You are on page 1of 1

‫الجمعة ‪ 22‬جمادى األولى ‪1431‬هـ ‪ 7 -‬أيار ‪ 2010‬م‬

‫‪II‬‬

‫مفهوم الحقيقة ونظريات الفيزياء الحديثة‬


‫يسمح لنا أن نحصل على معلومات كافية تمكننا من‬ ‫د‪ .‬توفيق شومر*‬
‫معرفة موقع الجسيم في لحظة ما‪ .‬وهذا القياس ال‬ ‫تعتبر النظريات الفلسفية أنها تسعى في المحصلة‬
‫يكون مجرد خيال في وعينا‪ ،‬بل هو انعكاس لشيء‬ ‫النهائية للوصول إلى الحقيقة‪ .‬وتعمل هذه النظريات‬
‫حقيقي يحدث بالفعل وله مردود مادي واضح يمكن‬ ‫على تطوير مناهج مختلفة للبحث عن الحقيقة‪.‬‬
‫متابعته‪ ،‬كأن يكون هناك نقطة على شاشة حساسة‬ ‫لكنها في المحصلة النهائية تقدم لنا مجموعة كبيرة‬
‫أو أن يكون هناك تأثير طاقة مشابه لتأثير الضوء‬ ‫من االجابات الممكنة عن ماهية هذه الحقيقة وهي‬
‫مث ً‬
‫ال‪.‬‬ ‫تختلف في جوهرها من منهج فلسفي إلى آخر‪.‬‬
‫ال ألوضح أنه يحلو‬ ‫هنا ال بد أن أتدارك القول قلي ً‬ ‫وبالتالي فمن المهم لنا أن نفكر بشكل أكثر دقة ماذا‬
‫للبعض القول بأن عملية االختيار لقياس واحدة من‬ ‫نعني عندما نستعمل هذا المفهوم؟ وما هو تعريف‬
‫الخاصيتين المتوافقتين هي عملية اختيار للذات‬ ‫الحقيقة من وجهة النظر الفلسفية اليوم والتي يمكن‬
‫العارفة تؤثر على الواقع الموضوعي المستقل عن‬ ‫من حيث المبدأ االتفاق عليها؟ وما هي االختالفات‬
‫الذات العارفة‪ ،‬وبالتالي تصنع حقيقة األمور بالفعل‪،‬‬ ‫بين التعريفات المختلفة لهذا المفهوم؟‬
‫وبالتالي يؤدي إلى القول بأن وعي الخاصية هو الذي‬ ‫ق��د ي��ك��ون أب��س��ط ه��ذه التعريفات م��ا أصبح‬
‫يخلق الخاصية‪ .‬هذا الموقف المتطرف لدى البعض‬ ‫يعرف بمفهوم "نظرية التطابق ف��ي الحقيقة‬
‫ال يتوافق مع الفهم الفيزيائي السائد والمقبول‬ ‫‪ ." Correspondence theory of truth‬وتقول لنا‬
‫للموضوع‪ .‬فنظرية الكم ال تقول بأن الوعي هو الذي‬ ‫النظرية أن الحقيقة الوحيدة التي يمكننا االعتماد‬
‫يخلق الواقع‪ ،‬وبالتالي يحدد حقيقته‪ ،‬بل كل ما تقوله‬ ‫عليها هي الحقيقة التي تتطابق بشكل مباشر مع‬
‫بأننا ال يمكننا قياس الخصائص بالشكل الذي تقاس‬ ‫الواقع‪ ،‬أو بشكل أوضح أن الفرضيات والقضايا التي‬
‫به هذه الخصائص في العالم الكالسيكي‪.‬‬ ‫نقترحها عن الواقع هي بالضرورة انعكاس مرآوي‬
‫ولكي ينجح هذا الموقف في ذلك فإنه يوضح لنا‬ ‫لهذا الواقع‪ .‬أي يمكننا أن نقول عن شيء ما بأنه‬
‫أن عمليات القياس في الحقيقة هي عمليات قياس‬ ‫حقيقة إذا تمكنا من أن نبين أن هذا الشيء موجود‬
‫آثار الجسيمات التي نقيسها ال للجسيمات بحد ذاتها‪،‬‬ ‫في الواقع‪ .‬كأن نقول "هذه تفاحة حمراء" فإذا ما‬
‫وهو موقف البرجماتيون والمثاليون‪ .‬أي أننا عندما‬ ‫تمكنا من تبيان أن الشيء الذي نشير إليه بأنه تفاحة‬
‫نجري االختبارات في المسارعات النووية‪ ،‬فإننا ال‬ ‫حمراء في الجملة هو في الحقيقة تفاحة حمراء‪ .‬ولكي‬
‫يمكننا أن نتابع حركة الكوركات (جسيمات ما دون‬ ‫نتمكن من أثبات وتبيان أي من الحقائق بحسب‬
‫ذرية) بل مجرد اآلثار التي تتركها خلفها‪ .‬الموقف هذا‬ ‫مفهوم نظرية تارسكي يجب أن تكون حقيقة أن‬
‫يقول بأن الجسيمات توجد فقط لحظة قياسها‪ .‬أي‬ ‫"هذه تفاحة حمراء" واضحة ليس لي فقط بل لكل‬
‫أن مراقبة الجسيمات هو الذي يحولها إلى موجودات‬ ‫ذات عارفة تتمكن من مشاهدة الشيء الذي أشير‬
‫فعليّة‪ .‬لكننا نعرف بأن الوجود المادي كله يتشكل في‬ ‫إليه‪ ،‬فإذا ما تم تأكيد الحقيقة من أكثر من ذات‬
‫النهاية الصغرى من هذه الجسيمات الصغيرة‪ ،‬فإذا‬ ‫عارفة تكون هذه الحقيقة مقبولة وتكون بالفعل‬
‫كانت هذه الجسيمات تأتي إلى الوجود عند انتباهنا‬ ‫انعكاسا لشيء في الواقع هو "التفاحة الحمراء"‪.‬‬
‫لها‪ ،‬فإن ذلك سيؤدي إلى القول بأن الوجود المادي‬ ‫ولكن الحقيقة ال تتعلق فقط بالملموسات المباشرة‬
‫برمته سيأتي إلى الوجود عند مراقبتنا له‬ ‫والتي يمكن لكل مشاهد لها أن يتفق من حيث المبدأ‬
‫هنا تكمن الخرافة‪ ،‬فهل يعقل أن مجرد وعي‬ ‫على كينونتها بحسب التعريف العام لهذه الكينونة‪،‬‬
‫الشيء يؤدي إلى وجود الشيء بالفعل؟ وقبل أن أرد‬ ‫مع االحتفاظ بقبول اإلختالفات اللغوية لتعريف‬
‫على الخرافة على مستوى العالم المجهري لننظر‬ ‫الكينونة التي يتم التعامل معها هنا‪ .‬أي عندما‬
‫إلى الحال في العالم الجاهري‪ .‬القمر سيبقى في‬ ‫نتعامل مع شيء ما ونقول بأنه "بيضة" على سبيل‬
‫السماء سابحاً إذا تمكنا من رؤيته أم لم نتمكن‪.‬‬ ‫المثال يجب أن نقبل بأن هذا التعريف مقتصر على‬
‫الكون الشاسع والذي لم نتمكن من رؤيته المباشرة‬ ‫معظم الناطقين بالعربية‪ ،‬ولكن التعبير المستخدم‬
‫موجود بالفعل وحتى إذا لم نراقبه‪ .‬نعرف بالفعل أن‬ ‫في لغات أخرى قد يختلف‪ .‬ولكن وبما أننا قادرون على‬
‫اإللكترونات (وهي أيضاّ جسيمات ما دون ذرية‪ ،‬على‬ ‫الترجمة من لغة إلى أخرى بحيث ال يتم فقدان المعنى‬
‫الرغم من أنها أكبر بكثير من الكوركات) تسير في‬ ‫يكون االختالف في أستخدام اللفظ المعبر عن الشيء‬
‫أسالك الكهرباء وتوصل لنا التيار الكهربائي‪ ،‬على‬ ‫الملموس أختالفا غير مهم‪.‬‬
‫الرغم من أننا ال نراها‪ .‬ولكنني ال أتوقع من الراهب‬
‫بارلي أن يمسك بسلك كهربائي ويقول لي بأنه ال‬ ‫مستويات المعرفة‬
‫يعي الكهرباء ولذلك فهو لن يصعق ويموت‪ .‬أما إذا‬ ‫ولكي نوضح مجموعة الحقائق التي يمكن االتفاق‬
‫قال لي بأنه بالضرورة يعي الكهرباء ألنه تعلم عنها‬ ‫عليها والتي ال يمكن أن تعتبر ج��زءاً من النقاش‬
‫في المدرسة فهل هذا يجعل من وعيه للكهرباء‬ ‫المحتدم حول الحقيقة ال بد لنا أن نحدد المستويات‬
‫السبب في خلق التيار الكهربائي؟ هذا بالتأكيد تفكير‬ ‫المعرفية التي يمكننا التعامل معها لمعرفة الحقيقة‪.‬‬
‫غريب وغير واقعي في خلق الواقع الموضوعي من‬ ‫المستوى المعرفي األول هو مستوى العالم الطبيعي‬
‫خالل الوعي بهذا الواقع‪.‬‬ ‫المحيط بنا‪ .‬وفي هذا العالم يتم التعامل مع االحداث‬
‫قد يقول البعض إن واقع الكوركات مختلف عن‬ ‫التي تحدث حولنا على أنها حقائق ال نختلف عليها‬
‫الكهرباء‪ .‬لنفترض ذلك لوهلة‪ .‬فهل هذا يعني أن‬ ‫ما دام��ت ه��ذه الحقائق من النوع المباشر الذي‬
‫لحظة وعي الفيزيائي للكوركات ينقلهما من كونهما‬ ‫يشار إليه باستخدام لفظ اإلشارة‪ .‬وتنتمي إلى هذا‬
‫مجرد فكرة إلى كونهما واقعاً؟ فهل أصبح فعل الخلق‬ ‫المستوى مجموعة الحقائق التي يمكن االتفاق‬
‫هنا فعال يقوم به كل فرد واع؟‬ ‫عليها من قبل معظم االتجاهات الفلسفية على أنها‬
‫في الفيزياء ال يمكننا أن نقول بأن الوعي يخلق‬ ‫"حقائق موضوعية" تتجاوز في طبيعتها االختالفات‬
‫المادة ألننا ال يمكننا أن نعتمد على هذا الوعي‬ ‫االبستمولوجية بين هذه االتجاهات‪ .‬ويمكن أيضاً‬
‫باستمرار في عملية تصميمنا للتجارب وتتبعنا لآلثار‬ ‫أن نتجاوز في هذا المستوى االعتراف باألشياء إلى‬
‫التي تتركها الكوركات في المسارعات النووية‪ .‬أن‬ ‫االعتراف بالعالقات بين االشياء‪ ،‬على أن تبنى هذه‬
‫الطاقة والزخم المتشكل من خالل مرور الكوركات‬ ‫العالقات على أساس مبدأ السببية‪ .‬فنستطيع أن‬
‫بالغرف المفرغة ال يمكن أن تعزى لمجرد وعي‪ ،‬فهي‬ ‫نقول أن المسبب الحقيقي للدخان هو وجود النار‪،‬‬
‫تعطي مؤشرات واضحة ويمكن قياسها إذا ما نظرنا‬ ‫أو القول بأن السمك يعيش في الماء أو القول بأن‬
‫إليها بوعينا أم لم نعها على اإلط�لاق‪ .‬إن عملية‬ ‫األكسجين ضروري لحياة اإلنسان‪ .‬كل هذه القضايا‬
‫اختيار التجربة ال يعني أننا خلقنا التجربة ولكننا‬ ‫يمكن وصفها بأنها حقائق ويمكن للجميع أن يتفق‬
‫ببساطة حاولنا أن نختار بين تركيبتين ممكنتين‬ ‫عليها‪.‬‬
‫للتجارب الحسية الواقعية لقياس خصائص معينة‬ ‫بورتريه للعالم ألبرت اينشتاين ـ(ارشيفية)‬ ‫ولكن حال أن نتحول من اإلشارة إلى الشيء الذي‬
‫لهذه الكوركات الحسية‪ .‬وكوننا بالنظر إلى ما نملك‬ ‫نتحدث عنه في الواقع إلى معنى هذا الشيء يصبح‬
‫من تكنولوجيا ال يمكننا أن نصل إلى أجهزة ال تؤثر‬ ‫تصبح المعضلة بالشكل التالي‪ .‬يمكن للمجرب أن‬ ‫نظريات الطبيعة التي نقوم بالكشف عنها من‬ ‫هذه المكونات‪ .‬لكن الفلسفة الوضعية والفلسفة‬ ‫االختالف كبيراً بين الحقائق‪ .‬فإذا أشرنا على سبيل‬
‫في الكوركات ال يجعل من ما نبنيه من تجارب سبباً‬ ‫يختبر واح��دة فقط من خاصيتين متوافقتين في‬ ‫خالل نشاطنا العلمي الواعي‪ ،‬بينما تعتبر واقعية‬ ‫البرجماتية فأنهما تقوالن بأنه من غير المفيد تحديد‬ ‫المثال إلى "بقرة" وقلنا "هذه بقرة" وكان المشار إليه‬
‫في خلق هذه الكوركات ولكنها مجرد أدوات قياس‬ ‫اللحظة نفسها‪ .‬أي عندما يكون الحديث عن الموقع‬ ‫الكينونات الفيزيائية (‪)entity realism‬بواقعية‬ ‫ما إذا كانت تعابيرنا ونظرياتنا عن الواقع والطبيعة‬ ‫بالفعل بقرة فلن يكون هناك خالف حول هذا الشيء‬
‫تمكننا كل مرة من معرفةإحدى الخصائص الدقيقة‬ ‫والزخم على سبيل المثال فيمكننا إما أن نحدد الزخم‬ ‫اإللكترونات والجسيمات والمفاهيم الفيزيائية لكنها‬ ‫هي بالضرورة معبرة عن حقيقة ما يحدث بالفعل‬ ‫على أنه بقرة‪ .‬لكن تختلف الرؤية إلى البقرة بيننا‬
‫للكوركات ونحتاج إلى تجربة من نوع آخر لقياس‬ ‫للجسم أو أن نحدد موقعه‪ .‬وفي لغة ميكانيكا الكم‬ ‫ال تعترف بواقعية النظريات العلمية‪ .‬وبين الموقفين‬ ‫في الواقع والحقيقة‪ ،‬طالما أننا نستطيع أن نتعامل‬ ‫وبين المؤمن بالديانة الهندوسية‪ .‬فبينما نراها على‬
‫خاصية أخرى من هذه الخصائص الواقعية الحسية‬ ‫فإن الفيزيائيين يقولون أن هناك عملية قياس تحدث‬ ‫هناك الواقعية الظاهراتية التي تعترف بأن النماذج‬ ‫مع هذه التعابير والنظريات كأسلوب للوصول إلى‬ ‫أنها الشيء الذي سيتم ذبحه ليتحول إلى طبق من‬
‫ال‪ ،‬بغض النظر إذا ما‬ ‫الموجودة في الكوركات فع ً‬ ‫في كل مرة يتم فيها تحديد لقيمة خاصية متوافقة‪.‬‬ ‫الظاهراتية المعبرة عن العالقات في الطبيعة‬ ‫معرفة جديدة تتعدى معرفتنا االبتدائية عن الواقع‬ ‫اللحم المقلي‪ ،‬ينظر إليه الهندوسي على أنه الكائن‬
‫قسناها أم لم نقيسها‪.‬‬ ‫وخالفاً لما يدعيه البعض‪ ،‬فإن هناك أساليب علمية‬ ‫والمبنية من خالل دراسة الظواهر المحددة هي فقط‬ ‫والطبيعة‪.‬‬ ‫المقدس‪ ،‬واإلختالف بين النظرتين واضح تماماً‪،‬‬
‫باركلي يريد أن يكون تأثير الوعي من النوع‬ ‫معتمدة ودقيقة يمكنها أن تجسد عملية القياس هذه‬ ‫المعبرة عن هذا الواقع الطبيعي بينما النظريات‬ ‫أما الفكر الواقعي فهو الذي يقول بأن النظريات‬ ‫ولكننا هنا ال نتعامل مع المستوى المعرفي األول‪ ،‬أي‬
‫السحري‪ ،‬فينتقل الشيء من كونه فكرة بالوعي إلى‬ ‫في الواقع العياني‪ .‬كل ما في األمر أن عملية القياس‬ ‫العليا والمتعالية ال تعبر عن الحقيقة وإنما هي مجرد‬ ‫والتعابير التي نستخدمها ما هي إال انعكاس للواقع‬ ‫مستوى الطبيعة‪ ،‬لكن مع مستوى آخر هو المستوى‬
‫شيء بالفعل‪ .‬هذا النمط من التأثير هو من النوع‬ ‫هذه تختلف في جوهرها عن عمليات القياس في‬ ‫أدوات رياضية مفيدة‪.‬‬ ‫الموضوعي المحيط بنا‪ .‬بالرغم من أن المنهج‬ ‫الميتافيزيقي‪ .‬وفي هذا المستوى يمكن أن يصل‬
‫الخرافي الذي يصلح فقط لقصص ألف ليلة وليلة‪.‬‬ ‫العالم الجاهري‪ .‬فعندما نقرر أن نقيس موقع جسيم‬ ‫االتجاه الثالث الذي يذهب إليه المفكرون المثاليون‬ ‫الواقعي ينقسم إلى أكثر من مدرسة‪ .‬فالموقف‬ ‫الفرد إلى حقائق مختلفة بل ومتناقضة في كثير من‬
‫لكن الواقع يختلف كثيراً عن خياالت شهرزاد وشهريار‪.‬‬ ‫ما فإننا نعمل على ترتيب أجهزة القياس بشكل‬ ‫أمثال الراهب باركلي فهو الذي يدعي أن الواقع ال‬ ‫الواقعي الكالسيكي يحدد أن نظريات العلم هي‬ ‫األحيان‪ .‬يعتمد هذا المستوى على القناعات الفكرية‬
‫هذا ال يعني أنني ال أومن أن هناك إمكانية لتأثير‬ ‫يكون موجوداً إال إذا تم مالحظته‪ .‬اي أنه وبحسب‬ ‫للفرد‪ .‬ومن الواضح أن النقاش حول مفهوم الحقيقة‬
‫اإلنسان في الطبيعة‪ ،‬بل على العكس أنا ممن يؤمن‬ ‫تعريف باركلي فإن القمر ال يكون موجوداً إال إذا كان‬ ‫في هذا المستوى هو نقاش عقيم لن يوصل إلى أي‬
‫أن هناك الطبيعة كما هي والطبيعة المؤنسنة‪ .‬فأنا‬ ‫هناك ذات عارفة قادرة على رؤيته وهو يختفي عن‬ ‫نتيجة ألنه في األغلب يعتمد على قضايا ومواقف‬
‫أومن أن الطبيعة من دون اإلنسان ضرب من الفوضى‬ ‫الوجود لحظة عدم وجود مراقب‪ .‬أي أن المادة ال تكون‬ ‫إيمانية ليس من السهولة ألي فرد أن يعترف بخطئها‬
‫وتأثير اإلنسان نقلها إلى حالة من النظام الممكن‬ ‫موجودة إال إذا رآها أحدهم‪ ،‬أي أن الكمبيوتر الموجود‬ ‫أو بأنها ليست حقائق مطلقة‪.‬‬
‫دراسته‪ .‬أنا أومن أن الكون ما زال يعج بهذه الفوضى‪،‬‬ ‫في الفيزياء ال يمكننا أن نقول إن‬ ‫أمامي اآلن لن يكون موجوداً إال إذا كنت في الغرفة أو‬ ‫المفكرون المثاليون أمثال الراهب‬ ‫هناك مستوى ثالث للمعرفة هو مستوى التفكير‬
‫وعلى الرغم من ذلك يحاول اإلنسان دوماً أن يبحث‬ ‫كان هناك عقل ما في الغرفة يعي وجوده وبالتالي‬ ‫المتعالي – أو الميتا‪-‬ميتافيزيقا‪ .‬وفي هذا المستوى‬
‫عن النظام في هذه الفوضى العارمة‪.‬‬ ‫الوعي يخلق المادة ألننا ال يمكننا أن‬ ‫فإن هذا الوجود يتمظهر لحظة إدراكه عقلياً‪.‬‬
‫باركلي يعتبرون أن الواقع ال يكون‬ ‫يتم البحث ليس في القضايا والحقائق ولكن يتم‬
‫لكن التأثير اإلنساني ليس من النوع الخرافي حيث‬ ‫نعتمد على هذا الوعي باستمرار في‬ ‫موجوداً إال إذا تمت مالحظته‬ ‫البحث في كيفية تعامل النظريات واألف���راد مع‬
‫يمكن للمراقب أن ينقل الشيء من طور الفكرة إلى‬ ‫نظريات الفيزياء الحديثة‬ ‫الحقائق والنظريات‪ .‬أي موضوع المعرفة مرتبط‬
‫طور الشيء الواقعي‪ .‬بل إن التأثير الذي أعتقد به هو‬
‫عملية تصميمنا للتجارب‬ ‫ومفهوم الحقيقة‬ ‫بكيفية تعامل الفرد مع الحقائق والمفاهيم ال‬
‫من التأثير المترافق مع العمل فإن كان هناك وعي‬ ‫تنعكس هذه الرؤى المختلفة للحقيقة في دراسة‬ ‫الحقائق والمفاهيم بحد ذاتها‪ .‬وهنا أيضاً يصبح من‬
‫لفكرة ما في عقل اإلنسان فإن العمل ينقلها من طور‬ ‫ميكانيكا الكم‪ .‬بل انها تصبح المؤثرة على طريقة‬ ‫الصعب التعامل مع مفاهيم محددة للحقيقة ولما‬
‫الفكرة إلى تجسيد هذه الفكرة في الواقع‪ .‬والتأثير‬ ‫بناء النظريات والمعارف في هذا الحقل من الفيزياء‪.‬‬ ‫يمكن قبوله أو رفضه‪.‬‬
‫هنا ينحصر في نقل المادي من حالة من الفوضى‬ ‫فكما يقول لنا التفسير السائد لميكانيكا الكم‪،‬‬ ‫وبالتالي سأقوم فيما يلي بالتركيز على تحليل‬
‫على حالة من النظام‪ .‬وهنا أتفق مع أرسطو فأقول‬ ‫الميكانيكا التي تعنى بحركة الجسيمات ما دون‬ ‫المستوى األول ولكن ليس ضمن التعريف المحدد‬
‫أن الخشب على سبيل المثال هو طاولة بالقوة‪ ،‬لكن‬ ‫ذرية‪ ،‬أننا ال نستطيع أن نتعامل مع هذه الجسيمات‬ ‫والبسيط لألشياء والعالقات المباشرة بينها‪ ،‬بل من‬
‫العقل اإلنساني يصور شكل الطاولة‪ ،‬ثم يأتي العمل‬ ‫بالطريقة نفسها التي نتعامل بها مع األجسام‬ ‫خالل الرؤية لهذا المستوى ومجموعة النظريات‬
‫اإلنساني فينقلها من طور الفكرة إلى الواقع‪ ،‬فيحول‬ ‫الكالسيكية‪.‬‬ ‫المرتبطة بميكانيكا الكم والتي تعبر عن العالقات‬
‫الخشب من أن يكون "طاولة بالقوة" إلى أن يكون‬ ‫في العالم الكالسيكي‪ ،‬عالمنا الذي ندركه بالعين‬ ‫بين مركبات الواقع على مستوى الجسيمات وكيفية‬
‫"طاولة بالفعل"‪.‬‬ ‫المجردة‪ ،‬نستطيع في كل لحظة من لحظات حركة‬ ‫تحديد مفهوم الحقيقة في هذا التطبيق العياني‪.‬‬
‫أذن نستطيع أن نستنتج من هذا النقاش أن مفهوم‬ ‫أي جسم أن نعرف مكان وقوة وتسارع واتجاه هذا‬
‫الحقيقة في مستوى المعرفة الطبيعية المرتبطة‬ ‫الجسم‪ ،‬أي أننا نستطيع أن نعرف كل شيء مرتبط‬ ‫الحقيقة وعالقتها بالطبيعة‬
‫بالعلم يعكس في جوهره حقيقة مستقلة عن الذات‬ ‫بحركة الجسم فقط من خالل معرفة إحداثياته‬ ‫على الرغم من أن الجميع يتقبل حقيقة األشياء‬
‫العارفة‪ ،‬وأن هذه الحقيقة تنعكس في البناء المعرفي‬ ‫واتجاه حركته‪ ،‬وحقيقة التعامل مع هذه المفاهيم‬ ‫الموجودة في الطبيعة فإن الموقف من هذه الحقيقة‬
‫من خالل مجموعة من التعابير والنماذج والنظريات‬ ‫غير خاضعة ألي جدل بين الفالسفة والعلماء على حد‬ ‫يختلف بالنسبة للمواقف الفلسفية‪ .‬فبالنسبة‬
‫التي تعبر عن الطبيعة التي يتم دراستها‪.‬‬ ‫سواء‪ ،‬فالكل يقر بأن قوانين الحركة يمكنها أن تقدم‬ ‫للواقعي‪ ،‬فإن التعابير والنظريات التي تقدم عن‬
‫*رئيس قسم العلوم اإلنسانية واالجتماعية –‬ ‫لنا الحلول الواقعية والحقيقية يد لكل هذه االشياء‪.‬‬ ‫مكونات الطبيعة هي بالضرورة انعكاس لهذا‬
‫جامعة فيالدلفيا‬ ‫لكن في العالم الكمي‪ ،‬عالم الجسيمات الصغيرة‪،‬‬ ‫الواقع وبالتالي هي صحيحة ومعبرة عن حقيقة‬

You might also like