You are on page 1of 2

‫منهج ديكارت الجديد في الفلسفة‬

‫منهج جديدٍ‪ ،‬واحتياج الفلسفة إلى ذلك‪ ،‬أيضً ا‪ ،‬ومرام هذا المنهج‪ ،‬كما بدأه‬ ‫ٍ‬ ‫لذلك‪ ،‬أدرك ديكارت في فترة مُعيّنة من حياته‪ ،‬احتياجه إلى‬
‫اًل‬
‫الفتراض بدون نقد ما كان مقبو في‬ ‫ٍ‬ ‫فروض مُتهوّ رة أو مُتسرّ عة‪ ،‬ليس هناك ما يُب ّررها‪ ،‬إمّا نتيجة‬
‫ٍ‬ ‫ص ْون الفيلسوف من افتراض‬ ‫بيكون‪َ ،‬‬
‫ّ‬
‫ت غير دقيقة‪ ،‬ومُتس ّر عة من جانب الفيلسوف نفسه؛ هذا ما يرومه المنهج من ناحي ٍة سلبيّة‪ .‬أمّا من الناحية‬ ‫ُنع تخمينا ٍ‬‫الماضي‪ ،‬أو مِن ص ِ‬
‫القروسطيّة‪ ،‬لكن يختلف )‪ (Scholastique‬كما كانت الفلسفة اإلسكوالئيّة ‪ (Logique)،‬اإليجابيّة‪ ،‬أن يكون هذا المنهج منطق ّياً‬
‫س الهندسات‬ ‫ت جديدة في مجاالت بحث ال ّناس‪ .‬ولمّا كان ديكارت رياض ًّيا ماهِرً ا‪َ ،‬د َر َ‬ ‫عنها بكونه ليس منط ًقا صور ًّيا‪ ،‬ومُنتِجً ا الكتشافا ٍ‬
‫فخلَص إلى أ ّنه من المُمكن صياغة منهج يكون مشابهًا للّذي تستخدمه الهندسة‬ ‫‪.‬جي ًّدا‪َ ،‬‬

‫قواعد ديكارت األربعة في الفلسفة‬

‫أوج َز ديكارت أربع قواعد لهذا المنهج‪ ،‬كاآلتي ‪-Discourse On Method»،‬وفي كتابه «مقال عن المنهج‬
‫‪َ :‬‬

‫بوضوح أ ّنه كذلك؛ أي يجب أن أتج ّنب ال ّتس ّرع‪ ،‬وعدم ال ّتشبّث باألفكار السّابقة‪ ،‬وأن ال ُأ ْدخل في«‬
‫ٍ‬ ‫ال أقبل شيًئ ا على أ ّنه ّ‬
‫حق‪ ،‬ما لم أعرف‬
‫ك‬
‫وضوح وتميُّز‪ ،‬يزول معهما ك ّل ش ّ‬ ‫ّ‬
‫»‪.‬أحكامي إالّ ما يتمثل لعقلي في‬
‫ٍ‬

‫بقدر المُستطاع‪ ،‬وبمقدار ما يبدو ضرور ًّيا لحلّها على أحسن الوجوه«‬
‫»‪.‬أنْ أقس َم ك ّل واحدة من المشكالت الّتي أبحثها إلى أجزا ٍء كثير ٍة ْ‬

‫ً‬
‫معرفة‪ ،‬ح ّتى أصل شيًئ ا فشيًئ ا‪ ،‬أو بال ّتدريج‪ ،‬إلى معرف ٍة أكثر تعقي ًدا‪ ،‬م ِ‬
‫ُفترضًا «‬ ‫ً‬
‫بساطة‪ ،‬وأيسرها‬ ‫أن ُأر ّتب أفكاري‪ ،‬فأبدأ باألمور األكثر‬
‫»‪.‬ترتيبًا‪ ،‬ح ّتى لو كان خيال ًّيا‪ ،‬بين األمور الّتي ال يسبق البعض منها البعض اآلخر‬

‫جميع األحوال من اإلحصاءات الكاملة‪ ،‬والمراجعات ال ّشاملة‪ ،‬ما يجعلني على ثق ٍة من أ ّنني لم أغفل شيًئ ا«‬
‫ِ‬ ‫»‪.‬أن أعم َل في‬

‫ما أهمية قواعد ديكارت األربع؟‬

‫وعندما ُنلقي نظرة على هذه القواعد العقليّة‪ ،‬نرى أ ّنها ُتشير إلى اإلجراءات الّتي ُت ّتبع في ح ّل أيّ مشكل ٍة أصليّة في الهندسة‪ .‬ولدى‬
‫تكون واضحة‪َ ،‬ك ُك ّل واحدٍ‪ ،‬ومُتميّزة في تفصيالتها‪ ،‬وعالقاتها؛ وهذه‬ ‫َ‬ ‫ديكارت‪ ،‬إنّ قبول أيّ شي ٍء على أ ّنه ّ‬
‫حق‪ ،‬يعني أنّ القضيّة ال ب ّد أن‬
‫وليس ‪-Intuition»،‬هي قاعدة «الوضوح وال ّتميّز» عند ديكارت‪ .‬ومن هُنا‪ ،‬كان المصدر األوّ ل للمعرفة عند ديكارت‪ ،‬هو «الحدس‬
‫اإلحساس‪ ،‬إنّ الحدس وحده هو الّذي يفهم القضايا الواضحة والمُتميّزة عن طريق العقل؛ ألنّ ما ُتدركه الحواسّ ال يُمكن أن يكون واضحً ا‬
‫إذ يقول هذا األخير‪ :‬إنّ ‪ (Leibnitz)،‬ومُتمي ًّزا‪ ،‬كما يُدرك الحدس بديهيّات الهندسة‪ .‬وهذا ما سيكون موضع انتقا ٍد من قِ َبل اليبنتز‬
‫ُمثل أرقى درجات أساليب اإلدراك‪ ،‬الّتي ال تتح ّقق‬ ‫الحدس ال يُمكن أن يكون أوّ ل درج ٍة من درجات المعرفة‪ ،‬إذ إنّ الحدس عند اليبنتز ال ي ّ‬
‫إالّ حين تكون المعرفة واضحة‪ ،‬ومُميّزة‪ ،‬ومُطابقة‪ ،‬وكاملة‪ .‬كما إنّ الكوجي ّتو ال ّديكارتيّ ‪ ،‬قد ُبن َِي على قاعدة الوضوح وال ّتميّز الّتي‬
‫‪.‬أوردناها قبل قليل؛ أي على الحدس‬

‫‪:‬الكوچي ّتو ال ّديكارتيّ‬

‫ك‬
‫ش ّ‬ ‫صاغ ديكارت هذا المنهج‪ ،‬كخطوة أوّ ليّة وأساسيّة‪ ،‬سعى إلى اكتشاف ّ‬
‫الطريقة الّتي نعرف بها األشياء الموجودة ِبيقين‪ ،‬فبدأ بال ّ‬ ‫َ‬ ‫بعدما‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ك في شي ٍء ما‪َ ،‬يفترض مُس ّبقا‪ ،‬أنّ هذا الشيء‬ ‫ّ‬
‫يقين من ُه بصورة مُطلقة؛ إذ إنّ الش ّ‬ ‫ّ‬
‫ك فيه‪ ،‬حتى يصل إلى ما هو على ٍ‬ ‫ّ‬
‫في ك ّل شي ٍء يُمكن الش ّ‬
‫ك ديكارت المنهجيّ ‪ ،‬الّذي يعني نوعً ا من اإلجراء الخالص‪ ،‬الّذي يقود إلى ال ّتأ ّكد من‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫هو‬ ‫وهذا‬ ‫ى؛‬ ‫ً‬
‫ن‬ ‫مع‬ ‫ك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ش‬ ‫لل‬ ‫كان‬ ‫موجود بالفعل‪ ،‬وإالّ لَما‬
‫‪.‬وجو ِد شي ٍء ما‪ ،‬وليس ش ًّكا مذهب ًّيا يجعل من ديكارت شخصًا شا ًّكا‬
‫هل الحواس محل ثقة ديكارت؟‬

‫وخالل ذلك‪َ ،‬و َجدَ ديكارت أنّ الحواسّ استمرّ ت في خداعه‪ ،‬ولذا‪ ،‬من األفضل أالّ نثق بالحواسّ ‪ ،‬إذ تذ ّكر ديكارت أ ّنه في ليل ٍة ما‪ ،‬حلم أ ّنه‬
‫كان يرتدي عباءته‪ ،‬ويجلس قُرب ال ّنار‪ ،‬بينما في الحقيقة‪ ،‬كان نائمًا في فراشه‪ ،‬فما الّذي يمنعه من افتراض أ ّنه يحلم اآلن؟ وقد ال يكون‬
‫أيضً ا في المكان الّذي يفترض نفسه فيه في الواقع‪ .‬أمّا األبحاث الرّ ياضيّة البديهيّة‪ ،‬فيبدو أ ّنها صادقة‪ ،‬إذ إ ّننا في األحالم‪ ،‬كما في اليقظة‪،‬‬
‫باستمرار أنّ اثنين مُضا ًفا إليها ثالثة‪ُ ،‬تساوي خمسة‪ .‬لكن‪ ،‬ح ّتى في هذا‪ ،‬قد نكون كاذبين‪ ،‬ف ُربّما أنّ شيطا ًنا ش ّريرً ا – كما يُحبّذ‬
‫ٍ‬ ‫نجد‬
‫ك في شهاد ِة حواسّنا‪ ،‬وذاكرتنا‪،‬‬ ‫ديكارت أن يقول – يخدعنا ويوهمنا بذلك‪ .‬وبال ّتالي‪ ،‬وجد ديكارت من ناحي ٍة نظريّة‪ ،‬أ ّنه يُمكننا ال ّ‬
‫ش ّ‬
‫‪.‬وأفكارنا‪ ،‬ووجود العالم الخارجيّ ‪ ،‬من األساس‪ ،‬وح ّتى في صدق الرّ ياضيّات‪ ،‬أيضًا‬

‫أنا أفكر‪ ،‬إذن‪ ،‬أنا موجود‬

‫ك فيه‪ ،‬وهو واقعة وجوده الخاصّ ؛ أيْ الكوچي ّتو ال ّديكارتيّ ‪« :‬أنا ُأف ّكر‪ ،‬إذن‪ ،‬أنا موجود‬ ‫‪-‬وبال ّنهاية‪ ،‬وصل ديكارت إلى ما ال يُمكن ال ّ‬
‫ش ّ‬
‫فمُحاولة ديكارت في أن يش ّك بأ ّنه موجود‪ ،‬تفترض – أوّ اًل – أن يُسلّم تسليمًا‪ ،‬بأ ّنه يش ّك بالفعل‪ ،‬فهكذا‪Cogito Ergo Sum»، ،‬‬
‫يضمن أ ّنه موجود بالفعل‪ ،‬من خالل كونه يشكّ‪ .‬لكن‪ ،‬يجب أالّ نفهم أنّ كوچي ّتو ديكارت‪ ،‬مُج ّرد قياس ُأضمِرت مُقدّمته ال ُكبرى‪ ،‬على‬
‫غرار المنطق األرسطيّ ‪ ،‬كال ّتالي‪ُ :‬ك ّل مُف ّكر موجود‪ ،‬وأنا ُأف ّكر‪ ،‬إذن‪ ،‬أنا موجود‪ .‬إذ يُوضّح ديكارت أنّ الكوچي ّتو قاِئ ٌم على حركة بسيط ٍة‬
‫بشكل حدسيّ «أنا موجود»؛ إذ َمنْ هو هذا‬ ‫ٍ‬ ‫لل ّتفكير‪ُ ،‬تعرف بالحدس المُباشر؛ إذ إنّ القول «أنا أف ّكر» أو «أنا أشكّ»‪ ،‬يتضمّن مُباشر ًة‬
‫ّ‬
‫الذي يُفكر ويشكّ‪ ،‬إنْ أزلنا «أنا موجود»؟‬ ‫ّ‬

You might also like