Professional Documents
Culture Documents
هللا صلى هللا عليه و سلم و احتضنته طفاًل بعد أن فقد األم ،حتى قال عنها عليه الصالة و السالم ( :هذه هي بقية
أهلي ) ،و كانت من أوائل المصدقين به و المستجيبين بدعوته عندما بُعث برسالة الحق ،و قد بشرها الرسول
صلى هللا عيله و السالم بالجنة حين قال الصحابه ( :من سره أن يتزوج إمرأة من نساء الجنة ،فليتزوج أم
أيمن ) ،إسمها بركة بنت ثعلبة بن عمرو ،كانت ضمن ما خلفه عبد هللا بن عبد المطلب إلبنه محمد صلى هللا
عليه و سلم ،و كان قد توفي عبد هللا بن عبد المطلب في أثناء رجلته إلى الشام ،تر ًكا زوجته أمنة بنت وهب
حاماًل ،و ولدت أمنة محمدًا صلى هللا عليه و سلم ،فكانت بركة أول من إستقبله و احتضنه ،حتى أرسلته أمه
مسترضعًا في بني سعد لدى حليمة السعدية ،و كانت تالزمه بركة ال تفارقه حتى إذا خرجت أمنة لزيارة قبر
زوجها في يثرب كعادتها كل عام ،أخذت معها طفلها و حاضنته بركة تقوم على رعايته.
و عندما بلغ محمد ال 6من العمر فوجع محمد بوافاة أمه أثناء أحد زياراتها إلى يثرب و دفنت في االبواء قرب
من تلك المدينة التي ستغدو بعد عقود و أعوام معقل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وعادت به بركة أو أم أيمن
إلى مكة المكرمة و عاشت في بيت جديه عبد المطلب ترعى شؤونه و تقوم على خدمته حتى َكب َُر صلى هللا
عليه وسلم ،فكانت له نِع َم األم بعد أمه ،حتى قال فيها عليه الصالة و السالم ( :أم أيمن أمي بعد أمي ) ،و بسبب
شدة مالزمتها له و قيامها على شؤونه ،فقد وقفت أم أيمن على كثير من االحداث التي مر بها الرسول صلى هللا
عليه و سلم في طفولته و يفاعته ،و قد روت لنا الكثير من االحاديث و االخبار عن حال النبي عليه الصالة و
أدر بعبد المطلبالسالم قبل البعثة فقالت ( :كنت احضن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فغفلت عنه يو ًما ،فلم ِ
قائ ًما على رأسي يقول " :يابركة " ،قلت " :لبيك " ،قال " :أتدرين أن وجدت ابني؟ " ،قلت " :ال أدري " ،قال:
" وجدته مع ِغل ًما قريبًا من السدرة ،فال تغفلي عنه ،فإن أهل الكتاب يزعمون أنه نبي هذه االمة و أنا ال آمنهم
عليه ").
ضا فقالت ( :ما رأيت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يشكي جوعًا و ال عط ًشا ال في صغره
و روت أم أيمن أي ً
وال في كبره ،و كان يغدو إذا أصبح فيشرب من ماء زمزم ِشربة ،فربما عرضنا عليه الغداء فيقول " :أنا
شبعان ").
بقيت أم أيمن تخدم الرسول صلى هللا عليه وسلم حتى تزوج السيدة خديجة بنت خويلد رضي هللا عنها ،حيث
ق أم أيمن تقديرًا لها و عرفانًا بجميلها .
أعت َ
و قد تزوجت أم أيمن في الجاهلية من الخزرجي عبيد بن زيد من بنت الحارث ،و أنجبت له أيمن و به كانت
تُكنى ،و ربما تزوجت به أثناء زيارة من زياراتها ليثرب ،و قيل أنه نزل مكة و أقام بها و تزوج أثناء ذلك من
أم أيمن ،ثم انتقلت معه الى يثرب و ولدت له ولدهما أيمن ،فلما مات عنها رجعت إلى مكة و كان إبنها أيمن
رضي هللا عنه من السابقين إلى االسالم ،فقد أسلم سريعًا و صحب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في مكة و
المدينة ،كما صحبته أم أيمن حتى بعد عتقيه لها ،فقد كان يناديها " يا أماه " ،و لطالما أشار إليها فقال ( :هذه
بقية هل بيتي ) ،و أراد النبي صلى هللا عليه وسلم أن يكرمها بزو ًج بعد فقد زوجها فقال لمن حوله من
الصحابه ( :من سره أن يتزوج إمرأة من أهل الجنة ،فليتزوج ام أيمن) ،فأسرع زيد بن الحارث مولى رسول
هللا عليه الصالة و السالم بالتلبية و تزوج من أم أيمن وكانت تكبره بأعوام ،و قد ولدت له في السنة ال 6للبعثة
إبنه أسامة ِحبّ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم و الذي كان من منزلة الحسن و الحسين عنده ،و قد تضاربت
االراء في هجرة أم أيمن الى الحبشة فذكرت بعض كتب السيرة أنها كانت في طليعة المهاجرين ،إلى أن
هجرتها إلى المدينة المنورة كانت مشهودة حيث روت أم أيمن تلك الكرامة التي أكرمها بها هللا تعالى ،جزا ًءا
لصبرها و إحتسبها في سبيله ،فقد كانت في هذه الرحلة وحيدةً و ليس معها سوا ولدها أسامة وكان في ال 7من
عمره تقريبًا ،وفي ذلك الطريق الشاق و الطويل ،إشت َد بها العطش و نفذ ما معها من الماء ،و أشرفت على
الهالك و كانت صائمة ،وتروي ما جرى لها بعد ذلك فتقول رضي هللا عنها ( :فإذا غابت الشمس فإذا بإناء
معلق عند رأسي تدلى من السماء برشاء أبيض " أي حبل" ،فأخذته وشربت منه حتى رويت) ،وكانت تقول
بعد إذن ( :ما أصابني بعد ذلك عطش ،ولقد تعرضت للعطش بالصوم في الهواجر فما عطشت بعد تلك
الشربة ،و إني كنت أصوم في اليوم الحار ،فما أعطش ) ،و عاشت أم أيمن في المدينة المنورة التي طالما
زارتها من قبل ،لتشهد في رسالة االسالم تسطع و تشع ،والطفل الذي كانت تصحبه الى أخواله من بني نجار
قد غدى سيد المدينة و م نبي االمة ،و كانت أم أيمن قريبة من بيت رسول هللا و شهدت أحزانه و أفراحه ،و كان
صلى هللا عليه وسلم يحسن معاملتها و يقدر مكانتها ،و قد روت أم المؤمنين عائشة رضي هللا عنها فقالت:
( شرب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يو ًما و أم أيمن عنده ،فقالت " :يا رسول هللا اسقني " ،فقلت لها" :
ألرسول هللا تقولين هذا؟ " ،فقالت " :ما خدمته أكثر " ،فقال النبي " :صدقت أم أيمن " ،و سقاه بيده الكريمة ).
وكان رسول هللا يمازحها حتى تُسعد و يسر قلبها.
وكان في لسان أم أيمن عسره قإذا سلمت على رسول هللا ( السالم عليكم ) ،و أبدلت العين همزة ،فرخص لها
الرسول أن تقول ( السالم فقط ) ،وفي معركة حنين خرجت معهم و كانت تدعوا لهم فقالت ( :ثبت هللا
أقدامكم ) ،و بدلت الثاء بسين و أصبح في معنها ( قطع هللا أقدامكم ) ،فقال لها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
في حمأة المعركة ( :أسكتي يا أم أيمن فإنك عسراء اللسان ).
ولم يكن دور أم أيمن و حضورها في المعارك أقل من حضور ها في البيت النبوي ،فقد شهدت مع رسول هللا
معركة أحد و خرجت في سبيل هللا تسقي العطشى و تداوي الجرحى بل تفوقت على كثير تولوا مدبرين.
ّ
صحبن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،و عندما كتب هللا وفي معركة خبير كانت أم أيمن من النساء اللواتي
النصر للمسلمين أعطاها النبي صلى هللا عليه وسلم من الفيء و قسم البنها أسامة 200وسق و 50تمرًا و 40
وسقًا من القمح.
وقد عُرف عن أم أيمن عنفوانها الغاضب الذي ينبذ الجبن و التخاذل و لهذا عنفت إبنها أيمن رضي هللا عنه و
اتهمت بالجبن حين تخلف عن معركة خيبر ،لكن أيمن رضي هللا عنه ألمه كثيرًا لوم أمه و اتهامها له ،فهو لم
يتخلف بجبن بل بسبب مرض مهره الذي شرب من ماء الشعير المخمر ،و دافع له حسان بن ثبات .و ظلت أم
أيمن رضي هللا عنها تعلي من همم أوالدها و تعلي فيهم قيم المروءة و الشجاعة ،حتى جاءها نبأ استشهاد ابنها
أيمن رضي هللا عنه الذي كان من من ثبت حول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يوم حنين و قاتل دونه حتى قُتل
ش بعثه الرسول صلى هللا شهيدًا ،أما زوجها زيد بن الحارثة فقد استشهد في السنة ال 8للهجرة على رأس جي ٍ
عليه وسلم إلى الشام ،وفي السنة ال 10للهجرة أعد الرسول صلى هللا عليه وسلم جي ًشا أخر لمحاربة الروم في
مؤته و أمر على الجيش إبنها أسامة بن زيد رضي هللا عنه الذي كان من دون سن ال 20عا ًما.
و بعدها مرض الرسول صلى هللا عليه وسلم و جاء الرجال و على رأسهم سامة يودعون رسول هللا ،و دخلت
أم أيمن رضي هللا عنها و قالت ( :يا رسول هللا لو تركت أسامة في معسكره حتى تتماثل للشفاء ،فإن أسامة إن
خرج على حالته هذه لم ينتفع بنفسه ) ،فقال صلى هللا عليه وسلم ( :أنفذوا بعث أسامة ) ،و لحق الرسول صلى
هللا عليه وسلم بالرفيق االعلى ،و تولى أبو بكر رضي هللا عنه الخالفة من بعده و صمم على تنفيذ أمر رسول
هللا بإنفاذ الجيش إلى الشام و أبقى على رأسهم أسامة بن زيد رضي هللا عنه رغم إعتراض بعض الصحابة ،
وتوفي الرسول صلى هللا عليه وسلم فبكته أم أيمن بكا ًءا شديدًا فقد بكت نبي الهدى و نور الحق الذي بكاه سائر
المسلمين ،و بكت االبن الغالي الذي احتضنته طفاًل و شهدت زواجه شابًا و اتبعت رسالته نبيًا و هاجرت في
سبيل دعوته مرارًا ،فكانت حياته لصيقةً بحياته صلى هللا عليه وسلم.
و عندما تولى أبو بكر الصديق الخالفة قال لعمر بن الخطاب رضي هللا عنه ( :انطلق بنا نزور أم أيمن كما
يبكيك يا ام أيمن ،فما
ِ كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يزورها ) ،فلما دخال عليها بكت فقال أبا بكر ( :ما
عند هللا خير لرسوله ) ،فقالت ( :إني و هللا لقد علمت أن رسول هللا يموت ،ولكني أبكي على الوحي إذا غنقطع
عنا من السماء ) ،فهيجتهما على البكاء.
و قد عاشت أم أيمن خالفة أبا بكر و خالفة عمر بن الخطاب رضي هللا عنهم ،حتى ما إذا قُتل عمر رضي هللا
وهي االسالم ) ،وما هي اال ايام معدودة في السنة ال 23من
َ عنه غد ًرا و هو يصلي الفجر ،حتى قالت ( :االن
الهجرة ،و قد ناهزت ال 90من العمر ،و دفنت في مدافن البقيع في المدينة المنورة مع سائر الصحابة و
التابعين.