القانون
القديم
إذا كان المركز القانوني قد اكتمل تكوينه في ظل القانون القديم غير أنه لم يرتب اثاره اال
بعد دخول القانون الجديد حيز التنفيذ ،فان القانون الجديد هو الذي يسري على هذه االثار،
كما تخضع للقانون الجديد االثار التي بدأ ترتيبها في ظل القانون القديم واستمرت في ظل
القانون الجديد ،وفي هذه الحالة األخيرة فان االثار التي تحققت في ظل القانون القديم يخضع
لهذا القانون عمال بمبدأ عدم رجعية القوانين ،في حين تخضع االثار التي استمرت في ظل
القانون الجديد الى هذا األخير عمال بمبدأ األثر الفوري للقانون الجديد.
المطلب الثاني :أساس مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد
يستند هذا المبدأ الى ضرورة Zتوحيد القانون وتجنب ازدواجية القانون الذي يحكم المراكز
القانونية المتماثلة ،فاذا استمر مثال سريان القانون القديم على االثار المستقبلية للمراكز
القانونية التي نشأت في ظله ،فان ذلك سيؤدي الى تطبيق قانونين مختلفين على مراكز
قانونية مماثلة ،باعتبار أن المراكز القانونية الجديدة تخضع لسلطان القانون الجديد ،وتفاديا
لهذه االزدواجية يجب تطبيق القانون الجديد فورا على كل المراكز القانونية المتماثلة،
واستبعاد القانون القديم.
ومن مبررات مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد ،أن هذا األخير يكون في األغلب أفضل
وأكمل من القانون القديم ،اذ يساير ويواكب المعطيات الجديدة للمجتمع ،لذا يجب تطبيقه
على الفور واستبعاد القانون القديم.
كما أن مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد هو مبدأ مكمل لمبدأ عدم رجعية القوانين ،فكل
منهما يعالج جانبا لمسألة تنازع القوانين
المطلب الثالث :االستثناء الوارد على هذا المبدأ (األثر المستمر 2للقانون القديم)
يرد على مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد استثناء ،حيث قد يستمر تطبيق القانون القديم
حتى بعد نفاذ القانون الجديد ،وذلك على جميع االثار التي ترتبها المراكز العقدية التي
تكونت في ظل القانون القديم ،أي أن مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد يقتصر على االثار
المستقبلية للمراكز القانونية 2المنظمة دون المراكز العقدية ،حيث نشير في هذا الشأن أن
هناك نوعان من المراكز القانونية :مراكز قانونية منظمة 2مصدرها القانون ،ومراكز قانونية
عقدية والتي تنشأ عن العقد.
ويقتصر مبدأ األثر المستمر للقانون القديم la survie de la loi ancienneعلى المراكز
القانونية الناتجة على العالقات العقدية الجارية ،أي المراكز التي تكونت بموجب عقود في
ظل القانون القديم وظلت قائمة ومنتجة آلثارها بعد نفاذ القانون الجديد بشرط أن تكون
بصدد عقود يكون فيها سلطان اإلرادة واضحا ،ويخاطب القانون بقواعده المنظمة لها
االفراد بوصفهم متعاقدين فقط ،وال يشمل هذا االستثناء العقود التي تكون في شكل نظام
قانوني يستقل القانون بتحديد قواعده ،وال مكانة لسلطان اإلرادة فيها نظرا ألن أحكامه تهم
الكافة ،على الرغم من أن المركز القانوني ال ينشأ اال بناء على عقد من العقود ،فمثل هذا
المركز يكون موحدا بالنسبة لجميع األفراد ،ومن ثم تتوافر الحكمة من تقرير األثر الفوري
للقانون الجديد ،كما هو الشأن بالنسبة لعقود الزواج والملكية مثال فهما نظامان قانونيان
موحدان بالنسبة للجميع ،وبالتالي يجب تطبيق القانون الجديد وذلك لتوحيد القانون الذي
يخضعان له ،الن دور االرادة فيهما يقتصر في الدخول في احدهما ،كقبول الزواج ،أو
انشاء الحق العيني أو نقله او انقضائه،
أما المركز العقدي فيراد به المركز القانوني الذي يترك القانون تنظيمه إلرادة األفراد،
وذلك نظرا الى أن أحكامه تهم المتعاقدين دون غيرهم ،وفي ضوء هذه االعتبارات فان
استمرار تطبيق القانون القديم يحفظ التوازن Zالذي ارتضاه المتعاقدان ورغبا فيه.
وقد اختلف الفقه في تكييف هذا المبدأ ،حيث يعتبره البعض أنه استثناء على مبدأ األثر
المباشر للقانون الجديد ،في حين يرى البعض االخر أنه مبدأ مستقل وله مجا معين وهو
اثار المراكز العقدية الجارية.
وعلى العموم فان األثر المستمر للقانون القديم ال يطبق بصفة مطقة ،وانما هو مقيد كما
سيتم تبيانه أدناه:
لقد اقترح الفقهاء معايير لتحديد مجال األثر المستمر للقانون القديم تتمثل في :معيار يستند
الى التمييز بين العقود ذات النظام القانوني والعقود ذات النظام التعاقدي ،معيار النظام
العام ،ومعيار طبيعة القاعدة القانونية ،ومعيار توحيد النظام القانوني.
-1العقود ذات النظام القانوني والعقود ذات النظام التعاقدي
يقصد بالعقود ذات النظام القانوني تلك العالقات التي تنشأ عن العقد وبإرادة المتعاقدين،
غير أن القانون هو الذي يتولى تنظيمها وتحديد مضمونها ،كعقد العمل وعقد الزواج.
أما العقود ذات النظام التعاقدي فيقصد به تلك العالقات التي يترك تنظيمها وتحديدها
للمتعاقدين ،بحيث يكون إلرادتهما دور كبير ،فهي التي تنشئ العالقة وتتولى تنظيمها
وتحديد مضمونها ،لذلك فان استمرار تطبيق القانون القديم يحفظ التوازن الذي ارتضاه
المتعاقدان ورغبا فيه.
غير أنه يعاب على هذا المعيار صعوبة تطبيقه ،نتيجة لتراجع مبدأ سلطان اإلرادة ،نظرا
للتطورات التي عرفها المجتمع في كل المجاالت ،والتزايد المستمر لتدخل المشرع في
العالقات العقدية ،وبناء عليه تم اقتراح معيار اخر هو معيار النظام العام.
-2معيار النظام العام
يرى جانب من الفقه أن مبدأ األثر المستمر للقانون القديم مقيد بالنظام العام ،بمعنى انه إذا
كان القانون الجديد يتعلق بالنظام العام فيطبق فورا على المراكز القانونية العقدية ،استنادا
الى فكرة تغليب المصلحة الوطنية على حماية المتعاقدين حيث يستبعد األثر المستمر للقانون
القديم في هذه الحالة كونه قد يكون عائقا لإلصالحات التي جاء بها القانون الجديد.
ولكن يعاب على هذا المعيار أن تحديد النظام العام أمر صعب ،خاصة أنه في تطور
واتساع مستمر ليطال مجاالت أخرى بدافع تحقيق حماية خاصة بالطرف الضعيف.
-3معيار القاعدة االمرة
ووفقا لهذا المعيار يرى بعض الفقه أن تحديد الحاالت التي يطبق فيها األثر المستمر للقانون
القديم والحالت التي يطبق فيها األثر المباشر للقانون الجديد يستند الى طبيعة القاعدة
القانونية التي يتضمنها القانون الجديد ،فاذا كانت قاعدة امرة يستبعد األثر المستمر للقانون
القديم ويطبق القانون الجديد فورا ،حيث ال يترك لألفراد حرية تطبيقها أو استبعادها،
وبالتالي وجب توحيد القواعد القانونية المطقة على المراكز القانونية المماثلة ،أما إذا كانت
القاعدة محل القانون الجديد قاعدة مكملة فقط ،فيكون باألثر المستمر للقانون القديم.
-4أولوية توحيد النظام القانوني
فاذا كان الغرض من القانون الجديد هو توحيد التنظيم بالنسبة لعالقة عقدية ما ،فيجب األخذ
بمبدأ األثر الفوري للقانون الجديد ،كما هو االمر بالنسبة للتشريع المتعلق بعقد العمل والذي
يسعى من خالله المشرع الى توحيد حماية العمال ،أما إذا كان الغرض من القانون الجديد
غير ذلك ،فان المحافظة على التوازن الذي ارتضاه المتعاقدان وتوقعاتهما يقتضيان األخذ
بمبدأ األثر المستمر للقانون القديم.