You are on page 1of 3

‫أسماء بنت أبى بكر رضي هللا عنها‬

‫نسبها ومولدها‬
‫هي أسماء بْن ت أبي بكر الصديق خليل النبي عليه الصالة والسالم في حياته‪ ،‬وخليفته بعد مماته‪ ،‬جدها أبو‬
‫قحافة‪ ،‬وأمها قتيلة بن عبد العزى‪ ،‬تزوجها أبو بكر في الجاهلية‪ ،‬فأنجبت له أسماء وعبد هللا ثم طلقها قبل‬
‫اإلسالم وبقيت في جاهليتها مدة ثم أسلمت بعد الفتح‪ ،‬زوج الزبير بين العوام حواري رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ووالدة عبد هللا بن الزبير‪ ،‬وأْخ ت أم المؤمنين عائشة‪ ،‬قال عبد الَّر حمن بن أبي الِّز َن اد‪ :‬كاَن ت أسماء أكبر‬
‫من عائشَة بعشر سنين‪ .‬ولدت أسماء قبل الهجرة النبوية بسبع وعشرين سنة في بيت علم وكرم وحسب‬
‫ونسب‪ ،‬وتعرف رضي هللا عنها بذات الِّن طاقين‪.‬‬
‫إسالمها‬
‫أسلمت أسماء بنت أبي بكر رضي هللا عنها مع السابقين األولين وهي فتاة غضة في الرابعة عشرة من عمرها‪،‬‬
‫يوم أن عاد والدها الصديق رضي هللا عنه إلى الدار مشرق الوجه متهلل الجبين باسم الثغر تكاد عيناه تنطقان‬
‫بالكلمات قبل أن يتلفظ بها لسانه‪ ،‬فها هو يزف إلى أهله بشرى نبوة “محمد األمين” صديقه وصفيه صلى هللا‬
‫عليه وسلم ويعلن أنه قد تابعه وآمن به‪.‬‬
‫ولما آن أوان إسالم أسماء كان ترتيبها في اإلسالم الثامن عشر بين الرجال والنساء‪ ،‬انضوت تحت لواء‬
‫المصطفى صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وكانت كثيًر ا ما تلقاه في منزل أبيها الصديق رضي هللا عنه‪ ،‬الذي كان يعتبره‬
‫رسول هللا منزال له ومقيال ومأوى‪ ،‬فتلقت رضي هللا عنها شعب اإليمان وأحكام اإلسالم من مصدرها الصافي‬
‫العذب من فم وقلب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم متغلغال إلى أعماق قلبها‪ ،‬فهي من المؤمنات السابقات‪.‬‬
‫فأصبحت بهذه التنشئة اإليمانية رمًز ا حيا للمرأة المسلمة‪.‬‬
‫زواج أسماء وقيامها بأمر بيت الزوجية‬
‫تزوجت أسماء من الزبير بن العوام‪ ،‬وهو ابن عمة رسول هللا صفية‪ ،‬قبل هجرتها إلى المدينة‪ ،‬وكان شابًا‬
‫فقيرًا ال يملك من متاع الدنيا إال البيت الذي يسكنه‪ ،‬والفرس الذي يركبه‪ ،‬والسيف الذي يحمله‪ ،‬ورضيت به‬
‫أسماء زوجًا ولقد كان بيتها وبيت الزبير بيتًا من بيوت اإليمان؛ نشأت فيه التقوى وأصبحت وارفة الظالل‪.‬‬
‫فكانت له نعم الزوجة الصالحة‪ ،‬تخدمه وتسوس فرسه وترعاه وتطحن النوى لعلفه‪ ،‬حتى فتح هللا عليه فغدا من‬
‫أغنى أغنياء الصحابة‪ .‬وروى عروة عنها‪ ،‬قالت‪ :‬تزوجني الزبير وما له شيء غير فرسه؛ فكنت أسوسه‬
‫وأعلفه‪ ،‬وأدق لناضحه النوى‪ ،‬وأستقي‪ ،‬وأعجن‪ ،‬وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول هللا‬
‫على رأسي وهي على ثلثي فرسخ‪ ،‬فجئت يوما‪ ،‬والنوى على رأسي‪ ،‬فلقيت رسول هللا ومعه نفر‪ ،‬فدعاني‪،‬‬
‫فقال‪“ :‬إخ‪ ،‬إخ”‪ ،‬ليحملني خلفه‪ ،‬فاستحييت‪ ،‬وذكرت الزبير وغيرته‪ .‬قالت‪ :‬فمضى‪ .‬فلما أتيت الزبير أخبرته‬
‫فقال‪ :‬وهللا‪ ،‬لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه! قالت‪ :‬حتى أرسل إلي أبو بكر بعد بخادم‪ ،‬فكفتني‬
‫سياسة الفرس‪ ،‬فكأنما أعتقني ‪.‬‬
‫وكانت رضي هللا عنها تربي أوالدها على العزة والشجاعة والشهامة‪ ،‬فتقول لعبد هللا بن الزبير‪ :‬يا بني‪ ،‬عش‬
‫كريمًا ومت كريمًا ال يأخذك القوم أسيرًا ‪ .‬وعبد هللا بن الزبير هذا الذي كان مع غلمان يوًم ا يلعبون‪ ،‬فمر عمر‬
‫بن الخطاب‪ ،‬فلما رأوه‪ ،‬وكان ذا هيبة شديدة تفَّر قوا إال عبد هللا بن الزبير‪ ،‬بقي واقفًا بأدب‪ ،‬أمر يلفت النظر‪،‬‬
‫فلما وصل إليه قال‪ :‬يا غالم‪ ،‬لَم لْم تهرب مع من هرب؟ قال‪ :‬أيها األمير‪ ،‬لسَت ظالمًا فأخشى ظلمك‪ ،‬ولسُت‬
‫مذنبًا فأخشى عقابك‪ ،‬والطريُق يسُع ني ويسُع ك‪.‬‬
‫مواقف أسماء مع الرسول وأبيها الصديق وجدها أبو قحافة وأبي جهل‬
‫قامت أسماء رضي هللا عنها بدور كبير في هجرة النبي صلى هللا عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق رضي هللا عنه‪،‬‬
‫عمد إليها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بسر الهجرة‪ ،‬فقد ائتمنها صلى هللا عليه وسلم على اتخاذ قراراِت خطيرة‬
‫ومصيرية‪.‬‬
‫فكلفها بمهمة خطيرة في هجرته وهي مسؤولية تزويد مؤونة الهجرة؛ تزودهما بما يحتاجان إليه من الطعام والشراب‬
‫وهما مختبئان في غار ثور‪ ،‬فلم تفش سر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وصاحبه‪ ،‬بل كانت تأخذ كل إجراءات الحيطة‬
‫والحذر حتى ال يراها أحد من جموع قريش الذين يطاردونهما‪ ،‬ولما عزما على االرتحال من الغار صنعت لهما ما‬

‫‪1‬‬
‫يحتاجانه من طعام‪ .‬عن أسماء رضي هللا عنها قالت‪ :‬صنعت سفرة الّن بي صلى هللا عليه وسلم في بيت أبي حين أراد‬
‫أن يهاجر‪ ،‬فلم أجد لسفرته وال لسقائه ما أربطهما‪ ،‬فقلت ألبي‪ :‬ما أجد إَّال نطاقي فقال‪ :‬شّق يه باثنين‪ ،‬فاربطي بهما‬
‫قالت‪ :‬فلذلك سّم يت بذات النطاقين‪( .‬سير أعالم النبالء‪.)2/289 ،‬‬
‫وكان لها دور بارز في بيت أبيها‪ ،‬حيث خرج أبو بكر مهاجرًا مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بكل ماله في سبيل‬
‫هللا‪ ،‬وكان خمسة آالف أو ستة آالف درهم‪ ،‬وأسماء على علم بهذا مما أغضب والده أبو قحافة الذي كان مكفوفا‪ ،‬فكان‬
‫لها دور كبير رضي هللا عنها في تطييب خاطر جدها في هذا الموقف‪ ،‬إذ أخذت أحجارًا فوضعتها في كوة في البيت كان‬
‫أبوها يضع فيها ماله‪ ،‬ثم وضعت عليها ثوبًا وأخذت بيده فقالت‪ :‬يا أبت ضع يدك على هذا المال‪ ،‬فوضع يده عليه‬
‫فقال‪ :‬ال بأس إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن‪.‬‬
‫ولما طاش صواب قريش عندما علموا بخروج النبي صلى هللا عليه وسلم من داره سالًم ا من بينهم‪ ،‬وجّن جنونهم‪،‬‬
‫وفقدوا صوابهم فهاجوا وماجوا‪ ،‬وفي مقدمتهم أبو جهل‪ ،‬الذي جاء هائًج ا إلى منزل أبي بكر فقابلته أسماء‪ ،‬فلما فتحت‬
‫له الباب‪ ،‬قال‪ :‬أين أبوك؟ ومتى خرج؟ وإلى أين سار؟ فأجابته بهدوء‪ :‬ال أعلم‪ ،‬ازداد غيًظ ا وأقسم بالالت والعزى‬
‫مهدًد ا لئن لم تفصحي لنؤذينك‪ ،‬فجاء جوابها أثبت من األول‪ :‬ال أعلم‪ ،‬وافعل ما بدا لك‪ ،‬فما كان منه إال أن لطمها لطمًة‬
‫أطارت خرصها من أذنها‪ ،‬وسال دمها الزكي الطاهر‪ ،‬لكنها لم تبال ولم تضعف‪ ،‬بل زادها قوة وثباًت ا‪ ،‬وحفظا لألمانة‪،‬‬
‫فقد كانت تأبى الخيانة رغم تعرضها للتعذيب‪.‬‬
‫هجرة أسماء إلى المدينة‬
‫لما استقر النبي وصحبه بالمدينة هاجرت أسماء مع زوجها وكانت حامًال بعبـد هللا بن الزبيـر‪ ،‬وهي تقطع‬
‫الصحراء الالهبة مغادرة مكة الى المدينة على طريق الهجرة العظيم‪ ،‬وما كادت تبلغ قباء عند مشارف المدينة‬
‫حتى جاءها المخاض‪ ،‬ونزل المهاجر الجنين أرض المدينة في نفس الوقت الذي كان ينزلها المهاجرون من‬
‫الصحابة‪ ،‬وُح ِم ل المولود األول إلى الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وحمله المسلمون في المدينة وطافوا به‬
‫المدينة مهلليـن مكبرين‪ ،‬حيث أن يهود المدينة أشاعوا بأن المهاجرين قد سحرهم اليهود وال يولد لهم‪ ،‬فخاب‬
‫ادعاؤهم‪ ،‬فوضعه رسول هللا في حجره‪ ،‬وحنكه بتمرة بعد أن الكها رسول هللا بفمه الشريف ثم وضعها في فم‬
‫عبد هللا‪ ،‬فكان ريق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أول ما دخل جوف عبد هللا‪ ،‬وهو الذي سماه بهذا االسم‪.‬‬
‫وولدت بعد ذلك “عروة” و”المنذر”‪ ،‬وما منهم إال عالم أو فارس‪.‬‬
‫موقف أسماء مع أمها المشركة‬
‫ومن مواقف أسماء موقفها مع أمها المشركة الذي جاء في القصة التالية‪ .‬كانت أسماء رضي هللا عنها وقافة‬
‫عند حدود هللا‪ ،‬ال تجامل في ذلك أحدًا من خلقه‪ ،‬حتى وإن كان أقرب الناس إليها وألصقهم بها‪ ،‬كأمها التي كان‬
‫بطنها لها وعاًء وثديها لها سقاًء ؛ عن ابن الزبير قال‪ :‬نزلت هذه اآلية في أسماء‪ ،‬و كانت أمها يقال لها قتيلة‪،‬‬
‫جاءتها بهدايا زبيب وسمن فلم تقبلها حتى سألت الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فنزلت‪ :‬ال ينهاكم هللا عن الذين‬
‫لم يقاتلوكم في الدين (سورة الممتحنة)‪ .‬وفي الصحيح أن أسماء قالت‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬إن أمي قد قدمت وهي‬
‫راغبة‪ ،‬أفأصلها؟ قال‪ :‬نعم صلي أمك‪.‬‬
‫أسماء العالمة والمحدثة رضي هللا عنها‬
‫بعد هجرة أسماء رضي هللا عنها إلى المدينة قامت بدور كبير‪ ،‬تمّث ل ذلك في تعليم و دعوة النساء بالمدينة‪،‬‬
‫وكانت نساء قريٍش يعرفن الكتابة‪ ،‬بينما نساء األنصار ال يعرفنها‪ ،‬فكان نساء المهاجرين يعلمن نساء األنصار‬
‫ما يتعلمن به القرآن‪ ،‬وكانت أسماء قد حفظت بعض القرآن فشرعت في تعليم نساء األنصار أمور دينهن‪.‬‬
‫وكانت رضي هللا عنها تسمع حديث النبي صلى هللا عليه وسلم فتحفظه وتعلمه غيرها‪ ،‬وقد روت عن النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم أحاديث كثيرة‪ .‬قال النووي رحمه هللا ‪ُ“ :‬ر وَي ألسماء عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫ستة وخمسون حديًث ا”‪.‬‬
‫أخالق أسماء وصفاتها‬
‫إلى جانب ما سبق ذكره من اتصاف أسماء بالصبر والتضحية واإليثار‪ ،‬بينه بجالء ما بذلته رضي هللا عنها في‬
‫قصة الهجرة‪ ،‬فإن أسماء كانت تتمتع بصفات حميدة وأخالق رفيعة‪ ،‬منها ما يلي‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -1‬سخاء نفسها وعظيم جودها‪ :‬فقد كاَن ت أسماء بنت أبي بكر سخية النفس‪ ،‬وكانت رضي هللا عنها من أكرم‬
‫النساء وأجودهن‪ ،‬ومن حبها للعطاء لم يكن يثبت بيدها مال‪.‬‬
‫جاء في تاريخ دمشق بإسناد مصنفه‪ ،‬عن القاسم بن محمد‪ ،‬قال‪ :‬سمعت ابن الزبير يقول‪ :‬ما رأيت امرأة قط‬
‫أجود من عائشة وأسماء‪ ،‬وجودهما مختلف‪ :‬أما عائشة‪ ،‬فكاَن ت تجمع الشيء إلى الشيء‪ ،‬حَت ى إذا اجَت مع‬
‫عندها وضعته مواضعه‪ ،‬وأما أسماء‪ ،‬فكاَن ت ال َت ّدخر شيئًا لغد‪.‬‬
‫وكانت رضي هللا عنها تقول لبناتها وألهلها‪“ :‬أنفقوا وأنفقن وتصدقن‪ ،‬ال تجدن فقده” (أخرجه ابن سعد في‬
‫الطبقات الكبرى)‪.‬‬
‫‪ -2‬حرصها على مرضاة ربها في جميع أحوالها‪ :‬قال ابن أبي مليكة‪ :‬كاَن ت أسماء َت صدع‪ ،‬فَت ضع يدها على‬
‫رأسها‪ ،‬وتقول‪“ :‬بذنبي‪ ،‬وما يغفره هللا أكثر” (أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى)‪.‬‬
‫وفى طبقات ابن سعد بإسناد الصحيحين عن فاطمة بنت المنذر‪ :‬أّن أسماء كاَن ت َت مرض الَمْر َض َة ‪َ ،‬فَت ْع تُق كَّل‬
‫مملوك لها‪.‬‬
‫أسماء األم المرّب ية‬
‫بعد وفاة يزيد بن معاوية بويع لعبد هللا بن الزبير بالخالفة في الحجاز واليمن والعراق وخراسان‪ ،‬وظل تسع‬
‫سنوات ينادى بأمير المؤمنين‪ ،‬حتى شاءت األقدار أن تزول الخالفة من أرض الحجاز‪.‬‬
‫جاء الحجاج بجند الشام فحاصر ابن الزبير في مكة‪ ،‬وطال المدى‪ ،‬واشتد الحصار‪ ،‬وتفرق عنه أكثر من كان‬
‫معه‪ ،‬فدخل عبد هللا على أمه في الساعات األخيرة من حياته‪ ،‬ووضع أمامها الصورة الدقيقة لموقفه ومصيره‬
‫الذي ينتظره‪ ،‬وهناك أمسك التاريخ بقلمه ليكتب موقف األم الصبور من ابنها وفلذة كبدها‪ ،‬في لحظة حاسمة‬
‫من لحظات الخلود‪ ،‬فقالت له أمه‪( :‬يا بني أنت أعلم بنفسك‪ ،‬إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى حق‪ ،‬فاصبر‬
‫عليه حتى تموت في سبيله‪ ،‬وال تمّك ن من رقبتك ِغلَم ان بني أمية‪ ،‬وإن كنت تعلم أنك أردت الدنيا فلِبئس العبد‬
‫أنت‪ ،‬أهلكت نفسك وأهلكت من ُقِتَل معك) قال عبد هللا‪( :‬وهللا يا أماه ما أردت الدنيا وال َر كْن ُت إليها‪ ،‬وما ُجْر ُت‬
‫في حكم هللا أبدًا وال ظلمت وال َغ َد ْر ت) قالت أمه أسماء‪( :‬إني ألرجو هللا أن يكون عزائي فيك حسنا إن سَب ْق َت ني‬
‫إلى هللا أو َس بْق ُت ك‪ ،‬اللهم ارحم طول قيامه في الليل‪ ،‬وظمأه في الهواجر‪ ،‬وِبّر ه بأبيه وبي‪ ،‬اللهم إني أسلمته‬
‫ألمرك فيه‪ ،‬ورضيت بما قضيت‪ ،‬فأِثْب ني في عبد هللا بن الزبير ثواب الصابرين الشاكرين) وتبادال معا عناق‬
‫الوداع‪.‬‬
‫أسماء األم الصابرة‬
‫وبعد ساعة من الزمان تلّق ى الشهيد ضربة الموت‪ ،‬وأبى الحّج اج إال أن يصلب الجثمان الهامد تشفيًا وِخسة‪،‬‬
‫وقامت أم البطل وعمرها سبع وتسعون سنة لترى ولدها المصلوب‪ ،‬وبكل قوة وقفت تجاهه ال تروم‪ ،‬واقترب‬
‫الحّج اج منها قائال‪( :‬يا أماه إن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان قد أوصاني بك خيرا‪ ،‬فهل لك من حاجة؟)‬
‫فصاحت به قائلة‪( :‬لست لك بأم‪ ،‬إنما أنا أُّم هذا المصلوب على الّث ِنّي ة‪ ،‬وما بي إليكم حاجة‪ ،‬ولكني أحّد ثك حديثا‬
‫سمعته من رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قال‪( :‬يخرج من ثقيف كّذ اب وُم بير) فأما الكّذ اب فقد رأيناه‪ ،‬وأما‬
‫الُم بير فال أراه إال أنت)‪.‬‬
‫وتقدم عبد هللا بن عمر ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬من أسماء ُم عِّز يا وداعيا إياها إلى الصبر‪ ،‬فأجابته قائلة‪( :‬وماذا يمنعني‬
‫من الصبر‪ ،‬وقد ُأْه ِد َي رأس يحيى بن زكريا إلى َب غٍّي من بغايا بني إسرائيل)‪.‬‬
‫وفاتـها‬
‫توفيت أسماء رضي هللا عنها لسبع عشرة خلت من جمادى األولى‪ ،‬سنة ثالث وسبعين‪ ،‬وكاَن ت آخر المهاجرين‬
‫والمهاجرات وفاة‪ .‬وهكذا انتهت حياة أسماء بنت أبي بكر الصديق أم عبد هللا بن الزبير‪ ،‬وزوج حواري رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم وذات النطاقين‪ .‬انتهت حياتها‪ ،‬وانتقلت إلى جوار ربها لتترك للمؤمنات دروسًا خالدة‪،‬‬
‫ومواعظ غالية‪ ،‬وستظل مهما تعاقب الزمان تذكر بالتضحية والصبر والتقوى‪ ،‬وسيظل لها لقب (ذات‬
‫النطاقين)‪ .‬فرضي هللا تعالى عنها وعن أبيها وزوجها وأبنائها في الخالدين‪ ،‬وألحقنا بهم مع النبيين والصديقين‬
‫والشهداء والصالحين‪ ،‬إنه أرحم الراحمين وأكرم األكرمين‪.‬‬

‫‪3‬‬

You might also like