You are on page 1of 8

‫ماشطة بنت فرعون‬

‫امرأة صاحلة كانت تعيش هي وزوجها يف ظل ملك فرعون‪ ،‬زوجها مقرب من فرعون‪ ،‬وهي‬
‫خادمة ومربية لبنات فرعون‬
‫فمن اهلل عليهما باإلميان‪ ،‬فلم يلبث زوجها أن علم فرعون بإميانه فقتله‪ ،‬فلم تزل الزوجة تعمل‬
‫يف بيت فرعون‪ ،‬متشط بنات فرعون‪ ،‬وتنفق على أوالدها اخلمسة‪ ،‬تطعمهم كما تطعم الطري أفراخها‪.‬‬
‫فبينما هي متشط ابنة فرعون يوما‪ ،‬إذ وقع املشط من يدها‪ .‬فقالت ‪" :‬بسم اهلل"‪ .‬فقالت ابنة‬
‫فرعون‪" :‬اهلل ‪ ...‬أيب؟"‬
‫ورب أبيك"‪ .‬فتعجبت البنت أن يُعبد غري‬
‫فصاحت ماشطة بابنة فرعون‪" :‬كالّ‪ ،‬بل اهلل‪ ،‬ريّب ‪ّ ،‬‬
‫أبيها‪ .‬مث أخربت أباها بذلك‪ ،‬فعجب أن يوجد يف قصره من يعبد غريه‪ .‬فدعا هبا‪،‬‬
‫وق ال هلا‪" :‬من ربّ ك؟"‪ .‬ق الت‪" :‬ريب ورب ك اهلل"‪ .‬فأمره ا ب الرجوع عن دينه ا‪ ،‬وحبس ها‪،‬‬
‫وضرهبا فلم ترجع عن دينها‪ .‬فأمر فرعون بقدر من حناس فملئت بالزيت مث أمحىى حىت غال‪.‬‬
‫وأوقفه ا أم ام الق در‪ ،‬فلم ا رأت الع ذاب أيقنت أمنا هي نفس واح دة خترج وتلقي اهلل تع اىل‪،‬‬
‫فعلم فرع ون أن أحب الن اس أوالده ا اخلمس ة‪ ،‬األيت ام ال ذين تك دح هلم وتطعمهم‪ .‬ف أراد أن يزي د يف‬
‫عذاهبا‪ .‬فأحضر األطفال اخلمسة‪ ،‬تدور أعينهم وال يدرون إىل أين يساقون‪.‬‬
‫فلما رأوا أمهم تعلقوا هبا يبكون‪ ،‬فانكبت عليهم تقبلهم وتشمهم وتبكي‪ .‬وأخذت أصغرهم‬
‫وضمته إىل صدرها‪ .‬وألقمته ثديها‪.‬‬
‫فلم ا رأى فرع ون ه ذا املنظ ر‪ ،‬أم ر ب أكربهم‪ ،‬فج ره اجلن ود ودفع وه إىل ال زيت املغلي‪ ،‬والغالم‬
‫يصيح بأمه ويستغيث‪ ،‬ويسرتحم اجلنود ويتوسل إىل فرعون وحياول الفكاك واهلرب‪ .‬وينادي إخوته‬
‫الصغار‪ .‬ويضرب اجلنود بيديه الصغريتني‪ ،‬وهم يصفعونه ويدفعونه‪ .‬وأمه تنظر إليه وتودعه‪.‬‬
‫فما هي إال حلظات‪ ،‬حىت ألقى الصغري يف الزيت‪ .‬واألم تبكي وتنظر‪ ،‬وإخوته يغطون أعينهم‬
‫بأيديهم الصغرية‪ .‬حىت إذا ذاب حلمه من على جسمه النحيل‪ .‬وطفحت عظامه بيضاء فوق الزيت‪،‬‬
‫نظر إليها فرعون وأمرها بالكفر باهلل‪ ،‬فأبت عليه ذلك‪ .‬فغضب فرعون وأمر بولدها الثاين‪ .‬فسحب‬
‫من عن د أم ه وه و يبكي ويس تغيث‪ ،‬فم ا هي إال حلظ ات ح ىت ألقي يف ال زيت‪ .‬وهي تنظ ر إلي ه ح ىت‬
‫طفحت عظامه بيضاء واختلطت بعظام أخيه‪ .‬واألم ثابتة على دينها موقنة بلقاء رهبا‪.‬‬
‫مث أمر فرعون بالولد الثالث فسحب وقرب إىل القدر املغلي مث محل وغيب يف الزيت‪ .‬وفعل به‬
‫ما فعل بأخويه‬
‫واألم ثابتة على دينها‪ ،‬فأمر فرعون أن يطرح الرابع يف الزيت‪ .‬فأقبل اجلنود إليه‪ ،‬وكان صغريا‬
‫ق د تعل ق بث وب أم ه‪ .‬فلم ا جذب ه اجلن ود‪ ،‬بكى وانط رح على ق دمي أم ه‪ ،‬ودموع ه جتري على رجليه ا‬
‫وهي حتاول أن حتمل ه م ع أخي ه‪ ،‬حتاول أن تودع ه وتقبل ه وتش مه قب ل أن يفارقه ا‪ .‬فح الوا بين ه وبينه ا‬
‫ومحلوه من يديه الصغريتني وهو يبكي ويستغيث ويتوسل بكلمات غري مفهومة وهم ال يرمحونه‬
‫وما هي إال حلظات حىت غ رق يف ال زيت املغلي‪ ..‬وغاب اجلس د‪ ..‬وانقطع الصوت‪ ..‬ومشت‬
‫األم رائحة اللحم‪ ..‬وعلت عظامه الصغرية بيضاء فوق الزيت يفور هبا‪ ..‬تنظر األم إىل عظامه‪ ..‬وقد‬
‫رح ل عنه ا إىل دار أخ رى‪ ..‬وهي تبكي‪ ..‬وتتقط ع لفراق ه‪ ..‬طاملا ض مته إىل ص درها‪ ..‬وأرض عته من‬
‫ث ديها‪ ..‬طاملا س هرت لس هره‪ ..‬وبكت لبكائ ه‪ ..‬كم ليل ة ب ات يف حجره ا‪ ..‬ولعب بش عرها‪ ..‬كم‬
‫قربت منه ألعابه‪ ..‬وألبسته ثيابه‪..‬‬
‫فجاه دت نفس ها أن تتجل د وتتماس ك‪ ..‬ف التفتوا إليه ا‪ ..‬وت دافعوا عليه ا‪..‬‬
‫وانتزعوا اخلامس الرضيع من بني يديها‪ ..‬وكان قد التقم ثديها‪ ..‬فلما انتزع منها‪ ..‬صرخ الصغري‪..‬‬
‫وبكت املسكينة‪ ..‬فلما رأى اهلل تعاىل ذهلا وانكسارها وفجيعتها بولدها‪ ..‬أنطق الصيب يف مهده وقال‬
‫هلا‪ :‬ي ا أم اه اص ربي فإن ك على احلق‪ ..‬مث انقط ع ص وته عنه ا‪ ..‬وغيِّب يف الق در م ع إخوت ه‪ ..‬ألقي يف‬
‫الزيت‪ ..‬ويف فمه بقايا من حليبها‪ ..‬ويف يده شعرة من شعرها‪ ..‬وعلى أثوابه بقية من دمعها‪ ..‬وذهب‬
‫األوالد اخلمسة‪..‬‬
‫وهاهي عظامهم يلوح هبا القدر‪ ..‬وحلمهم يفور به الزيت‪ ..‬تنظر املسكينة‪ ..‬إىل هذه العظام‬
‫الص غرية‪ ..‬عظ ام من؟ إهنم أوالده ا‪ ..‬ال ذين طاملا ملئ وا عليه ا ال بيت ض حكاً وس رورا‪ ..‬إهنم فل ذات‬
‫كبدها‪ ..‬وعصارة قلبها‪ ..‬الذين ملا فارقوها‪ ..‬كأن قلبها أخرج من صدرها‪ ..‬طاملا ركضوا إليها‪..‬‬
‫وارمتوا بني يديها‪ ..‬وضمتهم إىل صدرها‪ ..‬وألبستهم ثياهبم بيدها‪ ..‬ومسحت دموعهم بأصابعها‪ ..‬مث‬
‫هاهم ينتزعون من بني يديها‪ ..‬ويقتلون أمام ناظريها‪ ..‬وتركوها وحيدة وتولوا عنها‪ ..‬وعن قريب‬
‫س تكون معهم‪ ..‬ك انت تس تطيع أن حتول بينهم وبني ه ذا الع ذاب‪ ..‬بكلم ة كف ر تس معها لفرع ون‪..‬‬
‫لكنها علمت أن ما عند اهلل خري وأبقى‪..‬‬
‫مث‪ ..‬ملا مل يب ق إال هي‪ ..‬أقبلوا إليها كالكالب الضارية‪ ..‬ودفعوها إىل الق در‪ ..‬فلما محلوها‬
‫ليق ذفوها يف ال زيت‪ ..‬نظ رت إىل عظ ام أوالده ا‪ ..‬فت ذكرت اجتماعه ا معهم يف احلي اة‪ ..‬ف التفتت إىل‬
‫فرع ون وق الت‪ :‬يل إلي ك حاج ة‪ ..‬فص اح هبا وق ال‪ :‬م ا حاجت ك ؟ فق الت‪ :‬أن جتم ع عظ امي وعظ ام‬
‫أوالدي فتدفنها يف قرب واحد‪ ..‬مث أغمضت عينيها‪ ..‬وألقيت يف الق در‪ ..‬واح رتق جسدها‪ ..‬وطفت‬
‫ثر ثواهبا‪..‬‬ ‫ا أعظم ثباهتا‪ ..‬وأك‬ ‫ا‪ ..‬م‬ ‫ه دره‬ ‫ا‪ ..‬فلل‬ ‫عظامه‬
‫صفية بنت عبد المطلب‪ :‬شجاعة نادرة في ميادين الجهاد‬
‫يف تارخين ا اإلس المي نس اء عظيم ات خل دهن الت اريخ مبا ق دمن من تض حيات وم ا ص نعن من‬
‫مواق ف مش رفة ك ان هلا أثره ا يف انتش ار رس الة اإلس الم يف رب وع الع امل‪ ،‬من ه ؤالء العظيم ات من‬
‫سجل القرآن الكرمي سريهتن بأحرف من نور‪ ،‬حيث حتدث عن عطائهن اخلالد‪ ،‬ومنهن من كرمهن‬
‫الرس ول حبديث حاف ل بالعط اء لإلس الم واملس لمني‪ ،‬ومنهن الس يدات العفيف ات الالئي ق دمن للبش رية‬
‫وللحضارة اإلسالمية‪ ،‬وما زلن يقدمن كل ما هو مشرف وكرمي للمرأة املسلمة ‪.‬‬
‫س جالت الت اريخ حافل ة ب ألوف مؤلف ة من أمساء ه ؤالء العظيم ات ‪ . .‬وحنن نق دم هن ا خنب ة‬
‫خمت ارة من النس اء اخلال دات الاليت يع تز هبن اإلس الم لنوض ح للم رأة املس لمة املعاص رة حجم العط اء‬
‫املنتظر منها جتاه دينها ووطنها وأسرهتا‪ ،‬خاصة يف هذا العامل الذي ميوج بالتحديات واملشكالت اليت‬
‫حتاول ص رف املرأة عن القي ام ب دورها وعرقل ة مس رية العط اء املتم يز ال ذي تقدم ه نس اؤنا من ذ فج ر‬
‫اإلسالم ‪.‬‬
‫ضيفتنا اليوم فارسة مغوارة أظهرت يف ساحة القتال دفاع اً عن الدين والوطن والكرامة كل صنوف‬
‫الشجاعة وصور الكفاح املشرف‪ ،‬فحفرت امسها يف قائمة النساء املسلمات الالئي يعتز هبن اإلسالم‬
‫ويفخر هبن تارخيه احلافل بالعطاء والتضحيات ‪.‬‬
‫مل تكن مثل كثري من النساء تنشغل مبتاع الدنيا الزائل وال بوسائل رفاهيتها الفانية‪ ،‬بل كانت‬
‫عينه ا على ال دار اآلخ رة مبا أع د اهلل فيه ا لعب اده الص ادقني املخلص ني من نعيم دائم‪ ،‬خاص ة ه ؤالء‬
‫اجملاهدين الشرفاء الذين يقدمون أرواحهم وأمواهلم لنصرة دينهم ‪.‬‬
‫إهنا صفية بنت عبد املطلب بن هاشم ‪ -‬عمة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وهي األخت‬
‫الشقيقة حلمزة أسد اهلل وأخي الرسول صلى اهلل عليه وسلم يف الرضاعة‪ ،‬وأمها هالة بنت وهيب بن‬
‫عبد مناف وحبكم نسبها وتربيتها كانت كرمية النفس شديدة البأس‪ ،‬وكانت شاعرة مطبوعة‪ ،‬وقد‬
‫تزوجت يف اجلاهلية من احلارث بن حرب بن أمية بن عبد مشس فولدت له ابنا يدعى صفياً‪ ،‬ومات‬
‫عنه ا احلارث فتزوجت العوام بن خويلد بن أس د بن عبد الع زى أخ اً أم املؤم نني خدجية بنت خويلد‬
‫أوىل أزواج الن يب ص لى اهلل علي ه وس لم‪ ،‬فول دت ل ه ثالث ة من األوالد هم‪ :‬األم ري والس ائب وعب د‬
‫الكعبة ‪.‬‬
‫كان أبوها (عبد املطلب بن هاشم) جد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم سيد مكة يف زمانه‪،‬‬
‫وصاحب سقاية احلجيج وهو الذي أعاد حفر بئر زمزم‪ ،‬وتصدى ألبرهة األشرم وقصته معه عالمة‬
‫على عمق اإلميان والثقة باهلل وبأن للبيت رباً حيميه ‪.‬‬
‫كان لعبد املطلب عشرة من البنني وست من البنات‪ ،‬وحني بعث النيب صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫كان من بني أعمامه من بادر إىل اإلسالم وذاد عنه منذ البداية ومنهم من تأخر إسالمه‪ ،‬ومنهم من مل‬
‫يكن له يف اإلسالم ويف اجلنة نصيب‪ ،‬وأما عماته الست فكن‪ :‬أروى وعاتكة والبيضاء وبرة وأميمة‬
‫وصفية ‪.‬‬

‫قتال بالرمح والسيف‬

‫كانت صفية خترج إىل ساحات القتال تسقي اجملاهدين وتداويهم وحتمل معهم السيف عندما‬
‫حيتم عليه ا املش هد ذل ك‪ ،‬وموقفه ا يف غ زوة أح د ال ينس ى ويتناقل ه املؤرخ ون للغ زوات والفتوح ات‬
‫اإلسالمية‪ ،‬فعندما الحت مقدمات النصر يف أحد ترك الرماة من املسلمني مواقعهم‪ ،‬وشغلوا أنفسهم‬
‫جبمع الغنائم وهنا انقضت عليهم قوات املشركني‪ ،‬فتحول النص ر إىل هزمية‪ ،‬لكن الرسول صلى اهلل‬
‫عليه وسلم واصل اجلهاد مع فريق من اجملاهدين حىت أصيب ‪.‬‬

‫يف تل ك اللحظ ات احلرج ة ظه رت ش جاعة ص فية بنت عب د املطلب‪ ،‬حيث ألقت وع اء املاء‬
‫الذي تسقي به اجملاهدين وانطلقت جتاهد برحمها يف سبيل اهلل‪ ،‬وتصرخ يف الفارين املتخاذلني‪" :‬وحيكم‬
‫‪ . .‬اهنزمتم عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؟!" ‪.‬‬
‫وهن ا تق دمت الص فوف ت دافع عن رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم‪ ،‬ليس ألن ه ابن ش قيقها‬
‫عبداهلل‪ ،‬ولكن ألنه رسول اهلل‪ ،‬وصاحب دعوة احلق إىل الناس يف كل مكان ‪.‬‬
‫وفج أة وهي تقات ل بالس يف يف مقدم ة الص فوف إىل ج وار رس ول اهلل‪ ،‬رأت عن بع د جس د أخيه ا‬
‫(محزة بن عبد املطلب) وسط أجساد اجملاهدين الطاهرة وملا مهت باإلسراع إليه لفحصه وإلقاء نظرة‬
‫الوداع عليه رآها الرسول صلى اهلل عليه وسلم فقال البنها الزبري‪" :‬ردها عن رؤيته" ‪.‬‬
‫ق ال الزب ري ألم ه‪ :‬ي ا أم اه‪ ،‬إن رس ول اهلل ي أمرك أن ت رجعي‪ ،‬فدفعت ه يف ص دره وق الت‪ :‬ومل؟‬
‫وغضبت للتمثيل جبثة شقيقها يف أول األمر غضباً شديداً‪ ،‬مث عادت وصربت واحتسبته عند اهلل الذي‬
‫ال تضيع ودائعه وقالت‪" :‬ال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم ودعت دعاء الصابرين‪" :‬إنا هلل وإنا‬
‫إليه راجعون" ‪ .‬مث أمر الرسول صلى اهلل عليه وسلم بدفنه مع عبد اهلل بن جحش ابن أخته وأخيه يف‬
‫الرضاعة ‪.‬‬

‫األخ العظيم‬

‫كانت صفية حتمل حباً وتقديراً خاصاً ألخيها محزة‪ ،‬فهو الفارس الشجاع الذي تصدى ألىب‬
‫جهل (عمرو بن هشام) عندما أهان رسول اهلل‪ ،‬حيث يروى أن كبري اجلهال مر على الرسول صلى‬
‫اهلل عليه وسلم عند الصفا فسبه وآذاه بطريقة قبيحة مل يرد عليه النيب‪ ،‬فتوجه أبو جهل إىل الكعبة‬
‫وأخرب سادة قريش مبا فعله مبحمد ‪.‬‬

‫كان محزة ‪ -‬عم النيب ‪ -‬يف رحلة صيد‪ ،‬وكان من عادته أن يطوف بالكعبة قبل العودة إىل‬
‫منزله‪ ،‬فأخربته جارية مبا وقع البن أخيه فغضب وتوجه إىل أيب جهل وضربه بالقوس فشج رأسه‬
‫وقال‪ :‬أتسب حممداً وأنا على دينه؟ ومضى محزة إىل ابن أخيه وأعلن إسالمه ‪.‬‬
‫ويف يوم أحد‪ ،‬وبعد استشهاده بقرت هند بنت عتبة زوج أيب سفيان بن حرب أكرب رؤوس‬
‫الشرك يف مكة بطن محزة‪ ،‬وأكلت من كبده وجدعت أنفه وأذنيه انتقاماً ملقتل أبيها وأخيها على يديه‬
‫يف غزوة بدر ‪ .‬وهذا ما أغضب صفية وأثار حفيظتها يف ذلك اليوم‪ ،‬كما أغضب النيب الكرمي صلى‬
‫اهلل عليه وسلم وصحابته ‪ .‬وأنزل عليهم احلق تبارك وتعاىل آيات كرمية تواسي املسلمني يف هذا‬
‫املوقف الصعب األليم‪" :‬وال هتنوا وال حتزنوا وأنتم األعلون إن كنتم مؤمنني ‪.‬إن ميسسكم قرح فقد‬
‫مس القوم قرح مثله وتلك األيام نداوهلا بني الناس وليعلم اهلل الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء واهلل ال‬
‫حيب الظاملني" ‪.‬‬
‫ومل تقتصر رسالة صفية على ما كانت تقدمه يف ساحات القتال إىل جوار اجملاهدين بالسيف‬
‫والرمح‪ ،‬والقيام على خدمتهم وشحنهم معنوياً ونفسياً لبذل كل ما يف وسعهم يف ميادين الشرف‬
‫والعطاء ‪ . .‬فقد ربت صفية فارساً مغواراً هو الزبري بن العوام أول فارس يف اإلسالم‪ ،‬أعدته ‪ -‬بعد‬
‫وفاة أبيه ‪ -‬ليكون جندياً من جنود اهلل ‪ .‬وكما ترىب على األخالق الكرمية تدرب على خوض املعارك‬
‫‪.‬‬ ‫وفنون القتال‪ ،‬وأخذ عنه أبناؤه هذه اخلصال وساروا على املنهج نفسه ونسجوا على نفس املنوال‬

‫طبيبة المجاهدين‬

‫ك ان للس يدة ص فية ص والت وج والت مش هودة يف عالج اجملاه دين وتض ميد ج راحهم‪،‬‬
‫والتخفيف عنهم نفسياً ودفعهم إىل املزيد من التضحيات بعد االستشفاء‪ ،‬ويف غزوة خيرب قامت صفية‬
‫بتخص يص خيم ة م ع ع دد من النس اء املس لمات لتق دمي اخلدم ة الطبي ة للمق اتلني يف س بيل اهلل‪ ،‬وهي‬
‫ب ذلك ص احبة أول مستش فى مي داين مبفه وم العص ر احلديث‪ ،‬وق د ح دد هلن الرس ول ص لى اهلل علي ه‬
‫وسلم نصيباً من الغنائم اعرتافاً هبذا الدور الكبري‪ ،‬لكنها كانت عفيفة النفس زاهدة يف متع الدنيا‪ ،‬فلم‬
‫تكن تريد ماالً ولكنها تتطلع إىل اجلزاء األوىف من اهلل عز وجل ‪.‬‬

‫وموقفه ا يف غ زوة اخلن دق ك ان دليالً جدي داً على ش جاعتها وش دة حرص ها من األع داء‬
‫والرتبص هبم‪ ،‬فقد حتالفت يف يوم اخلندق قريش وغطفان ويهود بين قريظة حلرب املسلمني وحاصروا‬
‫املدينة‪ ،‬وق ام الن يب صلى اهلل علي ه وسلم واملسلمون حبف ر خندق حول املدينة‪ ،‬وكان صلى اهلل عليه‬
‫وس لم حريص اً على محاي ة النس اء والول دان وتوف ري األمن هلم حىت يصون أع راض املس لمني‪ ،‬وح ىت ال‬
‫ينشغل املقاتلون ببيوهتم‪ ،‬فأمر بنسائه ونساء املسلمني وأطفاهلم فجعلوا يف احلصون والقالع ونزلت‬
‫صفية وعدد من نساء املسلمني يف حصن حلسان بن ثابت‪ ،‬وكان من أقوى احلصون يف املدينة‪ ،‬وبينما‬
‫صفية تراقب ما جيري خارج احلصن رأت يهودي اً من بين قريظة الذين نقضوا عهدهم مع رسول اهلل‬
‫وحتالفوا مع أعدائه وخشيت أن ترتكه يذهب ويأيت مبن ينال من النساء‪ ،‬ومل ترد تشغل النيب وأصحابه‬
‫هبذا األمر يف هذا الوقت العصيب‪ ،‬فطلبت من حسان بن ثابت أن ينزل إليه فيقتله حىت ال يذهب إىل‬
‫اليهود ويفشي سرهم ويعرضهم للقتل أو السيب‪ ،‬وألن حسان كان مسناً ومريض اً وال قدرة له على‬
‫القتال‪ ،‬قال هلا‪ :‬يغفر اهلل لك يا ابنة عبد املطلب‪ ،‬واهلل قد عرفت ما أنا بصاحب هذا‪ ،‬فرتكته صفية‬
‫وأخذت عموداً من حديد من خيمتها ومضت إىل باب احلصن ففتحته ومضت إىل اليهودي فضربته‬
‫بالعمود على رأسه فقتلته ‪.‬‬
‫قول صفية عن هذه الواقعة‪" :‬أنا أول امرأة تقتل رجالً" (تعين من اليهود أو املشركني)‪ ،‬فلم‬
‫تكن النس اء مطالب ات بالقت ال ولكنه ا رأت يف القت ال ض رورة فق امت بواجبه ا ‪.‬‬
‫وقيل تعقيباً على هذه الواقعة وقتل اليهودي على يد صفية أن األعداء عندما شاهدوا قتيلهم‪ ،‬ظنوا أن‬
‫حممداً ترك نساءه وأطفاله يف صحبة فرسان أشداء فعادوا من حيث جاؤوا ‪.‬‬
‫لقد عاشت صفية بنت عبد املطلب عزيزة كرمية بعد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يعرف‬
‫اخللفاء الراشدون قدرها‪ ،‬ويعرتف الصحابة الكرام رضي اهلل عنهم بفضلها‪ ،‬انتقلت إىل جوار رهبا يف‬
‫خالفة أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه سنة عشرين من اهلجرة‪ ،‬بعد أن بلغت من العمر‬
‫أكثر من سبعني عاماً‪ :‬فصلى عليها عمر ودفنت بالبقيع ‪.‬‬
‫قصة علي بابا‬
‫تدور أحداث هذه القصة حول شخص يُدعى علي بابا وزوجته الذكية مرجانة اللذين كانا‬
‫يعيشان يف إحدى مدن بالد فارس‪ ،‬وكان علي بابا يعيش يف فقر وعوز وحاجة‪ ،‬بينما يعيش أخوه‬
‫وتن ّعم يف ثروته‬
‫ثري كبري َ‬
‫تزوج من ابنة تاجر ّ‬
‫قاسم عيشة مليئة بالرغد والرفاه واملال والعز بعد أن ّ‬
‫بعد انقضاء أجله‪ ،‬ومل يكن قاسم يأبه حلاجة أخيه علي بابا‪ ،‬حيث كان يعم ل بالتجارة بينما كان‬
‫أخوه بالكاد جيد قوت يومه من بيع احلطب الذي كان جيمعه على ظهر محاره الضعيف‬
‫‪.‬‬
‫مرة لالحتطاب مع محاره‪ ،‬وجلس لريتاح قليالً بعد أن أعياه التعب‪ ،‬إاّل أ ّن‬
‫خرج علي بابا ذات ّ‬
‫صوت حوافر اخليول القادمة من بعيد قد أرعبه فهرع راكضاً خمتبئاً وراء صخرة قريبة‪ ،‬وأثناء اختبائه‬
‫رأى جمموعة من اللصوص امللثمني يتوجهون إىل مغارة كبرية تغطي باهبا صخرة عظيمة تقع داخل‬
‫جبل‪ ،‬وملا وصل اللصوص إىل املغارة قالوا‪" :‬افتح يا مسسم"‪ ،‬فانشق اجلبل وفُتحت هلم مغارة مليئة‬
‫بالذهب واجلواهر واألموال فدخلوا إليها ومجعوا ما مجعوا منها على ظهر خيوهلم وانصرفوا وقد‬
‫أقفلت املغارة بعدهم باهبا‪.‬‬

‫جيرب بنفسه فتح هذه املغارة السحرية‬


‫انتظر علي بابا حىت انصرف اللصوص والذهول ميلؤه‪ ،‬وقرر أن ّ‬
‫ليتنع م مبا هو موجود فيها‪ ،‬وبالفعل انشق اجلبل ثانية وفتحت املغارة باهبا بعد أن قال علي بابا مجلته‬
‫ّ‬
‫السحرية "افتح يا مسسم"‪ ،‬وأخذ ميأل جيوبه وما على ظهر محاره من سالل بالنقود الذهبية واجلواهر‬
‫والفرحة تغمره‪ ،‬وبعدها عاد راجعاً إىل بيته ليحكي ما حدث معه لزوجته العزيزة مرجانة‪.‬‬
‫رسل علي بابا مرجانة لتقوم باستعارة مكيال من أخيه قاسم‪ ،‬إاّل أ ّن ذلك جعل الشك يراود زوجة‬
‫قاسم الشريرة‪ ،‬حيث إ ّن علي بابا ال ميلك ما يكيله‪ ،‬فلماذا يريد املكيال! فكرت زوجة قاسم يف حيلة‬
‫ذكية تكشف فيها أمر هذا الرجل فقامت بوضع العسل يف قاع املكيال لتعرف ماذا أراد علي بابا أن‬
‫يكيل‪ ،‬وملا أعاد علي بابا املكيال إىل زوجة قاسم‪ ،‬نظرت إليه فإذا بعملة نقدية قد التصقت به‪،‬‬
‫سره‪.‬‬
‫ففوجئت بذلك ودفعت زوجها قاسم إىل الذهاب إىل أخيه ملعرفة ّ‬

‫سر املغارة‪ ،‬لكنّه وعده بأاّل يذهب إليها مبفرده‪،‬‬


‫حتايل قاسم على علي بابا مبعسول الكالم حىت عرف ّ‬
‫احململة بالسالل ليمألها مبا‬
‫ويتوجه إىل املغارة مع جمموعة من البغال ّ‬
‫ّ‬ ‫إاّل أ ّن جشعه جعله ينقض عهده‬
‫يستطيع من جواهر وأموال‪ ،‬استطاع قاسم أن يدخل إىل املغارة بعد أن قال "افتح يا مسسم"‪ ،‬وقضى‬
‫فيها وقتاً طويالً جداً يكنّز الذهب وحيمل كل ما استطاع من نقود وجواهر‪ ،‬وملا شعر بأ ّن عليه‬
‫اخلروج من هذه املغارة كان قد نسي اجلملة السحرية‪ ،‬فأخذ حياول ويقول "افتح يا مببم" "افتح يا‬
‫دقيق" والكثري من احملاوالت األخرى اليت مل تنجح‪ ،‬وأثناء وجود قاسم يف املغارة جاء اللصوص فرأوه‬
‫فيها فنالوا منه وقتلوه ورموه أرضاً‪.‬‬

‫خرج علي بابا للبحث عن أخيه عند اختفائه مل ّدة طويلة‪ ،‬وملا وجده قتيالً بكى عليه بكاء شديداً‬
‫وأخذه لدفنه‪ ،‬وملا عاد اللصوص إىل املغارة يف اليوم التايل ومل جيدوا جثة قاسم علموا أ ّن له شريكاً‪،‬‬
‫عمن تويف يف املدينة منذ وقت قريب‪ ،‬وعرف أحد اللصوص أ ّن لقاسم أخاً يدعى علي‬
‫فأخذوا يبحثوا ّ‬
‫بابا وأنّه ال ب ّد شريكه‪ ،‬فوضع إشارة بالطباشري األبيض على باب بيته ليعرفه بقيّة اللصوص وينالوا منه‬
‫ليالً‪ ،‬إّأل أن مرجانة الذكية تفطّنت خلطتهم ووضعت عالمات مشاهبة على بقية بيوت املدينة فضيّع‬
‫أثره اللصوص‪ ،‬إاّل أهّن م حبثوا عنه جمدداً ووجدوه‪ ،‬ونزلوا عنده ضيوفاً حبيلة تاجر زيت حيمل أربعني‬
‫جرة من هذه اجلرار‬
‫جرة قد تقطّعت به السبل ونزل ضيفاً عند علي بابا الذي مل يكن يعلم أ ّن يف كل ّ‬
‫ّ‬
‫لصاً قد اختبأ فيها للنيل منه‪ ،‬نزل الضيف يف منزل علي بابا ووضع جرار الزيت يف الفناء اخللفي إىل‬
‫أن حيني وقت اخلطة‪ ،‬إاّل أ ّن مرجانة الذكية تنبهت ثانية إىل خدعتهم عندما مسعت مهساً قادماً من‬
‫أحد اجلرار يقول "هل حان الوقت؟" فركضت وأحضرت حجارة ثقيلة أغلقت هبا فوهات اجلرار‬
‫حىت مات اللصوص فيها خنقاً‪ ،‬فيما أخربت عالء الدين عن خمطط ضيفه الشرير وأرته اخلنجر الذي‬
‫حيمله على خصره لقتله‪ ،‬فقام بالتخلّص منه‪ ،‬وعاش علي بابا ومرجانة حياة رغدة مليئة بالسعادة‬
‫واهلناء‪.‬‬

You might also like