You are on page 1of 94

‫ح خالد إبراهيم إسكندراني ‪ 1435 ،‬هـ‬

‫فهرسة مكتبة امللك فهد الوطنية أثناء النشر‬


‫إسكندراني ‪ ،‬خالد إبراهيم‬
‫منتقى النقول يف سرية حاضنة الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫رضي اهلل عنها‪ / .‬خالد ابراهيم اسكندراني ‪ -‬املدينة املنورة ‪،‬‬
‫‪ 1435‬هـ‬
‫‪ 92‬ص ‪ 24×17 ،‬سم‬
‫ردمك‪978 - 603 - 01 - 6019 - 8 :‬‬

‫‪ -2‬الصحابيات والتابعيات‬ ‫‪ -1‬أم أمين ‪ ،‬بركة بنت ثعلبة‬


‫أ‪ .‬العنوان‬
‫‪1435/7728‬‬ ‫ديوي ‪239.9‬‬

‫رقم اإليداع‪1435/7728 :‬‬


‫ردمك‪978 - 603 - 01 - 6019 - 8 :‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫تقديـــــم‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫احلمدهلل رب العاملني والصالة والسالم األمتان األكمالن على سيد األولني‬
‫واآلخرين‪ ،‬صاحب اخللق العظيم‪ ،‬وحجة اهلل على الناس أمجعني‪،‬وأشهد‬
‫أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له قيوم السماوات واألرضني‪ ،‬هو القائل‬
‫سبحانه وتعاىل‪ :‬ﱫ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﱪ(((‪ ،‬والقائل جل جالله‬
‫وعز سلطانه‪ :‬ﱫ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﱪ(((‪ ،‬ثم أما بعد‪:‬‬
‫جيدها القمة يف اجلالل واجلمال‬ ‫فإن من يطالع سرية املصطفى‬
‫والكمال البشري الذي ال يطال وقد حوى مجيل اخلصال من املثل األعلى‬
‫واخللق األسنى الذي جيب أن حيتذى ويقتدى به قدر اإلمكان فهو‬
‫مجع كل خلق حسن يوصف به بشر‪ ،‬بل هو الصفوة املختارة من البشر‬
‫وهم األنبياء املرسلون‪ ،‬صلوات اهلل وسالمه عليهم أمجعني‪ ،‬قال تعاىل يف‬
‫‪ :‬ﱫ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﱪ(((‪ ،‬فيكفي هذا الثناء وهذه الشهادة‬ ‫حقه‬
‫العظمى من اهلل سبحانه وتعاىل على خري خلقه وصفوة أنبياءه ورسله‪.‬‬
‫كان شديد احلب ألهل اإلميان‪ ،‬يتساوى يف هذا احلب الغين والفقري‪،‬‬
‫احلر والعبد من الرجال والنساء على السواء‪ ،‬إمنا يتفاضلون بالتقوى كما‬
‫ً‬
‫فمثال‬ ‫(((‬
‫قال عز وجل يف كتابه الكريم ﱫ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﱪ‬
‫حني تالحى أبو ذر وبالل رضي اهلل عنهما‪ ،‬قال له أبو ذر‪ :‬يا ابن السوداء‪،‬‬
‫‪( :‬فداه أبي وأمي أعريته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية)‪ ،‬فال‬ ‫فقال‬
‫بني أبيض وأمحر وأسود‪ ،‬وقد أذاب اإلسالم‬ ‫فرق عند رسول اهلل‬
‫((( �سورة الق�ص�ص‪ ،‬الآية (‪. )68‬‬
‫((( �سورة احلجرات‪ ،‬الآية (‪. )13‬‬
‫((( �سورة القلم‪ ،‬الآية (‪. )4‬‬
‫((( �سورة احلجرات‪ ،‬الآية (‪. )13‬‬
‫‪5‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫هذه الفوارق األرضية بني الناس بل باشر عليه الصالة والسالم إزالتها‬
‫بنفسه فكان يقبل احلسن بن علي ويقبل أسامة بن زيد احلب‪ ،‬وقد ضرب‬
‫أروع املثل حينما سأل عن تلك املرأة السوداء اليت كانت تقم املسجد‬
‫وقال‪:‬‬ ‫مبوتها ذهب إىل قربها فصلى عليها‬ ‫فماتت ً‬
‫ليال‪ ،‬فلما أخرب‬
‫( إن هذه القبور مظلمة على أهلها وإن اهلل ينورها بصالتي عليها)‪.‬‬
‫أيها القارئ الكريم وأيتها األخت الكرمية‪ ،‬إن هذا الكتاب الذي بني‬
‫املعروفة بأم‬ ‫يديكما يتحدث عن السيدة اجلليلة حاضنة سيد اخللق‬
‫ويقول‪( :‬هي‬ ‫أمين (بركة بنت ثعلبة احلبشية) اليت كان حيبها وجيلها‬
‫أمي بعد أمي)‪ ،‬هذه السيدة اجلليلة كانت حمل تقدير من مجيع املؤمنني‬
‫وعلى رأسهم الشيخني أبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما‪ ،‬فقد قال الصديق‬
‫للفاروق بعد وفاة النيب ‪ :‬هيا بنا نزور أم أمين كما كان يزورها‬
‫علمت أن ما عند اهلل‬
‫ِ‬ ‫فلما زاراها بكت رضي اهلل عنها فقاال هلا‪( :‬أما‬
‫خري لرسوله؟) فقالت رضي اهلل عنها‪( :‬إمنا أبكي النقطاع خرب السماء)‬
‫فهيجتهما على البكاء فبكيا رضي اهلل عنهم أمجعني‪ ،‬وبعد ‪:‬‬
‫فإن أبا بندر خالد بن إبراهيم اسكندراني حفظه اهلل جال لنا هذه السرية‬
‫العطرة أميا جتلية مبؤلفه اللطيف عن هذه الشخصية الفذة فجزاه اهلل خري‬
‫اجلزاء وال عدمنا مثل هذه األقالم اليت تكتب بعمق اإلميان وعبق احلب‬
‫واإلكبار واإلجالل هذا وأتركك أيها القارئ الكريم والقارئة الكرمية‬
‫لتعيشا مع هذا السفر املبارك مع الرتمجة الطافية لرتيا صدق اإلميان‬
‫وصدق الوفاء وصلى اهلل على سيدنا ونبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم‪،‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫كتبه العبد الفقري لعفو ربه تعاىل‬


‫أبو أسامة مصطفى حممد إبراهيم الربناوي‬
‫‪1435/8/25‬هـ‬
‫‪6‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫امل�ؤلف يف �سطور‬

‫هو األستاذ اجلليل واملربي الفاضل الراجي للعفو الرباني الشيخ أبو بندر‬
‫خالد إبراهيم بن حممود بن عبداهلل إسكندراني املدني مولداً ونشأة ‪.‬‬
‫ولد باملدينة النبوية عام ‪1364‬هـ من اهلجرة النبوية ‪ ,‬تتلمذ كمعظم أترابه‬
‫ك َّتاب سيدي‬ ‫ك َّتاب الشيخ صاحل ثم ُ‬ ‫يف الكتاتيب فقرأ وحفظ ودرس يف ُ‬
‫مالك على يد الشيخ حممد على السمان رمحهما اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫حامال للشهادة االبتدائية من املدرسة‬ ‫ً‬ ‫التحق بالتعليم النظامي وخترج‬
‫الناصرية عام ‪1378‬هـ ثم املرحلة املتوسطة من متوسطة الفاروق عمر بن‬
‫اخلطاب باملدينة املنورة عام ‪1383‬هـ ثم املرحلة الثانوية من ثانوية طيبة‬
‫القسم األدبي عام ‪1386‬هـ ‪.‬‬
‫أكمل دراسته اجلامعية يف منهل من مناهل العلم الشرعي فتحصل على‬
‫شهادة االجازة العالية من كلية الشريعة باجلامعة اإلسالمية باملدينة املنورة‬
‫عام ‪1390‬هـ ‪.‬‬
‫حتصل على الدبلوم العالي يف الرتبية وعلم النفس من كلية الرتبية جبامعة‬
‫امللك سعود بالرياض عام ‪1392‬هـ ‪.‬‬
‫مدرسا يف متوسطة عثمان بن عفان ثم متوسطة سعيد‬ ‫ً‬ ‫بدأ مشواره العملي‬
‫ً‬
‫وكيال لثانوية أحد باملدينة‬ ‫بن املسيب ثم متوسطة عمر بن عبد العزيز ثم‬
‫املنورة ‪.‬‬
‫مدرسا يف متوسطة اإلمام نافع الليثي‬‫ً‬ ‫عودة إىل التدريس مرة أخرى فعمل‬
‫‪7‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫وثانوية اإلمام عاصم بن أبي النجود األنصاري لتحفيظ القرآن الكريم‬


‫باملدينة املنورة ‪.‬‬
‫شغل مديراً ملتوسطة تثقيف اجلنود‪ ،‬وكان من رواد التعليم غري املنهجي‬
‫واملسرح املدرسي مبنطقة املدينة املنورة ‪ .‬ثم عضواً يف النادي األدبي باملدينة‬
‫املنورة ثم عضوا يف نادي األنصار الرياضي الثقايف باملدينة املنورة ‪.‬‬
‫ً‬
‫مدرسا باملعهد الثانوي التابع هلا‪،‬‬ ‫انتقل إىل مالك اجلامعة اإلسالمية فعمل‬
‫أسند إليه العديد من األعمال اإلدارية يف اجلامعة اإلسالمية كان آخرها‬
‫عضواً بلجنة آسيا بعمادة القبول والتسجيل يف اجلامعة اإلسالمية ‪.‬‬
‫أحيل إىل التقاعد لبلوغه السن القانوني يف األول من شهر رجب عام ‪1424‬هـ‬
‫من مؤلفاته ‪:‬‬
‫•خمتصر الكالم يف أهم حقوق اإلسالم ‪ -‬مطبوع‬
‫•صحيح األثر يف املواقف والعرب ‪ -‬مطبوع‬
‫•اخلالصة يف توبة الثالثة ‪ -‬مطبوع‬
‫•رفيق الطريق دراسة وحتقيق يف سرية ابى بكر الصديق ‪ -‬مطبوع‬
‫•فصل اخلطاب يف سرية عمر بن اخلطاب ‪ -‬مطبوع‬
‫•منتقى النقول يف سرية حاضنة الرسول ‪ -‬هذا الذي بني يديك‬
‫•بلوغ املرام يف تفسري أحالم يوسف عليه السالم ‪ -‬حتت الطبع‬
‫كما له عدة كتابات عن املدينة النبوية ‪ .‬نسال اهلل له التوفيق ‪.....‬‬
‫طالل محزة عبد السالم صريفـي‬
‫املدرس باجلامعة اإلسالمية باملدينة املنورة‬
‫‪8‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫مقدمة‬
‫بسم اهلل العلي العظيم‪ ،‬الرمحن الرحيم‪ ،‬الذي وصف نفسه بالرمحة‬
‫املطلقة‪ ،‬واليت خص جبزء منها عباده املؤمنني‪ ،‬حيث قال عز وجل‬
‫ﱫﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﱪ(((‪ ،‬واحلمد هلل املنان الكريم‪ ،‬الذي‬
‫رسوال وصفه بقوله ﱫﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﱪ(((‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أرسل لنا‬
‫والصالة والسالم األمتان األكمالن على من أرسله ربه رمحة للعاملني‪،‬‬
‫إنسهم وجنهم‪ ،‬القائل بفصيح اللسان (خلق اهلل عز وجل يوم خلق السموات‬
‫واألرض مائة رمحة فجعل يف األرض منها رمحة واحدة فيها تعطف الوالدة‬
‫على ولدها‪ ،‬والبهائم بعضها على بعض‪ ،‬والطري والوحوش‪َ ،‬‬
‫وأ َّخر تسعة‬
‫وتسعني إىل يوم القيامة)((( وعلى آله األبرار وأزواجه األطهار وصحابته‬
‫األخيار من مهاجرين وأنصار كلما جن الليل وسطع النهار ‪ .‬وبعد ‪:‬‬
‫إن من رمحة اهلل باخللق أن أرسل إليهم الرسل من نوح عليه السالم إىل‬
‫لبيان الطريقة اليت ُيع َبد بها سبحانه وتعاىل وبيان املهمة اليت‬ ‫حممد‬
‫خلق الثقلني من أجلها وهي عبادته وحده سبحانه وحتقيق التوحيد حيث‬
‫قال عز وجل ﱫﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﱪ((( ‪.‬‬

‫((( �سورة الأحزاب‪ ،‬الآية (‪. )43‬‬


‫((( �سورة التوبة‪ ،‬الآية (‪.)128‬‬
‫((( ابن ماجه باب الزهد‪ ،‬و�أحمد (‪. )431/5‬‬
‫((( �سورة الذاريات‪ ،‬الآية (‪. )56‬‬
‫‪9‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫ومن رمحته عز وجل أن خص العرب بأكرم رسول وخري الكتب السماوية‬


‫وأوضح شريعة وأقوم طريقة فقد خصها عز وجل مبحمد بن عبداهلل‬
‫وشريعته السمحة وطريقته القومية وقرآنه الكريم ‪.‬‬
‫ً‬
‫أيضا أن خص نبينا وحبيبنا وشفيعنا العظيم عليه أفضل‬ ‫ومن رمحته‬
‫ً‬
‫رسوال قبله‪ ،‬فقد شرح‬ ‫صالة وأمت تسليم أن أعطاه ما مل يعط ً‬
‫نبيا وال‬
‫صدره ووضع وزره ورفع ذكره وأدناه منه سبحانه وتعاىل ومل يبعده وأحبه‬
‫ومل يبغضه وأعطاه الشفاعة كما أعطاه الكوثر وخصه باملقام احملمود‬
‫‪ ،‬وقدر له‬ ‫واللواء املعقود إىل غري ذلك من العطايا اليت خص بها نبينا‬
‫يتيم األب‬ ‫أن يكون ً‬
‫يتيما فسخر له من يعوضه ذلك اليتم‪ ،‬فلقد كان‬
‫ً‬
‫جنينا يف رحم‬ ‫حيث تويف والده عبداهلل بن عبد املطلب عندما كان‬
‫‪ ،‬إىل أن‬ ‫أمه‪ ،‬فسخر له جده عبد املطلب فكان نعم األب الثاني له‬
‫تويف ذلك اجلد احلنون الوقور فحل إبنه أبو طالب حمل أبيه يف رعاية وعناية‬
‫‪.‬‬ ‫وتربية الطفل اليتيم حممد بن عبداهلل‬
‫يتيم األم حيث توفيت أمه آمنة بنت وهب وهو يف سن‬ ‫كما كان‬
‫َّ‬
‫فسخر له من يعوضه عن حنان األم ورأفتها وعطفها‬ ‫السادسة من العمر‬
‫وحبها بأم أمين بركة احلبشية ثم بفاطمة بنت أسد زوجة عمه أبي طالب‬
‫(أم علي بن أبي طالب وجعفر بن أبي طالب) إىل أن بلغ أشده وأصبح من‬
‫حينما بلغ اخلامسة والعشرين من العمر حيث تزوج‬ ‫أكمل الرجال‬

‫‪10‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫بالسيدة خدجية بنت خويلد األسدية ‪.‬‬


‫ً‬
‫وغيضا من فيض عن شخصية قل ما‬ ‫ولقد أردت أن أدون ً‬
‫شيئا يسرياً‬
‫كتب عنها املؤرخون وحبث عنها الباحثون كتبت عنها ليتعرف املسلمون‬
‫على بعض من صفاتها وأخالقها وماهية عملها وسجاياها فقد كانت تلك‬
‫الشخصية العظيمة من أعظم سيدات عصرها فهي سيدة نساء احلبشة‬
‫واليت تولت حضانة الرسول الكريم عليه أفضل الصالة وأمت التسليم ‪.‬‬
‫شخصية قلما جيود الزمان مبثلها إنها (أم أمين بركة بنت ثعلبة‬
‫حليمة السعدية‬ ‫احلبشية) فلقد كتب الكثري عن مرضعة الرسول‬
‫وإرضاعه مع ابن هلا امسه سفيان إىل أن أراد‬ ‫من بداية أخذها للرسول‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل هلذا اليتيم نقاء القلب وصفاء النفس وطهارة السريرة‬
‫ً‬
‫عوضا عن والدته اليت محلت به تسعة‬ ‫يف حادثة مشهورة‪،‬‬ ‫فشق صدره‬
‫أشهر من غري عناء أو تعب أمنة بنت وهب الزهرية‪ ،‬فأردت أن أخط بقلمي‬
‫(أم‬ ‫ولو جزءاً يسرياً بل هو القليل من الكثري عن حاضنة احلبيب‬
‫أمين) فبدأت كتابي هذا والذي أمسيته (منتقى النقول يف سرية حاضنة‬
‫ً‬
‫وشيئا من‬ ‫الرسول) بدأت باملقدمة ثم ذكرت امسها وكنيتها وأصلها‬
‫خللُقية‪ ،‬كما بينت أنها كانت مملوكة لعبداهلل بن‬ ‫صفاتها ا َ‬
‫خللقية وا ُ‬
‫آمنة بنت‬ ‫عن أبيه ثم مالزمتها ألم احلبيب‬ ‫عبد املطلب ثم ورثها‬
‫وهب يف حلها وترحاهلا إىل أن توفاها اهلل وهي عائدة من زيارة أخوال ابنها‬

‫‪11‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫اليتيم (بين عدي بن النجار) عندما خافت على وليدها من يهود يثرب‪،‬‬
‫مبكان يقال له (األبواء) مكان قريب من مكة‪،‬‬ ‫توفيت أم احلبيب‬
‫فتولت رعاية اليتيم بعد وفاة أمه حاضنته األمينة أم أمين‪ ،‬ثم ذكرت هلا‬
‫ً‬
‫موقفا تهتز منه الرجال وهو إشرافها على غسل آمنة بنت وهب وتكفينها‬
‫ودفنها ثم عودتها إىل مكة آخذ ًة على عاتقها العهد بتعويض اليتيم عن‬
‫( هي‬ ‫حنان وعطف أمه فكانت أم أمين ً‬
‫أما بديل ًة عن أمه حيث قال‬
‫من‬ ‫أمي بعد أمي )(((‪ ،‬كما تطرقت لذكر عتقها بعد زواج الرسول‬
‫السيدة خدجية بنت خويلد األسدية رضي اهلل تعاىل عنها‪ ،‬ثم زواج أم أمين‬
‫من عبيد بن احلارث اخلزرجي والذي أجنبت منه ابنها أمين والذي تكنت‬
‫به‪ ،‬كما ذكرت إسالمها رضي اهلل عنها وفراقها من زوجها عبيد بسبب‬
‫زيد بن‬ ‫إسالمها وبقائه على كفره‪ ،‬ثم زواجها من ِحب رسول اهلل‬
‫حارثة حيث أجنبت منه أسامة بن زيد‪ ،‬ثم ذكرت هجرتها إىل املدينة فيمن‬
‫هاجر من املسلمني‪ ،‬كما ذكرت مقولة تنطبق عليها وهي (كل امرئ‬
‫له من امسه نصيب) كما حتدثت عن طريقة تعاملها مع رسول رب العاملني‬
‫قبل الرسالة‬ ‫وخامت األنبياء واملرسلني ومالزمتها للحبيب املصطفى‬
‫وبعد البعثة النبوية‪ ،‬كما ذكرت أنها كانت من املشاركات يف اجلهاد‬
‫يف سبيل اهلل سوا ًء يف غزوة أحد أو خيرب أو حنني وأنها كانت حتث ابنها‬

‫((( طبقات ابن �سعد (‪� ،)332 ،2‬صحابيات حول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم �ص (‪ )305‬م�سلم (‪.)3/12‬‬
‫‪12‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫أمين على اجلهاد إىل أن أستشهد رضي اهلل عنه يف غزوة حنني ثم تطرقت‬
‫وانقطاع‬ ‫إىل ذكر ما أصابها من غم وهم وحزن على فراق املصطفى‬
‫أخبار السماء عن األرض وشعورها يف ذلك اليوم‪ ،‬كما تطرقت إىل ذكر‬
‫حمبة الرسول األعظم والنيب األكرم هلا ومبادلتها ً‬
‫حبا حبب للرسول‬
‫ثم تكلمت عن وفاتها رضي اهلل تعاىل عنها وأرضاها ‪.‬‬
‫يسري عن‬ ‫ً‬
‫راجيا من اهلل العلي القدير أن ميدني بالعون يف إظهار شي ٍء‬
‫ٍ‬
‫امرأة قلما جيود الزمان مبثلها وهي سيدة نساء احلبشة لكي نتخلق‬
‫بأخالقها ونسري على نهجها يف الرتبية والسلوكيات ‪.‬‬
‫كما أمحد ربي محداً كثرياً وأشكره شكر العارفني لفضائله‬
‫علي بذلك وأصلي وأسلم وأبارك وأنعم على سيدنا‬
‫سبحانه وتعاىل أن من ّ‬
‫ونبينا حممد الصادق األمني والصراط املستقيم والنهج القويم والسراج‬
‫املنري وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬
‫أخي القارئ الكريم معظم املراجع يف نهاية هذا البحث مل تتطرق‬
‫لسرية أم أمين بالتفصيل إمنا ُذكرت رضي اهلل عنها وأرضاها بشيء من‬
‫اإلختصار والقليل جداً من اإليضاح فقمت وهلل احلمد َّ‬
‫واملنة والفضل بقراءة‬
‫ذلك ثم جتميعه يف أبواب ميسرة للقارئ لكي يفهمها جيداً بأسلوب سلس‬
‫واضح األلفاظ واملعاني فدونت عنها وعن سريتها رضي اهلل عنها ما صح من‬
‫األحاديث النبوية الشريفة وما يف حكمها كاحلسن فلذلك ُألفت االنتباه‬

‫‪13‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫واهلل ولي التوفيق وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬

‫كتبه‬
‫أبو بندر خالد إبراهيم إسكندراني‬

‫‪14‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫تنبيه‬

‫أخي القارئ الكريم يف مقام السرية العطرة لسيد األنام عليه الصالة‬
‫والسالم هناك ثالث حبشيات كل واحدة منهن امسها بركة‪ ،‬وكنيتها‬
‫أم أمين ‪.‬‬
‫وهي اليت سوف نتناوهلا‬ ‫•األوىل ‪ :‬بركة احلبشية حاضنة الرسول‬
‫بالدراسة‪.‬‬
‫•الثانية ‪ :‬بركة احلبشية خادمة أم املؤمنني أم حبيبة رملة بنت أبي‬
‫على أصح‬ ‫سفيان رضي اهلل عنها وهي اليت شربت بول الرسول‬
‫الروايات ‪.‬‬
‫مارية القبطية وأم‬ ‫•الثالثة ‪ :‬بركة احلبشية خادمة زوجة الرسول‬
‫‪.‬‬ ‫إبراهيم ابن الرسول‬

‫املؤلف‬

‫‪15‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫�إهــــــــداء‬

‫لوالدي وإخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي ورفيقة دربي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫أهدي كتابي هذا‬
‫ً‬
‫أيضا للشيخ أبي أسامة مصطفى حممد إبراهيم‪ ،‬وأهديه‬ ‫كما أهديه‬
‫لكل حمب للرسول األعظم وآل بيته وصحابته وقرابته أمجعني صلى اهلل‬
‫عليه وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫ً‬
‫سائال املوىل الكريم أن يتقبله وأن يفيد منه إنه هو السميع العليم ‪.‬‬

‫أبو بندر‬
‫خالد إبراهيم إسكندراني‬

‫‪16‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫الباب األول‬

‫•إمسها‪ ،‬كنيتها‪ ،‬أصلها ومكان والدتها‬


‫خللُقية واخللقية‬
‫•صفاتها ا ُ‬

‫‪17‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫إمسها ‪:‬‬
‫سيدة من سادات عصرها مل ينظر اهلل سبحانه وتعاىل إىل سواد لونها‬
‫(إن اهلل ال ينظر إىل صوركم بل ينظر إىل قلوبكم)((( بل نظر سبحانه‬
‫وتعاىل إىل بياض ونقاء قلبها وصفاء سريرتها‪ ،‬كما مل ينظر سبحانه إىل‬
‫نسبها وأصلها بل نظر إىل مجيل أخالقها ومجال تفكريها وحسن تدبريها‬
‫فحباها سبحانه بأن تكون حاضنة لسيد البشر أمجعني وإمام املتقني‬
‫وقائد الغر احملجلني‪ ،‬أعظم خملوق ُخلِق عليه الصالة والسالم‪ ،‬فكان‬
‫أثر أميا أثر يف نفسيتها اليت‬ ‫حبضانتها للرسول األعظم والنيب األكرم‬
‫زادت عظمة ونقا ًء وصفا ًء بقربها ومالزمتها وعنايتها وحضانتها وتربيتها ملن‬
‫اختاره ربه بأن يكون سيد ولد آدم وخامت األنبياء واملرسلني عليه أفضل‬
‫الصالة وأمت التسليم ‪.‬‬
‫تلكم هي السيدة الوقورة أم أمين بركة بنت ثعلبة احلبشية رضي‬
‫اهلل تعاىل عنها‪ ،‬إنها سيدة نساء احلبشة مهاجرة جليلة فاضلة كرمية‬
‫غزوة أحد فكانت حتثي الرتاب يف‬ ‫صوامة قوامة شهدت مع الرسول‬
‫وجوه الفارين من ميدان املعركة وتقول هلم (هاك املغزل وأعطين السيف)‬
‫تعين بذلك أن مقام الفارين من ساحة الوغى هو اجللوس يف البيوت للغزل‬
‫والنسيج وهذه أشهر أعمال النساء وليست من أخالق الرجال ‪.‬‬

‫((( رواه م�سلم باب الرب‪ ،‬وابن ماجه يف الزهد‪ ،‬و�أحمد ‪. 285/3‬‬
‫‪19‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫كما كانت تسقي العطشى وتداوي اجلرحى كما شهدت غزوة خيرب‬
‫حيث كانت مستعدة للمشاركة يف محل املاء وسقاية العطشى ومعاجلة‬
‫ومداواة اجلرحى‪.‬‬
‫كما شهدت رضي اهلل تعاىل عنها فتح مكة وغزوة حنني حيث أستشهد‬
‫مدبر ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ابنها أمين صابراً‬
‫مقبال غري ٍ‬ ‫مدافعا عن رسول اهلل‬ ‫حمتسبا‬
‫كان عليه أفضل الصالة وأمت السالم يزورها هي وأم سليم (أم أنس ابن‬
‫(هذه أمي بعد‬ ‫مالك) وكان يقول ألم أمين (يا أمه)‪ ،‬كما كان يقول‬
‫إذا نظر إليها قال (هذه بقية أهل بييت)((( ثم بعد وفاة‬ ‫أمي)((( وكان‬
‫وانتقال اخلالفة إىل صديق األمة رضي اهلل عنه كان يزورها‬ ‫الرسول‬
‫ً‬
‫مصاحبا له عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنهما ‪.‬‬
‫وعندما قبض عليه أفضل الصالة والسالم بكت بكا ًء شديداً فقيل هلا‬
‫ما يبكيك يا أم أمين قالت وأيم اهلل كنت متأكدة من أنه سيموت وإمنا‬
‫أبكي على خرب السماء وقد انقطع عنا‪ ،‬وعندما اغتيل عمر بن اخلطاب‬
‫قالت (اليوم وهن اإلسالم‪ ،‬أي َ‬
‫ض ُعف)((( ‪.‬‬
‫كنيتها ‪:‬‬
‫كانت رضي اهلل تعاىل عنها ُتكنى (أم أمين) نسبة إىل ولدها الذي‬

‫((( طبقات ابن �سعد (‪� ،)332/2‬صحابيات حول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪� ،‬ص (‪. )305‬‬
‫((( �صحابيات حول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪� ،‬ص (‪ ،)305‬طبقات ابن �سعد (‪. )332/2‬‬
‫((( �صحابيات حول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪� ،‬ص (‪ ،)306‬طبقات ابن �سعد (‪. )333/2‬‬
‫‪20‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫هلا وأمين‬ ‫أجنبته من عبيد بن احلارث والذي تزوجها بعد عتق الرسول‬
‫هذا هو الذي أستشهد يف غزوة حنني رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫أصلها ومكان والدتها ‪:‬‬
‫كانت رضي اهلل تعاىل عنها وأرضاها حبشية األم واألب كما كان‬
‫بالل سيد األحباش رضي اهلل عنه يف وقت كان للحبشة مكانة عظيمة‬
‫بني األمم حيث كانت تدين بدين عيسى عليه السالم (النصرانية) ويف ظل‬
‫حاكم عادل ال يظلم عنده أحد (النجاشي) والذي كانت هجرة املسلمني‬
‫حيث أذن‬ ‫األوىل إىل دياره بأمر من الرسول األعظم والنيب األكرم‬
‫ألصحابه عندما اشتد عليهم اخلطب واإليذاء من مشركي قريش فقال‬
‫ً‬
‫ملكا ال يظلم عنده أحد)((( ‪.‬‬ ‫(إن باحلبشة‬
‫واخل ُلقية ‪:‬‬
‫اخللقية ُ‬
‫صفاتها َ‬
‫كانت رضي اهلل عنها سوداء ولكنها متيل إىل البياض ً‬
‫نوعا ما أي‬
‫أنها كانت مبا يسمى اليوم صفراء مجيلة املقاطع واسعة العينني جمعدة‬
‫الشعر ليست بالطويلة البائنة وال بالقصرية املرتدية‪ ،‬حنيلة القوام مل يثقلها‬
‫اللحم‪ ،‬وقورة كاملة متكاملة‪ ،‬مسحة الوجه تتمتع خبلق قويم ورأي سديد‬
‫عظيم‪ ،‬مطيعة لسيدها (عبداهلل بن عبد املطلب) وسيدتها (آمنة بنت وهب)‬
‫كما أنها كانت تتمتع بالعطف واحلنان واحلب األمر الذي جعلها رضي‬

‫((( �سرية ابن ه�شام‪� ،‬صحابيات حول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم ‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫اهلل عنها أن تكون حاضنة ومربية خلري موجود يف الوجود احلامد احملمود‬
‫صاحب احلوض املورود واللواء املعقود عليه أفضل الصالة والسالم ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫الباب الثاني‬

‫•إسالمها رضي اهلل عنها‬


‫•هجرتها رضي اهلل عنها‬
‫•زواجها رضي اهلل عنها من زيد‬
‫•جهادها رضي اهلل عنها‬
‫•مكانتها رضي اهلل عنها عند الرسول‬

‫‪23‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫إسالمها ‪:‬‬
‫بالدين اإلسالمي احلنيف عندما كان يف األربعني‬ ‫ُبعث املصطفى‬
‫بينما كان يتحنث أي يتعبد يف غار حراء وكانت البداية‬ ‫من عمره‬
‫بقول اهلل سبحانه وتعاىل ﱫ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﱪ((( وهي أول آية يف‬
‫القرآن الكريم واليت يأمر اهلل سبحانه وتعاىل نبيه الكريم بالقراءة‪،‬‬
‫وهي تعين التعلم فلقد جاء هذا الدين اجلديد حيث على العلم والتعلم‪ ،‬ثم‬

‫نزلت آيات الرسالة بقوله عز وجل‪ :‬ﱫ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬


‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﱪ((( وهي األمر السماوي بالتبشري بالرسالة وإنذار‬
‫القوم من عقاب اهلل ملن كفر نعمه ومل يعبده ويوحده سبحانه وتعاىل‬
‫واألمر بالعبادة والتوحيد وترك ما سوى ذلك ‪.‬‬
‫وبرسالته اجلديدة زوجته احلبيبة السيدة‬ ‫فكان أول من آمن به‬
‫خدجية‪ ،‬رضي اهلل عنها ثم آمن به وبرسالته ربيبه علي بن أبي طالب‬
‫وحبه‬
‫وكان يف سن الطفولة رضي اهلل عنه‪ ،‬ثم آمن بهذه الرسالة مواله ِ‬
‫زيد بن حارثة فكان أول من آمن من املوالي ثم آمن به وبرسالته صديقه‬
‫وصديقه ابن أبي قحافة (أبو بكر الصديق رضي اهلل عنه) ثم آمن به ومبا‬
‫أم أمين حيث قال‬ ‫وكان من بقية أهل بيته‬ ‫جاء به بقية أهل بيته‬

‫((( �سورة العلق‪ ،‬الآية (‪. )1‬‬


‫((( �سورة املدثر‪ ،‬الآية (‪. )5-2‬‬
‫‪25‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫ربا وباإلسالم ً‬
‫دينا‬ ‫(إنها بقية أهل بييت)((( فآمنت أم أمين باهلل ً‬ ‫عنها‬
‫ورسوال‪ ،‬أما زوجها عبيد بن احلارث مل يشأ اهلل له‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫نبيا‬ ‫ومبحمد‬
‫اهلداية فبقي على كفره‪ ،‬عندها َف َّرق اإلسالم بني أم أمين وزوجها عبيد ‪.‬‬
‫فأقبلت على اهلل سبحانه وتعاىل توحده وتعبده وحتمده وتشكره أن‬
‫هداها هلذا الدين الذي جاء به من كان يف حضنها صغرياً ورعايتها ً‬
‫شابا‪،‬‬
‫وهي تعلم علم اليقني مدى صدقه وأنه الصادق األمني منذ طفولته وشبابه‬
‫وكمال رجولته وبعد زواجه إىل أن اختاره اهلل سبحانه وتعاىل بأن يكون‬
‫فلم ترتدد أم أمين حلظة بعد دعوتها لإلسالم حتى‬ ‫خامت أنبيائه ورسله‬
‫رغم أنها كانت تعلم ما سيصيبها‬ ‫أشهرت إسالمها على يد احلبيب‬
‫من العذاب والتنكيل من مشركي قريش ولكنها سوف تصرب وتتحمل‬
‫كما حتملت أم عمار بن ياسر أول شهيدة يف اإلسالم (مسية بنت خباط‬
‫رضي اهلل عنها) ‪.‬‬
‫وكما حتمل بالل بن أبي رباح سيد األحباش رضي اهلل عنه وغريهم‬
‫ممن مل يكن هلم عشرية تدافع عنهم وتؤويهم‪ً ،‬‬
‫حبا يف اهلل ويف دين اهلل‬
‫‪.‬‬ ‫ويف رسول اهلل‬
‫وهكذا أصبحت أم أمين أحد أعمدة الدين اجلديد بعد أن كانت ً‬
‫أما‬

‫((( �صحابيات حول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪� ،‬ص (‪ ،)305‬طبقات ابن �سعد (‪. )332/2‬‬
‫‪26‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫ً‬
‫عطوفا لصاحب الرسالة أكرم خلق اهلل على‬ ‫ثالثة ومربية أمينة وحاضنة‬
‫‪.‬‬ ‫اهلل‬
‫زواجها من زيد بن حارثة ‪:‬‬
‫كان زيد بن حارثة رضي اهلل عنه ً‬
‫موال للسيدة خدجية بنت خويلد رضي‬
‫اهلل عنها وعند زواجها من رسول رب العاملني حممد بن عبداهلل بن عبد‬
‫فأعجب به فطلبه منها فوهبته له ثم تبناه‬ ‫املطلب القرشي اهلامشي رآه‬
‫فأصبح يقال له زيد بن حممد ‪.‬‬ ‫الرسول‬
‫جاء والد زيد وعمه إىل مكة ً‬
‫حبثا عن ابنهم الذي فقدوه وعند علمهم‬
‫ً‬
‫مملوكا يف مكة املكرمة جاؤوا للبحث عنه فوجدوا ابنهم‬ ‫بوجوده عبداً‬
‫فطلبوه منه وقايضوه عليه‬ ‫وعرفوه وعرفهم وجدوه ً‬
‫موال لرسول اهلل‬
‫ً‬
‫أمواال باهظة الفتدائه ‪.‬‬ ‫ودفعوا‬
‫وبعد أن عرف زيد والده وعمه وسبب جميئهما إىل مكة‪َ ،‬خيرَّ الرسول‬
‫زيداً بينه وبني أهله وذويه ولكن زيداً اختار أن يبقى عند من أحبه‬
‫‪ ،‬فبقي عنده وكان زيد‬ ‫وفضله على أهله وذويه (حممد بن عبداهلل)‬
‫أول من آمن بالرسول ورسالته من املوالي ‪.‬‬
‫أم أمين بعد فراقها من زوجها السابق بسبب بقائه‬ ‫خطب الرسول‬
‫حلبه زيد فكان الزواج امليمون الذي‬
‫على كفره وإميان أم أمين خطبها ِ‬

‫‪27‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫حيبه ويقدره‬ ‫حل ْب) الذي كان‬


‫(ح ُب ا ِ‬
‫كان من نتاجه أسامة ابن زيد ِ‬
‫وينزله منزلة ابنه احلسن بن علي رضي اهلل عنهم أمجعني‪ ،‬فلقد كان‬
‫جيلس احلسن على فخذه األمين وجيلس أسامة ابن زيد على فخذه األيسر‬
‫ويقول (إني أحبهما فأحبوهما)((( ‪.‬‬
‫هجرتها ‪:‬‬
‫كثر إيذاء املشركني للمستضعفني من املسلمني ومن ليس هلم عشرية‬
‫تؤويهم وتدافع عنهم وتنصرهم‪ ،‬ثم امتد اإليذاء واالضطهاد إىل كل من‬
‫لبعضهم باهلجرة إىل‬ ‫آمن بالرسالة احملمدية على السواء‪ ،‬عندها أذن‬
‫احلبشة مرتني حتى أصبح عدد من هاجر من املسلمني ثالثة ومثانني ما بني‬
‫رجل وامرأة‪ ،‬لقد كان أول من هاجر عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت‬
‫باهلجرة‬ ‫ثم بعد ذلك أذن اهلل سبحانه وتعاىل لرسوله‬ ‫رسول اهلل‬
‫وصديقه‬
‫ّ‬ ‫صديقه‬ ‫من مكة املكرمة إىل املدينة املنورة‪ ،‬فاصطحب‬
‫أبا بكر ومعهما دليل يدعى عبداهلل بن أريقط والذي كان خبرياً بطرق‬
‫ومعه الصديق األكرب والعلم‬ ‫الصحراء غري املأهولة باملسافرين‪ ،‬فهاجر‬
‫األشهر والذي أثبت اهلل سبحانه وتعاىل صحبته العامة وصحبته اخلاصة‬
‫يف تلك اهلجرة فقال عز وجل ﱫ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬

‫((( رواه البخاري يف ف�ضائل ال�صحابة‪ ،‬حديث رقم (‪. )3735‬‬


‫‪28‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﱪ((( وكانت تلك اهلجرة سراً بعيداً‬


‫عن أعني القرشيني بعد أن أحبط اهلل سبحانه وتعاىل كيد الكافرين‬
‫يف ليلة اهلجرة فأعمى أبصارهم ومتت اهلجرة‬ ‫وحماولتهم قتل الرسول‬
‫بإرادة املوىل عز وجل‪ ،‬ثم هاجر أكابر املسلمني وضعفاءهم سراً بعيداً عن‬
‫أعني القرشيني إال عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه فقد هاجر عالنية حتت‬
‫أنظار القرشيني بعد أن أعلن هجرته أمامهم ‪.‬‬
‫توالت هجرة املسلمني إىل املدينة اليت تعهد أهلها وهم األنصار من أوس‬
‫إن هو هاجر إىل مدينتهم فأخذ املسلمون‬ ‫وخزرج على محاية الرسول‬
‫ً‬
‫وأطفاال ‪.‬‬ ‫ً‬
‫رجاال ونسا ًء‬ ‫ومجاعات‬
‫ٍ‬ ‫يتوافدون عليها أفراداً‬

‫وكان من ضمن الذين هاجروا إىل املدينة أم أمين وابنها الرضيع أسامة‬
‫بن زيد‪ ،‬فنزلت يف رحاب األنصار الذين أخذوا يقامسونها العيش‪ ،‬األنصار‬
‫الذين وصفهم رب العزة واجلالل بقوله الكريم يف كتابه العزيز ﱫ ﯦ‬
‫ﯧﯨﯩﯪﯫ ﯬﯭﯮﯯﯰ ﯱﯲﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﱪ((( ‪.‬‬
‫استقرت أم أمين رضي اهلل عنها يف املدينة النبوية وأصبحت من املهاجرات‬

‫((( �سورة التوبة‪ ،‬الآية (‪. )40‬‬


‫((( �سورة احل�شر‪ ،‬الآية (‪. )9‬‬
‫‪29‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫األوائل رضي اهلل عنها ‪.‬‬


‫قصة لطيفة ومعجزة إهلية حدثت ألم أمين أثناء هجرتها فعن عثمان بن‬
‫‪1‬‬

‫القاسم قال ملا هاجرت أم أمين وكانت هجرتها سراً عن أعني القرشيني‬
‫ً‬
‫عطشا‬ ‫أمست مبكان يسمى املنصرف وهو مكان دون الروحاء فعطشت‬
‫شديداً وكان اجلو شديد احلرارة وكأنه هليب ونفد ما كان معها من ماء‬
‫وكانت صائمة وأجهدت من السفر فدعت اهلل سبحانه وتعاىل أن يصربها‬
‫على مشقة السفر وشدة العطش‪ ،‬ثم زاد عليها اجلهد واملشقة فدعت اهلل‬
‫ثاني ًة فإذا بدلو يتدىل عليها من السماء برشاء أبيض ممتلئ ما ًء بارداً‪،‬‬
‫فشربت حتى أرتوت هي وابنيها وكانت تقول رضي اهلل عنها ما أصابين‬
‫بعد ذلك عطش ولقد تعرضت للعطش يف اهلواجر بالصوم فما عطشت‬
‫أبداً)((( ‪.‬‬
‫جهادها ‪:‬‬
‫أذن اهلل سبحانه وتعاىل بقتال وجماهدة املشركني وذلك بقوله تعاىل‬
‫ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﱪ((( وقد‬
‫خص الرجال بالقتال ونزول ساحات املعارك ولكن املرأة مل تؤمر بذلك‪،‬‬

‫((( ابن �سعد (‪ )224/1‬وعنه الإ�صابة (‪ )178 ،13‬ورجاله ثقات �إال �أنه فيه انقطاع‪� ،‬صحابيات حول‬
‫الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم ‪.‬‬
‫((( �سورة احلج‪ ،‬الآية (‪. )39‬‬
‫‪30‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫فإن تطوعت فال بأس بذلك بشرط إذن وليها وشرط أن جتعل يف وظيفة‬
‫جهادية تليق بها ً‬
‫مثال مناولة الذخرية‪ ،‬عالج املرضى واجلرحى‪ ،‬السقاية‬
‫للعطشى‪ ،‬صنع الطعام للمجاهدين وحنو ذلك مما ال يتعارض مع طبيعتها‬
‫وأن ال يعرضها ملواجهة العدو ‪ .‬فإن رأت يف نفسها القدرة على خوض غمار‬
‫املعركة ومحل السيف كما فعلت السيدة نسيبة بنت كعب األنصارية‬
‫وعندما‬ ‫يف غزوة أحد حيث محلت السيف وأخذت تدافع عن الرسول‬
‫ضربها بالسيف على عاتقها ابن قمئه مل يثنها ذلك عن عزمها على القتال‬
‫وقال هلا (ومن يطيق ما‬ ‫وخوض غماره حتى تبسم يف وجهها املصطفى‬
‫تطيقني يا أم عمارة)((( فال بأس بذلك ‪.‬‬
‫أما جهاد أم أمين رضي اهلل عنها فقد متثل يف كثري من املعارك ً‬
‫مثال‬
‫مشاركتها يف غزوة أحد حيث كانت رضي اهلل عنها تسقي العطشى‬
‫وتضمد اجلرحى وحتث اجملاهدين على اجلهاد والتقدم يف ساحة املعركة‬
‫ومعها أخوات هلا من املهاجرات واألنصاريات ‪.‬‬
‫الفارين من املعركة بعد خمالفة الرماة‬
‫ِّ‬ ‫وعندما رأت بعض املسلمني‬
‫وانكسر املسلمون وأصبح‬ ‫ألمر القائد العام للمعركة رسول اهلدى‬
‫كل واحد منهم بني صريع أو جريح أو هارب من الساحة وخاصة بعد‬
‫فكانت أم أمين ختاطب الفارين من‬ ‫مساعهم مبقتل رسول اهلل‬
‫((( �سري �أعالم النبالء (‪� ،)522/3‬صحابيات حول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم (‪. )313‬‬
‫‪31‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫ساحة الوغى وحتثوا الرتاب على وجوههم وتقول بأعلى صوتها أيها الفار‬
‫من ميدان املعركة واهلارب من القتال ليس مكانك هنا بل هذا املكان‬
‫خاص بالرجال وأما اهلارب فمكانه البيت جيلس مع النساء يغزل الصوف‬
‫فكانت بقولتها املشهورة (خذ املغزل وأعطين السيف) أشد من ضرب‬
‫السيوف يف نفوس اهلاربني الفارين من املعركة ثم بعد ذلك أخذت رضي‬
‫حتى وجدته فعرفته بلمعان عينيه من‬ ‫اهلل عنها تبحث عن رسول اهلل‬
‫حتت املغفر فأخذت تنادي هذا هو رسول اهلل هذا هو حممد هذا هو‬
‫حبييب كذب من قال أنه قتل عندها جتمع املسلمون حول رسول اهلل‬
‫حتى كتب اهلل النصر للمسلمني من‬ ‫من جديد وأخذوا يدافعون عنه‬
‫جديد وهدأت املعركة وتوقف القتال ووقف أبو سفيان على أعلى اجلبل‬
‫ونادى يف املسلمني أفيكم حممد ؟ أفيكم ابن أبي قحافة ؟ أفيكم ابن‬
‫اخلطاب؟ ثم قال ُأ ُ‬
‫عل هبل يا حممد يوم بيوم أحد ببدر ثم قال لنا العزى وال‬
‫أجيبوه ليست سواء قتالنا يف اجلنة وقتالكم يف النار‬ ‫عزى لكم فقال‬
‫ثم قال هلم قولوا اهلل موالنا وال موىل لكم ‪.‬‬
‫ً‬
‫حسيا تضمد جراح‬ ‫فكانت أم أمين من اللواتي شاركن يف املعركة‬
‫اجلرحى وجتلب إليهم املاء فتسقي العطشى كما شاركت يف احلث على‬
‫‪.‬‬ ‫ً‬
‫وأيضا بالبحث عن رسول اهلل‬ ‫القتال وذلك مبقولتها السابقة‬
‫مثال آخر عن جهاد أم أمين رضي اهلل عنها يف غزوة خيرب فقد خرجت‬
‫‪32‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫لتقدم ما تستطيع أن تقدمه خدمة لدين اهلل عز وجل رغم كرب سنها‪ ،‬وقد‬
‫ختلف ابنها أمين عن غزوة خيرب لعذر منعه من اخلروج‪ ،‬فساورها الشك يف‬
‫أن ابنها جنب فعيرََّته باجلنب واخلوف ومل تعلم رضي اهلل عنها أن ابنها مل‬
‫يستطع اخلروج ملرض فرسه ولذلك قال حسان بن ثابت رضي اهلل عنه يف‬
‫قصيدته اليت يعذر أمين من أم أمين فقال ‪:‬‬
‫جبنت ومل تشهد فـــوار خيبــر‬ ‫على حني أن قــــالت ألميـن أمــه‬
‫أضر به شرب املديــــد املخمر‬ ‫وأميــن لـــم جيــــنب ولكن مهره‬
‫لقاتل فيها فارس غيـــر أعسر‬ ‫فلوال الذي كان من شأن مهره‬
‫وما كان منه عنده غري أيسر‬ ‫ولكنـــه قــد صـــده فـعــل مهـره‬
‫وهذا مثال آخر عن جهادها رضي اهلل تعاىل عنها ‪:‬‬
‫جاءت غزوة حنني وخرجت أم أمين كعادتها لنصرة دين اهلل عز وجل ولو‬
‫بشربة ماء تسقيها جملاهد أو حتى ضماد جرح جملاهد حيتضر وخرج معها‬
‫ولديها أمين وأسامة بن زيد رضي اهلل عنهم وكان ابنها أمين ممن ثبت مع‬
‫يوم حنني وضرب املثل األعلى يف اجلرأة والشجاعة والدفاع عن‬ ‫النيب‬
‫أنا النيب ال كذب أنا ابن عبد املطلب‪،‬‬ ‫حينما كان يقول‬ ‫الرسول‬
‫وعندها سقط أمين شهيداً يف ساحة الشرف والعزة والكرامة ‪.‬‬
‫وصل اخلرب إىل أمه عن استشهاده فتحمد اهلل وتصرب وحتتسب ابنها عند‬

‫‪33‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫اهلل كما احتسبت زوجها زيد بن حارثة من قبل يف معركة مؤتة عند قتال‬
‫الروم يف العام الثامن من اهلجرة النبوية رضي اهلل عنهم أمجعني ‪.‬‬
‫مكانتها رضي اهلل عنها عند رسول اهلل‬
‫لقد تبوأت أم أمين رضي اهلل عنها مكانة عظيمة يف كيان الرسول‬
‫ينس أبداً أنها كانت له ً‬
‫أما بعد أمه وأنها كانت تؤثره على أبنائها‬ ‫فلم َ‬
‫عن‬ ‫ً‬
‫تعويضا له‬ ‫ونفسها وأنها كانت تشمله بعطفها وحنانها ما كان‬
‫حنان وعطف أمه أمنة بنت وهب ‪.‬‬
‫إىل أم أمين فانطلقت معه‬ ‫عن أنس بن مالك قال انطلق رسول اهلل‬
‫ً‬
‫صائما أم مل يرده فجعلت‬ ‫فناولته إناء فيه شراب قال فال أدري أصادفته‬
‫تصخب عليه وتذمر عليه)(((‪.‬‬
‫رد الشراب عليها إما لصيام أو‬ ‫قال النووي ومعنى احلديث أن النيب‬
‫لكونها‬ ‫لغريه فغضبت وتكلمت باإلنكار والغضب وكانت تدل عليه‬
‫حاضنة له ومربية كما ورد يف الصحيح (أم أمين أمي بعد أمي((() ‪.‬‬
‫هلا كما‬ ‫يعطيها كل ما تريده حلبه الشديد‬ ‫وكان املصطفى‬
‫كان عليه الصالة والسالم يبادهلا ً‬
‫حبا حبب فكان يفرح بأي شيء يدخل‬

‫((( �أخرجه م�سلم �ص ‪ ،102‬حديث رقم (‪ )2453‬كتاب ف�ضائل ال�صحابة‪ ،‬ف�ضل �أم �أمين ‪.‬‬
‫((( �أخرجه م�سلم ب�شرح النووي (‪� ،)13/12‬صحابيات حول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫الفرح والسرور على أم أمين ‪.‬‬


‫شاهد‬ ‫عن عائشة رضي اهلل عنها قالت (دخل علينا قائف والنيب‬
‫وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضجعني فقال القائف إن هذه األقدام‬
‫وأعجبه وأخرب به عائشة)((( وهذا ما‬ ‫بعضها من بعض فسر بذلك النيب‬
‫أفرح أم أمين ‪.‬‬
‫قال النووي يف شرح هذا احلديث كانت اجلاهلية تقدح يف نسب أسامة‬
‫لكونه أسود شديد السواد وكان زيد أبيض‪ ،‬فلما قضى هذا القائف‬
‫(الذي يعرف األنساب) بإحلاق نسب أسامة إىل زيد مع اختالف اللون كما‬
‫كانت اجلاهلية تعتمد على قول القائف يف النسب عندها فرح الرسول‬
‫لكونه زاجراً عن الطعن يف نسب أسامة ‪.‬‬
‫مع حبه الشديد لزيد بن حارثة وابنه أسامة رضي‬ ‫ولقد كان النيب‬
‫اهلل عنهما فقد كان حيب ذرية أم أمين الذين رآهم والذين مل يرهم‪( ،‬فعن‬
‫حرملة موىل أسامة بن زيد أنه بينما هو مع عبداهلل بن عمر إذ دخل احلجاج‬
‫ابن أمين فلم يتم ركوعه وسجوده فقال له أعد‪ ،‬فلما وىل قال لي ابن عمر‬
‫من هذا ؟ فقلت هذا احلجاج بن أمين بن أم أمين فقال ابن عمر لو رأى هذا‬
‫ألحبه ثم ذكر حبه ملا ولدته أم أمين)((( ‪.‬‬ ‫رسول اهلل‬

‫((( �أخرجه البخاري حديث رقم (‪ )3731‬وم�سلم حديث رقم (‪. )1459‬‬
‫((( �أخرجه البخاري حديث رقم (‪ )3731‬و�صحابيات حول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم (‪. )302‬‬
‫‪35‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫حيب أسامة ابن أم أمين‬ ‫قد ذكرت يف مكان آخر كيف كان‬
‫وكان يساويه مع السبط العظيم احلسن بن فاطمة الزهراء‪ ،‬سيد شباب‬
‫أهل اجلنة ويقول إني أحبهما يقصد بذلك احلسن وأسامة ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنهما ‪.‬‬
‫عن أنس ابن مالك رضي اهلل عنه (قال ملا قدم املهاجرون من مكة إىل‬
‫املدينة خرجوا وليس بأيديهم شيء وكان األنصار هم أهل األرض والعقار‬
‫والزراعة والنخيل فقامسوهم األنصار على أن أعطوهم نصف مثار أمواهلم‬
‫كل عام ويكفوهم العمل واملؤونة وكانت أم أنس بن مالك (أم سليم وهي‬
‫أم عبداهلل بن طلحة أخي أنس ألمه) وكانت أم أنس أعطت لرسول اهلل‬
‫ألم أمين حلبه هلا)((( ‪.‬‬ ‫ً‬
‫عذاقا هلا فأعطاها رسول اهلل‬
‫ملا فرغ من قتال‬ ‫قال ابن شهاب أخربني أنس بن مالك أن رسول اهلل‬
‫أهل خيرب وانصرف إىل املدينة رد املهاجرون إىل األنصار منائحهم اليت‬
‫إىل أمي عذاقها‪ ،‬وأعطى‬ ‫كانوا منحوهم من مثارها‪ ،‬فرد رسول اهلل‬
‫أم أمين مكانهن من حائطه‪ ،‬فلم توافق أم أمين على الرد‬ ‫رسول اهلل‬
‫أخذ يزيد من عطائه ألم أمين حتى رضيت وأعادت‬ ‫ولكن رسول اهلل‬
‫ألم أنس منيحتها)((( ‪.‬‬

‫((( �أخرجه م�سلم (‪ )1771‬كتاب اجلهاد ‪.‬‬


‫((( �أخرجه م�سلم (‪ )1771‬كتاب اجلهاد ‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫الباب الثالث‬
‫أمهات احلبيب‬

‫‪37‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫�أمهات احلبيب عليه اف�ضل ال�صالة وال�سالم‬

‫أو ً‬
‫ال ‪:‬‬
‫آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كالب بن مرة بن كعب بن‬
‫لؤي بن غالب بن فهر‪.‬‬
‫بعد أن من اهلل سبحانه وتعاىل على عبد املطلب جد رسول اهلل‬
‫بأن وهبه عشر ًة من الولد يذودون عنه ويشدون عضده أكربهم احلارث‬
‫ً‬
‫تقربا هلل فضرب القداح بني‬ ‫وأصغرهم عبداهلل وقد نذر أن يذبح أحدهم‬
‫أوالده العشرة فخرج السهم على ابنه عبداهلل أصغر األبناء وأحبهم إليه‪ ،‬ثم‬
‫ً‬
‫أيضا على ابنه عبداهلل ثم ثالثة ورابعة فكان يف‬ ‫ضربه ثانية فخرج السهم‬
‫كل مرة خيرج السهم على عبداهلل ‪.‬‬
‫حزن عبد املطلب كثرياً وأخذ يستشري يف نذره وكيف يعمل فأشاروا‬
‫عليه أن يذهب إىل عرافة يف حدود الشام فيسأهلا ويستشريها يف أمر نذره‬
‫فذهب إىل تلك العرافة وأخربها اخلرب فقالت له افتديه فقال وكيف قالت‬
‫وكم دية الرجل فيكم؟ قال عبد املطلب عشرة من اإلبل قالت إذن زنه‬
‫بعشرة من اإلبل واضرب القداح فإن خرج السهم على اإلبل اذحبها ً‬
‫بدال عنه‬
‫وإال زد عدد اإلبل حتى خيرج السهم على اإلبل ففعل عبد املطلب ذلك وأخذ‬
‫يزيد يف اإلبل عشرة بعد عشرة إىل أن وصل عدد اإلبل مائة فخرج السهم‬
‫‪39‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫على اإلبل فأعاد مرة ثانية فخرج على اإلبل ثم ثالثة فخرج على اإلبل فتيقن‬
‫عبد املطلب أن فداء ابنه من الذبح هو مائة من اإلبل‪ ،‬و ّفــى عبد املطلب‬
‫نذره وحنر مائة من اإلبل فدا ًء البنه الغالي عبداهلل وبذلك جنى اإلبن من‬
‫الذبح ‪.‬‬
‫ً‬
‫وفعال خطب‬ ‫بعد ذلك خرج عبد املطلب ومعه ابنه عبداهلل ليخطب له‬
‫ً‬
‫موضعا وأمجل بنات عصرها ذات احلسب‬ ‫له من أعلى األنساب وأشرفها‬
‫والنسب والوقار واهليبة‪ ،‬خطب ابنة شيخ قبيلة بين زهرة آمنة بنت وهب يوم‬
‫ً‬
‫وموضعا‪.‬‬ ‫ً‬
‫وشرفا‬ ‫كان وهب بن عبد مناف سيد بين زهرة وأعالهم ً‬
‫نسبا‬
‫ً‬
‫راضيا بذلك الزواج امليمون الذي كان من نتاجه والدة‬ ‫تزوجها االبن‬
‫خري موجود يف الوجود احلامد احملمود صاحب احلوض املورود واملقام‬
‫‪ ،‬تلك األم الرؤوم احلنون‬ ‫احملمود واللواء املعقود سيدنا ونبينا حممد‬
‫اليت صربت يف محلها بسيد اخللق أمجعني بعد وفاة زوجها احلبيب وهي يف‬
‫شهرها األول من احلمل‪ ،‬ثم بعد متام مدة احلمل وضعت السيدة آمنة بنت‬
‫وهب مولودها الذي أراد اهلل سبحانه وتعاىل له أن يكون سيد ولد آدم‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫وسيد الكونني‪ ،‬وخري البشر أمجعني‪ ،‬وخامت األنبياء واملرسلني‬
‫وكعادة األشراف من أهل مكة أن جيعل للمولود ظئر أي مرضعة غري‬
‫أمه حتى تتفرغ األم لنفسها فأرضعته امرأة من بين سعد بن بكر امسها‬

‫‪40‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫حليمة السعدية إىل أن أعادته إىل أمه آمنة بعد رضاعه ‪.‬‬
‫ويف ذات يوم أرادت هذه األم (آمنة بنت وهب) أن تصل الرحم بني وليدها‬
‫اليتيم وبني أخواله بين عدي بن النجار يف مدينة يثرب فأتت به لتلك الزيارة‬
‫والسالم على زوجها الذي وافته املنية يف هذه املدينة ولكنها رأت أن يهود‬
‫يتشاورون على ابنها غدراً ويالحقونه يف كل حركاته وسكناته فقررت‬
‫العودة به إىل موطنها مكة بني أهله وعشريته ‪.‬‬
‫ويف طريق العودة بني يثرب ومكة وافاها األجل احملتوم بعد معاناة‬
‫شديدة ومصارعة قوية مع املرض الذي أودى حبياتها يف مكان يسمى‬
‫(األبواء) قريب من مكة ‪.‬‬
‫فبكى وبكي‬ ‫(استأذنت ربي أن أزور أمي فأذن لي فزارها‬ ‫قال‬
‫‪ ،‬فما كان يوم أشد بكا ًء من ذلك اليوم)((( ‪.‬‬ ‫اجلميع لبكائه‬
‫ثانياً ‪:‬‬
‫هي مرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب بن عبداهلل‬ ‫األم الثانية للحبيب‬
‫بن احلارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن قصية بن نصر بن‬
‫حني‬ ‫سعد بن بكر رضي اهلل عنها واليت حلقتها بركة رسول اهلل‬
‫قبلت برضاعة هذا اليتيم فقد حلت الربكة على حليمة وبيتها حبلول هذا‬

‫((( �أخرجه م�سلم والن�سائي وابن ماجه و�أبو داوود يف كتاب اجلنائز‪ ،‬و�أحمد (‪. )276/5‬‬
‫‪41‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫الرضيع حتى مشلت تلك الربكة أغنام ذلك البيت ودوابه ومرعى أغنامه‬
‫ً‬
‫عوضا على لنب األم ومأكل ومشرب األم وأبنائها ‪.‬‬
‫ً‬
‫تقريبا رأى ابن حليمة أخاه القرشي (حممداً) برؤية‬ ‫وبعد مرور عامني‬
‫ً‬
‫بيضا طرحا أخاه حممداً‬ ‫عجيبة رأى رجلني طويلني عريضني يلبسان ً‬
‫ثيابا‬
‫ً‬
‫شيئا ثم غساله مباء‬ ‫ً‬
‫سكينا وشقا صدره وأخرجا منه‬ ‫ً‬
‫أرضا ثم أخرجا‬
‫أحضراه معهما يف طست‪ ،‬ذهب إىل أمه حليمة وأخربها عن حادثة أخيه‬
‫القرشي‪ ،‬تأكدت حليمة وزوجها من قول ابنهما فكشفت عن صدر‬
‫ً‬
‫خوفا على رضيعها ثم‬ ‫رضيعها فوجدت أثار الشق واضحة فأخذت ترجتف‬
‫أعادته إىل أمه ثم ظلت حليمة السعدية حتمل لذلك الرضيع اليتيم كل حب‬
‫وتقدير واحرتام والذي أصبح فيما بعد خامت األنبياء واملرسلني وسيد اخللق‬
‫أمجعني سيدنا ونبينا حممد عليه أفضل الصالة وأمت التسليم ‪.‬‬
‫أصبحت حليمة السعدية ممن دخل التاريخ من أوسع أبوابه إلرضاعها‬
‫أما ثانية له ً‬
‫أما بديلة عن أمه‬ ‫لنيب هذه األمة ورسول رب العاملني وأمست ً‬
‫اليت ولدته وأضحت ً‬
‫أما لصاحب الرسالة السماوية والدين القويم والنهج‬
‫املستقيم عليه أفضل الصالة وأمت التسليم ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪:‬‬
‫هي أم أمين بركة بنت ثعلبة احلبشية واليت‬ ‫االم الثالثة للحبيب‬
‫وتربيته بعد وفاة أمه أمنة بنت وهب ‪ .‬وقد أخذت‬ ‫تولت حضانة الرسول‬
‫‪42‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫على عاتقها عهداً بكيفية تعويضه عما فقده من حنان األم وعطفها وأنها‬
‫سوف ترعاه رعاية تكفل له فيها وكأنه مل يفقد أمه ‪ .‬كما أنها سوف‬
‫تتوىل العناية به حتت عناية جده عبد املطلب الذي كثرياً ما كان يوصي‬
‫أم أمين مبتابعة حتركات وسكنات إبن إبنه والذي كان جيله ويقدره‬
‫ويفضله على مجيع أبنائه ويقول هلا (أي بركة راقيب ابنى وال تغفلي عنه‬
‫فلقد رأيته عند السدرة مع غلمان من قريش) فظلت تراقبه وحتنو عليه‬
‫وتعطف إىل أن بلغ من العمر أكمله وهو سن اخلامسة والعشرين وتزوج من‬
‫أم‬ ‫خدجية بنت خويلد األسدية رضي اهلل عنها‪ ،‬بعدها أعتق رسول اهلل‬
‫أمين فتزوجها عبيد بن احلارث اخلزرجي وأجنبت منه ابنها البار الشهيد‬
‫احملتسب أمين واليت كانت تكنى به أم أمين رضي اهلل عنها وأرضاها ‪.‬‬
‫رابعاً ‪:‬‬
‫هي زوجة أبي طالب بن عبد املطلب شقيق‬ ‫األم الرابعة للحبيب‬
‫عبداهلل‪ ،‬وهي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كالب‬
‫بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن‬
‫خزمية بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان رضي اهلل‬
‫عنها وأرضاها‪ ،‬وهي أم البطل املغوار الذي ال يشق له غبار أسد املشارق‬
‫يطري يف‬ ‫واملغارب علي بن أبي طالب وأيضا أم الشهيد الذي رآه النيب‬
‫يوم خيرب عند عودته من‬ ‫اجلنة (جعفر بن أبى طالب) والذي قال عنه‬

‫‪43‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫احلبشة (بأيهما أفرح بفتح خيرب أم برجوع جعفر) رضي اهلل عنهم أمجعني ‪.‬‬
‫حينما تويف اجلد احلنون عبد املطلب أوصى بأن يكون حممد يف بيت‬
‫ابنه أبي طالب رغم كثرة عياله وقلة ماله وموارده املالية وكانت زوجة أبي‬
‫ترعى شؤونه وتساعدها يف‬ ‫طالب فاطمة بنت أسد ً‬
‫أما رابعة للحبيب‬
‫ذلك أم أمين ‪.‬‬
‫وتزوج من السيدة خدجية بنت خويلد رضي اهلل‬ ‫عندما شب رسول‬
‫عنها وأجنب منها القاسم وعبداهلل وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة‪ ،‬زادت‬
‫زوج‬
‫وبني فاطمة بنت أسد حيث َّ‬ ‫صلة الرحم والقرابة بني املصطفى‬
‫ابنته فاطمة الزهراء من علي بن أبي طالب فأصبحت من جديد ً‬
‫أما البنته‬
‫(فاطمة بضع مين يريبين ما أرابها‬ ‫الزهراء قرة عني أبيها اليت قال عنها‬
‫ويؤذيين ما آذاها)((( ‪.‬‬
‫يف قربها بعدما‬ ‫مكافأة لفاطمة بنت أسد رضي اهلل عنها مترغ‬
‫ألبسها قميصه وقال (ألبستها قميصي ليلبسها اهلل ً‬
‫ثيابا يف اجلنة واضجعت‬
‫يف قربها ليخفف اهلل عنها ضمة القرب إنها كانت من أحسن خلق اهلل إلي‬
‫بعد أبي طالب)((( ‪.‬‬

‫((( رواه م�سلم باب ف�ضائل ال�صحابة (فاطمة بنت النبي)‪� ،‬صحابيات حول الر�سول �صلى اهلل عليه‬
‫و�سلم (‪. )271‬‬
‫((( رواه الطرباين يف الأو�سط ‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫وعن أنس ابن مالك رضي اهلل عنه قال ملا ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم‬
‫فجلس عند‬ ‫أم علي بن أبي طالب كرم اهلل وجهه دخل عليها رسول اهلل‬
‫رأسها وقال (رمحك اهلل يا أمي كنت بعد أمي جتوعني وتشبعيين وتعريني‬
‫وتكسيين ومتنعني نفسك ً‬
‫طيبا وتطعميين تريدين بذلك وجه اهلل والدار‬
‫اآلخرة)((( ‪.‬‬
‫رضي اهلل عنك وأرضاك وجعل اجلنة مثواك ومأواك‪ ،‬فاطمة بنت أسد‬
‫أم األسد علي بن أبي طالب أول هامشي األب واألم وهنأك مبا وعدك رسول‬
‫من دخولك اجلنة ‪ .‬اللهم ال حترمنا أجرها وامجعنا بها يف عليني مع‬ ‫اهلل‬
‫رسولك األمني وسائر األنبياء واملرسلني اللهم آمني ‪.‬‬
‫اللهم وأرض عن أمهات نبيك أمجعني واغفر هلم وارمحهم وامشلهم بعفوك‬
‫واغمرهم برضوانك واكألهم بعنايتك ورمحتك واجعل اجلنة مأواهم‬
‫ومستقرهم واحشرنا يف زمرتهم يوم الدين برفقة ابنهم البار الكريم العظيم‬
‫الرؤوف الرحيم عليه صلوات ربي وسالمه فداه أبي وأمي يف الفردوس‬
‫األعلى بصحبة سائر األنبياء واملرسلني يا رب العاملني اللهم آمني ‪.‬‬

‫((( وفاء الوفاء لل�صمنهودي (‪ ،)897/3‬و�صحابيات حول الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم (‪. )314‬‬
‫‪45‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫* ملحوظة ‪:‬‬
‫بالنسبة ألم احلبيب آمنة بنت وهب فهي من أهل الفرتة وأهل الفرتة هم‬
‫ً‬
‫وأيضا من أهل الفرتة أطفال املشركني‬ ‫الذين ماتوا قبل بعثة الرسول‬
‫الذين ماتوا قبل أن يبلغوا احللم إضافة إىل جمانني املسلمني ‪.‬‬
‫فإنهم يوم القيامة يسألون وميتحنون يف العرصات فإن أجابوا دخلوا‬
‫اجلنة وإن َأ َبوا وعصوا ومل جييبوا دخلوا النار‪ ،‬وآمنة بنت وهب من ضمن‬
‫فكيف مبن أرسله‬ ‫أهل الفرتة حيث أنها توفيت قبل بعثة الرسول‬
‫ربه رمحة للعاملني إنسهم وجنهم وهو من مساه ربه بالرؤوف الرحيم أن‬
‫لذلك أحببت‬ ‫‪ ،‬وكذلك والده‬ ‫ال تشمل شفاعته ورمحته والدته‬
‫التنويه على ذلك‪ ،‬ولقد أوصى الرب سبحانه بالوالدين وخص األم بالوصية‬
‫بقوله‪ :‬ﱫﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﱪ (((‪ ،‬وقوله تعاىل‪:‬‬
‫يف حديث حسن الصحبة‪:‬‬ ‫ﱫ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﱪ(((‪ ،‬وقوله‬
‫(أمك ثم أمك ثم أمك)(((‪ ،‬وصدق القائل حيث قال‪:‬‬
‫ً‬
‫أمــا خليــر املرسلــــني حنونــــــا‬ ‫اهلل شــــاءك أن تكوني فينــــا‬
‫فخلقت آمنـــــة وضعت أمينــــــا‬ ‫فاختارك املوىل حلمل أمانـــــــة‬

‫((( �سورة الإ�سراء‪ ،‬الآية (‪. )23‬‬


‫((( �سورة لقمان‪ ،‬الآية (‪. )14‬‬
‫((( �صحيح البخاري ‪ ،‬رقم احلديث ‪، 5524:‬كتاب ‪:‬الأدب ‪ ،‬باب ‪ :‬من �أحق النا�س بح�سن �صحابتي ‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫ولقد أساءوا يف النيب ظنونــــــا‬ ‫جهلوا مقامك حني قالو قولــــة‬


‫حاشاه وهو بربهـــــا يوصينــــــا‬ ‫ترجوه أمتــــه وتيــــأس أمـــــه !!‬
‫أضحى بها خري األنام دفينـــــا‬ ‫إن كان أشرف بقعة تلك اليت‬
‫لكن ببطنـــــك كونت تكوينــــا‬ ‫فلكونهــــا ضـمـــت ذات املصطفى‬

‫‪47‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫الباب الرابع‬
‫كل إمرئ له من امسه نصيب‬

‫‪49‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫كل إمرئ له من امسه نصيب ‪..‬‬


‫ً‬
‫حقا كل امرئ له من امسه نصيب فعلى سبيل املثال ال احلصر هناك‬
‫بعض األمساء تدل داللة واضحة على أفعال وشخصية الشخص املسمى‬
‫بذلك االسم‪.‬‬
‫ً‬
‫مثال‪.‬‬
‫امسه حممد يف األرض بني البشر وأمحد يف السماء عند‬ ‫‪1-1‬كان‬
‫مالئكة الرمحن وهو حامد لربه عز وجل كما أنه حممود اخلصال‬
‫واألفعال واألقوال والصفات مجيعها‪.‬‬
‫وكان من صفاته بأبي هو وأمي أنه كثري احلمد لرب العاملني قبل‬
‫‪ .‬فكان له من امسه أوفر النصيب‪.‬‬ ‫الرسالة وبعد البعثة‬
‫‪2-2‬ملا ولدت فاطمه الزهراء رضي اهلل عنها وأرضاها مولودها األول قال‬
‫لعلي بن أبي طالب ماذا تريد أن تسميه فقال علي (حرب) يا رسول‬
‫بل هو احلسن‪ .‬وكذلك عند والدة احلسني اإلبن الثاني‪،‬‬ ‫اهلل فقال‬
‫لعلي ماذا تريد أن تسميه فقال (حرب) يا رسول اهلل فقال‬ ‫فقال‬
‫ً‬
‫وأيضا عند والدة اإلبن الثالث حمسن‪ .‬وماذاك إال‬ ‫بل هو احلسني‪.‬‬
‫ً‬
‫متشبها جبده عليه الصالة والسالم كما كان‬ ‫وخ ً‬
‫لقا‪.‬‬ ‫حلسنهم َخ ً‬
‫لقا ُ‬
‫خللق والطباع والسجية‬ ‫ً‬
‫شبيها يف ا َ‬ ‫احلسني بن علي رضي اهلل عنهما‬

‫‪51‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫لذا مل َ‬
‫يرض سيد اخللق أن يكون اسم أي منهم‬ ‫جبده املصطفى‬
‫(حرب) بل احلسن واحلسني وحمسن حلسنهم‪.‬‬
‫فكان لكل منهم من امسه نصيب‪.‬‬
‫‪3-3‬بركة بنت ثعلبة احلبشية أم أمين‪ .‬كان امسها بركة فلحقتها الربكة‬
‫حيثما حلت وأينما رحلت من بداية شراء عبداهلل بن عبد املطلب هلا‪ .‬ثم‬
‫يف خدمتها آلمنة بنت وهب ويف حضورها لوالدة الرسول األعظم والنيب‬
‫‪ .‬ثم حضانتها له عليه أفضل الصالة والسالم‪.‬‬ ‫األكرم‬
‫فكانت مباركة أينما حلت فلها من امسها نصيب‪.‬‬
‫‪4-4‬كان من أمساء البطل املغوار الذي ال يشق له غبار أسد املشارق واملغارب‬
‫علي بن أبي طالب كرم اهلل وجهه كان من أمسائه حيدرة وهو اسم‬
‫من أمساء األسد فكان من صفات الكرار علي بن أبي طالب أنه أسد‬
‫املشارق واملغارب والذي ال جياريه أح ٌد يف إقدامه وشجاعته حيث يقول‬
‫عن نفسه رضي اهلل عنه‪:‬‬
‫كليث الغاب كريه املنظرا‬ ‫أنا الذي مستين أمي حيدرا‬
‫فحقا كان له من امسه نصيب‪.‬‬
‫يف الرجوع عن‬ ‫‪5-5‬يف صلح احلديبية أرسلت قريش ً‬
‫رجال يفاوض النيب‬
‫مكة وال يدخلها عامه هذا فأرسلوا ً‬
‫اوال احلليس فلم ينجح يف التفاوض‬
‫‪52‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫ً‬
‫صلحا اال انه وصف جيش‬ ‫ثم أرسلوا آخر امسه عمرو فرجع دون حتقيق‬
‫(س ُهل‬ ‫رجال ً‬
‫ثالثا فقال‬ ‫ً‬ ‫لقريش‪ .‬عندها أرسلت قريش‬ ‫الرسول‬
‫األمر عليكم) عندما علم ان املوفد من قريش امسه سهيل بن عمرو‪.‬‬
‫عندها مت الصلح ومسي صلح احلديبية‪.‬‬
‫‪6-6‬صحابي جليل كان طويل القامة مفتول العضالت قوي البنية سريع‬
‫ا ُ‬
‫خلطى له طاقة يف التحمل غريبة يف غزوة من الغزوات جهد صحابة‬
‫وأعياهم اجلهد واملشقة وتشققت أقدامهم من املسري‬ ‫رسول اهلل‬
‫على احلجارة فأخذوا يربطون أقدامهم برقاع من اجللد والثياب‪.‬‬
‫وكان هذا الصحابي اجلليل رضي اهلل عنه مل يعيه التعب وال املشي‬
‫يضعون عليه أمحاهلم وأمتعتهم‬ ‫ومل جيهد‪ ،‬فأخذ أصحاب النيب‬
‫(إمنا أنت سفينة يا سفينة)‬ ‫وهو حيملها بدون كلل أو ملل حتى قال‬
‫فكان رضي اهلل عنه سفينة ً‬
‫حقا من كثرة أمحال أصحابه الذين من‬
‫شدة إعيائهم وضعوا عليه أمحاهلم‪.‬‬
‫فكان له من امسه نصيب‪.‬‬
‫ً‬
‫أعرابيا يف‬ ‫ً‬
‫رجال‬ ‫‪7-7‬لقي عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه وأرضاه ذات يوم‬
‫الصحراء فقال له عمر من أنت؟ فقال الرجل هلب فقال عمر ابن من‬
‫فقال الرجل ابن مجر فقال عمر ومن أي القبائل أنت فقال الرجل من‬

‫‪53‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫ضرام فقال عمر اذهب ألهلك فإنهم حيرتقون‪.‬‬


‫يقال ذلك لفراسة عمر رضي اهلل عنه كما يقال أنه كان للرجل من‬
‫امسه نصيب‪.‬‬
‫‪8-8‬تباشراً باالسم عند الوالدة عند العرب كان العرب يسمون ‪:‬‬
‫من الصالح‬ ‫صاحل‬
‫من السالمة‬ ‫سامل‬
‫من األمان واإلطمئنان‬ ‫آمنة‬
‫من الصفاء والنقاء‬ ‫صفية‬
‫من اجلمال‬ ‫مجال‬
‫كذلك‬ ‫مجيل‬
‫من اهلناء يف العيش‬ ‫هنية‬
‫كذلك‬ ‫هاني‬
‫كثرياً من األمساء اليت هلا معنى سيئ مثل حزن‪ ،‬ومتعب‬ ‫وقد َغ رًّي‬
‫إىل أمساء تطيب أفعاهلا وتأنس لسماعها اآلذان‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫الباب اخلامس‬

‫•موقف تهتز منه الرجال‬


‫•زواجها من عبيد بن احلارث‬
‫•زواجها من زيد بن حارثة‬

‫‪55‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫موقف تهتز منه الرجال‬

‫ذكر املوت كثرياً ما يدخل الفزع يف النفوس فكيف مبن يرى املوت‬
‫امامه وطبيعة خلقته اللني والضعف ‪.‬‬
‫كثري من الرجال ال يستطيع ان ينظر ولو للحظة يف وجه ميت حتى ولو‬
‫كان من أقرب الناس إليه كأمه أو أبيه أو زوجته أو أخته أو أخيه أو حتى‬
‫إبنه إمنا يلهج بالدعاء له من على بعد وبعد أن يغسل ويكفن بينما نرى أم‬
‫أمين احلبشية رضي اهلل عنها تالزم سيدتها آمنة بنت وهب والدة الرسول‬
‫تالزمها يف مرضها ومصارعتها للموت ثم تشهد موتها وهي يف سفر‬
‫وغربة فتقوم بغسلها ثم تكفينها يساعدها بعض الرجال الذين كانوا‬
‫معها يف دفن تلك املرأة اليت الزمتها وخدمتها طيلة ست سنوات منذ أن‬
‫تزوجت من عبداهلل بن عبد املطلب الذي جنى من الذبح املنذور ثم حبملها‬
‫بسيد ولد آدم عليه الصالة والسالم كما شهدت أم أمين والدة احلبيب‬
‫واستمرت أم أمين يف خدمة السيدة الوقورة آمنة أم موالها‬ ‫املصطفى‬
‫حممد الذي ورثها من أبيه ‪.‬‬
‫كانت أم أمين مساعدة آلمنة يف شئون طفلها يف حلها وترحاهلا يف‬
‫سفرها وإقامتها وحنن نعلم ما يف السفر من جهد ومشقة وعناء وتعب ‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫بعد وفاة آمنة حتملت أم أمين إيصال اخلرب إىل ذوي آمنة بل إىل كافة‬
‫القرشيني تصف هلم معاناة آمنة من املرض ومشقة السفر واخلوف على‬
‫وليدها الذي مل يبلغ السادسة من العمر ثم تصف هلم موتها ثم كيف‬
‫انها قامت بغسلها وتكفينها ثم دفنها وهاهي تصل إىل مكة حاملة تلك‬
‫االخبار املشئومة ومعها الطفل اليتيم الذي فقد أمه قال تعاىل ﱫ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍﱪ((( ثم حتضره إىل بيت جده عبد املطلب قاطعة على‬
‫ً‬
‫عوضا عن أمه التى فقدها ‪.‬‬ ‫نفسها العهد والوعد بأن تكون له‬
‫هذا لعمرك موقف من هوله جتثوا الرجال على ركبها وتقل فيه حيلهم‬
‫وتقصر فيه أفكارهم وختور فيه قواهم ‪.‬‬
‫فأقول‪:‬‬ ‫أما إذا قيل كيف يكون بنوا عدي بن النجار أخوال النيب‬
‫أن بين عدي بن النجار هم أخوال عبد املطلب حيث تزوج املطلب (هاشم‬
‫بن عبد مناف) من سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن حرام بن عدي بن‬
‫النجار ‪.‬‬
‫أما أخوال عبداهلل بن عبد املطلب فهم بنوا خمزوم حيث أن أم عبداهلل‬
‫هي فاطمة بنت عمرو بن عائد بن عمران بن خمزوم والتى أجنبت عبداهلل‬
‫هم بنوا خمزوم ‪.‬‬ ‫وأبا طالب فاصبح أخوال والد الرسول‬

‫((( �سورة ال�ضحى‪ ،‬الآية (‪.)6‬‬


‫‪58‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫فهم بنوا زهرة حيث أن أمه آمنة بنت وهب من بين‬ ‫أما أخوال احلبيب‬
‫عن سعد بن أبي وقاص الزهري (هذا خالي فلرييين‬ ‫زهرة حيث قال‬
‫كل امرىء منكم خاله)(((‪.‬‬
‫اذا أخوال جد الرجل أخوال له وأخوال أب الرجل أخوال له إضافة إىل‬
‫أخواله نفسه ‪.‬‬
‫ألنهم أخوال جده عبد املطلب ‪.‬‬ ‫فيصبح بنو النجار أخوال الرسول‬
‫فهم بنوا زهرة ‪.‬‬ ‫ً‬
‫أيضا أخواله النهم أخوال أبيه ‪ .‬أما أخواله‬ ‫وبنوا خمزوم‬
‫زواج أم أمين من عبيد بن احلارث ثم زواجها من زيد بن حارثة ‪:‬‬
‫بعد زواج عبداهلل بن عبد املطلب من آمنة بنت وهب بشهر وعدة أيام ويف‬
‫ً‬
‫لزاما عليه أن يغادر مكة‬ ‫رواية اثنيت عشرة ليل ًة قضاها مع زوجته كان‬
‫يف عري لقريش ذاهبة إىل الشام للتجارة وكان البد لتلك العري من املرور‬
‫ً‬
‫مرضا شديداً فمرض عند أخوال أبيه عبد املطلب‬ ‫بيثرب فمرض عبداهلل‬
‫بين عدي بن النجار ثم تويف عبداهلل يف يثرب ودفن بها ‪.‬‬
‫محلت آمنة بنت وهب من زوجها عبداهلل وبعد متام مدة احلمل وضعت‬
‫ً‬
‫يتيما قال تعاىل‪:‬‬ ‫محلها وقد أراد اهلل سبحانه وتعاىل هلذا املولود أن يولد‬

‫((( رواه الرتمذي يف املناقب حديث رقم (‪ ،)3752‬وقال حديث ح�سن غريب ال نعرفه �إال من حديث‬
‫جماهد بن عامر‪ ،‬و�أي�ضاً ورد يف �سري �أعالم النبالء‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫ﱫ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﱪ((( ورث هذا الرضيع عن أبيه جارية امسها‬


‫بركة بنت ثعلبة احلبشية ‪.‬‬
‫ظلت ختدمه وترعاه إىل ان بلغ سن الرجولة الكاملة التامة اليت اهلته‬
‫بان يتزوج وهو يف سن اخلامسة والعشرين حيث تزوج من السيدة خدجية‬
‫جاريته بركة احلبشية ثم تزوجت‬ ‫بنت خويلد األسدية عندها أعتق‬
‫من عبيد بن احلارث اخلزرجي وأجنبت منه ابنها أمين والذي تكنت به‬
‫فسميت أم أمين‪،‬بقي زوجها عبيد بن احلارث على كفره ففرق اإلسالم‬
‫من حمبوبه ومواله الذي كان يسمى زيد بن‬ ‫بينهما فزوجها رسول اهلل‬
‫حممد وبعد نزول آية ﱫ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﱪ((( وبعد منع‬
‫التبين عاد امسه حلقيقته فنسب إىل أبيه فأصبح زيد بن حارثة رضي اهلل‬
‫عنه فأجنبت منه رضي اهلل عنها حب احلب أسامة بن زيد والذي عقد له‬
‫لواءاً ملقارعة الروم ولكن املشيئة اإلهلية أبت َألاَّ أن يكون هذا اجليش‬
‫‪1‬‬

‫بقيادة أسامة بن زيد إال يف عهد الصديق رضي اهلل عنه وأرضاه بعد مبايعته‬
‫بالرب العظيم سبحانه وتعاىل‬ ‫باخلالفة بعد التحاق الرسول الكريم‬
‫يف يوم االثنني الثاني عشر من شهر ربيع األول للعام احلادي عشر من‬
‫اهلجرة النبوية بعد أن أكمل اهلل تعاىل الدين بقوله تعاىل ﱫ ﭻ ﭼ‬

‫((( �سورة ال�ضحى‪ ،‬الآية (‪. )6‬‬


‫((( �سورة الأحزاب‪ ،‬الآية (‪. )5‬‬
‫‪60‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﱪ((( وقد أدى عليه‬


‫صالة ربي وسالمه مهمته التى كلف بها على الوجه الذي رضي اهلل تعاىل‬
‫يف غرفة عائشة رضي اهلل عنها ويف املكان الذي قبض‬ ‫عنه ثم دفن‬
‫يف بييت ويف ليليت‬ ‫‪ ،‬فعن عائشة رضي اهلل عنها قالت (قبض‬ ‫فيه‬
‫وبني سحري وحنري)((( ‪.‬‬
‫اللهم ِّ‬
‫صل وسلم وبارك وأنعم على سيدنا ونبينا وشفيعنا حممد الذي بعث‬
‫رمحة للعاملني انسهم وجنهم وعلى آله األبرار وأزواجه األطهار وأصحابه‬
‫األخيار من مهاجرين وأنصار عدد قطرات األمطار وعدد حبات الرمال‬
‫واألحجار وعدد أوراق األشجار كلما جن الليل وسطع النهار ‪.‬‬

‫((( �سورة املائدة‪ ،‬الآية (‪. )3‬‬


‫((( رواه البخاري يف اجلنائز وم�سلم يف ف�ضائل ال�صحابة و�أي�ضاً الرتمذي و�أبو داوود والن�سائي ‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫الباب السادس‬
‫نبضات قلبها يف حب الرسول‬

‫‪63‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫نب�ضات قلبها‬

‫يف أفراحه وأحزانه ‪:‬‬ ‫مشاركتها للحبيب‬


‫كانت أم أمين رضي اهلل عنها تسر وتفرح بأي شيء يفرح ويدخل‬
‫‪،‬‬ ‫السرور والسعادة والبهجة على قلب الرسول األعظم والنيب األكرم‬
‫كما كانت حتزن وتأسى وتأسف إذا حدث شيء يدخل احلزن إىل قلب‬
‫‪.‬‬ ‫املصطفى‬
‫يف فرحته بزواج ابنته البتول العذراء أم‬ ‫فها هي تشارك الرسول‬
‫أبيها فاطمة الزهراء رضي اهلل عنها وأرضاها من ابن عمه وربيبه أول من‬
‫آمن بالرسالة السماوية من أهل بيت رسول اهلل بعد زوجته خدجية‪ ،‬وأول‬
‫ليلة اهلجرة املباركة‬ ‫فدائي يف اإلسالم حيث نام يف فراش املصطفى‬
‫أول هامشي األب واألم علي بن أبي طالب كرم اهلل وجهه‪ ،‬فتقوم أم أمين‬
‫مع أمساء بنت عميس رضي اهلل عنهما بتجهيز العروسة (فاطمة) لزوجها‬
‫العريس (علي) وتلبسانها أمجل الثياب يف يوم العرس اجلميل الذي أضاءت‬
‫له مساء الدنيا وفرحت به مالئكة السماء ‪.‬‬
‫ً‬
‫وأيضا كانت أم أمين رضي اهلل عنها وهي زوجة حلبيب رسول اهلل زيد‬
‫بن حارثة والذي استشهد يف معركة مؤتة يف قتال الروم حيث بعث الرسول‬
‫وأمر عليه زيد بن حارثة وقال إن أصيب زيد فاإلمارة جلعفر‬ ‫ً‬
‫جيشا َّ‬
‫‪65‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫بن أبي طالب فإن أصيب جعفر فاإلمارة لعبداهلل بن رواحة‪ ،‬وها هي أم‬
‫زيداً وجعفر وعبداهلل بن رواحة‪ ،‬فتحزن حلزن‬ ‫أمين ينعي هلا الرسول‬
‫على ذلك وتصرب وحتتسب لفراق زوجها األجر واملثوبة عند اهلل‬ ‫الرسول‬
‫سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫عند نعيه لزيد وجعفر وابن رواحة رضي اهلل عنهم يف‬ ‫ولقد كان‬
‫مشهد جيعل القلوب تبكي وتذرف العيون دما بدل الدموع وكانت أم أمين‬
‫زوجة زيد وامساء بنت عميس زوجة جعفر من أوائل الذين أخربهم الرسول‬
‫وتأملتا لفراق الزوج الغالي‬ ‫عن موقعة مؤتة فحزنتا حلزن املصطفى‬
‫ولكنهما رضيتا حبكم اهلل سبحانه وتعاىل فصربتا واحتسبتا ‪.‬‬
‫تقوم أم أمين باملعاونة‬ ‫وعند وفاة زينب كربى بنات رسول اهلل‬
‫ً‬
‫حزنا لفراقها كما فعلت‬ ‫واملساندة يف الغسل والتكفني وقد امتأل قلبها‬
‫من قبل يف غسل وتكفني ودفن آمنة بنت وهب حني نالتها يد املنون وهي‬
‫راجعة ووليدها إىل مكة بعد زيارة قامت بها لبين عدي بن النجار ‪.‬‬
‫ً‬
‫أيضا هاهي أم أمين مرة أخرى تدافع عن أم املؤمنني عائشة الصديقة‬
‫بنت الصديق الطاهرة املطهرة التقية النقية رضي اهلل عنهم أمجعني وتقول‬
‫(واهلل إن رسول اهلل لطيب وإن عائشة لطيبة والطيبات للطيبني والطيبون‬
‫للطيبات‪ ،‬وكانت تقول كما قال أبو أيوب األنصاري لزوجته عند مساع‬

‫‪66‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫خرب حادثة اإلفك‪ ،‬هال نكف ألسنتنا عن هذا)(((‪ .‬فكانت أم أمين تفرح‬
‫كما كانت حتزن لكل شيء‬ ‫لفرح الرسول األعظم والنيب األكرم‬
‫إذ قال (هذه أمي بعد‬ ‫وصدق الصادق املصدوق‬ ‫يكدره وحيزنه‬
‫أمي)((( ‪.‬‬

‫((( تف�سري �آية �سورة النور (لوال �إذ �سمعتموه) ‪.‬‬


‫((( رواه م�سلم �شرح النووي (‪. )13 ،12‬‬
‫‪67‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫الباب السابع‬
‫ووحي السماء‬ ‫حزنها لفقد الرسول‬

‫‪69‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫ليس حز ٌن أشد وأقسى وأمر على أي فرد من أفراد صحابة رسول اهلدى‬
‫وأهل بيته من فراقه عليه الصالة وأزكى التسليم ‪.‬‬
‫مصاب أكثر وقيعة على صحابته وقرابته وذويه من فراقه عليه أمت‬
‫ٌ‬ ‫ليس‬
‫الصالم وأزكى السالم ‪.‬‬
‫ليس غ ٌم أكثر مضاعفة ملن كانوا جبانب رسول اهلل ومن حوله من‬
‫‪.‬‬ ‫فراقه‬
‫من مساع‬ ‫ليس ه ٌم أكرب وأشد وأقوى على نفوس أحباء رسول اهلل‬
‫‪.‬‬ ‫خرب وفاته‬
‫ليس ظالم أحل باملدينة النبوية أشد ظلمة من يوم فقدت فيه األمة‬
‫نبيها وحبيبها وشفيعها ورسوهلا ومعلمها وراشدها ومرشدها وقائدها إىل‬
‫رضوان ربها ومبشرها جبزاء كل خري وحمذرها من كل شر وعاقبته‪،‬‬
‫هادي البشرية مجعاء الرؤوف الرحيم احلريص على تبليغ رسالة ربه بأبي‬
‫هو وأمي وسيدي وحبييب ‪ .‬هاهو احلبيب فداه أبي وأمي وأهلي ونفسي‬
‫ً‬
‫جيشا كبرياً إلرهاب الروم وإعادة‬ ‫صلى عليه ربي وكأني أراه وهو جيهز‬
‫الثقة إىل قلوب املسلمني بعد معركة مؤتة والتى استشهد فيها زيد وجعفر‬
‫ً‬
‫سابقا ثم استلم الراية سيف من سيوف اهلل (خالد‬ ‫وابن رواحة كما مر بنا‬
‫بن الوليد) رضي اهلل عنهم أمجعني وحبنكة قتالية كبرية وعظيمة استطاع‬

‫‪71‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫أن يرتاجع باجليش وحيتسب ذلك نصراً خلالد‪ ،‬ثم عاد إىل رسول اهلل‬
‫الذي حزن كثرياً على ِحبه زيد وابن عمه جعفر وصاحبه ابن رواحة‪ ،‬رضي‬
‫اهلل عنهم أمجعني ‪.‬‬
‫إمارة هذا اجليش الذي كان من جنوده أكابر‬ ‫أسند رسول اهلل‬
‫املهاجرين وشيوخ األنصار أسنده إىل شاب صغري يف السن قليل اخلربة‬
‫يف جمال القتال هو أسامة بن زيد بن حارثة (بن أم أمين بركة بنت ثعلبة‬
‫احلبشية)‪.‬‬
‫هذا أسامة ابن أم أمين التى فقدت ابنها أمين شهيدا يف غزوة حنني‪،‬‬
‫سرت همهمة بني نفر من املسلمني لتعاظمهم هذا االمر أال وهو عقد اللواء‬
‫الذي ال ينطق عن اهلوى إن هو‬ ‫الكبري لشاب صغري قليل اخلربة فقال‬
‫إال وحي يوحى (إن تطعنوا يف إمارته فقد طعنتم يف إمارة أبيه من قبله‪،‬‬
‫ً‬
‫خليقا لإلمارة وإنه كان من أحب الناس إلي وإن هذاملن‬ ‫وأيم اهلل لقد كان‬
‫يف مرضه الذي تويف فيه‬ ‫أحب الناس إلي من بعده)((( وهاهو املصطفى‬
‫يدخل عليه أسامة بن زيد بن حارثة قائد اجليش فما كان من النيب‬
‫اال ان دعا له ‪.‬‬
‫هبطت‬ ‫عن أسامة بن زيد رضي اهلل عنهما قال (ملا ثقل رسول اهلل‬

‫((( �أخرجه البخاري حديث رقم (‪ )3730‬وم�سلم حديث رقم (‪)2426‬‬


‫‪72‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫وقد أصبح ال‬ ‫وهبط الناس معي إىل املدينة فدخلت على رسول اهلل‬
‫يتكلم فجعل يرفع يديه إىل السماء ثم يضعها علي أعرف أنه يدعو لي)(((‪،‬‬
‫وما هي إال سويعات حتى فاضت روحه الطاهرة الزكية إىل ربها راضية‬
‫مرضية‪ ،‬ومات رسول اهلل‪ ،‬مات احلبيب‪ ،‬مات املصطفى‪ ،‬مات املختار‪،‬‬
‫مات األمني‪ ،‬مات الرؤوف الرحيم‪ ،‬مات خامت األنبياء واملرسلني‪ ،‬مات‬
‫حممد بن عبداهلل خري خلق اهلل أمجعني عليه صالة ربي وسالمه إىل يوم‬
‫الدين‪ ،‬فأظلمت املدينة مبوته واضطرب املسلمون فمن شدة الصعقة منهم‬
‫من دهش فخولط ومنهم من أقعد فال يستطيع القيام ومنهم من ربط لسانه‬
‫فال يستطيع الكالم ومنهم من أنكر موته وقال إمنا ذهب إىل ربه مثله مثل‬
‫عيسى عليه السالم‪ ،‬عندها وقف الصديق األكرب والعلم األشهر رضي اهلل‬
‫تعاىل عنه ً‬
‫قارئا آلية من القرآن الكريم كادت أن تغيب عن األذهان فقال‬
‫من كان يعبد حممد فإن حممداً قد مات ومن كان يعبداهلل فإن اهلل حي‬
‫ال ميوت وقرأ‪ :‬ﱫ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﱪ((( وقرأ ﱫ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﱪ(((‪.‬‬

‫((( رواه �أحمد (‪ )201/5‬و�أي�ضاً الرتمذي حديث رقم (‪. )3817‬‬


‫((( �سورة الزمر‪ ،‬الآية (‪. )30‬‬
‫((( �سورة �آل عمران‪ ،‬الآية (‪. )144‬‬
‫‪73‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫وقفت أم أمين ودموعها على خدها وشريط الذكريات مير مبخيلتها‬


‫طفال ثم شابا ثم نبيا ورسوال خلري أمة أخرجت‬ ‫منذ ان كان احلبيب‬
‫للناس‪ ،‬وهي اآلن تودعه الوداع الدنيوي األخري وقلبها يتفطر ودموعها‬
‫تقطر‪ ،‬وأطرافها ترجتف ولسانها معقود‪ ،‬ال يكاد ينطق‪ ،‬ورجالها ال‬
‫تكاد حتمالنها من هول املصيبة ‪.‬‬
‫حقا إنها أصعب حلظة من حلظات تاريخ نشأة األرض إىل أن يبعث اهلل‬ ‫ً‬
‫وأقول ً‬
‫تأدبا بل انتقل من دار الدنيا‬ ‫األرض ومن عليها ‪ .‬مات رسول اهلل‬
‫إىل دار القرار‪ ،‬انتقل من دار الفناء إىل دار اللقاء إنه انتقل من دار إىل دار‪،‬‬
‫حييى حياة برزخية ال يعلم كنهها إال اهلل سبحانه وتعاىل يقول‬ ‫إنه‬
‫(((‬
‫(ما من أحد يسلم علي إال رد اهلل إلي روحي حتى أرد عليه السالم)‬
‫وقفت أم أمين ترثي ابنها وحبيبها وسيدها وموالها سيد اخللق أمجعني‬
‫فقالت ‪:‬‬ ‫وسيد ولد آدم ورسول رب العاملني وخامت األنبياء واملرسلني‬
‫شفـاء فاكثـــري من البكاء‬ ‫عيين جــودي فــإن بذلك الدمــع‬
‫ميتـا كان ذلك كل البــــالء‬ ‫حني قالوا الرسول أمسى فقيدا‬
‫ومن خصـه بوحــــي السمـــــاء‬ ‫وابكيا من رزأنـــاه فـي الدنيـــــا‬
‫يقضي اهلل فيك خري القضاء‬ ‫بدمــــوع غـــزيــــرة منــــك حــتـــى‬
‫ولقــــد جــاء رمحــة بالضيـــاء‬ ‫فلقـــد كـان ما علمت وصــــوال‬
‫((( رواه �أبو داوود يف منا�سك احلج حديث رقم (‪. )3041‬‬
‫‪74‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫وسراجـــا يضيء يف الظلمــاء‬ ‫ولقـــــد كــان بــعــــد ذلك نـــورا‬


‫واملعدن واخلتم خامت االنبياء‬ ‫طــــيــــب الـــعـــــود والضــريــبـــــة‬
‫وهكذا طويت صفحة عظيمة من صفحات أم أمين بركة بنت ثعلبة‬
‫احلبشية رضي اهلل تعاىل عنها وارضاها‪ ،‬ولكن تلك الصفحة مل تنس بل‬
‫بقيت حمفورة يف كيان أم أمين إىل ان لقيت ربها عزوجل راضية مرضية ‪.‬‬
‫عن ابن مالك رضي اهلل عنه قال (إن أم أمين بكت حني مات النيب‬
‫فقيل هلا أتبكني ؟ قالت واهلل لقد علمت أنه سيموت ولكين أبكي إذ‬
‫انقطع عنا من السماء)(((‪ .‬تقصد بذلك الوحي ‪.‬‬

‫((( طبقات ابن �سعد (‪ )332‬و�أي�ضاً كتاب املنح البن �سيد النا�س (‪ )337‬و�أي�ضاً �صحابيات حول الر�سول‬
‫�صلى اهلل عليه و�سلم (‪. )307‬‬
‫‪75‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫الباب الثامن‬
‫آخر املطاف‬

‫‪77‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫�آخر املطاف‬

‫ً‬
‫جيشا كبرياً لغزو الروم‬ ‫من حجة الوداع جهز‬ ‫بعد عودة املصطفى‬
‫حلب) أسامة بن زيد ابن الغالية أم أمين وكان‬
‫(ح َّب ا ِ‬
‫وجعل على إمارته ِ‬
‫من مجلة جنود اجليش حتت إمرة أسامة شيوخ املهاجرين وأكابر األنصار‬
‫أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبري وسعد بن أبي وقاص‬
‫وغريهم ممن له شأن يف اإلسالم‪ ،‬فطعن كما سبق وأن ذكرنا بعض‬
‫الناس يف إمرة أسامة فقال عليه الصالة والسالم (إن تطعنوا يف إمارته فقد‬
‫طعنتم يف إمارة أبيه من قبل وإنه خلليق أي جدير باإلمارة وإني أحبه وأحب‬
‫أبيه)(((‪ ،‬ولكن يشاء من بيده تسيري األمور أن هذا اجليش مل يتمكن من‬
‫الذهاب إىل مهمته إال بعد أن بويع الصديق رضي اهلل عنه باخلالفة بعد‬
‫إىل الرفيق األعلى ‪.‬‬ ‫انتقال املصطفى‬
‫ومتر السنني واأليام وينتقل الصديق إىل جوار ربه ويتوىل اخلالفة الفاروق‬
‫عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه‪ ،‬ثم يغتال الفاروق على يد (أبي لؤلؤة‬
‫اجملوسي) ثم تؤول اخلالفة إىل ذي النورين عثمان بن عفان رضي اهلل عنه‪،‬‬
‫ثم يقتل رضي اهلل عنه وأرضاه يف عام ‪ 35‬من اهلجرة النبوية ‪.‬‬

‫((( �أخرجه البخاري حديث رقم (‪ )3730‬وم�سلم حديث رقم (‪. )2426‬‬
‫‪79‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫وها هي الصابرة احملتسبة احملبة احلاضنة الوصول الوقورة الصوامة‬


‫القوامة أم أمين بركة بنت ثعلبة احلبشية تنام على فراش املوت بعد أن‬
‫أجهدها املرض وأقعدها كرب السن حيث قد ناهزت أو جتاوزت املئة عام‪،‬‬
‫تنام لتسلم الروح إىل باريها راضية مرضية‪ ،‬بعد مقتل عثمان بن عفان رضي‬
‫ً‬
‫تقريبا ‪.‬‬ ‫اهلل عنه بعشرين ً‬
‫يوما‬
‫نامي قريرة العني أم أمين فاملوعد يف جنان اخللد مع احلبيب والرسول‬
‫األمني وخامت األنبياء والرمحة املهداة والنعمة املسداة خري خلق اهلل حممد‬
‫من الزم املصطفى‬ ‫بن عبداهلل‪ ،‬مرافقة للزوج الغالي ِح َّب رسول اهلل‬
‫وكان أول من آمن بالرسالة السماوية من املوالي وشهيد معركة مؤتة‬
‫(زيد بن حارثة) ومعها ابنها الشهيد الصابر احملتسب والذي تكنت به أمين‬
‫ابن أم أمين‪ ،‬نامي وال حتزني أم أمين فهذا هو آخر املطاف ‪.‬‬
‫اللهم اغفر هلا وارمحها وجازها خبري ما جازيت به أحداً من خلقك‪،‬‬
‫على حضانتها لرسولك الكريم ورعايتها ملصطفاك العظيم من أرسلته‬
‫رمحة للعاملني‪ ،‬وشهادتها بأنك اهلل الواحد األحد الفرد الصمد الذي مل يلد‬
‫ومل يولد ومل يكن له كفواً أحد‪ ،‬وشهادتها بأن حممداً عبدك ورسولك‬
‫‪ ،‬وعلى صربها على فقدان الرسول الغالي والزوج‬ ‫وحبيبك ومصطفاك‬
‫املثالي (زيد) وابنها البار (أمين) واحتسابها كل ذلك عندك‪ ،‬اللهم امجعنا‬
‫بها يف الفردوس األعلى من اجلنة مع حبيبنا وشفيعنا ونبينا حممد‬
‫‪80‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫وسائر األنبياء والشهداء والصاحلني وحسن أولئك رفيقا حنن وآباءنا‬


‫وأمهاتنا وأزواجنا وأبناءنا ومن له حق علينا برمحتك يا أرحم الرامحني ‪.....‬‬
‫اللهم آمني ‪.‬‬
‫فأقول رثا ًء فيها ‪:‬‬
‫من عينهـــا بكت الرسول‬ ‫عيناي جودي بالبكاء على‬
‫من جسدهـــا ضم الرسول‬ ‫عيناي جودي بالبكاء على‬
‫من عطفهــا مشــل الرسول‬ ‫عيناي جودي بالبكاء على‬
‫مـن حبهـــا غـــمـــر الرسول‬ ‫عيناي جودي بالبكاء على‬
‫من قلبــهــــا حــــب الرسول‬ ‫عيناي جودي بالبكاء على‬
‫أم أمين حـاضنــــة الرسول‬ ‫عيناي جودي بالبكاء على‬

‫‪81‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫الباب التاسع‬

‫•اخلامتة‬
‫•املراجع‬
‫•الفهرس‬

‫‪83‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫اخلامتة‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم الواحد األحد الفرد الصمد الذي مل يتخذ‬
‫صاحبة وال ولد‪ ،‬رافع السماء بغري عمد وباسط األرض على ماء مجد‪،‬‬
‫وجاعل اجلبال عليها كالوتد‪ ،‬واحلمد هلل العزيز اجلبار‪ ،‬مكور النهار‬
‫على الليل ومكور الليل على النهار‪ ،‬أمحد ربي الكريم الغفار الذي مسى‬
‫نفسه عن العيوب ستار وعن الزالت غفار ‪.‬‬
‫والصالة والسالم األمتان األكمالن على النيب املختار من دعاه ربه إىل‬
‫السماء فأعطاه الكثري وكشف له األسرار‪ ،‬سيدنا وحبيبنا ونبينا وشفيعنا‬
‫يوم تزيغ األبصار سيد ولد آدم الذي شرح اهلل صدره ووضع عنه وزره‬
‫ورفع اهلل له ذكره‪ ،‬وأكرمه أميا إكرام حيث جعله حبيبه ومصطفاه‪،‬‬
‫وخري رسله و جمتباه وخامت أنبيائه ومرتضاه‪ ،‬وجاعله خري خملوق يف أرضه‬
‫ومساه‪ ،‬وعلى آله األبرار وأزواجه األطهار وأصحابه األخيار من مهاجرين‬
‫وأنصار كلما جن الليل وسطع النهار ‪..‬‬
‫وبعد ‪ ..‬فأمحد ربي العلي العظيم املنان الكريم الذي غمرني بكرمه‬
‫ومن علي وتفضل يف أن‬
‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬وأمدني بقوة من عنده عز وجل َّ‬
‫ً‬
‫وشيئا‬ ‫ً‬
‫وقليال من كثري‬ ‫ً‬
‫غيضا من فيض‬ ‫أهلمين الصواب أن أدون بقلمي‬
‫يسرياً عن صحابية جليلة كرمية اخللق عظيمة احلنان كاملة اإلميان‬
‫‪85‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫قوية اجلنان فصيحة اللسان كثرية العطف على سيد ولد عدنان‪ ،‬برة باره‬
‫صوامة قوامة صابرة حمتسبة‪ ،‬هي سيدة نساء احلبشة بركة بنت ثعلبة‬
‫والتى كنيت بابنها أمين‬ ‫حاضنة الرسول األكرم والنيب األعظم‪،‬‬
‫فكنيتها أم أمين‪ ،‬رضي اهلل عنها وأرضاها ‪.‬‬
‫أوعز إلي صديق محيم وزميل كريم وحافظ للقرآن الكريم هو أخي‬
‫أبو أسامة مصطفى حممد إبراهيم حفظه اهلل ورعاه يف أن أدون ً‬
‫شيئا عن‬
‫‪ ،‬فجزاه اهلل خري اجلزاء واملثوبة من عند اهلل وجعل ذلك‬ ‫سرية الرسول‬
‫يف ميزان حسناته يوم احلساب واجلزاء ‪.‬‬
‫عندها سألت اهلل عز وجل أن ميدني بالقوة والعزم وأن ييسر لي أن أكتب‬
‫ً‬
‫شيئا ولو يسرياً عن سيدة نساء احلبشة أم أمين بركة بنت ثعلبة احلبشية‬
‫أم الشهيد احملتسب أمين بن عبيد بن احلارث‪ ،‬الذي استشهد يف غزوة‬
‫حلب)‬
‫(ح ِّب ا ِ‬ ‫ً‬
‫أيضا أم أسامة بن زيد بن حارثة ِ‬ ‫ً‬
‫حمتسبا‪ ،‬وهي‬ ‫حنني صابراً‬
‫رضي اهلل عنهم أمجعني‪ ،‬فبدأت كتييب هذا والذي أمسيته (منتقى النقول‬
‫فصول‬
‫ٍ‬ ‫) فبدأت باملقدمة ثم قسمته إىل تسعة‬ ‫يف سرية حاضنة الرسول‬
‫ً‬
‫وشيئا من‬ ‫أو أبواب‪ ،‬الباب األول ذكرت فيه امسها وكنيتها وجنسيتها‬
‫صفاتها ا َ‬
‫خللقية وا ُ‬
‫خللقية‪ ،‬ثم الباب الثاني فذكرت فيه إسالمها وزواجها‬
‫ً‬
‫وشيئا عن جهادها‪ ،‬ثم الباب الثالث الذي‬ ‫من زيد بن حارثة ثم هجرتها‬
‫حيث كانت أم أمين إحداهن‪،‬‬ ‫حتدثت فيه عن أمهات النيب الكريم‬
‫‪86‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫ثم الباب الرابع والذي تكلمت فيه عن مقولة (كل امرئ له من امسه‬
‫موقف تهتز منه‬
‫ٍ‬ ‫نصيب)‪ ،‬ثم الباب اخلامس والذي تطرقت فيه لذكر‬
‫الرجال ثم عن زواجها من عبيد بن احلارث ثم زواجها من زيد بن حارثة‪،‬‬
‫ً‬
‫أيضا الباب السادس والذي ذكرت فيه نبضات قلبها يف حب الرسول‬
‫‪ ،‬ثم‬ ‫أما الباب السابع فتحدثت فيه عن حزنها لفقد الرسول الكريم‬
‫الباب الثامن فهو عبارة عن نهاية املطاف أي وفاتها ‪.‬‬
‫ثم ختمت كتييب هذا باخلامتة ومن ثم املراجع اليت استقيت منها‬
‫املعلومات ثم الفهرس هلذا الكتيب الذي أرجو من اهلل عز وجل أن يكون‬
‫ً‬
‫مرجعا من مراجع املكتبة اإلسالمية الكربى وحنن نتدارس سرية امرأة‬
‫وسلوكياتها رضي‬ ‫من أعظم النساء ودورها يف تربية وتنشأة املصطفى‬
‫اهلل تعاىل عنها وقوة إميانها واحتسابها وصربها وثقتها ‪.‬‬
‫ً‬
‫جزيال ال يكافأ يف أن‬ ‫فأمحد ربي كثرياً كثريا وأشكره شكراً‬
‫يسر لي ذلك ومدني بالعون يف التحري ومجع معلومات عنها رضي اهلل‬
‫تعاىل عنها وأرضاها‪ ،‬والكتابة عنها بشي ٍء من اإليضاح كي نتعرف على‬
‫أم أمين بركة بنت ثعلبة احلبشية‪ ،‬ثم أصلي وأسلم‬ ‫حاضنة الرسول‬
‫وأبارك وأنعم على الرمحة املهداة والنعمة املسداة على من أرسله ربه بشرياً‬
‫ً‬
‫وسراجا منرياً احلامد احملمود خري موجو ٍد يف الوجود‬ ‫ً‬
‫وداعيا إىل اهلل‬ ‫ونذيراً‬
‫صاحب املقام احملمود واحلوض املورود واللواء املعقود وعلى آله وصحبه‬
‫‪87‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫أمجعني‪ ،‬وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬

‫أبو بندر خالد إبراهيم إسكندراني‬

‫‪88‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫املراجـــــــع‬
‫ابن هشام‬ ‫السرية النبوية‬
‫ابن حبان البسيت‬ ‫السرية النبوية وأخبار اخللفاء‬
‫أبي نعيم‬ ‫دالئل النبوة‬
‫ابن حزم‬ ‫جوامع السرية النبوية‬
‫للواقدي‬ ‫املغازي‬
‫ابن عبد الرب‬ ‫الدرر يف اختصار املغازي والسري‬
‫القاضي عياض‬ ‫الشفاء بتعريف حقوق املصطفى‬
‫حمب الني الطربي‬ ‫خالصة سري سيد البشر‬
‫حممود املصري‬ ‫صحابيات حول الرسول‬
‫ابن كثري‬ ‫السرية النبوية‬
‫ابن كثري‬ ‫الفصول يف سرية الرسول‬
‫عبدالباسط شاهني‬ ‫غاية السول يف سرية الرسول‬
‫مال علي القارئ‬ ‫مجع الوسائل يف شرح الشمائل‬
‫عمر رضى كحالة‬ ‫أعالم النساء‬
‫ابن كثري‬ ‫البداية والنهاية‬
‫الشيخ اخلضري‬ ‫نور اليقني يف سرية سيد املرسلني‬
‫خالد حممد خالد‬ ‫رجال حول الرسول‬
‫شيخ اإلسالم شهاب الدين‬
‫اإلصابة يف متييز الصحابة‬
‫العسقالني‬
‫ابن ماجه‬ ‫اجلامع الصحيح‬
‫اإلمام مشس الدين الذهيب‬ ‫سري أعالم النبالء‬
‫ابن سعد‬ ‫طبقات ابن سعد‬
‫ابن األثري‬ ‫أسد الغابة يف معرفة الصحابة‬
‫‪89‬‬
‫منتقى النقول يف �سرية حا�ضنة الر�سول‬

‫الفهــــر�س‬
‫رقم الصفحة‬ ‫املوضـ ـ ــوع‬
‫‪5‬‬ ‫تقديـــم‬
‫‪7‬‬ ‫املؤلف يف سطور‬
‫‪9‬‬ ‫املقدمة‬
‫‪15‬‬ ‫تنبيه‬
‫‪16‬‬ ‫إهــــــــداء‬
‫‪19‬‬ ‫امسها‬
‫‪20‬‬ ‫كنيتها‬
‫‪21‬‬ ‫جنسيتها‬
‫‪21‬‬ ‫صفاتها اخللقية واخللقية‬
‫‪25‬‬ ‫إسالمها‬
‫‪27‬‬ ‫زواجها من زيد بن حارثة‬
‫‪28‬‬ ‫هجرتها‬
‫‪30‬‬ ‫جهادها‬
‫‪34‬‬ ‫مكانتها رضي اهلل عنها عند رسول اهلل‬
‫‪39‬‬ ‫أمهات احلبيب عليه أفضل الصالة والسالم‬
‫‪51‬‬ ‫كل امرئ له من امسه نصيب‬
‫‪57‬‬ ‫موقف تهتز منه الرجال‬
‫‪65‬‬ ‫نبضات قلبها‬
‫‪65‬‬ ‫يف أفراحه وأحزانه‬ ‫مشاركتها للحبيب‬
‫‪69‬‬ ‫ووحي السماء‬ ‫حزنها لفقد الرسول‬
‫‪79‬‬ ‫آخر املطاف‬
‫‪85‬‬ ‫اخلامتة‬
‫‪89‬‬ ‫املراجــع‬
‫‪90‬‬ ‫الفهرس‬
‫‪90‬‬

You might also like