You are on page 1of 16

‫محاضرة ‪5‬‬

‫الفصل الخامس‬
‫تطبيق القانون‬

‫ان الغاية من القواعد القانونية هي تحقيق النظام واالستقرار في المجتمع‪ ،‬ولكن تحقيق ذلك‬
‫يلزم التطبيق الفعلي والصارم لهذه القواعد‪ ،‬فمجرد وضع قواعد قانونية ال يكفي لتحقيق‬
‫‪.‬النظام في المجتمع‬
‫ان تطبيق القاعدة القانونية ليس باألمر اليسير‪ ،‬نظرا العتبارات شخصية تتمثل في القيود‬
‫التي تفرضها على حريات األفراد من جهة‪ ،‬واألوضاع الخاصة التي يمر بها االنسان والتي‬
‫‪.‬قد تدفعه لالنحرافات من جهة ثانية‬
‫ونظرا العتبارات موضوعية التي تعترض تطبيق القانون‪ ،‬كأن يدعي الشخص جهله‬
‫للقانون‪ ،‬أو ألنه أجنبي عن البلد‪ ،‬أو انه اكتسب حقا في ظل قانون قديم‪ ،‬أو في بلد‬
‫أجنبي‪...‬الخ‪ ،‬وفي ظل هذه األهمية وضعت التشريعات المختلفة قواعد تحكم المسائل‬
‫المتعلقة بتطبيق القانون‪ ،‬باإلضافة الى تعيين سلطة خاصة تتولى تطبيقه اال وهي السلطة‬
‫‪.‬القضائية‬
‫‪:‬وبناء عليه يمكن دراسة هذا الموضوع من خالل ثالثة جوانب أساسية هي كالتوالي‬
‫‪.‬تطبيق القانون من حيث‪ :‬األشخاص‪ ،‬من حيث المكان‪ ،‬ومن حيث الزمان‬
‫المبحث األول‪ :‬تطبيق القانون من حيث األشخاص‬
‫تتميز القاعدة القانونية بالعمومية‪ ،‬أي أنها ال تخاطب شخصا او أشخاصا معينين بذواتهم‪،‬‬
‫ولكن يثار التساؤل في هذا الشأن ما إذا كان األمر سيان بين الذين يعلمون بالقاعدة القانونية‬
‫والذين يجهلون ن وجودها؟‬
‫لقد حسم الدستور هذه المسألة من خالل قاعدة دستورية تنص صراحة على أنه " ال يعذر‬
‫بجهل القانون"‪ ،‬فما المقصود بهذه القاعدة؟ وما هو أساسها ومجال تطبيقها؟ واالستثناءات‬
‫الواردة عليها؟‬
‫"المطلب األول‪ :‬قاعدة "ال يعذر بجهل القانون‬
‫وسوف نتناول في هذا المطلب المقصود بهذه القاعدة واألسس التي تستند اليها‬
‫الفرع األول‪ :‬المقصود بالقاعدة‬
‫يقصد بهذه القاعدة أنه ال يمكن للشخص أن يتهرب من تطبيق القانون مديا جهله للقاعدة‬
‫القانونية‪ ،‬أي أنه ال يمكن ألحد أن يدفع بجهل القانون قصد االعفاء من تطبيق القاعدة‬
‫القانونية‪ ،‬فعند متابعة الشخص الذي أخل بأحكام القانون قصد توقيع الجزاء عليه‪ ،‬ال يمكن‬
‫له أن يحتج بجهله للقاعدة القانونية محل المخالفة للتخلص من تطبيق القانون‪ ،‬فال يعتبر‬
‫‪.‬الجهل بالقانون عذرا قانونيا يترتب ليه االعفاء من تطبيق األحكام القانونية‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أساس القاعدة‬
‫تستند هذه القاعدة الدستورية الى وجود القانون في حد ذاته‪ ،‬حيث اذا كان الغرض من‬
‫وجود القانون هو تنظيم المجتمع‪ ،‬فان ذلك ال يتحقق اذا استطاع المخاطب بالقانون أن يحتج‬
‫بجهله للقانون لإلعفاء من تطبيقه‪ ،‬وان قيام المجتمع واستمراره يقتضي التزام كل المكلفين‬
‫به باحترامه وتطبيقه بصرف النظر عما اذا كانوا على علم بأحكامه أو يجهلونها‪ ،‬واال‬
‫عمت الفوضى وتعذر على القانون تأدية وظيفته‪ ،‬وهكذا بموجب هذه القاعدة يكون‬
‫المخاطبون بأحكام القانون على قدم المساواة ما دام ال يستثنى أحد من واجب احترام‬
‫‪.‬القانون‪ ،‬كما تجسد هذه القاعدة مبدأ سيادة القانون‬
‫المطلب الثاني‪ :‬شروط تطبيق القاعدة‬
‫ان الشخص ال يمكن أن يدعي بجهله للقانون اال إذا كان القانون المراد تطبيقه على ذلك‬
‫الشخص موجودا وساري المفعول‪ ،‬وقد وضع المشرع إجراءات خاصة تصبح بمقتضاها‬
‫القوانين سارية المفعول‪ ،‬وتتمثل هذه اإلجراءات على العموم في اصدار القوانين في مرحلة‬
‫‪.‬أولى‪ ،‬ثم نشرها في الجريدة الرسمية في مرحلة ثانية‬
‫الفرع ألول‪ :‬االصدار ينشأ القانون‬
‫ينشأ القانون بإصداره‪ ،‬حيث تنص المادة ‪ 148‬من الدستور على أنه" يصدر رئيس‬
‫‪...".‬الجمهورية القانون في أجل ثالثين (‪ )30‬يوما‪ ،‬ابتداء من تاريخ تسليمه إياه‬
‫فاإلصدار هو اجراء يتخذه رئيس الجمهورية‪ ،‬وعن طريق هذا االجراء الذي يفرغ في شكل‬
‫مرسوم –مرسوم اصدار‪ -‬يكتسب القانون قوته التنفيذية‪ ،‬فيصبح قابال للتنفيذ في مواجهة‬
‫‪.‬كافة الناس‪ ،‬ومن خالل هذه العملية يعطى للقانون تاريخ ورقم‬
‫وهكذا يعد اإلصدار أول اجراء لتطبيق القانون‪ ،‬ولقد حدد المشرع أجل بثالثين يوما ليقوم‬
‫رئيس الجمهورية بإصدار القوانين‪ ،‬غير أن عدم احترام هذا األجل ال يترتب عليه أي أثر‪،‬‬
‫‪.‬وبالتالي فاذا لم يقم رئيس الجمهورية بإصدار القوانين فال وجود لها‬
‫ونشير في هذا الصدد ان اصدار القوانين يقتصر على التشريع الذي تضعه السلطة‬
‫التشريعية‪ ،‬وكذلك الدستور‪ ،‬دون القوانين الصادرة عن السلطة التنفيذية من تنظيمات‬
‫‪.‬مستقلة وتنظيمات تنفيذية وحتى األوامر‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الزامية القانون بنشره‬
‫تنص المادة ‪ 04‬من القانون المدني على أن‪ ":‬تطبيق القوانين في تراب الجمهورية‬
‫الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من يوم نشرها في الجريدة الرسمية‪...‬تكون نافذة‬
‫المفعول بالجزائر العامة بعد مضي يوم كامل من تاريخ نشرها وفي النواحي األخرى في‬
‫نطاق كل دائرة بعد مضي يوم كامل من تاريخ وصول الجريدة الرسمية الى مقر الدائرة‬
‫‪".‬ويشهد على ذلك ختم الدائرة الموضوع على الجريدة‬
‫وعليه يتضح أن النشر هو الوسيلة المعتمدة من قبل المشرع لمخاطبة أفراد لمجتمع‪ ،‬وتتم‬
‫‪.‬عملية النشر بواسطة جريدة خاصة ومعدة لهذا الغرض‪ ،‬أال وهي الجريدة الرسمية‬
‫وبمجرد نشر القوانين في الجريدة الرسمية ومضي المدة المحددة في المادة ‪ 04‬مدني‬
‫‪.‬المذكورة أعاله‪ ،‬تصبح هذه القوانين الزامية‪ ،‬تسري في مواجهة كل الناس‬
‫ان الغرض من اعداد جريدة خاصة لنشر القوانين هو إعطاء الصبغة الرسمية للقوانين من‬
‫‪.‬حيث مضمونها‪ ،‬ومن حيث الزامها‬
‫ونظرا لعدم كفاية وسيلة النشر في الجريدة الرسمية لوحدها‪ ،‬اذ ال يمكن الحصول على‬
‫الجريدة الرسمية اال عن طريق االشتراك‪ ،‬أو عند طلبها من المطبعة الرسمية‪ ،‬األمر الذي‬
‫يجعلها ليست في متناول الجميع‪ ،‬لذلك كثيرا ما يقوم رجال االعالم والجمعيات المهنية أو‬
‫الحرفية وغيرها تدارك هذه النقائص عن طريق نشر القوانين في المجالت المهنية أو‬
‫الحرفية أو المتخصصة ليتمكن القراء من االطالع عليها‪ ،‬عالوة على ذلك تلجأ السلطات‬
‫العامة ‪-‬السيما بخصوص القوانين ذات األهمية القصوى – الى الوسائل السمعية البصرية‪،‬‬
‫ومع ذلك فان هذه الوسائل ال تقوم مقام الجريدة الرسمية‪ ،‬حيث نشر القانون بموجبها ال يفيد‬
‫وجود القانون‪ ،‬وال يمكن االحتجاج به وال مضمونه‪ ،‬وال يغني عن نشر القانون في الجريدة‬
‫‪.‬الرسمية‬
‫ويشمل اجراء النشر كل من‪ :‬الدستور‪ ،‬والتشريع الصادر عن السلطة التشريعية‪ ،‬واألوامر‬
‫‪.‬والتنظيمات المستقلة والتنفيذية والمقررات‪ Z‬الوزارية‬
‫يصبح القانون بعد نشره في الجريدة الرسمية ملزما بالنسبة لكل أفراد المجتمع‪ ،‬وال يمكن‬
‫ألي كان أن يدفع بجهله لذلك القانون‪ ،‬فاذا تحقق شرط نشر القانون في الجريدة الرسمية‪،‬‬
‫‪.‬فان قاعدة "ال يعذر بجهل القانون" تطبق بدون مناقشة‬
‫"المطلب الثالث‪ :‬مجال قاعدة "ال يعذر بجهل القانون‬
‫‪.‬تشمل قاعدة "ال يعذر بجهل القانون" كل القواعد القانونية مهما كان مصدرها‪ ،‬أو طبيعتها‬
‫الفرع األول‪ :‬مصادر القواعد القانونية‬
‫ان قاعدة " ال يعذر بجهل القانون" ال يقتصر مجالها على التشريع فحسب‪ ،‬بل تطال أيضا‬
‫قواعد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬والقواعد العرفية‪ ،‬وذلك بالرغم من أن هذه القواعد ال تخضع‬
‫إلجراء النشر في الجريدة الرسمية‪ ،‬فاعرف ينشأ من خالل تكرار واعتياد الناس على اتباع‬
‫سلوك معين حتى يصبح مشهورا ومعروف لدى كافة الناس مع اعتقادهم وشعورهم بإلزامية‬
‫اتباع هذا السلوك‪ ،‬وعليه ال يمكن أن يعذر األشخاص بجهلهم للقواعد العرفية‪ ،‬وبالنسبة‬
‫لقواعد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فقد أجمع فقهاء المسلمين على أنه" ال يقبل في دار اإلسالم عذر‬
‫الجهل بالحكم الشرعي"‪ ،‬فال يعذر المسلم بجهله ألصول الشريعة اإلسالمية دون المسائل‬
‫‪.‬التفصيلية‪ ،‬كما ال يعذر المسلم بجهله ألحكام القران الكريم والسنة التي انعقد االجماع عليها‬
‫الفرع الثاني‪ :‬طبيعة القاعدة القانونية‪2‬‬
‫اختلف الفقهاء في مسألة طبيعة القواعد القانونية التي تشملها قاعدة ال يعذر بجهل القانون‪،‬‬
‫حيث كان البعض يرى ان هذه القاعدة تعني لقواعد االمرة دون المكملة‪ ،‬وهناك من يرى‬
‫أنها تقتصر على بعض القواعد القانونية االمرة فقط‪ ،‬أي قواعد القانون الجنائي‪ ،‬في حين‬
‫قال البعض أن مجال تطبيق هذه القاعدة ال يكون اال حيث توجد أحكام قانونية تعتبر من‬
‫‪.‬النظام العام‪ ،‬التي يجب على جميع الناس مراعاتها‪ ،‬وال يجوز ألحد ان يخل بها‬
‫ولكن يرجح أن قاعدة" ال يعذر بجهل القانون" تشمل كل القواعد القانونية أيا كانت طبيعتها‪،‬‬
‫‪.‬سواء كانت امرة أو مكملة‬
‫فالقواعد المكملة شأنها شأن القواعد االمرة هي قواعد ملزمة‪ ،‬ومن ثمة ليس هناك ما يبرر‬
‫‪.‬استبعادها من مجال هذه القاعدة‬
‫"المطلب الرابع‪ :‬االستثناءات الواردة على قاعدة "ال يعذر بجهل القانون‬
‫الفرع األول‪ :‬الغلط في القانون‬
‫طبقا للمادة ‪ 83‬من القانون المدني يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط في القانون ان يتمسك‬
‫ببطال العقد‪ ،‬وقد اختلف الفقه في تكييف هذا الحكم‪ ،‬حيث كيفه بعض الفقهاء أنه يعد استثناء‬
‫من قاعدة "ال يعذر بجهل القانون"‪ ،‬الن الغلط الذي وقع فيه الشخص يستند الى جهله‬
‫لقانون‪ ،‬ويمكنه اإلفالت من القاعدة القانونية‪ ،‬في حين يرى جانب اخر من الفقه أن الغلط‬
‫في القانون ال يعتر استثناء من القاعدة‪ ،‬حيث أن الشخص الذي يدعي الغلط في لقانون ل‬
‫يريد التملص من تطبيقه بل يطالب بالتطبيق الصحيح ألحكامه‪ ،‬فاذا التزم وارث بتسديد‬
‫ديون المورث مثال ثم يدعي وقوعه في غلط في القانون لكونه يجهل أنه غير ملزم بذلك‬
‫طبقا ألحكام قانون االسرة‪ ،‬فانه ال يريد التملص من تطبيق القانون‪ ،‬وانما يتمسك بالتطبيق‬
‫‪.‬الصحيح له‬
‫الفرع الثاني‪ :‬القوة القاهرة‬
‫يعتبر العديد من الفقهاء أن استحالة علم الشخص بوجود القانون بسبب قوة قاهرة حالت دون‬
‫وصول الجريدة الرسمية الى مناطق معينة من إقليم الدولة‪ ،‬هو استثناء من قاعدة " ال يعذر‬
‫بجهل القانون"‪ ،‬حيث يجوز في هذه الحالة االعتداد بجهل القانون‪ ،‬ونشير في هذه الحالة أن‬
‫استبعاد القاعدة القانونية يرجع الى تخلف شرط من شروط سريان القانون‪ ،‬والمتمثل في‬
‫انقضاء أجل يوم كامل من وصول الجريدة الرسمية الى الدائرة‪ ،‬فاذا لم تصل الجريدة‬
‫‪.‬الرسمية الى مقر الدائرة ألي سبب كان‪ ،‬فال يسري ميعاد دخولها حيز التنفيذ‬
‫أما إذا وصلت الجريدة الرسمية الى مقر الدائرة‪ ،‬فانه ال يعذر بجهل القانون ولو كانت هناك‬
‫‪.‬قوة قاهرة حالت دون اطالع المواطنين‪ Z‬عليها‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الجهل بقانون غير جنائي في المسؤولية الجنائية‬
‫قد يترتب عن الجهل بقاعدة قانونية غير جنائية رفع المسؤولية الجنائية‪ ،‬ومثال ذلك اتجاه‬
‫القضاء الفرنسي الى الحكم على شخص‪ ،‬يعثر على كنز في أرض الغير ويستولي عليه كله‬
‫لنفسه‪ ،‬بالبراءة من تهمة االختالس عندما تبين من جهل المتهم لقاعدة من قواعد التقنين‬
‫‪.‬المدني الفرنسي التي تمنحه الحق في ملكية نصف الكنز ومالك األرض النصف االخر‬
‫ويرى بعض الفقهاء أن نفي المسؤولية الجنائية في هذه الحاالت ال يستند الى قاعدة الجهل‬
‫‪.‬بالقانون‪ ،‬بل مرد ذلك هو انتفاء القصد الجنائي الذي هو ركن من أركان المسؤولية الجنائية‬
‫فالشخص الذي عثر على كنز في أرض الغير واستولى عليه كله وهو يجهل أن القانون‬
‫المدني ال يملكه اال نصف الكنز‪ ،‬ويعود النصف االخر لصاحب األرض‪ ،‬وال يعاقب وال‬
‫يسأل جنائيا كمختلس أو سارق للنصف الذي يعود لصاحب األرض‪ ،‬ألن القصد الجنائي‬
‫الذي هو ركن من أركان فعل االختالس أو السرقة غير متوفر‪ ،‬وال نكون عندئذ بصدد‬
‫استثناء من قاعدة " ال يعذر بجهل القانون"‪ ،‬خاصة وأن جهل أحكام القانون المدني ال يمنع‬
‫‪.‬من إلزام الشخص الذي لم يسأل جنائيا برد النصف الثاني للكنز لصاحب األرض‬
‫وهناك من يرى أنه مهما كان سبب انتفاء المسؤولية الجنائية‪ ،‬فال نزاع في أن المتهم قد‬
‫تمسك في دفعه للمسؤولية الجنائية بجهله للقانون‪ ،‬ومن ثمة فان مثل هذه الحالة تعتبر‬
‫‪.‬استثناء من القاعدة‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تطبيق القانون من حيث المكان‬
‫المطلب األول‪ :‬المبادئ المنظمة لتطبيق القانون مكانيا‬
‫ان تطبيق القانون من حيث المكان يقوم على مبدأين أساسيين هما‪ :‬مبدأ إقليمية‬
‫‪.‬القوانين‪ ،‬ومبدأ شخصية القوانين‬
‫الفرع األول‪ :‬مبدأ إقليمية القوانين ‪principe de la territorialité des‬‬
‫‪lois‬‬
‫وفقا لهذا المبدأ يقتصر تطبيق قانون كل دولة على اقليمها لسيادتها على اقليمها‪.‬‬
‫‪-1‬المقصود بهذا المبدأ‬
‫يقصد بمبدأ إقليمية القوانين أن قانون كل دولة يسري داخل حدود اقليمه‪ ،‬أي أن قوانين‬
‫الدولة تطبق على كل الوقائع‪ ،‬من أفعال أو أقوال أو أحداث أو غيرها‪ ،‬وعلى كل التصرفات‬
‫القانونية التي تقع داخل حدود اقليمها‪ ،‬كما يسري القانون على كل األشخاص المتواجدين‬
‫داخل هذا اإلقليم سواء أكانوا مواطنين أم أجانب‪ ،‬فالمعيار اذن هو التراب الوطني وما‬
‫يشمل من مجال جوي ومجال بحري‪...‬الخ‪ Z،‬ووفقا لهذا المبدأ وبمفهوم المخالفة فان قانون‬
‫الدولة ال يسري على رعاياها المتواجدين خرج حدود الوطن ألي سبب كان‪ ،‬وال يسري‬
‫كذلك على كل ما يقع خارج إقليم الدولة ولو كان المتسبب في ذلك هم رعاياها طالما هم‬
‫يتواجدون في لخارج‪.‬‬
‫‪-2‬أساس المبدأ‬
‫ظهر هذا المبدأ مع ظهور مبدأ سيادة الدولة‪ ،‬فهو يعبر عن سيادة الدولة وسلطانها على‬
‫اقليمها‪ ،‬فال وجود للدولة اال بوجود اإلقليم وهو ركن من أركانها‪ ،‬ونظرا لما للدولة من‬
‫سيادة على اقليمها فلها أن تفرض ما تشاء على ما يجري داخل حدودها من القوانين‪ ،‬حيث‬
‫يعتبر تطبيق قانون أجنبي على ما يجري في التراب الوطني تعديا على السيادة الوطنية‪.‬‬
‫غير أن تطبيق قانون البلد على األجانب يعتبر في نفس الوقت مساسا بسيادة الدولة األجنبية‬
‫على رعاياها‪ ،‬كما أن قصر قانون الدولة على ما يجري داخل حدود اقليمها فحسب تخليا‬
‫للدولة عن سيادتها على رعاياها المتواجدين خارج حدود اقليمها‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬مبدأ شخصية القوانين ‪principe de la personnalité des lois‬‬
‫يطبق قانون كل دولة وفقا لهذا المبدأ على مواطنيها نظرا لسيادتها على رعاياها‪.‬‬
‫‪-1‬المقصود بهذا المبدأ‬
‫يقصد بهذا المبدأ أن قانون الدولة يطبق على رعاياها أين ما وجدوا دون غيرهم‪ ،‬فالقاون‬
‫الجزائري مثال يطبق على كل الجزائريين والجزائريات سواء أكانوا متواجدين داخل اإلقليم‬
‫الجزائري أو في بلد أجنبي‪ ،‬فالعبرة في مبدأ شخصية القوانين هي بجنسية الشخص بغض‬
‫النظر عن مكان تواجده‪ ،‬فطالما أنه ينتمي الى بلد معين تطبق عليه قوانين ذلك البلد بصرف‬
‫النظر عن مكان تواجده‪ ،‬وبمفهوم المخالفة ال يطبق قانون الدولة على األجانب المتواجدين‬
‫على اقليمها‪.‬‬
‫‪-2‬أساس هذا المبدأ‬
‫يستند هذا المبدأ على سيادة الدولة على رعاياها‪ ،‬حيث يعتبر رعايا الدولة أو شعبها ركن‬
‫من أركان الدولة‪ ،‬اذ ال وجود للدولة بدون شعب‪ ،‬وال وجود لشعب بدون دولة‪.‬‬
‫وبالتالي يعتبر تطبيق قانون أجنبي على المواطن اعتداء على سيادة الدولة التي ينتمي اليها‬
‫هذا المواطن‪ ،‬خاصة إذا كان هذا القانون مخالفا للنظام العام واألداب العامة‪ ،‬وينحصر‬
‫مجال هذا المبدأ في القوانين المتعلقة باألحوال الشخصية الرتباط هذه لمسائل بالشخص‪،‬‬
‫وكذا قوانين التجارة الدولية‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ ،‬موقف المشرع‬
‫تبعا لما تقدم ذكره يتضح جليا أنه ال يمكن األخذ بأحد المبدأين دون االخر‪ ،‬واال سيترتب‬
‫نتائج غير مقبولة‪ ،‬فاذا اخذنا بمبدأ إقليمية القوانين لوحده‪ ،‬سيؤدي الى تطبيق قانون األسرة‬
‫الجزائري على األجانب‪ ،‬في حين األجنبي ال يرتاح لتطبيق قانون غير مألوف وغير‬
‫معروف لديه خاصة القوانين المتعلقة باألحوال الشخصية التصالها بشخص االنسان‬
‫وأسرته‪ ،‬وإذا أخذنا بمبدأ شخصية القوانين فقط فقد يترتب عن ذلك التطبيق على األجنبي‬
‫قانون بلده مع أن أحكامه مخالفة للنظام العام وحسن اآلداب السائدين في بلد اقامته‪.‬‬
‫ان مبدأ شخصية القوانين ظهر في مرحلة الحقة على ظهور مبدأ إقليمية القوانين‪ ،‬تماشيا‬
‫مع تطور العالقات بين الدول‪ ،‬وبالتالي فال مانع من األخذ بالمبدأين‪ ،‬حيث يكون أحدهما‬
‫مكمال لآلخر‪ ،‬للتوفيق بين فكرة سيادة الدولة على ترابها‪ ،‬وسيادة الدولة على رعاياها‪ ،‬وهذا‬
‫هو الحل الذي اتجهت اليه جل التشريعات‪ ،‬حيث يكون األصل فيها هو مبدأ إقليمية القانون‬
‫واالستثناء هو مبدأ شخصية القانون‪.‬‬
‫ويستخلص موقف المشرع الجزائري من نص المادة الرابعة فقرة واحد من القانون المدني‬
‫التي تنص‪ ":‬تطبق القوانين الجزائرية في تراب الجمهورية‪ 2‬الجزائرية‪ 2‬الديمقراطية‪ 2‬الشعبية‪2‬‬
‫ابتداء من يوم نشرها في الجريدة الرسمية‪ ،"...‬اي أن المشرع بمقتضى هذه المادة يشير الى‬
‫األخذ بمبدأ اقليمية القوانين‪ ،‬كما تنص المادة الثالثة من قانون العقوبات على أنه‪ ":‬يطبق‬
‫قانون العقوبات على كافة الجرائم التي ترتكب في أراضي الجمهورية‪Z."...‬‬
‫أما الحاالت التي تخضع لمبدأ شخصية القوانين‪ ،‬فقد تناولها المشرع في الفصل الثاني من‬
‫االب األول‪ ،‬الكتاب األول من القانون المدني تحت عنوان " تنازع القوانين من حيث‬
‫المكان"‪ ،‬وهي الحاالت التي تتضمن عنصرا أجنبيا‪ ،‬كأن يكون أحد اطراف العالقة أجنبيا‪،‬‬
‫أو تكون الواقعة أو لتصرف حصل في بلد أجنبي‪ ،‬وفي هذا الشأن تخضع المسائل المتعلقة‬
‫باألحوال الشخصية لمبدأ شخصية القوانين‪ ،‬فتنص المادة ‪ 10‬مثل‪ ":‬تسري القوانين المتعلقة‬
‫بالحالة المدنية لألشخاص وأهليتهم على الجزائريين ولو كانوا مقيمين في بالد أجنبية"‪ ،‬أي‬
‫يطبق قانون البلد الذي ينتمي اليه الشخص بغض النظر عن مكان تواجده‪ ،‬وهذا عمال بمبدأ‬
‫شخصية القوانين‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬االستثناءات الواردة على المبدأين (التطبيق العيني)‬
‫هناك حاالت في قانون العقوبات تخرج عن نطاق المبدأين المذكورين أعاله‪ ،‬حيث تنص‬
‫المادة ‪ 588‬من قانون اإلجراءات الجزائية‪ ":‬كل أجنبي ارتكب خارج اإلقليم الجزائري‬
‫بصفة فاعل أصلي أو شريك جناية أو جنحة ضد سالمة الدولة الجزائرية أو تزيفا لنقود أو‬
‫أوراق مصرفية وطنية متداولة قانونا بالجزائر تجوز متابعته ومحاكمته وفقا ألحكام القانون‬
‫الجزائري إذا ألقي القبض عليه في الجزائر أو حصلت الحكومة على تسليمه لها‪".‬‬
‫وعليه يالحظ من خالل هذه المادة أن الفعل المعاقب عليه لم يقع داخل إقليم الدولة‬
‫الجزائرية لذا فال مجال لتطبيق مبدأ إقليمية القوانين‪ ،‬كما ال يمكننا االستناد لمبدأ شخصية‬
‫القوانين لكون الفاعل ال يحمل الجنسية الجزائرية‪ ،‬لذلك نكون بصدد ما يسمى التطبيق‬
‫العيني لقانون العقوبات‪ ،‬وهكذا فان القانون الجزائري يطبق على أجنبي بسبب فعل وقع‬
‫خارج اإلقليم‪ ،‬غير أن الفعل المجرم يمس بالدولة الجزائرية‪ ،‬ويستند هذا الحل االستثنائي‬
‫الى تجاهل الدولة التي وقعت فيها مثل هذه األفعال وعدم اكتراثها ألنها ال تعنيها أو لكونها‬
‫تستفيد منها‪ ،‬وقد يكون لها يد فيها كالتجسس مثال‪ ،‬وبالتالي يبقى مرتكب الفعل دون عقاب‪،‬‬
‫في حين هذه األفعال تمس بالمصالح العليا والرئيسية للدولة الجزائرية‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬تطبيق القانون من حيث الزمان‬
‫ان تطبيق القانون مقيد من حيث الزمان‪ ،‬اذ يطبق في فترة زمنية محددة لها بداية ونهاية‪،‬‬
‫غير أن تعاقب القوانين قد يكون سببا في تنازعها من حيث النطاق الزمني الذي تمتد اليه‬
‫أحكام كل منها‪.‬‬
‫ويقتضي احتمال تنازع القوانين وجود قوانين متعاقبة زمنيا ومعالجة لنفس المسألة‪ ،‬بحيث‬
‫يلغي بعضها البعض‪ ،‬أي أن القانون الالحق يلغي القانون السابق‪ ،‬وهذا من شأنه ان يؤدي‬
‫الى اثارة نزاع بين بداية سريان القانون الجديد ونهاية سريان القانون القديم‪ ،‬ولحل هذا‬
‫النزاع وضع المشرع حكما يستخلص من نص المادة الثانية من القانون المدني التي تنص‪":‬‬
‫ال يسري القانون اال على ما يقع في المستقبل وال يكون له أثر رجعي‪ ،"...‬وهو نفس الحكم‬
‫الذي تضمنته المادة الثانية من القانون المدني الفرنسي والذي يعرف بمبدأ عدم رجعية‬
‫القوانين‪ ،‬غير أنه من الناحية العملية تبين أن مبدأ عدم رجعية القوانين ‪ -‬الذي يقضي بعدم‬
‫سريان القانون على ما حدث قبل صدوره‪ -‬غير كاف‪ ،‬اذ يجب منع استمرار سريان القانون‬
‫القديم بعد بداية سريان القانون الجديد‪ ،‬فاستخلص مبدأ ثاني يتمثل في مبدأ األثر الفوري و‬
‫المباشر للقانون الجديد‪ ،‬وعليه فان تطبيق القانون من حيث الزمان يخضع لمبدأين أساسيين‬
‫هما‪ :‬مبدأ عدم رجعية القوانين‪ ،‬ومبدأ األثر الفوري أو المباشر للقانون الجديد‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مبدأ عدم رجعية القوانين ‪La non-rétroactivité des lois‬‬
‫ان مبدأ عدم رجعية القوانين يعني ان القانون الجديد ال يسري على الماضي‪ ،‬اال ان هذا‬
‫المبدأ ترد عليه بعض االستثناءات نتطرق اليها في االتي‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬مضمون المبدأ‬
‫يقصد بهذا المبدأ أن القانون ال يطبق على الوقائع واألوضاع القانونية المختلفة التي نشأت‪،‬‬
‫أو حصلت‪ ،‬أو تحققت قبل دخوله حيز التنفيذ‪ ،‬أي ال سلطان للقانون الجديد على األوضاع‬
‫التي حدثت قبل نفاذه‪ ،‬بل يحكمها القانون القديم سواء أكان تشريعا أو عرفا أو غير ذلك‪،‬‬
‫وبعبارة أخرى ال يطبق القانون الجديد اال على ما وقع في ظل سريانه‪ ،‬أي كل ما يحدث‬
‫من يوم نفاذه الى يوم الغائه‪.‬‬
‫ان عدم الرجعية قاصر على المراكز القانونية التي تنشأ وتنقضي في ظل نفس القانون‪ ،‬أي‬
‫أنه يتعلق بالمراكز القانونية التي ال تمتد من حيث نشأتها وانقضائها اال في ظل قانون‬
‫واحد‪ ،‬بمعنى أن القانون الذي نشأت تحت سلطانه ال يزال ساري المفعول وقت انقضائها‪،‬‬
‫فاذا نشأت هذه المراكز وانقضت في ظل القانون القديم فإنها تخضع لسلطانه‪ ،‬وإذا نشأت‬
‫بعد الغائه فإنها تخضع للقانون الجديد‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أسس المبدأ‬
‫يستند هذا المبدأ الى العديد من االعتبارات نذكر منها العدل‪ ،‬والثقة‪ ،‬واستقرار المعامالت‪،‬‬
‫والمنطق‪ ،‬فالعدل يقتضي أال ينصرف القانون الى الوقائع السابقة عن تاريخ نفاذه‪ ،‬فال‬
‫يتصور أن يقوم الناس بتنظيم أمورهم وفقا لطريقة معينة ثم يأتي قانون الحق يقضي‬
‫بخالف هذا التنظيم‪ ،‬فمطالبة الناس باحترام قانون لم يوجد بعد أمر مخالف لما يقتضيه‬
‫العدل‪.‬‬
‫ثم ان تطبيق القانون بأثر رجعي يؤدي الى انعدام الثقة‪ ،‬حيث يصبح الناس مهددين بضياع‬
‫حقوقهم بسبب رجعية القوانين الجديدة‪ ،‬كما تؤدي هذه األخيرة الى زعزعة استقرار‬
‫المعامالت‪ ،‬اذ تطبيق القانون بأثر رجعي يمس بالحقوق المكتسبة والمراكز القانونية‪ ،‬ومن‬
‫المنطق أيضا أال يسري القانون الجديد على الماضي‪ ،‬اذ ال يمكن أن نشترط نشر القانون في‬
‫الجريدة الرسمية ومرور يوم كامل من نشره حتى يكتسب قوة تنفيذية من جهة‪ ،‬ونطبقه بأثر‬
‫رجعي من جهة ثانية‪ ،‬فالقانون هو عبارة عن خطاب موجه للناس حتى يتبعوا سلوك معينا‪،‬‬
‫فكيف يتبع هذا السلوك قبل وجود القانون؟‬
‫الفرع الثالث‪ :‬االستثناءات الواردة على هذا المبدأ‬
‫ترد على مبدأ عدم رجعية القوانين بعض االستثناءات‪ ،‬بحيث يجوز تطبيق القانون الجديد‬
‫فيها بأثر رجعي‪ ،‬وتتمثل هذه االستثناءات في االتي‪:‬‬
‫‪-1‬القوانين الجنائية األصلح للمتهم ‪La loi la plus douce‬‬
‫يجوز تطبيق القوانين الجنائية الجدية بأثر رجعي إذا كان تطبيقها أصلح للمتهم‪ ،‬كأن تقرر‬
‫محو الجريمة أو كانت تخفف من العقاب‪ ،‬فتنص لمادة الثانية من قانون العقوبات‪ ":‬ال‬
‫يسري قانون العقوبات على الماضي اال ما كان منه أقل شدة"‪.‬‬
‫وقد يكون القانون الجديد أصلح للمتهم من حيث الجريمة أو من حيث العقوبة‪ ،‬ويكون‬
‫لصالح المتهم من حيث الجريمة في حالة اباحة السلوك الذي كان مجرما ومعاقبا عليه‬
‫سابقا‪ ،‬أو التخفيف من جسامة الفعل‪ ،‬كأن يصبح الفعل المنسوب للمتهم جنحة بعد ما كان‬
‫يعتبر جريمة في القانون القديم‪ ،‬أو أضاف القانون الجديد ركنا جديدا في الجريمة‪ ،‬أو ألغى‬
‫ظرفا مشددا‪ ،‬أو أضاف سببا من أسباب االباحة‪ ،‬أو مانعا من موانع المسؤولية‪...‬الخ‪Z.‬‬
‫ويكون القانون الجديد أصلح للمتهم من حيث العقوبة‪ ،‬إذا أصبحت العقوبة المقررة في‬
‫القانون الجديد أخف من العقوبة المقررة في القانون القديم‪ ،‬كأن تصبح العقوبة عقوبة جنحة‬
‫بعد ما كانت عقوبة جناية‪ ،‬أو تصبح العقوبة سجنا بعدما كانت اعداما‪...‬الخ‪Z.‬‬
‫‪-2‬النص الصريح على رجعية القوانين‬
‫ان مبدأ عدم رجعية القوانين هو مبدأ يقيد القاضي دون المشرع‪ ،‬حيث للمشرع الحق في أن‬
‫يجعل سريان القانون الجديد على الماضي حتى ولو تعلق األمر بحق مكتسب‪ ،‬ويقصد‬
‫المشرع في ذلك تحقيق مصلحة عامة‪ ،‬والنص على رجعية القوانين ال يكون اال على سبيل‬
‫االستثناء‪ ،‬واالستثناء ال يرد اال بنص صريح‪Z.‬‬
‫‪-3‬القوانين التفسيرية‪2‬‬
‫ويقصد بها القوانين التي يكون الغرض منها توضيح قصد المشرع فيما اختلف فيه القضاء‬
‫بتفسيره‪ ،‬فتنطبق هذه القوانين بأثر رجعي ألنها تعتبر جزءا من التشريع المراد تفسيره‬
‫وتوضيحه‪ ،‬وبالتالي يلتزم القاضي بتطبيق هذه القوانين التفسيرية الى الدعاوى التي ما‬
‫زالت لم يحكم بها‪ ،‬أما الدعاوى التي سبق الفصل فيها قبل صدور التشريع التفسيري بأحكام‬
‫نهائية فال يجوز تطبيق التشريع التفسيري عليها‪ ،‬ألن ذلك يتعارض مع قوة األمر المقضي‬
‫به التي حازت عليها األحكام‪.‬‬
‫ان مبدأ عدم رجعية القوانين كما سبق اإلشارة اليه أعاله يقتصر فقط على المراكز القانونية‬
‫التي تنشأ وتنقضي في ظل نفس القانون‪ ،‬أما بخصوص األوضاع أو المراكز القانونية التي‬
‫تمتد الى نطاق قانونين متعاقبين‪ ،‬كأن تنشأ قبل الغاء القانون القديم‪ ،‬ولكن ال ترتب اثارها‬
‫اال في وقت الحق‪ ،‬أي بعد الغائه ودخول القانون الجديد حيز التنفيذ‪ ،‬فان الرجوع الى مبدأ‬
‫عدم رجعية القوانين غير مجد‪ ،‬اذ يعالج هذا األخير الجانب السلبي لتنازع القوانين دون‬
‫اإليجابي‪ ،‬اذ يمنع التطبيق الرجعي للقانون الجديد‪ ،‬دون االثار المستقبلية التي ترتبها‬
‫المراكز القانونية الماضية بعد نفاذ القانون الجديد‬
‫فما هو الحل اذن بالنسبة لألوضاع التي تمتد في ظل القانون القديم والقانون الجديد معا؟‬
‫ان مبدأ عدم رجعية القوانين ال يستطيع بمفرده معالجة مختلف األوضاع المترتبة على‬
‫تعاقب القوانين‪ ،‬األمر الذي سمح بظهور مبدأ اخر هو مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد ‪L’effet immédiat‬‬
‫ان مبدأ عدم رجية القوانين ال يكفي لحل التنازع بين القوانين‪ ،‬وانما يحتاج الى مبدأ اخر‬
‫يكمله وهو مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد الذي جاء ليعالج األوضاع التي تمتد في ظل‬
‫القانون القديم والقانون الجديد‪ ،‬وسوف نتناول في هذا الشأن مضمون هذا المبدأ وأساسه‬
‫ومجاله‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬مضمون المبدأ‬
‫يعتبر الفقيه األلماني سافيني رائد فكرة األثر الفوري والمباشر للقانون الجديد‪ ،‬وقد تبناها‬
‫الفقه الفرنسي روبي ‪ Roubier‬واتبعه فيما بعد معظم الفقهاء‪.‬‬
‫ويقصد بهذا المبدأ أن كل تشريع جديد يطبق فورا ابتداء من تاريخ سريانه أي وقت نفاذه‪،‬‬
‫فاذا كان القانون الجديد ال يسري على ما تم قبل دخوله حيز التطبيق عمال بمبدأ عدم رجعية‬
‫القوانين‪ ،‬فانه ال يمكن للقانون القديم أيضا أن يستمر سريانه بعد صدور القانون الجديد‪،‬‬
‫حيث يسري القانون الجديد وحده على كل ما تم أو يتم بعد دخوله حيز التنفيذ‪ ،‬وهذا هو‬
‫األثر الفوري أو المباشر للقانون الجديد‪ ،‬أي يطبق حاال وفورا وقت نفاذه‪.‬‬
‫ويسري القانون الجديد على ما يقع بعد نفاذه ولو كان ذلك ناتجا على واقعة أو وضع قانوني‬
‫سابق عن دخول هذا القانون حيز التنفيذ‪ ،‬ويخض لسلطان القانون الجديد األوضاع أو‬
‫المراكز القانونية التي نشأت بعد نفاذه ولو بدأ تكوينها قبل ذلك‪ ،‬كذلك يمتد نطاق القانون‬
‫الجديد‪ ،‬على كل االثار التي تترتبت بعد نفاذه على المراكز القانونية التي تكونت أو بدأ‬
‫تكوينها في ظل القانون القديم‪.‬‬
‫ولزيادة إيضاح تطبيق مبدأ األثر الفوري أو المباشر للقانون‪ ،‬سنبين مجال هذا المبدأ في‬
‫االتي‪:‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬حدود هذا المبدأ‬
‫يقتصر مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد على المراكز القانونية الجارية‪ ،‬أي تلك المراكز‬
‫التي تنشأ في ظل القانون القديم وترتب اثارها في ظل القانون الجديد‪ ،‬أو ذلك الوضع الذي‬
‫اكتملت بعض عناصره في ظل القانون القديم‪ ،‬واكتملت بعض عناصر تكوينه في ظل‬
‫القانون الجديد‪ ،‬أو ذلك المركز القانوني الذي اكتمل تكوينه وبدأ يرتب اثاره في ظل القانون‬
‫القديم واستمر ترتيب اثاره في ظل القانون الجديد‪.‬‬
‫‪-1‬القانون الجديد يحكم العناصر المتبقية لتكوين المركز القانوني‪ 2‬أو انقضاء‬
‫ينطبق القانون الجديد على ما يقع بعد نفاذه من عناصر تكوين أو انقضاء المراكز القانونية‬
‫التي بدأت في ظل القانون القديم‪ ،‬أما العناصر التي تمت في ظل القانون القديم فتظل‬
‫خاضعة له وال يسري عليها القانون الجديد وفقا لمبدأ عدم رجعية القوانين‪ ،‬فالوصية مثال‬
‫تمر بعدة مراحل متتالية‪ ،‬غير انها منفصلة عن بعضها البعض‪ ،‬اذ يجب بداية أن يقوم‬
‫الوصي بتحرير الوصية‪ ،‬وله في مرحلة ثانية الحق في الرجوع عنها‪ ،‬وبعد وفاة الوصي‪،‬‬
‫وفي مرحلة ثالثة‪ ،‬يتعين قبول الوصية من قبل الموصى له‪ ،‬وقد تتم مرحلة ما في ظل‬
‫القانون القديم‪ ،‬وتتم المرحلة الموالية بعد دخول القانون الجديد حيز التنفيذ‪ ،‬فاذا صدر‬
‫القانون الجديد معدال من قيمة الوصية من الثلث الى الربع مثال قبل وفاة الوصي‪ ،‬فان‬
‫القانون الجديد ينطبق‪ ،‬ألن استحقاق الوصية يتوقف على وفاة الموصي وهذا ما وقع بعد‬
‫نفاذ القانون الجديد‪ ،‬أما اذا كان القانون الجديد يحدد شكال جديدا لصحة االيصاء‪ ،‬وصدر‬
‫بعد ابرام الوصية‪ ،‬فان القانون الجديد ال ينطبق على أساس اكتمال العنصر‪ Z‬القانوني الذي‬
‫يتعلق بوجود وصية صحيحة‪ ،‬وانما تخضع للقانون القديم‪ ،‬وعليه تخضع المراكز القانونية‬
‫للقانون القديم بالنسبة لما تم في ظله عمال بمبدأ عدم رجعية القوانين‪ ،‬وتخضع للقانون‬
‫الجديد ما تبقى من مراحل تكوينها أو انقضائها عمال باألثر الفوري للقانون الجديد‪.‬‬
‫‪-2‬القانون الجديد يحكم اثار المراكز القانونية‪ 2‬التي تكونت أو بدأ تكوينها في ظل القانون‬
‫القديم‬
‫إذا كان المركز القانوني قد اكتمل تكوينه في ظل القانون القديم غير أنه لم يرتب اثاره اال‬
‫بعد دخول القانون الجديد حيز التنفيذ‪ ،‬فان القانون الجديد هو الذي يسري على هذه االثار‪،‬‬
‫كما تخضع للقانون الجديد االثار التي بدأ ترتيبها في ظل القانون القديم واستمرت في ظل‬
‫القانون الجديد‪ ،‬وفي هذه الحالة األخيرة فان االثار التي تحققت في ظل القانون القديم يخضع‬
‫لهذا القانون عمال بمبدأ عدم رجعية القوانين‪ ،‬في حين تخضع االثار التي استمرت في ظل‬
‫القانون الجديد الى هذا األخير عمال بمبدأ األثر الفوري للقانون الجديد‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أساس مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد‬
‫يستند هذا المبدأ الى ضرورة‪ Z‬توحيد القانون وتجنب ازدواجية القانون الذي يحكم المراكز‬
‫القانونية المتماثلة‪ ،‬فاذا استمر مثال سريان القانون القديم على االثار المستقبلية للمراكز‬
‫القانونية التي نشأت في ظله‪ ،‬فان ذلك سيؤدي الى تطبيق قانونين مختلفين على مراكز‬
‫قانونية مماثلة‪ ،‬باعتبار أن المراكز القانونية الجديدة تخضع لسلطان القانون الجديد‪ ،‬وتفاديا‬
‫لهذه االزدواجية يجب تطبيق القانون الجديد فورا على كل المراكز القانونية المتماثلة‪،‬‬
‫واستبعاد القانون القديم‪.‬‬
‫ومن مبررات مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد‪ ،‬أن هذا األخير يكون في األغلب أفضل‬
‫وأكمل من القانون القديم‪ ،‬اذ يساير ويواكب المعطيات الجديدة للمجتمع‪ ،‬لذا يجب تطبيقه‬
‫على الفور واستبعاد القانون القديم‪.‬‬
‫كما أن مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد هو مبدأ مكمل لمبدأ عدم رجعية القوانين‪ ،‬فكل‬
‫منهما يعالج جانبا لمسألة تنازع القوانين‬
‫المطلب الثالث‪ :‬االستثناء الوارد على هذا المبدأ (األثر المستمر‪ 2‬للقانون القديم)‬
‫يرد على مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد استثناء‪ ،‬حيث قد يستمر تطبيق القانون القديم‬
‫حتى بعد نفاذ القانون الجديد‪ ،‬وذلك على جميع االثار التي ترتبها المراكز العقدية التي‬
‫تكونت في ظل القانون القديم‪ ،‬أي أن مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد يقتصر على االثار‬
‫المستقبلية للمراكز القانونية‪ 2‬المنظمة دون المراكز العقدية‪ ،‬حيث نشير في هذا الشأن أن‬
‫هناك نوعان من المراكز القانونية‪ :‬مراكز قانونية منظمة‪ 2‬مصدرها القانون‪ ،‬ومراكز قانونية‬
‫عقدية والتي تنشأ عن العقد‪.‬‬
‫ويقتصر مبدأ األثر المستمر للقانون القديم ‪ la survie de la loi ancienne‬على المراكز‬
‫القانونية الناتجة على العالقات العقدية الجارية‪ ،‬أي المراكز التي تكونت بموجب عقود في‬
‫ظل القانون القديم وظلت قائمة ومنتجة آلثارها بعد نفاذ القانون الجديد بشرط أن تكون‬
‫بصدد عقود يكون فيها سلطان اإلرادة واضحا‪ ،‬ويخاطب القانون بقواعده المنظمة لها‬
‫االفراد بوصفهم متعاقدين فقط‪ ،‬وال يشمل هذا االستثناء العقود التي تكون في شكل نظام‬
‫قانوني يستقل القانون بتحديد قواعده‪ ،‬وال مكانة لسلطان اإلرادة فيها نظرا ألن أحكامه تهم‬
‫الكافة‪ ،‬على الرغم من أن المركز القانوني ال ينشأ اال بناء على عقد من العقود‪ ،‬فمثل هذا‬
‫المركز يكون موحدا بالنسبة لجميع األفراد‪ ،‬ومن ثم تتوافر الحكمة من تقرير األثر الفوري‬
‫للقانون الجديد‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لعقود الزواج والملكية مثال فهما نظامان قانونيان‬
‫موحدان بالنسبة للجميع‪ ،‬وبالتالي يجب تطبيق القانون الجديد وذلك لتوحيد القانون الذي‬
‫يخضعان له‪ ،‬الن دور االرادة فيهما يقتصر في الدخول في احدهما‪ ،‬كقبول الزواج‪ ،‬أو‬
‫انشاء الحق العيني أو نقله او انقضائه‪،‬‬
‫أما المركز العقدي فيراد به المركز القانوني الذي يترك القانون تنظيمه إلرادة األفراد‪،‬‬
‫وذلك نظرا الى أن أحكامه تهم المتعاقدين دون غيرهم‪ ،‬وفي ضوء هذه االعتبارات فان‬
‫استمرار تطبيق القانون القديم يحفظ التوازن‪ Z‬الذي ارتضاه المتعاقدان ورغبا فيه‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقه في تكييف هذا المبدأ‪ ،‬حيث يعتبره البعض أنه استثناء على مبدأ األثر‬
‫المباشر للقانون الجديد‪ ،‬في حين يرى البعض االخر أنه مبدأ مستقل وله مجا معين وهو‬
‫اثار المراكز العقدية الجارية‪.‬‬
‫وعلى العموم فان األثر المستمر للقانون القديم ال يطبق بصفة مطقة‪ ،‬وانما هو مقيد كما‬
‫سيتم تبيانه أدناه‪:‬‬
‫لقد اقترح الفقهاء معايير لتحديد مجال األثر المستمر للقانون القديم تتمثل في‪ :‬معيار يستند‬
‫الى التمييز بين العقود ذات النظام القانوني والعقود ذات النظام التعاقدي‪ ،‬معيار النظام‬
‫العام‪ ،‬ومعيار طبيعة القاعدة القانونية‪ ،‬ومعيار توحيد النظام القانوني‪.‬‬
‫‪-1‬العقود ذات النظام القانوني والعقود ذات النظام التعاقدي‬
‫يقصد بالعقود ذات النظام القانوني تلك العالقات التي تنشأ عن العقد وبإرادة المتعاقدين‪،‬‬
‫غير أن القانون هو الذي يتولى تنظيمها وتحديد مضمونها‪ ،‬كعقد العمل وعقد الزواج‪.‬‬
‫أما العقود ذات النظام التعاقدي فيقصد به تلك العالقات التي يترك تنظيمها وتحديدها‬
‫للمتعاقدين‪ ،‬بحيث يكون إلرادتهما دور كبير‪ ،‬فهي التي تنشئ العالقة وتتولى تنظيمها‬
‫وتحديد مضمونها‪ ،‬لذلك فان استمرار تطبيق القانون القديم يحفظ التوازن الذي ارتضاه‬
‫المتعاقدان ورغبا فيه‪.‬‬
‫غير أنه يعاب على هذا المعيار صعوبة تطبيقه‪ ،‬نتيجة لتراجع مبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬نظرا‬
‫للتطورات التي عرفها المجتمع في كل المجاالت‪ ،‬والتزايد المستمر لتدخل المشرع في‬
‫العالقات العقدية‪ ،‬وبناء عليه تم اقتراح معيار اخر هو معيار النظام العام‪.‬‬
‫‪-2‬معيار النظام العام‬
‫يرى جانب من الفقه أن مبدأ األثر المستمر للقانون القديم مقيد بالنظام العام‪ ،‬بمعنى انه إذا‬
‫كان القانون الجديد يتعلق بالنظام العام فيطبق فورا على المراكز القانونية العقدية‪ ،‬استنادا‬
‫الى فكرة تغليب المصلحة الوطنية على حماية المتعاقدين حيث يستبعد األثر المستمر للقانون‬
‫القديم في هذه الحالة كونه قد يكون عائقا لإلصالحات التي جاء بها القانون الجديد‪.‬‬
‫ولكن يعاب على هذا المعيار أن تحديد النظام العام أمر صعب‪ ،‬خاصة أنه في تطور‬
‫واتساع مستمر ليطال مجاالت أخرى بدافع تحقيق حماية خاصة بالطرف الضعيف‪.‬‬
‫‪-3‬معيار القاعدة االمرة‬
‫ووفقا لهذا المعيار يرى بعض الفقه أن تحديد الحاالت التي يطبق فيها األثر المستمر للقانون‬
‫القديم والحالت التي يطبق فيها األثر المباشر للقانون الجديد يستند الى طبيعة القاعدة‬
‫القانونية التي يتضمنها القانون الجديد‪ ،‬فاذا كانت قاعدة امرة يستبعد األثر المستمر للقانون‬
‫القديم ويطبق القانون الجديد فورا‪ ،‬حيث ال يترك لألفراد حرية تطبيقها أو استبعادها‪،‬‬
‫وبالتالي وجب توحيد القواعد القانونية المطقة على المراكز القانونية المماثلة‪ ،‬أما إذا كانت‬
‫القاعدة محل القانون الجديد قاعدة مكملة فقط‪ ،‬فيكون باألثر المستمر للقانون القديم‪.‬‬
‫‪-4‬أولوية توحيد النظام القانوني‬
‫فاذا كان الغرض من القانون الجديد هو توحيد التنظيم بالنسبة لعالقة عقدية ما‪ ،‬فيجب األخذ‬
‫بمبدأ األثر الفوري للقانون الجديد‪ ،‬كما هو االمر بالنسبة للتشريع المتعلق بعقد العمل والذي‬
‫يسعى من خالله المشرع الى توحيد حماية العمال‪ ،‬أما إذا كان الغرض من القانون الجديد‬
‫غير ذلك‪ ،‬فان المحافظة على التوازن الذي ارتضاه المتعاقدان وتوقعاتهما يقتضيان األخذ‬
‫بمبدأ األثر المستمر للقانون القديم‪.‬‬

You might also like