Professional Documents
Culture Documents
& الرّابعة آدابا - حلقة تكوينيّة حول المنزع العقليّ عند الجاحظ. (1) .!!
& الرّابعة آدابا - حلقة تكوينيّة حول المنزع العقليّ عند الجاحظ. (1) .!!
المستمر
ّ المركز الجهوي للتّربية والتّكوين
المدرسين
ّ تصورات
ّ -1االنطالق من
صعوبات المعرفيّة والمنهجيّة والتّعليميّة المتعلّقة بتدريس المنزع العقلي -2في تشخيص ال ّ
-3في تحديد المفاهيم
-2-4العقل والنّقل :نحو إرساء منظومة فكريّة اعتزالية يتناغم فيها العقل مع النّقل
-3-4العقل والمعرفة :نحو إرساء معرفة عقليّة /علميّة وإرباك ثقافة التّسليم وإقامة حضارة
الحوار والجدل الفكري
-5-4العقل واألخالق :نحو إقامة منظومة أخالقيّة تتوافق وأحكام العقل والدّين
الربط :عقل البعير يعقله عِقال وعقّله واعتقله :ثنّى وظيفه مع ذراعه وشدّهما جميعا • معنى ّ
في وسط الذّراع ،وكذلك النّاقة ،وكذلك الحبل هو العقال والجمع عُقُ ٌل (لسان العرب )
• معنى اإلمساك حقيقة ومجازا :وعقل الدّواء بطنه يع ِقلُهُ ويعقُلُهُ عقال أمسكه :وقيل :العاقل
الذي يحبس نفسه عن هواها ،أخذ من قولهم قد اعتقل لسانه إذا ُحبس و ُمنع الكالم (اللّسان)
• العقل أداة للفهم والتّمييز :والعقل القلب ،والقلب العقل وس ّمي العقل عقال ألنّه يعقل
التورط في المهالك أي يحبسه وقيل :العقل هو التّميّز الذي به يتميّز اإلنسان ّ صاحبه عن
عن سائر الحيوان ويقال لفالن قلب عقول ولسان سؤول ،وقلب عقول فه ٌم ،وعقل الشيء
الفراء في قوله تعالى ّ
"إن في ذلِكَ يع ِقلُهُ عقال فهمه ...وقد يعبّر بالقلب عن العقل قال ّ
لذكرى لمن كان لهَ قلبٌ " أي عقل (اللّسان)
َ
/الرشد /ال ّنهى /ال ّلبّ )...ليست غريبة عن األدب العربي ،فقد ّ
إن لفظة العقل ومرادفاتها (الحلم ّ
ومرة
ّ مرة بمعنى الدّية في شعر االّنّابغة الذّبياني
ورد المصطلح في أكثر من بيت شعري فاستعمل ّ
القوة العاقلة في شعر ميمون بن قيس واستعمل ومرة بمعنى ّ
والربط في شعر زهير ّبمعنى التّقيّد ّ
في شعر اإلسالم بمعنى المرجع الذي يعود إليه اإلنسان أو بمعنى الميزة التي تميّز الكائن المدرك
عن سواها مما يعقل .
العقل اصطالحا :العقل بين المنظومة الفلسفيّة اإلغريقيّة والمنظومة الفكريّة العربيّة اإلسالميّة
إن البحث في مسألة المنزع العقلي في األدب العربي يواجه صعوبتين أوالها متعلّقة بالمفهوم ّ
وثانيها متعلّقة بتعدّد مجاالته
يعرف العقل عند اإلغريق بأنّه فعل ابستمولوجي أساسي يت ّم من خالله التعقّل وإنتاج المعرفة العقليّة ّ
قوة طبيعيّة للنّفس متهيّئة لتحصيل أو العلم بأوسع معانيه سعيا إلى تكوين نظرة شاملة عن العالم فهو ّ
المعرفة العلميّة وهي معرفة مختلفة عن المعرفة الدّينيّة المستندة إلى اإليمان وهي – العقالنيّة
أن قوانين العقل مطابقة لقوانين اإلغريقية – تقول بأوليّة العقل وبقدرته على إدراك الحقيقة والسّبب ّ
وأن كل موجود معقول وك ّل معقول موجود وبذلك يكون العقل قادرا على األشياء الخارجيّة ّ
اإلحاطة بك ّل شيء دون عون خارجي يأتيه من القلب أو الغريزة أو الدّين فأرسطو مثال درس
طبيعة عنده غاية وليست وسيلة (دراسة طبيعة ودرس طبائع الحيوان وكانت غايته علميّة بحتة فال ّ ال ّ
ذرات تصور الكائنات أعدادا أو هي مجموعة ّ ّ طبيعة ) أو فيتاغورس الذي القوانين التي تحكم ال ّ
تتحرك دون غاية أو خالق على حدّ ديمقرطيس .ّ
وتصورات حول ّ أ ّما العقل في المنظومة الفكريّة العربيّة اإلسالميّة فهو عبارة عن مجموعة أفكار
ّ/للا) بما يعني ّ
أن البنية األلوهيّة واإلنسان والكون ،هو رؤية للعالم لتحقيق انسجام ثنائيّة (اإلنسان ّ
العقليّة تتض ّمن مجالين :مجال المعرفة والتّنظير ومجال الممارسة والتأسيس وهذا ما كان الجاحظ
( 150ه 255/165-ه )واعيا به فهو وإن خاض في مسائل معرفيّة /علميّة فلسفيّة /عقائديّة ...فليثبت
2
ّللا تعالى وبالحكمة
متقربا إلى ّ
ّ قدرة هللا في الكون وليدافع عن شريعته بأدلّة عقليّة فيكون بالدّين
ّللا تعالى في هذا العالم " وليكون عم ُل الدّنيا سلّما إلى عمل اآلخرة وليترقّى من
متصفّحا لقدرة ّ
معرفة الحواس إلى معرفة العقول ومن معرفة الرويّة من غاية إلى غاية حتّى ال يرضى من العِلم
والعمل ّإال بما أدّاه على الثّواب الدّائم ونجّاه من العقاب األليم " الحيوان ج 2ص)116
صادر يقول ح ّمادي ص ّمود في مقال بعنوان الوعي باألجناس األدبيّة في كتاب الحيوان للجاحظ ال ّ
في مجلّة حوليات الجامعة التّونسيّة العدد 2001 45ص " 206المعنى األسنى عنده (الجاحظ)
هو الحكمة باعتبارها مدلول الكون بما فيه .يقول صاحب الحيوان في جملة نعتقد أنّها تحيط
بتصوره للوجود وتكشف غايته من التّأليف :ووجدنا كون العالم بما فيه من حكمة .وبناء على معنى
ّ
المعاني هذا ومقول ِة المقوالت ،سيُرتّبُ الموجودات في أقسام وأصناف تخدم مباشرة غرضه وتُعينُه
ي من التأ ّمل في الخلق ".
على إقامة مشروعه الفكر ّ
السر تحقيق عبد السّالم هارون دار الجيل المجلّد 1ص "141 ّ ويقول الجاحظ في رسالة كتمان
وإنّما س ّمي العقل عقال وحجرا ،قال تعالى "هل في ذلك قسم لذي حجر ألنّه يزم اللّسان ويخطمه
والمضرة ،
ّ ويُش ّكله ويُريّثه ،ويقيّد الفضل ويعقله على أن يمضي ُفرطا في سبيل الجهل والخطأ
كما يعقل البعير ،ويحجر على اليتيم .وإنّما اللسان ترجمان القلب ،والقلب خزانة للخواطر
شهوات واألهواء وتنتجه وشر ،وما تولّده ال ّ
ّ واألسرار وكل ما يعيه من ذلك عن الحواس من خير
الحكمة والعلم " ...فإذا رحنا نتساءل عن الغرض الذي نزع إليه الجاحظ من وراء كتبه أساسا
أن االستدالل على وجود الخالق واالهتداء إلى والرسائل والهدف الذي يرمي إليه التّضح ّ
الحيوان ّ
بديع حكمته وبالغ قدرته وكمال وحدته من خالل ما تجلّي في مخلوقاته وكائناته هو هدفه األسمى
يقول مح ّمد عبد المنعم خفاجي في كتابه أبو عثمان الجاحظ دار الكتاب اللّبناني بيروت ط 1973 1
ّللا
ص.ص " 159/158وكان الجاحظ يميل إلى استخدام العقل واالعتماد عليه في تفسير كتاب ّ
صحيح عنده أساس من أسس التّشريع ّللا على ظاهر معناه فالعقل ال ّ
ويُخاصم من يُفسّر كتاب ّ
شكل الذي يوضع عادة وهو القياس المفيد في عرف الفقهاء"...إضافة إلى ووضعه في شكل غير ال ّ
صة والعا ّمة على حدّ السّواء والعمل على إزالةنشر بذور المعرفة والثّقافة والوعي في صفوف الخا ّ
ما علق ببعض األذهان من معتقدات خاطئة وأوهام كاذبة
النرى لزاما أوان دراستنا لمسألة المنزع العقلي في األدب العربي القديم أن نهت ّم بالعقل من حيث
ألن من شأن ذلك أن يُدخلنا في متاهات فكريّة نحن في غنى عنها بنيته ومن حيث هو مقولة فلسفيّة ّ
أن أدباء المنزع العقلي لم يُنسّقوا أفكارهم تنسيقا دقيقا شامال ولم يتناولوا مواضيع معرفيّة أو ذلك ّ
طبيعة /فلسفة العلوم /فلسفة األخالق )...بل ألّفوا كتبا موسوعيّة كثيرة فلسفيّة بعينها (فلسفة ال ّ
شملت مو اضيع مختلفة متآلفة أحيانا متداخلة أحيانا أخرى فالجاحظ خاض في مسائل المعرفة والعلم
والدّين واألدب والسّياسة واالجتماع وغرائب الحيوان والفنون ...وتبعا لذلك تجلّى المنزع العقلي
في مجاالت متعدّدة يمكن إجمالها في جملة من الثّنائيات :العقل واألدب /العقل والنّقل /العقل
والمعرفة /العقل واإلنسان /العقل واألخالق ...وهي ثنائيّات إذا جمعنا شتاتها وألّفنا بينها تم ّكنّا من
يتحرك في حدودها العقل العربي ّ معرفة آليات اشتغال المنظومة الفكريّة العربيّة والمجاالت التي
3
-1-4العقل واألدب :من البكائيّة والغنائ ّية إلى العقالن ّية
التصور الذي تنقله ال ّلغة العربيّة المعجميّة يرتبط دوما بالذّات وحاالتها الوجدانيّة
ّ إن العقل فيّ
طبيعة وأحكامها القيميّة م ّما يجعله متّجها دوما إلى السّلوك البشري بالدّرجة األولى ث ّم إلى ال ّ
وظواهرها فهو في نفس الوقت عقل وقلب وفكر ووجدان وتأ ّمل وعبرة ،ولئن كانت لفظة العقل
صدمة الحضاريّة فإن استعمالها في إنشاء المعرفة حديث ولّدته تلك ال ّ
مألوفة في األدبيّات العربيّة ّ
مع األمم األخرى عن طريق التّرجمة التي أوجدت توجّها جديدا في األدب العربي القديم وكان البدّ
من االنتقال -أو على األق ّل المزاوجة بينهما -من خطاب وجداني (البكاء على األطالل /العشق
طبيعة بمختلف ظواهرها فحصل /الجنون )...إلى خطاب عقلي موضوعه اإلنسان بك ّل أبعاده وال ّ
التحول مع الجاحظ في مضامين األدب فأضحى العلم والمنطق في خدمة األدب تأثّرا بالمنطق ّ
أن العصر يحتاج اليوناني وبالمنظومة االعتزاليّة ودعا إلى أن يكون األدب "خزينة المعارف " ذلك ّ
إلى المنظومة الموسوعيّة وقد واكب تلك الحاجة إحساس مستحكم في نفوس أدباء تلك الفترة
بضرورة األخذ من اآلخر دون أن يُلغي ذلك إنشاء معقوليّة عربيّة تنقد حينا وتتجاوز أخرى وتبدع
ثالثة
صة وأدباء المنزع العقلي عا ّمة ممارسة ضرب من التّفكير وبهذا الوعي الجديد أمكن للجاحظ خا ّ
العقالني جعل من القيم السّائدة موضوع تساؤل وعيا بمنزلة المثقّف في المجتمع متجاوزا بذلك
منهجيّة التقبّل السّائدة وبذلك أصبح التّفكير العقالني موضوعا لألدب وضرورة منهجيّة وفكريّة
إلثبات الذّات أمام الغزو الثّقافي لآلخر يقول الجاحظ في تمجيد العقل (الحيوان ج1ص" )205
ولألمور حكمان :حكم ظاهر للحواس وحكم باطن للعقول ،والعقل هو الحجّة "ويقول في رسالة
إن العيون لتخطىء ّ
وإن التّربيع والتّدوير ص 463.من طبعة مكتبة دار الهالل " 1987ولعمري ّ
صحيحة ّإال للعقل إذ كان زماما علىالحواس لتكذب ،وما الحكم القاطع ّإال للذّهن وما االستبانة ال ّ
األعضاء وعيارا على الحواس " ويقول في الحيوان ج2ص " 544/543معتبرا العقل هبة إلهيّة
أفتظن ّ
أن ّ شأن في العقل والمعرفة واالستطاعة في اإلنسان وهو واحد لدى البشر جميعا " وإنّما ال ّ
يخص بهذه الخصال بعض خلقه دون بعض ،ث ّم ال يطالبهم ّإال كما طالب بعض من ّ هللا ّ
عز وج ّل
أعدمه ذلك وأعراهُ منه ؟ ! فلم أعطاه العقل ّإال لالعتبار والتّفكير "
إن األدب أحد الفنون بل هو أبرزها وأقدرها على التّعبير واالنتشار والتّأثير ول ّما كانت الفنون ّ
فإن األدب يعتبر من أه ّم ركائز محام َل يعبّر اإلنسان من خاللها عن مواقفه من الكون والمجتمع ّ
التّعبير ولذلك ارتبط مفهوم األدب عند الجاحظ بالبيان فكان مرادفا له بمعنى اتّخاذ اللّغة سبيال
للتّعبير عن الذّات والحقيقة يقول الجاحظ في الحيوان ج2ص " 117وهو البيان الذي جعله ّ
ّللا
شبهة ، ومعرفا لمواضع سدّ ال َخلّ ِة ورفع ال ّ
ّ تعالى سببا فيما بينهم ،ومعبّرا عن حقائق حاجاتهم ،
وألن أكثر النّاس على النّاس أفهم منهم عن األشباح المماثلة ،واألجسام الجامدة ّ ومداواة الحيرة ،
ُتعرف ما فيها من دقائق الحكمة وكنوز اآلداب ،وينابيع العلم ّ ،إال ،واألجرام السّاكنة ،التي ال ي ّ
صبر على بالعقل الثّاقب اللّطيف ،وبالنّظر التّام النّاقد وباألداة الكامنة ،وباألسباب الوافرة ،وال ّ
مكروه الفكر ،واالحتراس من وجوه الخدع ،والتّحفّظ من دواعي الهوى "
-2-4العقل والنّقل :نحو إرساء منظومة فكريّة يتناغم فيها العقل مع النّقل
مكوناتها
أن العقل في الفكر اليوناني ينظر إلى األشياء نظرة موضوعيّة تبحث فيها عن ّ ذكرنا سابقا ّ
الذّاتية وع ّما هو جوهري فيها ،أ ّما العقل في األدبيات العربيّة القديمة فإنّه يربط بين العقل وواجد
طبيعة فتصوروا العقل تابعا سواء أكان في بنيته أم في فعله لعقل ثابت وخالد ومفارق لل ّ ّ الوجود
وللعقول الفرديّة معا هو العقل /هللا أو العقل الفعّال فاألدب العربي القديم وإن تجاوز دائرة البكائيّة
شرعيّة فالجاحظ التحرك خارج المقدّس خارج دائرة العلوم ال ّ
ّ والغنائيّة أو زاوج بينهما فإنّه لم يستطع
والرسائل طبائع الحيوان ومشاغل اإلنسان من منظور عقلي صرف فإنّه وإن تناول في الحيوان ّ
والرواة
للرواية ّ التحرك خارج دائرة المقدّس الدّيني فما أقدم عليه من تنقية للتّراث ونقد ّّ لم يستطع
وشكّ في األسانيد والمتون وإخضاع الحيوانات وطبائعها لالختبار ودراسة أحوال الناس وأجناسهم
ّللا ومنزلته وبديع خلقه بمنهج وفق منهج علمي يجري إلى هدف معلوم هو التّدليل على وجود ّ
الزيات " عقلي فتالزم بذلك النقل والعقل يقول الجاحظ في مقدّمة الحيوان متوجّها إلى الوزير ابن ّ
ّللا على إتمامه إذ كنت ألتمس به ّإال إفهامك مواقع الحجج ّّلل وتصاريف ولوال أرجو من عون ّ
تدبيره " يقول فرحات الدّشراوي في مقال له بعنوان منزلة العقل عند ابن خلدون عن هذا التّالزم
بين العقل والنّقل "تطبّعت المعرفة اإلسالميّة في عصور ازدهارها بطابع النّظر العقلي المندمج
شعور والعقيدة فحدث فيها االنسجام المتين بين عنصري العقل والعقيدة انسجاما الروح وال ّ
بطابع ّ
ليس له مثيل في سائر الدّيانات األخرى "
وقد كان تعامل الجاحظ مع المسائل العقائديّة تعامال نقديّا حجاجيّا جدليّا في أحيان كثيرة أسوة
صة أنّه آمن منذ البدء
بمنهجه القائم على العقل لذلك كان تأثير النّقل على عقل الجاحظ ضعيفا خا ّ
بتنمية األجيال للمعرفة اإلنسانيّة ا لمتالحقة يمكن معها الحديث عن " عقل تاريخي " يأخذ من
الحضارات ويُضيف لها أشياء دون أن يدّعي التّمام والكمال
ظام (ت أتيح للجاحظ أن يلقّن مبادئ الحجاج والمناظرة من شيخه أبي اسحاق ابراهيم بن سيّار النّ ّ
231ه) الذي أذكى في نفسه نوازع التطلّع والتّمحيص والنّظر واالستدالل واالستنباط م ّما خلّف فيه
طالع على معارف عصره واإلحاطة بعلوم األوائل عربا ويونانا أثرا بالغا منحه القدرة على اال ّ
األول "االعتزال وفضله " والثّاني وفرسا وهنودا ...وبيان ذلك أنّه ألّف في علم الكالم كتابين ّ
"فضيلة المعتزلة " الفرقة التي لم يُخف الجاحظ االنتماء إليها يقول في رسالة في الحكمين ضمن
الرسائل التّي شرحها علي أبو َملحِ م منشورات دار الهالل بيروت ط 1ص " 380اخترنا االعتزال ّ
ومفخرا " ويقول في الحيوان ج 4ص 206.مدافعا عن المعتزلة "إنّه لوال ً مذهبا وجعلناه نحلة
المتكلّمين لهلكت العوام من جميع األمم ،ولوال مكان المعتزلة لهلكت العوام من جميع النّحل ،فإن
لم أقل ولوال أصحاب إبراهيم وإبراهيم لهلكت العوام من المعتزلة ،فإنّي أقول :إنّه قد أَنه َج لهم
سبال وفتق لهم أمورا واختصر لهم أبوابا ظهرت فيها المنفعة وشملتهم بها النّعمة "
5
وتعود أصول الحجاج في خطاب الجاحظ إلى علم الكالم القائم على البرهنة العقليّة في المسائل
المتعلّقة بطبائع الحيوان وباإللهيات والعقائد ...أين يتوجّب على المتكلّم أن يؤسّس مواقفه الكالميّة
على براهين نظريّة داعمة ومؤيّدة ،لقد أفاد الجاحظ من تم ّكنه من مبحث علم الكالم في حقل األدب
صة ،فالنّاظر في خطاب الجاحظ األدبي يلمس بجالء تا ّم أثر النّزعة الكالميّة عا ّمة والسّرد خا ّ
االعتزاليّة وهيمنتها على أسلوبه يقول الجاحظ عن دواعي تأليفه لكتاب الحيوان " وإن اعتمدنا في
هذه الكتب على األخبار ع ّما في أجناس الحيوان من الحجج المتظاهرة ،وعلى األدلّة المترادفة
شاها من وعلى التّنبيه على ما جلّلها ّ
ّللا تعالى من البرهنات التي ال تعرف حقائقها ّإال بالفكرة وغ ّ
فرق فيها من الحكم العجيبة واألحساس الدّقيقة ، العالمات التي ال تنال منافعها ّإال بالعبرة وكيف ّ
صنعة اللّطيفة ،وما ألهمها من المعرفة وحشاها من الجبن والجرأة "... وال ّ
إن مقاربة طبائع الحيوان عن طريق المعاينة والمشاهدة والمالحظة والحجّة والدّليل وهي خطى ّ
تمث ّل أدوات استقرائيّة تكشف حقائق أجناس الحيوان عن طريق رصد استجاباتها ومعرفة
خصائصها .ويبيّن المعجم اللّغوي الذي يستعمله الجاحظ أثر النّزعة الكالميّة فألفاظ (الحجج
المتظاهرة ،واألدلّة المترادفة ،والبرهانات ،والحقائق ،والعالمات ،واألحساس الدّقيقة تنتمي
ّللا ّ
عز وج ّل لم يردّد إلى لغة المتكلّمين ومصطلحاتهم يقول في الحيوان ج 1ص ّ "209/208
إن ّ
والحث على التّفكير والتّرغيب في النّظر وفي التثبّت والتوقّف ّإال وهو يريد
ّ في كتابه ذكر االعتبار
أن يكونوا علماء من تلك الجهة حكماء من هده التّعبئة"
ينتمي الجاحظ إلى أبرز فرقة إسالمية وهي المعتزلة التي أطلق عليها أتباعها "أهل العدل والتّوحيد
" ألنّهم أسّسوا فرقتهم على أصول خمسة :
ّللا فرديّة ال كثرة فيها بوجه من الوجوه ،وقد تع ّمقوا في معنى -التّوحيد ويتل ّخص في ّ
أن حقيقة ّ
صفات ،وخلق التّوحيد هذا وحلّلوا نتائجه المنطقيّة فتناولوا في هذا المبحث مسائل الذّات وال ّ
الرسائل السّياسيّة جمعها وشرحها القرآن ،تأويل القرآن يقول في رسالة في الحكمين وهي من ّ
علي أبو َملحِ م ص" 380.وقالت المعتزلة هو شيء وليس كمثله شيء ،وليس بجسم وليس
عِلمه بفعل وال صنع ،وإنّما قولنا :له علم كقولنا :هو عالم نريد أنّه ال يخفى عليه خافية "
أن الثّواب على -الوعد والوعيد وهو مبدأ يتعلّق بأعمال اإلنسان وحكمها الدّيني .فهم يعتبرون ّ
وأن العقاب على المعاصي البدّ منه يقول في الحيوان ج1ص .ص 209/208 ي ّالحسنات حتم ّ
ّللا ّ
عز والرديء من الجيّد بالعيون المجعولة لذلك لما جعل ّ " ولوال تميّز المضار من المنافع ّ
أحس الخير) إذا كانت األمور المميّزة عنده ّ وج ّل العيون المدركة ،واإلنسان الحسّاس (الذي
يضر أخذه فيأخذ ما يُحبّ ويدع ما يكره ويشكر ّ أخذ ما يحتاج إليه وترك ما يستغني عنه وما
على المحبوب ويصبر على المكروه حتى يذكر بالمكروه كيفيّة العقاب ويذكر بالمحبوب كيفيّة
الثّواب "
-العدل اإللهي وهو مرتبط بمبدأ الوعد والوعيد وقد حاول المعتزلة التع ّمق في هذا المبدأ
ّللا يريد أن هللا يسير بالخلق إلى غاية ّ
وأن ّ ّللا اليكون مطلقا ّإال إذا اعتبرنا ّ : واعتبروا ّ
أن عدل ّ
وأن اإلنسان خالق ألفعاله يقول الجاحظ في رسالة الشر وال يأمر به ّ ّ ما يكون لخلقه وال يريد
المعاش والمعاد تحقيق عبد السالم هارون ج1ص" 105.دعاهم بالتّرغيب إلى جنّته وجعلها
عوضا م ّما تركوا في جنب طاعته أو زجرهم بالتّرهيب بالنّار عن معصيته و ّ
خوفهم بعقابها
6
والرهبة على حدود العدل وموازين ال َّنصفة وعدّلهم تعديال ّ الرغبة
على ترك أمره...ث ّم أقام ّ
شر يره "
ذرة ّذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ّ متّفقا فقال "فمن يعمل مثقال ّ
أن المعاصي في نظرهم تنقسم إلى صغائر وكبائر -المنزلة بين المنزلتين يستند هذا المبدأ إلى ّ
ومرتكب الكبائر ليس مؤمنا وال هو كافر وإنّما هو بين منزلة المؤمن ومنزلة الكافر وهو يخلّد
ّللا وآمن برسله يقول في رسالة في الحكمين ص" 380.وقالت في النّار ولو صدّق بوحدانيّة ّ
صا وال نس ّميه
المعتزلة هو فاسق (من شهد ولم يعمل واعتقد :التعريفات الجرجاني) كم س ّماه ن ّ
كافرا فيُلزمنا أن نلزمه أحكام الكفّار وليس ذلك حكمه ،وال نقول مؤمن ،فيلزمنا واليتُه ومدحه
وإيجاب الثّواب إليه ،وقد أخبرنا ّ
ّللا تعالى أنّه مشؤوم من أهل النّار ،فنزعم أنّه في النّار مع
الكافر وأنّه ال يجوز أن يكون في الجنّة مع المؤمن "
-األمر بالمعروف والنّهي عن المنكر يعمد الجاحظ في كتاباته إلى عقلنة السّلوك وصوال إلى
هدف وهو سعادة الدّارين أو الفوز بالمعاش والمعاد
تمثّل هذه األصول مبادئ المعتزله التي ينبغي التّسليم بها واإلقرار بصحّتها عن طريق المحاججة
أن العقل هو طريق المعرفة ّ
وأن العقليّة المفضية إلى الدّالالت المؤيّدة ،ويكاد المعتزلة يجمعون ّ
ّللا الذي اليعرف بطريق الضّرورة وال بطريق المشاهدةاالستدالل العقلي يقود حتما إلى معرفة ّ
للحواس وحكم باطن
ّ يقول في الحيوان ج 1ص.ص " 205/204ولألمور حكمان :حكم ظاهر
للعقول والعقل هو الحجة "
لقد أرسى المعتزلة دعائم حركة عقليّة واسعة كان لها أكبر األثر في فكر الجاحظ وأدبه إذ دعا إلى
شرعيّة من جهة وأساليب احترام العقل وتمجيده والتّعويل عليه في استنباط الكثير من األحكام ال ّ
التّفكير السّليم من جهة أخرى
-3-4العقل والمعرفة :نحو إرساء معرفة عقليّة وإرباك ثقافة الت ّسليم وإقامة حضارة الحوار
والجدل الفكري
ك ّل االتّجاهات العقليّة في أدبنا العربي القديم صريحة في ربط العقل بالتّجربة والبرهان والعقل
شموليّة فال نراه يؤمن كثيرا بما يصله من أخباري ينشد المعرفة اليقينيّة وال ّ
الجاحظي هو عقل عمل ّ
أن الدسّاس تلد "...فك ّل معرفة ال تحصل عن طريق التّجربة وروايات "زعم ابن أبي العجوز ّ
هي معرفة ظنّية ،وهذا ما جعل العقل عند الجاحظ همزة وصل بين اإلنسان واإلنسانيّة باعتبار
المعرفة ال يمكن أن يستأثر بها جيل دون جيل أو عصر د ون عصر بل هي حلقات متواصلة متكاملة
ّللا وحكمته من خالل ومتعاقبة وتغدو الحقائق العلميّة مع التّجربة حقائق وجوديّة تبرهن على وجود ّ
مخلوقاته فكيف أرسى الجاحظ قواعد المعرفة العقليّة ؟
الرواية /الخبر
أّ /
صي الحقائق لدى الجاحظ إلى تتبّع المصادر من مؤلّفات قديمة أو معاصرة له الرغبة في تق ّ
قادت ّ
صي إلى تلقّط
الرغبة في التق ّ
ومن شعر عربي ومن آيات قرآنيّة ومن أحاديث نبويّة ،كما قادته ّ
األخبار فراح يقارن بينها وبين األقوال مناقشا تارة هازئا ومستغربا تارة أخرى ولطالما نقد الجاحظ
وجروا النّاس إلى الضّالل العلميّ والرواة والمفسّرين ألنّهم طالما أفسدوا الحقائق
ّ المحدّثين
ظام يقول في الحيوان ج1والمذهبي وهو كثيرا ما يهاجمهم في كتبه وينهج في ذلك منهج أستاذه الن ّ
فإن كثيرا منهم يقول بغير رواية على غير أساس ص " 343.ال تسترسلوا إلى كثيرا من المفسّرين ّ
7
" فهو – الجاحظ – قليل الثّقة كثير الشكّ لعلمه بطبيعة البشر وميلهم إلى التّحريف والتّزييف لكن
فإن مصدر المعرفة عند الجاحظ يبقى الخبر ومنتهى الخبر أن يُثبت أو يُلحق بالقياسشك ّرغم ذلك ال ّ
العقلي والتّجربة لذلك فوسائل المعرفة عند الجاحظ ثالث :
الرواة الثّقاتالرواية التي ال شكّ في صحّتها من نوع ما يرويه ّ أ /الخبر القاهر :يقصد به الجاحظ ّ
ّ
يقول "إذا لم تأتنا في تحقيق األخبار شعر شائع أو خبر مستفيض لم نلتفت لفتة " ويتجلى روح
طئه في أمور كثيرة مقدّما البراهين الجدل الفكري عندما عرض الجاحظ لكتاب أرسطو وراح يُخ ّ
والحجج ذاكرا أقوال العرب يقول "وقد سمعنا ما قال صاحب المنطق وما يليق بمثله أن أخذ على
نفسه في الكتب شهادات ال يحقّقها االمتحان وال يعرف صدقها أشباهه من العلماء " ونجده أحيانا
أخرى يعذره ويلوم المترجمين الذين لم يحسنوا نقل فكرته نقال صحيحا
ظاهر :يقصد به المعاينة والتّجربة أ ّما المعاينة فترتكز أساسا على مالحظة الحيوان ب/العيان ال ّ
في طريق عيشه وطباعه وغرائزه " وليس يشفيني ّإال المعاينة "أ ّما التّجربة فتكون عادة لتصحيح
الخبر وتقريره إن ثبتت استقامته يقول الجاحظ في الحيوان ج 4ص " 123والحيّة مشقوقة اللّسان
وأظن أنّه ل ّما رأى افتراق
ّ أن لبعض الحيّات لسانين وهذا عندي غلط سوداؤه ،وزعم بعضهم ّ
طرف اللّسان قضى ّ
بأن لها لسانين "
مقومات أساسيّة تقوم على مراحل أه ّمها: وقد عمد الجاحظ إلى أن يجعل لهذا العقل التّجريبي ّ
ألن في تنويعها سعيا إلى الت ّدقيق فيغيّر الحوافز واألمكنة والنّماذج -تعديد التّجارب وتنويعها ّ
ألن في تعدّد الحقائق انبعاث االطمئنان ووصوال إلى اليقين ّ
يمررها على محكّ العقل -اعتماده تجارب غيره من الثّقات ممن ال يورد أخبارهم ّإال بعد أن ّ
يقول في الحيوان " وخبّرني من ال أردّ خبره "
شخصيّة الستخراج القانون بعد مراجعة المادّة وغربلتها وتصحيحها -اعتماده على التّجربة ال ّ
ومعاينتها إيمانا بمبدأ "ال تُشفني ّإال المعاينة "
ج /الشكّ المنهجي :لم يكتف الجاحظ بالشكّ أساسا من أسس منهجه في البحث العلمي بل عرض
لمكانة الشكّ وأه ّميته من النّاحية النّظريّة في كثير من مواضع كتبه ،ومن أه ّم ما قاله في ذلك في
الحيوان ج 6ص " 35.فاعرف مواضع الشكّ وحاالته الموجبة له لتعرف بها مواضع اليقين ،
تعرف التوقّف ث ّم والحاالت الموجبة له وتعلّم الشكّ في المشكوك فيه تعلّما فلو لم يكن في ذلك ّإال ّ
التثبّت ،لقد كان ذلك م ّما يُحتاج إليه ".فالجاحظ يردّ الشكّ لمحض الشكّ ،وال يقبل أن يكون الشكّ
إن الشكّ الجاحظي هو شكّ منهجي طريقة ذاتها ّ . كيفما اتّفق وال في ك ّل أمر على حدّ سواء وال بال ّ
فقد أراده طلبا للحقيقة الجليّة الواضحة التي ال تقبل تفاوتا في الدّرجات
فالمعرفة عند الجاحظ تخضع للقياس والتّجربة والمعاينة واالختبار واالستفسار وسلوك طريق
الزمن وعلى هذا األساس ألغى بتطور ّ
ّ تتطور
ّ الشكّ الموصل إلى المعرفة وبرد اليقين والمعرفة
الجاحظ الحواجز بين الحضارات في سبيل إدراك الحقيقة وراجع األرصدة وحاول تنقيتها من
ي سالح الشكّ طريقا إلى ضالالت والنّقائص وحاول أن يسلّط على المنقول والمسموع والمرو ّ ال ّ
اليقين
د/العقل المستد ّل :وهو الحجّة النّهائيّة والمرجع األخير في تصحيح األخبار وتصويب المعاينة
ألن الحواس تخطئ وبالعقل يكون اليقين ويبقى العقل المستد ّل الملكة القادرة على تأسيس المعرفة ّ
يقول في الحيوان ج1ص " 204فال تذهب إلى ما تريك العين واذهب إلى ما يريك العقل "
سس ال يكتمل ّإال بالعقل -4-4العقل واإلنسان :اإلنسان مشروع يتأ ّ
8
أن العقل عنده يرتبط على الدّوام بالسّعادة فيصة ّ ثنائيّة العقل /اإلنسان مبثوثة في كتب الجاحظ خا ّ
المعاش والفوز بالمعاد فكيف يحقّق العقل جوهر اإلنسان فعليّا أو كيف يستكمل العقل اإلنسان
استكماال أخيرا ؟
أ /البعد االجتماعي:
اخضع الجاحظ اإلنسان والمجتمع عموما إلى التأ ّمل العقلي فكشف أدبه عن نزعة إنسانيّة تجلّت
في الدّعوة إلى تالقح الحضارات بتبادل المعارف وتنميتها عبر األجيال بعد تدقيقها وتحقيقها ،كم
شعوبيين الذين ثلبوا العرب وقد كان في ردّ الجاحظ دعا الجاحظ إلى نبذ العصبيات في ردّه على ال ّ
صب الضيّق واالنتماء العرقي رغم الكثير من الموضوعيّة والنّزاهة وكثيرا من الترفّع عن التع ّ
الزنوج لضعف في عقولهم يقول في رسائله ميله للجنس العربي فنجده يحاجج من أرجع سخاء ّ
تحقيق عبد السالم هارون ج1ص "130وقد قال ناس :إنّهم صاروا أسخياء لضعف عقولهم ،
ولقصر روياتهم ...فقلنا لهم بئس ما أثنيتم على السّخاء واألثرة ،وينبغي في هذا القياس أن يكون
أوفر النّاس عقال وأكثر النّاس علما أبخل النّاس بُخال وأقلّهم خيرا " والجاحظ درس أحوال
أن كل أ ّمة وكل جنس يتّصف بصفات وخصائص يمتازبها المجتمعات ووصل بعد نظر عقلي إلى ّ
شعر والعناية باللّغة ،وقيافة األثر وحفظ األنساب عن غيره فوجّه العرب قِواهم واهتمامهم إلى قول ال ّ
وتعرف األنواء والبصر بالخيل والحرب فبلغوا في ذلك الغاية وأدركوا ك ّل أمنية ّ واالهتداء بالنّجوم
صغَار الجزية ،ولم ،ولم يكونوا أصحاب تجارة أو صناعة أو طبّ أو حساب أو فالحة لخوفهم من َ
يكونوا فقراء حتّى اإلدقاع وال أغنياء إلى الحدّ الذي يورث البالدة ،وإنّما كانوا أصحاب أذهان حدا ٍد
ونفوس أبيّة وإحساس مرهف ،وك ّل هذا يتالءم مع حياة البداوة والفيافي ويُعين على النبوغ في
اآلداب (رسالة مناقب التّرك ج 1ص 69وما بعدها ومثل هذا الكالم نجده في الحيوان والبيان
والرسالة العثمانيّة والعبّاسية ) ومثلما تحدّث عن العرب تحدّث عن التّرك يقول في نفس والتّبيين ّ
الرسالة – مناقب التّرك -ج1ص " 71أ ّما التّرك فلم ينصرف اهتمامهم وانشغالهم إلى الطبّ والتجارة ّ
وشق األنهار وجباية الغالّت وإنّما كانوا أصحاب عمد ّ صناعة والفالحة والهندسة وال إلى البنيان وال ّ
صيد وس ّكان فياف وأرباب مواش ،وهم أعراب العجم ،ولم يكن ه ّمهم غير الغزو والغارة وال ّ
الرسالة
وركوب الخيل ومقارعة األبطال وطلب الغنائم " ويقول عن اليونانيين في نفس ّ
وتفرغوا للنّظر في األسباب والعلل ألنّهم لم
ّ ج1ص" 186/167أ ّما اليونانيون فقد اهت ّموا بالفلسفة
يكونوا تجّارا أو صنّاعا بأكفّهم ،وال أصحاب زرع وبناء وغرس وال أصحاب جمع ومنع وحرص
يفرغون المف ّكرين ويجرون عليهم كفايتهم . وكدّ ،وكان الملوك ّ
ب /البعد السياسي
الرسائل ويمكن إجمال هذه اآلراء صة ّ وردت آراء الجاحظ السّياسيّة مبثوثة هنا وهناك في كتبه خا ّ
والمواقف في :
بدأ اتّصال الجاحظ بالسّلطة في البصرة متردّدا على دار اإلمارة في مناسبات عدّة وتع ّمقت -
عالقته بالسّلطة لتبلغ شأنا كبيرا في خالفة المأمون فكان من بين الذين أنيط بهم إعداد الكتب
والرسائل في موضوع اإلمامة ،وفي بغداد أصبح يتردّد على بالط المأمون فاستكتب في ديوان ّ
أن هدا األخير لم يكن شديد واستمرت صلة الجاحظ بالسّلطة في خالفة المتو ّكل غير ّ ّ الرسائلّ
طد عالقاته برجاالت الدّولة اآلخرين ،وال سيما الوزراء منهم الحماسة لعالقاته وفي األثناء و ّ
الرجل بالسّلطة وطيدة حيث كان يتحدّث بصفة فأهداهم كتبه ورسائله ومصنّفاته لذلك كانت عالقة ّ
االنتساب إليها "أصحابنا وخلفاؤنا وملوكنا " وربّما قاده ذلك إلى اإلسهام في صنع سياسة الدّولة
9
وصياغة مقوالتها والمشاركة في توجيهها فقد كلّفه المأمون بوضع رسالة في موضوع اإلمامة
(رسالة الردّ على النصارى )
دافع الجاحظ في رسالتيه الموسومتين بالعبّاسيّة التي نشرها حسن السندوبي ورسالة في -
الرسول حين انتقد سياسة ك ّل حق العلويين في ميراث ّ الحكمين التي شرحها علي أبو ملحم عن ّ
الرسالة األولى لقضيّة إرث الخالفة باألصل ،وصوال تعرضت ّ من أبي بكر وعمر تجاه المسالة فقد ّ
طريق (انظر كتاب الجاحظ حياته وأثاره لطه الجابري القاهرة حق العبّاسيين فيها عن هذا ال ّ
إلى ّ
الرسالة العبّاسية " ص77 )1962إضفاء لطابع القداسة على تولّي العبّاسيين للخالفة يقول في ّ
وأن أسبابهم غير أسبابنبوة ّوأن ملكهم في مغرس ّ بحق العصبة والعمومة ّ ، أنّهم ملكوا بالميراث و ّ
بني مروان "...وبذلك يكون قد خالف المعتزلة التي تقول باالختيار في تولّي اإلمامة ويقول في
ّللا – هذه سيرته وطريقته في أدنى أوليائه ، رسالة في الحكمين ص " 381فمن كانت – حفظه ّ
فكيف تظنّه في أرفع أوليائه ،فهذا ما ال يح ّل لي أن أظنّه بعلي بن أبي طالب "
أن الخروج تعرض إلى مسألة الخروج عن السّلطان ليعتبر ّ في رسالته الموسومة بالعثمانيّة ّ -
عليه أمر غير ممكن عمليّا ونظريّا فدعا إلى ضرورة القبول والتّسليم بالسّلطان القائم واصفا
متأول ناقم ،ومن محكوم ساخط ،ومن ّ
"فإن السّلطان ال يخلو من ّ المعارضة بصفات سلبيّة يقول
طل متصفّح ،ومن معجب برأي ذي خطل في بيانه ... ،ومن معدول عن الحكم زار ،ومن متع ّ
محروم قد اضطغنه الحرمان ،ومن لئيم قد أفسده اإلحسان ،ومن مستبطىء قد أخذه إضعاف
صارم بطاعتها حقّه ...وصاحب فتنة خامل في الجماعة رئيس في الفرقة " فالعا ّمة "كالس ّكين ال ّ
التهور إذا خرجت عليه " (العثمانيّة ص 252تحقيق عبد السالم هارون ّ لإلمام ،لكنّها شديدة
القاهرة )1955
قوة العقل والعلم والحزم والعزم وأن يكون شروط الواجب توفّرها في إمام المسلمين ّ من ال ّ -
مشهورا معروفا بالفضل ال يطمع أحد في مجاراته ومنافسته " وانفراد السّيد بالسيادة كانفراد
الرؤساء تجتمع الكلمة وتكون األلفة ،ويصلح شأن الجماعة اإلمام باإلمامة وبالسّالمة من تنازع ّ
،وإذا كانت الجماعة انتهى األعداء وانقطعت األهواء "(الجاحظ فصل من صدر كتابه "الجوابات
في اإلمامة ص 230تحقيق يحيى الجبوري مجلّة المورد بغداد عدد 4ص 229
10
شرائح االجتماعيّة وفق االنتماءات المهنيّة وقد تناول في كتبه ورسائله أخالق مختلف الفئات وال ّ
ووفق االنتماءات الجغرافيّة أو العرقيّة وحتّى وفق الخصائص البيولوجيّة أو الفيزيولوجيّة فوفق
الرسائل التّالية :فخر السّودان على البيضان /ومناقب التّرك /والعبّاسية
االنتماء الجغرافي كانت له ّ
الرسائل التّالية :ذ ّم أخالق الكتّاب /والمعلّمين /والقيان
والنّابتة ...ووفق االنتماء المهني كتب ّ
الرسائل التّالية :
طبيعة والخصائص البيولوجيّة والفيزيولوجيّة كتب ّ /وطبقات المغنّين ....ووفق ال ّ
مفاخرة الغلمان والجواري /والنّساء /والبرصان والعرجان والعميان والحوالن ( ...انظر كتاب
عزت السّيد أحمد منشورات اتّحاد العرب دمشق )2005 فلسفة األخالق عند الجاحظ للدّكتور ّ
ُعدهن عن اتّباع األخالق المحمودة في رسالة القيان ص.ص84/83 ّ يقول في ذ ّم القيان نتيجة ب
"وكيف تسلم القينة من الفتنة أو يمكنها أن تكون عفيفة ،وإنّما تكتسب األهواء وتتعلّم األلسن
واألخالق بالمنشأ وهي تنشأ من لدن مولدها إلى أوان وفاتها بما يصدّ عن ذكر ّ
ّللا من لهو الحديث
،وصنوف اللّعب واألخانيث وبين الخلفاء والمجّان ،ومن ال يسمع منه كلمة جدّ وال يرجع منه إلى
ثقة ،وال دين وال صيانة مروءة "
تحرر المجتمع واختالط أجناسه كما كان له موقف ّمما انتشر في عصره من ظاهرة اللّواط نتيجة ّ
وما أفرزه من أنماط سلوكيّة مستهجنة من المجون والخالعة والعبث نجد لها صدى في قصائد
الرسائل " والذي شار بن برد /أبو نواس /سلم الخاسر /والبة بن الحباب )..يقول في ّ شعراء (ب ّ
ال ّ
ُعوض في اآلخرة ّ
وعز لم ي ّ شهوة ُمعيبة في نفسها قبيحة في عينها ّ
أن هللا تعالى أن هذه ال ّ
يد ّل على ّ
شهوة الولدان من ترك لوجهه في الدّنيا شهوة الغلمان كما سقى في اآلخرة من تركها في الدّنيا
بالرجال والنّساء بالنّساء انقطاع النّسل وفي انقطاع النّسل بطالن جميع الدّين
الرجال ّ ...وفي اكتفاء ّ
والدّنيا "...ولكثرة ما شاع خبر اللّواط واشتهر ،وكثر الميل نحو تفضيل الغلمان على الجواري في
الرسائل مختلف طبقات المجتمع دفع بالجواري إلى التشبّه بالغلمان في الملبس والمظهر يقول في ّ
"إن من فضل الغالم على الجارية ّ
أن ج 2ص 195تحقيق عبد السالم هارون دار الجيل بيروت ّ
الجارية إذا وصفت بكمال الحسن :قيل :كأنّها غالم " وفي المقابل نجده في رسائله يمتدح الخمرة
يقول في رسالة إلى الحسن بن وهب في مدح النّبيذ وصفة أصحابه " ...وسأصف لك شرف النّبيذ
شيوخ في طبائع الشبّان ويردّ الشبّان في نشاط في نفسه وفضيلته في غيره ...وهو الذي يردّ ال ّ
صبيان وليس يخاف شاربه ّإال مجاوزة السّرور إلى األشر ومجاوزة األشر إلى البطر "... ال ّ
أن اإلفراط والتّفريط أمران مرذوالنوللجاحظ منهج في األخالق يقوم على الوسطيّة فلقد بدا له ّ
ت كما ال يجوز أن يستسهل مسالك التّفريط التي كالهما ،ولذلك ال ينبغي أن يجنح المرء إلى العَن ِ
تبدو يسيرة سهلة ولذلك قال قي رسالة المعاش والمعاد ج1ص 117اإلفراط في الجود يُوجبُ
صة واإلفراط التّبذير ،واإلفراط في التّواضع يُوجب المذلّة ،واإلفراط في الكِبر يدعو إلى مقت الخا ّ
في المؤانسة يدعو إلى خلطاء السّوء ،واإلفراط في االنقباض يوحش ذا النّصيحة ،وآفة األمانة
صدّيق تصديق الكذبة "
ائتمان الخانة ،وآفة ال ِ ّ
.عزت السّيد أحمد منشورات اتّحاد الكتّاب العرب دمشق
(راجع كتاب فلسفة األخالق عند الجاحظ د ّ
2005ص)68.
11
عرف أسلوب الجاحظ بايقاعاته وقصر عباراته واستطراداته مع جمعه بين الجدّ والهزل فكتاب
الحيوان كثرت فيه االستطرادات إذ لم يقتصر فيه على الموضوع الذي يد ّل عليه عنوان الكتاب بل
وتطرق إلى مواضيع من قبيل سياسة األفراد واألمم والجغرافيا ّ تناول فيه معارف طبيعيّة وفلسفيّة
صلة بعلم الكالم يقول في مقدّمة الكتاب " متى والطبّ وعادات األعراب والمسائل العقديّة ذات ال ّ
خرج القارئ من آي القرآن صار إلى األثر ،ومتى خرج من أثر صار إلى خبر ،ث ّم يخرج من
شعر إلى النّوادر ،ومن النّوادر إلى حكم عقليّة ومقاييس شداد ،ث ّم الشعر ،ومن ال ّ
الخبر إلى ال ّ
يترك هذا الباب ولعلّه أن يكون أثقل والملل أسرع حتّى يفضي به إلى مزح وفكاهة "...ومن بين
أساليبه في الكتابة نقف عند :
المالءمة بين اللّفظ والمعنى أو بين المقال والمقام يقول في الحيوان "لك ّل ضرب من الحديث -
ضرب من اللّفظ ،ولك ّل نوع من المعاني نوع من األسماء فالسّخيف للسّخيف ،والخفيف
للخفيف،والجزل للجزل "
الدقّة في األسلوب ينتقي اللّفظ الدّال على المعنى ،ويلتفت في أثناء االنتقاء إلى الجرس -
وقوة الدّاللة وينتقي عادة األلفاظ بمعانيها الحقيقيّة دون أن يميل إلى المعاني المجازيّة واإليقاع ّ
رغبة في مخاطبة عقل القارئ إضافة إلى دقّة األداء اللّغوي ودقّة األفكار والتّراكيب واإلطناب
شعر واألمثال واالستطراد والقدرة على اإلضحاك واإلكثار من االستشهاد بالقرآن والحديث وال ّ
واالبتعاد عن التكلّف
تداخل المعاجم (الفلسفة /المنطق /علم الكالم )... -
التّصنيف والتّبويب :أسلوب يعكس الحرص على التّدقيق واالستقصاء في تتبّع المفاهيم ، -
إن العالمونمذجة الموجودات ضمن أبواب وأصناف وأنواع وأجناس يقول في الحيوان "وأقول ّ
بما فيه من األجسام على ثالث أنحاء متّفق ومختلف ومتضادّ وكلّها في جملة القول جماد
...والحيوان على أربعة أقسام :شيء يمشي وشيء يطير وشيء ينساح "...
ظاهرة الواحدة الرياضي االستداللي المنطقي :يتمثّل في طريقة النّظر إلى ال ّ األسلوب ّ -
درج من العام إلى الخاص ،ومن اإلجمال إلى التّفصيل وتحليلها تحليال قائما على منطق رياضي يت ّ
وصوال إلى ضبط قانون نهائي للمتشعّب باعتماد آلية االستدالل المنطقي من قبيل " ووجدنا كون
العالم فيه حكمة ووجدنا الحكمة على ضربين :شيء جعل حكمة وهو ال يعقل الحكمة ،وال عاقبة
الحكمة وشيء جعل حكمة وهو يعقل الحكمة وعاقبة الحكمة فاستوى بذلك العاقل وغير العاقل
"....
اعتماد أساليب الدّحض وإسقاط حجج الخصم عنده :طرح مسألة أو رأي بهدف تخطئته -
وبيان تهافته ومواضع تضاربه مع العقل مع تقديم الحجج ال ُمضادّة واألمثلة التي تنقضه ومن
والتدرج من قضيّة إلى أخرى ّ شي طعن في تسلسل القضايا وبيان اختالل التم ّ وسائله في ذلك ال ّ
وكشف الت ّناقض في حجج الخصم واستخدام الحجج المضادّة أو السّالبة
الموضوعيّة :في النّظر إلى األشياء فال يتجنّى على أحد ّإال بما فيه أو على ماقاله ويعرض -
إلى ك ّل األراء قبل أن يدلي برأيه "قالوا ....وقد قال ناس ...فقلنا"
األسلوب الحجاجي : -
أ /تعريف الحجاج :هو مجموع تقنيات الخطاب التي من شانها أن تؤدّي باألذهان إلى التّسليم بما
يعرض عليه من أطرروحات ،أو أن تزيد من درجة ذلك التّسليم "برلمان وتيتكا " وهو العمليّة
والتصورات لدى مخاطبه بالوسائل اللّغويّةّ التي يسعى من خاللها المتكلّم إلى تغيير نظام المعتقدات
12
.فالحجاج يهدف إلى التّأثير في فكر المتل ّقي وحمله على تعديل رؤيته أو مواقفه أو تعديل سلوكه
تمش عقلي يقوم على التّفكير والمنطق من جهة وإلى التّأثير بشتى الوسائل الوجدانيّة ّ باالستناد إلى
صياغة واألسلوب واألدوات الحجاجيّة والنّفسيّة من جهة أخرى ،مع توظيف الوسائل اللّغويّة (ال ّ
المتنوعة )
ّ
ب /بنية النصّ الحجاجي :وتقوم على ثالثة أقسام كبرى :
-طرح القضيّة التي يراد تأييدها أو دحضها
القوة في المقولة التي يراد دحضها باستخدام األدلّة والحجج -تحليل جوانب ّ
صل إلى نتيجة يخلص إليها التّحليل السّابق (تأييد القضيّة أو إسقاطها ،أو اتّخاذ موقف -التو ّ
توفيقي من هذا وذاك
ج /وظائف الحجاج عند الجاحظ :ال تخرج وظائف الحجاج عنده عن الوظائف التي يُستخدم من
أجلها الحجاج عا ّمة ويمكن اختزاتها في أربع وظائف :
شرع من وجهة -1اإلفناع وهذا ما نجده بكثرة في مناقشة المسائل االعتقاديّة إلثبات مقوالت ال ّ
نظر عقليّة
-2المداولة :وهي التي يكون فيها الحجاج وسيلة التّخاذ قرار بأفضل الحلول كأن يطرح
قضيّة أو يبسط أطروحة فيعرض أكثر من رأي فيها أو أكثر من تقسير أو تأويل لها ث ّم يتصدّى
لها من جوانب الضّعف بالنّقد والتّجريح وصوال إلى ترجيح رأي أو ح ّل أو إلى استبقاء صحّتها
(رسالة فخر السّودان على البيضان )
-3إثبات صحّة كالم أو رأي أو حكم :ويكون بطرح مسألة أو بسط رأي بهدف إثبات أوجه
صحّته واالحتجاج له باألدلّة الدّاعمة فكثيرا ما يعمد إلى تأكيد أقوال شيوخه وأساتذته من أئ ّمة
صالح .
االعتزال وكذلك آراء السّلف ال ّ
صة فيما تعلّق بالمسائل األخالقيّة -4تغيير موقف أو سلوك خا ّ
وتنوعت نذكر منها :
ج /أنواع الحجج :تعدّدت الحجج في كتابات الجاحظ ّ
-الحجج الواقعيّة أو حجج استدعاء الواقع إ ّما مباشرة عن طريق المعاينة والتّجربة أو عن
شهادات "حدّثني صديق أنّه حبس كلبه " " صية وروايات ال ّ طريق الوثائق مثل ال ّ
شواهد الن ّ
ّللا خلق
أن ّشاهد والمثل ) أو االنطالق من المسلّمات والبديهيات "اعلم ّ ومدار العلم على ال ّ
خلقه ،ث ّم طبعهم على حبّ اجترار المنافع ودفع المضار "
-حجّة السّلطة :االستشهاد برأي أو بسلوك شخصيّة تعدّ مرجعا أو سلطة في المجال لمنزلتها
أو شهرتها "فقد كان إسحاق من معادن العلم "
وم،والروم أبعد رؤية وأشدّ
ّ الر
صقالبة أبخل من ّ -حجّة القياس أو حجّة المنطق "وقد رأينا ال ّ
صقالبة أسخى أنفُسا وأسمح أكفّا منهم "عقوال.وعلى قياس قولكم أن قد ينبغي أن تكون ال ّ
برية وأخرى بحريّة " ّ
وإن تلك األجناس -حجّة المماثلة :كأن يقول بالمماثلة بين أصناف الحيوان ّ
وإن اختلفت في أمور فإنّها تتشابه وإن هذه األجناس من تلك (...باب الحيّات)
-حجّة المغالطة :عندما يتالعب الجاحظ بالحجج فيعمد إلى تشويه حجّة السّلطة " زعم أصحابنا
...تزعم األعراب وناس من ج ّهال أصحاب األخبار" ومن أدوات التّشويه والتّحريف :التّبسيط
والمبالغة والتّحذير ....
د /األساليب ال ّلغويّة الحجاجيّة ونذكر منها :
صدق يوجب الثّقة والكذب يورث التّهمة " -الموازنة بين الجمل" :ال ّ
13
ّ
ل...ألن التّعليل: -
شرطي التّالزمي "متى ذهب التّمييز ذهب الت ّخيير " أو الربط السّببي باستخدام التّركيب ال ّ ّ -
ّ
...إال "....وغير ذلك من ألوان األساليب المعبّرة عن باستخدام أسلوب الحصر (ما /ال /لم
الشر صرفا لهلك الخلق "...أو قوله في
ّ سابق لالحق "فلو كان التّفكير االستنتاجي واستدعاء ال ّ
الرسائل تحقيق عبد السّالم هارون في تفسير اآلية "وعلّم آدم األسماء كلّها " ولو أعطاه ّ
األسماء بال معان لكان كمن وهب شيئا جامدا ال حركة له "
التّركيب االسمي التّقريري الذي يستعمل في إعالن حقيقة أو إثبات مسلّمة ينطلق منها أو نتيجة -
والرهبة أصال ك ّل تدبير
"الرغبة ّ
ّللا" ويقول "لألمور حكمان ّ صل إليها "أبين الكالم كالم ّيتو ّ
"
االستفهام اإلنكاري لالستبعاد أو الدّحض -
نجد كذلك تراكيب أخرى من قبيل تراكيب القصر "إنّما حثّوا على " إضافة إلى أساليب التّأكيد -
والنّفي والتّمثيل والتّدليل والميل إلى التّأثير في المتلقّي بمخاطبة وجدانه وشعوره عن طريق
شر أو نفعاستثارة مجاالت العاطفة االنسانيّة ومختلف نوازعها وما فيه من ألم أو ضرر أو ّ
باستعمال أسلوب التّرغيب والتّرهيب
-5حدود ال ّنزعة العقليّة عند الجاحظ
تأثّر الجاحظ في كتاباته بالمنظومة الفكريّة والعقائديّة التي ينتمي إليها وهي منظومة المعتزلة -
فرغم خوضه في مسائل معرفيّة تتعلّق بالموجودات الدّنيويّة (إنسان /حيوان /جماد) فإنها بقيت
ّللا في الكون وإثبات مقولة منشدّة إلى غاياته العقائديّة المذهبيّة من خالل السّعي إلى إثبات قدرة ّ
طبيعة وسائ ُل إلدراك عظمة واجد الوجود وليست غاية تدرس لذاتها العدل االلهي فالعقل وال ّ
طبيعة كما في الفلسفة االغريقيّة كاكتشاف قوانين ال ّ
كتابات الجاحظ ال تخلو من نزعة "ايديولوجيّة " من خالل انسياقه وراء انتمائه االعتزالي -
ووراء الجدل الكالمي
سقوط الجاحظ أحيانا في تبريرات ال منطقيّة وخرافيّة ال تقوم على حجج -
صمت " ومنها انّك ال سقوطه أحيانا في التّناقض يقول الجاحظ في رسالة فضل الكالم على ال ّ -
الرسالة ص 231تحقيق عبد السالم ...إال بالكالم " ونجده يقول في نفس ّ ّ ّللا
تؤدّي شكر ّ
صامت لم يدخل الجنّة أبكم " ويقول في رسالة صا بالنّاطق دون ال ّشكر خا ّ هارون " لو كان ال ّ
صمت زين العالم وستر الجاهل " فصل بين العداوة والحسد "ال ّ
الميل غير العلمي إلى ناقل الخبر دون غيره يقول في الحيوان ج 2ص " 13وزعم لي ابن أبي -
أن الدّسّاس تلد ،وكذلك خبّرني به مح ّمد بن أيّوب ابن جعفر عن أبيه ،وخبّرني به العجوز ّ ،
الفضل بن إسحاق بن سليمان فإن كان خبرهما عن إسحاق فقد كان إسحاق من معادن العلم "
ّ
يطمئن إلى فاطمأن إلى إسحاق وهو سياسي تولى الوالية وهو من رجال الدّولة العبّاسيّة ولم ّ
الحواء العارف
ابن أبي العجوز وهو ّ
أدب الجاحظ وإن خاطب العقل وحفّزه على التّفكير والنّظر في شؤون اإلنسان وأحواله وفي -
عالم الحيوان وطبائعه فإنّه خاطب القلب وأمتعه م ّما أضفاه على أسلوبه من أساليب البينان
14
شعر وجمعه بين الجدّ والهزل يقول ابن والحكايات المتعدّدة واألمثال والمراوحة بين النّثر وال ّ
العميد عن كتاب الحيوان " كتاب علم في لباس أدب وأدب موضوعه العلم "
إن المنزع العقلي في األدب العربي كما يبدو في فيما كتبه الجاحظ لم يكن اختيار -6الخاتمةّ :
اعتباطيّا قاد إليه ترف فكري بل إنّه كان في جوهره موقف من العصر ومن قضايا اإلنسان غذّاه
شعور عميق بمنزلة المثقّف في المجتمع ومسؤولياته في تطوير السّلوك الفردي والجماعي وفي
إنشاء المعرفة
ّ
إن المنزع العقلي في األدب العربي القديم :
الجاحظ /كتاب الحيوان :تحقيق عبد السّالم هارون دار إحياء التّراث العربي بيروت ط3 •
1969
/الرسائل :تحقيق عبد السّالم هارون مكتبة الخانجي القاهرة 1979 الجاحظ ّ •
/الرسائل جمعها وشرحها حسن السّندوبي القاهرة 1933 الجاحظ ّ •
/الرسائل جمعها وشرحها علي أبو ملحِ م دار مكتبة الهالل بيروت ط1987 1 الجاحظ ّ •
الرسميّة للمعاهد الثّانويّة سبتمبر2006البرامج ّ •
طه الجابري /الجاحظ حياته وآثاره القاهرة 1962 •
مح ّمد عبد المنعم خفاجي ،أبو عثمان الجاحظ ،دار الكتاب اللّبناني بيروت ط1973 1 •
عزت السّيد /فلسفة األخالق عند الجاحظ منشورا اتّحاد النّاشرين العرب دمشق 2005 د ّ •
( في الكتاب حديث عن عصر الجاحظ ومنهجه العلمي وفلسفة األخالق عنده )
طباعة والنّشر طبيعيّة عند الجاحظ ،دار الهداية لل ّعزام /في الفلسفة ال ّ
د محفوظ علي ّ •
طبيعة عند والتّوزيع ط 1مصر ( 1995استفدنا في هذا الكتاب من المقارنة بين دراسة ال ّ
الجاحظ وعند أرسطو أو بين المنظومة الفكريّة العربيّة والمنظومة الفكريّة االغريقيّة )
ي /نظريّة أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في النّقد األدبي دار الجدالوي مح ّمد عبد الغن ّ •
تعرضه لمفهوم األدب عند الجاحظ عمان /األردن ( 1987استفدنا في هذا الكتاب من ّ
ناصر حامد أبوزيد /دراسة في قضيّة المجاز في القرآن عند المعتزلة المركز الثّقافي •
العربي الدّار البيضاء ط1969 3
المعاجم
ابن منظور ،لسان العرب نط دار صادر بيروت 1968 •
المنجد في اللّغة العربيّة المعاصرة ،دار الشرق بيروت ط2. •
المقاالت
15
د .سمر روحي الفيصل ،أسلوب الجاحظ ،مجلّة التّراث العربي ،اتّحاد الكتّاب العرب •
،دمشق العدد 61السّنة 16أكتوبر 1995
د .مختار فطس ،اإلنسان في أدب الجاحظ ،مجلّة الـتّراث العربي ،اتّحاد الكتّاب العرب •
دمشق العدد 89السّنة 23مارس 2003
د .عبد الكريم اليافي ،كتاب الحيوان ألبي عثمان الجاحظ وعلم الجمال الحيواني ،مجلّة •
التّراث العربي ،اتّحاد الكتّاب العرب دمشق ،العدد 61السّنة 16أكتوبر1995
د .موفّق سالم نوري ،الجاحظ بين الدّعاية السّياسيّة للسّلطة ومعتقده االعتزالي (دراسة •
تعرض فيه إلى مرجعيّات الجاحظ العقديّة نقديّة ) ،جامعة الموصل (مقال رقمي ّ
والسّياسيّة)
ح ّمادي ص ّمود ،الوعي باألجناس األدبيّة في كتاب الحيوان للجاحظ ،حوليات الجامعة •
التّونسيّة العدد 2001/ 45
د.هيثم سرحان ،مرجعيات خطاب الحجاج في أدب الجاحظ (مقال رقمي ) •
قصي المليّح ،مح ّمد الهادي حربوب ،نور الدّين الغيلوفي ،المنزع العقلي وحدة تكوينيّة •
المكونين في التّربية
ّ بالمركز الوطني لتكوين
كمال بوهالل ،المنزع العقلي في األدب العربي دراسة منشورة على االنترنت استفدنا منها •
في القسم المتعلّق بالحجاج
16