You are on page 1of 39

‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬

‫‪www.alukah.net ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪5‬‬ ‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬

‫قصة القالدة التي استجاشت مشاعر المعصوم ‪‬‬


‫حبا اهلل تعاىل نبيه حممد ‪ ‬ذرية طيبة مباركة من األبناء‬
‫والبنات‪ ،‬فأبناؤه ‪ ‬هم القاسم وعبد اهلل وإبراهيم‪ .‬وأما البنات‬
‫فهن‪ :‬زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة‪.‬‬
‫وقد كان لنبينا ‪ ‬عناية فريدة بأبنائه وبناته تتضح لكل من‬
‫الزاكية‪.‬‬
‫طالع سريته َّ‬
‫وبالنسبة للبنات فقد كان هلن من العناية واحملبة واإلشفاق ما‬
‫يتناسب وأنوثتهن‪ ،‬فوجدن من رسول اهلل ‪ ‬عظيم الرعاية وكرمي‬
‫العناية‪.‬‬
‫ويف األسطر التالية نقف بعض الوقفات مع واحدة من بنات‬
‫نبينا ‪ ‬من خالل موقف عصيب مر هبا‪.‬‬
‫فقد روت أم املؤمنني عائشة ـ رضي اهلل عنها ـ قالت‪ :‬ملا بعث‬
‫أهل مكة يف فداء أساراهم‪ ،‬بعثت زينب بنت رسول اهلل ‪ ‬يف فداء‬
‫أيب العاص بقالدة كانت خدجية أدخلتها هبا على أيب العاص حني‬
‫بىن هبا‪ ،‬فلما رآها رسول اهلل ‪ ‬رق هلا رقة شديدة‪ ،‬وقال‪« :‬إن‬
‫رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها‪ 8‬وتردوا الذي لها»(‪.)1‬‬
‫ولعلنا نوضح مالبسات هذا املوقف السابقة له ليزداد وضوحا‪،‬‬
‫فأقول‪ :‬إن زينب ـ عليها السالم ـ وهي أكرب بنات النيب ‪ ، ‬وكان‬
‫مولدها قبل البعثة‪ ،‬فتزوجها ابن خالتها هالة بنت خويلد‪ ،‬أبو‬

‫() "املستدرك" (‪ ،)45 – 4/44‬وصححه ووافقه الذهيب‪ ،‬وهو حديث صحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪6‬‬

‫العاص بن الربيع‪ ،‬يف حياة أمها خدجية ـ رضي اهلل عنها ـ ‪،‬‬
‫وأسلمت زينب قبل زوجها‪ ،‬حىت إن قريشا كانت تريد من أيب‬
‫العاص أن يطلقها‪ ،‬ليزوجوه مبن شاء من بنات قريش نكاية بأبيها‬
‫رسول اهلل ‪ ، ‬ولكن أبا العاص أىب ذلك لفرط حبه هلا‪ ،‬وكانت‬
‫خالل ذلك تدعوه لإلسالم‪ ،‬وتؤمل ذلك منه‪ ،‬ألنه مل يؤثر عنه‬
‫عداء أو أذية لرسول اهلل ‪ ، ‬فبقيت على هذه احلالة عنده‪ ،‬يف حني‬
‫أن املسلمني ويف مقدمتهم إمامهم نبينا حممد ‪ ‬هاجروا إىل املدينة‪.‬‬
‫حىت كانت غزوة بدر إذ خرج هلا املشركون‪ ،‬وكان معهم أبو‬
‫العاص‪ ،‬ولعله أخرج غري راغب يف اخلروج‪ ،‬فهزمت قريش بأمر‬
‫اهلل‪ ،‬وعادت جتر أذيال اهلزمية املرة‪ ،‬وخلفت من خلفت وراءها من‬
‫القتلى واألسرى‪ ،‬ومنى هذا اخلرب العظيم لبنت رسول اهلل زينب‬
‫وهي ال تزال مبكة‪ ،‬ومل ينغص عليها فرحها وسرورها بالنصر املؤزر‬
‫للمسلمني إال علمها مبصري زوجها وأنه أسري من األسرى‪ ،‬وراحت‬
‫تبذل ما يف وسعها لفكاك هذا األسري احلبيب‪ ،‬ومتنت لو خرجت‬
‫إىل املدينة لتبارك ألبيها النصر‪ ،‬ولتفتدي زوجها‪ ،‬ولكنها خشيت‬
‫على نفسها ممن أبغضوها لبغض أبيها‪.‬‬
‫ونظرت زينب ـ رضي اهلل عنها ـ إىل ما ميكن أن يقوى تأثريه‬
‫يف نفس أبيها ‪ ، ‬فكان أن أرسلت بقالدة يعرفها رسول اهلل ‪، ‬‬
‫ويعرف مهديتها وصاحبتها‪ ،‬ويعرف املناسبة اليت أهديت فيها تلك‬
‫القالدة‪.‬‬
‫فصاحبة القالدة هي‪ :‬خدجية زوجه صاحبة املكانة األثرية يف‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪7‬‬ ‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬

‫نفسه‪.‬‬
‫واملناسبة هي‪ :‬ليلة زواج بنته زينب بأيب العاص‪.‬‬
‫حيث أهدت خدجية بنتها زينب تلك القالدة فرحا بتلك‬
‫املناسبة العزيزة لكل أم‪.‬‬
‫وها هي القالدة بني يدي النيب ‪ ، ‬يأيت هبا عمرو بن الربيع‪،‬‬
‫أخو أيب العاص‪ ،‬وقد بعثت هبا بنته زينب تطلب هبا فكاك زوجها‬
‫وفداءه‪ ،‬كما افتدي غريه من األسرى‪.‬‬
‫وملا وقع نظر النيب ‪ ‬على تلك القالدة‪ ،‬وهو ـ عليه الصالة‬
‫والسالم ـ بشر مثلنا‪ ،‬يتأثر مبا يتأثر به الناس‪ ،‬حينذاك انبعثت يف‬
‫نفسه الذكريات لسنني غابرة‪ ،‬ذكريات السيدة اجلليلة خدجية ـ‬
‫رضي اهلل عنها ـ صاحبة املكانة السامقة واملنزلة األثرية يف نفسه‪،‬‬
‫عادت به الذكريات إىل ليلة كانت فيها خدجية يف قمة سرورها‬
‫بزفاف ابنتها‪ ،‬وهي تدخل ابن أختها هالة بنت خويلد‪ ،‬على ابنتها‪،‬‬
‫فحلتها بأحسن ما عندها من حلي‪ ،‬وزينتها بقالدة وأهدهتا هلا‪.‬‬
‫ومل تزل زينب حتتفظ بتلك القالدة‪ ،‬فهي نفيسة عندها ألجل‬
‫تلك املناسبة‪ ،‬وألجل أن اليت أهدهتا هلا حبيبة إىل نفسها‪ ،‬وحق هلا‬
‫ذلك‪ ،‬لكنها تتخلى عن تلك القالدة يف هذا الظرف العصيب وفاء‬
‫حلياهتا الزوجية مع زوجها أيب العاص‪.‬‬
‫هكذا تتابع الذكريات يف نفس رسولنا ‪ ، ‬تلك الذكريات‬
‫األسرية‪ ،‬وذكريات األبوة احلانية‪ ،‬فيتأثر لذلك تأثرا شديدا‪ ،‬وكأين‬
‫بدمعه يرتقرق يف مقلتيه الشريفتني ‪. ‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪8‬‬

‫وقد عرف الصحابة هذا التأثر‪ ،‬ورأوه باديا على وجهه ‪‬‬
‫حيث كانوا يعرفون عالمات سروره وحزنه ‪ ‬بقسمات وجهه‪،‬‬
‫فضاقت عليهم الدنيا ألجل تأثر حبيبهم ‪ ، ‬وحق هلم ذلك‪.‬‬
‫وحينذاك قال عليه الصالة والسالم‪« :‬إن رأيتم أن تطلقوا‬
‫أسيرها‪ ،‬وتردوا عليها الذي لها»‪ ،‬يعين قالدهتا اليت أرسلت هبا‪.‬‬
‫وكأنه علم أن ابنته ما كانت لتفرط يف قالدهتا تلك لوال‬
‫اضطرارها‪ ،‬يقول ذلك عليه الصالة والسالم يف أسلوب العرض‪،‬‬
‫ملكان بنته‪ ،‬مع أنه إمام األمة وقائدها ولن يؤخر املسلمون له أمرا‬
‫أو طلبا‪ ،‬لكنه جيعل كالمه بذلك األسلوب‪ ،‬أسلوب العرض‪ ،‬فما‬
‫أعظم أخالقه وسجاياه‪ ،‬بأيب وأمي هو ‪. ‬‬
‫وأمام هذا املشهد املؤثر يبادر صحابة رسول اهلل ‪ ، ‬وهم‬
‫السباقون لطاعته‪ ،‬ويقولون‪ :‬نعم يا رسول اهلل‪ ،‬فأطلقوا أبا العاص‪،‬‬
‫وردوا إىل زينب متاعها‪.‬‬
‫وهكذا تظهر لنا صفحة من صفحات حياة النيب الكرمي ‪ ‬يف‬
‫وفائه لزوجه خدجية‪ ،‬نعم إنه يتأثر بسبب أثر من آثارها ذكره أياما‬
‫خلت وذكريات سبقت‪ ،‬كيف ال‪ ،‬وهو يتأثر ويبش إذا مسع صوتا‬
‫يشبه صوهتا‪ ،‬ففي "الصحيحني" (‪ )1‬عن عائشة ـ رضي اهلل عنها ـ‬
‫قالت‪ :‬استأذنت هالة بنت خويلد‪ ،‬أخت خدجية على رسول اهلل ‪‬‬
‫‪ ،‬فعرف استئذان خدجية فارتاح لذلك [أي تذكر صفة استئذان‬
‫خدجية لشبه صوهتا بصوت خدجية‪ ،‬فهش جمليئها وسر هبا‪ ،‬لتذكره‬

‫() أخرجه البخاري (رقم ‪ ،)3821‬ومسلم (رقم ‪.)2437‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪9‬‬ ‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬

‫هبا خدجية وأيامها]‪ ،‬فقال‪ :‬ـ أي ملا مسع صوهتا ـ ‪« :‬اللهم هالة‪ 8‬بنت‬
‫خويلد»‪.‬‬
‫ويف هذا كله دليل حلسن العهد وحفظ الود‪ ،‬ورعاية حرمة‬
‫الصاحب والعشري يف حياته وبعد وفاته‪ ،‬وإكرام أهل ذلك‬
‫الصاحب‪.‬‬
‫وعودا على زينب وزوجها أيب العاص ـ رضي اهلل عنهما‪ ،‬فإنه‬
‫ملا أطلق أخذ عليه النيب ‪ ‬العهد وامليثاق أن خيلي سبيل زينب إذا‬
‫عاد إىل مكة‪ ،‬وكانت ـ رضي اهلل عنها ـ من املستضعفني من النساء‪،‬‬
‫واستكتمه النيب ‪ ‬ذلك‪ ،‬وبعث زيد بن حارثة ورجال من األنصار‪،‬‬
‫فقال‪« :‬كونا ببطن ياجج ـ وهو مكان قريب من مكة ـ حتى تمر‬
‫بكما زينب فتصحباها‪ 8‬حتى تأتياني‪ 8‬بها» (‪ )1‬وذلك بعد بدر‬
‫بشهر‪.‬‬
‫فلما قدم أبو العاص مكة أمر زينب أن تلحق بأبيها‪ ،‬فتجهزت‪،‬‬
‫وخرج معها كنانة بن الربيع‪ ،‬أخو أيب العاص‪ ،‬ومعه قوسه‬
‫وسهامه‪ ،‬فخرج هبا هنارا‪ ،‬فاعرتضه رجال من قريش‪ ،‬وخنسها َهبَّار‬
‫بن األسود وعمرو بن ود‪ ،‬فنثر كنانة أسهمه‪ ،‬وقال‪ :‬واهلل ال يدنو‬
‫مين رجل إال وضعت فيه سهما‪ ،‬وتراجعوا عنه‪.‬‬
‫مث جاء أبو سفيان وفاوضه‪ ،‬وقال‪ :‬إنك مل تصب‪ ،‬خرجت‬
‫باملرأة على رؤوس الناس عالنية‪ ،‬وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما‬
‫دخل علينا من حممد‪ ،‬فيظن الناس إذا خرجت بابنته عالنية إليه أن‬

‫() أخرجه البيهقي يف "الدالئل" (‪.)155 ، 3/154‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪10‬‬

‫ذلك على ذل أصابنا‪ ،‬وأن ذلك منا َو َه ٌن وضعف‪ ،‬ولعمري ما بنا‬


‫حببسها عن أبيها من حاجة‪ ،‬ولكن ارجع باملرأة‪ ،‬حىت إذا هدأت‬
‫األصوات‪ ،‬وحتدث الناس أنا رددناها‪ ،‬فسلها سرا وأحلقها بأبيها‪،‬‬
‫ففعل مث خرج هبا ليال‪ ،‬بعد ليال‪ ،‬وسلمها إىل زيد وصاحبه‪ ،‬فقدما‬
‫هبا على النيب ‪ ، ‬فأقامت عنده‪.‬‬
‫وملا كان قبل الفتح خرج أبو العاص تاجرا إىل الشام مباله ومبال‬
‫كثري لقريش‪ ،‬فلما رجع لقيته سرية فأصابوا ما معه‪ ،‬وهرب ومل‬
‫يلحقوا به‪ ،‬فقدموا مبا أصابوا‪ ،‬وأقبل أبو العاص حنو املدينة يف الليل‪،‬‬
‫حىت دخل على زينب فاستجار هبا فأجارته‪ ،‬وجاء يف طلب ماله‪.‬‬
‫فلما خرج النيب ‪ ‬إىل الصبح وصلى بالناس‪ ،‬نادت زينب من‬
‫صفة النساء‪ :‬إين قد أجرت أبا العاص بن الربيع‪ ،‬فلما سلم النيب ‪‬‬
‫قال‪« :‬ما علمت بهذا‪ ،‬وإنه يجير على المسلمين أدناهم‪.»8‬‬
‫وبعث ‪ ‬إىل السرية الذين أصابوا ماله‪ ،‬فقال‪« :‬إن هذا الرجل‬
‫منا حيث قد علمتم‪ ،‬وقد أصبتم له ماال‪ ،‬فإن تحسنوا وتردوا‬
‫عليه الذي له‪ ،‬فإنا نحب ذلك‪ ،‬وإن أبيتم فهو فيء اهلل الذي‬
‫أفاء عليكم‪ ،‬فأنتم أحق به»‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬بل نرده‪ ،‬فردوه كله‪ ،‬مث ذهب إىل مكة‪ ،‬فأدى إىل كل‬
‫ذي مال ماله‪ ،‬مث قال‪ :‬يا معشر قريش هل بقي ألحد عندي منكم‬
‫مال‪ ،‬قالوا‪ :‬ال‪ ،‬فجزاك اهلل خريا‪ ،‬فقد وجدناك وفيا كرميا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فإين أشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن حممدا عبده ورسوله‪ ،‬واهلل ما‬
‫منعين من اإلسالم عنده إال ختوف أن تظنوا أين إمنا أردت أكل‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪11‬‬ ‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬

‫أموالكم (‪.)1‬‬
‫مث قدم على رسول اهلل ‪ ‬ورد عليه زينب بنكاحها األول‪ ،‬ومل‬
‫حيدث صداقا‪ ،‬وكان قد أمره أال يقرهبا مادام مشركا‪ ،‬وكان ذلك‬
‫يف احملرم سنة سبع‪.‬‬
‫توفيت زينب يف أول عام مثان من اهلجرة‪ .‬وتويف بعدها زوجها‬
‫أبو العاص بقليل‪.‬‬
‫رضي اهلل عنهما وأرضامها‪ ،‬وسالم عليهما يف العاملني‪.‬‬

‫***‬

‫() قال اهليثمي يف "اجملمع" (‪ :)9/219‬رواه الطرباين‪ ،‬وإسناده منقطع‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪12‬‬

‫مصاب في بيت النبوة‬


‫يف "الصحيحني" وغريمها عن أسامة بن زيد ـ رضي اهلل عنهما ـ‬
‫قال‪ :‬أرسلت ابنة النيب ‪[ ‬وهي زينب كما يف رواية تقول]‪ :‬إن ابنا‬
‫يل قبض‪ ،‬فأتنا‪ ،‬فأرسل يقرئ السالم ويقول‪« :‬إن هلل ما أخذ وما‬
‫أعطى‪ ،‬وكل عنده بأجل مسمى‪ ،‬فلتصبر ولتحتسب» فأرسلت‬
‫إليه تقسم عليه ليأتينها‪ ،‬فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل‬
‫وأيب بن كعب وزيد بن ثابت ورجال‪ ،‬فرفع إىل رسول اهلل ‪‬‬
‫الصيب ونفسه تتقعقع ـ كأهنا شن ـ [يعين القربة إذا صب فيها املاء]‬
‫ففاضت عيناه‪ .‬فقال سعد‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ما هذا؟ فقال‪« :‬هذه‬
‫رحمة جعلها اهلل في قلوب عباده‪ ،‬وإنما يرحم اهلل من عباده‬
‫الرحماء»(‪.)1‬‬
‫هذا احلديث خرجه البخاري يف مواضع من صحيحه منها‪ :‬يف‬
‫كتاب اجلنائز‪ ،‬باب قول النيب ‪ : ‬يعذب امليت ببكاء أهله عليه‪،‬‬
‫ويف كتاب املرضى‪ ،‬باب عيادة الصبيان‪ ،‬ويف غريمها‪ ،‬ورواه مسلم‬
‫يف كتاب اجلنائز‪ ،‬باب البكاء على امليت‪.‬‬
‫ويف هذا احلديث خيرب أسامة بن زيد أنه كان جالسا عند‬
‫رسول اهلل ‪ ‬ومعهما سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأيب بن كعب‬
‫وزيد بن ثابت وغريهم‪ ،‬فأرسلت زينب بنت النيب ‪ ‬ختربه أن بنتها‬
‫أمامة اشتد مرضها وأن املوت نزل هبا وهي حتتضر‪ ،‬وطلبت‬
‫حضوره‪ ،‬لعله أن يدعو هلا فتشفى‪.‬‬

‫() "صحيح البخاري" (رقم ‪" ،)1284‬صحيح مسلم" (رقم ‪.)923‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪13‬‬ ‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬

‫لكن النيب ‪ ‬امتنع من الذهاب إليها مبالغة يف إظهار التسليم‬


‫لربه ـ جل وعال ـ وأن األمر بيده سبحانه‪ ،‬وأرسل إليها من أرسلت‪،‬‬
‫وأمره أن يبلغها السالم‪ ،‬وأن خيربها أن هلل ما أخذ وله ما أعطى‪،‬‬
‫وأن كل شيء عنده بأجل مسمى‪ ،‬وأن الواجب عليها أن تصرب‬
‫وحتتسب‪ ،‬فال جتزع‪ ،‬بل تسلم لقضاء اهلل وقدره‪ ،‬ألنه سبحانه‬
‫استودعها ما وهبها‪ ،‬مث اسرتدها ملا جاء أجلها املقدر‪.‬‬
‫لكن زينب أعادت رسوهلا إىل والدها ‪ ‬وأقسمت عليه أن‬
‫حيضر‪ ،‬فأبر قسمها تطييبا خلاطرها‪ ،‬فتوجه إليها رسول اهلل ‪ ‬ومعه‬
‫عدد من الصحابة‪ ،‬فاستأذنوا‪ ،‬فأذن هلم‪ ،‬فدخلوا‪ ،‬ورفعت الصبية‬
‫لرسول اهلل ‪ ‬وهي ال تزال حتتضر‪ ،‬وهلا صوت حشرجة‪ ،‬ويف رواية‬
‫النسائي‪ :‬أن النيب ‪ ‬ضمها إىل صدره مث وضع يده عليها‪ ،‬وحينئذ‬
‫مل يتمالك النيب ‪ ‬نفسه فدمعت عيناه وبكى‪ ،‬بأيب هو وأمي ‪ ‬ما‬
‫أرمحه وما أرق قلبه‪.‬‬
‫فاضت عينا النيب ‪ ، ‬والصحب الكرام يرقبونه‪ ،‬فاستغرب‬
‫سعد بن معاذ بكاءه ‪ ‬مع أنه يظن أن البكاء منهي عنه‪ ،‬ولعله مل‬
‫يفرق بني اجلائز منه واملمنوع‪.‬‬
‫فأجابه ‪ ‬بأن ذلك البكاء والدمع أثر رمحة جيعلها اهلل يف قلوب‬
‫من شاء من خلقه‪ ،‬وأن اهلل ـ جل وعال ـ إمنا يرحم من عباده‬
‫الرمحاء‪.‬‬
‫وقد تضمن هذا احلديث فوائد عدة‪:‬‬
‫منها‪ :‬الرتغيب يف الشفقة على خلق اهلل‪ ،‬والرمحة هلم‪،‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪14‬‬

‫والرتهيب من قساوة القلب‪ ،‬ومجود العني‪.‬‬


‫وفيه‪ :‬أن أهل الفضل ال ينبغي هلم أن يقطعوا الناس من فضلهم‬
‫وإرشادهم والعناية بأمورهم‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬ما يبني ما كان عليه النيب ‪ ‬من كمال الشفقة والرمحة‬
‫ورقة القلب‪.‬‬
‫فها هو عليه الصالة والسالم حيضر تشييع إحدى بناته ويرى‬
‫يف عينيه الدمع‪ ،‬ذلكم ما ثبت يف الصحيح (‪ )1‬عن أنس بن مالك ـ‬
‫رضي اهلل عنه ـ قال‪ :‬شهدنا بنتا لرسول اهلل ‪ ، ‬ورسول اهلل ‪‬‬
‫جالس على القرب [يعين على شفري القرب] قال‪ :‬فرأيت عينيه تدمعان‪.‬‬
‫ويف "الصحيح" (‪ )2‬أيضا أنه عليه الصالة والسالم دخل على‬
‫ابنه إبراهيم وهو جيود بنفسه‪ ،‬يعين يف سياق املوت‪ ،‬فجعلت عينا‬
‫رسول اهلل ‪ ‬تذرفان‪ ،‬فقال له عبد الرمحن بن عوف ـ رضي اهلل عنه‬
‫ـ ‪ :‬وأنت يا رسول اهلل؟ فقال‪« :‬يا ابن عوف‪ ،‬إنها رحمة»‪ ،‬مث‬
‫أتبعها بأخرى‪ ،‬فقال ‪« : ‬إن العين تدمع‪ ،‬والقلب يحزن‪ ،‬وال‬
‫نقول إال ما يرضي ربنا‪ ،‬وإنا بفراقك‪ 8‬يا إبراهيم لمحزونون»‪.‬‬
‫وكانت وفاة إبراهيم ابن رسول اهلل ‪ ‬سنة عشر من اهلجرة‬
‫وله قرابة مثانية عشر شهرا‪.‬‬
‫ويف هذا السن يكون الطفل أقرب ما يكون لوالديه‪ ،‬وتكون‬
‫بداية شدة تعلق الوالدين به‪ ،‬وذلك متام االبتالء له ‪. ‬‬

‫() عند البخاري (رقم ‪.)1285‬‬ ‫‪1‬‬

‫() عند البخاري (رقم ‪ ،)1303‬ومسلم (رقم ‪.)2315‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪15‬‬ ‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬

‫إىل غري ذلك من املواقف الدالة على ما أشرت إليه آنفا من‬
‫رقته ‪ ‬وكمال رمحته وشفقته‪.‬‬
‫ومن الفوائد‪ :‬أنه ال حرج يف البكاء على امليت‪ ،‬ولكن بدون‬
‫صراخ وال عويل وندب وغري ذلك من مظاهر اجلزع والتسخط‬
‫كشق الثياب وحلق الشعر‪ ،‬بل من الزم الرمحة أن تدمع العني‪،‬‬
‫وحيزن القلب‪ ،‬كما وقع له ‪. ‬‬
‫وملا كانت املصائب أمرا ال انفكاك عنه‪ ،‬بل هي صفة هذه‬
‫احلياة الدنيا املالزمة هلا‪ ،‬فقد وعد اهلل عباده الصابرين باجلزاء العظيم‬
‫الصابُِرو َن‬
‫الذي ال يعد وال حيصر‪ ،‬قال اهلل جل شأنه‪ :‬إِنَّ َما ُي َوفَّى َّ‬
‫ين *‬ ‫ش ِر َّ ِ‬
‫الصاب ِر َ‬ ‫اب‪ ،)1( ‬وقال سبحانه‪َ  :‬وبَ ِّ‬ ‫س ٍ‪8‬‬ ‫َ‬ ‫َج َر ُه ْم بِغَْي ِر ِح‬
‫أْ‬
‫صيبةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّ ِه وإِنَّا إِلَْي ِه ر ِ‬
‫ِ‬ ‫الَّ ِذ َ‪8‬‬
‫اجعُو َن‪.)2( ‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ين إِ َذا أ َ‬
‫َص َاب ْت ُه ْم ُم َ‬
‫اجعُو َن‪ ‬عما‬ ‫واملراد‪ :‬أهنم يتسلون بقوهلم‪ :‬إِنَّا لِلَّ ِه وإِنَّا إِلَْي ِه ر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أصاهبم‪ ،‬فقد علموا أهنم ملك هلل‪ ،‬يتصرف فيهم مبا شاء‪ ،‬وعلموا‬
‫أنه ال يضيع لديه مثقال ذرة يوم القيامة‪ ،‬فأدى ذلك إىل اعرتافهم‬
‫بأهنم عبيده وإهنم إليه راجعون يف الدار اآلخرة‪ ،‬ولذا جاء الثناء‬
‫العظيم من اهلل عليهم يف تلك اآليات‪.‬‬
‫وعند الرتمذي(‪ )3‬بسند حسن بشواهده عن أيب سنان عيسى بن‬
‫سنان ال َق ْسلَمي قال‪ :‬دفنت ابين سنانا‪ ،‬وأبو طلحة اخلوالين جالس‬
‫على شفري القرب‪ ،‬فلما فرغت قال‪ :‬أال أبشرك؟ قلت‪ :‬بال‪ ،‬قال‪:‬‬
‫() سورة الزمر‪ ،‬اآلية‪.10 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬اآليات‪.157 – 155 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() يف "جامعه" (رقم ‪ ،)1021‬وأمحد بن حنبل (‪ ،)4/415‬وعبد بن محيد (رقم‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،)551‬وحسنه األلباين يف "صحيح اجلامع" (رقم ‪.)795‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪16‬‬

‫حدثين أبو موسى األشعري قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« : ‬إذا مات‬
‫ولد العبد قال اهلل تعالى‪ 8‬لمالئكته‪ 8:‬قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬فيقول‪ :‬قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون‪ :‬نعم‪ ،‬فيقول‪ :‬ماذا‬
‫قال عبدي؟ فيقولون‪ :‬حمدك واسترجع‪ ،‬فيقول‪ :‬ابنوا لعبدي‬
‫بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد»‪.‬‬
‫ويف "املسند" (‪ )1‬و "صحيح ابن حبان" (‪ )2‬وغريمها عن معاوية‬
‫بن قرة عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كان رجل خيتلف إىل النيب ‪ ‬مع بين له‪،‬‬
‫ففقده النيب ‪ ، ‬فقالوا‪ :‬مات يا رسول اهلل‪ ،‬فقال النيب ‪« : ‬أما‬
‫يسرك أال تأتي بابا‪ 8‬من أبواب الجنة إال وجدته ينتظرك»‪ ،‬ويف‬
‫رواية‪ :‬فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أله خاصة‪ ،‬أم للمسلمني عامة؟ قال‪:‬‬
‫«بل للمسلمين عامة»‪.‬‬
‫وملا كان كثري من الناس ال يصرب هلول املصيبة‪ ،‬فقد حذر النيب‬
‫‪ ‬يف غري ما حديث من النياحة‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬ما جاء يف‬
‫"الصحيح"(‪ )3‬عنه ‪ ‬قال‪« :‬ليس منا من ضرب الخدود‪ ،‬وشق‬
‫الجيوب‪ ،‬ودعا بدعوى الجاهلية»‪.‬‬
‫وحيث إن النساء لرقتهن ال يتمالكن أنفسهن عند كثري من‬
‫املصائب‪ ،‬ويرتتب على ذلك فنت وشرور‪ ،‬فقد أخرب عليه الصالة‬
‫والسالم مبا أوحاه اهلل إليه من وعيد شديد للنائحة منهن‪.‬‬

‫() (‪ ،)35 ، 5/34( )3/436‬واحلاكم (‪ )1/384‬وقال‪ :‬صحيح اإلسناد‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ووافقه الذهيب‪ .‬وقال اهليثمي يف "اجملمع" (‪ :)3/10‬رجاله رجال الصحيح‪.‬‬


‫() (رقم ‪.)185‬‬ ‫‪2‬‬

‫() عند البخاري (رقم ‪ ،)1294‬ومسلم (رقم ‪.)103‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪17‬‬ ‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬

‫وذلك ما رواه مسلم (‪ )1‬عن أيب مالك األشعري ـ رضي اهلل‬


‫عنه ـ قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« : ‬النائحة إذا لم تتب قبل موتها‪،‬‬
‫تقام يوم القيامة‪ ،‬وعليها سربال من قطران‪ ،‬ودرع من جرب»‪.‬‬
‫واملعىن‪ :‬أهنا تكسى بالرصاص املذاب‪ ،‬ويسلط على أعضائها‬
‫اجلرب واحلكة‪ ،‬حبيث يغطي بدهنا‪ ،‬تغطية الدرع‪ ،‬وهو القميص‪.‬‬
‫ومن الفوائد‪:‬‬
‫أن املصيبة تعاجل وختفف بأمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يعلم أن الدنيا دار ابتالء‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬لََق ْد َخلَ ْقنَا‬
‫سا َ‪8‬ن فِي َكبَ ٍد‪.)2( ‬‬
‫اإْلِ نْ َ‬
‫ويف معىن هذه اآلية قال الشاعر‪:‬‬
‫طبعت على كدر وأنت تريدها‬
‫صفوا من األقذاء واألكدار‬
‫الثاين‪ :‬أن يعلم أن املصيبة اليت نزلت قضاء نافذ‪ ،‬فإن صرب‬
‫واحتسب أجر‪ ،‬وإال سال كما تسلو البهائم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يقدر وجود ما هو أكثر من تلك املصيبة‪ ،‬فذلك‬
‫خيففها عنه‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬النظر يف حال من ابتلي‪ ،‬ولو نظر حوله ملا وجد إال‬
‫مبتلى بفوات حمبوب‪ ،‬أو حصول مكروه‪.‬‬

‫() يف "صحيحه" (رقم ‪.)934‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة البلد‪ ،‬اآلية‪.4 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪18‬‬

‫وقبل ذلك وبعده أن يعتصم باهلل ويفوض أمره إليه‪ ،‬وأن ال‬
‫يركن إىل الدنيا وال يطمئن هبا‪.‬‬
‫وملا كان فقد الذرية من أعظم املصائب اليت حتل بالناس‪ ،‬فقد‬
‫جاء من نصوص العزاء ما خيفف وقعها ويساعد على الصرب عليها‪،‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬ما رواه البيهقي(‪ )1‬وأصله يف "صحيح مسلم"(‪ :)2‬أن‬
‫امرأة قالت لرسول اهلل ‪ : ‬أنا رقوب ال يعيش يل ولد [كأهنا‬
‫تطلب منه أن يدعو هلا] فقال ‪« : ‬إنما الرقوب التي يعيش‬
‫ولدها‪ 8،‬أما تحبين أن ترينه على باب الجنة وهو يدعوك إليها؟»‬
‫قالت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪« :‬فإنه كذلك»‪.‬‬
‫اللهم ألطف بنا واملسلمني وجنبنا الفنت يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫***‬

‫() يف "سننه الكربى" (‪ ،)4/68‬ط دار املعرفة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() (رقم ‪.)2608‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪19‬‬ ‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬

‫المعصوم‪  8‬يتفقد حال بنته‬


‫فاطمة مع زوجها علي‬
‫يف هذا املوقف نستجلي شيئا من اهلدي النبوي يف التعامل مع‬
‫األصهار‪ .‬يوضح ذلك‪:‬‬
‫ما رواه البخاري (‪ )1‬ومسلم (‪ )2‬عن سهل بن سعد ـ رضي اهلل‬
‫عنه ـ قال‪ :‬جاء رسول اهلل ‪ ‬بيت فاطمة فلم جيد عليا يف البيت‪،‬‬
‫فقال‪« :‬أين ابن عمك؟» قالت‪ :‬كان بيين وبينه شيء فغاضبين‪،‬‬
‫فخرج‪ ،‬فلم يَِقل عندي [من القيلولة وهو نوم نصف النهار] فقال‬
‫رسول اهلل ‪ ‬إلنسان‪« :‬انظر أين هو»‪ ،‬فجاء فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬
‫هو يف املسجد راقد‪ ،‬فجاء رسول اهلل ‪ ‬وهو مضطجع قد سقط‬
‫رداؤه عن شقه‪ ،‬وأصابه تراب‪ ،‬فجعل رسول اهلل ‪ ‬ميسحه عنه‬
‫ويقول‪« :‬قم أبا تراب‪ 8،‬قم أبا تراب»‪.‬‬
‫ومن املسائل والفوائد اليت تضمنها هذا املوقف‪:‬‬
‫أن أهل الفضل قد يقع بني الكبري منهم وبني زوجته ما طبع‬
‫عليه البشر من الغضب‪ ،‬وقد يدعوه ذلك إىل اخلروج من بيته‪ ،‬وال‬
‫يعاب عليه‪،.‬‬
‫قال ذلك ابن بطال ـ رمحه اهلل ـ وعقب عليه احلافظ ابن حجر‬
‫علي خشية أن يبدو منه يف‬
‫بقوله‪ :‬وحيتمل أن يكون سبب خروج ٍّ‬
‫حالة الغضب ما ال يليق جبناب فاطمة ـ رضي اهلل عنها ـ فحسم‬
‫() يف "صحيحه" (رقم ‪.)441‬‬ ‫‪1‬‬

‫() يف "صحيحه" (رقم ‪.)2409‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪20‬‬

‫مادة الكالم بذلك إىل أن تسكن فورة الغضب من كل منهما (‪.)1‬‬


‫قلت‪ :‬ومما يؤكد ما ذكره ابن بطال ـ رمحه اهلل ـ يف وقوع‬
‫اخلالف بني بعض أهل الفضل وأهلهم‪ ،‬أن الفاضل منهم قد تغاضبه‬
‫امرأته وخترجه عن حلمه‪ ،‬كما فعل أزواجه ‪ ‬ملا طلنب منه ما ليس‬
‫عنده من النفقة‪ ،‬ويف غري تلك املواقف‪ ،‬ومنها ما رواه اإلمام‬
‫أمحد(‪ )2‬وأبو داود(‪ )3‬بسند صحيح عن النعمان بن بشري ـ رضي اهلل‬
‫عنه ـ قال‪ :‬جاء أبو بكر ـ رضي اهلل عنه ـ يستأذن على النيب ‪، ‬‬
‫فسمع عائشة وهي رافعة صوهتا على رسول اهلل ‪ ، ‬فأذن له‪،‬‬
‫فدخل فقال‪ :‬يا ابنة أم رومان؟! وتناوهلا‪ ،‬أترفعني صوتك على‬
‫رسول اهلل ‪ ، ‬قال‪ :‬فحال النيب ‪ ‬بينه وبينها‪ ،‬قال‪ :‬فلما خرج أبو‬
‫بكر جعل النيب ‪ ‬يقول هلا ـ يرتضاها ـ ‪« :‬أال ترين أني قد ُحلْت‬
‫بين الرجل وبينك»‪ ،‬قال‪ :‬مث جاء أبو بكر‪ ،‬فاستأذن عليه‪ ،‬فوجده‬
‫يُضاحكها‪ ،‬قال‪ :‬فأذن له‪ ،‬فدخل‪ ،‬فقال له أبو بكر‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬
‫أشركاين يف سلمكما كما أشركتماين يف حربكما‪.‬‬
‫ويوضح ذلك أيضا ما نقل عن عمر ـ رضي اهلل عنه ـ أن رجال‬
‫جاءه يشكو خلق امرأته‪ ،‬فوقف ببابه ينتظر خروجه‪ ،‬فسمع امرأته‬
‫تستطيل عليه بلساهنا‪ ،‬وهو ساكت ال جيد جوابا‪ ،‬فانصرف الرجل‪،‬‬
‫قائال‪ :‬إن كان هذا أمري املؤمنني مع زوجته‪ ،‬فكيف حايل؟!!‬
‫فخرج عمر فرآه موليا‪ ،‬فناداه وقال‪ :‬يا هذا ما حاجتك؟ فقص‬

‫() "فتح الباري" (‪.)10/588‬‬ ‫‪1‬‬

‫() يف "مسنده" (‪.)4/271‬‬ ‫‪2‬‬

‫() يف "سننه" (رقم ‪.)4999‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪21‬‬ ‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬

‫عليه الرجل ما كان‪ ،‬فقال له عمر ناصحا‪ :‬يا هذا إين احتملتها‬
‫حلقوق هلا علي‪ ،‬إهنا طباخة لطعامي‪ ،‬خبازة خلبزي‪ ،‬مرضعة لولدي‪،‬‬
‫ويسكن هبا قليب عن احلرام‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬وكذلك زوجيت يا أمري‬
‫املؤمنني‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬إذا فاحتملها فإهنا مدة يسرية‪ .‬يريد مدة‬
‫احلياة‪.‬‬
‫ومن فوائد الموقف السابق‪8:‬‬
‫أنه ينبغي لكل من الزوجني أن يتجاوز عن هفوات اآلخر‪ ،‬وأال‬
‫يكون سببا يف استدعاء املشكالت وتعقيدها‪ ،‬وخاصة الزوج‪ ،‬ألن‬
‫بيده عقدة النكاح وله القوامة الشرعية‪.‬‬
‫وينبغي أن يتذكر كل من الزوجني أن حصول الكمال أمر‬
‫حمال‪ ،‬وأن يتدبر قول النيب ‪« : ‬ال يفرك مؤمن مؤمنة‪ ،‬إن كره‬
‫منها خلقا رضي منها آخر» رواه مسلم (‪ ،)1‬وقوله ‪« : ‬المرأة‬
‫كالضلع‪ ،‬إن أقمتها كسرتها‪ ،‬وإن استمتعت بها‪ ،‬استمتعت‬
‫وفيها عوج» خرجاه يف "الصحيحني" (‪.)2‬‬
‫هكذا ينبغي أن يكون يف التجاوز والتسامح‪ ،‬إال إذا رأى أن‬
‫احلزم هو املطلوب وأنه هو املناسب‪ ،‬فيلجأ إليه بقدر معني‬
‫وبأسلوب تربوي‪ ،‬فإنه عليه الصالة والسالم وهو أكمل اخللق خلقا‬
‫وأشرفهم صدرا وألطفهم معشرا‪ ،‬كان ‪ ‬إذا وجد من بعض‬
‫زوجاته خروجا عن القدر الذي يعذرن فيه يوقفهن على أخطائهن‬
‫وعاتبهن ورمبا هجرهن‪.‬‬
‫() يف "صحيحه" (رقم ‪.)1469‬‬ ‫‪1‬‬

‫() يف "صحيح البخاري" (رقم ‪ ،)5184‬و "صحيح مسلم" (رقم ‪.)1468‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪22‬‬

‫فمن ذلك ما روته أم املؤمنني عائشة قالت‪ :‬كان رسول اهلل ‪‬‬
‫إذا ذكر خدجية مل يكن يسأم من ثناء عليها‪ ،‬واستغفار هلا‪ ،‬فذكرها‬
‫يوما‪ ،‬فحملتين الغرية‪ ،‬فقلت‪ :‬لقد عوضك اهلل من كبرية السن‪،‬‬
‫قالت‪ :‬فرأيته غضب غضبا‪ ،‬أسقطت يف خلدي‪ ،‬وقلت يف نفسي‪:‬‬
‫اللهم إن أذهبت غضب رسولك عين مل أعد أذكرها بسوء‪ ،‬فلما‬
‫رأى النيب ‪ ‬ما لقيت‪ :‬قال‪« :‬كيف قلت؟! واهلل لقد آمنت بي إذ‬
‫كذبني الناس‪ ،‬ورزقت منها الولد وحرمتموه مني» قالت‪ :‬فغدا‬
‫وراح علي هبا شهرا (‪.)3‬‬
‫وبكل حال فاملطلوب من الزوج أن يتحلى باحللم وعدم‬
‫االستعجال لدى وقوع اخلطأ من زوجته‪ ،‬ويسعى لتقومي اخلطأ‬
‫باحلكمة‪ ،‬وال يتعجل إىل اإلضرار هبا أو فك عقدة النكاح بالطالق‬
‫أو مبا يؤول إليه‪.‬‬
‫وهكذا الزوجة ينبغي أن تبين لنفسها يف قلب زوجها كيانا من‬
‫احملبة لتكسب وده ورمحته‪ ،‬وإمنا يكون ذلك حبسن املعاشرة وطيب‬
‫املعاملة‪.‬‬
‫والنساء يف هذا الباب متفاوتات‪:‬‬
‫فمنهن املوفقة اليت جتعل من بيتها روضة ناضرة‪ ،‬مرتوحة بامسة‬
‫مهما تعثرت يف ثنايا حياهتا‪.‬‬
‫ومن النساء من جتعل الدار مثل الصحراء برماهلا وقيضها‬
‫وعواصفها‪ ،‬ومن النساء من جتعل الدار لزوجها هي القرب‪.‬‬
‫ومن املسائل والفوائد يف قصة املغاضبة بني علي وفاطمة ـ رضي‬
‫() أخرجه بلفظ قريب أمحد يف "املسند" (‪.)154 ، 150 ،6/117‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪23‬‬ ‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬

‫اهلل عنهما ـ ‪:‬‬


‫‪ ‬بيان كرم خلق النيب ‪ ، ‬فإنه توجه حنو ٍّ‬
‫علي ليرتضَّاه‪،‬‬
‫ومسح الرتاب عن ظهره ليبسطه‪ ،‬وداعبه بالكنية املذكورة املأخوذة‬
‫من حالته‪ ،‬ومل يعاتبه على مغاضبته البنته مع رفيع منزلتها عنده‪،‬‬
‫فيؤخذ منه استحباب الرفق باألصهار‪ ،‬وترك معاتبتهم‪ ،‬إبقاء‬
‫ملودهتم‪ ،‬ألن العتاب واجلدال قد يفضي إىل الشحناء وإخراج‬
‫املشكلة إىل طور يصعب معاجلتها فيه بني الزوجني فقط‪.‬‬
‫‪ ‬وفيه من الفوائد‪ :‬أن الويل ينبغي له أن يزور موليته‬
‫ويتحسس أحواهلا وينصحها باحلرص على إسعاد زوجها وحتقيق‬
‫مرضاته ويدهلا على ما ينفعها ويفيدها يف حياهتا‪.‬‬
‫وفق اهلل اجلميع ملا فيه اخلري‪.‬‬

‫***‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪24‬‬

‫المعصوم ‪ ‬يحضر جنازة بنته وتغسيلها‬


‫فقه وفوائد‬
‫يف األسطر التالية نستعرض واحدا من األحداث العصيبة اليت‬
‫مرت ببيت النبوة‪.‬‬
‫كان ذلك إبان وفاة إحدى بنات املصطفى ‪ ، ‬يوضح ذلك ما‬
‫روته أم عطية األنصارية ـ رضي اهلل عنها ـ قالت‪ :‬دخل علينا رسول‬
‫اهلل ‪ ‬حني توفيت ابنته‪ ،‬فقال‪« :‬اغسلنها ثالثا‪ ،‬أو خمسا‪ ،‬أو‬
‫أكثر من ذلك ـ إن رأيتن ذلك ـ بماء وسدر‪ ،‬واجعلن في اآلخرة‬
‫كافورا ـ أو شيئا من كافور ـ [وهو نوع من الطيب] فإذا فرغتن‬
‫فآذنني»‪ ،‬فلما فرغنا آذناه‪ ،‬فأعطانا حقوه‪ ،‬فقال‪« :‬أشعرنها‪ 8‬إياه» ـ‬
‫يعين إزاره‪.‬‬
‫ويف رواية‪« :‬اغسلنها وترا‪ ،‬وابدأن بميامنها‪ ،‬ومواضع‬
‫الوضوء منها»‪.‬‬
‫ويف رواية‪ :‬قالت أم عطية‪ :‬وجعلنا رأسها ثالثة قرون‪ .‬تعين‬
‫أهنن جعلن شعرها ثالث ضفائر‪ .‬قالت‪ :‬وألقيناه خلفها‪.‬‬
‫وهذا احلديث خمرج يف "الصحيحني" (‪ )1‬وغريمها‪.‬‬
‫وفيه مسائل وفوائد مجة‪ ،‬نذكر منها ما يسر اهلل ‪ -‬عز وجل‪:‬‬
‫* فقد اختلف يف أي بنات النيب ‪ ‬اليت كانت تغسل‪ ،‬فقد‬
‫جاءت روايات تشعر بأهنا أم كلثوم‪ ،‬وأخرى أهنا زينب‪ ،‬ولعل هذا‬
‫() عند البخاري (رقم ‪ ،)1258 ، 1255 ، 1254‬ومسلم (رقم ‪.)939‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪25‬‬ ‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬

‫الثاين هو األرجح‪ ،‬كما جاء مصرحا به يف رواية ملسلم ‪ -‬رمحه‬


‫اهلل‪.‬‬
‫وقد ذكر بعض أهل السري أن وفاة زينب ـ رضي اهلل عنها ـ‬
‫كانت بسبب تأثرها من النزف الذي أصاهبا جراء إسقاطها محلها‬
‫ملا أرادت اهلجرة من مكة إىل املدينة حيث أبوها ‪.‬‬
‫فإهنا ملا أرادت اهلجرة بعد أن أرسلها زوجها أبو العاص قبل‬
‫إسالمه اعرتضها نفر من قريش‪ ،‬منهم هبار بن األسود‪ ،‬ونافع بن‬
‫عبد عمرو‪ ،‬اللذان روعاها بالرماح‪ ،‬وخنساها هبا وهي يف هوجها‪،‬‬
‫وكانت حامال‪ ،‬فنزفت دما‪ ،‬ويف طريق عودهتا إىل مكة بعد أن‬
‫منعت من اهلجرة أسقطت محلها‪ ،‬ومل تزل متأثرة بذلك‪ ،‬حىت‬
‫توفيت باملدينة ـ رضي اهلل عنها (‪ )1‬ـ ‪.‬‬
‫* ويف هذا املوقف ما يدل على عظيم رمحة النيب ‪ ‬وشفقته‬
‫على بناته الكرميات‪ ،‬فإنه قد اهتم ملوت زينب ـ رضي اهلل عنها ـ‬
‫ووقف مع الغاسالت ووجههن إىل كيفية التغسيل‪ ،‬وملا انتهني من‬
‫غسلها أعطاهن إزاره ليلففنها فيه‪ ،‬ويكون مباشرا جلسدها وهذا‬
‫هو معىن قوله‪« :‬أشعرنها‪ 8‬فيه» فالشعار هو الذي يلي اجلسد‪.‬‬
‫وإمنا فعل ذلك عليه الصالة والسالم ألجل أن تناهلا بركته ‪، ‬‬
‫"ألن اهلل تعاىل خص نبيه ‪ ‬مبا جعل يف جسده وما مسه من الربكة‪.‬‬
‫* وها هنا تنبيه إىل أن غري النيب ‪ ‬ال يقاس عليه يف التربك فيه‬
‫ولو كان من الصاحلني‪ ،‬وذلك ألن الصحابة مل يفعلوا مثل تلك‬
‫() انظر‪" :‬جممع الزوائد" (‪ ،)9/212‬و "سري أعالم النبالء" (‪.)2/247‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪26‬‬

‫األعمال مع غري النيب ‪ ، ‬ولو كان خريا لسبقونا إليه‪ ،‬وألن فعل‬
‫مثل ذلك مع غريه ‪ ‬من وسائل الشرك فوجب منعه‪ ،‬نبه هلذا‬
‫مساحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رمحه اهلل ـ يف تعليقه على "فتح‬
‫الباري" (‪.)1‬‬
‫وها هو عليه الصالة والسالم ـ بأيب هو وأمي ـ يشهد دفن بنته‬
‫الثانية أم كلثوم‪ ،‬ويظهر عليه احلزن واهلم الشديد‪ ،‬كما يف "صحيح‬
‫البخاري" (‪ )2‬عن أنس بن مالك ـ رضي اهلل عنه ـ قال‪ :‬شهدنا بنتا‬
‫لرسول اهلل ‪[ ‬يعين عند دفنها] قال‪ :‬ورسول اهلل ‪ ‬جالس على‬
‫القرب‪ ،‬قال‪ :‬فرأيت عينيه تدمعان ‪ ....‬احلديث‪.‬‬
‫ويف هذا وأمثاله ما يبني مشروعية االهتمام والعناية والرعاية‬
‫لألوالد‪ ،‬وخصوصا البنات لرقة عاطفتهن وكون مشاعرهن مرهفة‬
‫وحساسة وملا يف تكوينهن من الضعف واملسكنة‪.‬‬
‫ومن مسائل هذا احلديث ما نبه إليه احلافظ أبو عمر بن عبد‬
‫الرب ـ رمحه اهلل ـ حيث قال‪ :‬تطهري امليت عبادة‪ ،‬ال إزالة جناسة‪ ،‬وإمنا‬
‫هو كاجلنب‪ ،‬وغسله كغسل اجلنب سواء‪.‬اهـ(‪.)3‬‬
‫قلت‪ :‬ويؤيده ما صح عنه ‪ ‬أنه قال‪« :‬المؤمن ال ينجس»(‪.)4‬‬
‫وهكذا ما جاء من أمر املغسل للميت أو املغسلة باالغتسال‪،‬‬
‫ليس ألجل النجاسة‪ ،‬ولكن ألجل جرب ما حيصل للغاسل من‬
‫() (‪.)3/130‬‬ ‫‪1‬‬

‫() (رقم ‪.)1285‬‬ ‫‪2‬‬

‫() "فتح الرب يف الرتتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد الرب" (‪.)6/407‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه البخاري (رقم ‪ ،)285‬ومسلم (رقم ‪.)371‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪27‬‬ ‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬

‫الضعف بسبب مشاهدة امليت وذكر املوت وما بعده (‪.)1‬‬


‫وألن الغاسل إذا علم أنه سيغتسل مل يتحفظ من شيء يصيبه‬
‫من أثر الغسل فيبالغ يف تنظيف امليت وهو مطمئن (‪.)2‬‬
‫وها هنا تنبيه إىل أن من توىل تغسيل املسلمني من الرجال‬
‫والنساء أن الواجب عليهم أن يسرت ما يراه مما ليس حبسن يف حق‬
‫امليت من الناحية اجلسدية أو املعنوية‪ ،‬ولذا نص أهل العلم يف‬
‫مؤلفاهتم على ذلك‪ ،‬كقوهلم‪" :‬وعلى الغاسل سرت ما رآه‪ ،‬إن مل‬
‫يكن حسنا"‪.‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫وقيد ذلك عند بعض أهل العلم‪ ،‬كقول صاحب "اإلنصاف"‬
‫فيما نقله عن بعض العلماء‪ :‬إن كان امليت معروفا ببدعة أو قلة دين‬
‫أو فجور وحنوه فال بأس بإظهار الشر عنه‪ ،‬ألجل أن جتتنب‬
‫طريقته"‪.‬‬
‫وقد عُيِن َ اإلمام البخاري ـ رمحه اهلل ـ يف "صحيحه" بروايات‬
‫هذا احلديث‪ ،‬وأنشأ عليه أبوابا من العلم‪ ،‬حيث بوب عليه مبختلف‬
‫رواياته ومتَّحدها أحد عشر بابا‪ ،‬ففي كتاب الوضوء قال‪ :‬باب‬
‫التيمن يف الوضوء والغسل‪.‬‬
‫ويف كتاب اجلنائز قال‪ :‬باب غسل امليت ووضوءه باملاء‬
‫والسدر‪ ،‬وقال‪ :‬باب ما يستحب أن يغسل وترا‪ ،‬وقال‪ :‬باب يبدأ‬
‫مبيامن امليت‪ .‬وقال‪ :‬باب مواضع الوضوء من امليت‪ ،‬يعين أنه‬
‫() انظر‪" :‬حاشية فتح الباري" (‪.)3/135‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر‪" :‬فتح الباري" (‪.)3/135‬‬ ‫‪2‬‬

‫() (‪.)2/506‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪28‬‬

‫يستحب البداءة هبا‪ ،‬وقال‪ :‬هل تكفن املرأة يف إزار الرجل‪،‬‬


‫وشاهده تكفني زينب بإزاره ‪ ، ‬فكأن البخاري يشري إىل الرتدد يف‬
‫ذلك هل هو خاص به ‪ ، ‬ولو جاز فهل هو عام أم خاص باحملارم‪،‬‬
‫ومبن يتحقق نظافته‪ ،‬وعدم نفرة الزوج وغريته أن تلبس زوجته‬
‫لباس غريه‪.‬‬
‫وبوب البخاري أيضا فقال‪ :‬باب جيعل الكافور يف األخرية‪،‬‬
‫وبوب ـ رمحه اهلل ـ باب نقض شعر املرأة‪ ،‬أي امليتة قبل الغسل‪،‬‬
‫وهكذا من له شعر كثيف من الرجال‪ ،‬وذلك ألجل أن يبلغ املاء‬
‫البشرة ويتحقق التنظيف‪ ،‬وبوب ـ رمحه اهلل ـ ‪ :‬باب جيعل شعر املرأة‬
‫ثالثة قرون‪ ،‬وقال‪ :‬باب يلقى شعر املرأة خلفها‪.‬‬
‫وقال ابن عبد الرب ـ رمحه اهلل ـ ‪ :‬يف هذا احلديث ما يدل على‬
‫أن النساء أوىل بغسل املرأة من الزوج‪ ،‬ألن بنات رسول اهلل ‪‬‬
‫اللوايت توفني يف حياته‪ :‬زينب ورقية وأم كلثوم‪ ،‬مل يبلغنا أن‬
‫إحداهن غسلها زوجها‪ ،‬وأمجع العلماء على جواز غسل املرأة‬
‫زوجها‪ ،‬وغسلت أمساء بنت عُميس زوجها أبا بكر مبحضر ُجلَّة‬
‫من الصحابة‪ ،‬وكذلك غسلت أبا موسى امرأته"‪ .‬اهـ (‪.)1‬‬
‫ويف "صحيح البخاري" (‪ )2‬و "املسند" (‪ )3‬لإلمام أمحد واللفظ‬
‫له عن أم املؤمنني عائشة ـ رضي اهلل عنها ـ قالت‪ :‬رجع إيل رسول‬
‫اهلل ‪ ‬ذات يوم من جنازة بالبقيع‪ ،‬وأنا أجد صداعا يف رأسي‪ ،‬وأنا‬

‫() "فتح الرب يف الرتتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد الرب" (‪.)6/411‬‬ ‫‪1‬‬

‫() (رقم ‪ ،)5666‬وأخرجه مسلم خمتصرا (رقم ‪.)2387‬‬ ‫‪2‬‬

‫() (‪.)6/228‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪29‬‬ ‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬

‫أقول‪ :‬وارأساه‪ ،‬قال‪« :‬بل أنا وارأساه‪ »8‬مث قال [ميازحها]‪« :‬ما‬
‫ت قبلي‪ ،‬فغسلتك‪ ،‬وكفنتك‪ ،‬ثم صليت عليك‬ ‫ضرك لو ُم ِّ‬
‫ودفنتك؟»‪ ،‬قالت‪[ :‬وقد احتملتها الغرية‪ ،‬كما يف الرواية] فقلت‪:‬‬
‫لكأين بك لو فعلت ذلك‪ ،‬وقد رجعت إىل بييت‪ ،‬فأعرست فيه‬
‫ببعض نسائك‪ ،‬فتبسم رسول اهلل ‪ ، ‬مث بُدئ يف وجعه الذي مات‬
‫فيه (‪.)1‬‬
‫نسأل اهلل اجلواد الكرمي أن جيعل خري أيامنا يوم نلقاه فيه‪ ،‬وخري‬
‫أعمارنا أواخرها‪ ،‬وخري أعمالنا خواتيمها‪.‬‬
‫وصلوات ريب وسالمه على عبده ورسوله حممد‪.‬‬

‫***‬

‫() (رقم ‪.)1465‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪30‬‬

‫محبة النبي ‪ ‬لبناته وعنايته بهن‬


‫يف األسطر التالية نستعرض بعض املواقف الدالة على عناية النيب‬
‫‪ ‬ببناته وحمبته ورعايته هلن‪ ،‬ونومئ من خالل ذلك إىل رعاية‬
‫اإلسالم للبنات‪.‬‬
‫عن أم املؤمنني عائشة ـ رضي اهلل عنها ـ قالت‪:‬‬
‫ما رأيت أحدا كان أشبه مَسْتا ودال وهديا برسول اهلل ‪ ‬من‬
‫فاطمة ـ رضي اهلل عنها ـ ‪ ،‬كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ‬
‫بيدها وقبلها وأجلسها جملسه‪ ،‬وكان إذا دخل عليها قامت إليه‬
‫(‪) 1‬‬
‫فأخذت بيده فقبلته وأجلسته يف جملسها" رواه أبو داود‬
‫والرتمذي(‪.)2‬‬
‫وهذا احلديث يبني ما كان عليه النيب ‪ ‬من حمبة وإكرام لبنته‬
‫فاطمة ـ رضي اهلل عنها ـ وهكذا كان عليه الصالة والسالم يف حمبته‬
‫لعموم بناته‪ .‬إذ كان يُعليهن ويُظهر قدرهن ويفرح لفرحهن وحيزن‬
‫حلزهنن‪ ،‬وبكى على فراق من مات منهن‪ ،‬واهتم لذلك اهتماما‬
‫عظيما‪.‬‬
‫روى احلاكم يف "مستدركه"(‪ )3‬عن أم املؤمنني عائشة قالت‪ :‬ملا‬
‫بعث أهل مكة يف فداء أساراهم بعثت زينب بنت رسول اهلل ‪ ‬يف‬
‫فداء أيب العاص بقالدة كانت خدجية أدخلتها هبا على أيب العاص‬

‫() يف "سننه" (رقم ‪.)5217‬‬ ‫‪1‬‬

‫() يف "جامعه" (رقم ‪ ،)3872‬وقال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() (‪.)4/45( ، )234 ، 3/236‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪31‬‬ ‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬

‫حني بىن هبا‪ ،‬فلما رآها رسول اهلل ‪ ‬رق هلا رقة شديدة وقال‪« :‬إن‬
‫رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها‪ 8‬وتردوا الذي لها»‪.‬‬
‫وروى البخاري (‪ )1‬ومسلم (‪ )2‬وغريمها عن أسامة بن زيد ـ‬
‫رضي اهلل عنه ـ قال‪ :‬أرسلت ابنة النيب [وهي زينب كما يف الرواية]‬
‫تقول‪ :‬إن ابنا يل قبض فأتنا‪ ،‬فأرسل يقرئ السالم ويقول‪« :‬إن هلل‬
‫ما أخذ وما أعطى وكل عنده بأجل مسمى‪ ،‬فلتصبر‬
‫ولتحتسب»‪ ،‬فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها‪ ،‬فقام ومعه سعد بن‬
‫عبادة ومعاذ بن جبل وأيب بن كعب وزيد بن ثابت ورجال‪ ،‬فرفع‬
‫إىل رسول اهلل ‪ ‬الصيب ونفسه تتقعقع ـ كأهنا ِش ٌّن ـ [كالقربة إذا‬
‫صب فيها املاء] ففاضت عيناه‪ ،‬فقال سعد‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ما هذا؟‬
‫فقال‪« :‬هذه رحمة جعلها‪ 8‬اهلل في قلوب عباده‪ ،‬وإنما يرحم‪ 8‬اهلل‬
‫من عباده الرحماء»‪.‬‬
‫ويف "الصحيح" (‪ )3‬عن أنس قال‪ :‬شهدنا بنتا لرسول اهلل ‪، ‬‬
‫ورسول اهلل جالس على القرب [يعين على شفري القرب] قال‪ :‬فرأيت‬
‫عينيه تدمعان‪.‬‬
‫فمن خالل هذه املوقف يظهر لنا جانب من رعايته ‪ ‬لبناته‪،‬‬
‫ورمحته هبن‪ ،‬وإشفاقه عليهن‪ ،‬واهتمامه مبا يهتممن له‪.‬‬
‫وإن هذا االهتمام بالبنات على وجه اخلصوص ينبغي أن يكون‬
‫لدى كل أب‪ ،‬وذلك ملا جبل عليه البنات من رقة املشاعر ورهف‬
‫() يف "صحيحه" (رقم ‪.)7377 ، 5655 ،1284‬‬ ‫‪1‬‬

‫() يف "صحيحه" (رقم ‪.)923‬‬ ‫‪2‬‬

‫() "صحيح البخاري" (رقم ‪.)1285‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪32‬‬

‫العواطف‪ ،‬وقد جاءت اإلشارة إىل هذا يف قول اهلل تعاىل‪ :‬أ ََو َم ْن‬
‫ص ِام غَْي ُر ُمبِي ٍن‪.)1( ‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ينَ َّ ِ ِ ِ‬
‫شأُ في الْحلْيَة َو ُه َو في الْخ َ‬ ‫ُ‬
‫ويروى عن النيب ‪ ‬أنه قال عن أسامة بن زيد‪ ،‬حبه ‪ ، ‬يف‬
‫صغره قال‪« :‬لو كان أسامة جارية‪ 8‬لحلَّيته وكسوته حتى‬
‫أُنِْف َقه‪.)2(»8‬‬
‫ويلفت النيب ‪ ‬نظر املسلمني إىل هذا اجلانب ويؤكد أمهية‬
‫االهتمام واالعتناء بشأن البنات يف غري ما مناسبة‪ ،‬ولنذكر طرفا من‬
‫ذلك‪:‬‬
‫روى ابن ماجة (‪ )3‬عن عقبة بن عامر ـ رضي اهلل عنه ـ قال‪:‬‬
‫مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪« :‬من كان له ثالث بنات وصبر عليهن‬
‫وكساهن من جدته كن له حجابا من النار»‪.‬‬
‫وروى البخاري يف "األدب املفرد" (‪ )4‬عن ابن عباس قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل ‪« : ‬ما من مسلم تدركه بنتان‪ ،‬فيحسن صحبتهما إال‬
‫أدخلتاه‪ 8‬الجنة»‪.‬‬
‫وروى البخاري يف األدب املفرد (‪ )5‬عن جابر بن عبد اهلل قال‪:‬‬
‫قال رسول اهلل ‪« : ‬من كان له ثالث بنات‪ ،‬يؤدبهن‪ ،‬ويكفيهن‬
‫ويرحمهن‪ 8،‬فقد وجبت له الجنة البتة»‪.‬‬

‫() سورة الزخرف‪ ،‬اآلية‪.18 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه أمحد (‪ ،)222 ، 6/139‬وابن ماجة (رقم ‪.)1976‬‬ ‫‪2‬‬

‫() يف "سننه" (رقم ‪.)3669‬‬ ‫‪3‬‬

‫() رقم (‪ ،)77‬وأمحد (‪ ،)1/363‬وابن ماجة (‪ ،)3671‬واحلاكم (‪.)4/178‬‬ ‫‪4‬‬

‫() (رقم ‪.)76‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪33‬‬ ‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬

‫ويف سنن أيب داود(‪ )6‬عن أيب سعيد اخلدري‪ ،‬قال‪« :‬ال يكون‬
‫ألحد‪ 8‬ثالث بنات‪ ،‬أو ثالث أخوات‪ 8،‬فيحسن إليهن إال دخل‬
‫الجنة»‪.‬‬
‫لقد كانت تلك العناية الفائقة بشأن البنات انتشاال هلن من‬
‫وهدة اإلزراء واالزدراء الذي رضخت حتت وطأته ردحا من الزمن‬
‫لدى قبائل العرب‪ .‬ولدى األمم األخرى‪ ،‬وما مياثلهما من أنواع‬
‫االستغالل الذي يتعرض له كثري من نساء العاملني يف حضارة اليوم‬
‫املادية‪ ،‬فيصرن أشبه ما يكن بالرقيق املعروض يف أسواق النخاسة‪،‬‬
‫وتعرضن لوأد أخالقهن وفضائلهن‪ ،‬مبا هو أعظم مما تعرضت له‬
‫املوؤودة يف حياة العرب السابقة‪.‬‬
‫هبذه التوجيهات النبوية الكرمية غدت البنت املسلمة والفتاة‬
‫املسلمة يف اجملتمع اإلسالمي حمبوبة مصونة مكرمة‪ ،‬فهي جتد احلضن‬
‫الدافئ يف كنف والديها‪ ،‬والسيما والدهتا‪ ،‬واحلماية التامة والرعاية‬
‫الكاملة‪ ،‬مهما أقامت يف بيت والديها أو إخوهتا‪ ،‬أو غريهم ممن‬
‫جيب عليهم كفالتها‪ ،‬وسواء انتقلت إىل بيت الزوجية أم مل تنتقل‪.‬‬
‫ذلك أن اإلسالم كفل هلا حياة الصون واإلعزاز والكفاية‪،‬‬
‫ووقاها حياة التبذل واإلذالل والضياع‪ ،‬الذي تلقاه املرأة اليوم يف‬
‫اجملتمعات البشرية الضالة عن شرع اهلل‪.‬‬
‫غذ ما تكاد البنت يف اجملتمعات الغربية تبلغ الثامنة عشرة من‬
‫عمرها حىت خترج عن حضن أبويها الدافئ لتلقى احلياة املادية‬

‫() رقم (‪.)5147‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪34‬‬

‫القاسية احلافلة باملكاره واملخاطر وهي يف أشد احلاجة إىل احلماية‬


‫واحلنو والرعاية والصون‪ ،‬وهكذا تتعاقب األجيال يف تلك اجملتمعات‬
‫على هذه الطريقة املوحشة‪ ،‬حىت بات الفحش وإرواء الغرائز بأي‬
‫طريقة‪ ،‬ومهما كانت فاحشة أو مقيتة‪ ،‬بات ذلك جزءا من النسيج‬
‫االجتماعي والتكوين األسري‪.‬‬
‫إنه لفرق واضح بني تشريع اهلل الذي جاء لسعادة اإلنسان‪،‬‬
‫وما يوجد من أنظمة غربية يف بالد التحضر أشقت أهلها وأرقتهم‪.‬‬
‫وال غرابة أن جند يف الغرب نتيجة ألنظمتهم االجتماعية أعدادا‬
‫مهولة من األمهات غري املتزوجات من الفتيات البائسات‬
‫الضائعات‪ ،‬وأعدادهن يف تزايد مستمر (‪.)1‬‬
‫فصلوات ريب وتسليمه على نبينا حممد الذي أوحى اهلل إليه أن‬
‫يبني لألمة فضل تربية البنات ورعايتهن‪ ،‬وهو القائل ‪« : ‬فاطمة‬
‫مني وأنا منها‪ ،‬يريبني‪ 8‬ما رابها ويؤذيني ما آذاها»(‪.)2‬‬

‫***‬

‫() ينظر‪" :‬شخصية املرأة املسلمة" (ص‪.)216 – 213‬‬ ‫‪1‬‬

‫() "صحيح البخاري" (‪ 9/329‬ـ مع الفتح)‪" .‬صحيح مسلم" (‪.)2449‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪35‬‬ ‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬

‫فاطمة تطبب أباها في معركة أحد‬


‫يف األسطر التالية ننتقل إىل واحد من املواقف العصيبة اليت‬
‫هزت مشاعر الصحابة‪ ،‬بل إهنا لرتهق وجدان كل مسلم‪.‬‬
‫كيف ال وقد نيل يف ذلك املوقف من احلبيب املصطفى ‪‬‬
‫وأحلق به الضرر‪ .‬عن أحداث ذلك املوقف ومالبساته‪:‬‬
‫قال أبو عبد اهلل حممد بن إمساعيل البخاري ـ رمحه اهلل ـ يف‬
‫"صحيحه" (‪ )1‬يف كتاب املغازي‪ ،‬باب‪ :‬ما أصاب النيب ‪ ‬من‬
‫اجلراح يوم أحد‪:‬‬
‫حدثنا قتيبة بن سعيد‪ :‬حدثنا يعقوب عن أيب حازم‪ :‬أنه مسع‬
‫سهل بن سعد ـ رضي اهلل عنه ـ وهو يسأل عن جرح رسول اهلل ‪‬‬
‫فقال‪ :‬أما واهلل إين ألعرف من كان يغسل جرح رسول اهلل ‪ ‬ومن‬
‫كان يسكب املاء ومبا دووي‪.‬‬
‫قال‪ :‬كانت فاطمة بنت رسول اهلل ‪ ‬ورضي اهلل عنها تغسله‪،‬‬
‫وعلي بن أيب طالب يسكب املاء باجملن (وهو الرتس أو الدرع)‪.‬‬
‫فلما رأت فاطمة أن املاء ال يزيد الدم إال كثرة أخذت قطعة‬
‫من حصري وأحرقتها‪ ،‬وألصقتها فاستمسك الدم‪.‬‬
‫وكسرت رباعيته يومئذ‪ ،‬وجرح وجهه‪ ،‬وكسرت البيضة‬
‫(وهي اخلوذة) على رأسه"‪.‬‬
‫وهذا احلديث خرجه البخاري ـ رمحه اهلل ـ يف مواضع من‬
‫() رقم (‪ ،)4075‬وأخرجه أيضا مسلم (رقم ‪.)1790‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪36‬‬

‫صحيحه منبها لبعض فوائده‪ ،‬حيث خرجه يف كتاب الوضوء‪،‬‬


‫وقال‪ :‬باب غسل املرأة أباها الدم عن وجهه (‪.)1‬‬
‫س برتس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مجن ومن َيرَّت ُ‬ ‫ويف كتاب اجلهاد‪ :‬وبوب عليه‪ :‬باب ال َ‬
‫صاحبه (‪ ،)2‬وباب لبس البيضة (‪ ،)3‬وباب دواء اجلرح بإحراق‬
‫احلصري‪ ،‬وغسل املرأة عن أبيها الدم عن وجهه ومحل املاء يف‬
‫الرتس(‪.)4‬‬
‫ين ِزينََت ُه َّن إِاَّل‬ ‫ِ‬
‫ويف كتاب الطالق‪ ،‬باب‪َ  :‬واَل ُي ْبد َ‬
‫لُِبعُولَتِ ِه َّن‪.)6()5(‬‬
‫ويف كتاب الطب‪ ،‬باب‪ :‬حرق احلصري ليسد به الدم (‪.)7‬‬
‫وخرجه مسلم يف "صحيحه" (‪ ،)8‬والرتمذي يف "جامعه" (‪،)9‬‬
‫وبوب عليه يف كتاب الطب‪ ،‬فقال‪ :‬باب التداوي بالرماد‪.‬‬
‫وقد تضمن هذا املوقف عددا من الدروس والفوائد والعرب‪،‬‬
‫ومن ذلك‪:‬‬
‫أوال‪ :‬مشروعية التداوي ومعاجلة اجلراح واختاذ الرتس يف‬

‫‪ )( 1‬رقم (‪.)243‬‬
‫‪ )( 2‬رقم (‪.)2903‬‬
‫‪ )( 3‬رقم (‪.)2911‬‬
‫‪ )( 4‬رقم (‪.)3037‬‬
‫‪ )( 5‬سورة النور‪ ،‬اآلية‪.31 :‬‬
‫‪ )( 6‬رقم (‪.)5248‬‬
‫‪ )( 7‬رقم (‪.)5722‬‬
‫‪ )( 8‬رقم (‪.)1790‬‬
‫‪ )(9‬رقم (‪.)2086‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪37‬‬ ‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬

‫احلرب‪ .‬وأن مجيع ذلك ال يقدح يف التوكل لصدوره من سيد‬


‫املتوكلني‪ ،‬نبه هلذا احلافظ ابن حجر ـ رمحه اهلل ـ يف "فتح الباري"‪.‬‬
‫وقال‪ :‬وفيه مباشرة املرأة ألبيها‪ ،‬وكذلك لغريه من ذوي‬
‫حمارمها ومداواهتا ألمراضهم (‪.)1‬‬
‫ثانيا‪ :‬قال احلافظ ابن حجر ـ رمحه اهلل (‪ )2‬ـ جاء يف رواية‬
‫الطرباين ما يبني سبب جيء فاطمة إىل أحد‪ ،‬ولفظه‪« :‬لما كان يوم‬
‫أحد وانصرف المشركون خرج النساء إلى الصحابة يعينونهم‪،‬‬
‫فكانت فاطمة فيمن خرج‪ ،‬فلما رأت النبي ‪ ‬اعتنقته وجعلت‬
‫تغسل جراحاته‪ 8‬بالماء‪ ،‬فيزداد الدم‪ ،‬فلما رأت ذلك أخذت شيئا‬
‫من حصير فأحرقته بالنار وكمدته به حتى لصق بالجرح‬
‫فاستمسك الدم»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وها هنا تنبيه وبيان إىل خطأ قول بعض الكتاب يف‬
‫دعواهم إباحة خروج املرأة ألجل مداواة الرجال يف املستشفيات‬
‫وحنوها ومتريضهم حمتجني هبذا احلديث وما شاهبه!!‬
‫وهذا جهل منهم ألن ذلك اخلروج للنساء يف عهد النيب إمنا‬
‫كان للضرورة‪ ،‬مع احلرص على التحفظ والصيانة‪ ،‬خبالف حال‬
‫كثري من النساء اليوم حيث خيتلطن بالرجال لغري ضرورة‪ ،‬مث هن‬
‫يتربجن ويظهرن مفاتنهن مبا يهتك احلياء ويغتال الفضيلة‪.‬‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫ورحم اهلل النووي إذ نبه هلذا املعىن بثبوته باآلية‪َ  :‬واَل ُي ْبد َ‬

‫() "فتح الباري" (‪.)1/355‬‬ ‫‪1‬‬

‫() "الفتح" (‪.)7/373‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪38‬‬

‫ِزينََت ُه َّن إِاَّل لُِبعُولَتِ ِه َّن‪.‬‬


‫ومن املعلوم لكل مدرك أن كثريا بل أكثر املمرضات الاليت‬
‫يباشرن متريض الرجال يتعرضن للتكشف بل ملالمسة املريض‪ ،‬وقد‬
‫جاء هني الشريعة عن ذلك‪ ،‬ألنه مفض إىل حمرم أكرب منه‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬بني احلافظ ابن حجر ـ رمحه اهلل ـ أنه قد جاء يف رواية‬
‫عند الطرباين أن النيب ‪ ‬ملا صنع به املشركون ذلك الصنيع قال‪:‬‬
‫«اشتد غضب اهلل على قوم أدموا وجه رسوله»‪ ،‬مث مكث ساعة‬
‫مث قال‪« :‬اللهم اغفر لقومي فإنهم ال يعلمون» (‪ .)1‬اهـ‪.‬‬
‫وهذا يدل على كمال حلمه ‪ ‬وحتمله‪ ،‬ورمحته بأمته وإرادته‬
‫النجاة هلم‪.‬‬
‫وبأيب هو وأمي ‪ ‬ما كان أعظم حلمه ورأفته بأمته منذ بدء‬
‫الرسالة‪ ،‬فها هو عليه الصالة والسالم يشتد أذى قومه له وذلك‬
‫مبكة‪ ،‬وكان أشده يوم العقبة‪ ،‬فأرسل اهلل إليه ملك اجلبال فسلم‬
‫عليه‪ ،‬وقال‪ :‬يا حممد‪ ،‬إن اهلل قد مسع قول قومك لك‪ ،‬وأنا ملك‬
‫اجلبال‪ ،‬وقد بعثين ريب إليك لتأمرين بأمرك‪ ،‬فما شئت‪ ،‬إن شئت‬
‫أطبقت عليهم األخشبني‪ ،‬فقال النيب ‪« : ‬بل أرجو أن يخرج اهلل‬
‫من أصالبهم من يعبد اهلل وحده ال يشرك به شيئا» متفق عليه‬
‫(‪. ) 2‬‬
‫رابعا‪ :‬جاء يف بعض الروايات ما يبني أن الذي رمى رسول اهلل‬

‫() انظر‪" :‬فتح الباري" (‪.)373 – 7/372‬‬ ‫‪1‬‬

‫() "صحيح البخاري" (رقم ‪" ،)3231‬صحيح مسلم" (رقم ‪.)1795‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪39‬‬ ‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪ ‬وجرحه يف وجهه هو ابن قمئة‪ ،‬وملا انصرف إىل أهله خرج إىل‬
‫غنمه فوافاها على ذروة جبل فنطحه إحداها حىت خر من شاهق‬
‫اجلبل فتقطع‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن الذي أصابه غريه‪ ،‬وقيل غري واحد‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬يف احلديث ما يبني أن األنبياء قد يصابون ببعض‬
‫العوارض الدنيوية من اجلراحات واآلالم واألسقام ليعظم هلم بذلك‬
‫األجر‪ ،‬وتزداد درجاهتم رفعة وليتأسى هبم أتباعهم يف الصرب على‬
‫املكاره‪ ،‬والعاقبة للمتقني‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬نقل احلافظ ابن حجر (‪ )1‬ـ رمحه اهلل ـ عن أيب احلسن‬
‫القابسي قال‪ :‬وددنا لو علمنا ذلك احلصري مما كان لنتخذه دواء‬
‫لقطع الدم‪.‬‬
‫قال ابن بطال‪ :‬قد زعم أهل الطب أن احلصر كلها إذا أحرقت‬
‫تبطل زيادة الدم‪ ،‬بل الرماد كله كذلك‪ ،‬ألن الرماد من شأنه‬
‫القبض‪ ،‬وهلذا ترجم الرتمذي هلذا احلديث‪ :‬التداوي بالرماد‪.‬‬
‫وقال امللهب‪ :‬فيه أن قطع الدم بالرماد كان معلوما عندهم‪،‬‬
‫السيما إن كان احلصري من ديس السعد‪ ،‬فهي معلومة بالقبض‬
‫وطيب الرائحة‪ ،‬فالقبض يسد أفواه اجلروح‪ ،‬وطيب الرائحة يذهب‬
‫بزهم الدم‪ ،‬وأما غسل الدم أوال فينبغي أن يكون إذا كان اجلرح‬
‫غري غائر‪ ،‬أما لو كان غائرا فال يؤمن معه ضرر املاء إذا صب‬
‫فيه‪.‬اهـ‪.‬‬
‫() يف "فتح الباري" (‪.)10/174‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪40‬‬

‫قلت‪ :‬وهذه املعلومة الطبية من إيقاف نزف اجلرح برماد‬


‫احلصري‪ ،‬توصلت إليها أيضا التجارب والبحوث الطبية احلديثة‪.‬‬
‫ذكر الدكتور كمال البتانوين أستاذ علم البيئة يف جامعيت‬
‫القاهرة وقطر يف كتابه "نباتات يف أحاديث الرسول ‪ " ‬قال عن‬
‫استعمال رماد احلصري احملروق يف عالج النزف‪ :‬إن ذلك النبات فيه‬
‫مقدار كبري من األمالح املعدنية اليت تدخل يف تركيب رماده بعد‬
‫االحرتاق‪ ،‬وخباصة رماد األوراق الذي له خاصية امتصاص كبرية‪،‬‬
‫ولذا فهو يطهر اجلرح ويوقف النزف ويسهل التئام اجلروح خباصته‬
‫القابضة‪ ،‬ويشكل غطاء عقيما مينع دخول اجلراثيم إىل اجلرح"‪.‬اهـ‪.‬‬
‫وإمنا كان عقيما أي متعقما بفعل النار‪ ،‬نبه هلذا أيضا الدكتور‬
‫عبد الرزاق الكيالين يف كتابه "احلقائق الطبية يف اإلسالم"‪.‬‬
‫خنتم هبذه اللفتة الرتبوية‪ ،‬وهو بيان ما كانت عليه فاطمة بنت‬
‫رسول اهلل ‪ ‬من حصافة الرأي وحسن التصرف برغم حداثة سنها‪،‬‬
‫إذ كان عمرها يف ذلك املوقف ال يزيد على مخسة عشر عاما‪ ،‬ومع‬
‫عظم املوقف ورؤيتها نزف الدم من احلبيب املصطفى لكنها متالكت‬
‫نفسها وطببت أباها على أحسن ما يكون‪.‬‬
‫وكثري من فتياتنا اليوم ممن هن يف سنها ال يبلغن هذا الشأن وال‬
‫يقربن منه‪ ،‬بل عدد منهن جاهالت مبا هو دون ذلك من إدارة‬
‫شئون املنزل‪ ،‬حىت إن منهن من تدخل بيت الزوجية وهي ال حتسن‬
‫طبخ الطعام‪ ،‬وال إعداد ما حيتاج إليه الزوج‪ ،‬وهذا له انعكاساته‬
‫على حياهتا الزوجية‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪41‬‬ ‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬

‫نعم‪ ،‬بعض الفتيات على جانب حسن من الدراية واحلصافة‬


‫وقليل ما هن‪.‬‬
‫والواجب على الوالدات أن يعنني برتبية بناهتن ويوجهنهن مبا‬
‫ميكنهن من تصريف أمورهن باحلذق واحلصافة‪.‬‬
‫سالم على فاطمة يف العاملني‪ ،‬وصالة ريب وسالمه على نبيه‬
‫ومصطفاه‪.‬‬

‫***‬

‫‪www.alukah.net‬‬
‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬
‫‪ten.hakula.www‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪42‬‬

‫الفهرس‬

‫قصة القالدة اليت استجاشت مشاعر املعصوم ‪5.................‬‬


‫مصاب يف بيت النبوة ‪12.......................................‬‬
‫املعصوم ‪ ‬يتفقد حال بنته ‪19..................................‬‬
‫فاطمة مع زوجها علي ‪19......................................‬‬
‫املعصوم ‪ ‬حيضر جنازة بنته وتغسيلها ‪24........................‬‬
‫فقه وفوائد ‪24.................................................‬‬
‫حمبة النيب ‪ ‬لبناته وعنايته هبن ‪30................................‬‬
‫فاطمة تطبب أباها يف معركة أحد‪35...........................‬‬
‫الفهرس ‪42...................................................‬‬

‫***‬

‫‪www.alukah.net‬‬

You might also like